المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب كيف التلبية) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٥

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَتَى تُؤَدَّى)

- ‌(بَاب كَمْ يُؤَدَّى فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَوَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ)

- ‌(بَاب فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ)

- ‌(باب في الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(بَاب مَنْ يُعْطِي مِنْ الصَّدَقَةِ وَحَدُّ الْغِنَى)

- ‌(بَاب مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ)

- ‌(بَاب كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْ الزَّكَاةِ)

- ‌(بَاب مَا تَجُوزُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ)

- ‌(باب في الاستعفاف)

- ‌(بَاب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(بَاب الْفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنْ الصَّدَقَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا)

- ‌(بَاب فِي حُقُوقِ الْمَالِ)

- ‌(بَاب حَقِّ السَّائِلِ)

- ‌(بَاب الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ)

- ‌(بَاب مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ)

- ‌(بَاب الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ)

- ‌(بَاب عَطِيَّةِ مَنْ سأل بالله عز وجل

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُخْرِجُ [1673] مِنْ نَصَرَ يَنْصُرُ (مِنْ مَالِهِ) فَلَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(بَاب فِي فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَنِيحَةِ)

- ‌(بَاب أَجْرِ الْخَازِنِ)

- ‌(بَاب الْمَرْأَةِ)

- ‌(بَاب فِي صِلَةِ الرَّحِمِ)

- ‌(بَاب فِي الشُّحِّ)

- ‌10 - كِتَاب اللُّقَطَةِ

- ‌11 - كِتَاب الْمَنَاسِك

- ‌(بَاب فَرْضِ الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ)

- ‌(بَاب لا صرورة)

- ‌(بَابُ التَّزَوُّدِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْكَرِيِّ)

- ‌(بَاب فِي الصَّبِيِّ يَحُجُّ)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(بَاب الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ)

- ‌(بَاب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَاب التَّلْبِيدِ)

- ‌(بَاب فِي الْهَدْيِ)

- ‌(بَاب فِي هَدْيِ الْبَقَرِ)

- ‌(بَاب فِي الْإِشْعَارِ)

- ‌(باب تعديل الْهَدْيِ)

- ‌(بَاب مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ [1757] بِبَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ)

- ‌(بَاب فِي رُكُوبِ الْبُدْنِ)

- ‌(بَابَ الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ)

- ‌(بَاب كَيْفَ تُنْحَرُ الْبُدْنُ)

- ‌(باب وَقْتِ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَاب الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي إِفْرَادِ الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي الْإِقْرَانِ)

- ‌(باب الرجل يهل الخ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ)

- ‌(باب متى يقطع الحاج التَّلْبِيَةَ)

- ‌(بَاب مَتَى يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ)

- ‌(باب المحرم يؤدب غلامه)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثِيَابِهِ)

- ‌(بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ)

- ‌(بَاب فِي الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا)

- ‌(بَاب فِي الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَحْتَجِمُ)

- ‌(بَاب يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ)

- ‌(باب المحرم يغتسل)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ)

- ‌(بَاب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ)

- ‌(بَاب لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ)

- ‌(باب الجراد للمحرم)

- ‌(بَاب فِي الْفِدْيَةِ)

- ‌(بَاب الْإِحْصَارِ)

- ‌(بَاب دُخُولِ مَكَّةَ)

- ‌(باب في رفع اليد إِذَا رَأَى الْبَيْتَ)

- ‌(بَاب فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ)

- ‌(بَاب اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ)

- ‌(بَاب الطَّوَافِ الْوَاجِبِ)

- ‌(بَاب الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّمَلِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ)

- ‌ بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(بَاب طَوَافِ الْقَارِنِ)

- ‌(بَاب طَوَافِ الْقَارِنِ)

- ‌(بَاب الْمُلْتَزَمِ)

- ‌(بَاب صفة حجة النبي)

- ‌(بَاب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى)

- ‌(بَاب الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَةَ)

- ‌(باب الخطبة بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب مَوْضِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب التَّعْجِيلِ)

- ‌(بَاب يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)

- ‌(بَاب الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ)

- ‌(بَاب مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب النُّزُولِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب أَيِّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ)

- ‌(بَاب أَيِّ وَقْتٍ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ)

- ‌(بَاب مَا يَذْكُرُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب الْقَصْرِ لِأَهْلِ مَكَّةَ)

- ‌(بَاب فِي رَمْيِ الْجِمَارِ)

- ‌(بَاب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ)

- ‌(باب العمرة)

- ‌(باب المهلة بالعمرة تحيض [1995] قبل إِتْمَامُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْوَدَاعِ [2002] مِنَ الْبَيْتِ)

- ‌(بَاب الْحَائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ)

- ‌(بَاب طَوَافِ الْوَدَاعِ)

- ‌(بَاب التَّحْصِيبِ)

- ‌(باب من قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فِي حَجِّهِ)

- ‌(بَاب فِي مَكَّةَ [2016] هَلْ يُبَاحُ فِيهَا شَيْءٌ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا)

- ‌(باب تحريم مَكَّةَ)

- ‌(بَاب فِي نَبِيذِ السِّقَايَةِ)

الفصل: ‌(باب كيف التلبية)

27 -

(بَاب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ)

[1812]

هِيَ مَصْدَرُ لَبَّى كَزَكَّى تَزْكِيَةً أَيْ كَيْفَ قَالَ لَبَّيْكَ وَهُوَ عِنْدَ بن سِيبَوَيْهِ وَالْأَكْثَرِينَ مُثَنَّى لِقَلْبِ أَلِفِهِ يَاءً مَعَ الْمُظْهَرِ وَلَيْسَتْ ثَنِيَّتُهُ حَقِيقَةً بَلْ مِنَ الْمُثَنَّاةِ لَفْظًا وَمَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ وَالْمُبَالَغَةِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ أَيْ أَجَبْتُ إِجَابَةً بَعْدَ إجابة إلى مالا نهاية له

قال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إِجَابَةُ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَذَّنَ في الناس بالحج

(اللهم لبيك) أي ياالله أَجَبْنَاكَ فِيمَا دَعَوْتَنَا

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ في مسنده وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظبيان عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي قَالَ أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ قَالَ فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ ياأيها النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَفَلَا تَرَوْنَ أَنَّ النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ

ومن طريق بن جريج عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ وَأَوَّلُ مَنْ أَجَابَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَلَيْسَ حَاجٌّ يَحُجُّ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ إِلَّا مَنْ كَانَ أَجَابَ إِبْرَاهِيمُ يَوْمَئِذٍ (إِنَّ الْحَمْدَ) رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافٍ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَبَّيْكَ اسْتَأْنَفَ كَلَامًا آخَرَ فَقَالَ إِنَّ الْحَمْدَ وَبِالْفَتْحِ عَلَى التَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ قَالَ أَجَبْتُكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُ عَنْ أبي حنيفة وبن قدامة عن أحمد بن حنبل وبن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْإِجَابَةُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ فَإِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ والفتح بدل عَلَى التَّعْلِيلِ لَكِنْ قَالَ فِي اللَّامِعِ وَالْعُدَّةِ إِنَّهُ إِذَا كُسِرَ صَارَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اسْتِئْنَافٌ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ عَنِ الْعِلَّةِ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِكَسْرِ النُّونِ الْإِحْسَانُ وَالْمِنَّةُ مُطْلَقًا وَهِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَشْهَرِ عَطْفًا عَلَى الْحَمْدِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ خَبَرِ إِنَّ تَقْدِيرُهُ إِنَّ الْحَمْدَ لَكَ والنعمة مستقرة لك

وجوز بن الْأَنْبَارِيِّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرُ إن هو

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله فِي مَعْنَى التَّلْبِيَة ثَمَانِيهِ أَقْوَال أَحَدهمَا إِجَابَة لَك بَعْد إِجَابَة وَلِهَذَا الْمَعْنَى كُرِّرَتْ التَّلْبِيَة إِيذَانًا بِتَكْرِيرِ الْإِجَابَة

ص: 175

الْمَحْذُوفُ (وَالْمُلْكَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إِنَّ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَالْمُلْكُ كَذَلِكَ (وَسَعْدَيْكَ) هُوَ مِنْ بَابِ لَبَّيْكَ فَيَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ وَمَعْنَاهُ أَسْعِدْنِي إِسْعَادًا بَعْدَ إِسْعَادٍ فَالْمَصْدَرُ فِيهِ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَاهُ أُسْعِدكَ بِالْإِجَابَةِ إِسْعَادًا بَعْدَ إِسْعَادٍ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ

وَقِيلَ الْمَعْنَى مُسَاعَدَةٌ عَلَى طَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ فَيَكُونُ مِنَ الْمُضَافِ الْمَنْصُوبِ (وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْقَصْرِ كَالْعَلَاءِ وَالْعُلَا وَبِالْفَتْحِ مَعَ الْقَصْرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ والمسألة يعني أنه تعالى هو المطلوب المسؤول مِنْهُ فَبِيَدِهِ جَمِيعُ الْأُمُورُ (وَالْعَمَلُ) لَهُ سُبْحَانَهُ لأنه المستحق للعبادة وحده

وفي حَذْفٌ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ وَالْعَمَلُ إِلَيْكَ أَيْ إِلَيْكَ الْقَصْدُ بِهِ وَالِانْتِهَاءُ بِهِ إِلَيْكَ لِتُجَازِيَ عَلَيْهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بن عقبة عن نافع وغيره عن بن عُمَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ لَبَّيْكَ الْحَدِيثَ

وَلِلْبُخَارِيِّ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الثاني أنه انقياد من قولهم لببت الرَّجُل إِذَا قَبَضْت عَلَى تَلَابِيبه وَمِنْهُ لَبَّبْته بِرِدَائِهِ وَالْمَعْنَى اِنْقَدْت لَك وَسَعَتْ نَفْسِي لَك خَاضِعَة ذَلِيلَة كَمَا يُفْعَل بِمَنْ لُبِّبَ بِرِدَائِهِ وَقُبِضَ عَلَى تَلَابِيبه الثَّالِث أَنَّهُ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ إِذَا قَامَ بِهِ وَلَزِمَهُ

وَالْمَعْنَى أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك مُلَازِم لَهَا

اِخْتَارَهُ صَاحِب الصِّحَاح

الرَّابِع أَنَّهُ مِنْ قَوْلهمْ دَارِي تَلِبّ دَارك أَيْ تُوَاجِههَا وَتُقَابِلهَا أَيْ مُوَاجِهَتك بِمَا تُحِبّ مُتَوَجِّه إِلَيْك

حَكَاهُ فِي الصِّحَاح عَنْ الْخَلِيل

الْخَامِس مَعْنَاهُ حُبًّا لَك بَعْد حُبّ مِنْ قَوْلهمْ

اِمْرَأَة لَبَّة إِذَا كَانَتْ مُحِبَّة لِوَلَدِهَا

السَّادِس أَنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ لَبَّ الشَّيْء وَهُوَ خَالِصه وَمِنْهُ لَبَّ الطَّعَام وَلَبَّ الرَّجُل عَقْله وَقَلْبه

وَمَعْنَاهُ أَخْلَصْت لُبِّي وَقَلْبِي لَك وَجَعَلْت لَك لُبِّي وَخَالِصَتِي

السَّابِع أَنَّهُ مِنْ قولهم فلان رخي اللبب وفي لب رَخِيّ أَيْ فِي حَال وَاسِعَة مُنْشَرِح الصَّدْر

وَمَعْنَاهُ إِنِّي مُنْشَرِح الصَّدْر مُتَّسِع الْقَلْب لِقَبُولِ دَعْوَتك وَإِجَابَتهَا مُتَوَجِّه إِلَيْك بِلَبَبٍ رَخِيّ يُوجِد الْمُحِبّ إِلَى مَحْبُوبه لَا بِكُرْهٍ وَلَا تَكَلُّف

الثَّامِن أَنَّهُ مِنْ الْإِلْبَاب وَهُوَ الِاقْتِرَاب أَيْ اِقْتِرَابًا إِلَيْك بَعْد اِقْتِرَاب كَمَا يَتَقَرَّب الْمُحِبّ من محبوبه

ص: 176

الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ الْحَدِيثَ

وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ

زَادَ مسلم من هذا الوجه قال بن عُمَرَ كَانَ عُمَرُ يُهِلُّ بِهَذَا وَيَزِيدُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ وَهَذَا الْقَدْرُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَيْضًا عِنْدَهُ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِيهَا فَذَكَرَ نَحْوَهُ فعرف أن بن عُمَرَ اقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِأَبِيهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ

قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ مِنَ الذِّكْرِ لِلَّهِ مَا أَحَبَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يعني الذي أخرجه النسائي وبن

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وسعديك مِنْ الْمُسَاعِدَة وَهِيَ الْمُطَاوَعَة

وَمَعْنَاهُ مُسَاعَدَة فِي طَاعَتك وَمَا تُحِبّ بَعْد مُسَاعِدَة

قَالَ الْحَرْبِيّ ولم يسمع سعديك مفردا

والرغباء إِلَيْك يُقَال بِفَتْحِ الرَّاء مَعَ الْمَدّ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْقَصْر

وَمَعْنَاهَا الطَّلَب وَالْمَسْأَلَة وَالرَّغْبَة

وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي الْيَاء فِي لَبَّيْكَ

فَقَالَ سِيبَوَيْهِ هِيَ يَاء التَّثْنِيَة

وَهُوَ مِنْ الْمُلْتَزَم نَصْبه عَلَى الْمَصْدَر كَقَوْلِهِمْ حَمْدًا وَشُكْرًا وَكَرَامَة وَمَسَرَّة

وَالْتَزَمُوا تَثْنِيَته إِيذَانًا بِتَكْرِيرِ مَعْنَاهُ وَاسْتِدَامَته

وَالْتَزَمُوا إِضَافَته إِلَى ضَمِير الْمُخَاطَب لَمَّا خَصُّوهُ بِإِجَابَةِ الداعي

وقد جاء إضافته إلى ضمير للغائب نَادِرًا كَقَوْلِ الشَّاعِر دَعَوْت لَمَّا نَابَنِي مُسَوَّرًا فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيَّ مُسَوَر وَالتَّثْنِيَة فِيهِ كَالتَّثْنِيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اِرْجِعْ الْبَصَر كَرَّتَيْنِ} وَلَيْسَ الْمُرَاد مِمَّا يَشْفَع الْوَاحِد فَقَطّ

وَكَذَلِكَ سَعْدِيّك وَدَوَالِيك

وَقَالَ يُونُس هُوَ مُفْرَد وَالْبَاء فِيهِ مِثْل عَلَيْك وَإِلَيْك وَلَدَيْك

وَمِنْ حَجَّة سيبويه على يونس أن على وإلى يَخْتَلِفَانِ بِحَسْب الْإِضَافَة فَإِنَّ جَرًّا مُضْمِرًا كَانَا بِالْيَاءِ وَإِنَّ جَرًّا ظَاهِرًا كَانَا بِالْأَلْفِ

فَلَوْ كَانَ لَبَّيْكَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ بِالْيَاءِ فِي جَمِيع أَحْوَاله سَوَاء أُضَيِّف إِلَى ظَاهِر أَوْ مُضْمِر كَمَا قَالَ فَلُبِّي يَدِيّ مُسَوَّر

وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ النُّحَاة أُصَلِّ الْكَلِمَة لُبًّا لُبًّا أَيّ إِجَابَة بَعْد إِجَابَة فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ تَكْرَار الْكَلِمَة فَجَمَعُوا بَيْن اللَّفْظَيْنِ لِيَكُونَ أَخَفْ عَلَيْهِمْ فَجَاءَتْ التَّثْنِيَة وَحَذَفَ التَّنْوِين لِأَجَلِ الْإِضَافَة

وَقَدْ اِشْتَمَلَتْ كَلِمَات التَّلْبِيَة عَلَى قَوَاعِد عَظِيمَة وَفَوَائِد جليلة

ص: 177

ماجه وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لبيك وبزيادة بن عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ

وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ ثُمَّ فَعَلَهُ هُوَ وَلَمْ يَقُلْ لَبُّوا بِمَا شِئْتُمْ مِمَّا مِنْ جِنْسِ هَذَا بَلْ عَلَّمَهُمْ كَمَا عَلَّمَهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ فَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَدَّى فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عَلَّمَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

إِحْدَاهَا أَنَّ قَوْلك لَبَّيْكَ يَتَضَمَّن إِجَابَة دَاعٍ دَعَاك وَمُنَادٍ نَادَاك وَلَا يَصِحّ فِي لُغَة وَلَا عَقْل إِجَابَة مِنْ لَا يَتَكَلَّم وَلَا يَدْعُو مِنْ أَجَابَهُ

الثَّانِيَة أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْمَحَبَّة كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقَال لَبَّيْكَ إِلَّا لِمِنْ تُحِبّهُ وَتُعَظِّمهُ وَلِهَذَا قِيلَ فِي مَعْنَاهَا أَنَا مُوَاجِه لَك بِمَا تُحِبّ وَأَنَّهَا مِنْ قَوْلهمْ اِمْرَأَة لَبَّة أَيّ مَحَبَّة لِوَلَدِهَا

الثَّالِثَة أَنَّهَا تَتَضَمَّن اِلْتِزَام دَوَام الْعُبُودِيَّة وَلِهَذَا قِيلَ هِيَ مِنْ الْإِقَامَة أَيّ أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك

الرَّابِعَة أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْخُضُوع وَالذُّلّ أَيّ خُضُوعًا بَعْد خُضُوع مِنْ قَوْلهمْ

أَنَا مُلَبٍّ بَيْن يَدَيْك أَيّ خَاضِع ذَلِيل

الْخَامِسَة أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِخْلَاص وَلِهَذَا قِيلَ

إِنَّهَا مِنْ اللُّبّ وَهُوَ الْخَالِص

السَّادِسَة أَنَّهَا تَتَضَمَّن الْإِقْرَار بِسَمْعِ الرَّبّ تَعَالَى إِذْ يَسْتَحِيل أَنَّ يَقُول الرَّجُل لَبَّيْكَ لِمِنْ لَا يَسْمَع دُعَاءَهُ

السَّابِعَة أَنَّهَا تَتَضَمَّن التَّقَرُّب مِنْ اللَّه وَلِهَذَا قِيلَ

إِنَّهَا مِنْ الْإِلْبَاب وَهُوَ التَّقَرُّب

الثَّامِنَة أَنَّهَا جَعَلَتْ فِي الْإِحْرَام شِعَارًا لِانْتِقَالِ مِنْ حَال إِلَى حَال وَمِنْ مَنْسَك إِلَى مَنْسَك كَمَا جَعَلَ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة سَبْعًا لِلِانْتِقَالِ مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن وَلِهَذَا كَانَتْ السُّنَّة أَنْ يُلَبِّي حَتَّى يَشْرَع فِي الطَّوَاف فَيَقْطَع التَّلْبِيَة ثُمَّ إِذَا سَارَ لَبَّى حَتَّى يَقِف بِعَرَفَة فَيَقْطَعهَا ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَقِف بِمُزْدِلَفَةَ فَيَقْطَعهَا ثُمَّ يُلَبِّي حتى يرمي جمرة العقبة

فيقطعها فَالتَّلْبِيَة شِعَار الْحَجّ وَالتَّنَقُّل فِي أَعْمَال الْمَنَاسِك فَالْحَاجّ كُلَّمَا اِنْتَقَلَ مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّي يَقُول فِي اِنْتِقَاله مِنْ رُكْن إِلَى رُكْن اللَّه أَكْبَر فَإِذَا حَلَّ مِنْ نُسُكه قَطَعَهَا كَمَا يَكُون سَلَام الْمُصَلِّي قَاطِعًا لِتَكْبِيرِهِ

التَّاسِعَة أَنَّهَا شِعَار لِتَوْحِيدِ مِلَّة إِبْرَاهِيم الَّذِي هُوَ رُوح الْحَجّ وَمَقْصِده بَلْ رُوح الْعِبَادَات كُلّهَا وَالْمَقْصُود مِنْهَا

وَلِهَذَا كَانَتْ التَّلْبِيَة مِفْتَاح هَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي يَدْخُل فِيهَا بِهَا

الْعَاشِرَة أَنَّهَا مُتَضَمِّنَة لِمِفْتَاحِ الْجَنَّة وَبَاب الْإِسْلَام الَّذِي يَدْخُل مِنْهُ إِلَيْهِ وَهُوَ كَلِمَة الْإِخْلَاص وَالشَّهَادَة لِلَّهِ بِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ

ص: 178

فَقَالَ إِنَّهُ لَذُو الْمَعَارِجِ وَمَا هَكَذَا كُنَّا نُلَبِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى

وَسَيَأْتِي بَعْضُ الْكَلَامِ فِيهِ

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي حُكْمِ التَّلْبِيَةِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مِنَ السُّنَنِ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ

وَالثَّانِي وَاجِبَةٌ وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا دَمٌ

حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن بعض الشافعية وحكاه بن قُدَامَةَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ

وَالثَّالِثُ وَاجِبَةٌ لَكِنْ يَقُومُ مَقَامَهَا فعل يتعلق بالحج

قال بن الْمُنْذِرِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِنْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ يَنْوِي بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ

الرَّابِعُ أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الْإِحْرَامِ لَا ينعقد

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْحَادِيَة عَشَرَة أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحَبّ مَا يَتَقَرَّب بِهِ الْعَبْد إِلَى اللَّه وَأَوَّل مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّة أَهْله وَهُوَ فَاتِحَة الصَّلَاة وَخَاتِمَتهَا

الثَّانِيَة عَشْرَة أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الِاعْتِرَاف لِلَّهِ بِالنِّعْمَةِ كُلّهَا وَلِهَذَا عَرَّفَهَا بِاللَّامِ الْمُفِيدَة لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ النِّعَم كُلّهَا لَك وَأَنْتَ مُولِيهَا وَالْمُنْعِم بِهَا

الثَّالِثَة عَشْرَة أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الِاعْتِرَاف بِأَنَّ الْمِلْك كُلّه لِلَّهِ وَحْده فَلَا مِلْك عَلَى الْحَقِيقَة لِغَيْرِهِ

الرَّابِعَة عَشْرَة أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُؤَكَّد الثُّبُوت بِإِنَّ الْمُقْتَضِيَة تَحْقِيق الْخَبَر وَتَثْبِيته وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلهُ رَيْب وَلَا شَكّ

الْخَامِسَة عَشْرَة فِي إِنَّ وَجْهَانِ فَتْحهَا وَكَسْرهَا فَمَنْ فَتَحَهَا تَضَمَّنَتْ مَعْنَى التَّعْلِيل أَيْ لَبَّيْكَ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَمَنْ كَسَرَهَا كَانَتْ جُمْلَة مُسْتَقِلَّة مُسْتَأْنَفَة تَتَضَمَّن اِبْتِدَاء الثَّنَاء عَلَى اللَّه وَالثَّنَاء إِذَا كَثُرَتْ جُمَله وَتَعَدَّدَتْ كَانَ أَحْسَن من قلتها وأما إذا فتحت فإنها تقدر بِلَامِ التَّعْلِيل الْمَحْذُوفَة مَعَهَا قِيَاسًا وَالْمَعْنَى لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْد لَك وَالْفَرْق بَيْن أَنْ تَكُون جُمَل الثَّنَاء عِلَّة لِغَيْرِهَا وَبَيْن أَنْ تَكُون مُسْتَقِلَّة مُرَادَة لِنَفْسِهَا وَلِهَذَا قَالَ ثَعْلَب مَنْ قَالَ إِنَّ بِالْكَسْرِ فَقَدْ عَمَّ وَمَنْ قَالَ أَنَّ بِالْفَتْحِ فَقَدْ خَصَّ

وَنَظِير هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّعْلِيلَيْنِ وَالتَّرْجِيح سَوَاء قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْ الْمُؤْمِنِينَ {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْل نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم} كَسْر إِنَّ وَفَتْحهَا

فَمَنْ فَتَحَ كَانَ الْمَعْنَى نَدْعُوهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم وَمَنْ كَسَرَ كَانَ الْكَلَام جُمْلَتَيْنِ إِحَدهمَا قَوْله نَدْعُوهُ ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ إِنَّهُ هُوَ الْبَرّ الرَّحِيم قَالَ أَبُو عُبَيْد وَالْكَسْر أَحْسَن وَرَجَّحَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ

السَّادِسَة عَشْرَة أَنَّهَا مُتَضَمِّنَة لِلْإِخْبَارِ عَنْ اِجْتِمَاع الْمُلْك وَالنِّعْمَة وَالْحَمْد لِلَّهِ عزوجل وَهَذَا نَوْع آخَر مِنْ الثَّنَاء عَلَيْهِ غَيْر الثَّنَاء بِمُفْرَدَاتِ تِلْكَ الْأَوْصَاف الْعَلِيَّة فَلَهُ سُبْحَانه مِنْ أَوْصَافه الْعُلَى نَوْعَا ثَنَاء نَوْع مُتَعَلِّق بِكُلِّ صِفَة عَلَى اِنْفِرَادهَا وَنَوْع مُتَعَلِّق بِاجْتِمَاعِهَا وَهُوَ كَمَال مَعَ كَمَال وَهُوَ عَامَّة الْكَمَال والله سبحانه

ص: 179

بدونها حكاه بن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ قَالُوا هِيَ نَظِيرُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

يُفَرَّق فِي صِفَاته بَيْن الْمُلْك وَالْحَمْد وَسَوَّغَ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اِقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ مِنْ أَعْظَم الْكَمَال وَالْمُلْك وَحْده كَمَال وَالْحَمْد كَمَال وَاقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ كَمَال فَإِذَا اِجْتَمَعَ الْمُلْك الْمُتَضَمِّن لِلْقُدْرَةِ مَعَ النِّعْمَة الْمُتَضَمِّنَة لِغَايَةِ النَّفْع وَالْإِحْسَان وَالرَّحْمَة مَعَ الْحَمْد الْمُتَضَمِّن لِعَامَّةِ الْجَلَال وَالْإِكْرَام الدَّاعِي إِلَى مَحَبَّته كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعَظَمَة وَالْكَمَال وَالْجَلَال مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَهُوَ أَهْله وَكَانَ فِي ذِكْر الْحَمْد لَهُ وَمَعْرِفَته بِهِ مِنْ اِنْجِذَاب قَلْبه إِلَى اللَّه وَإِقْبَاله عَلَيْهِ وَالتَّوَجُّه بِدَوَاعِي الْمَحَبَّة كُلّهَا إِلَيْهِ مَا هُوَ مَقْصُود الْعُبُودِيَّة وَلُبّهَا وَذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء

وَنَظِير هَذَا اِقْتِرَان الْغِنَى بِالْكَرَمِ كَقَوْلِهِ {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّ كَرِيم} فَلَهُ كَمَال مِنْ غِنَاهُ وَكَرَمه وَمِنْ اِقْتِرَان أَحَدهمَا بِالْآخَرِ

وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعِزَّة بِالرَّحْمَةِ {وَإِنَّ رَبّك لَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم}

وَنَظِيره اِقْتِرَان العفو بالقدرة {وكان الله عفوا غفورا}

وَنَظِيره اِقْتِرَان الْعِلْم بِالْحِلْمِ {وَاَللَّه عَلِيم حَلِيم}

وَنَظِيره اِقْتِرَان الرَّحْمَة بِالْقُدْرَةِ {وَاَللَّه قَدِير وَاَللَّه غَفُور رَحِيم}

وَهَذَا يُطْلِع ذَا اللُّبّ عَلَى رِيَاض مِنْ الْعِلْم أَنِيقَات وَيَفْتَح لَهُ بَاب مَحَبَّة اللَّه وَمَعْرِفَته وَاَللَّه الْمُسْتَعَان وَعَلَيْهِ التُّكْلَان

السابعة عشرة أن النبي قَالَ أَفْضَل مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير وَقَدْ اِشْتَمَلَتْ بِالتَّلْبِيَةِ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَات بِعَيْنِهَا وَتَضَمَّنَتْ مَعَانِيهَا وَقَوْله وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير لَك أَنْ تُدْخِلهَا تَحْت قَوْلك فِي التَّلْبِيَة لَا شَرِيك لَك

وَلَك أَنْ تُدْخِلهَا تَحْت قَوْلك إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَلَك أَنْ تُدْخِلهَا تَحْت إِثْبَات الْمُلْك لَهُ تَعَالَى إِذْ لَوْ كَانَ بَعْض الْمَوْجُودَات خَارِجًا عَنْ قُدْرَته وَمُلْكه وَاقِعًا بِخَلْقِ غَيْره لَمْ يَكُنْ نَفْي الشَّرِيك عَامًّا وَلَمْ يَكُنْ إِثْبَات الْمُلْك وَالْحَمْد لَهُ عَامًّا وَهَذَا مِنْ أَعْظَم الْمُحَال وَالْمُلْك كُلّه لَهُ وَالْحَمْد كُلّه لَهُ وَلَيْسَ لَهُ شَرِيك بِوَجْهٍ من الوجوه

الثامنة عشر أَنَّ كَلِمَات التَّلْبِيَة مُتَضَمِّنَة لِلرَّدِّ عَلَى كُلّ مُبْطِل فِي صِفَات اللَّه وَتَوْحِيده فَإِنَّهَا مُبْطِلَة لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اِخْتِلَاف طَوَائِفهمْ وَمَقَالَاتهمْ

وَلِقَوْلِ الْفَلَاسِفَة وَإِخْوَانهمْ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلِينَ لِصِفَاتِ الْكَمَال الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّق الْحَمْد فَهُوَ سُبْحَانه مَحْمُود لِذَاتِهِ وَلِصِفَاتِهِ وَلِأَفْعَالِهِ فَمَنْ

ص: 180

قال التلبية فرض الحج

وحكاه بن المنذر عن بن عمر وطاووس وعكرمة وحكى النووي عن داود أنه لابد مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ كَوْنِهَا رُكْنًا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي والترمذي وبن مَاجَهْ

[1813]

(ذَا الْمَعَارِجِ) مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعَارِجُ الْمَصَاعِدُ وَالدَّرَجُ وَاحِدُهَا مَعْرَجٌ يُرِيدُ مَعَارِجَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى السَّمَاءِ وَقِيلَ الْمَعَارِجُ الْفَوَاضِلُ الْعَالِيَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ ذَا الْمَعَارِجِ وَذَا الْفَوَاضِلِ (فَلَا يَقُولُ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَهُمْ شَيْئًا) فَسُكُوتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْلِهِمْ يَدُلُّ على جواز الزيادة على التلبية المعنية ويدل

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

جَحَدَ صِفَاته وَأَفْعَاله فَقَدْ جَحَدَ حَمْده وَمُبْطِلَة لقول مجوس الأمة لقدرية الَّذِينَ أَخْرَجُوا مِنْ مِلْك الرَّبّ وَقُدْرَته أَفْعَال عِبَاده مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَالْإِنْس فَلَمْ يُثْبِتُوا لَهُ عَلَيْهَا قُدْرَة وَلَا جَعَلُوهُ خَالِقًا لَهَا

فَعَلَى قَوْلهمْ لَا تَكُون دَاخِلَة تَحْت مُلْكه إِذْ مَنْ لَا قُدْرَة لَهُ عَلَى الشَّيْء كَيْفَ يَكُون هَذَا الشَّيْء دَاخِلًا تَحْت مُلْكه فَلَمْ يَجْعَلُوا الْمُلْك كُلّه لِلَّهِ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير وَأَمَّا الْفَلَاسِفَة فَعِنْدهمْ لَا قُدْرَة لَهُ عَلَى شَيْء الْبَتَّة فَمَنْ عَلِمَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَات وَشَهِدَهَا وَأَيْقَنَ بِهَا بَايَنَ جَمِيع الطَّوَائِف الْمُعَطِّلَة

التَّاسِعَة عَشْرَة فِي عَطْف الْمُلْك عَلَى الْحَمْد وَالنِّعْمَة بَعْد كَمَالِ الْخَبَر وَهُوَ قَوْله إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَالْمُلْك وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك لَطِيفَة بَدِيعَة وَهِيَ أَنَّ الْكَلَام يَصِير بِذَلِكَ جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك لَك كَانَ عَطْف الْمُلْك عَلَى مَا قَبْله عَطْف مُفْرَد فَلَمَّا تَمَّتْ الْجُمْلَة الْأُولَى بِقَوْلِهِ لَك ثُمَّ عَطَفَ الْمُلْك كَانَ تَقْدِيره وَالْمُلْك لَك

فَيَكُون مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُلْك وَالْحَمْد وَفَائِدَته تَكْرَار الْحَمْد فِي الثَّنَاء

الْعِشْرُونَ لَمَّا عَطَفَ النِّعْمَة عَلَى الْحَمْد وَلَمْ يَفْصِل بَيْنهمَا بِالْخَبَرِ كَانَ فِيهِ إِشْعَار بِاقْتِرَانِهِمَا وَتَلَازُمهمَا وَعَدَم مُفَارَقَة أَحَدهمَا لِلْآخَرِ فَالْإِنْعَام وَالْحَمْد قَرِينَانِ

الْحَادِيَة وَالْعِشْرُونَ فِي إِعَادَة الشَّهَادَة لَهُ بِأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ لَطِيفَة وَهِيَ أَنَّهُ أَخْبَرَ لَا شَرِيك لَهُ عَقِب إِجَابَته بِقَوْلِهِ لَبَّيْكَ ثُمَّ أَعَادَهَا عَقِب قَوْله إِنَّ الْحَمْد وَالنِّعْمَة لَك وَالْمُلْك لَا شَرِيك لَك

وَذَلِكَ يَتَضَمَّن أَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فِي الْحَمْد وَالنِّعْمَة وَالْمُلْك وَالْأَوَّل يَتَضَمَّن أَنَّهُ لَا شَرِيك لَك فِي إِجَابَة هَذِهِ الدَّعْوَة وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى {شَهِدَ اللَّه أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم}

ص: 181

عَلَى جَوَازِ مَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُلَبِّي بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا تقدم عن عمر وبن عُمَرَ

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَجِّ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ قَالَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ تَلْبِيَتَهُ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَرْفُوعَةِ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْفَتْحِ

وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أن بن عُمَرَ حَفِظَ التَّلْبِيَةَ عَنْهُ ثُمَّ زَادَ مِنْ قِبَلِهِ زِيَادَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن ماجه انْتَهَى

[1814]

(أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي) وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ لِلرَّجُلِ بِالتَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لا يضر نفسه وبه قال بن رَسْلَانَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَصْحَابِي النِّسَاءُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لا تجهر بِهَا بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى إِسْمَاعِ نَفْسِهَا

وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ وَاجِبٌ

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي لَا سِيَّمَا وَأَفْعَالُ الْحَجِّ وَأَقْوَالُهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ على الناس حج البيت وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وآله وسلم خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى التَّلْبِيَةَ وَاجِبَةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَالَ مَنْ لَمْ يُلَبِّ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَا شَيْءَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ لَمْ يُلَبِّ

قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فِي أَوَّل الْآيَة وَذَلِكَ دَاخِل تَحْت شَهَادَته وَشَهَادَة مَلَائِكَته وَأُولِي الْعِلْم وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُود بِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قِيَامه بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْل فَأَعَادَ الشَّهَادَة بِأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَعَ قِيَامه بِالْقِسْطِ

ص: 182