الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 -
(باب في الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)
[1625]
(أي الْمَالُ) أَيْ مَالُ الصَّدَقَاتِ (أَخَذْنَاهَا) أَيِ الصَّدَقَاتِ (وَوَضَعْنَاهَا) أَيْ صَرَفْنَاهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَرْفِ زَكَاةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي فُقَرَاءِ أَهْلِهِ وَكَرَاهِيَةِ صَرْفِهَا فِي غَيْرِهِمْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي غَيْرِ فُقَرَاءِ الْبَلَدِ
وَقَالَ غَيْرُهُمْ إِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ كَرَاهَةِ لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَدْعِي الصَّدَقَاتِ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيَصْرِفُهَا فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَمَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ فَقَالَ كِدْتُ أُقْتَلُ بَعْدَكَ فِي عَنَاقٍ أَوْ شَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أَنَّهَا تُعْطَى فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ مَا أَخَذْتُهَا
قال المنذري وأخرجه
3 -
(بَاب مَنْ يُعْطِي مِنْ الصَّدَقَةِ وَحَدُّ الْغِنَى)
[1626]
(وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ) أَيْ عَنِ السُّؤَالِ وَيَكْفِيهِ بِقَدْرِ الْحَالِ (خُمُوشٌ) أَيْ جُرُوحٌ (أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ) بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي جَمْعُ خَمْشٍ وَخَدْشٍ وَكَدْحٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُمُوشُ هِيَ الْخُدُوشُ يُقَالُ خَمَشَتِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا إِذَا خَدَشَتْهُ بِظُفْرٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَالْكُدُوحُ الْآثَارُ مِنَ الْخُدُوشِ وَالْعَضِّ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْحِمَارِ مُكَدَّحٌ لِمَا بِهِ مِنْ آثَارِ الْعِضَاضِ فَأَوْ هُنَا إِمَّا لِشَكِّ الرَّاوِي إِذِ الْكُلُّ يُعْرِبُ عَنْ أَثَرِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مِنْ مُلَاقَاةِ الْجَسَدِ مَا
يُقَشِّرُ أَوْ يَجْرَحُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا آثَارٌ مُسْتَنْكَرَةٌ فِي وَجْهِهِ حَقِيقَةً أَوْ أَمَارَاتٌ لِيُعْرَفَ وَيُشْهَرَ بِذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِتَقْسِيمِ مَنَازِلِ السَّائِلِ فَإِنَّهُ مُقِلٌّ أَوْ مُكْثِرٌ أَوْ مُفْرِطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ فَذَكَرَ الْأَقْسَامَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَالْخَمْشُ أَبْلَغُ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْخَدْشِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْكَدْحِ إِذِ الْخَمْشُ فِي الْوَجْهِ وَالْخَدْشُ فِي الْجِلْدِ وَالْكَدْحُ فَوْقَ الْجِلْدِ وَقِيلَ الْخَدْشُ قَشْرُ الْجِلْدِ بِعُودٍ وَالْخَمْشُ قَشْرُهُ بِالْأَظْفَارِ وَالْكَدْحُ الْعَضُّ وَهِيَ فِي أَصْلِهَا مَصَادِرُ لَكِنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ أَسْمَاءً لِلْآثَارِ جُمِعَتْ (حِفْظِي) أَيِ الَّذِي أَحْفَظُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حِفْظِي أَنَّ شُعْبَةَ لَا يَرْوِي عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ سُفْيَانُ فَقَدْ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالُوا أَمَّا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ أَسْنَدَهُ وَإِنَّمَا قَالَ فَقَدْ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَحَسْبُ
وَحَكَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ يَوْمًا قَالَ أَبُو بَسْطَامٍ يُحَدِّثُ يَعْنِي شُعْبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ قِيلَ لَهُ قَالَ حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ
قَالَ أَحْمَدُ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ أَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ كَلَامًا نَحْوَ ذَا
وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ سُفْيَانَ صَرَّحَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يزيد وحكاه بن عَدِيٍّ أَيْضًا وَحَكَى أَيْضًا أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ فَأَخْبَرَنَا بِهِ زُبَيْدٌ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوْرِيَّ حَدَّثَ بِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً لَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالْإِسْنَادِ وَمَرَّةً بِسَنَدِهِ فَتَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زُبَيْدٌ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَكِيمٌ ضَعِيفٌ
وَسُئِلَ شُعْبَةُ عَنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ فَقَالَ أَخَافُ النَّارَ وَقَدْ كَانَ رَوَى عَنْهُ قَدِيمًا
وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَرْوِيهِ أَحَدٌ غَيْرُ حَكِيمٍ فَقَالَ يَحْيَى نَعَمْ يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ زُبَيْدٍ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ إِلَّا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَهَذَا وَهْمٌ لَوْ كَانَ كَذَا لَحَدَّثَ بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
هَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ يَحْيَى أَوْ نَحْوَهُ
وَقَالَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا وَرَأَوْهُ حَدًّا فِي غِنَى مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَأَبَى ذَلِكَ آخَرُونَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ بِمَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ لِلْغِنَى مَعْلُومًا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حَالُ الْإِنْسَانِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ بِالدِّرْهَمِ غَنِيًّا مَعَ الْكَسْبِ وَلَا يُغْنِيهِ الْأَلْفُ
مَعَ ضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ بِحُرُوفِهِ
(عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ) إِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلُّهُمْ عُدُولٌ (فَتَوَلَّى) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَدْبَرَ (وَهُوَ مُغْضَبٌ) بِفَتْحِ الضَّادِ أَيْ مُوقَعٌ فِي الْغَضَبِ (إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ) أَيْ لَا تُعْطِي فِي الْمَصَارِفِ وَإِنَّمَا تَتَّبِعُ فِيهِ مَشِيئَتَكَ (أَنْ لَا أَجِدَ) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ لَا أَجِدَ (وَلَهُ أُوقِيَّةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةَ وَتَشْدِيدَ الْيَاءَ أَيْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (أَوْ عِدْلُهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ أَيْ مَا يُسَاوِيهَا مِنْ ذَهَبٍ وَمَالٍ آخَرَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَوْ عِدْلُهَا يُرِيدُ قِيمَتَهَا يُقَالُ هَذَا عِدْلُ الشَّيْءِ أَيْ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ وَهَذَا عِدْلُهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ نَظِيرُهُ وَمِثَالُهُ فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ
وَالْأُوقِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا
وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ فِي تَحْدِيدِ الْغِنَى إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى تَحْدِيدِ الْغِنَى الَّتِي تَحْرُمُ مَعَهُ الصَّدَقَةُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَرَأَوْهُ حَدًّا فِي غِنَى مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبَى الْقَوْلَ بِهِ آخَرُونَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالُوا وَلَيْسَ الْحَدِيثُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ إِنَّمَا فِيهِ كُرِهَ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَقَطْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِمَنْ يَجِدُ مَا يَكْفِيهِ فِي وَقْتِهِ إِلَى الْمَسْأَلَةِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا حَدَّ لِلْغَنِيِّ مَعْلُومٌ تَوْسِعَةً وَطَاقَةً فَإِذَا اكْتَفَى بِمَا عِنْدَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَإِذَا احْتَاجَ حَلَّتْ لَهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ بِالدِّرْهَمِ غَنِيًّا مَعَ كَسْبٍ وَلَا يُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ ضَعْفٍ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ
وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْحَدَّ فِيهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ النِّصَابُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
[1627]
(فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا) أَيْ إِلْحَاحًا وَإِسْرَافًا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ (لَلَقْحَةٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ ابْتِدَاءٍ وَاللَّقْحَةُ بِفَتْحِ اللَّامِ أَوْ كَسْرِهَا النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالنَّتَاجِ أَوِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ لَبَنٍ (وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) هَذَا مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ كَمَا صَرَّحَ بذلك بن الْجَارُودِ فِي رِوَايَتِهِ فِي
الْمُنْتَقَى (أَوْ كَمَا قَالَ) شَكَّ الرَّاوِي فِي قَوْلِ الْأَسَدِيِّ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْمَتْنَ أَيْ قَوْلَهُ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ فَرَوَى هَذَا الْمَتْنَ بِسَنَدٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَتْنُ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ كَمَا يَجِيءُ فِي بَابِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِهَذَا السَّنَدِ أَيْ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عن النبي مُرْسَلًا وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مُرْسَلًا لَكِنْ قَالَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنِي الثَّبَتُ عن النبي وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَرَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عن النبي مَوْصُولًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1628]
(فَقَدْ أَلْحَفَ) قَالَ الْوَاحِدِيُّ الْإِلْحَافُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِلْحَاحُ فِي الْمَسْأَلَةِ
قَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَى أَلْحَفَ شَمِلَ بِالْمَسْأَلَةِ وَالْإِلْحَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى وُجُوهِ الطَّلَبِ بِالْمَسْأَلَةِ كَاشْتِمَالِ اللِّحَافِ فِي التَّغْطِيَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى الْإِلْحَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَلْحَفَ الرَّجُلُ إِذَا مَشَى فِي لَحَفِ الْجَبَلِ وَهُوَ أَصْلُهُ كَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْخُشُونَةَ فِي الطَّلَبِ (نَاقَتِي الْيَاقُوتَةُ) اسْمُ نَاقَتِهِ (قَالَ هِشَامٌ) فِي حَدِيثِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1629]
(سَهْلُ بن الْحَنْظَلِيَّةِ) هُوَ سَهْلُ بْنُ الرَّبِيعِ وَالْحَنْظَلِيَّةُ أُمُّهُ وَقِيلَ أُمُّ جَدِّهِ وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَسَكَنَ دِمَشْقَ وَمَاتَ
بِهَا (كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ) لَهَا قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ الْمُتَلَمِّسُ الشَّاعِرُ وَكَانَ هَجَا عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ الْمَلِكَ فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا إِلَى عَامِلِهِ يُوهِمُهُ أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ فِيهِ عَطِيَّةً وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ فَارْتَابَ الْمُتَلَمِّسُ فَفَكَّهُ وَقَرَأَهُ فَلَمَّا عَلِمَ مَا فِيهِ رَمَى بِهِ وَنَجَا فَضَرَبَتِ الْعَرَبُ مَثَلًا بِصَحِيفَتِهِ (مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ) أَيْ مِنَ السُّؤَالِ وَهُوَ قُوتُهُ فِي الْحَالِ (فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ) يَعْنِي جَمْعُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالسُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَأَنَّهُ جَمَعَ لِنَفْسِهِ نَارَ جَهَنَّمَ (قَالَ النُّفَيْلِيُّ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ مَنْسُوبٌ إِلَى نُفَيْلٍ أَحَدِ آبَائِهِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ النُّفَيْلِيَّ حَدَّثَ أَبَا دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ فَمَرَّةً قَالَ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فإنما يستكثر من النار فقالوا يارسول اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ وَمَرَّةً قَالَ النُّفَيْلِيُّ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ فقالوا يارسول اللَّهِ وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا يَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ قَدْرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ (مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ قال) أي النبي (قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ) أَيْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمَا بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ عِلْمٍ أَوْ حَالٍ
وَالتَّغْدِيَةُ إِطْعَامُ طَعَامِ الْغَدْوَةِ وَالتَّعْشِيَةُ إِطْعَامُ طَعَامِ الْعِشَاءِ
قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَسْأَلَهَا بِقَدْرِ مَا يُتِمُّ بِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَكِسْوَتُهُمَا لِأَنَّ تَفْرِيقَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً (أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَيْ مَا يُشْبِعُهُ مِنَ الطَّعَامِ أَوَّلَ يَوْمِهِ وآخره
قال بن الْمَلِكِ بِسُكُونِ الْبَاءِ مَا يُشْبِعُ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمَصْدَرُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمِهِ وَعَشَاءَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءً وَعَشَاءً عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا كَانَ مَا يَكْفِيهِ لِقُوتِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ
وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا (كَانَ حَدَّثَنَا) النُّفَيْلِيُّ (بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ (مُخْتَصَرًا عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذُكِرَتْ) بِصِيغَةِ
الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْرُوفِ أَوِ الْغَائِبِ الْمَجْهُولِ
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَرَوَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُوليِّ عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ رَسُولَ الله بقولهما وخرج رسول الله فِي حَاجَةٍ فَمَرَّ بِبَعِيرٍ مُنَاخٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ فَابْتُغِيَ فَلَمْ يُوجَدْ فَقَالَ رسول الله اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ ثُمَّ ارْكَبُوهَا صِحَاحًا وَارْكَبُوهَا سِمَانًا إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قالوا يارسول اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ
[1630]
(الصُّدَائِيَّ) بِضَمِّ الصَّادِ مَمْدُودٌ (وَذَكَرَ) أَيْ زِيَادُ بْنُ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ (حَدِيثًا طَوِيلًا) وَفِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقُولُ أَمَرَنِي رَسُولُ الله على قومي فقلت يارسول اللَّهِ أَعْطِنِي مِنْ صَدَقَاتِهِمْ فَفَعَلَ وَكَتَبَ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَهُ
فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو دَاوُدَ بِقَوْلِهِ حَدِيثًا طَوِيلًا
كَذَا فِي غاية المقصود (فأتاه) أي أتى النبي (حَتَّى حَكَمَ فِيهَا) أَيْ إِلَى أَنْ حَكَمَ فِي الصَّدَقَاتِ (هُوَ) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ (فَجَزَّأَهَا) بِتَشْدِيدِ الزَّايِ فَهَمْزَةٌ أَيْ فَقَسَّمَ أَصْحَابَهَا (ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ) أَيْ أَصْنَافٍ (فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ) أَيْ أَجْزَاءِ مُسْتَحِقِّيهَا أَوْ مِنْ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ (أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ فِي صِنْفِ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْوَاجِبَ تَفَرُّقُهَا عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ بِحِصَصِهِمْ وَلَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ بَيَانُ الْمَحَلِّ دُونَ بَيَانِ الْحِصَصِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّجْزِئَةِ مَعْنًى وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ فَبَيَّنَ أَنَّ لِأَهْلِ كُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَتِهِ حَقًّا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عِكْرِمَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ النَّخَعِيُّ إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الْأَجْزَاءَ قَسَمَهُ عَلَى الْأَصْنَافِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ أَنْ يُوضَعَ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ بن حنبل تفريقه أولى ويجزيه أَنْ يَضَعَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِنْ قَسَمَهُ الْإِمَامُ قَسَمَهُ عَلَى الْأَصْنَافِ وَإِنْ تَوَلَّى قَسْمَهُ رَبُّ الْمَالِ فَيَضَعُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَجْتَهِدُ
وَيَتَحَرَّى مَوْضِعَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَيُقَدِّمُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنْ أَهْلِ الْخَلَّةِ وَالْفَاقَةِ فَإِنْ رَأَى الْخَلَّةَ فِي الْفُقَرَاءِ فِي عَامٍ أَكْثَرَ قَدَّمَهُمْ وَإِنْ رَأَى فِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي عَامٍ آخَرَ أَخْرَجُوا لَهُمْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ هُوَ مُخَيَّرٌ يَضَعُهُ فِي أَيِّ الْأَصْنَافِ شَاءَ وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيَانَ الشَّرِيعَةِ قَدْ يَقَعُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ فِي الْكِتَابِ وَأَحْكَمَ فَرْضَهُ فِيهِ فَلَيْسَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى زِيَادَةٍ مِنْ بَيَانِ النبي صلى الله عليه وسلم وَبَيَانِ شَهَادَاتِ الْأُصُولِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مَا وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلًا وَوُكِلَ بَيَانُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ تَفْسِيرُهُ قَوْلًا وَفِعْلًا أَوْ يَتْرُكُهُ عَلَى إِجْمَالِهِ لِيُبَيِّنَهُ فُقَهَاءُ الْأُمَّةِ وَيُدْرِكُوهُ اسْتِنْبَاطًا وَاعْتِبَارًا بِدَلِيلِ الْأُصُولِ
وَكُلُّ ذَلِكَ بَيَانُ مَصْدَرِهِ عَنِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ السِّهَامَ السِّتَّةَ ثَابِتَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لِأَهْلِهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ ثَابِتٌ يَجِبُ أَنْ يُعْطَوْهُ هَكَذَا
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُعْطَوْنَ إِنِ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى ذَلِكَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ انْقَطَعَتِ الْمُؤَلَّفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ السِّهَامِ الْبَاقِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ مُشْرِكٌ يُتَأَلَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ
فَأَمَّا الْعَامِلُونَ وَهُمُ السُّعَاةُ وَجُبَاةُ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ عُمَالَةً قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِمْ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى إِخْرَاجَ الصَّدَقَةِ وَقَسْمِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا فَلَيْسَ فِيهَا لِلْعَامِلِينَ فِيهِ حَقٌّ
انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْإِفْرِيقِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
انْتَهَى
[1631]
(لَيْسَ الْمِسْكِينُ) أَيِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إنما الصدقات للفقراء والمساكين وَالْمَعْنَى لَيْسَ الْمِسْكِينُ شَرْعًا الْمِسْكِينُ عُرْفًا هُوَ (الَّذِي تَرُدُّهُ) عِنْدَ طَوَافِهِ عَلَى النَّاسِ (وَالْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيِ اللُّقْمَةُ وَاللَّقْمَتَانِ وَالْمَعْنَى أَيْ لَيْسَ الْمِسْكِينُ مَنْ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَيَأْخُذُ لُقْمَةً فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا لَيْسَ بِمِسْكِينٍ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ قُوتِهِ
وَالْمُرَادُ ذَمُّ مَنْ هَذَا فِعْلُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الزَّكَاةَ
وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيُ اسْتِحْقَاقِهِ بَلْ إِثْبَاتُ الْمَسْكَنَةِ لِغَيْرِ هَذَا الْمُتَعَارَفِ بِالْمَسْكَنَةِ وَإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِهِ أَيْضًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ الْمَسْكَنَةِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ وَأَحْوَجُ إِلَيْهَا لَيْسَ هُوَ هَذَا الطَّوَّافُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيُ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنْهُ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِ الْمَسْكَنَةِ (وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي) هُوَ أَحَقُّ بِالصَّدَقَةِ الَّذِي (وَلَا يَفْطُنُونَ بِهِ) مِنْ بَابِ نَصَرَ وَكَرُمَ وَفَرِحَ كَذَا فِي الْقَامُوسِ
أَيْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ (فَيُعْطُونَهُ) وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ عَدَمِ الْغِنَى وَعَدَمِ تَفَطُّنِ النَّاسِ لَهُ لِمَا يُظَنُّ بِهِ لِأَجْلِ تَعَفُّفِهِ وَتَظَهُّرِهِ بِصُورَةِ الْغَنِيِّ مِنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُسْتَعْفِفٌ عَنِ السُّؤَالِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ وَإِنَّ الْمَسْكَيْنَ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَمَّا السَّفِينَةُ فكانت لمساكين يعملون في البحر فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةٌ يَعْمَلُونَ فِيهَا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ دُونَ الْفَقِيرِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أو مسكينا ذا متربة قَالُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَلْصَقُ بِالتُّرَابِ لِلْعُرْيِ
وقال بن الْقَاسِمِ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ إِنَّهُمَا سَوَاءٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَهُ الْجَلَالُ
قَالَ لِأَنَّ الْمَسْكَنَةَ لَازِمَةٌ لِلْفَقْرِ إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهَا الذُّلُّ وَالْهَوَانُ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِغِنَى النَّفْسِ أَعَزَّ مِنَ الْمُلُوكِ الْأَكَابِرِ بَلْ مَعْنَاهَا الْعَجْزُ عَنْ إِدْرَاكِ الْمَطَالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْعَاجِزُ سَاكِنٌ عَنِ الِانْتِهَاضِ إِلَى مَطَالِبِهِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[1632]
(وَأَبُو كَامِلٍ) هُوَ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ الْبَصْرِيُّ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ وَأَمَّا أَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ فَهُوَ شَيْخُ شَيْخِ أَبِي دَاوُدَ (مِثْلَهُ) وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يارسول اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى وَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ حَاجَتَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ (فَذَاكَ الْمَحْرُومُ) الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ
تعالى وفي أموالهم حق للسائل والمحروم
[1633]
(عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَمُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ آخِرُهُ رَاءٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَهُوَ قُرَشِيٌّ نَوْفَلِيٌّ يُقَالُ إِنَّهُ ولد في عهد رسول الله وَيُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما (فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ (فَسَأَلَاهُ مِنْهَا) أَيْ فَطَالَبَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُمَا شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ (فَرَآنَا جَلْدَيْنِ) بِسُكُونِ اللَّامِ أَوْ كَسْرِهَا أَيْ قَوِيَّيْنِ (لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ يَكْتَسِبُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ
وَالْحَدِيثُ قَوَّاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَجْوَدَهُ مِنْ حَدِيثٍ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا أُعْطِيكُمَا لِأَنَّ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ ذِلَّةٌ فَإِنْ رَضِيتُمَا بِهَا أَعْطَيْتُكُمَا أَوْ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَى الْجَلْدِ فَإِنْ شِئْتُمَا تَنَاوُلَ الْحَرَامِ أَعْطَيْتُكُمَا
قَالَهُ تَوْبِيخًا وَتَغْلِيظًا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ
وَاخْتُلِفَ فِي تَحْقِيقِ الْغَنِيِّ كَمَا سَلَفَ وَعَلَى الْقَوِيِّ الْمُكْتَسِبِ لِأَنَّ حِرْفَتَهُ صَيَّرَتْهُ فِي حُكْمِ الْغَنِيِّ
وَمَنْ أَجَازَ لَهُ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ بِمَا لَا يُقْبَلُ
كَذَا فِي السُّبُلِ
وَقَالَ بن الْهُمَامِ الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُرْمَةُ سُؤَالِهِمَا لِقَوْلِهِ وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا فَلَوْ كَانَ الْأَخْذُ مُحَرَّمًا غَيْرَ مُسْقِطٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ لَمْ يَفْعَلْهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1634]
(لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ) فِي الْمُحِيطِ مِنَ الْكُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْغِنَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ غِنًى يُوجِبُ الزَّكَاةَ وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ حَوْلِيٍّ تَامٍّ وَغِنًى يُحَرِّمُ الصَّدَقَةَ وَيُوجِبُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةَ وَهُوَ مِلْكُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ نِصَابٍ مِنَ الْأَمْوَالِ الْفَاضِلَةِ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَغِنًى يُحَرِّمُ السُّؤَالَ دون