الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدِ اسْتَحْسَنَ أَيِمَّةُ السَّلَفِ أَنْ يُجْعَلَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ مَخْصُوصًا بِالنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ مَالِكٍ: لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ نَبِيئِنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. يُرِيدُ أَنَّ تِلْكَ هِيَ السُّنَّةُ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ الصَّلَاةَ خَاصَّةٌ بِالنَّبِيئِينَ كُلِّهِمْ.
وَأَمَّا التَّسْلِيمُ فِي الْغَيْبَةِ فَمَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات: 79]، وَقَوْلِهِ:
سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [الصافات: 130]، سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ [الصافات: 120] ، سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ [الصافات: 109] .
وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِتْبَاعُ آلِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ وَصَالِحِي الْمُؤْمِنِينِ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ دُونَ اسْتِقْلَالٍ.
هَذَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِكَ تَحْرِيمًا وَلَكِنَّهُ اصْطِلَاحٌ وَتَمْيِيزٌ لِمَرَاتِبِ رِجَالِ الدِّينِ، كَمَا قَصَرُوا الرِّضَى عَلَى الْأَصْحَابِ وَأَيِمَّةِ الدِّينِ، وَقَصَرُوا كَلِمَاتِ الْإِجْلَالِ نَحْوَ: تبارك وتعالى، وَجَلَّ جَلَالُهُ، عَلَى الْخَالِقِ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ.
وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ التَّسْلِيمَ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَآلِهِمَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَمَلِ السَّلَفِ فَلَا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِهِ الْغَضَّ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَالصَّحَابَةِ.
وَانْتَصَبَ تَسْلِيماً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ لِ سَلِّمُوا وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَكِّدِ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِمَصْدَرٍ فَيُقَالُ: صَلُّوا عَلَيْهِ صَلَاةً، لِأَنَّ الصَّلَاةَ غَلَبَ إِطْلَاقُهَا عَلَى مَعْنَى الِاسْمِ دُونَ الْمَصْدَرِ، وَقِيَاسُ الْمَصْدَرِ التَّصْلِيَةُ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّهُ اشْتُهِرَ فِي الْإِحْرَاقِ، قَالَ تَعَالَى: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الْوَاقِعَة: 94]، عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَدْ حَصَلَ تَأْكِيدُهُ بِالْمَعْنَى لَا بِالتَّأْكِيدِ الِاصْطِلَاحِيِّ فَإِنَّ التَّمْهِيدَ لَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ مُشِيرٌ إِلَى التَّحْرِيضِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِشَأْنِ الله وَمَلَائِكَته.
[57]
[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57)
لَمَّا أَرْشَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى تَنَاهِي مَرَاتِبِ حُرْمَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَتَكْرِيمِهِ وَحَذَّرَهُمْ
مِمَّا قَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ خَفِيِّ الْأَذَى فِي جَانِبِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النبيء [الْأَحْزَاب: 53] وَقَوْلِهِ: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الْأَحْزَاب: 53] وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةَ التَّوْقِيرِ وَالتَّكْرِيمِ بِقَوْلِهِ: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ [الْأَحْزَاب: 53] وَقَوْلِهِ:
وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الْأَحْزَاب: 53] وَقَوْلِهِ:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النبيء [الْأَحْزَاب: 56] الْآيَةَ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ قَدِ امْتَثَلُوا أَوْ تَعَلَّمُوا أَرْدَفَ ذَلِكَ بِوَعِيدِ قَوْمٍ اتَّسَمُوا بِسِمَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ مِنْ دَأْبِهِمُ السَّعْيُ فِيمَا يُؤْذِي الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام فَأَعْلَمَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ أُولَئِكَ مَلْعُونُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ليعلم الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ أُولَئِكَ لَيْسُوا مِنَ الْإِيمَانِ فِي شَيْءٍ وَأَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يُعْهَدُ إِلَّا لِلْكَافِرِينَ.
فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهُ يَخْطُرُ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَنْ يَتَسَاءَلُوا عَنْ حَالِ قَوْمٍ قَدْ عُلِمَ مِنْهُمْ قِلَّةُ التَّحَرُّزِ مِنْ أَذَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِمَا لَا يَلِيقُ بِتَوْقِيرِهِ.
وَجِيءَ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ عَرَفُوا بِأَنَّ إِيذَاءَ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْوَالِهِمُ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ، وَلِدَلَالَةِ الصِّلَةِ عَلَى أَنَّ أَذَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم هُوَ عِلَّةُ لَعْنِهِمْ وَعَذَابِهِمْ.
وَاللَّعْنُ: الْإِبْعَادُ عَنِ الرَّحْمَةِ وَتَحْقِيرِ الْمَلْعُونِ. فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُحَقَّرُونَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَمَحْرُومُونَ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ وَعِنَايَتِهِ، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُحَقَّرُونَ بِالْإِهَانَةِ فِي الْحَشْرِ وَفِي الدُّخُولِ فِي النَّارِ.
وَالْعَذَابُ الْمُهِينُ: هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مُهِينٌ لِأَنَّهُ عَذَابٌ مَشُوبٌ بِتَحْقِيرٍ وَخِزْيٍ.
وَالْقَرْنُ بَيْنَ أَذَى اللَّهِ وَرَسُوِلِهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ أَذَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يُغْضِبُ اللَّهَ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ أَذًى لِلَّهِ.
وَفِعْلُ يُؤْذُونَ مُعَدًّى إِلَى اسْمِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ فِي اجْتِلَابِ غَضَبِ اللَّهِ وَتَعْدِيَتُهُ إِلَى الرَّسُولِ حَقِيقَةٌ. فَاسْتُعْمِلَ يُؤْذُونَ فِي مَعْنَيَيْهِ الْمَجَازِيِّ وَالْحَقِيقِيِّ.