المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة سبإ (34) : آية 37] - التحرير والتنوير - جـ ٢٢

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 45 الى 46]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 64 إِلَى 65]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 73]

- ‌34- سُورَةُ سَبَأٍ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة سبإ (34) : آيَة 54]

- ‌35- سُورَةُ فَاطِرٍ

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 19 الى 23]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 29 إِلَى 30]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 42 الى 43]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة فاطر (35) : آيَة 45]

- ‌36- سُورَةُ يس

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 2 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 20 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

الفصل: ‌[سورة سبإ (34) : آية 37]

تَلْتَبِسُ عَلَيْهِمُ الْأُمُورُ فَيَخْلِطُونَ بَيْنَهَا وَلَا يَضَعُونَ فِي مَوَاضِعِهَا زَيْنَهَا وَشَيْنَهَا.

وَقَدْ أَفَادَ هَذَا أَن حَالهم غَيْرُ دالّ على رضى اللَّهِ عَنْهُم وَلَا على عَدَمِهِ، وَهَذَا الْإِبْطَالُ هُوَ مَا يُسَمَّى فِي عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ نَقْضًا إِجْمَالِيًّا.

وَبَسْطُ الرِّزْقِ: تَيْسِيرُهُ وَتَكْثِيرُهُ، اسْتُعِيرَ لَهُ الْبَسْطُ وَهُوَ نَشْرُ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمَبْسُوطَ تَكْثُرُ مِسَاحَةُ انْتِشَارِهِ.

وَقَدْرُ الرِّزْقِ: عُسْرُ التَّحْصِيلِ عَلَيْهِ وَقِلَّةُ حَاصِلِهِ اسْتُعِيرَ لَهُ الْقَدْرُ، أَيِ التَّقْدِيرُ وَهُوَ التَّحْدِيدُ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْقَلِيلَ يَسْهُلُ عَدُّهُ وَحِسَابُهُ وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي ضِدِّهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ [الْبَقَرَة: 212] ، وَمَفْعُولُ يَقْدِرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْعُولُ يَبْسُطُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ.

وَمَفْعُولُ يَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ كَوْنِهِ صَالِحًا أَوْ طَالِحًا، وَمن انْتِفَاء علمهمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا بَسْطَ الرِّزْقِ عَلَامَةً عَلَى الْقُرْبِ عِنْدَ اللَّهِ، وَضِدَّهُ عَلَامَةً عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ.

وَبِهَذَا أَخْطَأَ قَوْلُ أَحْمد بن الرواندي:

كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٌ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ

وَجَاهِلٍ جَاهِلٌ تَلْقَاهُ مَرْزُوقًا

هَذَا الَّذِي تَرَكَ الْأَوْهَامَ حَائِرَةً

وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقًا

فَلَوْ كَانَ عَالِمًا نِحْرِيرًا لَمَا تَحَيَّرَ فَهْمُهُ، وَمَا تَزَنْدَقَ مِنْ ضِيقِ عطن فكره.

[37]

[سُورَة سبإ (34) : آيَة 37]

وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَما أَمْوالُكُمْ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ [سبأ: 36] الَخْ فَيَكُونَ كَلَامًا مُوَجَّهًا مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا

وَأَوْلاداً

[سبأ: 35] فَتَكُونَ ضَمَائِرُ الْخِطَابِ مُوَجَّهَةً إِلَى الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً.

ص: 214

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ [سبأ: 36] .

فَيَكُونَ مِمَّا أُمِرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَيُبْلِغَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَكُونُ فِي ضَمِيرِ عِنْدَنا الْتِفَاتٌ، وَضَمَائِرُ الْخِطَابِ تَكُونُ عَائِدَةً إِلَى الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ: 35] وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.

وَهُوَ ارْتِقَاءٌ مِنْ إِبْطَالِ الْمُلَازِمَةِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَحَلِّ الرِّضَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَةِ النَّقْضِ التَّفْصِيلِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُنَاقَضَةِ أَيْضًا فِي عِلْمِ الْمُنَاظَرَةِ. وَهُوَ مَقَامُ الِانْتِقَالِ مِنَ الْمَنْعِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى الْخَصْمِ، فَقَدْ أَبْطَلَتِ الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ مُقَرِّبَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ.

وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي صِيغَةِ حَصْرٍ بِتَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أُرِيدَ مِنْهَا نَفْيُ قَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ أَيْ لَا أَنْتُمْ، فَكَانَ كَلَامُهُمْ فِي قُوَّةِ حَصْرِ التَّقْرِيبِ إِلَى اللَّهِ فِي كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَنُفِيَ ذَلِكَ بِأَسْرِهِ.

وَتَكْرِيرُ لَا النَّافِيَةِ بَعْدَ الْعَاطِفِ فِي وَلا أَوْلادُكُمْ لِتَأْكِيدِ تَسَلُّطِ النَّفْيِ عَلَى كِلَا الْمَذْكُورَيْنِ لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مَقْصُودًا بِنَفْيِ كَوْنِهِ مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى الله وملتفتا إِلَيْهِ.

وَلَمَّا كَانَتِ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ جَمْعَيْ تَكْسِيرٍ عُومِلَا مُعَامَلَةَ الْمُفْرَدِ الْمُؤَنَّثِ فَجِيءَ بِخَبَرِهِمَا اسْم مَوْصُول الْمُفْرد الْمُؤَنَّثِ عَلَى تَأْوِيلِ جَمَاعَةِ الْأَمْوَالِ وَجَمَاعَةِ الْأَوْلَادِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى تَغَلُّبِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَمْوَالِ فَيُخْبَرُ عَنْهُمَا مَعًا ب (الَّذين) وَنَحْوِهِ.

وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ إِلَيْنَا، إِلَى تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا لِأَنَّ التَّقْرِيبَ هُنَا مَجَازٌ فِي التَّشْرِيفِ وَالْكَرَامَةِ لَا تَقْرِيبَ مَكَانٍ.

وَالزُّلْفَى: اسْمٌ لِلْقُرْبِ مِثْلَ الرُّجْعَى وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نَائِبٌ عَنِ الْمَصْدَرِ، أَيْ تُقَرِّبُكُمْ تَقْرِيبًا، وَنَظِيرُهُ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: 17] .

وَقَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وإِلَّا بِمَعْنَى (لَكِنِ) الْمُخَفَّفَةِ النُّونِ الَّتِي هِيَ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَمَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَذَلِكَ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ إِلَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ

ص: 215

الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَا بَعْدَ إِلَّا مُفْرَدًا فَإِنَّ إِلَّا تُقَدَّرُ بِمَعْنَى (لَكِنَّ) أُخْتِ (إِنَّ) عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ

فَيَنْصِبُونَ مَا بَعْدَهَا عَلَى تَوَهُّمِ اسْمِ (لَكِنَّ) وَتُقَدَّرُ بِمَعْنَى (لَكِنِ) الْمُخَفَّفَةِ الْعَاطِفَةِ عِنْدَ بَنِي تَمِيمٍ فَيَتْبَعُ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَهَا إِعْرَابَ الِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهَا وَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ فِي بَابٍ يَخْتَارُ فِيهِ النَّصْبَ مِنْ أَبْوَابِ الِاسْتِثْنَاءِ (1) .

فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَا بَعْدَ إِلَّا جُمْلَةً اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فَإِنَّ إِلَّا تُقَدَّرُ بِمَعْنَى (لَكِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَتُجْعَلُ الْجُمْلَةُ بَعْدُ اسْتِئْنَافًا، وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْلِ الْعَرَبِ:«وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِلَّا حِلُّ ذَلِكَ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا» قَالَ سِيبَوَيْهِ: «فَإِنَّ: أَنْ أَفْعَلَ كَذَا، بِمَنْزِلَةِ: إِلَّا فِعْلَ كَذَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلٍّ (أَيْ هُوَ خَبَرٌ لَهُ) . وَحِلُّ مُبْتَدَأٌ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكِنَّ حِلُّ ذَلِكَ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا» اهـ (2) .

قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي «شَرْحِ التَّسْهِيلِ» : وَتَقْرِيرُ الْإِخْرَاجِ فِي هَذَا أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُمْ: إِلَّا حِلُّ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ: لَا أَرَى لِهَذَا الْعَقْدِ مُبْطِلًا إِلَّا فِعْلُ كَذَا. وَجَعَلَ ابْنُ خَرُوفٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ [الغاشية: 22- 24] عَلَى أَنْ يَكُونَ مَنْ مُبْتَدأ و «يعذبه اللَّهُ» الْخَبَرَ وَدَخَلَ الْفَاءُ لِتَضْمِينِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الْجَزَاء. وَقَالَ أَبُو يسعود: إِنَّ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً تَقْدِيرُهُ: لَكِنْ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ، فَيَكُونُ مَنْ مُبْتَدَأً مُضَمَّنًا مَعْنَى الشَّرْطِ ولَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ جُمْلَةَ خَبَرٍ عَنِ الْمُبْتَدَأِ وَزِيدَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضْمِينِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ.

وَأَسْهَلُ مِنْ هَذَا أَنْ نَجْعَلَ مَنْ شَرْطِيَّةً وَجُمْلَةَ فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ جَوَابَ الشَّرْطِ، وَاقْتَرَنَ بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ. وَهَذَا تَحْقِيقٌ لِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَتَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بِدُونِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَرَدُّدَ فِي النَّظْمِ.

(1) انْظُر الْجُزْء الأول ص 319 طبع باريس.

(2)

نفس الْمصدر والجزء ص 326.

ص: 216

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ الَخْ اعْتِرَاضًا بَيْنَ جُمْلَةِ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [سبأ: 36] وَجُمْلَةُ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ

مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ [سبأ: 39] وَتَكُونُ ضَمَائِرُ الْخِطَابِ مُوَجَّهَةً إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ مِنْ مُؤْمِنِينَ وكافرين. وَعَلِيهِ فَيكون قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً الَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ، أَيْ مَا أَمْوَالُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْكُمْ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا ثَنَاءً عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.

وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ مَنْ آمَنَ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِمْ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ جَدِيرُونَ بِمَا يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَقَدَّمَتِ اسْمَ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] وَغَيْرِهِ. وَوِزَانُ هَذَا الْمَعْنَى وِزَانُ قَوْلِهِ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ إِلَى قَوْلِهِ: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ [آل عمرَان: 198] الْآيَة.

والضِّعْفِ الْمُضَاعَفُ الْمُكَرَّرُ فَيَصْدُقُ بِالْمُكَرَّرِ مَرَّةً وَأَكْثَرَ.

وَفِي الْحَدِيثِ «وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ»

وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ [الْبَقَرَة: 261] .

وَإِضَافَةُ جَزاءُ إِلَى الضِّعْفِ إِضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ، أَيِ الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ الْمُضَاعَفَةُ لِأَعْمَالِهِمْ، أَيْ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكُنِّيَ عَنِ التَّقْرِيبِ بِمُضَاعَفَةِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَارَةُ كَرَامَةِ الْمَجْزِيِّ عِنْدَ اللَّهِ، أَي أُولَئِكَ الَّذين يَقْرُبُونَ زُلْفَى فَيُجْزَوْنَ جَزَاءَ الضِّعْفِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ لَا عَلَى وَفْرَةِ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، فَالِاسْتِدْرَاكُ وَرَدَ عَلَى جَمِيعِ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَالْفَخْرِ الْكَاذِبِ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ لَا تُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ بِحَالٍ، فَإِنَّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ صَدَقَاتٍ وَنَفَقَاتٍ، وَمِنْ أَوْلَادِهِمْ أَعْوَانًا عَلَى الْبِرِّ وَمُجَاهِدِينَ وَدَاعِينَ لِآبَائِهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِما عَمِلُوا تَحْتَمِلُ السَّبَبِيَّةَ فَتَكُونُ دَلِيلًا عَلَى مَا هُوَ الْمُضَاعَفُ وَهُوَ مَا يُنَاسِبُ السَّبَبَ مِنَ الصَّالِحَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ [الرَّحْمَن: 60]، وَتَحْتَمِلُ الْعِوَضَ فَيَكُونُ «مَا عَمِلُوا» هُوَ الْمُجَازَى عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ:

ص: 217