الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعاية أم رشوه
المجيب د. حمد بن إبراهيم الحيدري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الرشوة والغش والتدليس
التاريخ 3/8/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة والله وبركاته وبعد..
أنا صيدلي أعمل في واحدة من أكبر شركات الدواء في العالم، وأنا والحمد لله مسلم ملتزم بصفة عامة، غير أني أعمل كمندوب دعاية، وأنا في حيرة وتساؤل عن مدى جواز عملي، فعملي يتمثل في زيارة الأطباء وتعريفهم بأدوية الشركة الجديدة، وأقوم بتنظيم مؤتمرات للأطباء للتعريف بأدويتي وطرق العلاج الحديثة بها، ومميزاتها عن المنافسين، فدوري يتركز على زيارة الأطباء باستمرار لتذكيرهم بالأدوية لكتابتها عند الحاجة، وأوزع عليهم هدايا وأدوات طبية للرابط بينهم والشركة، وللإجابة عن استفساراتهم، أكون مطالباً من قبل الشركة بتحقيق مبيعات معينة كنتيجة لدعايتي، وأحاسب على ذلك، والمشكلة أنه أحياناً يوجد الكثير من البدائل، وعادة ما تكون أرخص في السعر ومقاربة لدوائي في الكفاءة أو أقل، الله أعلم، كما قد توجد أدوية منافسة ولكن بتركيب مختلف، وقد تتميز بأنها أكثر فاعلية ولكن أقل أماناً أو العكس، أو متقاربة جداً في كل شيء مع تباين في الأسعار بالزيادة أو النقص، المهم أن الأطباء أصبحوا يقولون إنهم يريدون هدايا مالية أو عينية أو سفراً لمؤتمر، كمجاملة في مقابل اختيار دوائك مقابل المنافسين، فالمريض فعلاً يحتاج الدواء للعلاج، ولا فروق كبيرة بين الأدوية، فيكون اختيارهم على هذا الأساس، ويقولون إن هذا لا شيء فيه، لأننا نهتم بصحة المريض وسمعتنا، وعندما لا يوجد فرق نختار دواء من يعطينا هدية، فهل هناك فرق بين الهدايا الدعائية، والدعم العلمي والمؤتمرات، والطلبات الخاصة للأطباء؟ أم كلها خطأ أم كلها صواب؟ وهل أترك عملي بحثاً عن عمل آخر؟ أم أبقى فيه؟ والمال الذي أدخره أهو حرام أم مختلط؟ أفتوني وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فخلاصة السؤال: أن الأطباء يقبلون الأدوية التي تقوم بتسويقها إذا وقعت لهم هدية أو نحوها، مع أنه يوجد أدوية أخرى تؤدي نفس النتيجة بثمن أقل، وقد يكون هناك تفاوت في الجودة وتسأل عن حكم المال الذي ادخرته؟ والجواب:
إن هذه التي يسمونها هدية هي في حقيقتها رشوة أو تأخذ حكمها، والجواب: لأنه ينبني عليها أن الأطباء لا ينصحون للمريض من جهة اختيار السعر الأنسب، ولولا هذه الهدية لربما اختاروا الأنسب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" مسلم (55) ، وهذا الذي تفعله ويفعلونه ليس من النصح لعامة المسلمين، بل فيه تسبب في جلب الأرباح للشركة التي تسوق بضاعتها على حساب المستهلك، لأجل تلك الهدية أو المنفعة، وهذا من الغش، وكذلك الدعايات والمؤتمرات إذا كانت تشتمل على شيء من الغش والكذب والتدليس فهي غير جائزة لذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ومن غشنا فليس منا" مسلم (101) ، فإما أن يقتصر المسوق للسلعة على بيان محاسن سلعته الحقيقية من غير زيادة، ومن غير كذب أو تلفيق على السلع المنافسة، وإلا فهو واقع في النهي فليحذر من ذلك.
وأما ما سبق من كسبك فأرجو أن يكون لا حرج فيه بسبب جهلك بالحكم، لكن بعد معرفتك بالحكم فلا يحل لك كسب بهذا السبيل، قال الله -تعالى-:" فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف"[البقرة: 275] ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وفي الحلال مندوحة عن المشتبهات، واعلم أن المكاسب ليست بالكثرة، ولكن بالكسب الطيب المبارك، فإذا تركت باباً مشتبهاً ورزقت رزقاً أقل من حيث الكثرة فاعلم أن مكاسبك كثيرة فأنت تكسب راحة النفس واطمئنان القلب وطيب الكسب والبركة فيه، وذلك أيضاً سبب للتوفيق والتسديد وإجابة الدعاء، وفيه جواب يوم الحساب حين يسأل المرء عن ماله، من أين اكتسبه وفيم أنفقه، "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب" [الطلاق: 2-3] .
وفقك الله وسددك وأعانك وأغناك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.