الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقاعد والفوائد الربوية
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الهبة والعطية
التاريخ 13/09/1425هـ
السؤال
الحكومة في بلدي تحسم من موظفيها مبلغًا شهريًّا لحساب صندوق التقاعد. بعد ذلك تضيف الحكومة فائدة على المبالغ المتجمعة وتدفع للموظف عائدًا صحيًّا عند التقاعد. ويتم استقطاع المبلغ الشهري من الراتب إجباريًّا.
أنا أرغب في جعل المبلغ المستحق لي في صندوق التقاعد خاليًا من الربا. ويمكن عمل ذلك ببساطة عن طريق تقديم طلب بذلك فيصبح المبلغ المستحق لي خاليًا من الربا منذ بداية التعامل. زوجتي تؤيد بقوة مثل هذا الرأي. لكن آخرين لا يؤيدونه. البعض يقول إن الحكومة تضاعف أموال التقاعد هذه عند التقاعد كرمز تقدير لزميل قديم يترك المهنة ولا يمكنه العمل أكثر مما عمل. وهذا واجب على الحكومة أن تعتني بكبار السن. والبعض يقول إن مبلغ 1500 روبية مثلا الآن لن يكون له نفس القوة الشرائية بعد 30 سنة. فتكون هذه الفائدة لازمة لحفظ القوة الشرائية للمال.
الآن عندي فكرة أن أترك حسابي لدى الحكومة كما هو مع الفائدة. وفي كل شهر رمضان أحسب قيمة الذهب الذي يمكن شراؤه بمالي المتجمع على مدار السنة. ثم في كل سنة أستمر في إضافة قيمة الذهب حتى وقت التقاعد. وعند التقاعد آخذ المبلغ الإجمالي من صندوق التقاعد ثم آخذ منه لنفسي المبلغ الذي يمكنه شراء قيمة الذهب المتجمعة كما حسبتها، وأنفق ما تبقى على الفقراء على أنها ليست من حقي. ثم أدفع الزكاة على المبلغ الذي أخذته لنفسي عن جميع السنوات المتجمعة. وبهذا يكون المبلغ المتجمع لي خاليًا من الربا وله نفس القوة الشرائية. فالإسلام يعتمد على القيم الثابتة من الذهب والفضة وليس على الدرهم والدينار كما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. أرجو التوجيه والنصيحة منكم.
الجواب
ما تفعله الحكومة الباكستانية مع موظفيها- كما في سؤالك- وهو النظام التقاعدي في عموم الدول الإسلامية مع موظفيها ليس عقدًا ربويًّا بل عقد من عقود التبرعات؛ لأن الدولة ممثلة في ولي الأمر معنية برعاية الموظف وبمن يعول بعد نهاية خدمته وكبر سنه فما تقتطعه من مرتبه شهريًّا تضيف عليه ن
سبة تماثل لما اقتطعته منه أو نحوها وتقوم بتشغيلها وتنميتها ثم يصرف له كامل النسبتين بعد تقاعده، وإنما أتت شبهة الربا عند بعض الناس من حيث إن الموظف يدفع مالاً على أقساط قليلة فيأخذ أكثر منها عند تقاعده من الوظيفة، وليس كذلك، إذ حقيقة الأمر أن ما دفعته الدولة من نسبة هو تبرع وليس لقاء عمل، إذ مقابل العمل هو الراتب الشهري الذي يستلمه الموظف آخر الشهر، فهذا من الدولة شبيه بالمكافأة، وأيضًا مما يؤكد أن المعاش التقاعدي عقد تبرع لا معاوضة: أن توزيع هذا المعاش بعد وفاة صاحبه لا يوزع حسب المواريث الشرعية بل على نمط خاص مما يدل على أن الدولة لا ترى ما تعطيه للموظف أو ورثته حقًّا ثابتًا له وإنما هو تبرع له ومكافأة، وهذا زائد عن عقد المعاوضة معها الراتب الشهري الصافي بعد الخصم، وإن كان من شبهة في معاشات التقاعد فهو أن أكثر الدول تشغل نسبة ما تقتطعه من راتب الموظف في أعمال ربوية، وهذا حرام على الدولة ولا دخل للموظف فيه، حيث لم يعلم أو يؤخذ رأيه في تشغيل ما يخصه، فهي المرابية وهي الظالمة، والموظف لم يرض بذلك بل هو مجبر عليه- دخلت مع الدولة على هذا الأساس، وللدولة زيادة الراتب أو نقصانه دون أخذ موافقة الموظف. ولو كان عقدًا كسائر العقود لما جاز لها ذلك.
أما إخراج الزكاة عن ما يقتطع منك لقرض التقاعد فلا زكاة فيه لأنك لا تملكه، وإنما تملك راتبك بعد أن تخصم منه هذه النسبة، فإذا كان راتب وظيفتك مثلاً (3000) روبية في الشهر، وبعد الخصم ستستلم (2500) روبية، فإن راتبك الفعلي هو هذا لا غير، وتزكي النقود إذا بلغت النصاب، والنصاب هو ربع العشر (1⁄2 2 %) وحال عليها الحول مهما بلغت قوتها الشرائية ارتفاعًا أو انخفاضًا، وتعتبر الزكاة وسائر الحقوق المالية بالدراهم والدنانير، والعملات الورقية القائمة اليوم كالريال والروبية والدولار تقوم مقامها، وكل عملة ورقية قائمة بنفسها في البيع والشراء وليست قائمة مقام الذهب والفضة، وإنما قوتها وضعفها بقوة اقتصاد الدولة وضعفه، وإذا كانت الدولة لا تصرف لموظفيها ذهبًا ولا فضة فالاعتبار للعملة الورقية وليس للذهب ولا للفضة، وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لما أردت فعله من احتسابك قيمة الذهب الذي اشتريته أو تريد شراءه ثم عند دفع الزكاة.
وخلاصة القول: أن ما يصرف لك من معاش تقاعدي كله حق لك في الشرع فلك أن تتبرع به كله أو ببعضه إذا شئت. وفقنا الله وإياك إلى كل خير.. آمين