المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 29] - التحرير والتنوير - جـ ٢١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 53 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 69]

- ‌30- سُورَة الرّوم

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 2 الى 5]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 44 إِلَى 45]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 48 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الرّوم (30) : آيَة 60]

- ‌31- سُورَةُ لُقْمَانَ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 2 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة لُقْمَان (31) : آيَة 34]

- ‌32- سُورَةُ السَّجْدَةِ

- ‌مِنْ أَغْرَاضِ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 15 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة السجده (32) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة السجده (32) : الْآيَات 28 إِلَى 30]

- ‌33- سُورَةُ الْأَحْزَابِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 12 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 18 الى 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 28 الى 29]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 30]

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 28 الى 29]

[28- 29]

[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 28 الى 29]

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)

يُسْتَخْلَصُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي «الْبَحْرِ

الْمُحِيطِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَنَّ وَجْهَ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرْضُ قُرَيْظَةَ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ أَرْضُ النَّضِيرِ قُبَيْلَ ذَلِكَ فَيْئًا لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم حَسِبَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ مِثْلَهُ مِثْلُ أَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ إِذَا وُسِّعَ عَلَيْهِمُ الرِّزْقُ تَوَسَّعُوا فِيهِ هُمْ وَعِيَالُهُمْ فَلَمْ يَكُنْ أَزْوَاجُ النَّبِيءِ عليه الصلاة والسلام يَسْأَلْنَهُ تَوْسِعَةً قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ النَّضِيرِ وَقَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخُمْسُ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَلَمَّا رَأَيْنَ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِنَفْسِهِ وَلِأَزْوَاجِهِ أَقْوَاتَهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَأَيْنَ وَفْرَةَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ حَسِبْنَ أَنَّهُ يُوَسِّعُ فِي الْإِنْفَاقِ فَصَارَ بَعْضُهُنَّ يَسْتَكْثِرْنَهُ مِنَ النَّفَقَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ لِحَفْصَةَ ابْنَتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:«لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيءَ وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ» . وَلَكِنَّ اللَّهَ أَقَامَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مُقَامًا عَظِيمًا فَلَا يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا إِلَّا بِمَا يَقْتَضِيهِ قِوَامُ الْحَيَاةِ وَقَدْ كَانَ

يَقُولُ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا»

وَقَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ»

. وَقَدْ بَيَّنْتُ وَجْهَ اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ فِي رِسَالَةٍ كَتَبْتُهَا فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ رِيَاضَةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام نَفْسَهُ بِتَقْلِيلِ الطَّعَامِ.

وَقَالَ عُمَرُ: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ خَالِصَةً يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً لِلْمُسْلِمِينَ» . وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَرْضَ قُرَيْظَةَ قُسِّمَتْ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَلَعَلَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا اتَّسَعَتْ أَرْزَاقُهُمْ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَمَّلَ أَزْوَاجُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُنَّ كَالْمُهَاجِرِينَ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَعَلِّمَهُنَّ سِيرَةَ الصَّالِحَاتِ فِي الْعَيْشِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُنَّ سَأَلْنَهُ أَشْيَاءَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا فَأَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْمُتَتَابِعَاتِ. وَهَذَا مِمَّا يُؤْذِنُ بِهِ

ص: 314

وَقْعُ هَذِهِ الْآيَاتِ عَقِبَ ذِكْرِ وَقْعَةِ قُرَيْظَةَ وَذِكْرِ الْأَرْضِ الَّتِي لم يطؤوها وَهِيَ أَرْضُ بَنِي النَّضِيرِ. وَإِذْ قَدْ كَانَ شَأْنُ هَذِهِ السِّيرَةِ أَنْ يَشُقَّ عَلَى غَالِبِ النَّاسِ وَخَاصَّةً النِّسَاءَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُوله صلى الله عليه وسلم أَن ينبىء أَزْوَاجَهُ بِهَا وَيُخَيِّرَهُنَّ عَنِ السَّيْرِ عَلَيْهَا تَبَعًا لِحَالِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُفَارِقَهُنَّ. لِذَا فَافْتِتَاحُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِنِدَاءِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا سَيُذْكَرُ بَعْدَ النِّدَاءِ لَهُ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِهِ وَهُوَ غَرَضُ تَحْدِيدِ سِيرَةِ أَزْوَاجِهِ مَعَهُ سِيرَةً تُنَاسِبُ مَرْتَبَةَ النُّبُوءَةِ، وَتَحْدِيدِ تَزَوُّجِهِ وَهُوَ الْغَرَضُ الثَّانِي مِنَ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ اتَّقِ اللَّهَ [الْأَحْزَاب: 1] .

وَالْأَزْوَاجُ الْمَعْنِيَّاتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُنَّ أَزْوَاجُهُ التِّسْعُ اللَّاتِي تُوُفِّيَ عَلَيْهِنَّ. وَهُنَّ:

عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ

الْهِلَالِيَّةُ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ الْعَامِرِيَّةُ الْقُرَشِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسْدِيَةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ النَّضِيرِيَّةُ. وَأَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ الْمُلَقَّبَةُ أُمَّ الْمَسَاكِينِ فَكَانَتْ مُتَوَفَّاةً وَقْتَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَمَعْنَى إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها: إِنْ كُنْتُنَّ تُؤْثِرْنَ مَا فِي الْحَيَاةِ مِنَ التَّرَفِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالطَّاعَاتِ وَالزُّهْدِ، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ يُقَدَّرُ صَالِحًا لِلْعُمُومِ إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى إِرَادَةِ شَأْنٍ خَاص من شؤون الدُّنْيَا. وَهَذِهِ نُكْتَةُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ تُرِدْنَ إِلَى اسْمِ ذَاتِ الْحَياةَ دُونَ حَال من شؤونها.

وَعَطْفُ زِينَتَها عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ، وَفِي عَطْفِهِ زِيَادَةُ تَنْبِيهٍ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ الْمَحْذُوفَ عَامٌّ، وَأَيْضًا فَفِعْلُ تُرِدْنَ يُؤْذِنُ بِاخْتِيَارِ شَيْءٍ عَلَى غَيْرِهِ فَالْمَعْنَى: إِنَّ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الانغماس فِي شؤون الدُّنْيَا، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى هَذَا مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

ص: 315

وَ (تَعالَيْنَ) : اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ بِمَعْنَى: أَقْبِلْنَ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ تَمْثِيلًا لِحَالِ تَهَيُّؤِ الْأَزْوَاجِ لِأَخْذِ التَّمْتِيعِ وَسَمَاعِ التَّسْرِيحِ بِحَالِ مَنْ يَحْضُرُ إِلَى مَكَانِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى (تَعَالَ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [61] .

وَالتَّمْتِيعُ: أَنْ يُعْطِيَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ حِينَ يُطَلِّقُهَا عَطِيَّةً جَبْرًا لِخَاطِرِهَا لِمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنَ الِانْكِسَارِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُفَصَّلًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [236] . وَجُزِمَ أُمَتِّعْكُنَّ فِي جَوَاب فَتَعالَيْنَ وَهُوَ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ وَلَيْسَ أَمْرًا صَرِيحًا فَجَزْمُ جَوَابِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَجِيءَ بِهِ مَجْزُومًا لِيَكُونَ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ فَيُفِيدَ حُصُولَ التَّمْتِيعِ بِمُجَرَّدِ إِرَادَةِ إِحْدَاهُنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا.

وَالسَّرَاحُ: الطَّلَاقُ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِيَغِهِ، قَالَ تَعَالَى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الْبَقَرَة: 231] .

وَالْجَمِيلُ: الْحَسَنُ حُسْنًا بِمَعْنَى الْقَبُولِ عِنْدَ النَّفْسِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ دُونَ غَضَبٍ وَلَا كَرَاهِيَةٍ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مُرَاعًى فِيهِ اجْتِنَابُ تَكْلِيفِ الزَّوْجَةِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهَا. وَلَيْسَ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مِنْ قَبِيلِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إِلَى الزَّوْجَةِ، وَإِنَّمَا هَذَا تَخْيِيرُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَكُونُ اخْتِيَارُهَا أَحَدَهُمَا دَاعِيًا زَوْجَهَا لِأَنْ يُطَلِّقَهَا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ.

وَمَعْنَى وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُنَّ تُؤْثِرْنَ اللَّهَ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، أَيْ:

تُؤْثِرْنَ رِضَى اللَّهِ لِمَا يُرِيدُهُ لِرَسُولِهِ، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَإِرْضَاءُ اللَّهِ: فِعْلُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَقَرَّبُ إِلَيْهِ، فَتَعْدِيَةُ فِعْلِ تُرِدْنَ إِلَى اسْمِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَقْدِيرٍ تَقْتَضِيهِ صِحَّةُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِاسْمِ ذَاتٍ لِأَنَّ الذَّاتَ لَا تُرَادُ حَقِيقَةً فَوَجَبَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ وَلَزِمَ أَنْ يُقَدَّرَ عَامًّا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَإِرَادَةُ رِضَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرٍ، أَيْ: كُلَّ مَا يُرْضِي الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام، وَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يَبْقَيْنَ فِي عِشْرَتِهِ طَيِّبَاتِ الْأَنْفُسِ.

ص: 316

وَإِرَادَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ: إِرَادَةُ فَوْزِهَا، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ أَيْضًا، فَأُسْلُوبُ الْكَلَامِ جَرَى عَلَى إِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِالْأَعْيَانِ وَهُوَ أُسْلُوبٌ يَقْتَضِي تَقْدِيرًا فِي الْكَلَامِ مِنْ قَبِيلِ دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ. وَفِي حَذْفِ الْمُضَافَاتِ وَتَعْلِيقِ الْإِرَادَةِ بِأَسْمَاءِ الْأَعْيَانِ الثَّلَاثَةِ مَقْصِدُ أَنْ تَكُونَ الْإِرَادَة مُتَعَلقَة بشؤون الْمُضَافِ إِلَيْهِ الَّتِي تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ذَاتِهِ مَعَ قَضَاءِ حَقِّ الْإِيجَازِ بَعْدَ قَضَاءِ حَقِّ الْإِعْجَازِ. فَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُنَّ تُؤْثِرْنَ مَا يُرْضِي اللَّهَ وَيُحِبُّهُ رَسُولُهُ وَخَيْرَ الدَّارِ الْآخِرَةِ فَتَخْتَرْنَ ذَلِكَ عَلَى مَا يُشْغِلُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مُقَابَلَةُ إِرَادَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ بِإِرَادَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ تَقْتَضِي إِرَادَتَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَ إِحْدَاهُمَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى، فَإِنَّ التَّعَلُّقَ بِالدُّنْيَا يَسْتَدْعِي الِاشْتِغَالَ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَة من شؤون الدُّنْيَا لَا مَحِيصَ مِنْ أَنْ تُلْهِيَ صَاحِبَهَا عَنِ الِاشْتِغَالِ بِأَشْيَاءَ عَظِيمَة من شؤون مَا يُرْضِي اللَّهَ وَمَا يُرْضِي رَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام وَعَنِ التَّمَلِّي مِنْ أَعْمَالٍ كَثِيرَةٍ مِمَّا يُكْسِبُ الْفَوْزَ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تَرْتَقِيَ النَّفْسُ الْإِنْسَانِيَّةُ إِلَى مَرَاتِبِ الْمَلَكِيَّةِ وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَبْتَغِي أَنْ يَكُونَ أَقْرَبُ النَّاس إِلَيْهِ وأعلقهم بِهِ سَائِرًا عَلَى طَرِيقَتِهِ لِأَنَّ طَرِيقَتَهُ هِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لَهُ. وَبِمِقْدَارِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ يَكْثُرُ الْفَوْزُ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ، فَالنَّاسُ مُتَسَابِقُونَ فِي هَذَا الْمِضْمَارِ وَأَوْلَاهُمْ بِقَصَبِ السَّبْقِ فِيهِ أَشَدُّهُمْ تَعَلُّقًا بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِمَمُ أَفَاضِلِ السَّلَفِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ أَزْوَاجُ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَقَدْ ذَكَّرَهُنَّ اللَّهُ تَذْكِيرًا بَدِيعًا بِقَوْلِهِ:

وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الْأَحْزَاب: 34] كَمَا سَيَأْتِي.

وَلَمَّا كَانَتْ إِرَادَتُهُنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ مُقْتَضِيَةً عَمَلَهُنَّ الصَّالِحَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مُتَفَاوِتًا، وَجَعَلَ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ بِالْإِحْسَانِ فَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً لِيَعْلَمْنَ أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ حَاصِلٌ لَهُنَّ عَلَى قَدْرِ إِحْسَانِهِنَّ فَهَذَا وَجْهُ ذِكْرِ وَصْفِ الْمُحْسِنَاتِ وَلَيْسَ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ. وَفِي ذِكْرِ الْإِعْدَادِ إِفَادَةُ الْعِنَايَةِ بِهَذَا الْأَجْرِ وَالتَّنْوِيهُ بِهِ زِيَادَةً

عَلَى وَصْفِهِ بِالْعَظِيمِ.

وَتَوْكِيدُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ بِحَرْفِ إِنْ الَّذِي لَيْسَ هُوَ لِإِزَالَةِ التَّرَدُّدِ إِظْهَارٌ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا

ص: 317