المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأحزاب (33) : آية 35] - التحرير والتنوير - جـ ٢٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 45 الى 46]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 73]

- ‌34- سُورَةُ سَبَأٍ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 54]

- ‌35- سُورَةُ فَاطِرٍ

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 19 الى 23]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 45]

- ‌36- سُورَةُ يس

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 20 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

الفصل: ‌[سورة الأحزاب (33) : آية 35]

وَمَوْقِعُ مَادَّةِ الذِّكْرِ هُنَا مُوَقِعٌ شَرِيفٌ لِتَحَمُّلِهَا هَذِهِ الْمَحَامِلَ مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ غَيْرُهَا إِلَّا بِإِطْنَابٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِن الله تَعَالَى أَمَرَ نَبِيئَهُ عليه الصلاة والسلام بِتَبْلِيغِ مَا أُنْزَلَ إِلَيْهِ فَكَانَ إِذَا قَرَأَ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ مَا اتَّفَقَ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَكَانَ عَلَى مَنْ تَبِعَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَهُ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ.

وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْحِكْمَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَبَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي كَسْرِ بَاءِ (بِيُوتٍ) أَوْ ضَمِّهَا.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ وَتَذْيِيلٌ لِلْجُمَلِ السَّابِقَةِ. وَالتَّعْلِيلُ صَالِحٌ لِمَحَامِلِ الْأَمْرِ كُلِّهَا لِأَنَّ اللُّطْفَ يَقْتَضِي إِسْدَاءَ النَّفْعِ بِكَيْفِيَّةٍ لَا تَشُقُّ عَلَى الْمُسْدَى إِلَيْهِ.

وَفِيمَا وُجِّهَ إِلَى نسَاء النبيء صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَا هُوَ صَلَاحٌ لَهُنَّ وَإِجْرَاءٌ لِلْخَيْرِ بِوَاسِطَتِهِنَّ، وَكَذَلِكَ فِي تَيْسِيرِهِ إِيَّاهُنَّ لِمُعَاشَرَةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَجَعْلِهِنَّ أَهْلَ بُيُوتِهِ، وَفِي إِعْدَادِهِنَّ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ، وَمُشَاهَدَةِ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ، كُلُّ ذَلِكَ لُطْفٌ لَهُنَّ هُوَ الْبَاعِث على مَا وَجَّهَهُ إِلَيْهِنَّ مِنَ الْخِطَابِ لِيَتَلَقَّيْنَ الْخَبَرَ وَيُبَلِّغْنَهُ، وَلِأَنَّ الْخَبِيرَ، أَيِ الْعَلِيمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُنَّ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرُهُنَّ حَصَلَ مُرَادُهُ تَامًّا لَا خَلَلَ وَلَا غَفْلَةَ.

فَمَعْنَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِاللُّطْفِ وَالْعِلْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كانَ فَيَشْمَلُ عُمُومُ لُطْفِهِ وَعِلْمِهِ لُطْفَهُ بِهِنَّ وَعِلْمَهُ بِمَا فِيهِ نفعهن.

[35]

[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)

يَجُوزُ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ [الْأَحْزَاب: 31] بَعْدَ قَوْلِهِ: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ

[الْأَحْزَاب: 32]

ص: 19

يُثِيرُ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمَاتِ أَنْ يَسْأَلْنَ: أَهُنَّ مَأْجُورَاتٌ عَلَى مَا يَعْمَلْنَ من الْحَسَنَات، وأ هنّ مَأْمُورَاتٌ بِمِثْلِ مَا أُمِرَتْ بِهِ أَزوَاج النبيء صلى الله عليه وسلم، أَمْ تِلْكَ خَصَائِص لِنسَاء النبيء عليه الصلاة والسلام، فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا هُوَ جَوَابٌ لِهَذَا السُّؤَالِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِيمَا إِذَا ذَكَرَ مَأْمُورَاتٍ يُعْقِبُهَا بِالتَّذْكِيرِ بِحَالِ أَمْثَالِهَا أَوْ بِحَالِ أَضْدَادِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَرَدَ بِمُنَاسَبَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ فَضَائِل أَزوَاج النبيء صلى الله عليه وسلم.

روى ابْنُ جَرِيرٍ وَالْوَاحِدِيُّ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ على أَزوَاج النبيء صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَ:

قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْنَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ فِينَا خَيْرٌ لَذَكَرَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وروى النَّسَائِيّ وَأحمد: أَن أم سَلمَة قَالَت للنبيء صلى الله عليه وسلم: مَا لنا لَا نذْكر فِي الْقُرْآن كَمَا يذكر الرِّجَال فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ: «أَنَّ أُمَّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّة أَتَت النبيء صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: مَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: «قَالَ مُقَاتِلٌ: بَلَغَنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ لَمَّا رَجَعَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا جَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَتْ على نسَاء النبيء فَقَالَتْ: هَلْ نَزَلَ فِينَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟

قِيلَ: لَا، فَأَتَت النبيء صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ لَفِي خَيْبَةٍ وَخَسَارٍ. قَالَ: وَمِمَّ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّهُنَّ لَا يُذْكَرْنَ بِالْخَيرِ كَمَا يذكر الرِّجَالُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ» .

فَالْمَقْصُودُ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ النِّسَاءُ، وَأَمَّا ذِكْرُ الرِّجَالِ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الصِّنْفَيْنِ فِي هَذِهِ الشَّرَائِعِ سَوَاءٌ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لَا كَمَا كَانَ مُعْظَمُ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ خَاصًّا بِالرِّجَالِ إِلَّا الْأَحْكَامَ الَّتِي لَا تُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ، فَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ بِعَكْسِ ذَلِكَ الْأَصْلُ فِي شَرَائِعِهَا أَنْ تَعُمَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ إِلَّا مَا نُصَّ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ، وَلَعَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا تَقَرَّرَ أَصْلُ التَّسْوِيَةِ فَأَغْنَى عَنِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ أَقْوَالِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ

ص: 20

وَجْهُ تِعْدَادِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآيَة لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ التَّسْوِيَةُ فِي خُصُوصِ صِفَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَسُلِكَ مَسْلَكُ الْإِطْنَابِ فِي تِعْدَادِ الْأَوْصَافِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ لِاخْتِلَافِ أَفْهَامِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ فِي هَذَا التِّعْدَادِ إِيمَاءً إِلَى أُصُولِ التَّشْرِيعِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.

وَبِهَذِهِ الْآثَارِ يَظْهَرُ اتِّصَالُ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالَّتِي قَبْلَهَا. وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَأْكِيدِ هَذَا الْخَبَرِ

بِحَرْفِ إِنَّ لِدَفْعِ شَكِّ مَنْ شَكَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ مِنَ النِّسَاءِ.

وَالْمُرَادُ بِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ شَرَعًا.

وَالْإِسْلَامُ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَلَا يَعْتَبِرُ إِسْلَامًا إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ. وَذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بَعْدَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي الْبَقَرَةِ [132] .

وَالْمرَاد ب الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الَّذين آمنُوا. وَالْإِيمَان: أَن يُؤمن بالله وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر ويؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره. وَتقدم الْكَلَام على الْإِيمَان فِي أَوَائِل سُورَة الْبَقَرَة.

و (الْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) : أَصْحَابُ الْقُنُوتِ وَهُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَعِبَادَتُهُ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [الْأَحْزَاب: 31] والصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ مَنْ حَصَلَ مِنْهُمْ صِدْقُ الْقَوْلِ وَهُوَ ضِدُّ الْكَذِبِ، وَالصِّدْقُ كُلُّهُ حَسَنٌ، وَالْكَذِبُ لَا خَيْرَ فِيهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.

وَشَمَلَ ذَلِكَ الْوَفَاءَ بِمَا يُلْتَزَمُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ كَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِالنذرِ، وَتقدم عِنْد قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177] .

وب الصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ: أَهْلُ الصَّبْرِ وَالصَّبْرُ مَحْمُودٌ فِي ذَاتِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قُوَّةِ الْعَزِيمَةِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا هُوَ تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَتَحَمُّلُ الْمَكَارِهِ فِي

ص: 21

الذَّبِّ عَنِ الْحَوْزَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا آخِرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [200] .

وَبِ الْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ: أَهْلُ الْخُشُوعِ، وَهُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَالْخَوْفُ مِنْهُ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْإِخْلَاصِ بِالْقَلْبِ فِيمَا يَعْمَلُهُ الْمُكَلَّفُ، وَمُطَابَقَةُ ذَلِكَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ آثَارِهِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَالْمُرَادُ: الْخُشُوعُ لِلَّهِ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [45] .

وَبِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ: مَنْ يَبْذُلُ الصَّدَقَةَ مِنْ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [114] . وَفَائِدَةُ ذَلِكَ لِلْأُمَّةِ عَظِيمَةٌ.

وَأَمَّا (الصَّائِمُونَ وَالصَّائِمَاتُ) فَظَاهَرٌ مَا فِي الصِّيَامِ مِنْ تَخَلُّقٍ بِرِيَاضَةِ النَّفْسِ لِطَاعَةِ اللَّهِ، إِذْ يَتْرُكُ الْمَرْءُ مَا هُوَ جِبِلِّيٌّ مِنَ الشَّهْوَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ، أَيْ بُرْهَانًا عَلَى أَنَّ رِضَى اللَّهِ عَنهُ

ألذّ عِنْده مِنْ أَشَدِّ اللَّذَّاتِ مُلَازَمَةً لَهُ.

وَأَمَّا حِفْظُ الْفُرُوجِ فَلِأَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ شَهْوَةٌ جِبِلِّيَّةٌ، وَهِيَ فِي الرَّجُلِ أَشَدُّ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي يحيى وَحَصُوراً [آل عمرَان: 39] وَقَالَ فِي مَرْيَمَ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [الْأَنْبِيَاء: 91] ، وَهَذَا الْحِفْظُ لَهُ حُدُودٌ سَنَّتْهَا الشَّرِيعَةُ، فَالْمُرَادُ: حِفْظُ الْفروج عَن أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ: حِفْظَهَا عَنِ الِاسْتِعْمَالِ أَصْلًا وَهُوَ الرَّهْبَنَةُ، فَإِنَّ الرَّهْبَنَةَ مَدْحُوضَةٌ فِي الْإِسْلَامِ بِأَدِلَّةٍ مُتَوَاتِرَةِ الْمَعْنَى.

وَأَمَّا (الذَّاكِرُونَ وَالذَّاكِرَاتُ) فَهُوَ وَصْفٌ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ مِنَ الذِّكْرِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَهُوَ ذِكْرُ اللِّسَانِ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [الْبَقَرَة: 152] وَقَوْلِهِ

فِي الْحَدِيثِ: «وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي»

، وَمِنَ الذُّكْرِ بِضَمِّهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ [الْأَحْزَاب: 34]، وَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمرَان: 135] .

وَمَفْعُولُ والْحافِظاتِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَفْعُولُ والذَّاكِراتِ.

وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الْعَشْرُ عَلَى جَوَامِعِ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا.

ص: 22

فَالْإِسْلَامُ: يَجْمَعُ قَوَاعِدَ الدِّينِ الْخَمْسَ الْمَفْرُوضَةَ الَّتِي هِيَ أَعْمَالٌ، وَالْإِيمَانُ يَجْمَعُ الِاعْتِقَادَاتِ الْقَلْبِيَّةَ الْمَفْرُوضَةَ وَهُوَ شَرْطُ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: 17] .

وَالْقُنُوتُ: يَجْمَعُ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا مَفْرُوضَهَا وَمَسْنُونَهَا، وَتَرْكَ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْإِقْلَاعَ عَنْهَا مِمَّنْ هُوَ مُرْتَكِبُهَا، وَهُوَ مَعْنَى التَّوْبَةِ، فَالْقُنُوتُ هُوَ تَمَامُ الطَّاعَةِ، فَهُوَ مُسَاوٍ لِلتَّقْوَى. فَهَذِهِ جَوَامِعُ شَرَائِعِ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ.

وَالصِّدْقُ: يَجْمَعُ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مِنْ مُوَافَقَةِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِلْوَاقِعِ فِي الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْعُقُودِ وَالِالْتِزَامَاتِ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ بِالْوَفَاءِ بِهَا وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ، وَمُطَابَقَةِ الظَّاهِرِ لِلْبَاطِنِ فِي الْمَرَاتِبِ كُلِّهَا. وَمِنَ الصِّدْقِ صِدْقُ الْأَفْعَالِ.

وَالصَّبْرُ: جَامِعٌ لِمَا يَخْتَصُّ بِتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ مِنَ الْأَعْمَالِ كَالْجِهَادِ وَالْحِسْبَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمُنَاصَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحَمُّلِ الْأَذَى فِي اللَّهِ، وَهُوَ خُلُقٌ عَظِيمٌ هُوَ مِفْتَاحُ أَبْوَابِ مَحَامِدِ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَالْإِنْصَافِ مِنَ النَّفْسِ.

وَالْخُشُوعُ: الْإِخْلَاصُ بِالْقَلْبِ وَالظَّاهِرِ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَتَجَنُّبُ الْمعاصِي، وَيدخل فِيهِ الْإِحْسَانِ وَهُوَ الْمُفَسَّرُ

فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»

. وَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ جَمِيعُ الْقُرَبِ النَّوَافِل فَإِنَّهَا مِنْ آثَارِ الْخُشُوعِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّوْبَةُ مِمَّا اقْتَرَفَهُ الْمَرْءُ مِنَ الْكَبَائِرِ إِذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْخُشُوعُ بِدُونِهَا.

وَالتَّصَدُّقُ: يَحْتَوِي جَمِيعَ أَنْوَاعِ الصَّدَقَاتِ والْعَطِيَّاتِ وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِرْفَاقِ.

وَالصَّوْمُ: عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلِذَلِكَ خُصِّصَتْ بِالذِّكْرِ مِعَ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُ مَشْمُولٌ لِلْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَيَفِي صَوْمَ النَّافِلَةِ، فَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الصَّوْمِ تَنْوِيهٌ بِهِ.

وَفِي الحَدِيث «قَالَ الله تَعَالَى: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» .

وَحِفْظُ الْفُرُوجِ: أُرِيدَ بِهِ حِفْظُهَا عَمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِحِفْظِهَا عَنْهُ، وَقَدِ انْدَرَجَ فِي هَذَا جَمِيعُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا وَمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لَهَا.

وَذِكْرُ اللَّهِ كَمَا عَلِمْتَ لَهُ مُحَمَلَانِ:

ص: 23

أَحَدُهُمَا: ذِكْرُهُ اللِّسَانِيُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَطَلَبُ الْعِلْمِ ودراسته.

قَالَ النبيء صلى الله عليه وسلم «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»

، فَفِي قَوْلِهِ:«وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ»

إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جَنْسِ عَمَلِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [الْبَقَرَة: 152]

وَقَالَ فِيمَا أخبر عَنهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»

. وَشَمَلَ مَا يُذْكَرُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ.

وَالْمَحْمَلُ الثَّانِي: الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمرَان: 135] فَدَخَلَ فِيهِ التَّوْبَةُ وَدَخَلَ فِيهَا الِارْتِدَاعُ عَنِ الْمَظَالِمِ كُلِّهَا مِنَ الْقَتْلِ وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالْحِرَابَةِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ. وَمِمَّا يُوضح شُمُوله لهَذِهِ الشَّرَائِع كُلِّهَا تَقْيِيدُهُ بِ كَثِيراً لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا فَقَدِ اسْتَغْرَقَ ذِكْرُهُ عَلَى الْمَحْمَلَينِ جَمِيعَ مَا يُذْكَرُ اللَّهُ عِنْدَهُ.

وَيُرَاعَى فِي الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً عَلَى مَا حَدَّدَهُ الشَّرْعُ فِي

تَفَاصِيلِهَا.

وَالْمَغْفِرَةُ: عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا فَرَّطَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [23] . وَاعْلَمْ أَنَّ عَطْفَ الصِّفَاتِ بِالْوَاوِ الْمُفِيدِ مُجَرَّدَ التَّشْرِيكِ فِي الْحُكْمِ دُونَ حَرْفَيِ التَّرْتِيبِ: الْفَاءِ وَثُمَّ، شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ ثَابِتًا لِكُلِّ وَاحِدٍ اتَّصَفَ بِوَصْفٍ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا مَوْصُوفُهُ لَأَنَّ أَصْلَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْمَعْطُوفَاتِ فِي الذَّاتِ، فَإِذَا قُلْتَ:

وُجَدْتُ فِيهِمُ الْكَرِيمَ وَالشُّجَاعَ وَالشَّاعِرَ كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّكَ وَجَدْتَ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ أُنَاسٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَإِنَّ مِنْهُمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ»

أَيْ أَصْحَابَ الْمَرَضِ وَالضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ، بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً [الصافات: 1- 3] فَإِنَّ الْأَوْصَافَ الْمَذْكُورَةَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ ثَابِتَةٌ

ص: 24

لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ. وَلِهَذَا فَحَقُّ جُمْلَةِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً أَنْ تَكُونَ خَبَرًا فِي الْمَعْنَى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَعَدَ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، إِنَّ الْمُسْلِمَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُنَّ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، وَهَكَذَا. وَالْفِعْلُ الْوَاقِعُ فِي جُمْلَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ فِعْلُ أَعَدَّ قَدْ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَمَعْطُوفٍ عَلَى الْمَفْعُولِ فَصِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْصُوفَاتِ المتعاطفات بِاعْتِبَارِ الْمَعْطُوفِ عَلَى مَفْعُولِهِ وَاضِحَةٌ لَأَنَّ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ يَصْلُحُ لِأَنْ يُعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ وَيَقْبَلُ التَّفَاوُتَ فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ أَجْرُهُ عَلَى اتِّصَافِهِ بِهِ وَيَكُونُ أَجْرُ بَعْضِهِمْ أَوْفَرَ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ آخَرَ.

وَأَمَّا صِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِفِعْلِ أَعَدَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِاعْتِبَار الْمَفْعُول وَهُوَ مَغْفِرَةً فَيَمْنَعُ مِنْهُ مَا جَاءَ مِنْ دَلَائِلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ الْكَبِيرَةَ الَّتِي فَرَطَتْ لَا يُضْمَنُ غُفْرَانُهَا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَّا بِشَرْطِ التَّوْبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ وَعَدًا مِنَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْأَنْعَام: 54] . وَأَلْحَقَتِ السُّنَّةُ بِمُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَشْيَاءَ أُخْرَى.

وَالْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ عِنْدِي: أَنْ تُحْمَلَ كُلُّ صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى عَدَمِ مَا يُعَارِضُهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّبِعَةَ، أَيْ سَلَامَتُهُ مِنَ التَّلَبُّسِ بِالْكَبَائِرِ حَمَلًا أُرَاعِي فِيهِ الْجَرْيَ عَلَى سَنَنِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ مَقَامِ الثَّنَاءِ وَالتَّنْوِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ اعْتِبَارِ حَالِ كَمَالِ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ:

أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الْأَنْفَال: 4] فَإِنَّا لَا نَجِدُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي مَقَامِ التَّحْذِيرِ مِنَ الذُّنُوبِ.

وَالْمَرْجِعُ فِي هَذَا الْمَحْمَلِ إِلَى بَيَانِ الْإِجْمَالِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ سَكَتَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَنِ التَّصَدِّي لِبَيَانِ مُفَادِ هَذَا الْوَعْدِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِيمَا رَأَيْتُ سِوَى صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» فَجَعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً: أَنَّ الْجَامِعِينَ وَالْجَامِعَاتِ لِهَذِهِ الطَّاعَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، وَجَعَلَ وَاوَ الْعَطْفِ بِمَعْنَى الْمَعِيَّةِ، وَجَعَلَ الْعَطْفَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ فِي الْأَوْصَافِ لَا الْمُغَايَرَةِ بِالذَّوَاتِ، وَهَذَا تَكَلُّفٌ وَصُنْعٌ بِالْيَدِ، وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَكَثِيرٌ. وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ جَمْعَ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُسْقِطُهَا عَنْ

ص: 25