الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدد التكبيرات في صلاة العيد
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
كتاب الصلاة/صلاة العيدين
التاريخ 5/8/1424هـ
السؤال
نحن هنا في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا الأمريكية. نصلي صلاة العيد في المساجد والمصليات، وسوف نصلي صلاة عيد الأضحى -إن شاء الله- في مصلى كبير في مجموعة واحدة. المشكلة هنا أن إمام الصلاة صلى العيد مرتين قبل ذلك، يقوم بعمل أربع تكبيرات في الركعة الأولى بعد الفاتحة ثم ثلاث تكبيرات بعد الفاتحة في الركعة الثانية. وعندما سألناه مستنكرين عن دليله في تلك التكبيرات وعددها وتوقيتها أجاب بأنها وردت في سنن أبي داود، وعند سؤال أحد الدعاة السلفيين قال إن الحديث غير صحيح. وعند مواجهته بذلك قال بأنه جرت على ذلك العادة في باكستان، وهذا هو المرجع. المشكلة أنه بإصراره هذا يبعد المسلمين، وقد يذهبون إلى مصلى بعيد لمدة ساعة لأنهم لم يسمعوا أبداً بهذه التكبيرات الغريبة. والسؤال هنا هل هناك دليل صحيح معتبر على ثبوت عدد التكبيرات ومحلها قبل الفاتحة أو بعدها؟ وهل هناك من أقوال الصحابة أو التابعين أو أئمة المذاهب من أفتى بغير ذلك، نرجو التوضيح بالتفصيل؟ ثم ما هو موقفنا هل نصلي وراءه ونستغفر لمخالفتنا للهدي النبوي أم أن التكبيرات سنة، ولا شيء علينا، علماً بأن الإمام ممن يستجيب للحق بالأدلة؟
الجواب
الحمد لله وبعد: فإنني أشكر الأخ السائل كثيراً على سؤاله الذي ينم على حرص كبير على جمع الكلمة والتألم من كل ما يؤثر على وحدة المسلمين، خاصة في تلك البلاد الكافرة التي يرقب أهلها تصرفات المسلمين بعين النقد.
ونظراً لرغبة أخي السائل بالتفصيل فإني ألبي رغبته لعلمي بأهمية الحال، راجياً من الله - تعالى - التوفيق والصواب فأقول: أما الصفة التي يفعلها الأخ إمام المسجد - حسب ما ذكرت - لم أجد لها أصلاً في السنة ولا في كلام الفقهاء، والظاهر أنه فهم الحديث الوارد في ذلك خطأ - كما سيتبين بعد قليل - والظاهر لي أيضاً أن الأخ الذي يصلي هذه الصلاة ممن يتمذهب بمذهب أبي حنيفة رحمه الله كما يبدو من إحالته إلى فعل أهل بلده في باكستان، وذلك لأن أتباع أبي حنيفة رحمه الله يذكرون في كتبهم صفة لصلاة العيد فيها قرب من هذه الصفة التي يفعلها أخونا المصلي، إلا أني لم أجد في كتبهم التي تيسر لي الوقوف عليها ما يشير إلى هذه الصفة التي يفعلها هذا الأخ.
وإليك - أخي الكريم - صفة صلاة العيد منقولة من بعض كتبهم الكبار التي عليها المعول عند أتباع مذهب أبي حنيفة رحمهم الله حتى تتبين صفة صلاة العيد عندهم وسبب أخذهم بها وعذرهم في ذلك، ثم أعقب ذلك بكلام يوضح حال الحديث الذي استدلوا به، وذلك على النحو التالي:
أولاً: قال صاحب كتاب " العناية شرح الهداية" 2/75 (ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى للافتتاح وثلاثاً بعدها، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويكبر تكبيرة يركع بها ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة ثم يكبر ثلاثاً بعدها، ويكبر رابعة يركع بها، وهذا قول ابن مسعود وهو قولنا ".
قال السرخسي في المبسوط 2/39 وما بعدها معللاً أخذه بمذهب ابن مسعود: " وإنما أخذنا بقول ابن مسعود رضي الله عنه لأن ذلك شيء اتفقت عليه جماعة من الصحابة منهم: أبو مسعود البدري وأبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فإن الوليد بن عقبة أتاهم فقال: هذا العيد فكيف تأمرونني أن أفعل فقالوا لابن مسعود علمه فعلمه بهذه الصفة ووافقوه على ذلك وفي الحديث:" أن النبي كبر في صلاة العيد أربعاً ثم قال: أربع كأربع الجنائز فلا يشتبه عليكم وأشار بأصابعه وحبس إبهامه " ففيه قول وعمل وإشارة واستدلال وتأكيد " أهـ. وينظر بدائع الصنائع 1/277 للكاساني، وفتح القدير 2/75 لابن الهمام ورد المحتار على الدر المختار 2/172 ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية 2/214-216 للزيلعي. وهذا القول الذي ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله مروي عن بعض السلف كابن مسعود - وعنه أخذت هذه الصفة كما ذكر السرخسي - وأبي موسى وحذيفة والحسن البصري وابن سيرين والثوري، كما ذكره ابن قدامة في " المغني " 3/270 [ط. دار هجر] وابن عبد البر في " الاستذكار" 7/52.
وأثر ابن مسعود الذي استدلوا به واعتمدوا عليه أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه" 3/293رقم (5687.5686.5685) وابن أبي شيبة 2/494رقم (5698.5697.5696)
وغيرهم من طرق عن الأسود بن يزيد، أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعاً تسعاً، أربعاً قبل القراءة، ثم كبر فركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعاً، ثم ركع، وهذا لفظ الأثر رقم (5686) عند عبد الرزاق.
قال الحافظ ابن عبد البر في " الاستذكار " 7/52: " ومذهب الكوفيين ثابت عن ابن مسعود أهـ. إذا علم هذا فعلى الأخ الكريم (إمام المسجد) أن يلتزم بصفة التكبير الثابتة عن ابن مسعود أو غيره من الصحابة رضي الله عنهم ولا يجوز أن يأتي بصفة ليس عليها دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أثر عن صحابي فينبه الأخ برفق إلى ذلك.
ثانياً: الحديث الذي ذكره أخونا الإمام رواه أبو داود 1/682 ح (1153) والإمام أحمد 33/509 ح (19734)[طبعة مؤسسة الرسالة الجديدة] من طريق عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال: أخبرني أبو عائشة (جليس لأبي هريرة) أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربعاً تكبيره على الجنائز فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، وقال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص. وهذا حديث فيه عدة علل:
الأولى: أن في سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فيه كلام كثير للأئمة وخلاصة حاله كما قال الحافظ ابن حجر في " التقريب "(3820)" صدوق يخطئ " ويضاف هنا أن الإمام محمد بن صالح البغدادي قال عنه: " أنكروا عليه أحاديث، يرويها عن أبيه، عن مكحول مسندة " كما في تهذيب الكمال 17/16 والمعنى: أن الأئمة أنكروا عليه رفع أحاديث إلى النبي- صلى الله عليه وسلم، والصواب فيها الوقف. وأنت ترى أن هذا الحديث من روايته عن أبيه عن مكحول، ولهذا روي هذا الحديث موقوفاً - كما ستأتي الإشارة إليه - ولهذا قال الإمام البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى 3/290:" قد خولف راوي هذا الحديث في موضعين: أحدهما: في رفعه والآخر: في جواب أبي موسى، والمشهور في هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود فأفتاه ابن مسعود بذلك ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي " ثم ذكر البيهقي ما يوضح كلامه.
الثانية: أن في سنده أيضاً: أبو عائشة (جليس أبي هريرة) وهو مجهول لا تعرف حاله، قاله ابن حزم، وابن القطان، والذهبي، كما في بيان الوهم 5/44 والميزان 4/543.
الثالثة: أنه اختلف فيه على مكحول، فمرة يقول: أخبرني أبو عائشة ومرة يقول: عن رسول حذيفة وأبي موسى، ومرة قال: حدثني مَنْ أرسله سعيد بن العاص، كما بين ذلك الإمام الطحاوي في كتابه: شرح مشكل الآثار 4/346-349، وفي الحديث اختلاف كبير أكثر من هذا، أكتفي منه بما ذكر للإشارة إلى ضعف الحديث المرفوع، وأن المحفوظ فيه من قول ابن مسعود كما قال البيهقي. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله كلمة عامة في أحاديث التكبير في صلاة العيد:" ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح مرفوع " كما في " العلل المتناهية" لا بن الجوزي 1/471 و " التلخيص الحبير" لابن حجر 2/85. وقال أبو عمر ابن عبد البر في " التمهيد " 16/39:" وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم اختلفوا في التكبير في العيدين اختلافاً كبيراً، وكذلك اختلاف التابعين في ذلك " أهـ. وقد نص غير واحد - كابن قدامة في المغني 3/271 - أن الإمام أحمد يذهب في تكبيرات العيد إلى ما نقل عن بعض الصحابة مما صح عنده، كأثر أي هريرة الذي أخرجه الإمام مالك في " الموطأ" [التمهيد 16/37] عن نافع قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة"، وقد اختار هذه الصفة أيضاً مالك والشافعي وإليه ذهب ابن عبد البر رحمهم الله جميعاً -.وقد ذكر البيهقي 3/291 في " السنن الكبرى " أن عمل المسلمين على هذه الصفة - ومراده بلا ريب - أكثرهم.
وخلاصة القول - أيها الأخ الكريم: " أن حديث ابن مسعود لا يثبت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو موقوف عليه - وأن التكبيرات في صلاة العيد روي فيها عدة صفات عن الصحابة رضي الله عنهم.
ثالثاً: إذا تقرر هذا - أيها المحب - وعلمت أن مستند هؤلاء القوم في هذه الصفة فعل أحد علماء الصحابة وفقهائهم الكبار - وهو ابن مسعود رضي الله عنه وتبعه على ذلك بعض السلف - رحمهم الله تعالى - وأنعم بهم من قدوة، وعلمت أن التكبيرات قد اختلف فيها السلف كثيراً، فلا يسوغ حينئذٍ أن نجعل من هذه المسألة مسألة نساوم عليها في الاجتماع والتفرق، ونترك الصلاة معه، والأمر لا يعدو أن يكون سنة، والاختلاف فيها سائغ بل يسعنا ما وسع السلف رضي الله عنهم وكون الشخص يرى أن وصفه من الصفات أرجح وأقرب إلى الصواب، فله ذلك ولا حرج عليه ما دام ذلك مبنياً على الأدلة والآثار، إلا أن هذا لا يعني أن تكون هذه المسألة سبباً في النزاع والشقاق، ولله در الحافظ أبي عمر ابن عبد البر في " الاستذكار" 7/54 حيث يقول- بعد أن ساق عدة صفات لتكبيرات العيد منقولة عن الصحابة رضي الله عنهم.
" والذي أقول في هذا الباب أنه كالاختلاف في الأذان، وأنه كله مباح لا حرج في شيء منه وكلَّ - أي كل واحد من هؤلاء الصحابة - أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذوا الوضوء واحدة واثنتين وثلاثاً والقراءات في الصلوات وعدد ركعات قيام الليل، الاختلاف عنه في ذلك اختلاف إباحة وتوسعة" أهـ. كلامه رحمه الله وهو في غاية النفاسة. والمسلم اللبيب يدرك أن اجتماع الصف، ووحدة كلمة المسلمين من المقاصد العظيمة، والواجبات الكبيرة في الشرع، يقول سبحانه وتعالى:" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. الآية. وليس من الحكمة ولا من الشرع في شيء أن يقدم المسنون على الواجب، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في " مجموع الفتاوى " 22/407 " لما تكلَّم عن مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة: " ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً وقال: الخلاف شر " أهـ، وقال في موضع آخر 22/437: " ويسوغ أيضاً أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة؛ خوفاً من التنفير عما يصلح
…
" ثم ذكر المثالين السابقين في هدم الكعبة، وقصة ابن مسعود. فأوصي الإخوة جميعاً أن يتعاهدوا هذا الأصل، وأن يسدوا باب التفرق، وأن لا يدعوا فرصة للفرقة التي قد تقع أسبابها أحياناً من بعض الغيورين، والمعظمين للسنة، بحجة الاتباع مع أن الحرص على جمع الكلمة، ودفع أسباب الخلاف - ما أمكن ذلك - من أعظم آثار الاتباع، بل هذا من أصول الدين ومخالفة دين المشركين، وأوصي أحبتي الكرام بوصية الله - تعالى - حيث يقول: "
واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ". كما أوصي إخواني أن تكون صدورهم متسعة لما اتسعت له صدور الأئمة من قبل في المسائل التي جرى فيها الخلاف، ولا شك عند الجميع أن الأئمة من سلف هذه الأمة أعلم منا بالسنة، وأكثر تعظيماً لها، وأشد رغبة في اتباعها.
كما أهيب بضرورة الرجوع إلى أهل العلم إذ أشكل عليكم شيء خاصة وأنكم في بلاد يرصد فيها الكفار كل ما يصدر عنكم، وما أعظم حماس لم يضبط بزمام العلم الشرعي!! وقد أحسنتم كل الإحسان إذ عرضتم هذه الحال لمعرفة ما ينبغي حيال مثل هذه الأمور التي قد يتهاون البعض بها، مع أن آثارها قد تكون وخيمة.
أسأل الله - تعالى - أن يكون هذا الجواب صواباً، وأن يحقق الغرض منه، وأن يجمع كلمة المسلمين جميعاً في كل مكان على الحق، وأن يرزقنا الفقه في دينه والبصيرة فيه، أقول ما قلت إن صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمني، وأستغفر الله وأتوب إليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.