الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُنَا بِ مَواخِرَ إِيقَافًا عَلَى الْغَرَضِ مِنْ تَقْدِيمِ الظَّرْفِ، وَفِي آيَةِ النَّحْلِ ذُكِرَ الْمَخْرُ فِي عداد الامتنان لِأَنَّهُ بِهِ تَيْسِيرَ الْأَسْفَارِ، ثُمَّ فُصِلَ بَيْنَ مَواخِرَ وَعِلَّتِهِ بِظَرْفِ فِيهِ، فَصَارَ مَا يؤمىء إِلَيْهِ الظَّرْفُ فَصْلًا بِغَرَضٍ أُدْمِجَ إِدْمَاجًا وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَظِيمِ الصُّنْعِ بِطَفْوِ الْفُلْكِ عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا أُرِيدَ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ وَهُوَ الْعَوْدُ إِلَى الِامْتِنَانِ بِالْمَخْرِ لِنِعْمَةِ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ عُطِفَ الْمُغَايِرُ فِي الْغَرَضِ.
[13، 14]
[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 13 الى 14]
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى.
اسْتِدْلَالٌ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي مَظَاهِرِ السَّمَاوَاتِ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى بَدِيعِ صُنْعِ اللَّهِ فِي أَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ لِيَتَذَكَّرُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ، سِوَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَاءَ فِيهَا كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ فَعُدِّيَ فِعْلُ يَجْرِي بِاللَّامِ وَجِيءَ فِي آيَةِ سُورَةِ لُقْمَانَ تَعْدِيَةُ فِعْلِ يَجْرِي بِحَرْفِ (إِلَى) ، فَقِيلَ اللَّامُ تَكُونُ بِمَعْنَى (إِلَى) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الِانْتِهَاءِ، فَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ تَفَنُّنٌ فِي النَّظْمِ. وَهَذَا أَبَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ وَرَدَّهُ أَغْلَظَ رَدٍّ فَقَالَ:
لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ تَعَاقُبِ الْحَرْفَيْنِ وَلَا يَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ إِلَّا بَلِيدُ الطَّبْعِ ضَيِّقُ الْعَطَنِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَيَيْنِ أَعْنِي الِانْتِهَاءَ وَالِاخْتِصَاصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلَائِمٌ لِصِحَّةِ الْغَرَضِ لِأَنَّ قَوْلَكَ:
يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَعْنَاهُ يَبْلُغُهُ، وَقَوْلَهُ: يَجْرِي لِأَجَلٍ تُرِيدُ لِإِدْرَاكِ أَجَلٍ اهـ.
وَجُعِلَ اللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ وَيَجْرِي لِأَجْلِ أَجَلٍ، أَيْ لِبُلُوغِهِ وَاسْتِيفَائِهِ، وَالِانْتِهَاءُ وَالِاخْتِصَاصُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُلَائِمٌ لِلْغَرَضِ، أَيْ فَمَآلُ الْمَعْنَيَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ مُخْتَلِفًا، يَعْنِي فَلَا يُعَدُّ الِانْتِهَاءُ مَعْنًى لِلَّامِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ هِشَامٍ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَرْمِي إِلَى تَحْقِيقِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَعَانِي الْحُرُوف وَهُوَ مِمَّا نَمِيلُ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُنْكِرَ كَثْرَةَ وُرُودِ اللَّامِ فِي مَقَامِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ كَثْرَةً جَعَلَتِ اسْتِعَارَةَ حَرْفِ التَّخْصِيصِ لِمَعْنَى الِانْتِهَاءِ مِنَ الْكَثْرَةِ إِلَى مُسَاوِيهِ لِلْحَقِيقَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّمَخْشَرِيُّ يُرِيدُ أَنَّ الْأَجَلَ هُنَا هُوَ أَجَلُ كُلِّ إِنْسَانٍ، أَيْ عُمُرُهُ وَأَنَّ الْأَجَلَ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ هُوَ أَجَلُ بَقَاءِ هَذَا الْعَالَمِ.
وَهُوَ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ إِدْمَاجٌ لِلتَّذْكِيرِ فِي خِلَالِ الِاسْتِدْلَالِ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَكَّرَهُمْ
بِأَنَّ لِأَعْمَارِهِمْ نِهَايَةً تَذْكِيرًا مُرَادًا بِهِ الْإِنْذَارُ وَالْوَعِيدُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [60] ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى. وَاقْتِلَاعُ الطُّغْيَانِ وَالْكِبْرِيَاءِ مِنْ نُفُوسِهِمْ.
وَيُرِيدُ ذَلِكَ أَنَّ مُعْظَمَ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ بَعْدَهَا: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ وَفِي سُورَةِ لُقْمَانَ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَامٌّ لِكُلِّ مُخَاطَبٍ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فَكَانَ إِدْمَاجُ التَّذْكِيرِ فِيهِ بِأَنَّ لِهَذَا الْعَالَمِ انْتِهَاءً أَنْسَبَ بِالْجَمِيعِ لِيَسْتَعِدَّ لَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلِيُرْغَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْبَعْثِ لِأَنَّ نِهَايَةَ هَذَا الْعَالَمِ ابْتِدَاءٌ لِعَالَمٍ آخَرَ.
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ اسْتِئْنَافٌ مَوْقِعُهُ مَوْقِعُ النَّتِيجَةِ مِنَ الْأَدِلَّةِ بَعْدَ تَفْصِيلِهَا.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُوَجَّهٌ إِلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ [فاطر: 9] الْآيَاتِ فَكَانَ اسْمُهُ حَرِيًّا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ بَعْدَ إِجْرَاءِ تِلْكَ الصِّفَاتِ إِذْ بِذِكْرِهَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَ السَّامِعِينَ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ حَتَّى كَأَنَّهُ مُشَاهِدٌ لِأَبْصَارِهِمْ مَعَ مَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنَ الْبُعْدِ الْمُسْتَعْمَلِ كِنَايَةً عَنْ تَعْظِيمِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَمَعَ مَا يَقْتَضِيهِ إِيرَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَقِبَ أَوْصَافٍ كَثِيرَةٍ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقٌ بِمَا سَيَرِدُ بَعْدَ الْإِشَارَةِ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ
الصِّفَاتِ فَأَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَاحِبُ الِاسْمِ الْمُخْتَصِّ بِهِ الَّذِي لَا يَجْهَلُونَهُ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ رَبُّ الْخَلَائِقِ بَعْدَ أَنْ سَجَّلَ عَلَيْهِمْ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِإِنْكَارِهِ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي خَلَقَهُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ، وَأَنْ خَلَقَهُمْ مِنْ تُرَابٍ، وَقَدَّرَ آجَالَهُمْ وَأَوْجَدَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فَهُوَ الرَّبُّ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ، فَانْتَهِضِ الدَّلِيلَ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَصْنَامَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِنَ الْمُلْكِ شَيْئًا وَلَوْ حَقِيرًا وَهُوَ الْمُمَثَّلُ بِالْقِطْمِيرِ.
وَالْقِطْمِيرُ: الْقِشْرَةُ الَّتِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ كَالْخَيْطِ الدَّقِيقِ. فَالْمَعْنَى: لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَوْ حَقِيرًا، فَكَوْنُهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْقِطْمِيرِ مَعْلُومٌ بِفَحْوَى الْخِطَابِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَإِنَّ أَصْنَامَهُمْ حِجَارَةٌ جَاثِمَةٌ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا بِتَكَسُّبٍ وَلَا تَحُوزُهُ بِهِبَةٍ، فَإِذَا انْتَفَى أَنَّهَا تَمْلِكُ شَيْئًا انْتَفَى عَنْهَا وَصْفُ الْإِلَهِيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَنُفِيَ مَا كَانُوا يَزْعُمُونَهُ مِنْ أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ.
وَجُمْلَةُ إِنْ تَدْعُوهُمْ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ [فاطر: 13] . وَالْمَقْصِدُ مِنْهَا تَنْبِيهُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى عَجْزِ أَصْنَامِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تَسْمَعُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَسْمَعُ مِنْهُمْ فَلِذَلِكَ كَانُوا يُكَلِّمُونَهَا وَيُوَجِّهُونَ إِلَيْهَا مَحَامِدَهُمْ وَمَدَائِحَهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَمْهِيدٌ لِلْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى الْخَبَرِ وَهِيَ جُمْلَةُ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ فَإِنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ، وَلَيْسَتِ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً، أَيْ وَلَوْ سَمِعُوا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ وَمُجَارَاةِ مَزَاعِمِكُمْ حِينَ تَدَّعُونَهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَجِيبُ لِدَعْوَتِكُمْ، أَيْ لَا تُرَدُّ عَلَيْكُمْ بِقَبُولٍ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ سَنَدُهُ الْمُشَاهَدَةُ، فَطَالَمَا دَعَوُا الْأَصْنَامَ فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهَا جَوَابًا وَطَالَمَا دَعَوْهَا فَلَمْ يَحْصُلْ مَا دَعَوْهَا لِتَحْصِيلِهِ مَعَ أَنَّهَا حَاضِرَةٌ بِمَرْأًى مِنْهُمْ غَيْرُ مَحْجُوبَةٍ، فَعَدَمُ إِجَابَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ، لِأَنَّ شَأْنَ الْعَظِيمِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي مَرْضَاتِهِ، فَقَدْ لَزِمَهُمْ إِمَّا عَجْزُهَا وَإِمَّا أَنَّهَا لَا تَفْقَهُ إِذْ لَيْسَ فِي أَوْلِيَائِهَا مَغْمَزٌ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُرْضَيْنَ لِهَذَا. وَهَذَا مِنْ أَبْدَعِ الِاسْتِدْلَالِ الْمُوَطَّأِ بِمُقَدِّمَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ: مَا اسْتَجابُوا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى إِجَابَةِ الْمُنَادِي بِكَلِمَاتِ الْجَوَابِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى إِجَابَةِ السَّائِلِ بِتَنْوِيلِهِ مَا سَأَلَهُ. وَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرِكِ فِي
مَعْنَيَيْهِ.
وَلَمَّا كُشِفَ حَالُ الْأَصْنَامِ فِي الدُّنْيَا بِمَا فِيهِ تَأْيِيسٌ مِنِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا فِيهَا كَمُلَ كَشْفُ أَمْرِهَا فِي الْآخِرَةِ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَصْنَامَ يُنْطِقُهَا اللَّهُ فَتَتَبَرَّأُ مِنْ شِرْكِهِمْ، أَيْ تَتَبَرَّأُ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَعَتْ لَهُ أَوْ رَضِيَتْ بِهِ.
وَالْكُفْرُ: جُحْدٌ فِي كَرَاهَةٍ.
وَالشِّرْكُ أُضِيفَ إِلَى فَاعِلِهِ، أَيْ بِشِرْكِكُمْ إِيَّاهُمْ فِي الْإِلَهِيَّةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأُجْرِيَ عَلَى الْأَصْنَامِ مَوْصُولُ الْعَاقِلِ وَضَمَائِرُ الْعُقَلَاءِ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ [فاطر: 13] إِلَى قَوْلِهِ: يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ عَلَى تَنْزِيلِ الْأَصْنَامِ مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ مُجَارَاةً لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ تَذْيِيلٌ لِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهَا هُوَ الْخَبِيرُ بِهَا وَبِغَيْرِهَا وَلَا يُخْبِرُكَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا يُخْبِرُكَ هُوَ.
وَعَبَّرَ بِفِعْلِ الْإِنْبَاءِ لِأَنَّ النَّبَأَ هُوَ الْخَبَرُ عَنْ حَدَثٍ خَطِيرٍ مُهِمٍّ.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: يُنَبِّئُكَ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ سَمَاعُ هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أُرْسِلَتْ مُرْسَلَ الْأَمْثَالِ فَلَا يَنْبَغِي تَخْصِيصُ مَضْمُونِهَا بِمُخَاطَبٍ مُعَيَّنٍ.
وخَبِيرٍ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَبُرَ، بِضَمِّ الْبَاءِ، فُلَانٌ الْأَمْرَ، إِذَا عَلِمَهُ عِلْمًا لَا شَكَّ فِيهِ. وَالْمُرَادُ بِ خَبِيرٍ جِنْسُ الْخَبِيرِ، فَلَمَّا أَرْسَلَ هَذَا الْقَوْلَ مَثَلًا وَكَانَ شَأْنُ الْأَمْثَالِ أَنْ تَكُونَ مُوجَزَةً صِيغَ عَلَى أُسْلُوبِ الْإِيجَازِ فَحُذِفَ مِنْهُ متعلّق فعل (ينبّىء) ومتعلّق وَصْفِ خَبِيرٍ، وَلَمْ يُذْكَرْ وَجْهُ الْمُمَاثَلَةِ لِعِلْمِهِ مِنَ الْمَقَامِ. وَجُعِلَ خَبِيرٍ نَكِرَةً مَعَ أَن المُرَاد بِهِ خَبِيرٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ فَكَانَ حَقُّهُ التَّعْرِيفَ، فَعُدِلَ إِلَى تَنْكِيرِهِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِأَنَّ إِضَافَةَ كَلِمَةِ مِثْلُ إِلَى خَبِير لَا تفيده تَعْرِيفًا. وَجُعِلَ نَفْيُ فِعْلِ الْإِنْبَاءِ كِنَايَةً عَنْ نَفْيِ الْمُنْبِئِ. وَلَعَلَّ التَّرْكِيبَ: وَلَا يُوجَدُ أَحَدٌ يُنَبِّئُكَ بِهَذَا الْخَبَرِ يُمَاثِلُ هَذَا الْخَبِيرَ الَّذِي أَنْبَأَكَ بِهِ، فَإِذَا أَرْدَفَ مُخْبِرٌ خَبَرَهُ بِهَذَا الْمَثَلِ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ الْمُخْبِرِ بِالْخَبَرِ الْمَخْصُوصِ يُرِيدُ بِ خَبِيرٍ نَفْسَهُ لِلتَّلَازُمِ بَيْنَ مَعْنَى هَذَا الْمَثَلِ وَبَيْنَ تَمَثُّلِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ.
فَالْمَعْنَى: وَلَا يُنَبِّئُكَ بِهَذَا الْخَبَرِ مِثْلِي لِأَنِّي خَبِرْتُهُ، فَهَذَا تَأْوِيلُ هَذَا التَّرْكِيب وَقد أغفل المفسّرون بَيَان هَذَا التَّرْكِيبِ.
وَالْمِثْلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ: الْمُسَاوِي إِمَّا فِي قَدْرٍ فَيَكُونُ بِمَعْنَى ضَعْفٍ، وَإِمَّا الْمُسَاوِي فِي صِفَةٍ فَيَكُونُ بِمَعْنَى شَبِيهٍ وَهُوَ بِوَزْن فعل بِمَعْنى فَاعل وَهُوَ قَلِيلٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: شِبْهٌ، وندّ، وخدن.