الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ وَأَعْطِي مِنْ نَصِيبِكِ مِنْهُ وَلَا تُوكِي أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَالْإِيكَاءُ شَدُّ رَأْسِ الْوِعَاءِ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ يَقُولُ لَا تَمْنَعِي مَا فِي يَدِكِ فَتَنْقَطِعُ مَادَّةُ الرِّزْقِ عَلَيْكِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ إِذَا أَدْخَلَ الشَّيْءَ بَيْتَهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ مُفَوَّضًا إِلَى رَبَّةِ الْمَنْزِلِ فَهِيَ تُنْفِقُ مِنْهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ فِي الْوَقْتِ وَرُبَّمَا تَدَّخِرُ مِنْهُ الشَّيْءَ لِغَابِرِ الزَّمَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُفَوَّضًا إِلَيْكِ مَوْكُولًا إِلَى تَدْبِيرِكِ فَاقْتَصِرِي عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لِلنَّفَقَةِ وَتَصَدَّقِي بِالْبَاقِي مِنْهُ وَلَا تَدَّخِرِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من حديث بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ
[1700]
(أَنَّهَا) أَيْ عَائِشَةَ (ذَكَرَتْ) لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (عِدَّةً) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أي عددا (من مساكين) أي جاؤوا عِدَّةٌ مِنَ الْمَسَاكِينِ عَلَى بَابِي فَأَعْطَيْتُهُمْ وَتَصَدَّقْتُ عَلَيْهِمْ أَوِ الْمَعْنَى أَيْ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ عَلَى بَابِي فَمَا نَفْعَلُ بِهِمْ (وَقَالَ غَيْرُهُ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَيْ قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ (عِدَّةً مِنْ صَدَقَةٍ) أَيْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ عِدَّةً مِنَ الصَّدَقَةِ الَّتِي تَصَدَّقَتْ بِهَا ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الْمَعْنَى أَيْ كَمْ مِقْدَارٌ مِنَ الصَّدَقَةِ أعطيها للمساكين إن جاؤوا عَلَى بَابِي (لَا تُحْصِي) مِنَ الْإِحْصَاءِ وَهُوَ الْعَدُّ وَالْحِفْظُ (فَيُحْصَى عَلَيْكِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُمْحَقُ الْبَرَكَةُ حَتَّى يَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْمَعْدُودِ أَوْ يُحَاسِبُكِ اللَّهُ تَعَالَى وَيُنَاقِشُكِ فِي الْآخِرَةِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
10 - كِتَاب اللُّقَطَةِ
[1701]
أَيْ شَيْءٌ يُلْتَقَطُ وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُحَدِّثِينَ
وَقَالَ عِيَاضٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي قَالَهَا الْجُمْهُورُ وَاللَّغَةُ الثَّانِيَةُ لُقْطَةٌ بِإِسْكَانِهَا وَالثَّالِثَةُ لُقَاطٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَالرَّابِعَةُ لَقَطٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ
(إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ) أَيْ فَأَعْطِيهِ (وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ) أَيِ انْتَفَعْتُ بِهِ (قَالَ) سُوَيْدٌ (فَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ (عَرِّفْهَا) بِالتَّشْدِيدِ أَمْرٌ مِنَ التَّعْرِيفِ وَهُوَ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقَاهَا فِيهِ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَالشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَيَقُولُ مَنْ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ فَلِيَطْلُبْهُ عِنْدِي (فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا) أَيْضًا بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْرِيفِ وَحَوْلًا نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ (مَنْ يَعْرِفُهَا) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ عَرَفَ يَعْرِفُ مَعْرِفَةً وَعِرْفَانًا
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلَاثًا أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَتَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَتَى بَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَثَالِثَةٌ بِاعْتِبَارِ التَّعْرِيفِ ورابعة باعتبار مجيئه إلى النبي قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (وَوِعَاءَهَا) الْوِعَاءُ بِالْمَدِّ وَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَقَدْ تُضَمُّ وَقَرَأَ بِهَا الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ قبل وعاء أخيه وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِعَاءِ بِقَلْبِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ هَمْزَةً وَالْوِعَاءُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ سَوَاءً كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْوِكَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ وَغَيْرُهَا وَزَادَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْعَفَّاصِ كَمَا سَيَأْتِي (وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا) قَالَ
الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْلِكَهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَيَأْكُلَهَا إِنْ شَاءَ غَنِيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ لَهَا أَوْ فَقِيرًا
وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ مَيَاسِيرِ الْأَنْصَارِ وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ السَّنَةِ لَأَشْبَهَ أَنْ لَا يُبِيحَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا إِلَّا بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ إِلَى حَدِّ الْغِنَى فَلَمَّا أَبَاحَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كُلِّهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَعَائِشَةَ رضي الله عنها إِبَاحَةُ التَّمْلِيكِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً وَلَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا تَصَدَّقَ بِهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وبن عباس رضي الله عنهما وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ (قَالَ وَلَا أَدْرَى أَثْلَاثًا قَالَ عَرِّفْهَا أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وإلا فاستمتع بها فاستمتعت بها فلقيت بعده بِمَكَّةَ فَقَالَ لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا انْتَهَى
وَالْقَائِلُ شُعْبَةُ وَالَّذِي قَالَ لَا أَدْرِي هُوَ شَيْخُهُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَقَدْ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ شُعْبَةُ فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ شُعْبَةُ فَلَقِيتُ سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا وَاحِدًا فَالْمَعْنَى أَيْ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ لَا أَدْرِي أَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ عَرِّفْهَا ثَلَاثًا أَيْ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ عَرِّفْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا
قَالَ الْحَافِظُ وَأَغْرَبَ بن بَطَّالٍ فَقَالَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالْقَائِلُ هُوَ سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ انْتَهَى
وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُنْذِرِيُّ
بَلِ الشَّكُّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَهُوَ سَلَمَةُ لَمَّا اسْتَثْبَتَهُ فِيهِ شُعْبَةُ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِغَيْرِ شَكِّ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ أُبَيٍّ هَذَا وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْآتِي فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ يُحْمَلُ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَلَى مَزِيدِ الْوَرَعِ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي اللُّقَطَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّعَفُّفِ عنها وحديث زيد على ما لابد مِنْهُ أَوْ لِاحْتِيَاجِ الْأَعْرَابِيِّ وَاسْتِغْنَاءِ أُبَيٍّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى إِنَّ اللُّقَطَةَ تُعَرَّفُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ إِلَّا شَيْءٌ جَاءَ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى
وَقَدْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عن شواذ من الفقهاء وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ عَامًا وَاحِدًا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ اللُّقَطَةِ وَحَقَارَتِهَا وَزَادَ بن حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أشهر
وجزم بن حزم وبن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ غَلَطٌ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ سَلَمَةَ أَخْطَأَ فِيهَا ثُمَّ تَثَبَّتَ وَاسْتَذْكَرَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ وَلَا يُؤَاخَذُ إِلَّا بِمَا لَمْ يَشُكَّ فِيهَا رَاوِيهِ
وَقَالَ بن
الجوزي يحتمل أن يكون عَرَفَ أَنْ تَعْرِيفَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي فَأَمَرَ أُبَيًّا بِإِعَادَةِ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ انْتَهَى
وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا عَلَى مِثْلِ أُبَيٍّ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَةً عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ فِي التَّعْرِيفِ مُفَوَّضٌ لِأَمْرِ الْمُلْتَقِطِ فَعْلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ
كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَعَرِّفْ عَدَدَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ فَإِذَا جَاءَ طَالِبُهَا فَأَخْبَرَكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ النَّسَائِيِّ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[1702]
(بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بن كثير (قال) النبي لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (عَرِّفْهَا حَوْلًا) أَيْ سَنَةً وَاحِدَةً (قَالَ ثَلَاثَ مِرَارٍ) أَيْ قَالَ النَّبِيُّ ذَلِكَ الْكَلَامِ لِأُبَيٍّ ثَلَاثَ مِرَارٍ (قَالَ) سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ لَمَّا اشْتَبَهَ فِيهِ بَعْدَ إِلْقَائِهِ بمكة (فلا أدري قال) النبي (لَهُ) أَيْ لِأُبَيٍّ (ذَلِكَ الْكَلَامَ وَهُوَ عَرِّفْهَا حَوْلًا (فِي سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مِرَارٍ (أَوْ) قال النبي لِأُبَيٍّ ذَلِكَ الْكَلَامَ مُفَرَّقًا (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَيْ أَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
[1703]
(بِإِسْنَادِهِ) أَيْ بِإِسْنَادِ شُعْبَةَ (قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَالثَّوْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كُلِّهِمْ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ إِلَّا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَرِّفْهَا سَنَةً وَفِي حَدِيثِ أبي بن كعب أنه أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهَا ثَلَاثَ سِنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ سَنَةً وَاحِدَةً وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ حَوْلٌ أَوْ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ وَفِي رِوَايَةِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَطْرَحَ الشَّكَّ وَالزِّيَادَةَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ سنة في رِوَايَةِ الشَّكِّ وَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ بِمُخَالَفَتِهَا بَاقِيَ الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ فَرِوَايَةُ زَيْدٍ فِي التَّعْرِيفِ سنة محمولة على أقل ما يجزى وَرِوَايَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي
التَّعْرِيفِ ثَلَاثَ سِنِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَعْرِيفِ سَنَةً وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ تَعْرِيفَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عَدَدَهَا إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَصَفَ اللُّقَطَةَ وَعَرَّفَ عَدَدَهَا دُفِعَتْ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ بَيِّنَةٍ سِوَاهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ وَقَدْ عَرَّفَ الرَّجُلُ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ دَفَعَهَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ بِأَنْ يَسْمَعَ الْمُلْتَقِطُ يَصِفَهَا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
قُلْتُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ هَذَا يُوجِبُ دَفْعَهَا إِلَيْهِ إِذَا أَصَابَ الصِّفَةَ وَهُوَ فَائِدَةُ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَهِيَ قَوْلُهُ فَعَرِّفْ عَدَدَهَا فَادْفَعْهَا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَالِاحْتِيَاطُ مَعَ مَنْ لم يرى الرد إلا ببينة لقوله الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَتَأَوَّلُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَالِهِ فَلَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لِتَكُونَ الدَّعْوَى فِيهَا مَعْلُومَةٌ وَأَنَّ الدَّعْوَى الْمُبْهَمَةَ لَا تُقْبَلُ
قُلْتُ وَأَمْرُهُ بِإِمْسَاكِ اللُّقَطَةِ وَتَعْرِيفِهَا أَصْلٌ فِي أَبْوَابٍ مِنَ الْفِقْهِ إِذَا عَرَضَتِ الشُّبْهَةُ فَلَمْ يَتَبَيَّنِ الْحُكْمُ فِيهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ مِثْلِ أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدَ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَمَاتَ فَإِنَّ الْيَمِينَ تُوقَفُ حَتَّى تُبَيَّنَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُنَّ أَوْ يَصْطَلِحْنَ عَلَى شَيْءٍ فِي نَظَائِرَ لَهَا مِنَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى
[1704]
(عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ (ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا) الْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ (وَعِفَاصَهَا) الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ
وَأَصْلُ الْعِفَاصِ الْجِلْدُ الَّذِي يُلْبَسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْعَيْنِيُّ الْعِفَاصُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالصَّادِ وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ سَوَاءً كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهَا
فَإِنْ قُلْتَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا ووكاءها
ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً وَفِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ أَبِي دَاوُدَ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الْوِكَاءِ وَالْعِفَاصِ تَتَأَخَّرُ عَلَى تَعْرِيفِهَا سَنَةً وَرِوَايَةُ مَالِكٍ صَرِيحَةٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ
قُلْتُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْمَعْرِفَةِ فِي حَالَتَيْنِ فَيُعَرِّفُ الْعَلَامَاتِ أَوَّلَ مَا يَلْتَقِطُ حَتَّى يَعْلَمَ صِدْقَ وَاصِفِهَا إِذَا وَصَفَهَا ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَيُعَرِّفُهَا مَرَّةً أُخْرَى مَعْرِفَةً وَافِيَةً مُحَقَّقَةً لِيُعْلَمَ قَدْرُهَا وَصِفَتُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا فَيَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا عَرَّفَهَا الملقط وَقْتَ التَّمَلُّكِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَاللَّقَطَةُ وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ (ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بَعْدَ التَّعْرِيفِ حَوْلًا فَاسْتَنْفِقْهَا مِنَ الِاسْتِنْفَاقِ وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ وَبَابُ الِاسْتِفْعَالِ لِلطَّلَبِ لَكِنِ الطَّلَبُ عَلَى قِسْمَيْنِ صَرِيحٌ وَتَقْدِيرِيٌّ وههنا لا يتأتى الصريح فيكون للطلب التقديري قاله العيني
(وقال النووي) ومعنى استنفق بها تَمْلِكُهَا ثُمَّ أَنْفِقْهَا عَلَى نَفْسِكَ انْتَهَى (فَقَالَ) أَيِ السَّائِلُ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ) أَيْ مَا حُكْمُهَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الضَّالَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْحَيَوَانِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقَالُ فِيهِ لُقَطَةٌ
وَسَوَّى الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الضَّالَّةِ وَاللُّقَطَةِ (فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ) إِنْ أَخَذْتَهَا وَعَرَّفْتَهَا سَنَةً وَلَمْ تَجِدْ صَاحِبَهَا (أَوْ لِأَخِيكَ) أَيْ فِي الدِّينِ مُلْتَقِطٌ آخَرُ (أَوْ لِلذِّئْبِ إِنْ تَرَكْتَهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا غَيْرُكَ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِي نَفْسَهَا) وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّنْوِيعِ وَالتَّقْسِيمِ وَأَشَارَ إِلَى إِبْطَالِ قِسْمَيْنِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثُ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَنْحَصِرُ الْأَمْرُ فِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَنْ تَأْخُذَهَا لِنَفْسِكَ أَوْ تَتْرُكَهَا فَيَأْخُذَهَا مِثْلُكَ أَوْ يَأْكُلَهَا الذِّئْبُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَرْكِهَا لِلذِّئْبِ فَإِنَّهَا إِضَاعَةُ مَالٍ وَلَا مَعْنَى لِتَرْكِهَا لِمُلْتَقِطٍ آخَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ يَكُونُ الثَّانِي أَحَقُّ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا وَسَبَقَ الْأَوَّلُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّرْكِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَسْبُوقِ وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ تَعَيَّنَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ لِهَذَا الْمُلْتَقِطِ
وَالتَّعْبِيرُ بِالذِّئْبِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْمُرَادُ جِنْسُ مَا يَأْكُلُ الشَّاةَ وَيَفْتَرِسُهَا مِنَ السِّبَاعِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُهُ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ هَذَا حُكْمُهَا إِذَا وُجِدَتْ بِأَرْضِ فَلَاةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئَابُ فِيهَا فَإِذَا وُجِدَتْ فِي قَرْيَةٍ وَبَيْنَ ظَهْرَانَيْ عِمَارَةٍ فَسَبِيلُهَا سَبِيلُ اللُّقَطَةِ فِي التَّعْرِيفِ إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الذِّئَابَ لَا تَأْوِي إِلَى الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى فَأَمَّا ضَالَّةُ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لِوَاجِدِهَا أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ وَتَعِيشُ بِلَا رَاعٍ وَتَمْتَنِعُ مِنْ أَكْثَرِ السِّبَاعِ فَيَجِبُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهَا انْتَهَى (فَضَالَّةُ الْإِبِلِ) مَا حُكْمُهَا (وَجْنَتَاهُ) الْوَجْنَةُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْخَدَّيْنِ (أَوِ احمر
وَجْهُهُ) شَكَّ الرَّاوِي (قَالَ) عليه الصلاة والسلام (مالك ولها) أي مالك وَأَخْذَهَا اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ أَيْ لَيْسَ لَكَ هَذَا وَتَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ لِلْبُخَارِيِّ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا (مَعَهَا حِذَاؤُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالذَّالِ المعجمة ممدود أَخْفَافُهَا فَتَقْوَى بِهَا عَلَى السَّيْرِ وَقَطْعِ الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ وَوُرُودِ الْمِيَاهِ النَّائِيَةِ (وَسِقَاؤُهَا) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدُّ جَوْفُهَا أَيْ حَيْثُ وَرَدَتِ الْمَاءَ شَرِبَتْ مَا يَكْفِيهَا حَتَّى تَرِدَ مَاءً آخَرَ لِأَنَّ الْإِبِلَ إِذَا شَرِبَتْ يَوْمًا تَصْبِرُ أَيَّامًا عَلَى الْعَطَشِ أَوِ السِّقَاءُ الْعُنُقُ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَأْكُولَ بِغَيْرِ تَعَبٍ لِطُولِ عُنُقِهَا
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهَا لِأَنَّ الْأَخْذَ إِنَّمَا هُوَ الْحِفْظُ عَلَى صَاحِبِهَا إِمَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ أَوْ بِحِفْظِ الْقِيمَةِ وَهَذِهِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حِفْظٍ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ وَمَا يَسَّرَ لَهَا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي إِرْشَادِ السَّارِي (حَتَّى يَأْتِيَهَا رَبُّهَا) أَيْ مَالِكُهَا وَآخِذُهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَثِيرَ اللُّقَطَةِ وَقَلِيلَهُ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ التَّعْرِيفِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَبْقَى إِلَى الْحَوْلِ لِأَنَّهُ عَمَّ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَخُصَّ وَقَالَ قَوْمٌ يُنْتَفَعُ بِالْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ كَالنَّعْلِ وَالسَّوْطِ وَالْجِرَابِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ وَلَا يُتَمَوَّلُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَلِيلٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا يُعَرَّفُ مِنَ اللُّقَطَةِ مَا كَانَ فَوْقَ الدِّينَارِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي قَالَ فَهَذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ سَنَةً لَكِنِ اسْتَنْفَقَهُ حِينَ وَجَدَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَرْقِ مَا بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنَ اللُّقَطَةِ وَالْكَثِيرِ مِنْهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
(بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ) أَيْ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ وَحَدِيثُ مَالِكٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ
[1705]
(تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ) قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَيَلْحَقُ بِالْإِبِلِ مَا يَمْتَنِعُ بِقُوَّتِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَالْبَقَرَةِ وَالْفَرَسِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ هَلْ تُؤْخَذُ عَلَى قولين أحدهما لا يأخذها ولا يعرفها قاله مالك والأوزاعي والشافعي لنهيه عن ضالة الإبل وَالثَّانِي أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا أَفْضَلُ قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ لِأَنَّ تركها سبب لضياعها
وقال بن الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ رَأَى ضَالَّةَ الْبَقَرِ كَضَالَّةِ الْإِبِلِ طاووس والأوزاعي والشافعي وبعض أصحاب مالك
وقال بن الْجَوْزِيِّ الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالشَّاةُ وَالظِّبَاءُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا الْتِقَاطُهَا إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ لِلْحِفْظِ انْتَهَى
(وَلَمْ يَقُلْ) أَيْ مَالِكٌ فِي حَدِيثِهِ لَفْظَ (خُذْهَا فِي ضَالَّةِ الشَّاءِ) كَمَا قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ
وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ (وَإِلَّا فَشَأْنَكَ) بِالنَّصْبِ أَيِ الْزَمْ شَأْنَكَ وَبِالرَّفْعِ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَشَأْنُكَ مُبَاحٌ أَوْ جَائِزٌ أَوْ نَحْوُهُ وَالشَّأْنُ الْأَمْرُ وَالْحَالُ (بِهَا) أَيْ بِالْإِبِلِ (رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ يَزِيدَ فَفِيهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَوْجُودَةٌ (وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ رَبِيعَةَ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْمُؤَلِّفِ (لَمْ يَقُولُوا خُذْهَا) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَالِكًا وَالثَّوْرِيَّ وَسُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ كُلَّهُمْ رَوَوْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ رَبِيعَةَ جُمْلَةَ خُذْهَا فِي ضَالَّةِ الشَّاءِ
وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ فَذَكَرَ عَنْ رَبِيعَةَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا رَبِيعَةُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ بَلْ تَابَعَ رَبِيعَةَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ
فَقَوْلُهُ خُذْهَا صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَتْرُكُ الْتِقَاطَ الشَّاةِ
وَتَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْأَخْذِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَرَامَةٌ وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ هِيَ لَكَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْبَيْعَ فِيهَا إِذَا كَانَ قَدْ بَاعَهَا وَلَكِنْ يَغْرَمُ لَهُ الْقِيمَةَ لِأَنَّهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَسْتَنْفِقَهَا فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِيمَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الِاسْتِنْفَاقِ بِهَا مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ
[1706]
(بَاغِيهَا) أَيْ طَالِبُهَا (ثُمَّ كُلْهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا يُصَرِّحُ بِإِبَاحَتِهَا لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَالسُّنَّة الصَّحِيحَة مُصَرِّحَة بِأَنَّ مُدَّة التَّعْرِيف سَنَة
وَوَقَعَ فِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب الْمُتَقَدِّم أَنَّهَا تُعَرَّف ثَلَاثَة أَعْوَام وَوَقَعَ الشَّكّ فِي رِوَايَة حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب أَيْضًا هَلْ ذَلِكَ فِي سَنَة أَوْ فِي ثَلَاث سِنِينَ وَفِي الْأُخْرَى عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة فَلَمْ يَجْزِم وَالْجَازِم مُقَدَّم
وَقَدْ رَجَعَ أُبَيّ بْن كَعْب آخِرًا إِلَى عَام وَاحِد وَتَرَكَ مَا شَكَّ فِيهِ
وَحَكَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ شُعْبَة أَنَّهُ قَالَ سَمِعْته يَعْنِي سَلَمَة بْن كُهَيْل بَعْد عَشْر سِنِينَ يَقُول عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا
وَقِيلَ هِيَ قَضِيَّتَانِ فَأُولَى لِأَعْرَابِيٍّ أَفْتَاهُ بِمَا يَجُوز لَهُ
ثَمَنَهَا إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَدَلَّ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَرَاهَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا أَكَلَ الشَّاةَ الَّذِي وَجَدَهَا بِأَرْضِ الْفَلَاةِ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا لَمْ يَغْرَمْهَا وَقَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ جَعَلَهَا لَهُ مِلْكًا بِقَوْلِهِ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ وَكَذَلِكَ قَالَ دَاوُدُ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ إِبَاحَةِ الْأَكْلِ فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَغْرَمُهَا كَمَا يَغْرَمُ اللُّقَطَةَ يَلْتَقِطُهَا فِي الْمِصْرِ سَوَاءً انْتَهَى كَلَامُهُ
[1707]
(ثُمَّ أَفِضْهَا) بِالْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَفِي بَعْضِهَا اقْبِضْهَا مِنَ الْقَبْضِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَلْقِهَا فِي مَالِكٍ وَاخْلِطْهَا بِهِ مِنْ قَوْلِكَ أَفَاضَ الْأَمْرُ وَالْحَدِيثُ إِذَا شَاعَ وَانْتَشَرَ وَيُقَالُ مِلْكُ فُلَانٍ فَائِضٌ إِذَا كَانَ شَائِعًا مَعَ أَمْلَاكِ شُرَكَائِهِ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَلَا مُتَمَيِّزٍ مِنْهَا وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا إِنَّمَا هو ليمكنه تميزها بعد خلطها بما له إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا لِأَنَّهُ جَعَلَهَا شَرْطًا لِوُجُوبِ دَفْعِهَا إِلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا لَكِنْ مَنْ ذَكَرَ عَدَدَهَا وَإِصَابَةَ الصِّفَةِ فِيهَا
[1708]
(وَقَالَ حَمَّادٌ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) أَيْ مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِزِيَادَةِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
بَعْد عَام
وَالثَّانِيَة لِأُبَيّ بْن كَعْب أَفْتَاهُ بِالْكَفِّ عَنْهَا وَالتَّرَبُّص بِحُكْمِ الْوَرَع ثَلَاثَة أَعْوَام وَهُوَ مِنْ فُقَهَاء الصَّحَابَة وَفُضَلَائِهِمْ
وَقَدْ يَكُون ذَلِكَ لِحَاجَةِ الْأَوَّل إِلَيْهَا وَضَرُورَته وَاسْتِغْنَاء أُبَيّ فإن كَانَ مِنْ مَيَاسِير الصَّحَابَة
وَلَمْ يَقُلْ أَحَد مِنْ أَئِمَّة الْفَتْوَى بِظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللُّقَطَة تُعَرَّف ثَلَاثَة أَعْوَام إِلَّا رِوَايَة جَاءَتْ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِي قَالَ لَهُ عُمَر ذَلِكَ مُوسِرًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَر أَنَّ اللقطة تُعَرَّف سَنَة مِثْل قَوْل الْجَمَاعَة
وَحَكَى فِي الْحَاوِي عَنْ شَوَاذّ مِنْ الْفُقَهَاء أَنَّهُ يَلْزَمهَا أَنْ يَعْرِفهَا ثَلَاثَة أَحْوَال
الْجُمْلَةِ فَعَرِّفْ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا (لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ إِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ زَادَهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَهِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فَتَمَسَّكَ بِهَا مَنْ حَاوَلَ تَضْعِيفَهَا فَلَمْ يُصِبْ بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ شَاذَّةٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بَلْ وَافَقَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ فَفِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ كُلُّهُمْ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ وَلَا يُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهَا
قُلْتُ قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ سُوَيْدٍ) قال في الفتح أخرج الحميدي والبغوي وبن السَّكَنِ وَالْبَاوَرْدِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ سُوَيْدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ رسول الله عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ أَوْثِقْ وِعَاءَهَا
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَمَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ إِيرَادِ حَدِيثِ سُوَيْدٍ الْجُهَنِيِّ وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْآتِيَةِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الَّتِي رَوَاهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سُوَيْدٌ الْجُهَنِيُّ أَيْضًا بَلْ إِنَّمَا زَادَهَا حَمَّادٌ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ وَلَمْ يُثْبِتْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَيَذْهَبُ الْمُؤَلِّفُ إِلَى تَقْوِيَةِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا جَوَابَ هَذَا الْكَلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرٍو وَعَاصِمٍ ابْنَيْ سُفْيَانَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُمَا سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ كَانَ وَجَدَ عَتَبَةً فَأَتَى بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ عُرِفَتْ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ قَالَ فَعَرِّفْهَا سَنَةً فَلَمْ تُعْرَفْ فَأَتَى بِهَا عُمَرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ أَوِ الْقَابِلَ فِي الْمَوْسِمِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ هِيَ لَكَ وَقَالَ إِنَّ رسول الله كان أمرنا
بِذَلِكَ الْحَدِيثَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ سويد عن أبيه عن النبي أَيْضًا قَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الخطاب أيضا عن النبي قَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَحَدِيثُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُمَا
وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ذَكَرُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وقد تابعه عليها من ذكرناه والله عزوجل أَعْلَمُ انْتَهَى
[1709]
(عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمْرُ تَأْدِيبٍ وَإِرْشَادٍ وَذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَا يَتَخَوَّفُهُ فِي الْعَاجِلِ مِنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَانْبِعَاثِ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَيَدْعُوهُ إِلَى الْخِيَانَةِ بَعْدَ الْأَمَانَةِ وَالْآخَرُ مَا يُؤْمَنُ حُدُوثُ الْمَنِيَّةِ بِهِ فَيَدَّعِيَهَا وَرَثَتُهُ وَيَحُوزُوهَا فِي تَرِكَتِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَفِي السُّبُلِ وَأَفَادَ هَذَا الْحَدِيثُ زِيَادَةَ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ بِعَدْلَيْنِ عَلَى الْتِقَاطِهَا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فَقَالُوا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى اللُّقَطَةِ وَعَلَى أَوْصَافِهَا وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ قَالُوا لِعَدَمِ ذِكْرِ الْإِشْهَادِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى النَّدْبِ
وَقَالَ الْأَوَّلُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ صِحَّتِهَا يَجِبُ الْعَمَلُ بها فيجب الْإِشْهَادُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَدَمَ ذِكْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْحَقُّ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ انْتَهَى (وَلَا يَكْتُمْ) بِأَنْ لَا يُعَرِّفَ أَيْ لَا يُخْفِيهِ (وَلَا يُغَيِّبْ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ لَا يَجْعَلْهُ غَائِبًا بِأَنْ يُرْسِلَهُ إِلَى مَكَانٍ آخر أو الكتمان مُتَعَلِّقٍ بِاللُّقَطَةِ وَالتَّغَيُّبِ بِالضَّالَّةِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَهُوَ مَالُ اللَّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلظَّاهِرِيَّةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُلْتَقِطِ وَلَا يَضْمَنُهَا
وَقَدْ يُجَابُ أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا سَلَفَ مِنْ إِيجَابِ الضَّمَانِ (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ) الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يَحِلُّ انْتِفَاعُهُ بِهَا بَعْدَ مُرُورِ سَنَةِ التعريف
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
[1710]
(الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ) الْمُرَادُ بِالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ مَا كَانَ مُعَلَّقًا فِي النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيُجْرَنَ وَالثَّمَرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مِنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَغَيْرِهِمَا (مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَخْذَ الْمُحْتَاجُ بِفِيهِ لِسَدِّ فَاقَتِهِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ (غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَنُونٍ وَهُوَ مِعْطَفُ الْإِزَارِ وَطَرْفُ الثَّوْبِ أَيْ لَا يَأْخُذْ مِنْهُ فِي ثَوْبِهِ يُقَالُ أَخْبَنَ الرَّجُلُ إِذَا خَبَّأَ شَيْئًا فِي خُبْنَةِ ثَوْبِهِ أَوْ سَرَاوِيلِهِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُبْنَةُ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ فِي ثَوْبِهِ فَيَرْفَعُهُ إِلَى فَوْقِ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا رَفَعَ ذَيْلَهُ فِي الْمَشْيِ قَدْ رَفَعَ خُبْنَتَهُ انْتَهَى (وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ) مِنَ الثَّمَرِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَإِنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُجَذَّ وَيَأْوِيهِ الْجَرِينُ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْجَذِّ فَعَلَيْهِ الْغَرَامَةُ وَالْعُقُوبَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَطْعِ وَإِيوَاءِ الْجَرِينِ لَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ مَعَ بُلُوغِ الْمَأْخُوذِ لِلنَّصَّابِ لِقَوْلِهِ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْجَرِينَ حِرْزٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ إِذْ لَا قَطْعَ إِلَّا مِنْ حِرْزٍ كَذَا فِي السُّبُلِ (فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مثليه) بالتثنية (والعقوبة) بالرفع أي التغرير وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ جَلَدَاتٌ نَكَالٌ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ فَإِنَّ غَرَامَةَ مِثْلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَقَدْ أَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يُضَاعَفُ الْغَرَامَةُ عَلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا الْعُقُوبَةُ فِي الْأَبَدَانِ لَا فِي الْأَمْوَالِ وَقَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ وَالنَّاسِخُ لَهُ قَضَى رسول الله عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ مَا أَتْلَفَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ أَيْ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا قَالَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ بِالْقِيمَةِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوَعُّدِ فَيَنْتَهِي فَاعِلُ ذَلِكَ عَنْهُ وَالْأَصْلُ أَنْ لَا وَاجِبَ عَلَى مُتْلِفِ الشَّيْءِ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلِهِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يَقَعُ بَعْضُ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْأَفْعَالِ ثُمَّ نُسِخَ وَإِنَّمَا أُسْقِطَ الْقَطْعُ عَمَّنْ سَرَقَ الثَّمَرَ الْمُعَلَّقَ لِأَنَّ حَوَائِطَ الْمَدِينَةِ ليس عليها حيطان ولبس سُقُوطُهَا عَنْهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَا قَطْعَ فِي غَيْرِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ مَالٌ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ انْتَهَى (الْجَرِينُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هُوَ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَهُوَ لَهُ كَالْبَيْدَرِ لِلْحِنْطَةِ وَيُجْمَعُ عَلَى جُرُنٍ بِضَمَّتَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (ثَمَنَ الْمِجَنِّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مِفْعَلٌ مِنَ الِاجْتِنَانِ وَهُوَ الِاسْتِتَارُ وَالِاخْتِفَاءُ وَكُسِرَتْ مِيمُهُ لِأَنَّهُ آلَةٌ فِي الِاسْتِتَارِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ التُّرْسُ لِأَنَّهُ يُوَارِي حَامِلَهُ أَيْ يَسْتُرُهُ وَالْمِيمُ زَائِدةٌ انْتَهَى
وَكَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ وَهُوَ نِصَابُ
السَّرِقَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْحُدُودِ إن شاء الله تعالى (وذكر) بن عجلان عن عمرو بن شعيب (كما ذكر غيره) أي غير بن عَجْلَانَ كَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى أَيْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا ذكر غيره من الصحابة عن النبي والله أعلم قال أي بن عَجْلَانَ بِإِسْنَادِهِ أَوْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو (وسئل) أي النبي (فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِفْعَالٌ مِنَ الْإِتْيَانِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَبَابُهُ الْهَمْزَةُ أَيْ طَرِيقَةٌ مسلوكة يأتيها الناس
قال الخطابي وبن الْأَثِيرِ (أَوِ الْقَرْيَةُ الْجَامِعَةُ) لِلنَّاسِ مِنَ الْمُرُورِ وَالذَّهَابِ أَيْ قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ يَسْكُنُهَا النَّاسُ (وَمَا كَانَ فِي الْخَرَابِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ الْخَرَابَ الْعَادِيَّ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الرِّكَازِ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَسَائِرُ الْمَالِ لِوَاجِدِهِ فَأَمَّا الْخَرَابُ الَّذِي كَانَ عَامِرًا مِلْكًا لِمَالِكٍ ثُمَّ خَرِبَ فَإِنَّ الْمَالَ الْمَوْجُودَ فِيهِ مِلْكٌ لصحاب الْخَرَابِ لَيْسَ لِوَاجِدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لُقَطَةٌ انْتَهَى (فَفِيهَا) أَيْ فِي اللُّقَطَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْخَرَابِ (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ فِي تَفْسِيرِ الرِّكَازِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ هُوَ الْمَعَادِنُ وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ هُوَ كُنُوزُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلٌّ مُحْتَمَلٌ فِي اللُّغَةِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الرِّكَازُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ كُنُوزُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَدْفُونَةِ فِي الْأَرْضِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْمَعَادِنُ وَالْقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا اللُّغَةُ
وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْكَنْزُ الْجَاهِلِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُسُ لِكَثْرَةِ نَفْعِهِ وَسُهُولَةِ أَخْذِهِ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ أَوْ سَبِيلٍ مِيتَاءَ فَعَرِّفْهُ وَإِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ أَوْ غَيْرِ سَبِيلٍ مِيتَاءَ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ انْتَهَى وَسَكَتَ عَنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَصِلْ إِلَيْهَا إِلَى هَذَا الْوَقْتِ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ
قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَطْفُ الرِّكَازِ عَلَى الْكَنْزِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ غَيْرُ الْكَنْزِ وَأَنَّهُ الْمَعْدِنُ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمُخَالِفِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِيهِ حُكْمٌ لِلشَّيْئَيْنِ الْأَوَّلُ مَا وُجِدَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الرِّكَازُ وَالثَّانِي مَا وُجِدَ عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ أَوْ غَيْرِ سَبِيلٍ مِيتَاءَ فَفِيهِمَا الخمس
فههنا عَطْفُ الرِّكَازِ وَهُوَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَمَّا عَنْ حُكْمِ الْمَعْدِنِ فَالْحَدِيثُ سَاكِتٌ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَهْلِ الْعِرَاقِ بَلِ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْحِجَازِ الَّذِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ جَدِّهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حسن انتهى
[1711]
(بإسناد) إلى النبي (بِهَذَا) الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ (قَالَ) الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ (فِي ضَالَّةِ الشَّاءِ) أَيْ فِي حُكْمِ ضَالَّةِ الشَّاءِ (قَالَ فَاجْمَعْهَا) أَيْ قَالَ الْوَلِيدُ مَكَانُ قَوْلِهِ خُذْهَا فَاجْمَعْهَا وَهُوَ أَمْرٌ مِنْ جَمَعَ يَجْمَعُ أَيِ اجْمَعِ الشَّاةَ الضَّالَّةَ مَعَ شَاتِكَ
فَمَعْنَى قَوْلِهِ خُذْهَا وَاجْمَعْهَا وَاحِدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1712]
(خُذْهَا قَطُّ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بِسُكُونِ الطَّاءِ بِمَعْنَى حَسْبُ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بالشيء تقول قطي أي حسبي ومن ها هنا يُقَالُ رَأَيْتُهُ مَرَّةً فَقَطْ وَالْمَعْنَى أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْأَخْنَسِ الرَّاوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ خُذْهَا كَمَا زاد بن إِسْحَاقَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَكَذَا قَالَ فِيهِ أَيُّوبُ) السَّخْتِيَانِيُّ (وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ) كِلَاهُمَا (فَخُذْهَا) وَمَا زَادَا عَلَى ذَلِكَ فَاتَّفَقَ الثَّلَاثَةُ أَيْ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَيُّوبُ وَيَعْقُوبُ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ
وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورَ وَيَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَكِنْ مَا ذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الشَّاةِ وَلَا قِصَّةَ الْإِبِلِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْكَنْزِ
[1714]
(هُوَ رِزْقُ اللَّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ تَعْرِيفَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى حَسَبِهِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ أَوْ هُوَ لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ التَّعْرِيفِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ إِذَا جَاءَ مَالِكُهُ
قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ مَوْلَانَا مُحَمَّدٌ إِسْحَاقُ رحمه الله
وَفِي اللُّمَعَاتِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي الْقَلِيلِ لِأَنَّ الدِّينَارَ قَلِيلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقَلِيلِ فَقِيلَ هُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيلَ الدِّينَارُ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَسَيَأْتِي قَوْلُ الْمُنْذِرِيِّ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْبَسْطِ (تَنْشُدُ الدِّينَارَ) أَيْ تَطْلُبُ الدِّينَارَ وَتَتَفَقَّدُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ انْتَهَى
[1715]
(فَعَرَفَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه (صَاحِبُ الدَّقِيقِ) وَكَانَ يَهُودِيًّا (فَرَدَّ) الْيَهُودِيُّ (عَلَيْهِ) عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (الدِّينَارَ) لِأَجْلِ مَعْرِفَتِهِ بِهِ وَمَنْزِلَةِ عَلِيٍّ عِنْدَهُ (فَقَطَعَ) عَلِيٌّ رضي الله عنه (مِنْهُ) أَيِ الدِّينَارِ (قِيرَاطَيْنِ) الْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانَقٍ والدرهم عندهم اثنتا عشرة قِيرَاطًا وَالدِّرْهَمُ نِصْفُ دِينَارٍ وَخَمْسَةٌ (فَاشْتَرَى) عَلِيٌّ رضي الله عنه (بِهِ) أَيْ بِالْمَقْطُوعِ مِنْهُ وَهُوَ الْقِيرَاطَانِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِلَالُ بن يحيى العبسي روى عن النبي مُرْسَلٌ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَقِيلَ فِيهِ بَلَغَنِي عَنْ حُذَيْفَةَ وَفِي سَمَاعِهِ مِنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ
[1716]
(التِّنِّيسُ) بِكِسْرَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَالسِّينُ مُهْمَلَةٌ جَزِيرَةٌ فِي بَحْرِ مِصْرَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْبَرِّ بَيْنَ الْفَرَمَا وَدِمْيَاطَ وَالْفَرَمَا فِي شَرْقِيِّهَا كَذَا فِي الْغَايَةِ (الزمعي) بفتح الراء والميم منسوب
إِلَى زَمَعَةَ (خَتَنُ) بِفَتْحَتَيْنِ زَوْجُ ابْنَتِهِ (الْجَزَّارِ) الْقَصَّابِ (فَرَهَنَ) أَيْ دَفَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه الدِّينَارَ إِلَى الْجَزَّارِ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ بِعِوَضِ دِرْهَمٍ لِأَجْلِ اشْتِرَاءِ اللَّحْمِ فَاشْتَرَى عَلِيٌّ اللَّحْمَ مِنْ ذَلِكَ الْقَصَّابِ الَّذِي رَهَنَ الدِّينَارَ إِلَيْهِ وَوَضَعَهُ عِنْدَهُ (فَجَاءَ بِهِ) بِاللَّحْمِ (فَعَجَنَتْ) فَاطِمَةُ رضي الله عنها الدَّقِيقَ (وَنَصَبَتْ) الْقِدْرَ لِطَبْخِ اللَّحْمِ (وَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا) مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ تَطْلُبُهُ لِأَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا (مِنْ شَأْنِهِ) مِنْ شَأْنِ الطَّعَامِ كَذَا وَكَذَا وَقَصَّتِ الْقِصَّةَ (يَنْشُدُ اللَّهَ) بِضَمِّ الشِّينِ يُقَالُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ أَيْ سَأَلْتُكَ بِهِ مُقْسِمًا عَلَيْكَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْغُلَامَ يَنْشُدُ بِاللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ وَيَطْلُبُ الدِّينَارَ (فأمر رسول الله) بِإِحْضَارِ ذَلِكَ الْغُلَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمَعِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ
قال يحيى بن معين ثقة وقال بن عَدِيٍّ وَهُوَ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِرِوَايَاتِهِ
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ فَلَمْ يُعَرِّفْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا أَنْفَقَهُ فِي الْحَالِ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ وَقَالَ وَالْأَحَادِيثُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ فِي التَّعْرِيفِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَنْفَقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي حَدِيثِهِمَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي حديث علي أن النبي لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَعْرِيفِهِ
قَالَ وَفِيهِ إِشْكَالٌ إِذْ مَا صَارَ أَحَدٌ إِلَى
إِسْقَاطِ أَصْلِ التَّعْرِيفِ وَلَعَلَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَعْتَدُّ بِهِ فَمُرَاجَعَتُهُ لِرَسُولِ الله عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْخَلْقِ إِعْلَانٌ بِهِ فَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّعْرِيفِ مَرَّةً وَاحِدَةً انْتَهَى
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَلِيلَ فِي اللُّقَطَةِ مُقَدَّرٌ بِدِينَارٍ فَمَا دُونَهُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يجب تعريف القليل لحديث علي رضي الله عنه انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[1717]
(فِي الْعَصَا) بِالْقَصْرِ (وَأَشْبَاهِهِ) مِمَّا يُعَدُّ قَلِيلًا (يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ) صِفَةٌ أَوْ حَالٌ (يَنْتَفِعُ بِهِ) أَيِ الْحُكْمُ فِيهَا أَنْ يَنْتَفِعَ الْمُلْتَقِطُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفِ سَنَةٍ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَرَّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (عَنِ الْمُغِيرَةِ أَبِي سَلَمَةَ) هُوَ مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ كُنْيَتُهُ أَبُو سَلَمَةَ (بِإِسْنَادِهِ) إِلَى أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرٍ
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ اثْنَانِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ وَمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو سَلَمَةَ فَمُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ رَوَى عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بلفظ رخص رسول الله وَرَوَى النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَشَبَابَةُ كِلَاهُمَا عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ من غير ذكر النبي بِلَفْظِ كَانُوا أَيْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا فِي الْعَصَا وَالْحَبْلِ وَالسَّوْطِ الْحَدِيثَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إن بعضهم رواه ولم يذكر النبي وَفِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى
[1718]
(ضَالَّةُ الْإِبِلِ) أَيْ حُكْمُهَا (الْمَكْتُومَةِ) الَّتِي كَتَمَهَا الْوَاجِدُ وَلَمْ يُعَرِّفْهَا وَلَمْ يشهد عليها (غرامتها) فيه إيجاب الغرامة بمثل قِيمَتِهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ سَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ مَا تقدم من ذكره من
الْوَعِيدِ الَّذِي لَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا هُوَ زَجْرٌ وَرَدْعٌ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَحْكُمُ بِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَمَّا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ فَعَلَى خِلَافِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ يَجْزِمْ عِكْرِمَةُ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مُرْسَلٌ انْتَهَى
[1719]
(نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ) قَالَ فِي السُّبُلِ أَيْ مِنِ الْتِقَاطِ الرَّجُلِ مَا ضَاعَ لِلْحَاجِّ وَالْمُرَادُ مَا ضَاعَ فِي مَكَّةَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَلَا تَحِلُّ ساقطتها إلا لمنشد ولحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا عِنْدَهُمَا أَيْضًا بِلَفْظِ وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ نَهَى عَنِ التِقَاطِهَا لِلتَّمَلُّكِ لَا لِلتَّعْرِيفِ بِهَا فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَالُوا وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ لُقَطَةُ الْحَاجِّ بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ إِيصَالِهَا إِلَى أَرْبَابِهَا إِنْ كَانَتْ لِمَكِّيٍّ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ لِآفَاقِيٍّ فَلَا يَخْلُو فِي الْغَالِبِ مِنْ وَارِدٍ مِنْهُ إِلَيْهَا فَإِذْ عَرَّفَهَا وَاجِدُهَا فِي كُلِّ عَامٍّ سَهُلَ التوصل إلى معرفة صاحبها
قال بن بَطَّالٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ مَكَّةُ بِالْمُبَالَغَةِ بِالتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْحَاجَّ يَرْجِعُ إِلَى بَلَدِهِ وَقَدْ لَا يَعُودُ فَاحْتَاجَ الْمُلْتَقِطُ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ هَذَا مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهَا إلا لمنشد فالذي اختصت به لفظة مَكَّةَ أَنَّهَا لَا تُلْتَقَطُ إِلَّا لِلتَّعْرِيفِ بِهَا أَبَدًا فَلَا يَجُوزُ لِلتَّمَلُّكِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ فِي لُقَطَةِ الْحَاجِّ مُطْلَقًا فِي مَكَّةَ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ هُنَا مُطْلَقٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهَا فِي مَكَّةَ انْتَهَى كَلَامُ السُّبُلِ
وقال بن الْمَلِكِ أَرَادَ لُقَطَةَ حَرَمِ مَكَّةَ أَيْ لَا محل لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَحْفَظَهَا أَبَدًا لِمَالِكِهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى (قَالَ أَحْمَدُ) بْنُ صَالِحٍ (قال بن وَهْبٍ) فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ (يَعْنِي فِي لُقَطَةِ الْحَاجِّ يَتْرُكُهَا) الْوَاجِدُ وَلَا يَأْخُذُهَا (حَتَّى يَجِدَهَا) أَيِ اللُّقَطَةَ (صَاحِبُهَا) صَاحِبُ اللُّقَطَةِ
وَقَدْ تعقب على هذا التفسير بن الْهُمَامِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَا عَمَلَ عَلَى هَذَا فِي هَذَا الزَّمَانِ لِفَشْوِ السَّرِقَةِ بِمَكَّةَ مِنْ حَوَالَيِ الْكَعْبَةِ فَضْلًا عَنِ الْمَتْرُوكِ انْتَهَى قَالَ في الغاية وما قاله بن الهمام حسن جدا (قال بن مَوْهِبٍ عَنْ عَمْرٍو) بِصِيغَةِ الْعَنْعَنَةِ وَأَمَّا أَحْمَدُ بن صالح فقال أنبأنا بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
وأخرجه مسلم والنسائي وليس فيه كلام بن وهب وقد قال صلى الله علي وَسَلَّمَ وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا وَجَدَ لُقَطَةً فِي الْحَرَمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إِلَّا لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا وَلْيُعَرِّفْهَا بِخِلَافِ لُقَطَةِ سَائِرِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمْلِيكِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ حُكْمَ لُقَطَةِ مَكَّةَ حُكْمُ لُقَطَةِ سَائِرِ الْبِلَادِ انْتَهَى
[1720]
(الْبَوازِيجِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الزَّايِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَجِيمٌ بَلَدٌ قَرِيبٌ إِلَى دِجْلَةَ (لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ) أَيْ لَا يَضُمُّهَا إِلَى مَالِهِ وَلَا يَخْلِطُهَا مَعَهُ (إِلَّا ضَالٌّ) أَيْ غَيْرُ رَاشِدٍ طَرِيقَ الْحَقِّ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا
وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَخَذَهَا لِيَذْهَبَ بِهَا فَهُوَ ضَالٌّ وَأَمَّا مَنْ أَخَذَهَا لِيَرْدُدَهَا أَوْ لِيُعَرِّفَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ هَذَا بِمُخَالِفٍ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الضَّالَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا الضَّالُّ اسْمُ الْحَيَوَانِ الَّتِي تَضِلُّ عَنْ أَهْلِهَا كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالطَّيْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَإِذَا وَجَدَهَا الْمَرْءُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لَهَا مَا دَامَتْ بِحَالٍ تَمْنَعُ بِنَفْسِهَا وَتَسْتَقِلُّ بِقُوَّتِهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا صَاحِبُهَا
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ الله قَالَ مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا آخِرُ كتاب اللقطة
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَالَ بَعْضهمْ الْفَرْق بَيْن لُقَطَة مَكَّة وَغَيْرهَا أَنَّ النَّاس يَتَفَرَّقُونَ مِنْ مَكَّة فَلَا يُمْكِن تَعْرِيف اللُّقَطَة فِي الْعَام فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَنْ يَلْتَقِط لُقَطَتهَا إِلَّا مُبَادِرًا إِلَى تَعْرِيفهَا قَبْل تَفَرُّق النَّاس بِخِلَافِ غَيْرهَا مِنْ الْبِلَاد
وَاَللَّه أَعْلَم