المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة العنكبوت (29) : آية 47] - التحرير والتنوير - جـ ٢١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 69]

- ‌30- سُورَة الرّوم

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 2 الى 5]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 60]

- ‌31- سُورَةُ لُقْمَانَ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 2 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 34]

- ‌32- سُورَةُ السَّجْدَةِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 28 إِلَى 30]

- ‌33- سُورَةُ الْأَحْزَابِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 18 الى 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 28 الى 29]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 30]

الفصل: ‌[سورة العنكبوت (29) : آية 47]

كِتَابًا عَلَى غَيْرِ أَنْبِيَائِهِمْ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ. وَقَوْلُهُ: وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ عَطْفُ صِلَةِ اسْمٍ مَوْصُولٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ.

وَالتَّقْدِيرُ: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، أَيِ الْكِتَابُ وَهُوَ «التَّوْرَاةُ» بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ إِلَيْكُمْ. وَالْمَعْنَى:

إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِكِتَابِكُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْحَرِفُوا عَنَّا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ [الْمَائِدَة: 59]، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ تَذْكِيرٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْيَهُودَ يُؤْمِنُونَ بِإِلَهٍ وَاحِدٍ. فَهَذَانِ أَصْلَانِ يَخْتَلِفُ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ.

وَقَوْلُهُ: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ مُرَادٌ بِهِ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ، فَرِيقُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَفَرِيقُ الْمُخَاطَبِينَ. فَيَشْمَلُ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِوَصْفِ مُسْلِمُونَ أَحَدَ إِطْلَاقَيْهِ وَهُوَ إِسْلَامُ الْوَجْهِ إِلَى اللَّهِ، أَيْ عَدَمُ الْإِشْرَاكِ بِهِ، أَيْ وَكِلَانَا مُسْلِمُونَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا نُشْرِكُ مَعَهُ غَيْرَهُ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ: لَهُ مُسْلِمُونَ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يُفْرِدُوا الله بالإلهية.

[47]

[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 47]

وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَاّ الْكافِرُونَ (47)

هَذَا عَوْدٌ إِلَى مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

فَالْمَعْنَى: وَمِثْلُ ذَلِكَ التَّنْزِيلِ الْبَدِيعِ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ، فَهُوَ بَدِيعٌ فِي فَصَاحَتِهِ، وَشَرَفِ مَعَانِيهِ، وَعُذُوبَةِ تَرَاكِيبِهِ، وَارْتِفَاعِهِ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ مِنْ كَلَامِ الْبُلَغَاءِ، وَفِي تَنْجِيمِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مِثْلِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [143] .

وَقَدْ تَفَرَّعَ عَلَى بَدَاعَةِ تَنْزِيلِهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الَّذِينَ عَلَّمَهُمُ اللَّهُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ أَيْ يُصَدِّقُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِأَسَالِيبِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَأَعْلَمُ بِسِمَاتِ الرُّسُلِ وَشَمَائِلِهِمْ.

ص: 8

وَإِنَّمَا قَالَ: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: فَأَهْلُ الْكِتَابِ، لِأَنَّ فِي آتَيْناهُمُ الْكِتابَ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [الْمَائِدَة: 44] .

وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ إِيمَانِ هَذَا الْفَرِيقِ بِهِ، أَيْ إِيمَانُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ مُسْتَمِرٌّ يَزْدَادُ عَدَدُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا.

وَالْإِشَارَةُ بِ هؤُلاءِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُونَ فِي الذِّهْنِ بِكَثْرَةِ مُمَارَسَةِ أَحْوَالِهِمْ وَجِدَالِهِمْ. وَهَكَذَا اصْطِلَاحُ الْقُرْآنِ حَيْثُ يُذَكِّرُ هؤُلاءِ بِدُونِ سَبْقٍ مَا يَصْلُحُ لِلْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا قَدْ أَلْهَمَنِي اللَّهُ إِلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [89] . وَالْمَعْنَى: وَمِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، أَيْ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَالَّذِينَ يُسَلِمُونَ مِنْ بَعْدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ فِي بَاطِنِهِ وَلَا يُظْهِرُ ذَلِكَ عِنَادًا وَكِبَرًا مِثْلَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

وَقَدْ أَشَارَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ إِلَى أَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ مَكَّةَ مَنْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ جُحُودًا مِنْهُمْ لِأَجْلِ تَصَلُّبِهِمْ فِي الْكُفْرِ. فَالتَّعْرِيفُ فِي الْكافِرُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ فِي الْوَصْفِ الْمُعَرَّفِ، أَيْ إِلَّا الْمُتَوَغِّلُونَ فِي الْكُفْرِ الرَّاسِخُونَ فِيهِ، لِيَظْهَرَ وَجْهُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ مَا يَجْحَدُ وَبَيْنَ الْكافِرُونَ

إِذْ لَوْلَا الدَّلَالَةُ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ لَصَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يَجْحَدُ إِلَّا الْجَاحِدُونَ.

وَعَبَّرَ عَن الْكِتابَ ب (الْآيَات) لِأَنَّهُ آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسَبَبِ إِعْجَازِهِ وَتَحَدِّيهِ وَعَجْزِ الْمُعَانِدِينَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ. وَهَذَا يَتَوَجَّهُ ابْتِدَاءً إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ جُحُودَهُمْ وَاقِعٌ، وَفِيهِ تَهْيِئَةٌ لِتَوَجُّهِهِ إِلَى مَنْ عَسَى أَنْ يَجْحَدَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دُونِ أَنْ يُوَاجِهَهُمْ بِأَنَّهُمْ كَافِرُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْآنَ فَإِنْ فَعَلُوهُ فَقَدْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ على أنفسهم.

ص: 9