الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 -
(بَاب الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ)
[1841]
(عَنْ نُبَيْهٍ) بِضَمِّ النُّونِ مُصَغَّرًا (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرًا (أَرْسَلَ) نُبَيْهًا الرَّاوِيَ الْمَذْكُورَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلَمٍ (إِلَى أَبَانَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ (أَمِيرُ الْحَاجِّ) مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ (أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أُزَوِّجَ ابْنِي (فَأَرَدْتُ أَنْ تَحْضُرَ) فيه ندب الاستئذان لحضور العقد (فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ) فَقَالَ لَا أَرَاهُ إِلَّا أَعْرَابِيًّا أَيْ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي عُثْمَانَ) عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أَبِي وَفِي تَصْرِيحِهِ بِسَمِعْتُ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ فَالْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ (لَا يَنْكِحُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ (الْمُحْرِمُ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا (وَلَا يُنْكِحُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ وَهُوَ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا عَلَى النَّهْيِ كَمَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ قَالَهُ الزُّرْقَانِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ ذَهَبَ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَرَأَيَا النِّكَاحَ إِذَا عُقِدَ فِي الْإِحْرَامِ مَفْسُوخًا عَقَدَهُ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ وَلِيًّا يَعْقِدُهُ لِغَيْرِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لِنَفْسِهِ وَإِنْكَاحُهُ لِغَيْرِهِ جَائِزٌ
وَاجْتَمَعُوا في ذلك بخبر بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ خَبَرَ عُثْمَانَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ الْمُحْرِمِ وَأَنَّهُ بِاشْتِغَالِهِ بِنُسُكِهِ لَا يَتَّسِعُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلَا يَفْرُغُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى يَنْكِحُ أَيْ إِنَّهُ لَا يَطَأُ لَيْسَ أَنَّهُ لَا يَعْقِدُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قُلْتُ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ لَا عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ وَقِصَّةُ أَبَانَ فِي مَنْعِهِ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الْعَقْدِ وَإِنْكَارِهِ ذَلِكَ وَهُوَ رَاوِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْعَقْدُ فَأَمَّا إِنَّ الْمُحْرِمَ مَشْغُولٌ بِنُسُكِهِ مَمْنُوعٌ مِنَ الْوَطْءِ فَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ الْمَفْرُوغِ مِنْ بَيَانِهِ اتِّفَاقُ الْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
[1842]
(زَادَ وَلَا يَخْطُبُ) بِضَمِّ الطَّاءِ مِنَ الْخِطْبَةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ لَا يُطَالِبِ امْرَأَةً لِنِكَاحٍ قال علي القارىء رُوِيَ الْكَلِمَاتُ الثَّلَاثُ بِالنَّفْيِ وَالنَّهْيِ
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهَا عَلَى صِيغَةِ النَّهْيِ أَصَحُّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْضًا بَلْ أَبْلَغُ وَالْأَوَّلَانِ لِلتَّحْرِيمِ وَالثَّالِثُ لِلتَّنْزِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَلَا إِنْكَاحُهُ عِنْدَهُ وَالْكُلُّ لِلتَّنْزِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عِيسَى وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي كُتُبِهِمْ وَالَّذِي وَجَدْنَاهُ الْأَكْثَرَ فِيمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْإِثْبَاتُ وَهُوَ الرَّفْعُ فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ
[1843]
(وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ) وَمِنْ غَرِيبِ التَّارِيخِ أَنَّهَا دُفِنَتْ بِسَرِفَ أَيْضًا وَهُوَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ قَرِيبَ مَكَّةَ دُونَ الْوَادِي الْمَشْهُورَةِ بِوَادِي فَاطِمَةَ
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
[1844]
(تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَعِكْرِمَةُ وَمَسْرُوقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَقَالُوا لا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَعَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ وَهِمَ بن عَبَّاس فِي تَزْوِيج مَيْمُونَة وَهُوَ مُحْرِم وَقَدْ رَوَى مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ رَبِيعَة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا رَافِع مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث وَرَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ قَبْل أَنْ يَخْرُج وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِره الْإِرْسَال فَهُوَ مُتَّصِل لِأَنَّ سُلَيْمَان بْن يَسَار رَوَاهُ عَنْ أَبِي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَة وَهُوَ حَلَال وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَال وَكُنْت الرَّسُول بَيْنهمَا وَسُلَيْمَان بْن يَسَار مَوْلَى مَيْمُونَة وَهَذَا صَرِيح فِي تَزَوُّجهَا بِالْوَكَالَةِ قبل الإحرام
بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْكِحَ وَلَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ بها حتى يحل وهو قول بن عباس وبن مَسْعُودٍ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْكِحَ وَلَا يُنْكِحَ غَيْرَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ
انْتَهَى
قُلْتُ لا حجة لهم برواية بن عباس هذه لأنها مخالف لِرِوَايَةِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَرْوِهِ كَذَلِكَ إِلَّا بن عَبَّاسٍ وَحْدَهُ وَانْفَرَدَ بِهِ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرَهُ وَهَّمُوهُ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَتْهُ مَيْمُونَةُ وَأَبُو رَافِعٍ فَرَوَيَا أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِأَنَّ مَيْمُونَةَ هِيَ الزَّوْجَةُ وَأَبُو رَافِعٍ هُوَ السَّفِيرُ بينهما فهما أعرف بالواقعة من بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِالْقِصَّةِ مالهما وَلِصِغَرِهِ حِينَئِذٍ عَنْهُمَا إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي سِنِّهِمَا وَلَا يَقْرَبُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَهْمًا فَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي أرض الحرم وهو حلال فأطلق بن عَبَّاسٍ عَلَى مَنْ فِي الْحَرَمِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ لَكِنْ هُوَ بَعِيدٌ وَأُجِيبَ عَنِ التَّفَرُّدِ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ فَالْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ فِي جَوَابِهِ بِأَنَّ رِوَايَةَ صَاحِبِ الْقِصَّةِ وَالسَّفِيرِ فِيهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخْبَرُ وَأَعْرَفُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الْوَاقِعَةِ كَيْفَ كَانَتْ وَلَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ وَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ فَكَانَ الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى بِأَنْ يُؤْخَذَ بِهِ
وَقَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الجارية للوطء وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُعَارَضَةِ السُّنَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ
وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ عُثْمَانَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَطْءُ فَمُتَعَقَّبٌ بِالتَّصْرِيحِ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُنْكِحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِقَوْلِهِ فِيهِ وَلَا يَخْطُبُ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بنحوه
[1845]
(وهم بن عَبَّاسٍ إِلَخْ) هَذَا هُوَ أَحَدُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أجاب بها الجمهور عن حديث بن عباس