الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل هذه رشوة
؟!
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/الرشوة والغش والتدليس
التاريخ 01/08/1425هـ
السؤال
أنا شاب أعمل في إحدى الشركات في إحدى الدول العربية، أقوم بشراء بعض المستلزمات الخاصة بالمشروع الذي تنفذه الشركة، في أول مرة ذهبت أشتري أغراضًا من أحد المحلات، فوجدته بعد احتساب قيمة الفاتورة وأخذ النقود أعطاني مبلغًا بسيطًا من المال، وقال لي: هذه عمولتك، على أن تشتري من المحل دائمًا. قلت له: هل هذه زيادة على الفاتورة؟ قال لي: لا، هذا هو السعر الموجود في كل السوق، واسأل، ومن يريد من عندكم من الشركة أن يسأل على السعر سيجده نفس السعر المسجل في الفاتورة، وقال: إنما هذا المبلغ عبارة عن عمولة؛ لكي تتعامل مع المحل دائمًا.
السؤال: هل هذا المبلغ حرام ويعتبر رشوة؟ أم هو فعلاً عمولة وحلال أخذه؟ علمًا بأني وجدت كلام الرجل صحيحًا، وأن هذا السعر هو السعر المحدد بكل السوق، وفى حالة أن هذا المال حرام كيف أتخلص منه، وما العمل الذي يجب علي فعله؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
فإن هذا المبلغ يعتبر من باب الرشوة المحرمة وإن سمي عمولة، فإن الأسماء المستعارة لا تغير من الحقيقة شيئًا، ووجه كونه من الرشوة: أنه أعطاك هذا المال لكونك عاملاً في تلك الشركة - المشار إليها- ليستميلك بالشراء من ذلك المحل الراشي، وفي صحيح البخاري (2597) ، ومسلم (1832) ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ. عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي؛ أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: "مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ
…
" الحديث.
وأيضًا فإن العامل في الشركة إذا قبل هذه الرشوة (أو العمولة أو الهدية!!) ، فإنها ربما تؤثر سلبًا على صدقه ونزاهته في مجال عمله ولو على المدى البعيد، بحيث إنه سيقدم على الشراء من ذلك المحل أو السوق طمعًا في تلك العمولة دون مبالاة بجودة البضاعة، ولا بنقص السعر، فحرم الشارع هذه الهدية أو العمولة سدًّا لهذه الذريعة، وقطعًا لمظنة الوقوع في شراك ذلك المال.
وأيضًا فكيف يستأثر العامل بمال أخذه لا بسببه، وإنما بسبب عمله، وهذا ما يشير إليه قول نبينا صلى الله عليه وسلم:"أفلا قعَد في بيتِ أبيه أو في بيتِ أمِّه حتى ينظُرَ أيُهْدَى إليه أم لا! ".
وعلى هذا فإنه يجب إعادة المال إلى صاحبه، كما صرح به النووي في شرح صحيح مسلم (12/219)، وابن قدامة في المغني (14/60) حيث قال:(فإن ارتشى الحاكم، أو قبل هدية ليس له قبولها، فعليه ردها إلى أربابها؛ لأنه أخذها بغير حق، فأشبه المأخوذ بعقد فاسد) . ثم زاد- رحمه الله: (ويحتمل أن يجعلها في بيت المال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن اللتبية بردها على أربابها، وقد قال أحمد: (إذا أهدى البطريق لصاحب الجيش عينًا أو فضة، لم تكن له دون سائر الجيش) . قال أبو بكر: يكونون فيه سواء) ا. هـ. وعلى هذا، فيحتمل أن يقال له أن يسلمه إلى الشركة، باعتبار أنها السبب المقصود من دفع ذلك المال، وهذا ما يشير إليه الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه (1833) ، عن عدي بن عميرة الكندي، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
…
مَن اسْتَعْمَلْناهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بقليلِهِ وكثيرِهِ، فمَا أُوتي مِنْه أخَذ، ومَا نُهِي عنه انْتهَى". فلو قيل بهذا الاحتمال لكان له وجه. والله تعالى أعلم.