الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يلزمه هذا الاتفاق
؟
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الإجارة والجعالة
التاريخ 08/11/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فضيلة الشيخ: أعمل موظفًا في إحدى الشركات الكبرى في المملكة، وعملي في قسم المشتريات، بمعنى أنه يتم عن طريقنا تأمين احتياجات الشركة من مواد وغير ذلك، ومن خلال تعاملنا فإن هناك ما يربو عن 1000 شركة يتم تأمين المطلوب منها، وقد تم توقيع ورقة تم توزيعها على الموظفين، وتحتوي على عدم السماح لأي موظف بالعمل في أي شركة من هذه الشركات التي نتعامل معها، ليس ذلك فقط، بل حتى عدم وجود أي قريب أو صلة بأي من موظفي هذه الشركات (علمًا بوجود موظفين من زملائنا لدى أقاربهم، بل ويملكون بعضًا من هذه الشركات دون أن يحدث لهم أي شيء من قبيل هذه الورقة) . طبيعة عملنا تقتضي إرسال دعوات لعدد من الموردين لتسعير المواد المطلوبة وتحديد موعد لفتح المظاريف (العروض) ، وعند ذلك تنكشف الأسعار لنا ويتم عمل اللازم، من هذا الباب تقدم لي أحد الإخوة بعرض يقتضي فيه أن أقوم بتشغيل مؤسسته التي تم تسجيلها رسميًّا لدى شركتنا، على أن يكون لي نصيبٌ من الأرباح، مستفيدًا هو من موقعي في الشركة، وهذا هو الواضح، وخبرتي في المواد التي يمكن أن يتقدم فيها بعرض منافس للموردين الآخرين الذين يتم دعوتهم مع هذه المؤسسة، وعليه في حالة كون عرض المؤسسة أقل الأسعار يتم التأمين عن طريقها، علمًا بأنه لا يمكن لنا معرفة الأسعار المنافسة إلا بعد فتح المظاريف مع بعضها البعض، ولا يمكن قبول أي عرض بعد هذا الموعد، ولا أخفيكم يا فضيلة الشيخ أننا بدأنا في العمل سويًّا منذ ما يقارب 5 أشهر، وفي كل يوم أجد نفسي في حيرة من أمري، من جانب أن المؤسسة هذه بدأت تنافس وبقوة، وأصبحت معروفة لدى موظفي القسم، بمعنى وصول دعوات من كافة موظفي القسم لهذه المؤسسة عند سماعهم عن وجود مورد جديد ينافس الموردين الآخرين دون علم أي أحد منهم أنني على صلة بها، وبدأنا نحقق أرباحًا ممتازة، بل كل يوم عن الذي قبله أجد أن وضع المؤسسة في حالة صعود، ومن جانب آخر أجد أنني قد تؤثر علي في
اتخاذ قراراتي في أثناء العمل في الشركة. وبمعنى مبسط يا فضيلة الشيخ- وآسف على الإطالة: أنا أعمل في الصباح مشتري (الشركة) وفي المساء بائع (المؤسسة) ، علمًا بأنني قد تسلمت من الأرباح مبلغًا من المال لا يتجاوز 11000 ريال من أصل ما يقارب 200000 ريال، والآن يا فضيلة الشيخ، المؤسسة قد ذاع صيتها في شركتنا ومن الصعب أن نرجع للوراء؛ حيث إنه من الممكن التعامل مع أي شركة أخرى- كما هو النظام المسموح به- غير شركتنا، ولكن يصعب على صاحب المال التراجع في ظل وجود أرباح لم يكن يتوقعها مهما بلغ به الحال، وللمعلومية فإن الشركة لا تمانع في فتح سجل تجاري لأي من موظفيها للتجارة في أي شيء، ولكن بعيدًا عنها، كما هو حال الورقة المذكورة أعلاه، بناء على ما ذكر آمل من فضيلتكم أن تفتوني في شرعية العمل في هذه المؤسسة، وما العمل في المال الذي تم استلامه منها؟ علمًا بأنني كان لي البصمة الواضحة على تأسيس هذه المؤسسة من حيث الإجراءات والاستشارات الفنية المطلوبة.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقبل بيان الحكم الذي أراه لابد من مقدمات:
أولاً: التوقيع على الورقة التي تم توزيعها في الشركة
…
إلخ، يعد عقدًا والتزامًا من كل من وقع عليها، وبناء عليه فلا يجوز لك مخالفتها.
ثانيًا: كون بعض زملائك من موظفي الشركة يخالف مقتضاها ليس فيه دليل على عدم جدية الشركة في العمل بمقتضى الورقة المذكورة، ولا يُخْلي ذلك التزام الموظف الذي وقع على الورقة، وأعطى بذلك التوقيع عهدًا على ما تضمنته.
ثالثًا: كون الشركة لا تمانع من فتح سجل تجاري لأي من موظفيها للتجارة في أي شيء، فإن هذا مقيد بما تضمنته تلك الورقة، بل وبما ذكرته من أنها تشترط أن يكون النشاط التجاري لموظفيها بعيدًا عنها وعن تعاملها، وعمن تتعامل معه؛ لأن ذلك يؤثر على مصالحها وأهدافها.
وبناء على ذلك فلا يسوغ لك العمل في المؤسسة المذكورة بغير رضا الشركة التي تعمل فيها، وعليه فإن أمامك ثلاثة خيارات.
الأول: أن تستأذن من الشركة للعمل في المؤسسة وتقنعها بأن ذلك من مصلحتها إن كان كذلك، أو أنه لا ضرر على الشركة في عملك.
الخيار الثاني: أن تستقيل من المؤسسة وتبقى على عملك في الشركة.
الخيار الثالث: أن تستقيل من الشركة وتعمل لدى المؤسسة. لكنك تعلم أن رواجك لدى المؤسسة بسبب عملك في الشركة، فاستقالتك من الشركة قد يضعف الرغبة فيك من قبل المؤسسة، ويظهر من كلامك أن قراراتك في عملك في الشركة بدأت تتأثر بسبب عملك في المؤسسة، ولعل هذا بعض ما كانت تخشاه الشركة.
وأما المال الذي قبضت فأرجو ألا حرج عليك فيه؛ لأنه مقابل عملك، وقد تكون معذورًا بجهلك بالحكم، وأقترح عليك أن تخدم الشركة خدمة مجانية زائدة عن عملك الرسمي، ويكون هذا تعويضًا عن مخالفتك وما ترتب عليها، وفيه سعي لإبراء ذمتك، وأوصيك بتقوى الله تعالى- في كسبك وفي صدق تعاملك؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2،1] . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1] . (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[الإسراء:34] . واعلم أن البركة في المال ليست بكثرته؛ ولكن بطيب كسبه، فذلك حري أن يجد صاحبه بركته في صلاحه وصلاح أولاده، وراحة باله، وتوفيقه في قراراته، وفي أعماله الدنيوية والأخروية. وفقك الله وسدَّدك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.