الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البعث وأهوال يوم القيامة
فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة
5408 -
عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنه قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا الصُّور قَالَ قرن ينْفخ فِيهِ. رواه أبو داود
(1)
والترمذي وحسنه
(2)
وابن حبان في صحيحه
(3)
.
قوله: "عن عبد الله بن عمرو بن العاصي " تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور قال قرن ينفخ فيه "، الصور هو
(1)
أخرجه أحمد (2/ 162)، وأبو داود (4742)، وأخرجه الترمذي (2430) و (3244) هذا حديث حسن وقد روى غير واحد عن سليمان التيمي، ولا نعرفه إلا من حديثه.، والنسائي في الكبرى (11250) و (11317) و (11392) الأهوال لابن أبي الدنيا (47 والحاكم (2/ 550)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3863)، والصحيحة (1080).
(2)
والترمذي (2430).
(3)
صحيح ابن حبان (7312)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (1599)، وفي المسند (91) الدارمي (2840) البزار (2482)، والطبري في تفسيره (15/ 416)، وابن أبي حاتم في تفسيره (7483)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5349)، والحاكم (2/ 506)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (2184)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 243)، والبيهقي في شعب الإيمان (344)، وقال الحافظ في الفتح 11/ 368: حسنه الترمذى وصححه ابن حبان والحاكم. وقال البوصيري- كما في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 53) حديث عبد الله بن عمرو رواه أبوداود والترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه.
القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام عند بعث الموتى إلى المحشر. وقال بعضهم إن الصور جمع صورة يريد صورة الموتى ينفخ فيها الأرواح، والصحيح الأول إلا أن الأخبار تعاضدت عليه تارة بالصور وتارة بالقرن، قاله في النهاية
(1)
، وفي حديث أبي هريرة
(2)
أنه قال: يا رسول الله وما الصور؟ قال: القرن. قلت: وكيف هو. قال: هو عظيم، والذي نفسي بيده إن عظم دائرة فيه كعرض السموات والأرض ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين وهو حديث
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 60).
(2)
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسند أبي هريرة (15)، وابن أبي الدنيا في الأهوالى (55 و 65 و 73 و 130 و 198 و 222 و 234)، وأبو يعلى (النهاية لابن كثير ص 136 - 141)، والطبري في تفسيره (2/ 330 - 331 و 13/ 252 و 16/ 30 و 16/ 30 و 17/ 110 - 111 و 20/ 18 - 19 و 23/ 132 و 24/ 30 و 61 و 41/ 29 - 42 و 30/ 26 و 31 - 32 و 186 - 188)، وابن أبي حاتم في تفسيره (16621 و 16627 و 16628 و 16629 و 6636 أو 16648 و 17037).
والطبراني في الأحاديث الطوال (36)، وأبو الشيخ في العظمة (386)(387)، وابن عدي (6/ 2270)، وأبو نعيم في صفة الجنة (287)، والبيهقي في البعث (ص 336 - 337) وفي الشعب (347).
وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنّه يكتب حديثه في جملة الضعفاء قلت: وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة قد أفردتها في جزء على حدة، وأما سياقه فغريب جدا، ويقال: إنّه جمعه من أحاديث كثيرة وجعله سياقا واحدا فأنكر عليه بسبب ذلك، قال أبن كثير: وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: إنّه رأى للوليد بن مسلم مصنفا قد جمعه كالشواهد لبعض مفردات هذا الحديث التفسير.
طويل رواه الطبراني. قال الإمام القرطبي
(1)
: وقد اختلف في عدد النفخات فقيل ثلاث نفخة الفزع لقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)
(2)
الآية، ونفخة الصعق ونفخة البعث لقوله:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)}
(3)
، وهذا اختيار القاضي أبي بكر بن العربي، وقيل هما نفختان ونفخة الفزع هي نفخة الصعق لأن الأمرين لا زمان لهما أي فزعوا فزعا ماتوا فيه، وحديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو يدل على أنهما نفختان لا ثلاث وهو الصحيح.
قال عبد الله بن عمرو: ينفخ في الصور من باب إيلياء الشرقي، والنفخة الثانية من الباب الآخر. وقال قتادة في قوله تعالى:{يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}
(4)
قال: يؤمر إسرافيل أن ينفخ في الصور من صخرة بيت المقدس فإذا نفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى وهو الناقور الذي قال الله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10))
(5)
لم يبق على الأرض حي إلا مات ثم تبقى الخلق في تلك الرقدة أربعين كما ورد في الحديث مبهما في قوله: أبيت، وورد في غير مسلم مفسرًا
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 490).
(2)
سورة الزمر، الآية:68.
(3)
سورة الزمر، الآية:68.
(4)
سورة ق، الآية:41.
(5)
سورة المدثر، الآية: 8 - 10.
بأربعين سنة ثم يأمر الله تعالى إسرافيل عليه السلام بعد تمام هذه الأربعين فينفخ النفخة الثانية، قال الله تعالى:(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)
(1)
فالنفخة للإماتة والثانية للإحياء.
وقد روى ابن المبارك عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النفختين أربعون سنة: الأولى يميت الله بها كل حي والأخرى يحيي بها كل ميت فالنفخة الأولى للفناء وهي نفخة الصعق ويكون معها نقر لقوله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8))
(2)
أي في الصور، فإذا نفخ فيه للإصعاق [حيِيَ] بين النقر والنفخ لتكون الصيحة [أهدَّ] وأعظم فلا يسمعها أحد إلا أصغى وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يمكث الناس أربعين عاما ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرًا من السماء مثل الطل كمني الرجل فتنبت الأجساد في القبور كما ينبت البقل، الطل الذي ينزل من السماء في الصحو والطل أيضا أضعف المطر، قاله في النهاية
(3)
.
وقد أخبر الله تعالى أن إنشاء الأجساد مثل إخراج النبات من الأرض، قال اللّه تعالى:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} إلى قوله: {كَذَلِكَ النُّشُورُ}
(4)
، أي كما ينبت نبات الأرض الماء كذلك تنبت الأجساد بهذا
(1)
سورة الزمر، الآية:68.
(2)
سورة المدثر، الآية:8.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 136).
(4)
سورة فاطر، الآية:9.
الماء فإذا تهيأت الأجساد وكملت نفخ في الصور نفخة البعث من غير نقر لأن المراد إرسال الأرواح من [نقب] الصور إلى أجسادها لا تنفيرها من أجسادها فالنفخة الأولى للنفير وهي نظير صوت الرعد الذي قد يقوى فمات منه ونظير الصيحة الشديدة الذي يصيحها الرجل بصبي فيفزع منه فيموت، فإذا نفخ إسرافيل عليه السلام خرجت الأرواح من المحال كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيأتي كل روح إلى جسده فيحييها الله تعالى كل ذلك في لحظة كما قال الله تعالى:{فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}
(1)
ولقوله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}
(2)
، يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى أجسادها فتدخل في الخياشم حتى تمشي مشي السم في اللديغ والمنادي ينادي على صخرة بيت المقدس يا أيتها العظام البالية ويا أيتها الأشعار المتمرطة ويا أيتها الأعضاء المتهمشة ويا أيتها الجلود المتمزقة قوموا إلى موقف الحساب والعرض الأكبر فينشيء الله الأجساد على عجب الذنب إذ هو مما لا تأكله الأرض فإذا أحيا الله العظام وهي رميم جاءت كل روح واتصلت ببدنها فعاد الخلق كما كانوا أول مرة لا ينقص منهم مثقال ذرة حتى أن الغرلة التي قطعها الختان تعاد فيخرجون من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم فيحشر المؤمنون وجوههم ضاحكة
(1)
سورة الزمر، الآية:68.
(2)
سورة لقمان، الآية:28.
مستبشرة ويحشر الكافرون وجوههم عليها غبرة ترهقها قترة، يقولون:{يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}
(1)
ثم يتبع جميع البشر صوت المنادي إلى المحشر فيسيرون حفاة عراة، الحديث، قاله في الدرة الفاخرة. [وعند] أهل السنة أن تلك الأجساد الدنياوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم. قال بعضهم بأوصافها فيعاد الوصف أيضا كما يعاد الجسم واللون، قال ابن العربي: وذلك جائز في حكمة الله تعالى وقدرته وهين عليه جميعه ولكن لم يرد بإعادة الوصف خبر. قال القرطبي: قلت فيه أخبار كثيرة والله أعلم وجميع ما ذكر أعلاه ذكره القرطبي
(2)
وصاحب العاقبة عبد الحق الإشبيلي
(3)
.
5409 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كيفَ أنعم وَقد الْتَقم صَاحب الْقرن الْقرن وحنى جَبهته وأصغى سَمعه ينْتَظر أَن يُؤمر فينفخ فَكَأَن ذَلِك ثقل على أَصْحَابه فَقَالُوا فَكيف نَفْعل يَا رَسُول الله أَو نقُول قَالَ قُولُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل على الله توكلنا وَرُبمَا قَالَ توكلنا على الله رواه الترمذي
(4)
واللفظ له وقال حديث حسن وابن حبان في
(1)
سورة يس، الآية:52.
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 487).
(3)
العاقبة في ذكر الموت (ص: 274).
(4)
الترمذي في سننه (2548)(3194)، وأخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد (1597)، والحميدي في مسنده (754)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (540)، وأحمد في المسند (3/ 7) وعبد بن حميد في مسنده (886/ المنتخب)، وأبو يعلى في مسنده (1084)، و الطبراني في معجمه الصغير (1/ 24)، والإسماعيلي في معجم شيوخه (1/ 427 - 428). =
صحيحه
(1)
ورواه أحمد
(2)
والطبراني من حديث زيد بن أرقم ومن حديث ابن عباس أيضًا.
قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم " الحديث، أي كيف أتنعم من النعمة بالفتح وهي المسرة والفرح (68/ أ) [والترفه، قاله في النهاية
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وصاحب القرن" الحديث، حكى عن مجاهد رحمه الله تعالى أنه قال: القرن كهئية البوق، وصاحب القرن هو إسرافيل عليه الصلاة والسلام، وهو قرن من نور محيط بالسموات والأرضين، وإن إسرافيل عليه
= وأبو الشيخ في العظمة (396)، (397)، والدولابي في الكنى والإسماء (2/ 50)، والحاكم في المستدرك (4/ 559)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 130)، (7/ 312)، والبيهقي في شعب الإيمان (346)، والبغوي في شرح السنة (4298)، (4299)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه هذا الحديث عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وقال البغوي: هذا حديث حسن. قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري، لا أعلمه رواه غير أبي حذيفة قال الحاكم: لم نكتبه من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، ولولا أن أبا يحيى التيمي على الطريق، لحكمت للحديث بالصحة على شرط الشيخين رضي الله عنهما فتعقبه الذهبي بقوله: أبو يحيى واه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1079)، وصحيح الترغيب والترهيب (3/ 408).
(1)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (823).
(2)
أحمد في المسند (3/ 7)، وفي (4/ 374) والطبراني في المعجم الكبير (5/ 222 / 5072).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 83).
الصلاة والسلام إذا أخذ في التسبيح عطل على الملائكة تسبيحهم بحسن صوته وطيب نغمته، فالصور قرن من نور له أربع عشرة دارة الدارة الواحدة كاستدارة السماء والأرض، فيها ثقب بعدد أرواح البرية فتخرج البرايا لها دوي كدوي النحل فتملأ ما بين الخافقين، ثم تذهب كل نسمة إلى جثتها، فسبحان ملهمهم إياها، حتى الوحش والطير وكل ذي روح فإذا الكل كما قال الله تعالى:{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}
(1)
، وقوله تعالى:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)}
(2)
، والزجرة الصيحة العظيمة، والله تعالى أعلم، وفي الحديث أن إسرافيل عليه الصلاة والسلام له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، والعرش على عاتقه، وإنه ليتضاءل أحيانا لعظمة الله تعالى حتى يصير مثل الوضع يروى بفتح الضاد وسكونها.
وقال ابن الأثير: أنه أصغر من العصفور، والجمع وُضعان، وفي أول التعريف والإعلام للسهيلي أن أول من سجد من الملائكة لآدم إسرافيل عليه الصلاة والسلام، ولذلك جوزي بولاية اللوح المحفوظ، قاله محمد بن الحسن النقاش، والله تعالى أعلم.
قوله: "حَسبنَا الله وَنعم الْوَكيل على الله توكلنا وَرُبمَا"، توكلنا على الله، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: التوكل عمل القلب، ومعنى ذلك أنه ليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح ولا هو من باب العلوم في الإدراكات. وقال
(1)
سورة الزمر، الآية:68.
(2)
سورة النازعات، الآية:63.
بعضهم: التوكل هو انطراح القلب بين يدي الله تعالى كانطراح الميت بين يدي الغاسل، يقلّب كيف يشاء. وقال سهل: التوكل الاسترسال مع الله تعالى على ما يريد، وتقدم الكلام على معنى التوكل والله تعالى أعلم.
5410 -
وَعَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ كنت عِنْد عَائِشَة رضي الله عنه وَعِنْدهَا كَعْب الْأَحْبَار فَذكر إسْرَافيل فَقَالَت عَائِشَة يَا كعْب أَخْبرنِي عَن إسْرَافيل فَقَالَ كعْب عنْدكُمْ الْعلم قَالَت أجل قَالَت فَأَخْبرنِي قَالَ لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة جَنَاحَانِ فِي الْهَوَاء وَجَنَاح قد تسربل بِهِ وَجَنَاح على كَاهِله والقلم على أُذُنه فَإِذا نزل الْوَحْي كتب الْقَلَم ثمَّ درست الْمَلَائِكَة وَملك الصُّور جاث على إِحْدَى رُكبَتَيْهِ وَقد نصب الْأُخْرَى فالتقم الصُّور يحني ظَهره وَقد أَمر إِذا رأى إسْرَافيل قد ضم جنَاحه أَن ينْفخ فِي الصُّور فَقَالَت عَائِشَة هَكَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن
(1)
.
قوله: "وعن عبد الله بن الحارث" هو أبو الوليد، عبد الله بن الحارث بن سراقة البصري. نسيب محمد بن سيرين، قيل: هو ختنه على أخته، وهو والد
(1)
المعجم الأوسط (9283)، وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (385) وقال الهيثمي والسيوطي: إسناده حسن انظر: المجمع 10/ 331 - الدر المنثور 7/ 253) قلت: بل ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وقد خولف في شيخه كما سيأتي. واختلف فيه على مؤمل، فقال نوح بن حبيب القُوْمَسي: ثنا مؤمل ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله بن الحارث به. أخرجه أبو الشيخ في العظمة (286) ولم ينفرد مؤمل به بل تابعه عفان بن مسلم البصري ثنا حماد بن سلمة به. أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 47 - 48)، وقال: غريب من حديث كعب لم يروه عنه إلا عبد الله بن الحارث وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (6895)، وضعيف الترغيب والترهيب (2/ 409).
يوسف بن عبد الله، تابعي، ثقة، روى عن نفر من الصحابة، منهم عائشة، وابن عباس، روى عنه عاصم الأحول، وخالد.
قوله: "كنت عند عائشة، وهذا كعب الأخبار" الحديث، تقدم الكلام على مناقب أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنه. "وعندها كعب الأحبار"، هو كعب بن ماتع بالميم وبالتاء المتناة فوق، وبعدها عين مهملة، الرعيني، من آل ذي رعين من حمير، كني أبا إسحاق. والأحبار العلماء، وأحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها لغتان، أي كعب العلماء، قاله ابن قتيبة وغيره. وقال أبو عبيد سمي كعب الأحبار لكونه صاحب كتب الأحبار، جمع حبر وهو ما يكتب به، وهو مكسور الحاء، أسلم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وقيل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو رحمه اللّه تعالى من كبار التابعين وعلمائهم وثقاتهم، وقد روى عنه جماعة من الصحابة، وكان أعلم أهل زمانه بالتوراة، وكان لهم فهم ودين، ومن أكبار أحبار يهود، توفي في خلافة عثمان سنة أربع وثلاثين، قيل مقتل عثمان بعام، ذكر ذلك ابن عباس، ابن محمد الدوري عن يحيى بن معين، وقيل توفي سنة اثنتين وثلاثين وقد بلغ مائة سنة وأربعا وستين سنة، ذلك ذلك عالم أصبهان الحافظ أبو القاسم إسماعيل ابن الفضل في كتاب سير السلف، له فيما حدثني غير واحد من أصحابه عنه، وفيه من الفقه الإباحة قي الحديث عن التوراة لأهل العلم بها وسماع ذلك مباح، فقد سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم على ما ثبت في غير ما حديث.
قوله رضي الله تعالى عنه: "قالت: أجل" الحديث، "أجل " حرف معناه تصديق المخبِر بقول القائل، قد كان كذا، تقول: أجل، قوله رضي الله تعالى عنه: "
…
"، الكاهل، ما بين الكتفين. قوله: "وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى فالتقم الصور يحني ظهره"، الحديث، إسرافيل عليه الصلاة والسلام هو مبلغ الأوامر ونافخ الأرواح في الأجساد، وصاحب الصور، وصوره كهيئة البوق له أربع أجنحة أحدهما يسد به المشرق والآخر يسد به المغرب والثالث يسد فيه من السماء إلى الأرض والرابع التئم به من عظمة الله تعالى، ورأسه تحت قوائم العرش، وقدماه تحت الأرض السابعة، وبين عينه لوح من جوهر، إذا أراد الله تعالى أن يحدث أمرا أمر القلم أن يكتب في اللوح ثم أولى اللوح إلى إسرافيل عليه الصلاة والسلام فيكون بين عينيه، ثم ينتهي إلى ميكائيل.
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لما فرغ الله تعالى من خلق السماوات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخص إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخ. قيل: يا رسول الله: وما الصورة. قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى نفخة الفزع يفزع منها أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره الله تعالى أن يديمها ويطولها، وهو قوله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}
(1)
، والثانية نفخة الصعقة يصعق فيها أهل السماوات
(1)
سورة الزمر، الآية:68.
والأرض إلا من شاء الله، وهو قوله تعالى:{فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ، وبين النفختين أربعون سنة، والثالثة نفخة البعث وهو القيام لرب العالمين، قاله في مختصر عجائب المخلوقات. قال الجوهري
(1)
: إسرافيل اسم أعجمي كأنه مضاف إلى إيل، وقال الأخفش: ويقال إسرافين بالنون، مثل: جبرين ونحوه، وروى مجاهد عن ابن عباس
(2)
أنه قال: إن زاوية من زوايا العرش على كاهله ورأسه قد مرق من السماء السابعة. قال: ولما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه الصلاة والسلام أول من سجد إسرافيل عليه الصلاة والسلام فأثابه الله تعالى]
(3)
أن كتب القرآن في جبهته.
وقد روي [موقوفًا] عن عمر بن عبد العزيز قال: ومنذ خلقت النار لم تجف له دمعة ومن يخلق من الملائكة إنما يخلق من دموع إسرافيل وهو صاحب اللوح المحفوظ والصور وصاحب النفخة. وقال ابن عباس: ينفخ النفخة لأولى فيموت الخلق وتسير الجبال وتكور الأرض والشمس والقمر ثم ينفخ الثانية لقيام الخلق من القبور.
[فإسرافيل عليه الصلاة والسلام من أعظم الملائكة خلقا، وهو في السماء السابعة، تحت قائمة من قوائم العرش، واللوح المحفوظ بين يديه
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1373).
(2)
تفسير الثعلبي (8/ 266)، وحلية الأولياء (6/ 65)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (7/ 276) لأبي الشيخ في العظمة.
(3)
(1)، وسقط هذا اللوح وزيادة من الأصل.
القلم وراء شحمة أذنه وسعة ما بين منكبيه مسيرة خمس مائة عام، ورأسه تحت العرش، ورجلاه في تخوم الأرضين السابعة، نصفه نار ونصف من ثلج، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار، وهو يقول: اللهم كما ألفت بين بارد وحار ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين، انتهى. والصور قرن ينفخ فيه، قال مجاهد كهيئة البوق، كما تقدم. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
(1)
: الناقور الصور. وقال الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}
(2)
، أي نفخ في الصور، والملك الذي وكل به بهذه النفخة وجعل على يده هذه الصعقة قد استعد لها وتهيأ لإمضائها. وذكر أبو الحسن بن صخر في فوائده من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مازال صاجط الصور منذ وكل به مستعدًا ينظر نحو العرش أن يؤمر فينفخ قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عيناه كوكبان دريان. وفي مسند البزار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل صلى الله تعالى وسلم عليهم. ذكره صاجط العاقبة
(3)
. وذكر كعب الأحبار أن أقرب الملائكة إلى الله تعالى إسرافيل عليه الصلاة والسلام وله أربع أجنحة، جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، وقد تسربل بالثالث والرابع، وبينه وبين اللوح حجاب، فإذا أراد الله أمرا أن يوجبه جاء اللوح حتى يصفق جبهة إسرافيل
(1)
تفسير الطبري (23/ 420).
(2)
سورة المدثر، الآية:8.
(3)
العاقبة في ذكر الموت (ص: 256).
فينظر، فإذا الأمر مكتوب، فينادي جبريل ثلاث مرات بكذا وكذا فلا يهبط جبريل من سماء إلى سماء إلا فزع أهلها مخافة الساعة، حتي يقول جبريل الحق من عند الحق، فينزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيوحي إليه
(1)
؛ من كتاب العظمة]
(2)
.
5411 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تطلع عَلَيْكُم قبل السَّاعَة سَحَابَة سَوْدَاء من قبل الْمغرب مثل الترس فَلَا تزَال ترْتَفع فِي السَّمَاء وتنتشر حَتَّى تملأ السَّمَاء ثمَّ يُنَادي مُنَاد يَا أَيهَا النَّاس أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجلَيْن ينشران الثَّوْب فَلَا يطويانه وَإِن الرجل ليمدر حَوْضه فَلَا يسْقِي مِنْهُ شَيْئا أبدا وَالرجل يحلب نَاقَته فَلَا يشربه أبدا رواه الطبراني بإسناد جيد
(3)
رواته ثقات مشهورون.
مدر الحوض أي طينه لئلا يتسرب منه الماء.
قوله: "وعن عقبة بن عامر" تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يطلع الله عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس"، والساعة اسم للوقت الذي تقوم فيه القيامة، سمي بها لأنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم. قاله الزجاج، أو لوقوعها بغتة لسرعة
(1)
أصول السنة (61) لابن أبى زمنين.
(2)
(1)، وسقط هذا اللوح من الأصل.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/ 325/ 899)، أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 539)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 331): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله مولى المغيرة، وهو ثقة، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5009)، وضعيف الترغيب والترهيب (2/ 410).
حسابها أو على العكس لطولها أو لأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلق والله تعالى أعلم. واعلم أن كل ميت مات فقد قامت قيامته [لأنها] قيامة صغرى وقيامة كبرى فالصغرى هي ما تقوم على الإنسان في خاصيته من خروج روحه وفراق أهله وانقطاع سعيه وحصوله على عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة واحدة والقيامة التي تعم الأرض بمرة إنما تأتيتهم بغتهم وتأطرهم على غفلة لكنها تقوم في يوم جمعة في غير شهر معروف ولا سنة معروفة. قوله صلى الله عليه وسلم:"فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوب فلا يطويانه وإن الرجل ليمدر حوضه فلا يسقى منه شيئا" الحديث، قال الحافظ رحمه الله تعالى: مدر الحوض أي طيَّنه لئلا يتسرب منه الماء، اهـ. والمقصود من الحديث إعلام الأمة بقرب الساعة [ليكونوا] على حذر وإصلاح حال.
5412 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لتقوم السَّاعَة وثوبهما بَينهمَا لا يبايعانه وَلَا يطويانه ولتقوم السَّاعَة وَقد انْصَرف بِلَبن لقحته لَا يطعمهُ ولتقوم السَّاعَة يلوط حَوْضه لَا يسْقِيه ولتقوم السَّاعَة وَقد رفع لقمته إِلَى فِيهِ لَا يطْعمهَا رواه أحمد
(1)
وابن حبان في صحيحه
(2)
.
(1)
أحمد 2/ 369.
(2)
صحيح ابن حبان (6845). وأخرجه والبخاري (6506)، ومسلم (2954) في حديث نحوه دون الجملة الأخيرة. وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9/ 468)، والتعليق الرغيب (4/ 191): خ، م؛ لكن ليس عنده الجملة الأخيرة.
لاطه بالطاء المهملة بمعنى مدره.
قوله: "عن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه، قوله صلى الله عليه وسلم:"لتقومن الساعة وثوبهما بينهما لا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقوم الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته لا يطعمه" الحديث. الساعة هنا الصعقة الثانية التي للموت والأولى هي صعقة الفزع كما تقدم. قوله: "وقد انصرف الرجل بلبن لقحته لا يطعمه " أي لا يأكله، واللقحة بالكسر والفتح لغتان مشهورتان والكسر أشهر، والجمع لقح كبركة وبرَك وهي الناقة الغزيرة اللبن. وقيل القريبة العهد من النتاج وثاقة لقوح إذا كانت غزيرة اللبن وجمع لقح بكسر اللام وفتحها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وهو يلوط حوضه لا يسقيه" الحديث، وفي رواية: يليط حوضه. قال الحافظ: لاطه بالطاء المهملة بمعنى مدره أي يطينه ويصلحه، وتقدم فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يعاجله من أمر الساعة ما يمنع من تمام فعله وأقرب من ذلك رفع الأكلة وهي اللقمة إلى فيه فتقوم الساعة دون بلوغها إليه وكذلك القول في [المتبايعين] من نشر الثوب وطيه فاعلمه. 5413 - وَعَن أبي مرية عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو عَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ النافخان فِي السَّمَاء الثَّانِيَة رَأس أَحدهمَا بالمشرق وَرجلَاهُ بالمغرب أَو قَالَ رَأس أَحدهمَا بالمغرب وَرجلَاهُ بالمشرق ينتظران مَتى يؤمران أَن ينفخا فِي الصُّور فينفخان. رواه أحمد
(1)
بإسناد جيد هكذا على
(1)
أخرجه أحمد (2/ 192) ومن طريقه أخرجه عبد الغني المقدسي في ذكر النار (18) وقال =
الشك في إرساله أو اتصاله.
(1)
قوله: "وعن أبي مُرَية" ويقال أبو مراية العجلى قال ابن سعد: "اسمه: عبد الله بن عمرو، وكان قليل الحديث "، وذكره ابن حِبَّان في "الثقات " روى عن أبي موسى الأشعري، وسلمان الفارسي. وعنه أسلم العجلي.
قال الآجري: "سمعت أبا داود -يعني السجستاني- يقول: أبو مُراية لم يرَ سلمان قط"، وقال البرقاني، عن الدارقطني:"يُعتبر به"، وقال البيهقي في كتاب "القدر":"فيه نظر"، قال إسماعيل بن عُلية:"كان التيمي يقول: عن أبي مُرَيَّة، وقتادة يقول: عن أبي مُراية".
قوله صلى الله عليه وسلم: "النافخان في السماء الثانية ينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخان" الحديث، تقدم الكلام على النفخ في الصور وهو القرن في أول الباب.
5414 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ قيل أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَبيت قَالَ أَرْبَعُونَ شهرا قَالَ أَبيت قَالَ أَرْبَعُونَ سنة قَالَ أَبيت ثمَّ ينزل من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل وَلَيْسَ من الْإِنْسَان شَيءْ لَا يبْلى إِلَّا عظم وَاحِد وَهُوَ عجب الذَّنب مِنْهُ يركب الْخلق
= الهيثمي: رواه أحمد على الشك فإن كان عن أبي مرية فهو مرسل ورجاله ثقات، وإن كان عن ابن عمرو فهو متصل مسند ورجاله ثقات المجمع 10/ 330) وقال ابن كثير: وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو العجلي وليس بالمشهور الفتن ص 136 وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1872)، وضعيف الترغيب والترهيب (2/ 410).
(1)
أخرجه ابن ماجه (4273).
يَوْم الْقِيَامَة. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
.
5415 -
وَلمُسلم قَالَ إِن فِي الإِنْسَان عظما لا تَأْكُله الأَرْض أبدا فِيهِ يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا أَي عظم هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ عجب الذَّنب.
ورواه مالك
(3)
وأبو داود
(4)
والنسائي
(5)
باختصار، قال: كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب، منه خلق وفيه يركب.
[عجب الذنب] بفتح العين وإسكان الجيم بعدها باء أو ميم، وهو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب، وأصل الذنب من ذوات الأربع.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين النفختين أربعون " قيل أربعون يوما. "قال أبو هريرة: أبيت"، الحديث، في قوله: أبيت، تأويلان: الأول أي امتنعت من بيان ذلك وتفسيره وعلى هذا كان عنده علم من ذلك سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: أبيت أن أسأل عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا لم يكن عنده علم من ذلك والأول أظهر، وإنما لم يبينه لأنه لم ترهق حاجة إلى ذلك ولأنه ليس من البينات والهدى الذي أُمِر بتبليغه، وقد جاء في حديث من رواية غيره في غير
(1)
صحيح البخاري (4814.
(2)
صحيح مسلم (141)(2955).
(3)
موطأ مالك (48).
(4)
سنن أبي داود (4743).
(5)
سنن النسائي (4/ 111).
مسلم أن بين النفختين أربعين عاما، اهـ، قاله القرطبي
(1)
، [وفي] التحفة: وأبيتُ، يروى بفتح التاء أي أبيت أن تعرفه فإنه غيب لم يرد الخبر ببيانه وبضمها أي أبيت أن أقول ما لم أسمعه. قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل"]
(2)
، قال أبو هريرة وابن عباس: إذا مات الناس كلهم في النفخة الأولى أرسل الله عليهم مطرا كمني الرجال من ماء تحت العرش يدعى ماء الحيوان فينبتون في قبورهم نبات الزرع حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ثم يلقي عليهم نومة فينامون في قبورهم ثم يحشرون بالنفخة الثانية وهم يجدون طعم النوم في رءوسهم وأعينهم فعند ذلك يقولون: {يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}
(3)
، قاله البغوي في تفسيره [على ذلك] في سورة الأعراف.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وليس من الإنسان شيء إلا يبلى" الحديث، وخص من بني آدم الذين يأكلهم التراب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم كما صرح به الحديث في كتاب الجمعة. وقوله:" [إلا عظم] واحد وهو عَجْبُ الذنب منه يُركب الخلق يوم القيامة" الحديث، قال الحافظ عجب الذنب بفتح العين المهملة وإسكان الجيم بعدها باء أو ميم هو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب، وقال بعضهم عجم
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 453).
(2)
حصل تأخير لهذه الجملة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(قاله البغوي في تفسيره [على ذلك] في سورة الأعراف).
(3)
سورة يس، الآية:52.
الذنب هو العظم بين الإليتين الهابط من الصلب يقال لطرفه العصعص وأصل الذنب من ذوات الأربع، اهـ، وقال القرطبي وغيره: يقال عجم بالميم والباء لغتان وهو جزء لطيف في أصل الصلب عند العجز وهو العسيب من الدواب، وقيل هو رأس العُصعُص كما رواه أبو داود
(1)
في كتاب البعث من حديث سعيد الخدري الذي بعد هذا وفيه: قلت يا رسول الله وما هو؟ قال: مثل حبة خردل منه تنشئون منه خلق وفيه يركب أي أول ما خلق من الإنسان هو ثُمّ إن الله تعالى يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى. وقال المزني
(2)
: إن عجب الذنب أيضا يبلى، والحديث يرد عليه. ثم يفتح الله خزانة من خزائن العرش فيها بحر الحياة فيمطر به الأرض فإذا [كمني] الرجال فيلقى الأرض عطشى ميتة هامدة [فتحيا] وتهتز ولا يزال يمر عليها حتى يعمها ويكون الماء فوقها أربعين ذراعا فإذا الأجسام تنبت من العصعص الذي هو عجب وهو أول ما يخلق من الإنسان وفي الحديث، الإنسان بدأ من عجب الذنب ومنه يعود، وهو عظم على قدر الحمصة ليس له مخ فمنه تنبت الأجسام في مقابرها كما ينبت البقل حتى يشتبك بعضها في بعض فإذا رأس هذا عند منكب هذا ويد هذا عند جنب هذا وفخذ هذا [عندا]
(3)
على عجز هذا
(1)
الصواب ابن أبي داود وهو في كتابه البعث (17)، وأخرجه أحمد (17/ 332)، وابن حبان (3140)، والحاكم (4/ 651)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه مسند أبي يعلى الموصلي (1382).
وضعفه الألباني في "التعليق الرغيب"(4/ 192)، وصح دون قوله:"مثل حبة خردل".
(2)
وقال ابن حجر في فتح الباري (8/ 553).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
لكثرة البشرة [في قوله عز وجل: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)}
(1)
فإذا تمت البشرة]
(2)
على حسبها الصبي صبي والشيخ شيخ والكهل كهل والفتى فتى والشاب شاب أمر الجليل جل جلاله أن تهب ريح من تحت العرش فيها نار لطيفة [فينشف] ذلك عن الأرض وتبقى الأرض بارزة ليس فيها حدب ولا عوج ولا أمت وقد عادت الجبال رمالا وهو الكثيب المهيل ثم الله تعالى يحيى إسرافيل فينفخ في الصور [من أعلا]
(3)
صخرة بيت المقدس والصور قرن من نور؛ -من كتاب الدرة الفاخرة-، [يعني صخرة]
(4)
وهي أقرب الأرض إلى السماء باثنتي عشر ميلا، قاله الزركشي.
5416 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَأْكُل التُّرَاب كل شَيْء من الْإِنْسَان إِلَّا عجب ذَنبه قيل وَمَا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ مثل حَبَّة خَرْدَل مِنْهُ تنشؤون. رواه أحمد
(5)
وابن حبان في
(1)
سورة ق، الآية:4.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
أخرجه أحمد (3/ 28) وأبو يعلى (1382) وابن أبي داود في البعث (17) والحاكم (4/ 609) قال الحاكم: صحيح الإسناد وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 332) رواه أحمد، وإسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 410) ضعيف التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 112) التعليق الرغيب (4/ 192)، وصح دون قوله: مثل حبة خردل- وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 147) رواه أبو =
صحيحه
(1)
من طريق دراج عن أبي الهيثم.
قوله: "وعن أبي سعيد" تقدم.
قوله: "إنه لما حضره الموت دعا ثياب جُدد فلبسها"، جُدد جمع جديد.
قوله: "ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" الحديث، يُذكر ما ذُكِر في الترغيب في الكلام على ذلك إلى آخره ويقال بعده: قال ابن عبد البر
(2)
: ويحتمل أن كل ميت يبعث على حاله التي مات فيها، قال: ومن قال أن الموتى جملة يبعثون على هيئاتهم احتج بحديث أبي سعيد الخدري أنه لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها، الحديث. قال ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد فتأوله على العموم ويكون الميت المذكور في حديثه هو الشهيد الذي أمر أن يُزمّل بثيابه ويدفن فيها ولا يغسل عنه دمه ولا يغير شيء من حاله بدليل حديث ابن عباس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، قال ابن عبد البر
(3)
: وتأوله بعضهم على أنه يبعث على العمل الذي يختم له به وظاهره على غير ذلك، ويحتمل أن أبا سعيد إنما نزع الثياب التي كانت عليه لنجاسة فيها إما مخففة أو مشكوكة فأراد أن يكون بثياب محققة الطهارة وهذا من جملة الأعمال المأمور بالمحافظة عليها ولا سيما عند انختام الآجال فإن
= يعلى الموصلي واللفظ له، وأحمد بن حنبل، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه.
وله شاهد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة.
(1)
ابن حبان (3140).
(2)
انظر: طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 200).
(3)
انظر: طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 201).
الإنسان [مختوم] على أن يختم أعماله بالصالحات في جميع الأمور فإن الأعمال بالخواتيم، اهـ. [وتأول بعض العلماء حديث أبي سعيد على غير ذلك، وقال: معنى الثياب العمل الصالح يريد أنه يبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو عمل سيء ولم يرد به الثوب نفسه، ولعرب تقول: فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب، وفلان دنس الثياب إذا كان بخلاف ذلك، والعقل لا يأبى حمله على ما فهمه الراوي فإنه يمكن إعادة ثيابه البالية كما يمكن إعادة العظام النخرة. قال ابن عبد البر: وفيه الأمر بمراعاة الإخوان أحياء وأمواتا والمواساة بمثل ذلك من أموالهم وبأن يكونوا أوصياءهم ويستحب أن يكون الكفن من قطن وأن يكون نظيفا وأن يكون من آثار الصالحين، وقال ابن المبارك أحبّ إلي أن يكون في ثيابه التي كان يصلي فيها]
(1)
.
وقال الخطابي
(2)
أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره وقد روي في تحسين الكفن أحاديث، وقال ابن العربي: ليس المراد بتحسين الكفن [علو] القيمة ولا الرفيع وإنما يريد الكثافة والستر فمعنى فليحسن كفنه يحصنه بالستر. قال: وتأوله بعض العلماء على المعنى وأراد به الحالة التي يموت عليها من الخير والشر وعمله الذي يختم له به، يقال فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب، وجاء في تفسير قوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}
(3)
أي عملك فأصلح، ويقال: فلان دنس
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
معالم السنن (1/ 301).
(3)
سورة المدثر، الآية:4.
الثياب إذا كان خبيث الفعل والمذهب. وهذا كالحديث الآخر: يبعث العبد على ما مات عليه
(1)
، اهـ.
5417 -
وَعنه رضي الله عنه أَنه لما حَضَره الْمَوْت دَعَا بِثِيَاب جدد فلبسها ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي يَمُوت فِيهَا. رَوَاُهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَفِي إِسْنَاده يحيى بن أَيُّوب وَهُوَ الغافقي الْمصْرِيّ احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا وَله مَنَاكِير وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَقَالَ أَحْمد سيئ الْحِفْظ وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ
(2)
وَقد قَالَ كل من وقفت على كَلَامه من أهل اللُّغَة إِن المُرَاد بقوله يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي قبض فِيهَا أَي فِي أَعماله قَالَ الْهَرَوِيّ وَهَذَا كحديثه الآخر يبْعَث العَبْد على مَا مَاتَ عَلَيْهِ قَالَ وَلَيْسَ قَول من ذهب إِلَى الأكفان بِشَيْء لِأن الْمَيِّت إِنَّمَا يُكفن بعد الْمَوْت انْتهى.
قَالَ الْحَافِظ وَفعل أبي سعيد رَاوِي الحَدِيث يدل على إجرائه على ظَاهره وَأَن الْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي قبض فِيهَا وَفِي الصِّحَاح وَغَيرهَا أَن النَّاس يبعثون عُرَاة كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْل بعده إِن شَاءَ الله فَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
(1)
صحيح مسلم (83)(2878).
(2)
أخرجه أبو داود (3114)، وأبن حبان (7316). وصححه الألبانى في الصحيحة (1671) وصحيح الترغيب (3575). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.