الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَصْفًا لِطَرِيقِ الضَّالِّ، فَإِسْنَادُ وَصْفِهِ إِلَى الضَّلَالِ مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ صِفَةُ مَكَانِ الضَّلَالِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي حَادَ عَنِ الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ، لِأَنَّ الضَّالَّ كُلَّمَا تَوَغَّلَ مَسَافَةً فِي الطَّرِيقِ الْمَضْلُولِ فِيهِ ازْدَادَ بُعْدًا عَنِ الْمَقْصُودِ فَاشْتَدَّ ضَلَالُهُ، وَعَسُرَ خَلَاصُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ تَرْشِيحٌ لِلْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ.
وَقَوْلُهُ: فِي الْعَذابِ إِدْمَاجٌ يَصِفُ بِهِ حَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَعَ وَصْفِ حَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
وَالظَّرْفِيَّةُ بِمَعْنَى الْإِعْدَادِ لَهُمْ فَحَصَلَ فِي حَرْفِ الظَّرْفِيَّة مجازان إِذا جُعِلَ الْعَذَابُ وَالضَّلَالُ لِتَلَازُمِهِمَا كَأَنَّهُمَا حَاصِلَانِ مَعًا، فَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَوْضُوعِ لِلْوَاقِعِ فِيمَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيق وُقُوعه.
[9]
[سُورَة سبإ (34) : آيَة 9]
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ مَا بَعْدَهَا عَلَى قَوْلِهِ: بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ [سبأ: 8] الَخْ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَهْدِيَهُمْ لَوْ تَأَمَّلُوا حَقَّ التَّأَمُّل.
والاستفهام للتعجيب الَّذِي يُخَالِطُهُ إِنْكَارٌ عَلَى انْتِفَاءِ تَأَمُّلِهِمْ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى خَلْقِ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ عَدَمٍ هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَجْدِيدِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْعَدَمِ.
وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ بِقَرِينَةِ تَعْلِيقِ إِلى. فَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ عَنِ انْتِفَائِهَا مِنْهُمُ انْتِفَاءُ آثَارِهَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ الْكَائِنَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ، فَشَبَّهَ وُجُودَ الرُّؤْيَةِ بِعَدَمِهَا وَاسْتُعِيرَ لَهُ حَرْفُ النَّفْيِ. وَالْمَقْصُودُ: حَثُّهُمْ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ لِيَتَدَارَكُوا عِلْمَهُمْ بِمَا أَهْمَلُوهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما
بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ
[الرّوم: 8] .
وَالْمُرَادُ بِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَا يَسْتَقْبِلُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْكَائِنَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ، وَبِ مَا خَلْفَهُمْ مَا هُوَ وَرَاءُ كل أحد مِنْهُم، فَإِنَّهُمْ لَوْ شَاءُوا لَنَظَرُوا إِلَيْهِ بِأَنْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا وَرَاءَهُمْ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَنْظُرُوا النِّصْفَ الشَّمَالِيَّ مِنَ الْكُرَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ يَنْظُرُوا النِّصْفَ الْجَنُوبِيَّ مِنْهَا فَيَرَوْا كَوَاكِبَ سَاطِعَةً بَعْضُهَا طَالِعٌ مِنْ مَشْرِقِهِ وَبَعْضُهَا هَاوٍ إِلَى مَغْرِبِهِ وَقَمَرًا مُخْتَلِفَ الْأَشْكَالِ بِاخْتِلَافِ الْأَيَّامِ، وَفِي النَّهَارِ بِأَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الشَّمْسِ بَازِغَةً وَآفِلَةً، وَمَا يُقَارِنُ ذَلِكَ مِنْ إِسْفَارٍ وَأَصِيلٍ وَشَفَقٍ. وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى جِبَالِ الْأَرْضِ وَبِحَارِهَا وَأَوْدِيَتِهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَاخْتِلَافِ أَصْنَافِهِ.
ومِنَ فِي قَوْلِهِ: مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ تَبْعِيضِيَّةٌ.
وَالسَّمَاء وَالْأَرْضِ أُطْلِقَتَا عَلَى مَحْوِيَّاتِهِمَا كَمَا أُطْلِقَتِ الْقَرْيَةُ عَلَى أَهْلِهَا فِي قَوْله:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُف: 82] .
وَجُمْلَةُ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ اعْتِرَاضٌ بِالتَّهْدِيدِ فَمُنَاسَبَةُ التَّعَجِيبِ الْإِنْكَارِيِّ بِمَا يُذَكِّرُهُمْ بِقُدْرَةِ صَانِعِ تِلْكَ الْمَصْنُوعَاتِ الْعَظِيمَةِ عَلَى عِقَابِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ وَالَّذِينَ ضَيَّقُوا وَاسِعَ قُدْرَتِهِ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَخْطُرُ فِي عُقُولِهِمْ ذِكْرُ الْأُمَمِ الَّتِي أَصَابَهَا عِقَابٌ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْأَرْضِيَّةِ كَالْخَسْفِ أَوِ السَّمَاوِيَّةِ كَإِسْقَاطِ كِسَفٍ مِنَ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ مِثْلَ مَا أَصَابَ قَارُونَ مِنَ الْخَسْفِ وَمَا أَصَابَ أَهْلَ الْأَيْكَةِ مِنْ سُقُوطِ الْكِسَفِ.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ «نَخْسِبِّهِمُ» بِإِدْغَامِ الْفَاءِ فِي الْبَاءِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَاءَ أَضْعَفُ فِي الصَّوْتِ مِنَ الْفَاءِ فَلَا تُدْغَمُ الْفَاءُ فِي الْبَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْبَاءُ تُدْغَمُ فِي الْفَاءِ كَقَوْلِكَ: اضْرِبْ فُلَانًا، وَهَذَا كَمَا تُدْغَمُ الْبَاءُ فِي الْمِيمِ كَقَوْلِكَ: اضْرِبْ مَالِكًا، وَلَا تُدْغَمُ الْمِيمُ فِي الْبَاءِ كَقَوْلِكَ: اضْمُمْ بَكْرًا، لِأَنَّ الْبَاءَ انْحَطَّتْ عَنِ الْمِيم بفقد الغثة الَّتِي فِي الْمِيمِ، وَهَذَا رَدٌّ لِلرِّوَايَةِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ غَصْبٌ.
وَالْكِسْفُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ السِّينِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنَ