المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة سبإ (34) : الآيات 20 إلى 21] - التحرير والتنوير - جـ ٢٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 45 الى 46]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 73]

- ‌34- سُورَةُ سَبَأٍ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 54]

- ‌35- سُورَةُ فَاطِرٍ

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 19 الى 23]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 45]

- ‌36- سُورَةُ يس

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 20 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

الفصل: ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 20 إلى 21]

[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)

الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ [سبأ: 7] الْآيَةَ وَأَن مَا بَينهمَا مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَسُوقَةِ لِلِاعْتِبَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الِاسْتِطْرَادِ وَالِاعْتِرَاضِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ عَلَيْهِمْ عَائِدًا إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ الَخْ. وَالَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِمْ عَائِدٌ إِلَى سَبَأٍ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ. وَلَكِنْ لَا مَفَرَّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [سبأ: 22] الْآيَاتِ هُوَ عَوْدٌ إِلَى مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ الْمُنْتَقَلِ مِنْهَا بِذِكْرِ قِصَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَهْلِ سَبَأٍ. وَصَلُوحَيَّةُ الْآيَة للمحملين ناشئة مِنْ مَوْقِعِهَا، وَهَذَا مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ تَرْتِيبِ مَوَاقِعِ الْآيَةِ.

فَالْمَقْصُودُ تَنْبِيهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ وَسُوءِ عَاقِبَةِ أَتْبَاعِهِ لِيَحْذَرُوهُ وَيَسْتَيْقِظُوا لِكَيْدِهِ فَلَا يَقَعُوا فِي شَرَكِ وَسْوَسَتِهِ.

فَالْمَعْنَى: أَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّلَ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْ سَوَّلَ لِلْمُمَثَّلِ بِهِمْ حَالُ الْمُشْرِكِينَ الْإِشْرَاكَ

بِالْمُنْعِمِ وَحَسَّنَ لَهُمْ ضِدَّ النِّعْمَةِ حَتَّى تَمَنَّوْهُ وَتَوَسَّمَ فِيهِمُ الِانْخِدَاعَ لَهُ فَأَلْقَى إِلَيْهِمْ وَسْوَسَتَهُ وَكَرَّهَ إِلَيْهِمْ نَصَائِحَ الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ فَصَدَقَ تَوَسُّمُهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِدَعْوَتِهِ فَقَبِلُوهَا وَأَعْرَضُوا عَنْ خِلَافِهَا فَاتَّبَعُوهُ.

فَفِي قَوْلِهِ: صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ إِيجَازُ حَذْفٍ لِأَنَّ صِدْقَ الظَّنِّ الْمُفَرَّعِ عَنْهُ اتِّبَاعُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى شَيْءٍ ظَانًّا اسْتِجَابَةَ دَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ صَدَّقَ بِتَخَفِيفِ الدَّالِ فَ إِبْلِيسُ فَاعِلٌ وظَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ فِي ظَنِّهِ. وعَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِ صَدَّقَ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى أَوْقَعَ أَوْ أَلْقَى، أَيْ أَوْقَعَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهُ فَصَدَقَ فِيهِ. وَالصِّدْقُ بِمَعْنَى الْإِصَابَةِ فِي الظَّنِّ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ مُطَابِقَةٌ لِلْوَاقِعِ فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الصِّدْقِ. قَالَ أَبُو الْغُولِ الطُّهَوِيُّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ:

فَدَتْ نَفْسِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي

فَوَارِسَ صَدَقَتْ فِيهِمْ ظُنُونِي

ص: 182

وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ صَدَّقَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ بِمَعْنَى حَقَّقَ ظَنَّهُ عَلَيْهِمْ حِينَ انْخَدَعُوا لِوَسْوَسَتِهِ فَهُوَ لَمَّا وَسْوَسَ لَهُمْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَهُ فَجَدَّ فِي الْوَسْوَسَةِ حَتَّى اسْتَهْوَاهُمْ فَحَقَّقَ ظَنَّهُ عَلَيْهِمْ.

وَفِي (عَلَى) إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ عَمَلَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ جِنْسِ التَّغَلُّبِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَيْهِمْ.

وَقَوْلُهُ: فَاتَّبَعُوهُ تَفْرِيعٌ وَتَعْقِيبٌ عَلَى فِعْلِ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ أَيْ تَحَقَّقَ ظَنُّهُ حِينَ انْفَعَلُوا لِفِعْلِ وَسْوَسَتِهِ فَبَادَرُوا إِلَى الْعَمَلِ بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَالْكُفْرَانِ.

وإِلَّا فَرِيقاً اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ فِي فَاتَّبَعُوهُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ إِنْ كَانَ ضَمِيرُ «اتَّبَعُوهُ» عَائِدًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَائِدًا عَلَى أَهْلِ سَبَإٍ فَيُحْتَمَلُ الِاتِّصَالُ إِنْ كَانَ فيهم مُؤمنين وَإِلَّا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَمْ يَعْصِهِ فِي ذَلِكَ إِلَّا فَرِيقٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ سَبَإٍ. فَلَعَلَّ فِيهِمْ طَائِفَةً مُؤْمِنِينَ مِمَّنْ نَجَوْا قَبْلَ إِرْسَالِ سَيْلِ الْعَرِمِ.

وَالْفَرِيقُ: الطَّائِفَةُ مُطْلَقًا، وَاسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَقِيَّةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْفَرِيقَ يَصْدُقُ بِالْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الْأَعْرَاف: 30] .

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمُؤْمِنِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ ومِنَ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ إِلَّا فَرِيقًا هُمْ بَعْضُ جَمَاعَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ.

وَقَوْلُهُ: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أَيْ مَا كَانَ لِلشَّيْطَانِ مِنْ سُلْطَانٍ عَلَى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ.

وَفِعْلُ كانَ فِي النَّفْيِ مَعَ مِنْ الَّتِي تُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ فِي النَّفْيِ يُفِيدُ انْتِفَاءَ السُّلْطَانِ، أَيِ الْمُلْكِ وَالتَّصْرِيفِ لِلشَّيْطَانِ، أَيْ لَيْسَتْ لَهُ قُدْرَةٌ ذَاتِيَّةٌ هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِهَا يَتَصَرَّفُ بِهَا فِي الْعَالَمِ كَيْفَ يَشَاءُ لِأَنَّ تِلْكَ الْقُدْرَةَ خَاصَّةٌ بِاللَّهِ تَعَالَى.

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِنَعْلَمَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عِلَلٍ. فَيُفِيدُ أَنَّ تَأْثِيرَ وَسْوَسَتِهِ فِيهِمْ كَانَ بِتَمْكِينٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ لَكِنْ جَعَلْنَا الشَّيْطَانَ سَبَبًا يَتَوَجَّهُ إِلَى عُقُولِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ فَتُخَامِرُهَا وَسْوَسَتُهُ فَيَتَأَثَّرُ مِنْهَا فَرِيقٌ وَيَنْجُو مِنْهَا فَرِيقٌ بِمَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ

ص: 183

وَهَؤُلَاءِ مِنْ قُوَّة الانفعال أَو الممانعة عَلَى حَسَبِ السُّنَنِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ سُلْطَانٍ، وَحُذِفَ الْمُسْتَثْنَى وَدَلَّ عَلَيْهِ عِلَّتُهُ وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا سُلْطَانًا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ. فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُلْطَانٌ مَجْعُولٌ لَهُ بِجَعْلِ اللَّهِ بِقَرِينَةِ أَنَّ تَعْلِيلَهُ مُسْنَدٌ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ.

وَانْظُرْ مَا قُلْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [42] وَضُمَّهُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ هُنَا.

وَاقْتُصِرَ مَنْ عَلَّلَ تَمْكِينِ الشَّيْطَانِ مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى تَمْيِيزِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا لِمُرَاعَاةِ أَحْوَالِ الَّذِينَ سَبَقَتْ إِلَيْهِمُ الْمَوْعِظَةُ بِأَهْلِ سَبَإٍ وَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِأَن جحودهم الْآخِرَة قَرِينٌ لِلشِّرْكِ وَمُسَاوٍ لَهُ فَإِنَّهُمْ لَوْ آمَنُوا بِالْآخِرَةِ لَآمَنُوا بِرَبِّهَا وَهُوَ الرَّبُّ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَّا فَإِنَّ عِلَلَ جَعْلِ الشَّيْطَانِ لِلْوَسْوَسَةِ كَثِيرَةٌ مَرْجِعُهَا إِلَى تَمْيِيزِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُتَّقِينَ مِنَ الْمُعْرِضِينَ. وَكُنِّيَ بِ «نَعْلَمَ» عَنْ إِظْهَارِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ لِأَنَّ الظُّهُورَ يُلَازِمُ الْعِلْمَ فِي الْعرف. قَالَ قبيضة الطَّائِيُّ مِنْ رِجَالِ حَرْبِ ذِي قَارٍ:

وَأَقْبَلْتُ وَالْخَطِّيُّ يَخْطُرُ بَيْنَنَا

لِأَعْلَمَ مَنْ جَبَانُهَا مِنْ شُجَاعِهَا

أَرَادَ لِيَتَمَيَّزَ الْجَبَانُ مِنَ الشُّجَاعِ فَيَعْلَمُهُ النَّاسُ، فَإِنَّ غَرَضَهُ الْأَهَمَّ إِظْهَارُ شَجَاعَةِ نَفْسِهِ لِثِقَتِهِ بِهَا لَا اخْتِبَارُ شَجَاعَةِ أَقْرَانِهِ وَإِلَّا لَكَانَ مُتَرَدِّدًا فِي إِقْدَامِهِ. فَالْمَعْنَى: لِيَظْهَرَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَيَتَمَيَّزَ عَمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ فَيَعْلَمُهُ مَنْ يَعْلَمُهُ وَيَتَعَلَّقُ عِلْمُنَا بِهِ تَعَلُّقًا جُزْئِيًّا عِنْدَ حُصُولِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا مَحِيصَ مِنِ اعْتِبَارِ تَعَلُّقٍ تَنْجِيزِيٍّ لِعِلْمِ اللَّهِ. وَرَأَيْتُ فِي «الرِّسَالَةِ الْخَاقَانِيَّةِ» لِعَبْدِ الْحَكِيمِ السَّلَكُوتِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَثْبَتَ ذَلِكَ

التَّعَلُّقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَائِلَهُ. وَخُولِفَ فِي النَّظْمِ بَيْنَ الصِّلَتَيْنِ فَجَاءَتْ جُمْلَةُ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ فِعْلِيَّةً، وَجَاءَتْ جُمْلَةُ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ اسْمِيَّةً لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْآخِرَةِ طَارِئٌ عَلَى كُفْرِهِمُ السَّابِقِ وَمُتَجَدِّدٌ وَمُتَزَايِدٌ آنًا فَآنًا. فَكَانَ مُقْتَضَى الْحَالِ إِيرَادُ الْفِعْلِ فِي صِلَةِ أَصْحَابِهِ. وَأَمَّا شَكُّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ هُوَ أَمْرٌ مُتَأَصِّلٌ فِيهِمْ فَاجْتُلِبَتْ لِأَصْحَابِهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ.

ص: 184