الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَ (الَّذِينَ أَسَاءُوا) هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، وَالْمُرَادُ بِآياتِ اللَّهِ الْقُرْآنُ ومعجزات الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.
والسُّواى: تَأْنِيثُ الْأَسْوَأِ، أَيِ الْحَالَةُ الزَّائِدَةُ فِي الِاتِّصَافِ بِالسُّوءِ وَهُوَ أَشَدُّ الشَّرِّ، كَمَا أَنَّ الْحُسْنَى مُؤَنَّثُ الْأَحْسَنِ فِي قَوْلِهِ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى [يُونُس: 26] . وتعريف السُّواى تَعْرِيف الْجِنْسِ إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ عَاقِبَةٍ مَعْهُودَةٍ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ ب الَّذِينَ أَساؤُا الْأُمَمُ الَّذِينَ أَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا فَتَكُونُ مِنْ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ تَوَسُّلًا إِلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أساءوا واستحقوا السوأى وَهِيَ جَهَنَّمُ. وَفِعْلُ كانَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ عاقِبَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَصْلِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ اسْمِ كانَ وَخَبَرِهَا. وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كانَ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْمِهَا وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ. وَالْفَصْلُ بَيْنَ كانَ وَمَرْفُوعِهَا بِالْخَبَرِ سَوَّغَ حَذْفَ تَاءِ التَّأْنِيثِ مِنْ فِعْلِ كانَ.
وأَنْ كَذَّبُوا تَعْلِيلٌ لكَون عاقبتهم السوأى بِحَذْفِ اللَّامِ مَعَ أَنْ وبِآياتِ اللَّهِ:
الْقُرْآنُ وَالْمُعْجِزَاتُ.
وَالْبَاءُ فِي بِها يَسْتَهْزِؤُنَ لِلتَّعْدِيَةِ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الْآيَاتِ، وَلِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.
[11]
[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 11]
اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَهُوَ شُرُوعٌ فِيمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ بَسْطِ دَلَائِلِ انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ فِي النَّاسِ بِإِيجَادِهِمْ وَإِعْدَامِهِمْ وَبِإِمْدَادِهِمْ وَأَطْوَارِ حَيَاتِهِمْ، لِإِبْطَالِ أَنْ يَكُونَ لِشُرَكَائِهِمْ شَيْءٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ. فَهِيَ دَلَائِلُ سَاطِعَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي عَمُوا عَنْهَا.
وَإِذْ كَانَ نُزُولُ أَوَّلِ السُّورَةِ عَلَى سَبَبِ ابْتِهَاجِ الْمُشْرِكِينَ لِتَغَلُّبِ الْفُرْسِ عَلَى الرُّومِ فَقَطَعَ اللَّهُ تَطَاوُلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ أَخْبَرَ أَنَّ عَاقِبَةَ النَّصْرِ لِلرُّومِ عَلَى الْفُرْسِ نَصْرًا بَاقِيًا، وَكَانَ مَثَارُ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مَيْلَ كُلِّ فَرِيقٍ إِلَى مُقَارِبِهِ فِي الدِّينِ جُعِلَ ذَلِكَ الْحَدَثُ مُنَاسَبَةً لِإِفَاضَةِ الِاسْتِدْلَالِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى إِبْطَالِ دِينِ الشِّرْكِ.
وَقَدْ فُصِّلَتْ هَذِهِ الدَّلَائِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ اسْتِئْنَافَاتٍ مُتَمَاثِلَةِ الْأُسْلُوبِ، ابْتُدِئَ كل وَاحِد مِنْهَا بِاسْمِ الْجَلَالَةِ مُجْرًى عَلَيْهِ أَخْبَارٌ عَنْ حَقَائِقَ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِدَحْضِهَا لِأَنَّهُمْ لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الْإِقْرَارُ بِبَعْضِهَا أَوِ الْعَجْزُ عَنْ نَقْضِ دَلِيلِهَا.
فَالِاسْتِئْنَافُ الْأَوَّلُ الْمَبْدُوءُ بقوله اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَالثَّانِي الْمَبْدُوءُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ [الرّوم: 40] ، وَالثَّالِثُ الْمَبْدُوءُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ [الرّوم: 48] ، وَالرَّابِعُ الْمَبْدُوءُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ [الرّوم: 54] .
فَأَمَّا قَوْله: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَاسْتِدْلَالٌ بِمَا لَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الِاعْتِرَافُ بِهِ وَهُوَ بَدْءُ الْخَلْقِ إِذْ لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ خَالِقُ الْخَلْقِ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ [الرَّعْد: 16] الْآيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَهُوَ إِدْمَاجٌ لِأَنَّهُ إِذَا سُلِّمَ لَهُ بَدْءُ الْخَلْقِ كَانَ تَسْلِيمُ إِعَادَتِهِ أَوْلَى وَأَجْدَرَ. وَحَسَّنَ مَوْقِعَ الِاسْتِئْنَافِ وُرُودُهُ بَعْدَ ذِكْرِ أُمَمٍ غَابِرَةٍ وَأُمَمٍ حَاضِرَةٍ خَلَفَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِثَالًا لِإِعَادَةِ الْأَشْخَاصِ بَعْدَ فَنَائِهَا وَذِكْرِ عَاقِبَةِ مَصِيرِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ فِي الْعَاجِلَةِ، نَاسَبَ فِي مَقَامِ الِاعْتِبَارِ أَنْ يُقَامَ لَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ لِيَقَعَ ذِكْرُ مَا يَعْقُبُهُ مِنَ الْجَزَاءِ مَوْقِعَ الْإِقْنَاعِ لَهُمْ.
وَتَقْدِيمُ اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِمُجَرَّدِ التَّقَوِّي. وثُمَّ هُنَا لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ، وَذَلِكَ أَنَّ شَأْنَ الْإِرْجَاعِ إِلَى اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ إِعَادَةِ الْخَلْقِ إِذْ هُوَ الْمَقْصِدُ مِنَ الْإِعَادَةِ وَمِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ. فَالْخِطَابُ فِي تُرْجَعُونَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ.