المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33) : آية 9] - التحرير والتنوير - جـ ٢١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 69]

- ‌30- سُورَة الرّوم

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 2 الى 5]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 60]

- ‌31- سُورَةُ لُقْمَانَ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 2 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 34]

- ‌32- سُورَةُ السَّجْدَةِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 28 إِلَى 30]

- ‌33- سُورَةُ الْأَحْزَابِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 18 الى 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 28 الى 29]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 30]

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33) : آية 9]

ذِكْرُهَا بِأَنَّ لِهَذَا الْمِيثَاقِ عِلَلًا تَحْصُلُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ الصَّادِقُونَ عَنْ صِدْقِهِمْ، وَهِيَ مَا فِي الْأَعْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِيثَاقُهُمْ عَلَيْهَا مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَذَلِكَ هُوَ مَا يُسْأَلُ الْعَامِلُونَ عَنْ عَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشر.

وَضمير لِيَسْئَلَ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالصَّادِقِينَ أُمَمُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ مَا أُخِذَ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ، وَيُقَابِلُهُمُ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ أَوِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْمِيثَاقَ مِنْ بَعْدِ، فَيَشْمَلُهُمُ اسْمُ الْكَافِرِينَ.

وَالسُّؤَالُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ لِأَنَّهَا مِنْ ثَوَابِ جَوَابِ السُّؤَال أَعنِي إسداء الثَّوَابِ لِلصَّادِقِينَ وَعَذَابَ الْكَافِرِينَ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الْأَنْبِيَاء: 23] ، أَيْ: لَا يَتَعَقَّبُ أَحَدٌ فِعْلَهُ وَلَا يُؤَاخِذُهُ عَلَى مَا لَا يُلَائِمُهُ، وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

وَقِيلَ: إِنَّك مَنْسُوب ومسؤول وَجُمْلَةُ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَطْفٌ على جملَة لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ وَغُيِّرَ فِيهَا الْأُسْلُوبُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحْقِيقِ عَذَابِ الْكَافِرِينَ حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ سُؤَالَ مَنْ يُسْمَعُ جَوَابُهُمْ أَوْ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلِإِفَادَةِ أَنَّ إِعْدَادَ عَذَابِهِمْ أَمْرٌ مَضَى وَتَقَرَّرَ فِي علم الله.

[9]

[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 9]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)

ابْتِدَاءٌ لِغَرَضٍ عَظِيمٍ مِنْ أَغْرَاضِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وَالَّذِي حُفَّ بِآيَاتٍ وَعِبَرٍ مِنِ ابْتِدَائِهِ وَمِنْ عَوَاقِبِهِ تَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَذْكِيرًا لِيَزِيدَهُمْ يَقِينًا وَتَبْصِيرًا. فَافْتُتِحَ الْكَلَامُ بِتَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهُ وَأَحِقَّاءُ بِهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيدَ كَرَامَتِهِمْ وَيَقِينِهِمْ وَعِنَايَةَ اللَّهِ بِهِمْ وَلُطْفَهُ لَهُمْ وَتَحْقِيرًا لِعَدُوِّهِمْ وَمَنْ يَكِيدُ لَهُمْ، وَأُمِرُوا أَنْ يَذْكُرُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ

ص: 276

وَلَا يَنْسَوْهَا لِأَنَّ فِي ذِكْرِهَا تَجْدِيدًا لِلِاعْتِزَازِ بِدِينِهِمْ وَالثِّقَةِ برَبهمْ والتصديق لنبيئهم صلى الله عليه وسلم.

وَاخْتِيرَتْ لِلتَّذْكِيرِ بِهَذَا الْيَوْمِ مُنَاسَبَةُ الْأَمْرِ بِعَدَمِ طَاعَةِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ مِنَ

النِّعَمِ الَّتِي حَفَّتْ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ أَنَّ اللَّهَ رَدَّ كَيْدَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ فَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُونَ بِسَابِقِ كَيْدِ الْمُنَافِقِينَ فِي تِلْكَ الْأَزْمَةِ لِيَحْذَرُوا مَكَائِدَهُمْ وَأَرَاجِيفَهُمْ فِي قَضِيَّةِ التَّبَنِّي وَتَزَوُّجِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مُطَلَّقَةَ مُتَبَنَّاهُ، وَلِذَلِكَ خُصَّ الْمُنَافِقُونَ بِقَوْلِهِ: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الْأَحْزَاب: 12] الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ إِبْطَالِ التَّبَنِّي وَإِبَاحَةِ تَزَوُّجِ مُطَلَقِ الْأَدْعِيَاءِ كَانَ بِقُرْبِ وَقْعَةِ الْأَحْزَابِ.

وإِذْ ظَرْفٌ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي مُتَعَلِّقٌ بِ نِعْمَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِنْعَامِ، أَيِ:

اذْكُرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ زَمَانَ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا تُشِيرُ إِلَى مَا جَرَى مِنْ عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ فَلْنَأْتِ عَلَى خُلَاصَةِ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ لِيَكُونَ مِنْهُ بَيَانٌ لِمَطَاوِي هَذِهِ الْآيَاتِ.

وَكَانَ سَبَبَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ أَنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ تَهَادَنُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِمُدَّةِ عَامٍ عَلَى أَنْ يَلْتَقُوا بِبَدْرٍ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فَلَمْ يَقَعْ قِتَالٌ بِبَدْرٍ لِتَخَلُّفِ أَبِي سُفْيَانَ عَنِ الْمِيعَادِ، فَلَمْ يُنَاوِشْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْفَرِيقَ الْآخَرَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَادِثَةِ غَدْرِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ وَهِيَ حَادِثَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ حِينَ غَدَرَتْ قَبَائِلُ عُصَيَّةَ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ بِأَرْبَعِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذْ سَأَلَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُوَجِّهَهُمْ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ كَيْدًا كَادَهُ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنِ انْقِضَاءِ غَزْوَةِ أُحُدٍ.

فَلَمَّا أَجْلَى النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم بَنِي النَّضِيرِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ غَدْرِهِمْ بِهِ وَخَيْسِهِمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي لَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، هُنَالِكَ اغْتَاظَ كَبَرَاءُ يَهُودِ قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْجَلَاءِ وَبَعْدَ أَنْ نَزَلُوا بِدِيَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبِخَيْبَرَ فَخَرَجَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ- بِتَشْدِيدِ لَامِ سَلَّامِ وَضَمِّ حَاءِ الْحُقَيْقِ وَفَتْحِ قَافِهِ- وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ- بِضَمِّ حَاءِ حُيَيٍّ وَفَتْحِ هَمْزَةِ وَطَاءِ أَخْطَبَ- وَغَيْرُهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ فَقَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ لِذَلِكَ

ص: 277

وَتَآمَرُوا مَعَ غَطَفَانَ عَلَى أَنْ يَغْزُوا الْمَدِينَةَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَأَحَابِيشُهَا وَبَنُو كِنَانَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَقَائِدُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ فِي أَلْفٍ قَائِدُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَخَرَجَتْ مَعَهُمْ هَوَازِنُ وَقَائِدُهُمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.

وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَزْمُهُمْ عَلَى مُنَازَلَةِ الْمَدِينَةِ أَبْلَغَتْهُ إِيَّاهُ خُزَاعَةُ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ كَثْرَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَشَارَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَنْ يُحْفَرَ خَنْدَقٌ يُحِيطُ بِالْمَدِينَةِ تَحْصِينًا لَهَا مِنْ دُخُولِ الْعَدُوِّ فَاحْتَفَرَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالنَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ يَحْفُرُ وَيَنْقُلُ التُّرَابَ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَنَةَ خَمْسٍ. وَهُوَ الَّذِي اشْتَهَرَ عِنْدَ النَّاسِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي «جَامِعِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ» اتِّبَاعًا لِمَا اشْتُهِرَ، وَقَوْلُ مَالك أصحّ.

وَعند مَا تَمَّ حَفْرُ الْخَنْدَقِ أَقْبَلَتْ جُنُودُ الْمُشْرِكِينَ وَتَسَمَّوْا بِالْأَحْزَابِ لِأَنَّهُمْ عِدَّةُ قَبَائِلَ تَحَزَّبُوا، أَيْ: صَارُوا حِزْبًا وَاحِدًا، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ فَكَانَ وُرُودُ قُرَيْشٍ مِنْ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَوُرُودُ غَطَفَانَ وَهَوَازِنَ مِنْ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، فَنَزَلَ جَيْشُ قُرَيْشٍ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ بَيْنَ الْجُرْفِ وَزُغَابَةَ- بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ- وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَالْغَابَةُ، وَالتَّحْقِيقُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي «الرَّوْضِ الْأُنُفِ» ، وَنَزَلَ جَيْشُ غَطَفَانَ وَهَوَازِنَ بِذَنَبِ نَقْمَى إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ، وَكَانَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ فَعَسْكَرُوا تَحْتَ جَبَلِ سَلْعٍ وَجَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى الْجَبَلِ وَالْخَنْدَقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ فِي آطَامِ الْمَدِينَةِ. وَأَمَّرَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَدَامَ الْحَالُ كَذَلِكَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ فِيهَا حَرْبٌ إِلَّا مُصَارَعَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ فُرْسَانٍ اقْتَحَمُوا الْخَنْدَقَ مِنْ جِهَةٍ ضَيِّقَةٍ عَلَى أَفَرَاسِهِمْ فَتَقَاتَلُوا فِي السَّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ وَقُتِلَ أَحَدُهُمْ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَفَرَّ صَاحِبَاهُ، وَأَصَابَ سَهْمٌ غَرْبٌ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحُلِهِ فَكَانَ مِنْهُ مَوْتُهُ فِي الْمَدِينَةِ. وَلَحِقَتِ الْمُسْلِمِينَ شِدَّةٌ مِنَ الْحِصَارِ وَخَوْفٌ مِنْ كَثْرَةِ جَيْشِ عَدُوِّهِمْ حَتَّى هَمَّ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُصَالِحَ الْأَحْزَابَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ نِصْفَ ثَمَرِ الْمَدِينَةِ فِي عَامِهِمْ ذَلِكَ يَأْخُذُونَهُ عِنْدَ طِيبِهِ وَكَادَ أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُمْ كِتَابًا فِي ذَلِكَ، فَاسْتَشَارَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ:

ص: 278

قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى الشِّرْكِ وَلَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً إِلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا، أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَعَزَّنَا بِكَ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا! وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ.

وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى جَيْشِ الْمُشْرِكِينَ رِيحًا شَدِيدَةً فَأَزَالَتْ خِيَامَهُمْ وَأَكْفَأَتْ قُدُورَهُمْ وَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ، وَاخْتَلَّ أَمْرُهُمْ، وَهَلَكَ كُرَاعُهُمْ وَخُفُّهُمْ، وَحَدَثَ تَخَاذُلٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَيْظَةَ وَظَنَّتْ قُرَيْشٌ أَنَّ قُرَيْظَةَ صَالَحَتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى قِتَالِ الْأَحْزَابِ، فَرَأَى أَهْلُ الْأَحْزَابِ الرَّأْيَ فِي أَنْ يَرْتَحِلُوا فَارْتَحَلُوا عَنِ الْمَدِينَةِ وَانْصَرَفَ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ذكر تَوْطِئَة لِقَوْلِهِ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً إِلَخْ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَحَلُّ الْمِنَّةِ. وَالرِّيحُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا هِيَ رِيحُ الصَّبَا وَكَانَتْ بَارِدَةً وَقَلَعَتِ الْأَوْتَادَ وَالْأَطْنَابَ وَسَفَّتِ التُّرَابَ فِي عُيُونِهِمْ وَمَاجَتِ الْخَيْلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنْ خَيْلِهِمْ وَإِبِلِهِمْ وَشَائِهِمْ. وَفِيهَا

قَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» .

وَالْجُنُودُ الَّتِي لَمْ يَرَوْهَا هِيَ جُنُودُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أَرْسَلُوا الرِّيحَ وَأَلْقَوُا التَّخَاذُلَ بَيْنَ

الْأَحْزَابِ وَكَانُوا وَسِيلَةَ إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي نُفُوسِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً فِي مَوْقِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ نِعْمَةَ اللَّهِ وَهِيَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لِأَنَّهُ عَلِيمٌ بِمَا لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْمُصَابَرَةِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَالْخُرُوجِ مِنْ دِيَارِهِمْ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَبَذْلِهِمُ النُّفُوسَ فِي نَصْرِ دِينِ اللَّهِ فَجَازَاهُمُ اللَّهُ بِالنَّصْرِ الْمُبِينِ كَمَا قَالَ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الْحَج: 40] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحْدَهُ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَمَحْمَلُهَا عَلَى الِالْتِفَاتِ.

وَالْجُنُودُ الْأُوَّلُ جَمْعُ جُنْدٍ، وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُتَّحِدُ الْمُتَنَاصِرُ وَلِذَلِكَ غَلَبَ عَلَى الْجَمْعِ الْمُجْتَمِعِ لِأَجْلِ الْقِتَالِ فَشَاعَ الْجُنْدُ بِمَعْنَى الْجَيْشِ. وَذَكَرَ جُنُودَ هُنَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ مَعَ

ص: 279