الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَذَابِ عَلَى فِعْلِهِمْ، أَوْ تَشْبِيهًا إِيَّاهُمْ فِي عِنَادِهِمْ وَكَيْدِهِمْ بِالْعَالَمِ بِالْجَزَاءِ السَّاعِي إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ.
وَالْجَزَاءُ: الثَّوَابُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِعْلُ جَزَى أَنْ يَكُونَ فِي الْخَيْرِ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ سَبَبِ الْجَزَاءِ وَهُوَ بِصِدْقِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَزَاءُ إِحْسَانٍ، وَقَدْ جَاءَ الْجَزَاءُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [93] . وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ
فِي مَقَامِ إِضْمَارِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عَظَمَةِ الْجَزَاءِ.
وَتَعْلِيقُ التَّعْذِيبِ عَلَى الْمَشِيئَةِ تَنْبِيهٌ لَهُمْ بِسَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ رَجَاءَهُمْ فِي السَّعْيِ إِلَى مَغْفِرَةِ مَا أَتَوْهُ بِأَنْ يَتُوبُوا فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا قَابَلَ تَعْذِيبَهُ إِيَّاهُمْ بِتَوْبَتِهِ عَلَيْهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّ التَّعْذِيبَ بَاقٍ عِنْدَ عَدَمِ تَوْبَتِهِمْ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النِّسَاء: 48] . وَالتَّوْبَةُ هُنَا هِيَ التَّوْبَةُ مِنَ النِّفَاقِ، أَيْ: هِيَ إِخْلَاصُ الْإِيمَانِ، وَقَدْ تَابَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ ذَلِكَ، مِنْهُمْ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيٌرٍ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً تَعْلِيلٌ لِلْجَزَاءِ وَالتَّعْذِيبِ كِلَيْهِمَا عَلَى التَّوْزِيعِ، أَيْ غَفُورٌ لِلْمُذْنِبِ إِذَا أَنَابَ إِلَيْهِ، رَحِيمٌ بِالْمُحْسِنِ أَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى قَدْرِ نَصَبِهِ.
وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ كانَ إِفَادَةُ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ صِفَتَانِ ذَاتِيَّتَانِ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا فِي أَوَّلِ سُورَة يُونُس [2] .
[25]
[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 25]
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً [الْأَحْزَاب: 9] وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْآيَاتِ بَعْدَهَا، أَي أرسل الله عَلَيْهِمْ رِيحًا وَرَدَّهُمْ، أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا [الْأَحْزَاب: 20] ، أَيْ: يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ الْأَحْزَابَ فَذَهَبُوا.
وَالرَّدُّ: الْإِرْجَاعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فَإِنَّ رَدَّهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ نِعْمَةِ إِرْسَالِ الرِّيحِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ أَعْمَلُ فِي اطْمِئْنَانِ الْمُسْلِمِينَ.
وَعَبَّرَ عَنِ الْأَحْزَابِ بِالَّذِينَ كَفَرُوا لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ هُوَ سَبَبُ خَيْبَتِهِمُ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ.
وَالْبَاءُ فِي بِغَيْظِهِمْ لِلْمُلَابَسَةِ، وَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ: رَدَّهُمْ مَغِيظِينَ.
وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ دُونَ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ هَذَا الرَّدِّ الْعَجِيبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الْأَحْزَاب: 24] .
وَالْغَيْظُ: الْحَنْقُ وَالْغَضَبُ، وَكَانَ غَضَبُهُمْ عَظِيمًا يُنَاسِبُ حَالَ خَيْبَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَجَشَّمُوا كُلْفَةَ التَّجَمُّعِ وَالْإِنْفَاقِ وَطُولِ الْمُكْثِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِلَا طَائِلٍ وَخَابَتْ آمَالُهُمْ فِي فَتْحِ الْمَدِينَةِ وَأَكْلِ ثِمَارِهَا وَإِفْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهَا مُنَازَلَةُ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، ثُمَّ غَاظَهُمْ مَا لَحِقَهُمْ مِنَ النَّكْبَةِ بِالرِّيحِ وَالِانْهِزَامِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفُوا سَبَبَهُ.
وَجُمْلَةُ لَمْ يَنالُوا خَيْراً حَالٌ ثَانِيَةٌ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ لَمْ يَنالُوا خَيْراً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ مُوجِبِ غَيْظِهِمْ.
وكَفَى بِمَعْنَى أَغْنَى، أَيْ: أَرَاحَهُمْ مِنْ كُلْفَةِ الْقِتَالِ بِأَنْ صَرَفَ الْأَحْزَابَ.
وكَفَى بِهَذَا الْمَعْنَى تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ يُقَالُ: كَفَيْتُكَ مُهِمَّكَ وَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي تُزَادُ الْبَاءُ فِي مَفْعُولِهَا فَتِلْكَ بِمَعْنَى: حَسْبُ.
وَفِي قَوْلِهِ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ حَذْفُ مُضَافٍ، أَيْ كُلْفَةَ الْقِتَالِ، أَوْ أَرْزَاءَ الْقِتَالِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ بِحَاجَةٍ إِلَى تَوْفِيرِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ بَعْدَ مُصِيبَةِ يَوْمِ أُحُدٍ وَلَوِ الْتَقَوْا مَعَ جَيْشِ الْمُشْرِكِينَ لَكَانَتْ أَرْزَاؤُهُمْ كَثِيرَةً وَلَوِ انْتَصَرُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَالْقَوْلُ فِي إِظْهَارِ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ كَالْقَوْلِ فِي وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ.