الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1946]
(بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ) سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ لِيَحُجَّ بِالنَّاسِ (فِي) جُمْلَةِ رَهْطٍ (مَنْ يُؤَذِّنُ) مِنَ التَّأْذِينِ أَوِ الْإِيذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ (يَوْمَ النَّحْرِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ بَعَثَنِي (لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ (مُشْرِكٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُنَا الْحَرَامُ كُلُّهُ فَلَا يُمَكَّنُ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ بِحَالٍ حَتَّى لَوْ جَاءَ فِي رِسَالَةٍ أَوْ أَمْرٍ مُهِمٍّ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَ خُفْيَةً وَمَرِضَ وَمَاتَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنَ الْحَرَمِ (وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ) هَذَا إِبْطَالٌ لِمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عُرَاةً
وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ يُشْتَرَطُ لَهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَيَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِنَّمَا قِيلَ الْأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَقُولُ يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى
8 -
(بَاب الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ)
[1947]
(إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ) أَيْ دَارَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَضَعَهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ عَامٍ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَكُلُّ شَهْرٍ مَا بَيْنَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ غَيَّرُوا ذَلِكَ فَجَعَلُوا عَامًا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَعَامًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُنْسِئُونَ الْحَجَّ فِي كُلِّ عامين من شَهْرٌ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ بَعْدَهُ وَيَجْعَلُونَ الشَّهْرَ الَّذِي أَنْسَئُوهُ مُلْغًى فَتَصِيرُ تِلْكَ السَّنَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَتَتَبَدَّلُ أَشْهُرُهَا فَيُحِلُّونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَيُحَرِّمُونَ غَيْرَهَا فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ عَلَى مَدَارِهِ الْأَصْلِيِّ
فَالسَّنَةُ الَّتِي حَجَّ فِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ هِيَ السَّنَةُ الَّتِي وَصَلَ ذُو الْحِجَّةِ إِلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ يَعْنِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ ذُو الْحِجَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَاحْفَظُوهُ وَاجْعَلُوا الْحَجَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَا تُبَدِّلُوا شَهْرًا بِشَهْرٍ كَعَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ
كَذَا فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ
وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ قَدْ بَدَّلَتْ أَشْهُرَ الْحَرَامِ وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ أَوْقَاتَهَا مِنْ أَجْلِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما الْآيَةَ وَمَعْنَى النَّسِيءِ تَأْخِيرُ رَجَبٍ إِلَى شَعْبَانَ وَالْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرٍ وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ نَسَأْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخَّرْتُهُ وَمِنْهُ النَّسِيئَةُ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الدِّينِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِيهَا عَنِ الْقِتَالِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَيَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى أَنْ تَنْصَرِمَ هَذِهِ الْأَشْهُرُ وَيَخْرُجُوا إِلَى أَشْهُرِ الْحِلِّ فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ يَتَمَسَّكُونَ بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَالَ فِيهَا وَكَانَ قَبَائِلُ مِنْهُمْ يَسْتَبِيحُونَهَا فَإِذَا قَاتَلُوا فِي شَهْرِ حَرَامٍ حَرَّمُوا مَكَانَهُ شَهْرًا آخَرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلِّ فَيَقُولُونَ نَسَأْنَا الشَّهْرَ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى اخْتَلَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ حِسَابُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَكَانُوا رُبَّمَا يحجون في بعض السنن في شهر ويحجون في بعض السنن فِي شَهْرٍ وَيَحُجُّونَ مِنْ قَابِلٍ فِي شَهْرٍ غيره إلى كَانَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَادَفَ حَجُّهُمْ شَهْرَ الْحَجِّ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ التَّاسِعَ مِنْهُ ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أشهرالحج قَدْ تَنَاسَخَتْ بِاسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى الْأَصْلِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ حِسَابَ الْأَشْهُرِ عَلَيْهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَبَدَّلَ أَوْ يَتَغَيَّرَ فِيمَا يُسْتَأْنَفُ مِنَ الْأَيَّامِ
فَهَذَا تَفْسِيرُهُ وَمَعْنَاهُ انْتَهَى كَلَامُهُ (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى
قَالَهُ الطِّيبِيُّ (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) قَالَ تَعَالَى فلا تظلموا فيهن أنفسكم أَيْ بِهَتْكِ حُرْمَتِهَا وَارْتِكَابِ حَرَامِهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْمُقَاتَلَةِ فِيهَا مَنْسُوخَةٌ وَيُؤَيِّدُ النَّسْخَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ حَاصَرَ الطَّائِفَ وَغَزَا هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ في شوال وذي القعدة (ثلاث) أي ليالي (مُتَوَالِيَاتٌ) أَيْ مُتَتَابِعَاتٌ اعْتَبَرَ ابْتِدَاءَ الشُّهُورِ مِنَ اللَّيَالِي فَحُذِفَتِ التَّاءُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَرَجَبُ مُضَرَ) إِنَّمَا أَضَافَ الشَّهْرَ إِلَى مُضَرَ لِأَنَّهَا تُشَدِّدُ فِي تَحْرِيمِ رَجَبٍ وَتُحَافِظُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ مُحَافَظَةِ سَائِرِ الْعَرَبِ فَأُضِيفَ الشَّهْرُ إِلَيْهِمْ بِهَذَا الْمَعْنَى (الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى تَوْكِيدِ الْبَيَانِ كَمَا قَالَ فِي أَسْنَانِ الصَّدَقَةِ
فَإِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ومعلوم أن بن اللَّبُونِ لَا يَكُونُ إِلَّا ذَكَرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا نَسُوا رَجَبًا وَحَوَّلُوهُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَسَمَّوْا بِهِ بَعْضَ الشُّهُورِ الْأُخَرِ فَنَحَلُوهُ اسْمَهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَجَبًا هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ لَا مَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ رَجَبًا عَلَى حِسَابِ النَّسِيءِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَدِيثُ سكت عنه المنذري