المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الروم (30) : آية 8] - التحرير والتنوير - جـ ٢١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 69]

- ‌30- سُورَة الرّوم

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 2 الى 5]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 60]

- ‌31- سُورَةُ لُقْمَانَ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 2 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 34]

- ‌32- سُورَةُ السَّجْدَةِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 28 إِلَى 30]

- ‌33- سُورَةُ الْأَحْزَابِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 18 الى 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 28 الى 29]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 30]

الفصل: ‌[سورة الروم (30) : آية 8]

الْفَصْلِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ بِهِمْ، أَيْ هُمُ الْغَافِلُونَ عَنِ الْآخِرَةِ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَمِنَ الْبَدِيعِ الْجَمْعُ بَيْنَ لَا يَعْلَمُونَ ويَعْلَمُونَ. وَفِيهِ الطِّبَاقُ مِنْ حَيْثُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظَانِ لَا مِنْ جِهَةِ مُتَعَلِّقِهِمَا. وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 102] .

[8]

[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 8]

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (8)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [الرّوم: 7] لِأَنَّهُمْ نَفَوُا الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ فَسِيقَ إِلَيْهِمْ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ.

فَضَمِيرُ يَتَفَكَّرُوا عَائِدٌ إِلَى الْغَافِلِينَ عَنِ الْآخِرَةِ وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ.

وَالِاسْتِفْهَامُ تَعْجِيبِيٌّ مِنْ غَفْلَتِهِمْ وَعَدَمِ تَفَكُّرِهِمْ. وَالتَّقْدِيرُ: هُمْ غَافِلُونَ وَعَجِيبٌ عَدَمُ تَفَكُّرِهِمْ. وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الِانْتِقَالِ أَنَّ لِإِحَالَتِهِمْ رُجُوعَ الدَّالَّةِ إِلَى الرُّومِ بَعْدَ انْكِسَارِهِمْ سَبَبَيْنَ:

أَحَدُهُمَا: اعْتِيَادُهُمْ قَصْرَ أَفْكَارِهِمْ عَلَى الْجَوَلَانِ فِي الْمَأْلُوفَاتِ دُونَ دَائِرَةِ الْمُمْكِنَاتِ، وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَهُوَ أَعْظَمُ مَا أَنْكَرُوهُ لِهَذَا السَّبَبِ.

وَثَانِيهُمَا: تَمَرُّدُهُمْ عَلَى تَكْذِيبِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ شَاهَدُوا مُعْجِزَتَهُ فَانْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى نَقْضِ آرَائِهِمْ فِي هَذَيْنِ السَّبَبَيْنَ.

وَالتَّفَكُّرُ: إِعْمَالُ الْفِكْرِ، أَيِ الْخَاطِرِ الْعَقْلِيِّ لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ، وَهُوَ التَّأَمُّلُ فِي الدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [50] .

وَالْأَنْفُسُ: جَمَعُ نَفْسٍ. وَالنَّفْسُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّاتِ كُلِّهَا، وَيُطْلَقُ عَلَى بَاطِنِ الْإِنْسَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عليه السلام: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي [الْمَائِدَة: 116]

ص: 51

كَقَوْلِ عُمَرَ يَوْمَ السَّقِيفَة: «وَكنت زوّقت فِي نَفْسِي مَقَالَةٌ» أَيْ فِي عَقْلِي وَبَاطِنِي.

وَحَرْفُ فِي مِنْ قَوْلِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلظَّرْفِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فَيَكُونُ ظَرْفًا لِمَصْدَرِ يَتَفَكَّرُوا، أَيْ تَفَكُّرًا مُسْتَقِرًّا فِي أَنْفُسِهِمْ. وَمَوْقِعُ هَذَا الظَّرْفِ مِمَّا قَبْلَهُ مَوْقِعُ مَعْنَى الصِّفَةِ لِلتَّفَكُّرِ. وَإِذْ قَدْ كَانَ التَّفَكُّرُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي النَّفْسِ فَذُكِرَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِتَقْوِيَةِ تَصْوِيرِ التَّفَكُّرِ وَهُوَ كَالصِّفَةِ الْكَاشِفَةِ لِتُقَرِّرَ مَعْنَى التَّفَكُّرِ عِنْدَ السَّامِعِ، كَقَوْلِهِ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] وَقَوْلِهِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَام: 38]، وَتَكُونُ جُمْلَةُ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إِلَخْ عَلَى هَذَا مُبَيِّنَةً لِجُمْلَةِ يَتَفَكَّرُوا إِذْ مَدْلُولُهَا هُوَ مَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ [الْأَعْرَاف: 184] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ يَتَفَكَّرُوا تَعَلُّقَ الْمَفْعُولِ بِالْفِعْلِ، أَيْ يَتَدَبَّرُوا وَيَتَأَمَّلُوا فِي أَنْفُسِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ الذَّوَاتُ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 21] فَإِنَّ حَقَّ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَتَحَقُّقَ الْبَعْثِ أَنْ يَبْدَأَ بِالنَّظَرِ فِي أَحْوَالِ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ قَالَ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 115] وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْأَعْرَاف: 185] أَيْ فِي دَلَالَةِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إِلَخْ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ أَنْفُسِهِمْ إِذِ الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: فِي دَلَالَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ دَلَالَةَ أَنْفُسِهِمْ تَشْتَمِلُ عَلَى دَلَالَةِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ لِأَنَّ أَنْفُسِهِمْ مَشْمُولَةٌ لِمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ وَدَالَّةٌ عَلَى مَا فِي الأَرْض، وَكَذَلِكَ يُطلق مَا فِي الْأَرْضِ دَالٌّ عَلَى خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ.

وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ وَقَعَ تَعْلِيقُ فَعْلِ يَتَفَكَّرُوا عَنِ الْعَمَلِ فِي مَفْعُولَيْنِ لِوُجُودِ النَّفْيِ

بَعْدَهُ. وَمعنى خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ: أَنَّ خَلْقَهُمْ مُلَابِسٌ لِلْحَقِّ.

وَالْحَقُّ هُنَا هُوَ مَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ حِكْمَةً لِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعِلَّةً لَهُ، وَحَقُّ كُلِّ مَاهِيَّةٍ وَنَوْعٍ هُوَ مَا يَحِقُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ مِنَ الْكَمَالِ فِي خَصَائِصِهِ وَأَنَّهُ بِهِ

ص: 52

حَقِيقٌ كَمَا يَقُولُ الْأَبُ لِابْنِهِ الْقَائِمِ بِبِرِّهِ: أَنْتَ ابْنِي حَقًّا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا تَعْرِيفَ النَّكِرَةِ بِلَامِ الْجِنْسِ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ فِي نَحْوِ: أَنْتَ الْحَبِيبُ، لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ فِي الْمَقَامِ الْخِطَابِيِّ يُؤْذِنُ بِكَمَالِهِ فِي صِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ حَقُّ كُلِّ نَوْعٍ بِالصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا قَابِلِيَّتُهُ، وَمَنْ يَنْظُرْ فِي الْقَابِلِيَّاتِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ يَجِدْ كُلَّ الْأَنْوَاعِ مَخْلُوقَةً عَلَى حُدُودٍ خَاصَّةٍ بِهَا إِذَا هِيَ بَلَغَتْهَا لَا تَقْبَلُ أَكْثَرَ مِنْهَا فَالْفَرَسُ وَالْبَقَرَةُ وَالْكَلْبُ الْكَائِنَاتُ فِي الْعُصُورِ الْخَالِيَةِ وَإِلَى زَمَنِ آدَمَ لَا تَتَجَاوَزُ الْمُتَأَخِّرَةُ مِنْ أَمْثَالِهَا حُدُودَهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فَهِيَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ تَجَارِبُ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ لِأَجْيَالِهَا الْحَاضِرَةِ، وَأَخْبَارُ النَّاسِ الْمَاضِينَ عَنِ الْأَجْيَالِ الْمُعَاصِرَةِ لَهَا، وَقِيَاسُ مَا كَانَ قَبْلَ أَزْمَانِ التَّارِيخِ عَلَى الْأَجْيَالِ الَّتِي انْقَرَضَتْ قَبْلَهَا حَاشَا نَوْعِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ اللَّهَ فَطَرَهُ بِقَابِلِيَّةٍ لِلزِّيَادَةِ فِي كَمَالَاتٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ تَجَدُّدِ الْأَجْيَالِ فِي الْكَمَالِ وَالِارْتِقَاءِ وَجَعَلَهُ السُّلْطَانَ عَلَى هَذَا الْعَالَمِ وَالْمُتَصَرِّفَ فِي أَنْوَاعِ مَخْلُوقَاتِ عَالَمِهِ كَمَا قَالَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الْبَقَرَة: 29] وَذَلِكَ بِمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنَ الْعَقْلِ. وَدَلَّتِ الْمُشَاهَدَةُ عَلَى تَفَاوُتِ أَفْرَادِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي كَمَالِ مَا يَصْلُحُ لَهُ تَفَاوُتًا مُتَرَامِيَ الْأَطْرَافِ، كَمَا قَالَ الْبُحْتُرِيُّ:

وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا

لَدَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ

فَدَلَّتِ التَّجْرِبَةُ فِي الْمُشَاهَدَةِ كَمَا دَلَّتِ الْأَخْبَارُ عَنِ الْمَاضِي وَقِيَاسُ مَا قَبْلَ التَّارِيخِ عَلَى مَا بَعْدَهُ، كُلُّ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّفَاوُتِ كَلَّفَ الْإِنْسَانَ خَالِقُهُ بِقَوَانِينَ لِيَبْلُغَ مُرْتَقَى الْكَمَالِ الْقَابِلَ لَهُ فِي زَمَانِهِ، مَعَ مُرَاعَاةِ مَا يُحِيطُ بِهِ مِنْ أَحْوَالِ زَمَانِهِ، وَلِيَتَجَنَّبَ إِفْسَادَ نَفْسِهِ وَإِفْسَادَ بَنِي نَوْعِهِ، وَقَدْ كَانَ مَا أُعْطِيَهُ نَوْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ شُعَبِ الْعَقْلِ مُخَوِّلًا إِيَّاهُ أَنْ يَفْعَلَ عَلَى حَسَبِ إِرَادَتِهِ وَشَهْوَتِهِ، وَأَنْ يَتَوَخَّى الصَّوَابَ أَوْ أَنْ لَا يَتَوَخَّاهُ، فَلَمَّا كَلَّفَهُ خَالِقُهُ بِاتِّبَاعِ قَوَانِينِ شَرَائِعِهِ ارْتَكَبَ وَاجْتَنَبَ فَالْتَحَقَ تَارَةً بِمَرَاقِي كَمَالِهِ، وَقَصَّرَ تَارَةً عَنْهَا قُصُورًا مُتَفَاوِتًا، فَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ لَا يُهْمَلَ مُسْتَرْسِلًا فِي خُطُوَاتِ الْقُصُورِ وَالْفَسَادِ، وَذَلِكَ إِمَّا بِتَسْلِيطِ قُوَّةٍ مُلْجِئَةٍ عَلَيْهِ تَسْتَأْصِلُ الْمُفْسِدَ وَتَسْتَبْقِي الْمُصْلِحَ، وَإِمَّا بِإِرَاضَتِهِ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاحِ حَتَّى يَصِيرَ مُنْسَاقًا إِلَى الصَّلَاحِ بِاخْتِيَارِهِ الْمَحْمُودِ، إِلَّا أَنَّ حِكْمَةً أُخْرَى رَبَّانِيَّةً اقْتَضَتْ بَقَاءَ عُمْرَانِ الْعَالَمِ وَعَدَمَ اسْتِئْصَالِهِ، وَبِذَلِكَ تَعَطَّلَ اسْتِعْمَالُ الْقُوَّةِ

ص: 53

الْمُسْتَأْصِلَةِ، فَتَعَيَّنَ

اسْتِعْمَالُ إِرَاضَتِهِ عَلَى الصَّلَاحِ، فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ الْحِكْمَتَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ ثَوَابًا لِلصَّالِحِينَ عَلَى قَدْرِ صَلَاحِهِمْ وَعِقَابًا لِلْمُفْسِدِينَ بِمِقْدَارِ عَمَلِهِمْ، وَاقِعًا ذَلِكَ كُلُّهُ فِي عَالَمٍ غَيْرِ هَذَا الْعَالَمِ، وَأَبْلَغَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ إِزَالَةً لِلْوَصْمَةِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى الْحِكْمَةِ، فَخَافَ فَرِيقٌ وَرَجَا فَارْتَكَبَ وَاجْتَنَبَ، وَأَعْرَضَ فَرِيقٌ وَنَأَى فَاجْتَرَحَ وَاكْتَسَبَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ آثَارِ هَاتِهِ الْحِكَمِ أَنْ لَا يُحْرَمَ الصَّالِحُ مِنْ ثَوَابِهِ، وَأَنْ لَا يَفُوتَ الْمُفْسِدُ بِمَا بِهِ لِيَظْهَرَ حَقُّ أَهْلِ الْكَمَالِ وَمَنْ دُونَهُمْ مِنَ الْمَرَاتِبِ، فَجَعَلَ اللَّهُ بَقَاءَ أَفْرَادِ النَّوْعِ فِي هَذَا الْعَالَمِ مَحْدُودًا بِآجَالٍ مُعَيَّنَةٍ وَجَعَلَ لِبَقَاءِ هَذَا الْعَالَمِ كُلِّهِ أَجَلًا مُعَيَّنًا، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ جَمِيعُ الْآجَالِ جَاءَ يَوْمُ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَتَمَيَّزَ أَهْلُ النَّقْصِ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ.

فَكَانَ جَعْلُ الْآجَالِ لِبَقَاءِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَقِّ الَّذِي خُلِقَتْ مُلَابِسَةً لَهُ، وَلِذَلِكَ نُبِّهَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى مَكَانِهِ، وَإِظْهَارًا أَنَّهُ الْمَقْصِدُ بِكِيَانِهِ، فَعَطَفَهُ عَلَى الْحَقِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، كَمَا عَطَفَ ضِدَّهُ عَلَى الْبَاطِلِ، فِي قَوْلِهِ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 115] فَقَالَ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى.

وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [73] قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ الْآيَةَ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ السَّمَاوَاتِ هُنَا أَنَّ فِي أَحْوَالِ السَّمَاوَاتِ مِنْ شَمْسِهَا وَكَوَاكِبِهَا وَمَلَائِكَتِهَا مَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَقِّ الَّذِي خُلِقَتْ مُلَابِسَةً لَهُ، أَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهَا الَّتِي لَا نَعْرِفُ نِسْبَةَ تَعَلُّقِهَا بِهَذَا الْعَالَمِ، فَنَكِلُ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ وَنَقِيسُ غَائِبَهُ عَلَى الشَّاهِدِ، فَنُوقِنُ بِأَنَّهُ مَا خُلِقَ إِلَّا بِالْحَقِّ كَذَلِكَ. فَشَوَاهِدُ حَقِّيَّةِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ بَادِيَةٌ فِي دَقَائِقِ خَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 115] .

وَالْمُسَمَّى: الْمُقَدَّرُ. أُطْلِقَتِ التَّسْمِيَةُ عَلَى التَّقْدِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي سُورَةِ الْحَجِّ [5] . وَعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى

ص: 54