الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القنوت في الفجر
المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كتاب الصلاة/ صلاة التطوع/الوتر والقنوت
التاريخ 15/6/1424هـ
السؤال
فضيلة الشيخ.. نحن في مسجد إمامه زيدي، ويقنت في صلاة الفجر كل يوم بآيات من القرآن، فهل يشرع التأمين لأنه دعاء؟ أم لا يؤمن؟ وهل ترفع الأيدي أم لا؟ وعندهم القنوت من غير القرآن مبطل للصلاة فلا يقنت في النوازل، فهل إذا أتينا جماعة ثانية نقنت؟ أم أن القنوت خاص بالجماعة الأولى؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
الجواب
اختلف أهل العلم في حكم القنوت في صلاة الفجر بصفةٍ دائمة، وذهب كثير من أهل العلم إلى عدم مشروعية ذلك، وهو الحق؛ لعدم الدليل على ذلك، وإنما دل الدليل على مشروعية القنوت في النوازل التي تنزل بالمسلمين؛ لما ثبت في صحيح مسلم (677) من حديث أنس رضي الله عنه:"أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على أحياء من أحياء من العرب ثم تركه " وهو عند البخاري (4089) دون قوله: "ثم تركه". ولما رواه الترمذي (402) وابن ماجة (1241) عن أبي مالك الأشجعي أنه قال لأبيه: "إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم،وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني محدث"، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
ومما يدل على أن القنوت في غير الوتر مختصٌ بالنوازل التي تنزل بالمسلمين ما رواه سعيد بن منصور كما في المغني (2/586) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم". وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (619-620) من حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما، ولم يذكر فيه "صلاة الفجر".
ولكن الإنسان إذا صلى خلف إمام يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر بصفة دائمة، فإنه يتابعه في الصلاة والقنوت، ويؤمِّن على دعائه، وإن كان المصلي لا يرى مشروعية هذا الأمر؛ لأن مصلحة اجتماع الناس والتفاف بعضهم ببعض خير من التفرق من أجل أمرٍ مختلف فيه، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى قريبٍ من هذا المعنى، حيث قال:(ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم قال:"إنما جُعل الإمام ليؤتم به" رواه البخاري (378) ، ومسلم (411) من حديث أنس – رضي الله عنه، وقال:" لا تختلفوا على أئمتكم" انظر ما رواه البخاري (722) ، ومسلم (414) من حديث أنس – رضي الله عنه، وثبت عنه في الصحيح أنه قال:" يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم " رواه البخاري (694) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه
…
فإذا قنت لم يكن للمأموم أن يسابقه، فلا بد من متابعته، ولهذا كان عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه قد أنكر على عثمان –رضي الله عنه التربيع بمنى، ثم إنه صلى خلفه أربعاً، فقيل له في ذلك، فقال: الخلاف شر. وكذلك أنس بن مالك – رضي الله عنه لما سأله رجل عن وقت الرمي، فأخبره، ثم قال: افعل كما يفعل إمامك، والله أعلم) ا. هـ
ولهذا فإن المشروع في حقكم متابعة الإمام في القنوت، وفي التأمين، ورفع الأيدي أثناء الدعاء. هذا الأمر فيما إذا صليتم مع هذا الإمام الذي يقنت في الفجر بصفةٍ دائمةٍ، أما إذا صليتم لوحدكم فلا تقنتوا؛ لأنكم ترون عدم مشروعية هذا القنوت، إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة فيكون القنوت حينئذٍ مشروعاً كما سبق بيانه.
أما قولك: إنهم لا يقنتون إلا من القرآن، فهذا لا أساس له؛ لأن العلماء الذين يرون مشروعية القنوت في صلاة الفجر بصفة دائمة لم يقيدوا الدعاء فيه بالقرآن، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا بغير القرآن، وكذلك ما ثبت عن أصحابه من بعده، وإنما المشروع الدعاء بما يحقق المقصود، سواءٌ أكان من القرآن أم من السنة، ثم إن الخلاف بين العلماء لم يكن في الدعاء من القرآن أو من غيره، وإنما كان الخلاف بينهم في مشروعية القنوت في الفجر بصفة دائمة.
أما كون القنوت مختصاً بالجماعة الأولى أو الثانية، فإن العلماء مختلفون في مسألة لها تعلق بما سألت عنه، وهي: مسألة: من يقنت في النوازل؟ فمنهم من قال الإمام (الحاكم)، ومنهم من قال: أو نائبه، ومنهم من قال: بإذن الإمام، ومنهم من قال: إمام كل جماعة، وغير ذلك، فإذا أجزنا لإمام كل جماعة أن يقنت فلا فرق بين الجماعة الأولى والثانية.
والله أعلم، -وصلى الله -على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.