الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يماطل في تسديد ديونه
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الوديعة والعارية
التاريخ 06/07/1425هـ
السؤال
والدي رجل في السبعينات من عمره، وعليه ديون متفرقة للناس، وهو يتقاضى قدره 6000 ريال، وأولاده موظفون، -والحمد لله- لا توجد أي ظروف تعيقه عن التسديد، إلا أنه يتمتع براتبه في شراء الإبل وإطعامها وصرفها في متعته غير المحرمة، علماً بأن هناك شخصاً يريد منه مبلغ 15000 ريال، وتوفي هذا الشخص، ولم يعلم أبناؤه عن هذا الدين لأبيهم عند أبي، وقد مضى على ذلك عشر سنوات تقريباً، وأبي لم يهتم لها، علماً بأنه يقول -إن شاء الله- سوف أسدد، لكنه لم يسارع، ويجعلها في أطعمة للإبل، وأنا أرى من الواجب إعادة الحقوق لأهلها، ثم التمتع براتبك دون ضرر غيرك، وللعلم عليه دين آخر عبارة عن أقساط سيارات، وراتبه مرهون لدى صاحب الأقساط بوكالة شرعية، أفيدوني أفادكم الله، وأريد ذكر عقاب مثل هذا التأخر والتجاهل حتى أذكره له؛ لعله يعيد الأموال إلى أهلها، وأدلة من القرآن والسنة. والله يحفظكم.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالواجب على أبيك المبادرة بسداد ما عليه من ديون، وعدم التهاون في ذلك فإنَّ حقوق الناس - ومنها الحقوق المالية - عظيمة عند الله -تعالى-، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع وفي أعظم مجمع للمسلمين-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا
…
" الحديث أخرجه البخاري (67) ، ومسلم (1679) .
وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على التغليظ في أمر الدَّيْن، والدعاء على من أخذ أموال الناس يريد أكلها عليهم بغير حق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" أخرجه البخاري (2387) .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتنع عن الصلاة على المدين فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل:"هل ترك لدينه فضلاً "؟ فإن حُدِّث أنه ترك لدينه وفاء صلَّى، وإلا قال للمسلمين: " صلوا على صاحبكم
…
" الحديث أخرجه البخاري (6731) ، ومسلم (1619) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: توفي رجل، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فخطا خطى، ثمَّ قال:"أَعليْه دَيْن؟ " قلنا: ديناران، فقال صلى الله عليه وسلم:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبْكُم". فقال أبو قتادة رضي الله عنه: يا رسول الله دَيْنه عَلَيَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هُمَا عَلِيك حَقَّ الغَرِيم، وَبَرئَ المَيَّت؟ " قال: نعم، فصلَّى عليه، ثمَّ لقيه من الغد وقال:"مَا فَعَل الدِّينَارَان؟ " فقال: يا رَسُول الله إنما مات أمس!. ثم لقيه من الغد، فقال:"ما فعل الدِّيناران؟ " فقال: يا رسول الله قد قضَيْتهما، فقال رَسُول الله- صلى الله عليه وسلم:"الآن برَّدْتَ عليه جِلْدَه" أخرجه أبو داود (3336) ، والنسائي (1961) ، وأحمد 3/ 216.
وجاءت أحاديث أخرى تفيد أن نفس المَدِيْن محبوسة عن دخول الجنة ومرتهنة بما عليه من دين حتى يقضى عنه، ومن هذه الأحاديث:
1-
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". أخرجه مسلم في الإمارة، باب: من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين ح (1886) .
2-
حديث محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبحان الله، سبحان الله، ماذا نزل من التشديد؟ قال: فسألت رسول الله ما التشديد الذي نزل؟، قال: "في الدَّيْن، والذي نفْس محمَّد بيده، لو أَنَّ رجلاً قتل في سبيل الله، ثمَّ عاش، ثم قتل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله، ثُمَّ عاش، وعليه دَيْنٌ، ما دخل الجنة حتى يُقضَىَ دَيْنهُ" أخرجه النسائي في البيوع، باب التغليظ في الدين ح (4698) وأحمد (4/ 139) .
3-
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" أخرجه الترمذي (1079) ، وابن ماجة (2413) .
4-
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه دين، فليس بالدينار ولا بالدرهم، ولكنها الحسنات والسيئات" أخرجه أبو داود (3598) ، وابن ماجة (2320) .
5-
حديث سعد الأطول رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن أخاك محبوس بدينه، فاقض عنه". أخرجه ابن ماجة ح (2433) وأحمد (5/ 7) .
6-
حديث سمرة بن جندب- رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هاهنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: هاهنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: هاهنا أحد من بني فلان؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين أما إني لم أنوه بكم إلا خيرا، إنَّ صاحبكم مأسور بدينه، قال: فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء". أخرجه أبو داود (3341) والنسائي (4685) ، وأحمد (5/20) .
7-
حديث أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد في عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" أخرجه البخاري (2449) .
8-
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟ " قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال- صلى الله عليه وسلم:"إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" أخرجه مسلم (2581) ، والترمذي (2420) .
9-
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" أخرجه مسلم (2582) ، والترمذي في (2422) .
فهذه الأحاديث وغيرها في هذا الباب تبين عظمة حقوق الغير، سواء أكانت في النفس، أو في العرض، أو في المال، وأن من ظلم مسلماً في شيء منها فإنه مؤاخذ به يوم القيامة، وأن الله -تعالى- يقتص منه لخصمه، وأن هذا الأمر سبب عظيم لدخول النار.
ويلاحظ كثرة الأحاديث في الترهيب من الدين وبيان خطر التهاون فيه حتى إن الأحاديث فيه أكثر من الأحاديث الواردة في الترهيب من الزنا والسرقة.
كما ينبغي التنبيه إلى أن الأمر في مثل حال والدك أشد وكونه غني وله راتب ويقدر على تسديد ديونه حيث يعتبر مماطلاً في سداد دينه ولو أدَّى دينه فيما بعد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم" أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564) . ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لي الواجد يحل عرضه وعقوبته" أخرجه أبو داود (3628) والنسائي (4704) وابن ماجة (2427) .
وقد أطلت في ذكر أحاديث هذا الباب لتهاون كثير من الناس في الدَّيْن، والله المستعان. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.