المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 إلى 11] - التحرير والتنوير - جـ ٢٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 45 الى 46]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 73]

- ‌34- سُورَةُ سَبَأٍ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 54]

- ‌35- سُورَةُ فَاطِرٍ

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 19 الى 23]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 45]

- ‌36- سُورَةُ يس

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 20 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

الفصل: ‌[سورة سبإ (34) : الآيات 10 إلى 11]

الشَّيْءِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [92] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَخْسِفْ ونُسْقِطْ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَقَرَأَهَا حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِيَاءِ الْغَائِبِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنْ مَقَامِ التَّكَلُّمِ إِلَى مَقَامِ الْغَيْبَةِ، وَمُعَادُ الضَّمِيرَيْنِ مَعْرُوفٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ تَعْلِيلٌ لِلتَّعْجِيبِ الْإِنْكَارِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْحَثِّ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، فَمَوْقِعُ حَرْفِ التَّوْكِيدِ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيلِ، كَقَوْلِ بِشَّارٍ:

إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَذْيِيلًا. وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مِنَ الْكَائِنَاتِ فِيهِمَا.

وَالْآيَةُ: الدَّلِيلُ وَالتَّعْرِيفُ لِلْجِنْسِ، فَالْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ مُسَاوٍ لِلْجَمْعِ، أَيْ لَآيَاتٍ كَثِيرَةٍ.

وَالْمُنِيبُ: الرَّاجِعُ بِفِكْرِهِ إِلَى الْبَحْثِ عَمَّا فِيهِ كَمَالُهُ النَّفْسَانِيُّ وَحُسْنُ مَصِيرِهِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ يُقَدِّرُ الْمَوَاعِظَ حَقَّ قَدْرِهَا وَيَتَلَقَّاهَا بِالشَّكِّ فِي الْحَالَةِ الَّتِي وُعِظَ مِنْ أَجْلِهَا فَيُعَاوِدُ النَّظَرَ حَتَّى يَهْتَدِيَ وَلَا يَرْفُضَ نُصْحَ النَّاصِحِينَ وإرشاد المرشدين مرتديا بِرِدَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ فَهُوَ لَا يَخْلُو مِنَ النَّظَرِ فِي دَلَائِلِ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَمِنْ أَكْبَرِ الْمُنِيبِينَ الْمُؤْمِنُونَ مَعَ رسولهم.

[10، 11]

[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)

مُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ إِلَى ذِكْرِ دَاوُدَ خَفِيَّةٌ. فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَكَرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ عَلَى دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ احْتِجَاجًا عَلَى مَا مَنَحَ مُحَمَّدًا، أَيْ لَا تَسْتَبْعِدُوا هَذَا فَقَدَ تَفَضَّلْنَا عَلَى عَبِيدِنَا قَدِيمًا.

ص: 154

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [سبأ: 9] لِأَنَّ الْمُنِيبَ لَا يَخْلُو مِنَ النَّظَرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْبَعْثِ وَمِنْ عِقَابِ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ اهـ. فَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا لِأَنَّهُ كَالتَّخَلُّصِ مِنْهُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْمُنِيبِينَ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى:

وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص: 17] هـ. يُرِيدُ الطِّيبِيُّ أَنَّ دَاوُدَ مِنْ أَشْهَرِ الْمُثُلِ فِي الْمُنِيبِينَ بِمَا اشْتُهِرَ بِهِ مِنِ انْقِلَابِ حَالِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ رَاعِيًا غَلِيظًا إِلَى أَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ نَبِيئًا وَمَلِكًا صَالِحًا مُصْلِحًا لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَهُوَ مَثَلُ الْمُنِيبِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ وَقَالَ: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ [ص: 24] ، فَلِإِنَابَتِهِ وَتَأْوِيبِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعَمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبَارَكَهُ وَبَارَكَ نَسْلَهُ. وَفِي ذِكْرِ فَضْلِهِ عِبْرَةٌ لِلنَّاسِ بِحُسْنِ عِنَايَةِ اللَّهِ بِالْمُنِيبِينَ تَعْرِيضًا بِضِدِّ ذَلِكَ لِلَّذِينِ لَمْ يَعْتَبِرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَفِي هَذَا

إِيمَاءٌ إِلَى بِشَارَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ بَعْدَ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وَضِيقِ حَاله مِنْهُم سيؤول شَأْنُهُ إِلَى عِزَّةٍ عَظِيمَةٍ وَتَأْسِيسِ مُلْكِ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ كَمَا آلَتْ حَالُ دَاوُدَ، وَذَلِكَ الْإِيمَاءُ أَوْضَحُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ الْآيَةُ فِي سُورَةِ ص [17] .

وَسَمَّى الطِّيبِيُّ هَذَا الِانْتِقَالَ إِلَى ذِكْرِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ تَخَلُّصًا، وَالْوَجْهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ اسْتِطْرَادًا أَوِ اعْتِرَاضًا وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا، فَإِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ قِصَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَسَبَأٍ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ إِبْطَالَ أَحْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ [سبأ: 20] .

وَتَقْدِيم التَّعْرِيفُ بِدَاوُدَ عليه السلام عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [163] وَعِنْدَ قَوْلِهِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [84] .

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنَّا ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِ آتَيْنا، أَيْ مِنْ لَدُنَّا وَمِنْ عِنْدِنَا، وَذَلِكَ تَشْرِيفٌ لِلْفَضْلِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [الْقَصَص: 57] . وَتَنْكِيرُ فَضْلًا لِتَعْظِيمِهِ وَهُوَ فَضْلُ النُّبُوءَةِ وَفَضْلُ الْمُلْكِ، وَفَضْلُ الْعِنَايَةِ بِإِصْلَاحِ الْأُمَّةِ، وَفَضْلُ الْقَضَاءِ بِالْعَدْلِ، وَفَضْلُ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ، وَفَضْلُ سَعَةِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ، وَفَضْلُ إِغْنَائِهِ عَنِ النَّاسِ بِمَا أُلْهِمَهُ مِنْ صُنْعِ دُرُوعِ

ص: 155

الْحَدِيدِ، وَفَضْلُ إِيتَائِهِ الزَّبُورَ، وَإِيتَائِهِ حُسْنَ الصَّوْتِ، وَطُولَ الْعُمْرِ فِي الصَّلَاحِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَجُمْلَةُ يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٌ، وَحَذْفُ الْقَوْلِ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ، وَفِعْلُ الْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِجُمْلَةِ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا.

وَفِي هَذَا الْأُسْلُوبِ الَّذِي نُظِمَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنَ الْفَخَامَةِ وَجَلَالَةِ الْخَالِقِ وَعِظَمِ شَأْنِ دَاوُدَ مَعَ وَفْرَةِ الْمَعَانِي وَإِيجَازِ الْأَلْفَاظِ وَإِفَادَةِ مَعْنَى الْمَعِيَّةِ بِالْوَاوِ دُونَ مَا لَوْ كَانَتْ حَرْفَ عَطْفٍ.

وَالْأَمْرُ فِي أَوِّبِي مَعَهُ أَمْرُ تَكْوِينٍ وَتَسْخِيرٍ.

وَالتَّأْوِيبُ: التَّرْجِيعُ، أَيْ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ، وَقِيلَ: التَّأْوِيبُ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ لُغَةٌ حَبَشِيَّةٌ فَهُوَ مِنَ المعرب فِي اللُّغَة الْعَرَبِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ تَسْبِيحِ الْجِبَالِ مَعَ دَاوُدَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ.

والطَّيْرَ مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُنَادَى لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ الْمُعَرَّفَ عَلَى الْمُنَادَى يَجُوزُ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ، وَالنَّصْبُ أَرْجَحُ عِنْدَ يُونُسَ وَأَبِي عَمْرٍو وَعِيسَى بْنِ عُمَرَ وَالْجَرْمِيِّ وَهُوَ أوجه، وَيجوز أَنْ يَكُونَ وَالطَّيْرَ مَفْعُولًا مَعَهُ لِ أَوِّبِي. وَالتَّقْدِيرُ: أَوِّبِي مَعَهُ وَمَعَ الطَّيْرِ، فَيُفِيدُ أَنَّ الطَّيْرَ تَأَوَّبَ مَعَهُ أَيْضًا.

وَإِلَانَةُ الْحَدِيدِ: تَسْخِيرُهُ لِأَصَابِعِهِ حِينَمَا يَلْوِي حَلَقِ الدُّرُوعِ وَيَغْمِزُ الْمَسَامِيرَ.

وأَنِ تَفْسِيرِيَّةٌ لِمَا فِي أَلَنَّا لَهُ مِنْ مَعْنَى: أَشْعَرْنَاهُ بِتَسْخِيرِ الْحَدِيدِ لِيُقْدِمَ عَلَى صُنْعِهِ فَكَانَ فِي أَلَنَّا مَعْنَى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ.

والْحَدِيدَ تُرَابٌ مَعْدِنِيٌّ إِذَا صُهِرَ بِالنَّارِ امْتَزَجَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَلَانَ وَأُمْكِنَ تَطْرِيقُهُ وَتَشْكِيلُهُ فَإِذَا برد تصلب. وَقد تقدم عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [50] .

وسابِغاتٍ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ لِظُهُورِهِ مِنَ الْمَقَامِ إِذْ شَاعَ وَصْفُ

ص: 156