الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَصْلُ (كَيْفَ) أَنْ يُسْتَفْهَمَ بِهِ عَنِ الْحَالِ فَلَمَّا اسْتُعْمِلَ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِ أَخْذِهِمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ حَالُهُمْ مَعْرُوفًا، أَيْ يَعْرِفُهُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم وَكُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ أَخْبَارُهُمْ فَعَلَى تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ الْمَشْهُورَةِ بُنِيَ التَّعْجِيبُ.
وَالنَّكِيرُ: اسْمٌ لِشِدَّةِ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْعِقَابِ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَسْتَلْزِمُ الْجَزَاءَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ بِالْعِقَابِ.
وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا وَلِرِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ الْفَوَاصِلَ يعْتَبر فِيهَا الْوَقْت، وَتَقَدَّمَ فِي سَبَأٍ.
[27]
[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها.
اسْتِئْنَافٌ فِيهِ إِيضَاحُ مَا سَبَقَهُ مِنِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَبُولِ الْهُدَى وَرَفْضِهِ بِسَبَبِ مَا تَهَيَّأَتْ خِلْقَةُ النُّفُوسِ إِلَيْهِ لِيَظْهَرَ بِهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْأَصْنَافِ وَالْأَنْوَاعِ نَامُوسٌ جَبَلِيٌّ فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَخْلُوقَاتِ هَذَا الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ.
وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِيَدْفَعَ عَنْهُ اغْتِمَامَهُ مِنْ مُشَاهَدَةِ عَدَمِ انْتِفَاعِ الْمُشْرِكِينَ بِالْقُرْآنِ.
وَضُرِبَ اخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ فِي أَفْرَادِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ، فَكَانَ هَذَا الِاسْتِئْنَافُ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّقْرِيبِ مِمَّا تَشْرَئِبُّ إِلَيْهِ الْأَفْهَامُ عِنْدَ سَمَاعِ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ [فاطر: 22] .
وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَجَاءَ التَّقْرِيرُ عَلَى النَّفْيِ عَلَى مَا هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ كَمَا بَيَّنَّاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [148] وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى.
وَضَمِيرُ فَأَخْرَجْنا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ.
وَالْأَلْوَانُ: جَمْعُ لَوْنٍ وَهُوَ عَرَضٌ، أَيْ كَيْفِيَّةٌ تَعْرِضُ لِسُطُوحِ الْأَجْسَامِ يُكَيِّفُهُ النُّورُ كَيْفِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةً عَلَى اخْتِلَافِ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا عِنْدَ انْعِكَاسِهَا إِلَى عَدَسَاتِ الْأَعْيُنِ
مِنْ شِبْهِ الظُّلْمَةِ وَهُوَ لَوْنُ السَّوَادِ وَشِبْهِ الصُّبْحِ هُوَ لَوْنُ الْبَيَاضِ، فَهُمَا الْأَصْلَانِ لِلْأَلْوَانِ، وَتَنْشَقُّ مِنْهَا أَلْوَانٌ كَثِيرَةٌ وُضِعَتْ لَهَا أَسْمَاءٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَتَشْبِيهِيَّةٌ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [69] ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاعْتِبَارِ هُوَ اخْتِلَافُ أَلْوَانِ الْأَصْنَافِ مِنَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ كَاخْتِلَافِ أَلْوَانِ التُّفَّاحِ مَعَ أَلْوَانِ السَّفَرْجَلِ، وَأَلْوَانِ الْعِنَبِ مَعَ أَلْوَانِ التِّينِ، وَاخْتِلَافِ أَلْوَانِ الْأَفْرَادِ مِنَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ تَارَاتٍ كَاخْتِلَافِ أَلْوَانِ التُّمُورِ وَالزَّيْتُونِ وَالْأَعْنَابِ وَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ.
وَذِكْرُ إِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ إِدْمَاجٌ فِي الْغَرَضِ لِلِاعْتِبَارِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنِ اتِّحَادِ أَصْلِ نَشْأَةِ الْأَصْنَافِ وَالْأَنْوَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [الرَّعْد: 4] وَذَلِكَ أَرْعَى لِلِاعْتِبَارِ.
وَجِيءَ بِالْجُمْلَتَيْنِ الْفِعْلِيَّتَيْنِ فِي أَنْزَلَ وَ «أَخْرَجْنَا» لِأَنَّ إِنْزَالَ الْمَاءِ وَإِخْرَاجَ الثَّمَرَاتِ مُتَجَدِّدٌ آنًا فَآنًا.
وَالِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ وَقَوْلِهِ: «أَخْرَجْنَا» لِأَنَّ الِاسْمَ الظَّاهِرَ أَنْسَبُ بِمَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ الِاسْمُ الْجَامِعُ لِمَعَانِي الصِّفَاتِ.
وَضَمِيرُ التَّكَلُّمِ أَنْسَبُ بِمَا فِيهِ امْتِنَانٌ.
وَقُدِّمَ الِاعْتِبَارُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الثَّمَرَاتِ لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِهَا سَعَةً تُشْبِهُ سَعَةَ اخْتِلَافِ
النَّاسِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَدَارِكِ وَالْعَقَائِدِ.
. وَجُرِّدَ مُخْتَلِفاً مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ مَعَ أَنَّ فَاعِلَهُ جَمْعٌ وَشَأْنُ النَّعْتِ السَّبَبِيِّ أَنْ يُوَافِقَ مرفوعه فِي التَّذَكُّر وَضِدِّهِ وَالْإِفْرَادِ وَضِدِّهِ، وَلَا يُوَافِقُ فِي ذَلِكَ مَنْعُوتَهُ،
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَاعِلُ جَمْعًا لِمَا لَا يَعْقِلُ وَهُوَ الْأَلْوَانُ كَانَ حَذْفُ التَّاءِ فِي مِثْلِهِ جَائِزًا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَآثَرَهُ الْقُرْآنُ إِيثَارًا لِلْإِيجَازِ.
وَالْمُرَادُ بِالثَّمَرَاتِ: ثَمَرَاتُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ وَغَيْرِهَا، فَثَمَرَاتُ النَّخِيلِ أَكْثَرُ الثَّمَرَاتِ أَلْوَانًا، فَإِنَّ أَلْوَانَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَطْوَارِهَا، فَمِنْهَا الْأَخْضَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ.
وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ فَهِيَ مِثْلُهَا مُسْتَأْنَفَةٌ، وَعَطْفُهَا عَلَيْهَا لِلْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ.
وجُدَدٌ مُبْتَدَأٌ وَمِنَ الْجِبالِ خَبَرُهُ. وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ لِلِاهْتِمَامِ وَلِلتَّشْوِيقِ لِذِكْرِ الْمُبْتَدَأِ حَثًّا عَلَى التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ.
ومِنَ تَبْعِيضِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى: وَبَعْضُ تُرَابِ الْجِبَالِ جُدَدٌ، فَفِي الْجَبَلِ الْوَاحِدِ تُوجَدُ جُدَدٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْجُدَدِ بَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْجِبَالِ وَبَعْضٌ آخَرُ فِي بَعْضٍ آخَرَ.
وجُدَدٌ: جَمْعُ جُدَّةٍ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالْخُطَّةُ فِي الشَّيْءِ تَكُونُ وَاضِحَةً فِيهِ. يُقَالُ لِلْخُطَّةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي عَلَى ظَهْرِ الْحِمَارِ جُدَّةٌ، وَلِلظَّبْيِ جُدَّتَانِ مِسْكِيَّتَا اللَّوْنِ تَفْصِلَانِ بَيْنَ لَوْنَيْ ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ، وَالْجُدَدُ الْبِيضُ الَّتِي فِي الْجِبَالِ هِيَ مَا كَانَتْ صُخُورًا بَيْضَاءَ مِثْلَ الْمَرْوَةِ، أَوْ كَانَتْ تَقْرُبُ مِنَ الْبَيَاضِ فَإِنَّ مِنَ التُّرَابِ مَا يَصِيرُ فِي لون الأصهب فَيُقَالُ:
تُرَابٌ أَبْيَضُ، وَلَا يَعْنُونَ أَنَّهُ أَبْيَضُ كَالْجِيرِ وَالْجِصِّ بَلْ يَعْنُونَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِغَالِبِ أَلْوَانِ التُّرَابِ، وَالْجُدَدُ الْحُمْرُ هِيَ ذَاتُ الْحِجَارَةِ الْحَمْرَاءِ فِي الْجِبَالِ.
وغَرابِيبُ جَمْعُ غِرْبِيبٍ، وَالْغِرْبِيبُ: اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْأَسْوَدِ الْحَالِكِ سَوَادُهُ، وَلَا تُعْرَفُ لَهُ مَادَّةٌ مُشْتَقٌّ هُوَ مِنْهَا، وَأَحْسَبُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَامِدِ، وَهُوَ الْغُرَابُ لِشُهْرَةِ الْغُرَابِ بِالسَّوَادِ.
وسُودٌ جَمْعُ أَسْوَدَ وَهُوَ الَّذِي لَوْنُهُ السَّوَادُ.