المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 إلى 61] - التحرير والتنوير - جـ ٢٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 45 الى 46]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 73]

- ‌34- سُورَةُ سَبَأٍ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 54]

- ‌35- سُورَةُ فَاطِرٍ

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 19 الى 23]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 45]

- ‌36- سُورَةُ يس

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 20 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33) : الآيات 60 إلى 61]

وَهَيْئَاتُ لِبْسِ الْجَلَابِيبِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ تُبَيِّنُهَا الْعَادَاتُ. وَالْمَقْصُودُ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ.

وَالْإِدْنَاءُ: التَّقْرِيبُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اللِّبْسِ وَالْوَضْعِ، أَيْ يَضَعْنَ عَلَيْهِنَّ جَلَابِيبَهُنَّ، قَالَ بِشَّارٌ:

لَيْلَةٌ تَلْبَسُ الْبَيَاضَ مِنَ الشَّهْرِ

وَأُخْرَى تُدْنِي جَلَابِيبَ سُودًا

فَقَابَلَ بِ (تُدْنِي)(تَلْبَسُ) فَالْإِدْنَاءُ هُنَا اللِّبْسُ.

وَكَانَ لِبْسُ الْجِلْبَابِ مِنْ شِعَارِ الْحَرَائِرِ فَكَانَتِ الْإِمَاءُ لَا يَلْبَسْنَ الْجَلَابِيبَ. وَكَانَتِ الْحَرَائِرُ يَلْبَسْنَ الْجَلَابِيبَ عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الزِّيَارَاتِ وَنَحْوِهَا فَكُنَّ لَا يَلْبَسْنَهَا فِي اللَّيْلِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَنَاصِعِ، وَمَا كُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَيْهَا إِلَّا لَيْلًا فَأُمِرْنَ بِلَبْسِ الْجَلَابِيبِ فِي كل خُرُوج

لِيُعْرَفَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِنَّ شَبَابُ الدُّعَّارِ يَحْسَبُهُنَّ إِمَاءً أَوْ يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِنَّ الْمُنَافِقُونَ اسْتِخْفَافًا بِهِنَّ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي تُخْجِلُهُنَّ فَيَتَأَذَّيْنَ مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا يَسْبُبْنَ الَّذِينَ يُؤْذُونَهُنَّ فَيَحْصُلُ أَذًى مِنَ الْجَانِبَيْنِ. فَهَذَا مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ.

وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى الْإِدْنَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ يُدْنِينَ، أَيْ ذَلِكَ اللِّبَاسُ أقرب إِلَى أَن يُعْرَفُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرٌ بِشِعَارِ الْحَرَائِرِ فَيَتَجَنَّبُ الرِّجَالُ إِيذَاءَهُنَّ فَيَسْلَمُوا وَتَسْلَمْنَ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ يَمْنَعُ الْإِمَاءَ مِنَ التَّقَنُّعِ كَيْ لَا يَلْتَبِسْنَ بِالْحَرَائِرِ وَيَضْرِبُ مَنْ تَتَقَنَّعُ مِنْهُنَّ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ كُثَيْرٍ:

هُنَّ الْحَرَائِرُ لَا رَبَّاتَ أَخْمِرَةٍ

سُودُ الْمَحَاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ

وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً صَفْحٌ عَمَّا سَبَقَ مِنْ أَذَى الْحَرَائِرِ قَبْلَ تَنْبِيهِ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْأَدَبِ الْإِسْلَامِيِّ، والتذييل يَقْتَضِي انْتِهَاء الْغَرَض.

[60، 61]

[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61)

انْتِقَالٌ مِنْ زَجْرِ قَوْمٍ عُرِفُوا بِأَذَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَمِنْ تَوَعُّدِهِمْ

ص: 107

بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى تَهْدِيدِهِمْ بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا يَشْرَعُهُ اللَّهُ لَهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِأَنْ لَا يَنْفَعَ فِي أُولَئِكَ وَعِيدُ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ ابْتُدِئَ التَّعْرِيضُ بِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: عَظِيماً [الْأَحْزَاب: 53]، ثُمَّ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الْأَحْزَاب: 57- 59] .

وَصَرَّحَ هُنَا بِمَا كُنِّيَ عَنْهُ فِي الْآيَاتِ السَّالِفَةِ إِذْ عبر عَنْهُم بِالْمُنَافِقِينَ فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ لُفَّ لِفَّهُمْ.

والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَهُمُ الْمُنْطَوُونَ عَلَى النِّفَاقِ أَوِ التَّرَدُّدِ فِي الْإِيمَانِ.

والْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَالْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، قَالَهُ أَبُو رَزِينٍ.

وَجُمْلَةُ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَنْتَهِ لِظُهُورِهِ، أَيْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ أَذَى الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَالْإِرْجَافُ: إِشَاعَةُ الْأَخْبَارِ. وَفِيهِ مَعْنَى كَوْنِ الْأَخْبَارِ كَاذِبَةً أَوْ مُسِيئَةً لِأَصْحَابِهَا يُعِيدُونَهَا فِي الْمَجَالِسِ لِيَطْمَئِنَّ السَّامِعُونَ لَهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِأَنَّهَا صَادِقَةٌ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ إِنَّمَا تُقْصَدُ لِلتَّرْوِيجِ بِشَيْءٍ غَيْرِ وَاقِعٍ أَوْ مِمَّا لَا يُصَدَّقُ بِهِ لِاشْتِقَاقِ ذَلِكَ مِنَ الرَّجْفِ وَالرَّجَفَانِ وَهُوَ الِاضْطِرَابُ وَالتَّزَلْزُلُ.

فَالْمُرْجِفُونَ قَوْمٌ يَتَلَقَّوْنَ الْأَخْبَارَ فَيُحَدِّثُونَ بهَا فِي مجَالِس وَنَوَادٍ وَيُخْبِرُونَ بِهَا مَنْ يَسْأَلُ وَمَنْ لَا يَسْأَلُ. وَمَعْنَى الْإِرْجَافُ هُنَا: أَنَّهُمْ يُرْجِفُونَ بِمَا يُؤْذِي النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَيَتَحَدَّثُونَ عَنْ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ فَيَقُولُونَ: هُزِمُوا أَوْ أَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِإِيقَاعِ الشَّكَّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَالْخَوْفِ وَسُوءِ ظَنِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. وَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرِضٌ وَأَتْبَاعِهِمْ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [83] .

فَهَذِهِ الْأَوْصَافُ لِأَصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ. وَكَانَ أَكْثَرُ الْمُرْجِفِينَ مِنَ الْيَهُودِ وَلَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَقِبَهُ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ لَا يُسَاعِدُ أَنَّ فِيهِمْ مُؤْمِنِينَ.

ص: 108

وَاللَّامُ فِي لَئِنْ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ، فَالْكَلَامُ بَعْدَهَا قَسَمٌ مَحْذُوفٌ. وَالتَّقْدِيرُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ.

وَاللَّامُ فِي لَنُغْرِيَنَّكَ لَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ.

وَالْإِغْرَاءُ: الْحَثُّ وَالتَّحْرِيضُ عَلَى فِعْلٍ. وَيَتَعَدَّى فِعْلُهُ بِحرف (على) وبالباء، وَالْأَكْثَرُ أَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِ (عَلَى) تُفِيدُ حَثًّا عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَأَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِالْبَاءِ تُفِيدُ حَثًّا عَلَى الْإِيقَاعِ بِشَخْصٍ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ. فَالْمُغْرَى عَلَيْهِ مُلَابِسٌ لِذَاتِ الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ، أَيْ وَاقِعًا عَلَيْهَا. فَلَا يُقَالُ: أَغْرَيْتُهُ بِهِ، إِذَا حَرَّضَهُ عَلَى إِحْسَانٍ إِلَيْهِ.

فَالْمَعْنَى: لَنُغْرِيَنَّكَ بِعُقُوبَتِهِمْ، أَيْ بِأَنْ تُغْرِيَ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا فَإِذَا حَلَّ ذَلِكَ بِهِمُ انْجَلُوا عَنِ الْمَدِينَةِ فَائِزِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ.

وَاخْتِيرَ عَطْفُ جُمْلَةِ لَا يُجاوِرُونَكَ بِ ثُمَّ دُونَ الْفَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَاخِي انْتِفَاءِ الْمُجَاوَرَةِ عَنِ الْإِغْرَاءِ بِهِمْ تَرَاخِي رُتْبَةٍ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْأَوْطَانِ أَشَدُّ عَلَى النُّفُوسِ مِمَّا

يَلْحَقُهَا مِنْ ضُرٍّ فِي الْأَبْدَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [الْبَقَرَة: 191] أَيْ وَفِتْنَةُ الْإِخْرَاجِ مِنْ بَلَدِهِمْ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَتْلِ.

وَاسْتِثْنَاءُ إِلَّا قَلِيلًا لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمُجَاوِرَةِ وَأَنه لَيْسَ جَارِيا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَبْقُونَ مَعَكَ فِي الْمَدِينَةِ إِلَّا مُدَّةً قَلِيلَةً، وَهِيَ مَا بَيْنَ نُزُولِ الْآيَةِ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ. وقَلِيلًا صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ يُجاوِرُونَكَ أَيْ جِوَارًا قَلِيلًا، وَقِلَّتُهُ بِاعْتِبَارِ مُدَّةِ زَمَنِهِ. وَجَعَلَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» صِفَةً لِزَمَنٍ مَحْذُوفٍ فَإِنَّ وُقُوعَ ضَمِيرِهِمْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ يَقْتَضِي إِفْرَادَهُمْ، وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَقْتَضِي عُمُومَ أَزْمَانِهَا فَيَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْوَصْفِ لِاسْمِ الزَّمَانِ وَلَيْسَ هُوَ ظَرْفًا.

ومَلْعُونِينَ حَالٌ مِمَّا تَضَمَّنَهُ قَلِيلًا مِنْ مَعْنَى الْجِوَارِ. فَالْجِوَارُ مَصْدَرُ يَتَحَمَّلُ ضَمِيرَ صَاحِبِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَصْدَرِ أَنْ يُضَافَ إِلَى فَاعِلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا جِوَارَهُمْ مَلْعُونِينَ.

وَجَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مَلْعُونِينَ مُسْتَثْنًى مِنْ أَحْوَالٍ بِأَنْ

ص: 109

يَكُونَ حَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ دَخَلَ عَلَى الظَّرْفِ وَالْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الْأَحْزَاب: 53] . وَبَوْنٌ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا نَظَّرَهُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يَصْلُحُ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ هُنَا هُوَ مَا سَلَكْنَاهُ فِي تَقْدِيرِ نَظْمِهِ.

وَاللَّعْنُ: الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [35] ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا كِنَايَةً عَنِ الْإِهَانَةِ وَالتَّجَنُّبِ فِي الْمَدِينَةِ، أَيْ يُعَامِلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِتَجَنُّبِهِمْ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَيَبْتَعِدُونَ هُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اتِّقَاءً وَوَجَلًا فَتَضْمَنُ أَنْ يَكُونُوا مُتَوَارِينَ مُخْتَفِينَ خَوْفًا مِنْ بَطْشِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ حَيْثُ أَغْرَاهُمُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم، فَفِي قَوْلِهِ:

مَلْعُونِينَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ.

وَقَوْلُهُ: أَيْنَما ثُقِفُوا ظَرْفٌ مُضَافٌ إِلَى جُمْلَةٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِ مَلْعُونِينَ لِأَنَّ مَلْعُونِينَ حَالٌ مِنْهُمْ بَعْدَ صِفَتِهِمْ بِأَنَّهُمْ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَفَادَ عُمُومَ أَمْكِنَةِ الْمَدِينَةِ.

وأَيْنَما: اسْمُ زَمَانٍ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَالثَّقَفُ: الظَّفَرُ وَالْعُثُورُ عَلَى الْعَدُوِّ بِدُونِ قَصْدٍ. وَقَدْ مَهَّدَ لِهَذَا الْفِعْلِ قَوْلُهُ: مَلْعُونِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمَعْنَى أُخِذُوا أُمْسِكُوا. وَالْأَخْذُ: الْإِمْسَاكُ وَالْقَبْضُ، أَيْ أُسِرُوا، وَالْمُرَادُ:

أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ إِذْ أَغْرَى اللَّهُ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ.

وَالتَّقْتِيلُ: قُوَّةُ الْقَتْلِ. وَالْقُوَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ قَوِيٌّ فِي أَصْنَافِ

نَوْعِهِ وَأَيْضًا هُوَ شَدِيدٌ فِي كَوْنِهِ سَرِيعًا لَا إِمْهَالَ لَهُمْ فِيهِ.

وتَقْتِيلًا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِعَامِلِهِ، أَيْ قُتِّلُوا قَتْلًا شَدِيدًا شَامِلًا. فَالتَّأْكِيدُ هُنَا تَأْكِيدٌ لِتَسَلُّطِ الْقَتْلِ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الْمَدْلُولَةِ لِضَمِيرِ قُتِّلُوا، لِرَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي عُمُومِ الْقَتْلِ، فَالْمَعْنَى: قُتِّلُوا قَتْلًا شَدِيدًا لَا يَفْلِتُ مِنْهُ أَحَدٌ.

وَبِهَذَا الْوَعِيدِ انْكَفَّ الْمُنَافِقُونَ عَنْ أَذَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنِ الْإِرْجَافِ فَلَمْ يَقَعِ التَّقْتِيلُ فِيهِمْ إِذْ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا أَنَّهُمْ خَرَجَ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ تُرْشِدُ إِلَى تَقْدِيمِ إِصْلَاحِ الْفَاسِدِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى قَطْعِةٍ مِنْهَا لِأَنَّ إِصْلَاحَ الْفَاسِدِ يُكْسِبُ الْأُمَّةَ فَرْدًا صَالِحًا أَوْ طَائِفَةً صَالِحَةً تَنْتَفِعُ الْأُمَّةُ مِنْهَا كَمَا

قَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُهُ»

. وَلِهَذَا شُرِعَتْ

ص: 110