الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَصْرِ الدِّينِ.
رَوَى مَالِكٌ عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْن آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ»
. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَدْ يُعَوَّضُ مِثْلَهُ أَوْ أَزْيَدَ، وَقَدْ يُعَوَّضُ ثَوَابًا، وَقَدْ يُدَّخَرُ لَهُ وَهُوَ كَالدُّعَاءِ فِي وَعْدِ الْإِجَابَةِ» اهـ. قُلْتُ: وَقَدْ يُعَوَّضُ صِحَّةً وَقَدْ يُعَوَّضُ تَعْمِيرًا. وَلِلَّهِ فِي خلقه أسرار.
[40، 41]
[سُورَة سبإ (34) : الْآيَات 40 إِلَى 41]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [سبأ: 31] الْآيَةَ اسْتِكْمَالًا لِتَصْوِيرِ فَظَاعَةِ حَالِهِمْ يَوْمَ الْوَعْدِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ تَبَعًا لِمَا وَصَفَ مِنْ حَالِ مُرَاجَعَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْهُمْ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ فَوَصَفَ هُنَا افْتِضَاحَهُمْ بِتَبَرُّؤِ الْمَلَائِكَةِ مِنْهُمْ وَشَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ.
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ مِنْ نَحْشُرُهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً [سبأ: 35] الَّذِي هُوَ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْلِهِ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ [سبأ: 31] . وَالْكَلَامُ كُلُّهُ مُنْتَظِمٌ فِي أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَجَمِيعُ: فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَجْمُوعٍ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ وَصْفًا لِإِفَادَةِ شُمُولِ أَفْرَادِ مَا أُجْرِيَ هُوَ عَلَيْهِ مِنْ ذَوَاتٍ وَأَحْوَالٍ، أَيْ يَجْمَعُهُمُ الْمُتَكَلِّمُ، قَالَ لَبِيدٌ:
عَرِيَتْ وَكَانَ بهَا الْجَمِيع فأبكروا
…
مِنْهَا وَغُودِرَ نُؤْيُهَا وَثِمَامُهَا
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ فِي سُورَةِ هُودٍ [55] .
فَلَفْظُ جَمِيعاً يَعُمُّ أَصْنَافَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى اخْتِلَافِ نِحَلِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ فَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ نِحَلًا شَتَّى يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَمَا كَانُوا يُحَقِّقُونَ مَذْهَبًا مُنْتَظِمَ الْعَقَائِدِ وَالْأَقْوَالِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِمَا يُنَافِي بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِبْطَالُ قَوْلِهِمْ فِي الْمَلَائِكَةِ إِنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَوْلِهِمْ: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ كَمَا فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ [20] . وَكَانُوا يَخْلِطُونَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَيَجْعَلُونَ بَيْنَهُمْ نَسَبًا، فَكَانُوا يَقُولُونَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرْوَاتِ الْجِنِّ.
وَقَدْ كَانَ حَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو مُلَيْحٍ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، يَعْبُدُونَ الْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى تَقْرِيرِ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِشْهَادِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ إِبْطَالَ إِلَهِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ يُفِيدُ إِبْطَالَ إِلَهِيَّةِ مَا هُوَ دونهَا مِمَّن أُعِيد مِنْ دُونِ اللَّهِ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى، أَيْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ ذَلِكَ التَّقْرِير من أهم مَا جُعِلَ الْحَشْرُ لِأَجْلِهِ.
وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ بِهَذَا الِاسْتِفْهَام مُسْتَعْمل فِي التَّعْرِيض بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَثَلِ «إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ» .
وَالْإِشَارَةُ بِ هؤُلاءِ إِلَى فَرِيقٍ كَانُوا عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَمَنْ شَايَعَهُمْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ عَلَى يَعْبُدُونَ لِلِاهْتِمَامِ وَالرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ.
وَحُكِيَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ بِدُونِ عَاطِفٍ لِوُقُوعِهِ فِي الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِيهِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْحِكَايَةِ.
وَجَوَابُ الْمَلَائِكَةِ يَتَضَمَّنُ إِقْرَارًا مَعَ التَّنَزُّهِ عَنْ لَفْظِ كَوْنِهِمْ مَعْبُودِينَ كَمَا يَتَنَزَّهُ مَنْ يَحْكِي كُفْرَ أَحَدٍ فَيَقُولُ قَالَ: هُوَ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ، وَإِنَّمَا الْقَائِلُ قَالَ: أَنَا مُشْرِكٌ بِاللَّهِ.
فَمَوْرِدُ التَّنْزِيهِ فِي قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ سُبْحانَكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ اللَّهِ مُسْتَحِقًّا أَنْ يُعْبَدَ، مَعَ لَازِمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ فَلَا يُضَرُّونَ بِأَنْ يَكُونُوا مَعْبُودِينَ.
وَالْوَلِيُّ: النَّاصِرُ وَالْحَلِيفُ وَالصَّدِيقُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَلْيِ مَصْدَرُ وَلِيَ بِوَزْنِ عَلِمَ. وَكُلٌّ مِنْ فَاعِلِ الْوَلْيِ وَمَفْعُولِهِ وَلِيٌّ لِأَنَّ الْوَلَايَةَ نِسْبَةٌ تَسْتَدْعِي طَرَفَيْنِ وَلِذَلِكَ كَانَ الْوَلِيُّ فَعِيلًا
صَالِحًا لِمَعْنَى فَاعِلٍ وَلِمَعْنَى مَفْعُولٍ. فَيَقَعُ اسْمُ الْوَلِيِّ عَلَى الْمُوَالِي بِكَسْرِ اللَّامِ وَعَلَى الْمُوَالَى بِفَتْحِهَا وَقَدْ وَرَدَ بِالْمَعْنَيَيْنِ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرًا.
فَمَعْنَى أَنْتَ وَلِيُّنا لَا نُوَالِي غَيْرَكَ، أَيْ لَا نَرْضَى بِهِ وَلِيًّا، وَالْعِبَادَةُ وَلَايَةٌ بَيْنَ الْعَابِدِ وَالْمَعْبُودِ، وَرِضَى الْمَعْبُودِ بِعِبَادَةِ عَابِدِهِ إِيَّاهُ وِلَايَةٌ بَيْنَ الْمَعْبُودِ وَعَابِدِهِ، فَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ سُبْحانَكَ تَبَرُّؤٌ مِنَ الرِّضَى بِأَنْ يَعْبُدَهُمُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا