الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ كَرَمِهِ، وَهُوَ مُضَاعَفَةُ الْحَسَنَاتِ الْوَارِدَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [الْبَقَرَة: 261] الْآيَةَ.
وَذُيِّلَ هَذَا الْوَعْدُ بِمَا يُحَقِّقُهُ وَهُوَ أَنَّ الْغُفْرَانَ وَالشُّكْرَانَ مِنْ شَأْنِهِ، فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِهِ الْغَفُورَ الشَّكُورَ، أَيِ الْكَثِيرَ الْمَغْفِرَةِ وَالشَّدِيدَ الشُّكْرِ.
فَالْمَغْفِرَةُ تَأْتِي عَلَى تَقْصِيرِ الْعِبَادِ الْمُطِيعِينَ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ الْحَقَّ الَّتِي هِيَ بِالْقَلْبِ وَالْعَمَلِ وَالْخَوَاطِرِ لَا يَبْلُغُ حَقَّ الْوَفَاءِ بِهَا إِلَّا الْمَعْصُومُ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنِ الْأُمَّةِ فِيمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، وَفِيمَا هَمَّتْ بِهِ وَلَمْ تَفْعَلْهُ، وَفِي اللَّمَمِ، وَفِي مَحْوِ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ بِالتَّوْبَةِ، وَالشُّكْرُ كِنَايَةٌ عَنْ مُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ عَلَى أَعْمَالهم فَهُوَ شكر بِالْعَمَلِ لِأَنَّ الَّذِي يُجَازِي عَلَى عَمَلٍ الْمَجْزِيُّ بِجَزَاءٍ وَافِرٍ يَدُلُّ جَزَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ حَمِدَ لِلْفَاعِلِ فِعْلَهُ.
وَأُكِّدَ هَذَا الْخَبَرُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ زِيَادَةً فِي تَحْقِيقِهِ، وَلِمَا فِي التَّأْكِيدِ مِنَ الْإِيذَانِ بِكَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً لِتَوْفِيَةِ الْأُجُورِ وَالزِّيَادَةِ فِيهَا.
وَفِي الْآيَةِ مَا يَشْمَلُ ثَوَابَ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ يَصْدُقُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَلَوْ لَمْ يُصَاحِبْهُمُ التَّدَبُّرُ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ لِلتِّلَاوَةِ حَظَّهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالتَّنَوُّرِ بِأَنْوَارِ كَلَامِ اللَّهِ.
[31]
[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ.
لَمَّا كَانَ الْمُبْدَأُ بِهِ مِنْ أَسْبَابِ ثَوَابِ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ تِلَاوَتُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ أُعْقِبَ التَّنْوِيهُ بِهِمْ بِالتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ لِلتَّذْكِيرِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِي التَّذْكِيرِ بِجَلَالِ الْقُرْآنِ وَشَرَفِهِ إِيمَاءً إِلَى عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِ الَّذِينَ يَتْلُونَهُ مَا اسْتَحَقُّوا. وَابْتُدِئَ التَّنْوِيهُ بِهِ بِأَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى رَسُولِهِ، وَنَاهِيكَ بِهَذِهِ الصِّلَةِ تَنْوِيهًا بِالْكِتَابِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ:
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، فَفِي هَذَا مَسَرَّةٌ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَبِشَارَةٌ لَهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الرُّسُلِ وَأَنَّ كِتَابَهُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ.
وَهَذِهِ نُكْتَةُ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ كَوْنِهِ الْحَقَّ الْكَامِلَ، دُونَ الْإِضْمَارِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِأَنْ يُقَالَ: وَهُوَ الْكِتَابُ الْحَقُّ.
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْكِتابِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ.
ومِنَ بَيَانِيَّةٌ لِمَا فِي الْمَوْصُولِ مِنَ الْإِبْهَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْكِتَابُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هُوَ الْحَقُّ. فَقُدِّمَ الْمَوْصُولُ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يَقَعَ صِفَةً لِلْكِتَابِ تَقْدِيمًا لِلتَّشْوِيقِ بِالْإِبْهَامِ لِيَقَعَ بَعْدَهُ التَّفْصِيلُ فَيَتَمَكَّنَ مِنَ الذِّهْنِ فَضْلَ تَمَكُّنٍ.
فَجُمْلَةُ وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ [فاطر: 29] فَهِيَ مِثْلُهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِئْنَافِ.
وَضَمِيرُ هُوَ ضَمِيرُ فَصْلٍ، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا أَفَادَهُ تَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ مِنَ الْقَصْرِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْحَقُّ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَأَفَادَ تَعْرِيفُ الْجُزْأَيْنِ قَصْرَ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ، أَيْ قَصْرَ جِنْسِ الْحَقِّ عَلَى الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَهُوَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِحَقِّيَّةِ مَا عَدَاهُ من الْكتب.
فَأَما الْكُتُبِ غَيْرُ الْإِلَهِيَّةِ مِثْلُ (الزَّنْدِ فِسْتَا) كِتَابِ (زِرَادِشْتَ) وَمِثْلُ كُتُبِ الصَّابِئَةِ فَلِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ قَلِيلِ الْحَقِّ قَدْ غُمِرَ بِالْبَاطِلِ وَالْأَوْهَامِ.
وَأَمَّا الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ كَالزَّبُورِ وَكِتَابِ أَرْمِيَا مِنَ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ، فَمَا شَهِدَ الْقُرْآنُ بِحَقِّيَّتِهِ فَقَدْ دَخَلَ فِي شَهَادَةِ قَوْلِهِ: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا جَاءَ نَسْخُهُ بِالْقُرْآنِ فَقَدْ بَيَّنَ النَّسْخُ تَحْدِيدَ صَلَاحِيَّتِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَذَلِكَ أَيْضًا
تَصْدِيقٌ لَهَا لِأَنَّهُ يَدْفَعُ مَوْهِمَ بُطْلَانِهَا عِنْدَ مَنْ يَجِدُ خِلَافَهَا فِي الْقُرْآنِ وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ نُقِلَ عَلَى تَحْرِيفٍ أَوْ تَأْوِيلٍ فَقَدْ دَخَلَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْقَصْرُ. وَقَدْ بَيَّنَ الْقُرْآنُ مُعْظَمَهُ وَكَشَفَ عَنْ مَوَاقِعِهِ كَقَوْلِهِ: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ [الْبَقَرَة: 85] .
وَمَعْنَى «مَا بَيْنَ يَدَيْهِ» مَا سَبَقَهُ لِأَنَّ السَّابِقَ يَجِيءُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَسْبُوقِ فَكَأَنَّهُ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [سبأ: 46] .