المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة فاطر (35) : آية 40] - التحرير والتنوير - جـ ٢٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 45 الى 46]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 73]

- ‌34- سُورَةُ سَبَأٍ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 54]

- ‌35- سُورَةُ فَاطِرٍ

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 19 الى 23]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 45]

- ‌36- سُورَةُ يس

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 20 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

الفصل: ‌[سورة فاطر (35) : آية 40]

وَالْمَقْتُ: الْبُغْضُ مَعَ خِزْيٍ وَصَغَارٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [22] ، أَيْ يَزِيدُهُمْ مَقْتُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَمَقْتُ اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِهِ وَهُوَ إِمْسَاكُ لُطْفِهِ عَنْهُمْ وَجَزَاؤُهُمْ بِأَشَدِّ الْعِقَابِ.

وَتَرْكِيبُ جُمْلَةِ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً تَرْكِيبٌ عَجِيبٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا قَبْلَ الْكُفْرِ مَمْقُوتِينَ عِنْدَ اللَّهِ فَلَمَّا كَفَرُوا زَادَهُمْ كُفْرُهُمْ مَقْتًا عِنْدَهُ، فِي حَالِ أَنَّ الْكُفْرَ هُوَ سَبَبُ مَقْتِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكْفُرُوا لَمَا مَقَتَهُمُ اللَّهُ. فَتَأْوِيلُ

الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَمَّا وُصِفُوا بِالْكُفْرِ ابْتِدَاءً ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّ كُفْرَهُمْ يَزِيدُهُمْ مَقْتًا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِكُفْرِهِمُ الثَّانِي الدَّوَامُ عَلَى الْكُفْرِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَكَبَّرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُشَاقُّونَهُمْ وَيُؤَيِّسُونَهُمْ مِنَ الطَّمَاعِيَّةِ فِي أَنْ يَقْبَلُوا الْإِسْلَامَ بِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ دِينَ آبَائِهِمْ، وَيَحْسَبُونَ ذَلِكَ مَقْتًا مِنْهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَجَازَاهُمُ اللَّهُ بِزِيَادَةِ الْمَقْتِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ [غَافِر: 10]، يَعْنِي: يُنَادَوْنَ فِي الْمَحْشَرِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً.

وَالْخَسَارُ: مَصْدَرُ خَسِرَ مِثْلُ الْخَسَارَةِ، وَهُوَ: نُقْصَانُ التِّجَارَةِ. وَاسْتُعِيرَ لِخَيْبَةِ الْعَمَلِ شَبَّهَ عَمَلَهُمْ فِي الْكُفْرِ بِعَمَلِ التَّاجِرِ وَالْخَاسِرِ، أَيِ الَّذِي بَارَتْ سِلْعَتُهُ فَبَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ فَأَصَابَهُ الْخَسَارُ فَكُلَّمَا زَادَ بَيْعًا زَادَتْ خَسَارَتُهُ حَتَّى تُفْضِيَ بِهِ إِلَى الْإِفْلَاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا فِي سُورَة الْبَقَرَة.

[40]

[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَاّ غُرُوراً (40)

لَمْ يَزَلِ الْكَلَامُ مُوَجَّهًا لِخِطَابِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم.

وَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ وَتَعَنُّتِهِمْ وَحُسْبَانِ أَنَّهُمْ مَقَتُوا الْمُسْلِمِينَ عَادَ إِلَى الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ فِي بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ آلِهَتِهِمْ بِحُجَّةِ أَنَّهَا لَا يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ يَدَّعِي

ص: 323

أَنَّهَا خَلَقَتْهُ، وَلَا فِي السَّمَاوَاتِ شَيْءٌ لَهَا فِيهِ شِرْكٌ مَعَ اللَّهِ فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحَاجَّهُمْ وَيُوَجِّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِمْ بِانْتِفَاءِ صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ أَصْنَامِهِمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَفَى اسْتِحْقَاقَهَا لِعِبَادَتِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تَرْزُقُهُمْ كَمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ اللَّهُ التَّصَرُّفَ فِي مَظَاهِرِ الْأَحْدَاثِ الْجَوِّيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ [فاطر: 9]، وَذَكَّرَهُمْ بِخَلْقِهِمْ وَخَلْقِ أَصْلِهِمْ وَقَالَ عَقِبَ ذَلِكَ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ [فاطر: 13] الْآيَةَ عَادَ إِلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ.

وَبُنِيَتِ الْحُجَّةُ عَلَى مُقَدِّمَةِ مُشَاهَدَةِ انْتِفَاءِ خَصَائِصِ الْإِلَهِيَّةِ عَنِ الْأَصْنَامِ، وَهِيَ خُصُوصِيَّةِ خَلْقِ الْمَوْجُودَاتِ وَانْتِفَاءِ الْحُجَّةِ النَّقْلِيَّةِ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ يَعْنِي: إِنْ كُنْتُمْ رَأَيْتُمُوهُمْ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَّا الْإِقْرَارَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُقُوا شَيْئًا.

وَالْمُسْتَفْهَمُ عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ هُوَ أَحْوَالُ الْمَرْئِيِّ وَإِنَاطَةُ الْبَصَرِ بِهَا، أَيْ أَنَّ أَمْرَ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ وَاضِحٌ بَادٍ لِكُلِّ مَنْ يَرَاهُ كَقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الماعون: 1، 2] وَقَوْلِهِ: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ [الْإِسْرَاء: 62] إِلْخَ.. وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِكَلَامٍ يَأْتِي بَعْدَهُ يَكُونُ هُوَ كَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ أَوِ الْإِيضَاحِ لَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيُؤَوَّلُ مَعْنَاهُ بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ كَلَامٍ بَعْدَهُ، فَفِي قَوْلِهِ هُنَا: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ تَمْهِيدٌ لِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمُ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ خَلَقَهُ شُرَكَاؤُهُمْ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ انْظُرُوا مَا تُخْبِرُونَنِي بِهِ مِنْ أَحْوَالِ خَلْقِهِمْ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ، فَحَصَلَ فِي قَوْلِهِ: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ إِجْمَالٌ فَصَّلَهُ قَوْلُهُ:

أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ أَوْ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ.

وَالْمُرَادُ بِالشُّرَكَاءِ مَنْ زَعَمُوهُمْ شُرَكَاءَ اللَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَلِذَلِكَ أُضِيفَ الشُّرَكَاءُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ، أَيِ الشُّرَكَاءِ عِنْدَكُمْ، لِظُهُورِ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَصْنَامَ شُرَكَاءُ مَعَ الْمُخَاطَبِينَ بِشَيْءٍ فَتَمَحَّضَتِ الْإِضَافَةُ لِمَعْنَى مُدَّعِيكُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ.

وَالْمَوْصُولُ وَالصِّلَةُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ فِي تِلْكَ الدَّعْوَةِ كَقَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:

ص: 324

إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكُمْ

يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمُ أَنْ تُصْرَعُوا

وَقَرِينَةُ التَّخْطِئَةِ تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ لِلتَّعْجِيزِ إِذْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرَوْهُ شَيْئًا خَلَقَتْهُ الْأَصْنَامُ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ التَّعْجِيزِيُّ فِي قُوَّةِ نَفْيِ أَنْ خَلَقُوا شَيْئًا مَا، كَمَا كَانَ الْخَبَرُ فِي بَيْتِ عَبْدَةَ الْوَارِدِ بَعْدَ الصِّلَةِ قَرِينَةً عَلَى كَوْنِ الصِّلَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خَطَأِ الْمُخَاطَبِينَ.

وَفِعْلُ الرُّؤْيَةِ قَلْبِيٌّ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ وَالْإِنْبَاءِ، أَيْ أَنْبِئُونِي شَيْئًا مَخْلُوقًا لِلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ.

وماذا كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَ (ذَا) الَّتِي بِمَعْنَى الَّذِي حِينَ تَقَعُ بَعْدَ اسْمِ اسْتِفْهَامٍ، وَفِعْلُ الْإِرَاءَةِ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِالِاسْتِفْهَامِ.

وَالتَّقْدِيرُ: أَرُونِي شَيْئًا خَلَقُوهُ مِمَّا على الْأَرْضِ.

ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ شَيْئًا نَاشِئًا مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ مَا عَلَيْهَا كَإِطْلَاقِ الْقَرْيَةِ عَلَى سُكَّانِهَا فِي قَوْله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُف: 82] .

وأَمْ مُنْقَطِعَةٌ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ، وَهِيَ تُؤْذِنُ بِاسْتِفْهَامٍ بَعْدَهَا. وَالْمَعْنَى: بَلْ أَلَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ.

وَالشِّرْكُ بِكَسْرِ الشِّينِ: اسْمٌ لِلنَّصِيبِ الْمُشْتَرَكِ بِهِ فِي مِلْكِ شَيْءٍ.

وَالْمَعْنَى: أَلَهُمْ شِرْكٌ مَعَ اللَّهِ فِي ملك السَّمَوَات وتصريف أحوالها كَسَيْرِ الْكَوَاكِبِ وَتَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَسْخِيرِ الرِّيَاحِ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ.

وَلَمَّا كَانَ مَقَرُّ الْأَصْنَامِ فِي الْأَرْضِ كَانَ مِنَ الرَّاجِح أَن تتخيّل لَهُمُ الْأَوْهَامُ تَصَرُّفًا كَامِلًا فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُمْ آلِهَةٌ أَرْضِيَّةٌ، وَقَدْ كَانَتْ مَزَاعِمُ الْعَرَبِ وَاعْتِقَادَاتُهُمْ أَفَانِينَ شَتَّى مُخْتَلِطَةً مِنِ اعْتِقَادِ الصَّابِئَةِ وَمِنِ اعْتِقَادِ الْفُرْسِ وَاعْتِقَادِ الرُّومِ فَكَانُوا أَشْبَاهًا لَهُمْ فَلِذَلِكَ قِيلَ لِأَشْبَاهِهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ، أَيْ فَكَانَ تَصَرُّفُهُمْ فِي ذَلِكَ تَصَرُّفَ الْخَالِقِيَةِ، فَأَمَّا السَّمَاوَاتُ فَقَلَّمَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ لِلْأَصْنَامِ تَصرفا فِي شؤونها، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَدَّعُوا ذَلِكَ وَلَكِنْ جَاءَ قَوْلُهُ: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ مَجِيءَ تَكْمِلَةِ الدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْضِ وَالِاحْتِمَالِ، كَمَا يُقَالُ فِي آدَابِ الْبَحْثِ «فَإِنْ قُلْتَ» . وَقَدْ كَانُوا يَنْسِبُونَ لِلْأَصْنَامِ بُنُوَّةً لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى:

ص: 325

أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ [النَّجْم: 19- 23] .

فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جِيءَ فِي جَانِبِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ تَأْثِيرِ الْأَصْنَامِ فِي الْعَوَالِمِ السَّمَاوِيَّةِ بِإِبْطَالِ أَنْ يَكُونَ لَهَا شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ لِأَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ لَهَا فِي مَزَاعِمِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَمَّا قَضَى حَقُّ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ انْتَقَلَ إِلَى انْتِفَاءِ الْحُجَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُثْبِتَةِ آلِهَةً دُونَهُ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِشُرَكَائِهِ وَأَنْدَادِهِ لَوْ كَانُوا، فَقَالَ تَعَالَى: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ على بَيِّنَات مِنْهُ الْمَعْنَى: بَلْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ حُجَّةٍ فِيهِ تُصَرِّحُ بِإِلَهِيَّةِ هَذِهِ الْآلِهَةِ الْمَزْعُومَةِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَلَى بَيِّنَاتٍ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.

وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ عَلى بَيِّنَةٍ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ.

فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجَمْعِ فَوَجْهُهَا أَنَّ شَأْنَ الْكِتَابِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى أَحْكَامٍ عَدِيدَةٍ وَمَوَاعِظَ مُكَرَّرَةٍ لِيَتَقَرَّرَ الْمُرَادُ مِنْ إِيتَاءِ الْكُتُبِ مِنَ الدَّلَالَةِ الْقَاطِعَةِ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَلَا مُبَالَغَةً وَلَا نَحْوَهَا عَلَى حَدِّ قَوْلِ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ فِي دَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْإِفْرَادِ فَالْمُرَادُ مِنْهَا جِنْسُ الْبَيِّنَةِ الصَّادِقُ بِأَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ.

وَوَصْفُ الْبَيِّنَاتِ أَوِ الْبَيِّنَةِ ب مِنْهُ للدلالة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُ الْكِتَابِ الْمَفْرُوض إيتاؤه إيَّاهُم مُشْتَمِلًا عَلَى حُجَّةٍ لَهُمْ تُثْبِتُ إِلَهِيَّةَ الْأَصْنَامِ. وَلَيْسَ مُطْلَقُ كِتَابٍ يُؤْتُونَهُ أَمَارَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ رَاضٍ مِنْهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ كَدَلَالَةِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ، وَلَيْسَتِ الْخَوَارِقُ نَاطِقَةً بِأَنَّهُ صَادِق فَأُرِيد: أآتيناهم كِتَابًا نَاطِقًا مِثْلَ مَا آتَيْنَا الْمُسْلِمِينَ الْقُرْآنَ.

ثُمَّ كَرَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ الْإِبْطَالَ بِوَاسِطَةِ بَلْ، بِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُنْتَفٍ وَأَنَّهُمْ لَا بَاعِثَ لَهُمْ عَلَى مَزَاعِمِهِمُ الْبَاطِلَةِ إِلَّا وَعْدُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَوَاعِيدَ كَاذِبَةً يَغُرُّ بَعْضُهُمْ بِهَا بَعْضًا.

وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ يَعِدُونَهُمْ رُؤَسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَقَادَتُهُمْ بالموعودين عَامَّتُهُمْ وَدُهْمَاؤُهُمْ،

ص: 326