الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَالِيَةً
قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوِيٌّ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجِهِ لَيْسَ فِيهِ عِلَّةٌ فَكَيْفَ يُضَعِّفُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الَّذِي هُوَ مَوْقُوفٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ من غير إذن صريح ولا معروف من الْعُرْفِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا وَلَا أَجْرَ لَهَا بَلْ عَلَيْهَا وِزْرٌ هَذَا مَعْنَى رِوَايَتِهِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَحْصُلُ لَهَا نِصْفُ الْأَجْرِ إِنْ كَانَ التَّصَدُّقُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا يَكُونُ مَعَهَا إِذْنٌ عَامٌّ سَابِقٌ مُتَنَاوِلٌ لِهَذَا الْقَدْرِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَتِهِ الْمَرْفُوعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
5 -
(بَاب فِي صِلَةِ الرَّحِمِ)
[1689]
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَذُو الرَّحِمِ هُوَ الْأَقَارِبُ وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ وَيُطْلَقُ فِي الْفَرَائِضِ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ جِهَةِ النِّسَاءِ
وَصِلَةُ الرَّحِمِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقْرَبِينَ مِنْ ذَوِي النَّسَبِ وَالْأَصْهَارِ وَالتَّعَطُّفِ عَلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَالرِّعَايَةِ لِأَحْوَالِهِمْ وَكَذَلِكَ إِنْ بَعُدُوا أَوْ أساؤوا
وَقَطْعُ الرَّحِمِ ضِدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ يُقَالُ وَصَلَ رَحِمَهُ يَصِلُهَا وَصْلًا وَصِلَةً وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ فَكَأَنَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ قَدْ وَصَلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ عَلَاقَةِ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
(لَمَّا نَزَلَتْ) أَيْ هذه الآية (لن تنالوا البر) أي الجنة قاله بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقِيلَ التَّقْوَى وَقِيلَ الطَّاعَةُ وَقِيلَ الْخَيْرُ
وَقَالَ الْحَسَنُ لَنْ تَكُونُوا أَبْرَارًا حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أَيْ مِنْ أَحَبِّ أَمْوَالِكُمْ إِلَيْكُمْ (قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيُّ زَوْجُ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (أَرَى) أَيْ أَظُنُّ (بِأَرِيحَاءَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ كَثِيرًا مَا تَخْتَلِفُ أَلْفَاظُ الْمُحَدِّثِينَ فِيهَا فَيَقُولُونَ بَيْرُحَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَالْمَدُّ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرُ وَهِيَ اسْمُ مَالٍ وَمَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ إِنَّهَا فَيْعَلَى مِنَ البراح وهي الأرض الظاهرة انتهى كلام بن الْأَثِيرِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ التَّيْمِيُّ وَبَيْرُحَا بُسْتَانٌ وَكَانَتْ بَسَاتِينُ الْمَدِينَةِ تُدْعَى
بِالْآبَارِ الَّتِي فِيهَا أَيِ الْبُسْتَانُ الَّتِي فِيهِ بِئْرُ حَا أُضِيفَ الْبِئْرُ إِلَى حَا
وَيُرْوَى بَيْرَحَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ اسْمٌ مَقْصُورٌ فَهُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا مُضَافٌ وَلَا مُضَافٌ إِلَيْهِ
وَفِي مُعْجَمِ أَبِي عُبَيْدٍ حَا عَلَى لَفْظِ حَرْفِ الْهِجَاءِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَحَا آخَرُ مَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِئْرُ حَا وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ أَرِيحَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَا أَعْلَمُ أَرِيحَا إِلَّا بِالشَّامِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا (لَهُ) أَيْ لِرَبِّنَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ الْحَبْسَ إِذَا وَقَعَ أَصْلُهُ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُحْبَسَ حُصِرَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ مَرْجِعَهَا يَكُونُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْ قَبِيلَتِهِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ فِيمَنْ وَقَفَهَا عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوقَفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ الشَّيْءُ مُحْبَسَ الْأَصْلِ غَيْرَ مُبَيَّنِ السَّبِيلِ أَنْ يُوضَعَ فِي أَقَارِبِهِ وَأَنْ يَتَوَخَّى فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَيَكُونُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّ الْوَاقِفَ قَدْ شَرَطَهُ لَهُ وَهَذَا يُشْبِهُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ يَرْجِعُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا وَقِصَّةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَانَ أَبِي يُعَدُّ مِنْ مَيَاسِيرِ الْأَنْصَارِ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ قَسْمِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَأَنَّ لِلْقَسْمِ مَدْخَلًا فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذَا الْقَسَمِ قِسْمَةُ رَيْعِهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَقَدِ امْتَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ قِسْمَةِ أحباس النبي صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ رضي الله عنهما لما جاءاه يلتسمان ذَلِكَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا كَلَامُ الْأَنْصَارِيِّ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَتَمَّ مِنْهُ وَفِيهِ حُبُّ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِلْمَالِ وَإِبَاحَةُ دُخُولِ بَسَاتِينِ الْإِخْوَانِ وَالْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ وَفِيهِ مَدْحُ صَاحِبِ الصَّدَقَةِ الْجَزْلَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَبْسَ الْمُطْلَقَ جَائِزٌ وَحَقُّهُ أَنْ يُصْرَفَ فِي جَمِيعِ وُجُوهِ الْبِرِّ وَفِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ وَأُولِي الْأَرْحَامِ أَفْضَلُ انْتَهَى (فَقَسَمَهَا) أَيْ قَسَمَ أَبُو طَلْحَةَ أَرْضَهُ (عَنِ الْأَنْصَارِيِّ) هُوَ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) الْمُثَنَّى الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي مِنَ التَّاسِعَةِ (قَالَ) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فِي بَيَانِ قَرَابَةِ أَبِي طَلْحَةَ بَيْنَ أَبِي وحسان فَذَكَرَ أَوَّلًا نَسَبَ أَبِي طَلْحَةَ (أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ) هُوَ اسْمُ أَبِي طَلْحَةَ (بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ) هَكَذَا فِي نُسَخِ الْكِتَابِ وَهَكَذَا فِي أُسْدِ الْغَابَةِ وَالَّذِي فِي الْإِصَابَةِ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ (وَحَسَّانُ بْنُ ثابت
بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ زيد مناة (يجتمعان) أي أبو طلحة وحسان (إلى حرام وهو) أي حرام (الأب الثالث) لأبي طلحة وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ (وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَتِيكٍ إِلَخْ) هَكَذَا فِي نُسَخِ الْكِتَابِ وَالَّذِي فِي أُسْدِ الْغَابَةِ وَالْإِصَابَةِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ انْتَهَى (فَعَمْرُو) بْنُ مَالِكٍ (يَجْمَعُ حَسَّانَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا) أَيْ كُلُّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ (بَيْنَ أُبَيٍّ وَأَبِي طَلْحَةَ سِتَّةُ آبَاءٍ) فَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ أَبٌ سَادِسٌ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبٌ سَابِعٌ لِأَبِي طَلْحَةَ وَكَلَامُ الْأَنْصَارِيِّ يُشِيرُ بِأَنَّ عَمْرًا أَبٌ سَادِسٌ لِأَبِي طَلْحَةَ أَيْضًا وَهَذِهِ مِنْهُ مُسَامَحَةٌ
نَعَمْ عَلَى مَا فِي الْإِصَابَةِ يَصِيرُ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ أَبًا سَادِسًا لِأَبِي طَلْحَةَ أَيْضًا فَيَسْتَقِيمُ كَلَامُ الْأَنْصَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ فِي صِلَةِ الْأَرْحَامِ كَمَا تُعْتَبَرُ وَتُلَاحَظُ الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ كَذَا تُعْتَبَرُ الْقَرَابَةُ الْبَعِيدَةُ أَيْضًا كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
[1690]
(كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ) أَيْ مَوْلُودَةٌ مَمْلُوكَةٌ فِي مِلْكِي (آجَرَكَ اللَّهُ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ أَيْ أَعْطَاكَ اللَّهُ جَزَاءَ عَمَلِكَ (أَخْوَالَكِ) جَمْعُ الْخَالِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى خَادِمٍ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ (كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكَ) لِأَنَّ فِي إِعْطَائِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَالصَّدَقَةِ وَفِي الْإِعْتَاقِ الصَّدَقَةُ فَقَطْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حديث كريب عن ميمونة رضي الله عنها
[1691]
(عِنْدِي دِينَارٌ) أُرِيدُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ (أَوْ قَالَ زَوْجِكَ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لِعَدَمِ الِالْتِبَاسِ فِيهِ والشك
مِنَ الرَّاوِي (قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ) أَيْ أَعْلَمُ
قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا قَدَّمَ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ لِشِدَّةِ افْتِقَارِهِ إِلَى النَّفَقَةِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا لَأَمْكَنَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا التَّرْتِيبُ إِذَا تَأَمَّلْتَهُ عَلِمْتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ لِأَنَّ وَلَدَهُ كَبَعْضِهِ فَإِذَا ضَيَّعَهُ هَلَكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ثم ثلث بالزوجة وأخوها عَنِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ لَهَا مِنْ يَمُونُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي رَحِمٍ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إِذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ يَبْتَاعُهُ وَيَمْلِكُهُ ثُمَّ قَالَ فِيمَا بَعْدُ أَنْتَ أَبْصَرُ أَيْ إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَمْسَكْتَ وَقِيَاسُ هَذَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تَلْزَمُ الزَّوْجَ عن الزوجة ولمن يفضل من قوته أَكْثَرُ مِنْ صَاعٍ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ وَلَدِهِ دُونَ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُقَدَّمُ الْحَقِّ عَلَى الزَّوْجَةِ وَنَفَقَةَ الْأَوْلَادِ إِنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ الْعَصَبِيَّةِ النِّسْبِيَّةِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ إِنَّمَا تَجِبُ لِحَقِّ الْمُتْعَةِ الْعِوَضِيَّةِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْقَطِعَ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِالطَّلَاقِ وَالنَّسَبُ لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا
وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّفَقَةُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[1692]
(الْخَيْوَانِيِّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ الْهَمَدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) قَالَ السِّنْدِيُّ مَنْ يَقُوتُ مِنْ قَاتَهُ أَيْ أَعْطَاهُ قُوتَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنَ التَّفْعِيلِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَنْ يُقِيتُ مِنْ أَقَاتَ أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَعَبِيدِهِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ مَنْ يَلْزَمُهُ قُوتُهُ وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُتَصَدِّقِ لَا يَتَصَدَّقُ بِمَا لَا فَضْلَ فِيهِ عَنْ قُوتِ أَهْلِهِ يَطْلُبُ بِهِ الْأَجْرَ فَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْأَجْرُ إِثْمًا إِذَا أَنْتَ ضَيَّعْتَهُمْ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ
[1693]
(أَنْ يُبْسَطَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُوَسَّعَ (فِي رِزْقِهِ) أَيْ فِي دُنْيَاهُ (وَيُنْسَأَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ فَنَصْبٍ فَهَمْزَةٍ أَيْ يُؤَخَّرَ لَهُ (فِي أَثَرِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ أَجَلِهِ (فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَى صِلَةِ الرَّحِمِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
قَالَ بن الْأَثِيرِ النَّسَاءُ التَّأْخِيرُ يُقَالُ نَسَأْتُ الشَّيْءَ أَنْسَأُ وَأَنْسَأْتُهُ إِنْسَاءً إِذَا أَخَّرْتُهُ وَالنَّسَاءُ الِاسْمُ وَيَكُونُ فِي الْعُمُرِ وَالدَّيْنِ وَالْأَثَرِ وَالْأَجَلِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُؤَخَّرَ فِي أَجَلِهِ يُقَالُ لِرَجُلٍ نَسَأَ الله في عمرك وأنسأ عمرك والأثر ها هنا آخِرُ الْعُمُرِ
قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ لَا يَنْتَهِي الْعُمُرُ حَتَّى يَنْتَهِي الْأَثَرُ انْتَهَى
وَتَأْخِيرُ الْأَجَلِ بِالصِّلَةِ إِمَّا بِمَعْنَى حُصُولِ الْبَرَكَةِ وَالتَّوْفِيقِ فِي الْعُمْرِ وَعَدَمِ ضَيَاعِ الْعُمُرِ فَكَأَنَّهُ زَادَ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ وَلَا مَانِعَ أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْعُمُرِ كَسَائِرِ أسباب العالم ممن أَرَادَ اللَّهُ زِيَادَةَ عُمُرِهِ وَفَّقَهُ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ والزيادة إنما هو بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ وَأَمَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ وَهُوَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْحَافِظُ فِي فَتْحِ الباري والعيني في عمدة القارىء وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1694]
(أَنَا الرَّحْمَنُ) أَيِ الْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَهِيَ) أَيِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِوَصْلِهَا (الرَّحِمُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ (شَقَقْتُ) أَيْ أَخْرَجْتُ وَأَخَذْتُ (لَهَا) أَيْ لِلرَّحِمِ (اسْمًا مِنِ اسْمِي) أَيِ الرَّحْمَنِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُنَاسِبَةَ الِاسْمِيَّةَ وَاجِبَةُ الرِّعَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى على أنها أثر من آثار رحمة الرحمان وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ وَالتَّعَلُّقُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ (مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ) أَيْ إِلَى رَحْمَتِي وَمَحَلِّ كَرَامَتِي
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا بَيَانُ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالِاشْتِقَاقِ فِي الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ وَرَدٌّ عَلَى الَّذِينَ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَزَعَمُوا أَنَّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا مَوْضُوعَةٌ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ فَسَادَ قولهم
وفيه دليل على أن اسم الرحمان عَرَبِيٌّ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِرَأْيِهِ عِبْرَانِيٌّ وَهَذَا يَرُدُّهُ (وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ) بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ قَطَعْتُهُ مِنْ رحمتي
الْخَاصَّةِ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَطْعُ الْكُلِّيُّ وَمِنْهُ طَلَاقُ الْبَتِّ وَكَذَا قَوْلُهُمُ ألْبَتَّةُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي تَصْحِيحِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَذَكَرَ غير أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَأَخَاهُ حُمَيْدًا لَمْ يَصِحَّ لَهُمَا سَمَاعٌ مِنْ أَبِيهِمَا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالْحَاكِمُ عن عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1695]
(أَنَّ الرَّدَادَ) بِالدَّالَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ خَطَأٌ
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيثَ
[1696]
(قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ) أَيْ قَاطِعُ الرَّحِمِ وَقَدْ تَعَارَفَ إِطْلَاقُ الْقَطْعِ فِي قَطْعِهَا كَالصِّلَةِ فِي وَصْلِهَا وَهَذَا تَشْدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ أَوْ أَوَّلَ الْوَهْلَةِ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطْعَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ
[1697]
(وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُلَيْمَانُ) هُوَ الْأَعْمَشُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُفْيَانَ يَرْوِي عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ الْأَعْمَشِ وَالْحَسَنِ وَفِطْرٍ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَنْ مُجَاهِدٍ لَكِنَّ فِطْرًا وَالْحَسَنَ رَفَعَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (لَيْسَ الْوَاصِلُ) أَيْ وَاصِلُ الرحم (بالمكافىء) بكسر الفاء ثم الهمزة الذي يكافىء ويجزىء إِحْسَانًا فُعِلَ بِهِ (وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ (رَحِمُهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ (وَصَلَهَا) أَيْ