المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في حقوق المال) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٥

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَتَى تُؤَدَّى)

- ‌(بَاب كَمْ يُؤَدَّى فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَوَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ)

- ‌(بَاب فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ)

- ‌(باب في الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(بَاب مَنْ يُعْطِي مِنْ الصَّدَقَةِ وَحَدُّ الْغِنَى)

- ‌(بَاب مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ)

- ‌(بَاب كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْ الزَّكَاةِ)

- ‌(بَاب مَا تَجُوزُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ)

- ‌(باب في الاستعفاف)

- ‌(بَاب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(بَاب الْفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنْ الصَّدَقَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا)

- ‌(بَاب فِي حُقُوقِ الْمَالِ)

- ‌(بَاب حَقِّ السَّائِلِ)

- ‌(بَاب الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ)

- ‌(بَاب مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ)

- ‌(بَاب الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ)

- ‌(بَاب عَطِيَّةِ مَنْ سأل بالله عز وجل

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُخْرِجُ [1673] مِنْ نَصَرَ يَنْصُرُ (مِنْ مَالِهِ) فَلَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(بَاب فِي فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَنِيحَةِ)

- ‌(بَاب أَجْرِ الْخَازِنِ)

- ‌(بَاب الْمَرْأَةِ)

- ‌(بَاب فِي صِلَةِ الرَّحِمِ)

- ‌(بَاب فِي الشُّحِّ)

- ‌10 - كِتَاب اللُّقَطَةِ

- ‌11 - كِتَاب الْمَنَاسِك

- ‌(بَاب فَرْضِ الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ)

- ‌(بَاب لا صرورة)

- ‌(بَابُ التَّزَوُّدِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْكَرِيِّ)

- ‌(بَاب فِي الصَّبِيِّ يَحُجُّ)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(بَاب الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ)

- ‌(بَاب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَاب التَّلْبِيدِ)

- ‌(بَاب فِي الْهَدْيِ)

- ‌(بَاب فِي هَدْيِ الْبَقَرِ)

- ‌(بَاب فِي الْإِشْعَارِ)

- ‌(باب تعديل الْهَدْيِ)

- ‌(بَاب مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ [1757] بِبَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ)

- ‌(بَاب فِي رُكُوبِ الْبُدْنِ)

- ‌(بَابَ الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ)

- ‌(بَاب كَيْفَ تُنْحَرُ الْبُدْنُ)

- ‌(باب وَقْتِ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَاب الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي إِفْرَادِ الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي الْإِقْرَانِ)

- ‌(باب الرجل يهل الخ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ)

- ‌(باب متى يقطع الحاج التَّلْبِيَةَ)

- ‌(بَاب مَتَى يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ)

- ‌(باب المحرم يؤدب غلامه)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثِيَابِهِ)

- ‌(بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ)

- ‌(بَاب فِي الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا)

- ‌(بَاب فِي الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَحْتَجِمُ)

- ‌(بَاب يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ)

- ‌(باب المحرم يغتسل)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ)

- ‌(بَاب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ)

- ‌(بَاب لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ)

- ‌(باب الجراد للمحرم)

- ‌(بَاب فِي الْفِدْيَةِ)

- ‌(بَاب الْإِحْصَارِ)

- ‌(بَاب دُخُولِ مَكَّةَ)

- ‌(باب في رفع اليد إِذَا رَأَى الْبَيْتَ)

- ‌(بَاب فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ)

- ‌(بَاب اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ)

- ‌(بَاب الطَّوَافِ الْوَاجِبِ)

- ‌(بَاب الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّمَلِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ)

- ‌ بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(بَاب طَوَافِ الْقَارِنِ)

- ‌(بَاب طَوَافِ الْقَارِنِ)

- ‌(بَاب الْمُلْتَزَمِ)

- ‌(بَاب صفة حجة النبي)

- ‌(بَاب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى)

- ‌(بَاب الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَةَ)

- ‌(باب الخطبة بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب مَوْضِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب التَّعْجِيلِ)

- ‌(بَاب يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)

- ‌(بَاب الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ)

- ‌(بَاب مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب النُّزُولِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب أَيِّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ)

- ‌(بَاب أَيِّ وَقْتٍ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ)

- ‌(بَاب مَا يَذْكُرُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب الْقَصْرِ لِأَهْلِ مَكَّةَ)

- ‌(بَاب فِي رَمْيِ الْجِمَارِ)

- ‌(بَاب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ)

- ‌(باب العمرة)

- ‌(باب المهلة بالعمرة تحيض [1995] قبل إِتْمَامُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْوَدَاعِ [2002] مِنَ الْبَيْتِ)

- ‌(بَاب الْحَائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ)

- ‌(بَاب طَوَافِ الْوَدَاعِ)

- ‌(بَاب التَّحْصِيبِ)

- ‌(باب من قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فِي حَجِّهِ)

- ‌(بَاب فِي مَكَّةَ [2016] هَلْ يُبَاحُ فِيهَا شَيْءٌ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا)

- ‌(باب تحريم مَكَّةَ)

- ‌(بَاب فِي نَبِيذِ السِّقَايَةِ)

الفصل: ‌(باب في حقوق المال)

مِلْكِي أَمْ لَا (وَجَبَ أَجْرُكِ) أَيْ ثَبَتَ (وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِي الْمِيرَاثِ) أَيْ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكِ بِالْمِيرَاثِ وَصَارَتِ الْجَارِيَةُ مِلْكًا لَكِ بِالْإِرْثِ وَعَادَتْ إِلَيْكِ بِالْوَجْهِ الْحَلَالِ

وَالْمَعْنَى أَنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُ ليس أمرا اختياريا

قال بن الْمَلِكِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى قَرِيبَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا حَلَّتْ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ صَرْفُهَا إِلَى فَقِيرٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ

2 -

(بَاب فِي حُقُوقِ الْمَالِ)

[1657]

(قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَمْنَعُونَ الماعون وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قال هي الزكاة وهو قول بن عُمَرَ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَاعُونُ الْفَأْسُ وَالدَّلْوُ وَالْقِدْرُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ

قَالَ مُجَاهِدٌ الْمَاعُونُ الْعَارِيَةُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ الْمَعْرُوفَةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَةُ الْمَتَاعِ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْكَلْبِيُّ الْمَاعُونُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ

وَقِيلَ أَصْلُ الْمَاعُونِ مِنَ الْقِلَّةِ فَسَمَّى الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْمَعْرُوفَ مَاعُونًا لِأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ

وَقِيلُ الْمَاعُونُ مَا لَا يَحِلُّ الْمَنْعُ مِنْهُ مِثْلُ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالنَّارِ كَذَا فِي الْمَعَالِمِ

[1658]

(قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَنْزِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي الْحَدِيثِ

فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ كُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الزَّكَاةِ فَلَمْ تُؤَدَّ فَأَمَّا مَالٌ خَرَجَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ وَفِي آخِرِهِ فَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ بَدَلَ قَوْلِهِ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يؤيد مِنْهُمَا حَقَّهُمَا (يُحْمَى عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْجَارُّ والمجرور نائب

ص: 51

الْفَاعِلِ أَيْ يُوقَدُ عَلَيْهَا ذَاتُ حُمَّى وَحَرٍّ شديد من قوله تعالى نار حامية فَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَيْسَتْ فِي أُحْمِيتْ فِي نَارٍ وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهَا رَاجَعٌ إِلَى الْكَنْزِ لِكَوْنِهِ عِبَارَةٌ عَنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) يَشْتَدُّ حَرُّهَا (فَتُكْوَى بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ (جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ) قِيلَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي هِيَ الدِّمَاغُ وَالْقَلْبُ وَالْكَبِدُ (حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ) أَيْ يَحْكُمَ (فِي يَوْمٍ) هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (كَانَ مِقْدَارُهُ إِلَخْ) أَيْ عَلَى الْكَافِرِينَ وَيَطُولُ عَلَى بَقِيَّةِ الْعَاصِينَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْكَامِلُونَ فَلَا يَطُولُ عَلَيْهِمْ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمٌ عسير على الكافرين غير يسير (ثُمَّ يُرَى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الرُّؤْيَةِ أَوِ الْإِرَاءَةِ (سَبِيلُهُ) مَرْفُوعٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَمَنْصُوبٌ بِالْمَفْعُولِ الثَّانِي عَلَى الثَّانِي

قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَبِرَفْعِ لَامِ سَبِيلِهِ وَنَصْبِهَا

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَسْلُوبُ الِاخْتِيَارِ يَوْمَئِذٍ مَقْهُورٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرُوحَ إِلَى النَّارِ فَضْلًا عَنِ الجَنَّةِ حَتَّى يُعَيَّنَ لَهُ أَحَدُ السَّبِيلَيْنِ (إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ) إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَنْبٌ سِوَاهُ وَكَانَ الْعَذَابُ تَكْفِيرًا لَهُ (وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) إِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ

وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْآيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى خُلُودِهِ فِي النَّارِ

وَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِأَنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ تَرْكَ الزَّكَاةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ إِنْ كَانَ كَافِرًا بِأَنِ اسْتَحَلَّ تَرْكَهَا (أَوْفَرَ مَا كَانَتْ) أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَعْظَمَ سِمَنًا وَأَقْوَى قُوَّةً يُرِيدُ بِهِ كَمَالَ حَالِ الْغَنَمِ الَّتِي وَطِئَتْ صَاحِبَهَا فِي الْقُوَّةِ وَالسِّمَنِ لِيَكُونَ أَثْقَلَ لِوَطْئِهَا (فَيُبْطَحُ) أَيْ يُلْقَى ذَلِكَ الصَّاحِبُ عَلَى وَجْهِهِ (لَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْغَنَمِ (بِقَاعٍ قَرْقَرٍ) فِي النِّهَايَةِ الْقَاعُ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي الْوَاسِعُ وَالْقَرْقَرُ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي فَيَكُونُ صِفَةً مُؤَكِّدَةً وَقِيلَ الْأَمْلَسُ الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ (فَتَنْطَحُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتُكْسَرُ فِي الْقَامُوسِ نَطَحَهُ كَمَنَعَهُ وَضَرَبَهُ أَصَابَهُ بِقَرْنِهِ (بِقُرُونِهَا) إِمَّا تَأْكِيدٌ وَإِمَّا تَجْرِيدٌ (بِأَظْلَافِهَا) جَمْعُ ظِلْفٍ وَهُوَ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ لِلْفَرَسِ (عَقْصَاءُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيِ الْمُلْتَوِيَةُ الْقُرُونِ (وَلَا جَلْحَاءُ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ نَفْيَ الْعَقْصِ وَالِالْتِوَاءِ في

ص: 52

قُرُونِهَا لِيَكُونَ أَنْكَى لَهَا وَأَدْنَى أَنْ تَحُوزَ فِي النُّطُوحِ (بِأَخْفَافِهَا) أَيْ بِأَرْجُلِهَا

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ

وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ إِلَخْ

قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ لِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَيْلِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا

وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يُجَاهِدُ بِهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ فِي رِقَابِهَا الْإِحْسَانُ إِلَيْهَا وَالْقِيَامُ بِعَلْفِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِهَا وَالْمُرَادُ بِظُهُورِهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا إِذَا طُلِبَتْ عَارِيَتُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ حَقُّ اللَّهِ مِمَّا يَكْسِبُهُ مِنْ مَالِ الْعَدُوِّ عَلَى ظُهُورِهَا وَهُوَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ

[1659]

(نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ (قَالَ) أَيْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ (فِي قِصَّةِ الْإِبِلِ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

ولفظه قيل يارسول اللَّهِ فَالْإِبِلُ قَالَ وَلَا صَاحِبَ الْإِبِلِ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا الْحَدِيثَ (حَلَبُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحُكِيَ سُكُونُهَا وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ (يَوْمَ وِرْدِهَا) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي تَرِدُ عَلَيْهِ

قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ الْوِرْدُ الْإِتْيَانُ إِلَى الْمَاءِ وَنَوْبَةُ الْإِتْيَانِ إِلَى الْمَاءِ فَإِنَّ الْإِبِلَ تَأْتِي الْمَاءَ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَرُبَّمَا تَأْتِي فِي ثَمَانِيَةٍ

قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَعْنَى حَلْبِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا أَنْ يُسْقَى أَلْبَانَهَا الْمَارَّةُ وَهَذَا مِثْلُ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنِ الْجُذَاذِ بِاللَّيْلِ أَرَادَ أَنْ يُصْرَمَ بِالنَّهَارِ لِيَحْضُرَهَا الْفُقَرَاءُ

وَقَالَ بن الْمَلِكِ وَحَصَرَ يَوْمَ الْوِرْدِ لِاجْتِمَاعِهِمْ غَالِبًا عَلَى الْمِيَاهِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ

وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ يَحْلُبَهَا فِي يَوْمِ شُرْبِهَا الْمَاءَ دُونَ غَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْحَقَهَا مَشَقَّةُ الْعَطَشِ وَمَشَقَّةُ الْحَلْبِ

وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَهُ وَقَعَ اسْتِطْرَادًا وَبَيَانًا لِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ مَنْ لَهُ مُرُوءَةٌ لَا لِكَوْنِ التَّعْذِيبِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْعَذَابَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَقْتِ الْقَحْطِ أَوْ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ

وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعْذِيبَ عَلَيْهِمَا مَعًا تَغْلِيظٌ

قَالَهُ عَلِيٌّ القارىء في المرقاة

ص: 53

[1660]

(عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أبو عمر ويقال أبو عمر والغداني بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْبَصْرِيِّ مَقْبُولٌ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ انْتَهَى

وَالْغُدَانِيُّ نِسْبَةً إِلَى غُدَانَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ تُعْطِي الْكَرِيمَةَ) أَيِ النَّفِيسَةَ (وَتَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ) بِتَقْدِيمِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْمُهْمَلَةِ أَيِ الْكَثِيرَةَ اللَّبَنِ وَالْمَنِيحَةُ الشَّاةُ اللَّبُونُ أَوِ النَّاقَةُ ذَاتُ الدَّرِّ تُعَارُ لِدَرِّهَا فَإِذَا حُلِبَتْ رُدَّتْ إِلَى أَهْلِهَا (تُفْقِرُ الظَّهْرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ تُعِيرُهُ لِلرُّكُوبِ يُقَالُ أَفْقَرْتُ الرَّجُلَ بَعِيرَهُ يُفْقِرُهُ إفقارا إذ أَعَرْتُهُ إِيَّاهُ لِيَرْكَبَهُ وَيَبْلُغَ عَلَيْهِ حَاجَتَهُ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِفْقَارُ الظَّهْرِ إِعَارَتُهُ لِلرُّكُوبِ يُقَالُ (أَفْقَرْتُ) الرَّجُلِ بَعِيرِي إِذَا أَعَرْتُهُ ظَهْرَهُ لِيَرْكَبَهُ وَيَبْلُغَ حَاجَتَهُ (وَتَطْرِقُ الْفَحْلَ) أَيْ تُعِيرُهُ لِلضِّرَابِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِطْرَاقُ الْفَحْلِ عَارِيَتَهُ لِلضِّرَابِ لَا يَمْنَعُهُ إذْ طَلَبَهُ وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا وَيُقَالُ طَرَقَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ فَهِيَ مَطْرُوقَةٌ وَهِيَ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِذَا حَانَ لَهَا أَنْ تُطْرَقَ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

(وَإِعَارَةَ دَلْوِهَا) أَيْ ضرعها

والحديث أخرجه مسلم من طريق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ انْتَهَى مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وُلِدَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مَعْدُودٌ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ

ص: 54

[1662]

(مِنْ كُلِّ جَادٍّ) بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ والسِّنْدِيُّ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ جَذَّ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ إِذَا قَطَعَ وَمِنْ زَائِدَةٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ قَدْرٌ مِنَ النَّخْلِ يُجَذُّ مِنْهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ فَهُوَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ انْتَهَى كَلَامُهُمَا بِتَغَيُّرٍ

قُلْتُ جَادٌّ مُضَافٌ إِلَى عَشَرَةِ أَوَسْقٍ وَبِقِنْوٍ مُتَعَلِّقٍ بِأَمْرٍ وَالْجَادُّ بِمَعْنَى الْمَجْدُودِ أَيْ نَخْلٌ يُجَدُّ يَعْنِي يُقْطَعُ مِنْ ثَمَرَتِهِ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ لِفُلَانٍ أَرْضٌ جَادُّ مِائَةِ وَسْقٍ أَيْ تُخْرِجُ مِائَةَ وَسْقٍ إِذَا زُرِعَتْ وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ كَذَا فِي اللِّسَانِ

وَقَالَ بن الْأَثِيرِ الْجِدَادُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ صِرَامُ النَّخْلِ وَهُوَ قَطْعُ ثَمَرَتِهَا يُقَالُ جَدَّ الثَّمَرَةَ يَجُدُّهَا جَدًّا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ أَوْصَى بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ لِلْأَشْعَرِيِّينَ وَبِجَادٍّ مِائَةَ وَسْقٍ عَنْهَا لِلشَّيْبِيِّينَ الْجَادُّ بِمَعْنَى الْمَجْدُودِ أَيْ نَخْلٌ يُجَدُّ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ مِائَةَ وَسْقٍ

وَمِنْهُ مَنْ رَبَطَ فَرَسًا فَلَهُ جَادُّ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَسْقًا

وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا انْتَهَى

وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ تَعْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهَا فِي صِحَّتِهِ نَخْلًا يُقْطَعُ مِنْهُ فِي كُلِّ صِرَامٍ عِشْرُونَ وَسْقًا (بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ بِالْقِنْوِ الْعِذْقَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ يُعَلَّقُ لِلْمَسَاكِينِ يَأْكُلُونَهُ وَهَذَا مِنْ صَدَقَةِ الْمَعْرُوفِ دُونَ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ انْتَهَى

وَقِنْوٌ بِالْفَارِسِيَّةِ خوشه خرما وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مِنْ كُلِّ نَخْلٍ يُقْطَعُ مِنْ ثَمَرَتِهِ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ بِالْعِذْقِ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ يُعَلَّقُ لِلْمَسَاكِينِ يَأْكُلُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ

[1663]

(فَجَعَلَ يُصَرِّفهَا) قَالَ السِّنْدِيُّ أَيْ مُتَعَرِّضًا لِشَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ النَّاقَةَ أَعْجَزَهَا السَّيْرُ فَأَرَادَ أَنْ يَرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فَيُعْطِيَهُ غَيْرَهَا (فَلْيَعُدْ بِهِ) مِنَ الْعَوْدِ أَيْ فَلْيُقْبِلْ لَهُ

ص: 55

وَلِيُحْسِنْ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

[1664]

والذين يكنزون الذهب والفضة أَيْ يَجْمَعُونَهَا أَوْ يَدْفِنُونَهَا (كَبُرَ) بِضَمِّ الْبَاءِ أَيْ شَقَّ وَأُشْكِلَ (ذَلِكَ) أَيْ ظَاهِرُ الْآيَةِ مِنَ الْعُمُومِ (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُمْ حَسِبُوا أَنَّهُ يُمْنَعُ جَمْعُ الْمَالِ مُطْلَقًا وأَنَّ كُلَّ مَنْ تَأَثَّلَ مَالًا جَلَّ أَوْ قَلَّ فَالْوَعِيدُ لَاحِقٌ بِهِ (أَنَا أُفَرِّجُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ أُزِيلُ الْغَمَّ وَالْحُزْنَ (عَنْكُمْ) إِذْ لَيْسَ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (فَانْطَلَقَ) أَيْ فَذَهَبَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

وفي بَعْضِ النُّسَخِ فَانْطَلَقُوا (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (كَبُرَ) أَيْ عَظُمَ (هَذِهِ الْآيَةُ) أَيْ حُكْمُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ عُمُومِ مَنْعِ الْجَمْعِ (إِلَّا لِيُطَيِّبَ) مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْ لِيُحِلَّ اللَّهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ لَكُمْ (مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالكُمْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها وَمَعْنَى التَّطْيِيبِ أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إِمَّا أَنْ يُحِلَّ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ الْمَخْلُوطِ بِحَقِّ الْفُقَرَاءِ وَإِمَّا أَنْ يُزَكِّيَهُ مِنْ تَبَعَةِ مَا لَحِقَ بِهِ مِنْ إِثْمِ مَنْعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَنْزِ مَنْعُ الزَّكَاةِ لَا الْجَمْعُ مُطْلَقًا (وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ كَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِكَذَا أَوْ لَمْ يَفْرِضِ الْمَوَارِيثَ إِلَّا لِيَكُونَ طَيِّبًا لِمَنْ يَكُونُ بَعْدَكُمْ

وَالْمَعْنَى لَوْ كَانَ الْجَمْعُ مَحْظُورًا مُطْلَقًا لَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ الزَّكَاةَ وَلَا الْمِيرَاثَ (لِتَكُونَ) أَيْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ الْمَوَارِيثُ لِمَنْ بَعْدَكُمْ (فَقَالَ) أي بن عَبَّاسٍ (فَكَبَّرَ عُمَرُ) أَيْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَرَحًا بِكَشْفِ الْحَالِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ ثُمَّ (قَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَهُ) أَيْ لِعُمَرَ (أَلَا أُخْبِرُكَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَلَا لِلتَّنْبِيهِ وَأَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَلَا نَافِيَةٌ (بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ) أَيْ بِأَفْضَلِ مَا يَقْتَنِيهِ وَيَتَّخِذُهُ لِعَاقِبَتِهِ (الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) أَيِ الْجَمِيلَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَرْأَةُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ خَبَرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ بَيَانٌ

قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ أَنْفَعُ مِنَ الْكَنْزِ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا يَدَّخِرُهَا الرَّجُلُ لِأَنَّ النَّفْعَ فِيهَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ (إِذَا نَظَرَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِلَيْهَا سَرَّتْهُ) أَيْ جَعَلَتْهُ مَسْرُورًا لِجَمَالِ صُورَتِهَا وَحُسْنِ سِيرَتِهَا وَحُصُولِ حِفْظِ الدِّينِ بِهَا (وَإِذَا أَمَرَهَا) بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ (أَطَاعَتْهُ) وَخَدَمَتْهُ (وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ) قَالَ الْقَاضِي لَمَّا بَيَّنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 56