الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَ طِيبًا فِي إِحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ فَبَادَرَ إِلَى إِزَالَتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
وَعَلَى أَنَّ اللُّبْسَ جَهْلًا لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ
وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ دَمٌ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ مُطْلَقًا
2 -
(بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ)
[1823]
قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالْمُحْرِمِ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أو قرن
وحكى بن دقيق العيد أن بن عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يَسْتَشْكِلُ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْإِحْرَامِ يَعْنِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ النِّيَّةُ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْحَجِّ الَّذِي الْإِحْرَامُ رُكْنُهُ وَشَرْطُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَيَعْتَرِضُ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ التَّلْبِيَةُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَكَأَنَّهُ يَحُومُ عَلَى تَعْيِينِ فِعْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ النِّيَّةُ فِي الِابْتِدَاءِ انْتَهَى
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَجْمُوعُ الصِّفَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ تَجَرُّدٍ وتلبية ونحو ذلك
(وَلَا الْبُرْنُسَ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالنُّونِ هُوَ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مُلْتَزِقٌ بِهِ مِنْ دُرَّاعَةٍ أَوْ جُبَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ كَانَ النُّسَّاكُ يَلْبَسُونَهَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْبِرْسِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْقُطْنِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ غَطَّى رَأْسَهُ مِنْ مُعْتَادِ اللِّبَاسِ كَالْعَمَائِمِ وَالْقَلَانِسِ وَنَحْوِهَا وَكَالْبُرْنُسِ أَوِ الْحِمْلِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَالْمِكْتَلِ يَضَعُهُ فَوْقَهُ وَكُلُّ مَا دَخَلَ فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّ فِيهِ الْفِدْيَةُ (وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ) الْوَرْسُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ نَبْتٌ أَصْفَرُ طيب الرائحة يصبغ به
قال بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ الْوَرْسُ مِنَ الطِّيبِ وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى اجْتِنَابِ الطِّيبِ وَمَا يُشْبِهُهُ فِي مُلَاءَمَةِ الشَّمِّ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّطَيُّبُ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَسَّهُ تَحْرِيمُ مَا صبغ كله أو بعضه ولكنه لابد عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْبُوغِ رَائِحَةٌ فَإِنْ ذَهَبَتْ جَازَ لُبْسُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ (إِلَّا لِمَنْ لَا يَجِدِ النَّعْلَيْنِ) فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ
الْخُفَّيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَاجِدَ النَّعْلَيْنِ لا يلبس الخفين المقطوعين
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُهُ وَالْمُرَادُ بِالْوِجْدَانِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ (أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ) هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مِفْصَلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ
وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ شَرْطٌ لجواز لبس الخفين خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ أَجَازَ لُبْسَهُمَا من غير قطع لإطلاق حديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي وَأَجَابَ عَنْهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنَ الْقَائِلِينَ بِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ وَقَلَّتْ سُنَّةٌ لَمْ تَبْلُغْهُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا وَفِيهِ أَنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنِ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ وَفِي لِبَاسِهِ وَفِي مَعْنَاهُ الطِّيبُ فِي طَعَامِهِ لِأَنَّ بُغْيَةَ النَّاسِ فِي تَطْيِيبِ الطَّعَامِ كَبُغْيَتِهِمْ فِي تَطْيِيبِ اللِّبَاسِ وَفِيهِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَوَجَدَ الْخُفَّيْنِ قَطَعَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ لَكِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَكُلُّ إِتْلَافٍ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ فَلَيْسَ بِتَضْيِيعٍ وَلَيْسَ فِي أَمْرِ الشَّرِيعَةِ إِلَّا الِاتِّبَاعُ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ عطاء لا يقطعهما لأن في قطعهما فساد وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَمِمَّنْ قَالَ يَقْطَعُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ
[1825]
(لَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ) أَيِ الْمُحْرِمَةُ وَالِانْتِقَابُ لُبْسُ غِطَاءٍ لِلْوَجْهِ فيه نقبان على العينين تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْهُمَا
قَالَ فِي الْفَتْحِ النِّقَابُ الْخِمَارُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَى الْأَنْفِ أَوْ تَحْتَ المحاجر
انتهى قاله الشوكاني
وقال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمَخِيطَ والخفاف وَلَهَا أَنْ تُغَطِّيَ رَأْسَهَا لَا وَجْهَهَا فَتَسْدُلُ الثَّوْبَ سَدْلًا خَفِيفًا تُسْتَرُ بِهِ عَنْ نَظَرِ الرِّجَالِ انْتَهَى (وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ) تَثْنِيَةُ الْقُفَّازِ بِوَزْنِ رُمَّانٍ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ تَلْبَسُهُمَا الْمَرْأَةُ لِلْبَرْدِ أَوْ ضَرْبٌ مِنَ الْحُلِيِّ لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْقُفَّازُ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ بَعْدَ الْأَلِفِ زَايٌ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدِهَا فَيُغَطِّي أَصَابِعَهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ مُعَانَاةِ الشَّيْءِ كَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ لِلْيَدِ كَالْخُفِّ لِلرَّجُلِ
وَالنِّقَابُ الْخِمَارُ الذي يشد
عَلَى الْأَنْفِ أَوْ تَحْتَ الْمَحَاجِرِ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ وَلَكِنِ الرَّجُلُ فِي الْقُفَّازِ مِثْلُهَا لكونه في معنى الخف فإن كلامنهما مُحِيطٌ بِجُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ
وَأَمَّا النِّقَابُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ جِهَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ عَلَى الرَّاجِحِ
وَمَعْنَى لَا تَنْتَقِبْ أَيْ لَا تَسْتُرْ وَجْهَهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْعِهَا مِنْ سَتْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا بما سِوَى النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي قال علي القارىء قَوْلُهُ لَا تَنْتَقِبْ نَفْيٌ أَوْ نَهْيٌ أَيْ لَا تَسْتُرْ وَجْهَهَا بِالْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ وَلَوْ سَدَلَتْ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا مُجَافِيًا جَازَ وَتَغْطِيَةُ وَجْهِ الرجل حَرَامٌ كَالْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رحمهم الله فِي رِوَايَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أَيْ مَرْفُوعًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ كَمَا رَوَاهَا اللَّيْثُ لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَرَوَى حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ مَرْفُوعًا كَمَا قَالَ اللَّيْثُ وَرَوَى مُوسَى بْنُ طَارِقٍ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرَ وَهَكَذَا رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَيُّوبُ كُلُّهُمْ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ مَرْفُوعًا لَكِنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا قَلِيلُ الْحَدِيثِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ مرفوعا بذكر هذا الزيادة ثم قال البخاري تابعه موسى بن عقد وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وبن إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ أَيْ هَؤُلَاءِ وَاللَّيْثُ بِذْكِرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَرْفُوعًا وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمَالِكٌ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعٍ موقوفا
هذا معنى قول البخاري
قالت أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ لَا تَنْتَقِبِ الْمُحْرِمَةُ وَهُوَ اقْتَصَرَهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ فَقَطْ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ لَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ فَنَقَلَ الْحَاكِمُ عَنْ شَيْخِهِ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ بن عُمَرَ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ ذِكْرَ الْقُفَّازَيْنِ إِنَّمَا هُوَ من قول بن عُمَرَ لَيْسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِنَّهُ رَوَاهُ اللَّيْثُ مُدْرَجًا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ الْحُكْمَ بِالْإِدْرَاجِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ مُفْرَدًا مَرْفُوعًا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الْمَدَنِيِّ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ مُبْتَدَأً بِهِ فِي صدره الْحَدِيثِ مُسْنَدًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَابِقًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ غَيْرِهِ
قَالَ وَهَذَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِدْرَاجِ وَيُخَالِفُ الطَّرِيقَ الْمَشْهُورَةَ فروى أبو داود أيضا من طريق بن إِسْحَاقَ كَمَا سَيَأْتِي
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْإِدْرَاجِ لَكِنِ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعِيدٍ الْمَدَنِيَّ مَجْهُولٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ بن عَدِيٍّ مُقْتَصِرًا عَلَى ذِكْرِ النِّقَابِ
وَقَالَ لَا يُتَابَعُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا عَلَى رَفْعِهِ
قَالَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ قَوْلِ بن عُمَرَ
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعِيدٍ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الْإِحْرَامِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مُقَارِبُ الحال
وفي الوجه الثاني بن إِسْحَاقَ وَهُوَ لَا شَكَّ دُونَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَقَدْ فَصَلَ الْمَوْقُوفَ مِنَ الْمَرْفُوعِ
وَقَوْلُ الشَّيْخِ إِنَّ هَذَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِدْرَاجِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الِاقْتِرَاحِ إِنَّهُ يُضَعِّفُ لَا يَمْنَعُهُ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ ظَنَّهُ مَرْفُوعًا قَدَّمَهُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْحَدِيثِ سَائِغٌ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى قَالَهُ العيني رحمه الله
[1827]
(أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ أَخْبَرَنَا أَبِي) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سعد (عن بن إِسْحَاقَ قَالَ فَإِنَّ نَافِعًا) وَلَفْظُ
أَحْمَدَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ (لَمْ يَذْكُرَا) أَيْ عَبَدَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ (مَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَلْتَلْبَسْ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
(وَجَدَ الْقُرَّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْبَرْدُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ الْمُسْنَدَ مِنْهُ بِنَحْوِهِ أَتَمَّ مِنْهُ
[1829]
(السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَا يَجِدُ الْإِزَارَ) قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي هَذَا الْحُكْمُ لِلْمُحْرِمِ لَا الْحَلَالِ فَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُ لُبْسِهِ السَّرَاوِيلَ عَلَى فَقْدِ الْإِزَارِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْمَدُ فَأَجَازَ لُبْسَ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ لِلْمُحْرِمِ الَّذِي لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ وَالْإِزَارَ عَلَى حَالِهِمَا وَاشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ قَطْعَ الْخُفِّ وَفَتْقِ السراويل فَلَوْ لَبِسَ شَيْئًا مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ لَزِمَتْهُ الفدية
والدليل لهم قوله في حديث بن عُمَرَ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيُلْحَقُ النَّظِيرُ بِالنَّظِيرِ لاستوائهما في الحكم
وقال بن قُدَامَةَ الْأَوْلَى قَطْعُهُمَا عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ انْتَهَى
وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَكْثَرُ جَوَازُ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ بِغَيْرِ فَتْقٍ كَقَوْلِ أَحْمَدَ وَاشْتَرَطَ الْفَتْقَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَطَائِفَةٌ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْعُ السَّرَاوِيلِ لِلْمُحْرِمِ مطلقا ومثله عن مالك وكأن حديث بن عَبَّاسٍ لَمْ يَبْلُغْهُ فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ لُبْسُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُهُمْ فِي الْخُفَّيْنِ وَمَنْ أَجَازَ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ عَلَى حَالِهِ قَيَّدَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي حَالَةِ لَوْ فَتَقَهُ لَكَانَ إِزَارًا لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَكُونُ وَاجِدًا لِإِزَارٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ أَتَمَّ مِنْهُ (هَذَا حَدِيثُ أَهْلِ مَكَّةَ) لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ مَكِّيٌّ وَرَوَى عَنْهُ الْمُصَنِّفُ وَإِسْنَادُ الْحَدِيثِ يَدُورُ عَلَى جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ بَصْرِيٌّ
وَأَنَّ جَابِرًا لَمْ يَذْكُرِ الْقَطْعَ وَتَفَرَّدَ بِذِكْرِ السَّرَاوِيلِ
[1830]
(فَنُضَمِّدُ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ نُلَطِّخُ (جِبَاهَنَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْجَبْهَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ تُجْمَعُ عَلَى جِبَاهٍ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ (بِالسُّكِّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ مَعْرُوفٌ (فَإِذَا عَرِقَتْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (فَلَا يَنْهَاهَا) وَسُكُوتُهُ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُتُ عَلَى بَاطِلٍ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ من حديث بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ادَّهَنَ بِزَيْتٍ غَيْرِ مُقَتَّتٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ
فِي الْقَامُوسِ زَيْتٌ مُقَتَّتٌ طُبِخَ فِيهِ الرَّيَاحِينُ أَوْ خُلِطَ بِأَدْهَانٍ طَيِّبَةٍ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِادِّهَانِ بِالزَّيْتِ الَّذِي لَمْ يُخْلَطُ بِشَيْءٍ مِنَ الطيب وقد قال بن الْمُنْذِرِ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالسَّمْنَ وَالشَّيْرَجَ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ
قَالَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطِّيبَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الطِّيبِ وَالزَّيْتِ فِي هَذَا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث بن عُمَر هَذَا فِيهِ أَحْكَام عَدِيدَة الْحُكْم الْأَوَّل أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يَلْبَس الْمُحْرِم وَهُوَ غَيْر مَحْصُور فَأَجَابَ بِمَا لَا يَلْبَس لِحَصْرِهِ
فَعُلِمَ أَنَّ غَيْره عَلَى الْإِبَاحَة وَنُبِّهَ بِالْقَمِيصِ عَلَى مَا فُصِّلَ لِلْبَدَنِ كُلّه مِنْ جُبَّة أَوْ دَلَق أَوْ دُرَّاعَة أَوْ عَرْقِشين وَنَحْوه
وَنَبَّهَ بِالْعِمَامَةِ عَلَى كُلّ ساتر للرأس معتاد كالقبع والطاقية والقلنسوة والكلتة
وَاسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ الْبَاقِيَ عَلَى الثَّوْبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَضُرُّ لُبْسُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ
[1831]
(يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ) لعموم حديث بن عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ شُمُولُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ (فَتَرَكَ ذَلِكَ) يَعْنِي رَجَعَ عَنْ فَتْوَاهُ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ بِغَيْرِ قَطْعٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
انْتَهَى
قُلْتُ رِوَايَتُهُ لَيْسَتْ مُعَنْعَنَةً بَلْ شَافَهَ الزُّهْرِيَّ وروى عنه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَنَحْوهَا وَنَبَّهَ بِالْبُرْنُسِ عَلَى الْمُحِيط بِالرَّأْسِ وَالْبَدَن جَمِيعًا كَالْغِفَارَةِ وَنَحْوهَا
وَنَبَّهَ بِالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْمُفَصَّل عَلَى الْأَسَافِل كَالتُّبَّانِ وَنَحْوه
وَنَبَّهَ بِالْخُفَّيْنِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْجُرْمُوق وَالْجَوْرَب وَالزُّرْبُول ذِي السَّاق وَنَحْوه
الْحُكْم الثَّانِي أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الثَّوْب الْمَصْبُوغ بِالْوَرْسِ أَوْ الزَّعْفَرَان وَلَيْسَ هَذَا لِكَوْنِهِ طِيبًا فَإِنَّ الطِّيب فِي غَيْر الْوَرْس وَالزَّعْفَرَان أَشَدّ وَلِأَنَّهُ خَصَّهُ بِالثَّوْبِ دُون الْبَدَن
وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ أَوْصَاف الثَّوْب الَّذِي يُحْرِم فِيهِ أَنْ لَا يَكُون مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا زَعْفَرَان
وَقَدْ نُهِيَ أَنْ يَتَزَعْفَر الرَّجُل وَهَذَا مَنْهِيّ عَنْهُ خَارِج الْإِحْرَام وَفِي الْإِحْرَام أَشَدّ
وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَعَرَّض هُنَا إِلَّا لِأَوْصَافِ الْمَلْبُوس لَا لِبَيَانِ جَمِيع مَحْظُورَات الْإِحْرَام
الْحُكْم الثَّالِث أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي لِبْس الْخُفَّيْنِ عِنْد عَدَم النَّعْلَيْنِ وَلَمْ يَذْكُر فَدِيَة وَرَخَّصَ فِي حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة فِي حَلْق رَأْسه مَعَ الْفِدْيَة وَكِلَاهُمَا مَحْظُور بِدُونِ الْعُذْر
وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ أَذَى الرَّأْس ضَرُورَة خَاصَّة لَا تَعُمّ فَهِيَ رَفَاهِيَة لِلْحَاجَةِ
وَأَمَّا لِبْس الْخُفَّيْنِ عِنْد عَدَم النَّعْلَيْنِ فَبَدَل يَقُوم مَقَام الْمُبْدَل وَالْمُبْدَل وَهُوَ النَّعْل لَا فَدِيَة فِيهِ فَلَا فَدِيَة فِي بَدَله وَأَمَّا حَلْق الرَّأْس فَلَيْسَ بِبَدَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَرَفُّه لِلْحَاجَةِ فَجُبِرَ بِالدَّمِ
الْحُكْم الرَّابِع أَنَّهُ أَمَرَ لَابِس الْخُفَّيْنِ بقطعهما أسفل من كعبيه في حديث بن عُمَر لِأَنَّهُ إِذَا قَطَعَهُمَا أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ صَارَا شَبِيهَيْنِ بِالنَّعْلِ
فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْقَطْع هَلْ هُوَ وَاجِب أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّهُ وَاجِب وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وأبي حنيفة ومالك والثوري وإسحاق وبن الْمُنْذِر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد لِأَمْرِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِهِمَا وَتَعَجَّبَ الْخَطَّابِيّ مِنْ أَحْمَد فَقَالَ الْعَجَب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِنْ أَحْمَد فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَكَاد يُخَالِف سُنَّة تَبْلُغهُ وَقُلْت سُنَّة لَمْ تَبْلُغهُ
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة إِذَا لَمْ يَقْطَعهُمَا تَلْزَمهُ الْفِدْيَة
وَالثَّانِي أَنَّ الْقَطْع لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ بن أبي طالب وهو قول أصحاب بن عَبَّاس وَعَطَاء وَعِكْرِمَة
وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ لِمَا في الصحيحين عن بن عَبَّاس قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُب بِعَرَفَاتٍ مَنْ لَمْ يَجِد إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل وَمَنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ
فَأَطْلَقَ الْإِذْن فِي لِبْس الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِط الْقَطْع وَهَذَا كَانَ بِعَرَفَاتٍ وَالْحَاضِرُونَ مَعَهُ إِذْ ذَاكَ أَكْثَرهمْ لَمْ يَشْهَدُوا خُطْبَته بِالْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْل مَكَّة وَالْيَمَن وَالْبَوَادِي مَنْ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّه تَعَالَى وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة مُمْتَنِع
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِد إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل فَهَذَا كَلَام مُبْتَدَأ مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ فِيهِ فِي عَرَفَات فِي أَعْظَم جَمْع كَانَ لَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِد الْإِزَار فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيل وَمَنْ لَمْ يَجِد النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَأْمُر بِقَطْعِ وَلَا فَتْق وَأَكْثَر الْحَاضِرِينَ بِعَرَفَاتٍ لَمْ يَسْمَعُوا خُطْبَته بِالْمَدِينَةِ وَلَا سَمِعُوهُ يَأْمُر بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْته مُمْتَنِع
فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَاز لَمْ يَكُنْ شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ الَّذِي شُرِعَ بِالْمَدِينَةِ هُوَ لُبْس الْخُفّ الْمَقْطُوع ثُمَّ شُرِعَ بِعَرَفَاتٍ لُبْس الْخُفّ مِنْ غَيْر قَطْع
فَإِنْ قِيلَ فحديث بن عمر مقيد وحديث بن عَبَّاس مُطْلَق وَالْحُكْم وَالسَّبَب وَاحِد وَفِي مِثْل هَذَا يَتَعَيَّن حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد وَقَدْ أمر في حديث بن عُمَر بِالْقَطْعِ
فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ قوله في حديث بن عُمَر وَلْيَقْطَعْهُمَا قَدْ قِيلَ إِنَّهُ مُدْرَج مِنْ كَلَام نَافِع
قَالَ صَاحِب الْمُغْنِي كَذَلِكَ رُوِيَ فِي أَمَالِي أَبِي الْقَاسِم بْن بشران بِإِسْنَادٍ صَحِيح أَنَّ نَافِعًا قَالَ بَعْد رِوَايَته لِلْحَدِيثِ وَلْيَقْطَعْ الْخُفَّيْنِ أَسْفَل مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالْإِدْرَاج فِيهِ مُحْتَمِل لِأَنَّ الْجُمْلَة الثَّانِيَة يَسْتَقِلّ الْكَلَام الْأَوَّل بِدُونِهَا فَالْإِدْرَاج فِيهِ مُمْكِن فَإِذَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ أَنَّ نَافِعًا قَالَهُ زَالَ الْإِشْكَال
وَيَدُلّ على صحة هذا أن بن عُمَر كَانَ يُفْتِي بِقَطْعِهِمَا لِلنِّسَاءِ فَأَخْبَرَتْهُ صَفِيَّة بِنْت أَبِي عُبَيْد عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَس الْخُفَّيْنِ وَلَا يَقْطَعهُمَا قَالَتْ صَفِيَّة فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِهَذَا رَجَعَ
الْجَوَاب الثَّانِي أَنَّ الْأَمْر بِالْقَطْعِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَرَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَخْطُب عَلَى الْمِنْبَر فَنَادَاهُ رَجُل فَقَالَ مَا يَلْبَس الْمُحْرِم مِنْ الثِّيَاب فأجابه بذلك وفيه الأمر بالقطع وحديث بن عَبَّاس وَجَابِر بَعْده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَعَمْرو بْن دِينَار رَوَى الْحَدِيثَيْنِ مَعًا ثُمَّ قَالَ اُنْظُرُوا أَيّهمَا كَانَ قَبْل وَهَذَا يَدُلّ على أنهم علموا نسخ الأمر بحديث بن عَبَّاس
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ أَبُو بَكْر النَّيْسَابُورِيّ حديث بن عُمَر قَبْل لِأَنَّهُ قَالَ نَادَى رَجُل رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي المسجد فذكره وبن عَبَّاس يَقُول سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَخْطُب بِعَرَفَاتٍ
فَإِنْ قِيلَ حَدِيث بن عباس رواه أيوب والثوري وبن عيينة وبن زيد وبن جُرَيْجٍ وَهُشَيْم كُلّهمْ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عن جابر بن زيد عن بن عَبَّاس وَلَمْ يَقُلْ أَحَد مِنْهُمْ بِعَرَفَاتٍ غَيْر شُعْبَة وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أَوْلَى مِنْ رِوَايَة الْوَاحِد
قِيلَ هَذَا عَبَث فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة مُتَّفَق عَلَيْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَنَاهِيك بِرِوَايَةِ شُعْبَة لَهَا وَشُعْبَة حَفِظَهَا وَغَيْره لَمْ يَنْفِهَا بَلْ هِيَ فِي حُكْم جُمْلَة أُخْرَى فِي الْحَدِيث مُسْتَقِلَّة وَلَيْسَتْ تَتَضَمَّن مُخَالَفَة لِلْآخَرِينَ وَمِثْل هَذَا يُقْبَل وَلَا يُرَدّ وَلِهَذَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَقَدْ قَالَ علي رضي الله عنه قَطْع الْخُفَّيْنِ فَسَاد يَلْبَسهُمَا كَمَا هُمَا وَهَذَا مُقْتَضَى الْقِيَاس فَإِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَوَّى بَيْن السَّرَاوِيل وَبَيْن الْخُفّ فِي لِبْس كُلّ مِنْهُمَا عِنْد عَدَم الْإِزَار وَالنَّعْل وَلَمْ يَأْمُر بِفَتْقِ السَّرَاوِيل لَا فِي حَدِيث بن عمر ولا في حديث بن عَبَّاس وَلَا غَيْرهمَا
وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَب الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَلْبَس السَّرَاوِيل بِلَا فَتْق عِنْد عَدَم الْإِزَار فَكَذَلِكَ الْخُفّ يُلْبَس وَلَا يُقْطَع وَلَا فَرْق بَيْنهمَا وَأَبُو حَنِيفَة طَرَدَ الْقِيَاس وَقَالَ يَفْتَق السَّرَاوِيل حَتَّى يَصِير كَالْإِزَارِ وَالْجُمْهُور قَالُوا هَذَا خِلَاف النَّصّ لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ السَّرَاوِيل لِمَنْ لَمْ يَجِد الْإِزَار وَإِذَا فُتِقَ لَمْ يَبْقَ سَرَاوِيل وَمَنْ اِشْتَرَطَ قَطْع الْخُفّ خَالَفَ الْقِيَاس مَعَ مُخَالَفَته النَّصّ الْمُطْلَق بِالْجَوَازِ
وَلَا يَسْلَم مِنْ مُخَالَفَة النَّصّ وَالْقِيَاس إِلَّا مَنْ جَوَّزَ لِبْسهمَا بِلَا قَطْع أَمَّا الْقِيَاس فَظَاهِر وَأَمَّا النَّصّ فَمَا تَقَدَّمَ تَقْدِيره
وَالْعَجَب أَنَّ مَنْ يُوجِب الْقَطْع يوجب مالا فَائِدَة فِيهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ لِبْس الْمَقْطُوع كَالْمَدَاسِ وَالْجُمْجُم وَنَحْوهمَا
بَلْ عِنْدهمْ الْمَقْطُوع كَالصَّحِيحِ فِي عَدَم جَوَاز لِبْسه
فَأَيّ مَعْنًى لِلْقَطْعِ وَالْمَقْطُوع عِنْدكُمْ كَالصَّحِيحِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَة فَيُجَوِّز لِبْس الْمَقْطُوع وَلَيْسَ عِنْده كَالصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ الْمَدَاس وَالْجُمْجُم وَنَحْوهمَا
قَالَ شَيْخنَا وَأَفْتَى بِهِ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَات فِي آخِر عُمْره لَمَّا حَجَّ قَالَ شَيْخنَا وَهُوَ الصَّحِيح لِأَنَّ الْمَقْطُوع لِبْسه أَصْل لَا بَدَل
قَالَ شَيْخنَا فَأَبُو حَنِيفَة فهم من حديث بن عُمَر أَنَّ الْمَقْطُوع لِبْسه أَصْل لَا بَدَل فَجَوَّزَ لِبْسه مُطْلَقًا وَهَذَا فَهْم صَحِيح وَقَوْله فِي هَذَا أَصَحّ مِنْ قَوْل الثَّلَاثَة وَالثَّلَاثَة فَهِمُوا مِنْهُ الرُّخْصَة فِي لِبْس السَّرَاوِيل عَنْهُ عَدَم الْإِزَار وَالْخُفّ عِنْد عَدَم النَّعْل وَهَذَا فَهْم صَحِيح وَقَوْلهمْ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
هَذَا أَصَحّ مِنْ قَوْله وَأَحْمَد فَهِمَ مِنْ النَّصّ الْمُتَأَخِّر لِبْس الْخُفّ صَحِيحًا بِلَا قَطْع عِنْد عَدَم النَّعْل وَأَنَّ ذَلِكَ نَاسِخ لِلْأَمْرِ بِالْقَطْعِ وَهَذَا فَهْم صَحِيح وَقَوْله فِي ذَلِكَ أَصَحّ الْأَقْوَال
فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ كَانَ الْمَقْطُوع أَصْلًا لَمْ يَكُنْ عَدَم النَّعْل شَرْطًا فِيهِ وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا جَعَلَهُ عِنْد عَدَم النَّعْل
قِيلَ بَلْ الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْخُفِّ إِذْ لَوْ كَانَ كَالْخُفِّ لَمَا أَمَرَ بِقَطْعِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بِقَطْعِهِ يَخْرُج مِنْ شَبَه الْخُفّ وَيَلْتَحِق بِالنَّعْلِ
وَأَمَّا جَعْله عَدَم النَّعْل شَرْطًا فَلِأَجْلِ أَنَّ الْقَطْع إِفْسَاد لِصُورَتِهِ وَمَالِيَّته وَهَذَا لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا عِنْد عَدَم النَّعْل وَأَمَّا مَعَ وُجُود النَّعْل فَلَا يَفْسُد الْخُفّ وَيُعْدَم مَالِيَّته فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْطُوع مُلْحَق بِالنَّعْلِ لَا بِالْخُفِّ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَنَّ عَلَى قَوْل الْمُوجِبِينَ لِلْقَطْعِ لَا فَائِدَة فِيهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ لِبْس الْمَقْطُوع وَهُوَ عِنْدهمْ كَالْخُفِّ
فَإِنْ قِيلَ فَغَايَة مَا يَدُلّ عَلَيْهِ الْحَدِيث جَوَاز الِانْتِقَال إِلَى الْخُفّ وَالسَّرَاوِيل عِنْد عَدَم النَّعْل وَالْإِزَار وَهَذَا يُفِيد الْجَوَاز وَأَمَّا سُقُوط الْفِدْيَة فَلَا فَهَلَّا قُلْتُمْ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَة يَجُوز لَهُ ذَلِكَ مَعَ الْفِدْيَة فَاسْتَفَادَ الْجَوَاز مِنْ هَذَا الْحَدِيث وَاسْتَفَادَ الْفِدْيَة مِنْ حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة حَيْثُ جَوَّزَ لَهُ فِعْل الْمَحْظُور مَعَ الْفِدْيَة فَكَانَ أَسْعَد بِالنُّصُوصِ وَبِمُوَافَقَتِهَا مِنْكُمْ مَعَ مُوَافَقَته لِابْنِ عُمَر فِي ذَلِكَ
قِيلَ بَلْ إِيجَاب الْفِدْيَة ضَعِيف فِي النَّصّ وَالْقِيَاس فَإِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْبَدَل فِي حَدِيث بن عمر وبن عَبَّاس وَجَابِر وَعَائِشَة وَلَمْ يَأْمُر فِي شَيْء مِنْهَا بِالْفِدْيَةِ مَعَ الْحَاجَة إِلَى بَيَانهَا وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْته مُمْتَنِع فَسُكُوته عَنْ إِيجَابهَا مَعَ شِدَّة الْحَاجَة إِلَى بَيَانه لَوْ كَانَ وَاجِبًا دَلِيل عَلَى عَدَم الْوُجُوب كَمَا أَنَّهُ جَوَّزَ لِبْس السَّرَاوِيل بِلَا فَتْق وَلَوْ كَانَ الْفَتْق وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ
وَأَمَّا الْقِيَاس فَضَعِيف جِدًّا
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مِنْ بَاب الْأَبْدَال الَّتِي تَجُوز عِنْد عَدَم مُبْدَلَاتهَا كَالتُّرَابِ عِنْد عَدَم الْمَاء وَكَالصِّيَامِ عِنْد الْعَجْز عَنْ الْإِعْتَاق وَالْإِطْعَام وَكَالْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ عِنْد تَعَذُّر الْأَقْرَاء وَنَظَائِره وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب الْمَحْظُور الْمُسْتَبَاح بِالْفِدْيَةِ وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ النَّاس مُشْتَرِكُونَ فِي الْحَاجَة إِلَى لِبْس مَا يَسْتُرُونَ بِهِ عَوْرَاتهمْ وَيَقُونَ بِهِ أَرْجُلهمْ الْأَرْض وَالْحُرّ وَالشَّوْك وَنَحْوه فَالْحَاجَة إِلَى ذَلِكَ عَامَّة وَلَمَّا اِحْتَاجَ إِلَيْهِ الْعُمُوم لَمْ يُحْظَر عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَائِدَة بِخِلَافِ مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ لِمَرَضٍ أَوْ بُرْد فَإِنَّ ذَلِكَ حَاجَة لِعَارِضٍ وَلِهَذَا رَخَّصَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِلنِّسَاءِ فِي اللِّبَاس مُطْلَقًا بِلَا فَدِيَة وَنَهَى عَنْ النِّقَاب وَالْقُفَّازَيْنِ فَإِنَّ الْمَرْأَة لَمَّا كَانَتْ كُلّهَا عَوْرَة وَهِيَ مُحْتَاجَة إِلَى سَتْر بَدَنهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي سَتْر بَدَنهَا فِدْيَة وَكَذَلِكَ حَاجَة الرِّجَال إِلَى السَّرَاوِيلَات وَالْخِفَاف هِيَ عَامَّة إِذَا لَمْ يجدوا الإزار والنعال وبن عُمَر لَمَّا لَمْ يَبْلُغهُ حَدِيث الرُّخْصَة مُطْلَقًا أَخَذَ بِحَدِيثِ الْقَطْع وَكَانَ يَأْمُر النِّسَاء بِقَطْعِ الْخِفَاف حَتَّى أَخْبَرَتْهُ بَعْد هَذَا صَفِيَّة زَوْجَته عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِلنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ فَرَجَعَ عَنْ قوله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَمِمَّا يُبَيِّن أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي الْخُفَّيْنِ بِلَا قَطْع بَعْد أَنْ مَنَعَ مِنْهُمَا أَنَّ فِي حَدِيث بن عُمَر الْمَنْع مِنْ لِبْس السَّرَاوِيل مُطْلَقًا وَلَمْ يُبَيِّن فِيهِ حَالَةً مِنْ حَالَةٍ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس وَجَابِر الْمُتَأَخِّرِينَ تَرْخِيصه فِي لِبْس السَّرَاوِيل عِنْد عَدَم الْإِزَار فَدَلَّ عَلَى أَنَّ رُخْصَة الْبَدَل لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ فِي لِبْس السَّرَاوِيل وَأَنَّهَا إِنَّمَا شُرِعَتْ وَقْت خَطَبَتْهُ بِهَا وَهِيَ مُتَأَخِّرَة فَكَانَ الْأَخْذ بِالْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْخَذ بِالْآخِرِ فَالْآخِر مِنْ أَمْر رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم
فَمَدَار الْمَسْأَلَة عَلَى ثَلَاث نُكَت إِحْدَاهَا أَنَّ رُخْصَة الْبَدَلِيَّة إِنَّمَا شُرِعَتْ بِعَرَفَاتٍ وَلَمْ تُشْرَع قَبْل
وَالثَّانِيَة أَنَّ تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة مُمْتَنِع
وَالثَّالِثَة أَنَّ الْخُفّ الْمَقْطُوع كَالنَّعْلِ أَصْل لَا أَنَّهُ بدل
والله أعلم فصل
وأما نَهْيه صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث بن عُمَر الْمَرْأَة أَنْ تَنْتَقِب
وَأَنْ تَلْبَس الْقُفَّازَيْنِ فَهُوَ دَلِيل عَلَى أَنَّ وَجْه الْمَرْأَة كَبَدَنِ الرَّجُل لَا كَرَأْسِهِ فَيَحْرُم عَلَيْهَا فِيهِ مَا وُضِعَ وَفُصِّلَ عَلَى قَدْر الْوَجْه كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُع وَلَا يَحْرُم عَلَيْهَا سَتْره بِالْمِقْنَعَةِ وَالْجِلْبَاب وَنَحْوهمَا وَهَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ
فَإِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سَوَّى بَيْن وَجْههَا وَيَدَيْهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَاب وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَيْهَا سَتْر يَدَيْهَا وَأَنَّهُمَا كَبَدَنِ الْمُحْرِم يَحْرُم سَتْرهمَا بِالْمُفَصَّلِ عَلَى قَدْرهمَا وَهُمَا الْقُفَّازَانِ فَهَكَذَا الْوَجْه إِنَّمَا يَحْرُم سَتْره بِالنِّقَابِ وَنَحْوه وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَرْف وَاحِد فِي وُجُوب كَشْف الْمَرْأَة وَجْههَا عِنْد الْإِحْرَام إِلَّا النَّهْي عَنْ النِّقَاب وَهُوَ كَالنَّهْيِ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ فَنِسْبَة النِّقَاب إِلَى الْوَجْه كَنِسْبَةِ الْقُفَّازَيْنِ إِلَى الْيَد سَوَاء
وَهَذَا وَاضِح بِحَمْدِ اللَّه
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَسْمَاء أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْههَا وَهِيَ مُحْرِمَة وَقَالَتْ عَائِشَة كَانَتْ الرُّكْبَان يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَات مَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابهَا عَلَى وَجْههَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَاشْتِرَاط الْمُجَافَاة عَنْ الْوَجْه كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره ضَعِيف لا أصل له دليل وَلَا مَذْهَبًا
قَالَ صَاحِب الْمُغْنِي وَلَمْ أَرَ هَذَا الشَّرْط يَعْنِي الْمُجَافَاة عَنْ أَحْمَد وَلَا هُوَ فِي الْخَبَر مَعَ أَنَّ الظَّاهِر خِلَافه فَإِنَّ الثَّوْب الْمُسْدَل لَا يَكَاد يَسْلَم مِنْ إِصَابَة الْبَشَرَة فَلَوْ كَانَ هَذَا شَرْطًا لَبَيَّنَ وَإِنَّمَا مُنِعَتْ الْمَرْأَة مِنْ الْبُرْقُع وَالنِّقَاب وَنَحْوهمَا مِمَّا يُعَدّ لِسَتْرِ الْوَجْه قَالَ أَحْمَد لَهَا أَنْ تُسْدِل عَلَى وَجْههَا مِنْ فَوْق وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْفَع الثَّوْب مِنْ أَسْفَل كَأَنَّهُ يَقُول إِنَّ النِّقَاب مِنْ أَسْفَل عَلَى وَجْههَا
تَمَّ كَلَامه
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ إِحْرَام الرَّجُل فِي رَأْسه وَإِحْرَام الْمَرْأَة فِي وَجْههَا فَجَعَلَ وَجْه الْمَرْأَة كَرَأْسِ الرَّجُل وَهَذَا يَدُلّ عَلَى وُجُوب كَشْفه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قِيلَ هَذَا الْحَدِيث لَا أَصْل لَهُ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَد مِنْ أَصْحَاب الْكُتُب الْمُعْتَمَد عَلَيْهَا وَلَا يُعْرَف لَهُ إِسْنَاد وَلَا تَقُوم بِهِ حُجَّة وَلَا يُتْرَك لَهُ الْحَدِيث الصَّحِيح الدَّالّ عَلَى أَنَّ وَجْههَا كَبَدَنِهَا وَأَنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهَا فِيهِ مَا أُعِدّ لِلْعُضْوِ كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُع وَنَحْوه لَا مُطْلَق السَّتْر كَالْيَدَيْنِ
وَاَللَّه أَعْلَم
قَالَ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله تَحْرِيم لِبْس الْقُفَّازَيْنِ قَوْل عَبْد اللَّه بْن عمر وعطاء وطاووس وَمُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ وَمَالِك وَالْإِمَام أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَتُذْكَر الرُّخْصَة عَنْ عَلِيّ وَعَائِشَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَوْل الْآخَر
وَنَهْي الْمَرْأَة عَنْ لِبْسهمَا ثَابِت فِي الصَّحِيح كَنَهْيِ الرَّجُل عَنْ لِبْس الْقَمِيص وَالْعَمَائِم وَكِلَاهُمَا فِي حَدِيث وَاحِد عَنْ رَاوٍ وَاحِد وَكَنَهْيِهِ الْمَرْأَة عَنْ النِّقَاب وَهُوَ فِي الْحَدِيث نَفْسه
وَسُنَّة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَهِيَ حُجَّة عَلَى مَنْ خَالَفَهَا وَلَيْسَ قَوْل مَنْ خَالَفَهَا حجة عليها
فأما تعليل حديث بن عُمَر فِي الْقُفَّازَيْنِ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْله فَإِنَّهُ تَعْلِيل بَاطِل وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَاب الصَّحِيح وَالسُّنَن والمسانيد عن بْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيث نَهْيه عَنْ لِبْس الْقُمُص وَالْعَمَائِم وَالسَّرَاوِيلَات وَانْتِقَاب الْمَرْأَة وَلِبْسهَا الْقُفَّازَيْنِ وَلَا رَيْب عِنْد أَحَد مِنْ أَئِمَّة الْحَدِيث أَنَّ هَذَا كُلّه حَدِيث وَاحِد مِنْ أَصَحّ الْأَحَادِيث عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرفوعا إليه ليس من كلام بن عُمَر
وَمَوْضِع الشُّبْهَة فِي تَعْلِيله أَنَّ نَافِعًا اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرَوَاهُ اللَّيْث بْن سَعْد عنه عن بْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ فِيهِ وَلَا تَلْبَس الْقُفَّازَيْنِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ حَاتِم بْن إِسْمَاعِيل وَيَحْيَى بْن أَيُّوب عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ نَافِع عَلَى مَا قَالَ اللَّيْث وَرَوَاهُ مُوسَى بْن طَارِق عَنْ مُوسَى بْن عقبة مَوْقُوفًا على بن عُمَر وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وَمَالِك وَأَيُّوب مَوْقُوفًا وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ نَافِع أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يَقُول لَا تَنْتَقِب الْمَرْأَة وَلَا تَلْبَس الْقُفَّازَيْنِ وَلَكِنْ قَدْ رَفَعَهُ اللَّيْث بْن سَعْد وَمُوسَى بْن عقبة فِي الْأَكْثَر عَنْهُ وَإِبْرَاهِيم بْن سَعْد أَيْضًا رَفَعَهُ عَنْ نَافِع ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ نَافِع مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ
فَأَمَّا حَدِيث اللَّيْث بْن سَعْد فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَالتِّرْمِذِيّ
وَقَالَ حَدِيث صَحِيح
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه
وَلَمْ يَرَوْا وَقْف مَنْ وَقَفَهُ عِلَّة
وَأَمَّا حَدِيث مُوسَى بْن عقبة فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه عَنْ سُوَيْد بْن نَصْر أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ مُوسَى بْن عقبة فَذَكَرَ الْحَدِيث
وَقَالَ فِي آخِره وَلَا تَنْتَقِب الْمَرْأَة الْحَرَام
وَلَا تَلْبَس الْقُفَّازَيْنِ مَرْفُوعًا
قَالَ الْبُخَارِيّ تَابَعَهُ مُوسَى بْن عُقْبَة وَإِسْمَاعِيل بْن إبراهيم بن عقبة وجويرية وبن إِسْحَاق فِي النِّقَاب وَالْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ عُبَيْد اللَّه وَكَانَ يَقُول لَا تَنْتَقِب الْمُحْرِمَة وَلَا تَلْبَس القفازين وقال مالك عن