المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في زيارة الرجال القبور والترهيب من زيارة النساء واتباعهن الجنائز - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٤

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْهِيب من النِّيَاحَة على الْمَيِّت والنعي وَلَطم الخد وخمش الْوَجْه وشق الجيب

- ‌إن الميت ليعذب ببكاء الحي

- ‌لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة

- ‌النهي عن النعي

- ‌ليس منا من حلق ولا خرق ولا صلق

- ‌التَّرْهِيب من إحداد الْمَرْأَة على غير زَوجهَا فَوق ثَلَاث

- ‌[التَّرْهِيب من أكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق]

- ‌التَّرْغِيب فِي زِيَارَة الرِّجَال الْقُبُور والترهيب من زِيَارَة النِّسَاء واتباعهن الْجَنَائِز

- ‌التَّرْهِيب من الْمُرُور بقبور الظَّالِمين وديارهم ومصارعهم مَعَ الْغَفْلَة عَمَّا أَصَابَهُم وَبَعض مَا جَاءَ فِي عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وسؤال مُنكر وَنَكير عليهما السلام

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْهِيب من الْجُلُوس على الْقَبْر وَكسر عظم الْميِّت]

- ‌كتاب البعث وأهوال يوم القيامة

- ‌فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة

- ‌فصل في الحشر وغيره

- ‌فصل في ذكر الحساب وغيره

- ‌فصل في الحوض والميزان والصراط

- ‌فصل في الشفاعة وغيرها

- ‌كتاب صفة الجنة والنار الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار

- ‌الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه

- ‌فصل فِي شدَّة حرهَا وَغير ذَلِك

- ‌فصل في ظلمتها وسوادها وشررها

- ‌فصل في أوديتها وجبالها

- ‌فصل في بعد قعرها

- ‌فصل في سلاسلها وغير ذلك

- ‌فصل في حيّاتها وعقاربها

- ‌فصل في شراب أهل النار

- ‌فصل في طعام أهل النار

- ‌شراب أهل النار

- ‌في عظم أهل النار وقبحهم فيها

- ‌فصل في تفاوته في العذاب وذكر هونهم عذابا

- ‌فصل في بكائهم وشهيقهم

- ‌الترغيب الجنة ونعيمها ويشتمل على فصول

- ‌فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك

- ‌عدد أبواب الجنة ثمانية:

- ‌فصل فيما لأدنى أهل الجنة

- ‌فصل في درجات الجنة وغرفها

- ‌فصل فِي بِنَاء الْجنَّة وترابها وحصبائها وَغير ذَلِك

- ‌فصل في حياض الجنة وعرفها

- ‌فصل في أنهار الجنة

الفصل: ‌الترغيب في زيارة الرجال القبور والترهيب من زيارة النساء واتباعهن الجنائز

‌التَّرْغِيب فِي زِيَارَة الرِّجَال الْقُبُور والترهيب من زِيَارَة النِّسَاء واتباعهن الْجَنَائِز

5373 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ زار النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فَبكى وأبكى من حوله فَقَالَ اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي أَن أسْتَغْفر لهَا فَلم يُؤذن لي واستأذنته فِي أَن أَزور قبرها فَأذن لي فزوروا الْقُبُور فَإِنَّهَا تذكر الْمَوْت رَوَاهُ مُسلم

(1)

وَغَيره

(2)

.

قوله: "عن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.

قوله: "زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله" الحديث، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور

(3)

عن عمر بن الخطاب قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقابر فجلس إلى قبر وكنت أدنى القوم منه فبكى وبكيت فقال: ما يبكيكم؟ قلنا: بكينا لبكائك. قال: هذا قبر أمي آمنة بنت وهب استأذنت ربي

(1)

صحيح مسلم (976).

(2)

وأخرجه أبو داود (3234)، والنسائي (4/ 90)، وابن أبي شيبة في المصنف (11807)، وأحمد (9688)، والطحاوي في المشكل (2489) وابن حبان (3169) والحاكم (1/ 375 - 376) والبيهقي (4/ 76) وفي الدلائل (1/ 190) والبغوي في شرح السنة (1554) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (1541) والحازمي في الاعتبار (ص 132) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وقال البغوي والحازمي: هذا حديث صحيح.

(3)

قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1867): رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور من حديث ابن مسعود وفيه ذكر لعمر بن الخطاب، وآخره عند ابن ماجه مختصرا وفيه أيوب بن هانئ ضعفه بن معين وقال أبو حاتم صالح ..

ص: 61

في زيارتها فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فأبى فأدركني ما يدرك الولد من الرقة، اهـ.

هذا تعليم للأمة في قضاء حق الآباء والأمهات والأقارب أي لم أترك قضاء حقها مع أنها كانت كافرة فلا تتركوا الزيارة

(1)

اهـ.

ويقال: كان قبر أمه صلى الله عليه وسلم بالأبواء فمرّ به عام الحديبية والأبواء بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد هو جبل بين مكة والحديبية عنده بلد [تنسب] إليه، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه في ألف فارس مقنع

(2)

أي [لابس] السلاح

(3)

وأمّه صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وماتت أمّه آمنة وعمره صلى الله عليه وسلم يومئذ أربع سنين وقيل ثمان سنين

(4)

وقيل ست سنين

(5)

وقيل سبع

(6)

وقيل تسع وقيل خمس

(1)

المفاتيح (2/ 467).

(2)

أخرجه البزار (4375)، وابن عدى في الكامل (10/ 615)، والحاكم (1/ 375، 2/ 605). وأخرجه البزار (4376) مرسلا. قال البزار: وهذا الحديث رواه جماعة، عن يحيى بن اليمان عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن أبيه، ولا نعلم أحدا رواه، عن يحيى موصلًا ممن يحتج بحديثه، وإنما يروى عن سفيان، عن علقمة بن مرثد مرسلًا. وصححه الحاكم ووافقه الذهبى.

(3)

شرح السنة (5/ 463).

(4)

كنز الدرر (3/ 11). والأربع قول ابن حبان في السيرة (ص 57)، والثمان هو قول محمد بن حببب كما نقله عنه ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 34).

(5)

وهو قول الزهرى وابن إسحاق كما في الطبفات الكبرى 1/ 95، وعيون الأثر (1/ 47).

(6)

نقله ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 34).

ص: 62

وقيل [اثنتي] عشرة [سنة][وشهر وعشرة أيام]

(1)

وقيل عشرة، [هذا]

(2)

جملة ما اختلفوا فيه

(3)

وكفله بعد موت أبيه جده عبد المطلب [ثم توفي وهو ابن ثمان سنين]

(4)

وحملت به أمه أيام التشريق في شعب أبي طالب ووُلد صلى الله عليه وسلم في دار محمد بن يوسف أخي الحجاج وقيل [بل] في شعب بني هاشم وذلك يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول عام الفيل، وقيل لثمان خلون منه، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، وقيل لعشر خلون منه

(5)

. ومات أبوه عبد الله وله من العمر خمس وعشرون سنة وقيل ثلاثون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن أمه وقيل أنه مات بالمدينة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شهران وقيل سبعة أشهر وقيل غير ذلك

(6)

.

وأقام في بني سعد خمس سنين، والمتفق عليه أن عبد الله لم يره وكفله بعد موت أبيه بخمسة أيام جده عبد المطلب فلما حضرته الوفاة أوصى به أبا طالب عمّه وعمره صلى الله عليه وسلم يومئذ ثمان سنين وقيل أكثر وقيل أقل، فأحسن تربيته إلى أن ملك نفسه صلى الله عليه وسلم وانفرد عنه وكان أبو طالب خرج إلى الشام تاجرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه فرآه بحيرا الراهب فعرفه بعلامة النبوة والصفة التي

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.

(3)

الإشارة إلى سيرة المصطفى (ص 73)، والمواهب اللدنية (1/ 101).

(4)

عيون الأثر (1/ 50)، والإشارة (ص 74).

(5)

الاستيعاب (1/ 30)، وعيون الأثر (1/ 33).

(6)

الاستيعاب (1/ 33 - 34)، وعيون الأثر (1/ 32)، والإشارة (ص 63 - 64).

ص: 63

كانت عنده فقال لعمه أتحبّ هذا الغلام؟ قال: نعم. فقال: والله لئن [عاينوه] اليهود ليقتلونه فإنه عدوهم وأشار إلى عمه بردّه إلى مكة فردّه، وأقام بها إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة ثم خرج إلى الشام لتجارة خديجة بنت خويلد ثم عاد إلى مكة فتزوجها بعد ذلك بشهرين وتزوجها وله من العمر خمس وعشرون سنة [وشهرين] وعشرة أيام وهي يومئذ ابنة [ثمان] وعشرين سنة، فلما بلغ خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة ورضيت قريش بحكمه وكان صلى الله عليه وسلم يدعى بينهم بالأمين فلما بلغ أربعين سنة بعثه الله تعالى لكافة الخلق أجمعين بالقرآن والرسالة، فدعا إلى الدين فأجابه [السباقون] مثل علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة وأبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين وتوفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام ثم خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة بعد ثلاثة أشهر من موت خديجة فأقام بها شهرا [ثم رجع] إلى مكة في جوار المطعم بن عدي فلما أتت له خمسون سنة قدم عليه جنّ نصيبين فأسلموا فلما [أتى] له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به صلى الله عليه وسلم وعاش ثلاثا وستين سنة ونحر في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة صلى الله عليه وسلم

(1)

اهـ.

قال النووي

(2)

: قوله: فبكى وأبكى من حوله، وبكاؤه عليه السلام على قبر أمه إنما كان لما فاتها من إدراك أيامه ومن الإيمان به.

(1)

كنز الدرر (3/ 35 - 46) باختصار.

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 46).

ص: 64

قوله صلى الله عليه وسلم: "فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي" الحديث يحتمل أن يكون هذا الاستئذان قبل نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}

(1)

الآية. ويحتمل أن يكون بعد ذلك وارتجى [خصوصية] أمه بذلك وهذا التأويل الثاني أولى والله أعلم، قاله القرطبي

(2)

.

وقال ابن عقيل في شرح الأحكام وغيره، في هذا الحديث جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى، وقد قال الله تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}

(3)

وفيه المنع من الاستغفار للكفار

(4)

، وقد قال الله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية. وقد صرّح جماعة من العلماء بتحريم الدعاء بالمغفرة والرحمة للكفار، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت"، قال القاضي عياض رحمه لله

(5)

سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبر أمه أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها ويؤيد ذلك.

(1)

سورة التوبة، الآية:113.

(2)

المفهم (8/ 108).

(3)

سورة لقمان، الآية:15.

(4)

شرح النووي على مسلم (7/ 45).

(5)

شرح النووي على مسلم (7/ 45).

ص: 65

قوله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث: "فزورو القبور فإنها تذكر الموت"، وفي حديث أبي سعيد

(1)

بعده: فزوروها فإن فيها عبرة، [قال]

(2)

وفي حديث ابن مسعود

(3)

: فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة. وخرج الإمام

(1)

أخرجه النسائي (4/ 89)، ومالك في الموطأ (2/ 485)، وأحمد (11606) وفي الأشربة (231) وعبد بن حميد (985) والطحاوي في شرح المعاني (4/ 186) وفي المشكل (4744) وأبو الفضل الزهري في حديثه (372) وابن شاهين في الناسخ (547) والحاكم (1/ 374 - 375) والبيهقي (4/ 77) وفي معرفة السنن (5/ 351) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. قلت: إسناده حسن، محمد والواسع ثقتان، وأسامة حسن الحديث، وخالفه أبو الزناد فرواه عن محمد بن يحيى بن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، والصواب حديث أسامة. قاله الدارقطني في العلل (11/ 319)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 58): رواه البزار، وإسناده حسن، رجاله رجال الصحيح. قال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 214): لم يسمع ربيعة من أبي سعيد الخدري وهذا الحديث يتصل من غير حديث ربيعة ويستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان من حديث علي بن أبي طالب وأبي سعيد وبريدة الأسلمي وجابر وأنس وغيرهم وهو حديث صحيح، وثبته في الاستذكار (1/ 182) قال: وقد ثبت عن النبي عليه السلام أنه قال: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا فإنها تذكر الآخرة. وصححه الألباني في صحيح الجامع (6789).

(2)

سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.

(3)

أخرجه ابن ماجه (1571 و 3388 و 3406) وأبو يعلى (5079)، وابن وابن أبي حاتم في تفسيره (10051) والطحاوي في شرح المعاني (4/ 185 و 228)، وفي المشكل (2487) حبان (981)(5409) والهيثم بن كليب (397)، والحاكم (1/ 375)، (2/ 336)، والبيهقي (4/ 77 و 8/ 311)، وفي الدلائل (1/ 189 - 190) والواحدي في أسباب النزول (ص 151 - 152) وفي الوسيط (2/ 528) وأبو نعيم في أخبار أصبهان =

ص: 66

أحمد [من] حديث أنس

(1)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي فيها أنها [تزكي] القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة فزوروها ولا تقولوا هجرا. الهجر الكلام الفاحش.

فائدة: إذا زار الإنسان القبور [فقال] السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، إلخ. وإذا قال ذلك يقرأ بعده الفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ثلاث مرات وإن قرأها اثنتي عشر مرة كان حسنا ثم يدعو [له]. روى حسن البصري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من دخل المقابر فقرأ يس خفف الله عنهم العذاب يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات

(2)

هكذا نقل هذا الحديث

= (2/ 17 - 18) قال الحاكم: صحيح على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال: قلت: أيوب بن هانئ ضعفه ابن معين، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة 2/ 42 و 4/ 40: هذا إسناد حسن، أيوب بن هانئ مختلف فيه، تفرد ابن جُريج بالرواية عنه، قاله الذهبي، وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4279).

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (23941)، وعنه أبو يعلى (3705)، وأحمد (3/ 237)، وابن بشران في الفوائد (351)، والحاكم (1/ 532)، قال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 343): رواه الحاكم في "مستدركه"، وفيه يحيى الجابر، وقد ضعفوه. ثم رواه الحاكم من طريق آخر جيد، عن أنس بلفظ:"نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكركم الآخرة، ولا تقولوا هجرا". ورواه أحمد بنحوه. وانظر التلخيص الحبير (2/ 137)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4584). وحسنه في أحكام الجنائز (ص/ 180).

(2)

أخرجه الثعلبي في تفسيره (3/ 161/ 2) وضعفه الألباني في تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات (ص: 91): وهو حديث موضوع كما بينته في الضعيفة برقم (1246) =

ص: 67

الإمام أبو الفتح العجلي في تفسيره

(1)

ومعنى خفف أزال.

وقوله: "بعدد [من فيها"، أي بعدد]

(2)

كل ميت في المقابر، نقل ذلك في شرح [المظهر

(3)

] على المصابيح

(4)

وفي سلامه صلى الله عليه وسلم على [أهل القبور] حجة لمن يقول الأرواح باقية لا تفنى بفناء الأجساد.

وقد جاء في الحديث أن الأرواح تزور القبور

(5)

.

وفي قوله السلام عليكم هذا يدل على أن التسليم على [الأموات كالتسليم على الأحياء]

(6)

.

= انظر: أحكام الجنائز (1/ 259): لا أصل في شيء من كتب السنة، والسيوطي لما أورده في (شرح الصدور) (ص 130) لم يزد في تخريجه على قوله:(أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده عن أنس)! ثم وقفت على سنده فإذا هو إسناد هالك كما حققته في (الأحاديث الضعيفة)(1246).

(1)

المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 469).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الكوفي الضَّريرُ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري (المتوفى: 727 هـ). انظر: معجم المؤلفين (4/ 60)، والأعلام للزركلي (2/ 259).

(4)

المفاتيح (2/ 469).

(5)

انظر في هذا ما ذكره السيوطي في كتابه: شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور في باب زيارة القبور وعلم الموتى بزوارهم ورؤيتهم لهم. منها أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده ألا استأنس ورد عليه حتى يقوم شرح الصدور (ص 84).

(6)

المفاتيح (2/ 468).

ص: 68

وروي أن الأرواح تعلم بزوار قبورها عشية ليلة الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت قبل طلوع الشمس لفضل يوم الجمعة وعظمه

(1)

. وقال الضحاك

(2)

من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته.

وقال قيس بن منصور: لما كان زمن الطاعون [وكان رجل]

(3)

يختلف إلى الجبانة فيشهد الصلاة على الجنائز فإذ أمسى وقف على باب المقابر فقال آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن سيئتكم لا يزيد على هذه الكلمات، قال الرجل: فأمسيت ذات ليلة فانصرفت إلى أهلي ولم آت المقابر فأدعو كما كنت أدعو، فبينا أنا نائم إذا بخلق كثير جاءوني، قلت ما أنتم وما حاجتكم؟ قالوا: نحن أهل المقابر. قلت: ما جاء بكم؟ قالوا: إنك عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك. قلت وما هي؟ قالوا: الدعوات التي كنت تدعو بهن. قلت: فإني لا أدعهن لذلك، فما تركتهن بعد. وكان بشار بن غالب البحراني [يقول]

(4)

: رأيت رابعة العدوية العابدة في منامي وكنت أدعو لها [فقالت] لي: يا بشار بن غالب هداياك تأتينا في أطباق من نور مخمرة بمناديل الحرير. قلت: وكيف ذاك؟ قالت: وهكذا دعاء المؤمنين [الأحياء إذا] دعوا للموتى فاستجيب لهم الدعاء يجعل ذلك الدعاء على

(1)

أهوال القبور (ص 78).

(2)

شعب الإيمان (8863).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.

ص: 69

أطباق النور وخمر بمناديل الحرير ثم أتي به الميت فيقال هذه هدية فلان إليك

(1)

.

قال الحافظ أبو موسى الأصبهاني في كتابه آداب زيارة القبور: [الزائر يختار] إن شاء زار قائما وإن شاء قعد كما يزور الرجل أخاه فربما جلس عنده وربما زاره قائما ومارا ولا يستلم القبر بيده ولا يقبله على هذا مضت السنة

(2)

. قال: واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرت شرعا ينبغي أن يجتنب فعلها وينهى فاعلها فإن ذلك فعل النصارى. قال: ومن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل وجهه فإن أراد الدعاء تحول عن موضعه واستقبل القبلة. قال الحافظ أبو موسى ويستحب للزائر أن يستقبل الميت مستدبر القبلة

(3)

، اهـ.

[5374]

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنِّي نَهَيْتكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها فَإن فِيهَا عِبْرَة رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(4)

.

(1)

شعب الإيمان (8859)، والاحياء (4/ 491)، والعاقبة (ص 216 - 217)، وأهوال القبور (ص 134) وفى الجميع عن بشر بن منصور.

(2)

المجموع (5/ 311).

(3)

المجموع (5/ 311).

(4)

أخرجه أحمد 3/ 38 (11329)، وعبد بن حميد (985)، والطحاوى في مشكل الآثار (4744)، والحاكم (1/ 374 - 375). وصححه الحاكم. وقال الهيثمى في المجمع 3/ 58: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألبانى في صحيح الترغيب (3543). ولم يذكر الشارح تحته شرحا.

ص: 70

5375 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروا الْقُبُور فَإِنَّهَا تزهد فِي الدُّنْيَا وتذكر الآخِرَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح

(1)

.

5376 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زر الْقُبُور تذكر بهَا الآخِرَة واغسل الْمَوْتَى فَإِن معالجة جَسَد خاو موعظة بليغة وصل على الْجَنَائِز لَعَلَّ ذَلِك أَن يحزنك فَإِن الحزين فِي ظلّ الله يتَعَرَّض كل خير رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ رُوَاته ثِقَات

(2)

وَتقدم قَرِيبا.

5377 -

وَعَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فقد أذن لمُحَمد فِي زِيَارَة قبر أمه فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الآخِرَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(3)

قَالَ الْحَافِظ قد كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن زِيَارَة الْقُبُور نهيا عَاما للرِّجَال وَالنِّسَاء ثمَّ أذن للرِّجَال فِي زيارتها

(1)

أخرجه عبد الرزاق (6714)، وابن ماجه (1571)، والشاشى (937)، وابن حبان (981)، والحاكم 1/ 375. وضعفه الألبانى في المشكاة (1769)، ضعيف الترغيب (2073)، الأحكام (180).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 375). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: لكنه منكر، ويعقوب هو القاضي أبو يوسف حسن الحديث ويحيى لم يدرك أبا مسلم فهو منقطع، أو أن أبا مسلم رجل مجهول. وضعفه الألبانى في ضعيف الترغيب (2074). ولم يذكر الشارح تحته شرحا.

(3)

أخرجه الترمذى (1054). وصححه الألبانى في صحيح الترغيب (3542). ولم يذكر الشارح تحته شرحا.

ص: 71

وَاسْتمرّ النَّهْي فِي حق النِّسَاء وَقيل كَانَت الرُّخْصَة عَامَّة وَفِي هَذَا كَلَام طَوِيل ذكرته فِي غير هَذَا الْكتاب وَالله أعلم.

قوله: "وعن ابن بريدة عن أبيه" اسمه بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، ابن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح الأسلمى.

سكن المدينة، ثم البصرة، ثم مرو، وتوفى بها سنة اثنتين وستين، وهو آخر من توفى من الصحابة، رضى الله عنهم، بخراسان. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثا، اتفق البخارى ومسلم على حديث، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بأحد عشر. أسلم بريدة قبل بدر، ولم يشهدها، وقيل: أسلم بعدها. روى عنه ابناه عبد الله، وسليمان

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة" الحديث. قال الحافظ رحمه الله تعالى: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور نهيا عاما للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها واستمر النهي في حق النساء. وقيل: كانت الرخصة عامة، وفي ذلك كلام طويل ذكره الحافظ في غير هذا الكتاب، اهـ.

حديث ابن بريدة هذا من الأحاديث التي تجمع الناسخ والمنسوخ وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارة القبور وأجمعوا على أن زيارتها مندوب إليها وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك

(2)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 133).

(2)

شرح النووى على مسلم (7/ 46 - 47).

ص: 72

ونقل النووي في شرح المهذب

(1)

الإجماع على استحبابها والمختار أن النساء لا يدخلن في ضمير الرجال، وأما النساء فقد اختلف العلماء في زيارتهن القبور على ثلاثة أقوال في مذهب الشافعي: قول بالمنع وقول بالجواز على ما يعلم في الشرع من التستر والتحفظ وعكس ما يفعل اليوم، والثالث الفرق بين العجوز والشابة فيجوز للعجوز وتمنع الشابة. واعلم أن الخلاف المذكور بين العلماء إنما هو في فساد ذلك الزمان وكن على ما يعلم من عادتهن في الاتباع على ما تقدم وأما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجواز ذلك، فإن وقعت ضرورة للخروج فليكن ذلك على ما يعلم في الشرع من الستر كما تقدم لا على ما يعلم من عادتهن الذميمة في هذا الزمان.

تنبيه: بعث الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بمحو آثار الجاهلية وكان من شأنهم إذا مات لهم ميت أن يخمشوا الوجوه وينتفوا الشعور ويشقوا الجيوب ويخربوا البيوت فزجرهم صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلون ونهاهم عن زيارة القبور لحداثة عهدهم بالكفر لما في زيارة القبور من الفتنة حتى استحكم إسلامهم وصاروا أهل يقين وصارت القبور لهم معتبرا بعد أن كانت مفتتنا خلي عنهم، وقال: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن لكم فيها معتبرا، وسكت عن ذكر النساء لضعفهن ورقتهن [وسرعة افتتانهن فلم يبح لهن

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 47)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (7/ 12).

ص: 73

الخروج إلى زيارة القبور

(1)

، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم نسوة في جنازة]، فقال: ارجعن مأزورات غير مأجورات

(2)

، وقد رأى ابن مسعود رضي الله عنه نساء في جنازة فطردهن وقال: والله لَا أرجع إن لم ترجعن، وحصبهن بالحجارة، فعلى هذا ليس لهن نصيب في حضور الجنائز

(3)

، قاله في تهذيب النفوس.

تنبيه: يستثنى من ذلك قبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فزيارته من أعظم القربات للرجال والنساء واستثنى بعض المتأخرين قبور الأولياء والصالحين والشهداء والله أعلم.

5378 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات الْقُبُور والمتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(4)

وَالتّرمِذِيّ

(5)

وَحسنه وَالنَّسَائِيّ

(6)

(7)

وَابْن حبَان فِي صَحِيحه كلهم من رِوَايَة أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس.

(1)

نوادر الأصول (1/ 142 - 148).

(2)

أخرجه ابن ماجه (1578) عن علي وقال البوصيري (2/ 44): هذا إسناد مختلف فيه من أجل دينار وإسماعيل بن سليمان. وأبو يعلى في المسند (4056) عن أنس، وقال الهيثمي (3/ 28): الحارث بن زياد قال الذهبي: ضعيف، وانظر العلل المتناهية (2/ 902) حيث قال في طريق علي: جيد الإسناد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (773) والأحاديث الضعيفة (2742).

(3)

المدخل (1/ 251).

(4)

أبو داود (3236).

(5)

الترمذي (320) وقال حديث حسن.

(6)

والنسائي (4/ 94).

(7)

سنن ابن ماجه (1575).

ص: 74

قَالَ الْحَافِظ وَأَبُو صَالح هَذَا هُوَ باذام وَيُقَال باذان مكي مولى أم هانئ وَهُوَ صَاحب الْكَلْبِيّ قيل لم يسمع من ابْن عَبَّاس وَتكلم فِيهِ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا.

قوله: "وعن ابن عباس" تقدم الكلام على مناقبه.

قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسّرج" الحديث.

وفي حديث آخر المتخذين عليها المساجد والسرج رواه الإمام أحمد

(1)

وأهل السنن

(2)

، وفي حديث آخر في الصحيح

(3)

لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أي معابد يتعبدون عندهم ويترددون إلى زيارته، ففي هذا الحديث دليل على جواز لعن اليهود والنصارى على العموم

(1)

مسند أحمد (2030).

(2)

أخرجه ابن ماجه (1575)، وأبو داود (3236)، والترمذي (320)، والنسائي 4/ 94 - 95، وابن حبان (3179) و (3180)، والبغوي (510) وقال الترمذي: حديث حسنو أخرجه الطيالسي (2733)، والحاكم 1/ 374، والبيهقي 4/ 78. أخرجه أبو داود (3236)، والترمذي (320)، وقال حديث حسن، والنسائي (4/ 94)، والحاكم (1/ 374) وقال: أبو صالح هذا ليس بالسمان المحتج به وإنما هو باذان ولم يحتج به الشيخان لكنه حديث متداول فيما بين الأئمة وأقره الذهبي في التلخيص، وأحمد في مسنده (1/ 229، 287، 324، 337). وضعفه الألباني في ضعمِف الجامع (4691).

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 212)، وفي السلسلة الضعيفة (225)، وضعيف الترغيب والترهيب (2/ 403).

(3)

صحيح البخاري (4351)، ومسلم (531).

ص: 75

من غير تخصيص وإن كان الأفضل ترك اللعن

(1)

.

وأما لعن الكافر المعين فإن كان مقطوعا له بالنار كالشيطان وأبي جهل وفرعون وأبي لهب جاز لعنه كما يجوز لعن الكفرة على العموم وإن لم يكن مقطوعا له بالنار كآحاد اليهود والنصارى [لم] يجز لعنه على الخصوص لأنه قد يكون مسلما في العاقبة فلا يكون مستحقا للعن

(2)

.

وأما لعن المسلم المتصف بما يجوز لعنه فلا يجوز لعنه على الخصوص ويجوز لعنه بالوصف من غير تعيين

(3)

، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة

(4)

ولعن من كمّه أعمى عن الطريق

(5)

أي حيّره، وقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده

(6)

.

وأما المخاطبة باللعن فلا تجوز فلا يقال لمسلم متصف بذلك لعنه الله ويجوز في حق الكافر المقطوع له بالنار، وقد ثبت في صحيح مسلم

(7)

أنه صلى الله عليه وسلم

(1)

العدة في شرح العمدة (2/ 789)، ورياض الأفهام (3/ 262).

(2)

رياض الأفهام (3/ 262 - 263).

(3)

رياض الأفهام (3/ 264 - 265)، والأعلام بفوائد عمدة الأحكام (4/ 509 - 511).

(4)

صحيح البخاري (2238)، ومسلم (2124).

(5)

أخرجه أحمد (1875) وعبد بن حميد (589)،، وأبو يعلى (2521)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (75)، والطبراني (11546)، والحاكم 4/ 356، والبيهقي في السنن 8/ 231، وفي الشعب (5373)، وصححه الألباني في الصحيحة (3462).

(6)

صحيح البخاري (6783)، ومسلم (1687).

(7)

صحيح مسلم (40)(542).

ص: 76

-صلى الله عليه وسلم خاطب الشيطان باللعن في الصلاة فقال: أعوذ بالله منك ألعنك بلعنة الله، اهـ. قاله ابن العماد في شرح العمدة

(1)

.

[قال النووي

(2)

: جاءلت لعنة زوارالت القبور بأسانيد صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال صاحب المهذب والبيان من أصحابنا: لا يجوز للنساء زيارة القبور لظاهر هذا النهي، قال النووي: وقولهما شاذ في المذهب والذي قطع به الجمهور أنها مكروهة كراهة تنزيه، ذكر الروياني في البحر فيها وجهين أحدهما [أنها تكره] الثاني لا [تكره]، [قال وهو]

(3)

[والأصح] عندي إذا أمن الافتتان. وقال صاحب المستظهري: إن كانت زيارتهن لتجديد النوح والحزن والتعديد [والبكاء]

(4)

[فحرام] وعليه يحمل حديث لعن زوارات القبور وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كثيرة إلا أن تكون عجوزا لا تشتهى فلا يكره كحضور الجماعة في المسجد، قال وهذا الذي قاله حسن ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك الزيارة لظاهر الحديث. واختلف العلماء هل هذا النسخ عام للرجال والنساء أم خاص بالرجال وبقي حكم النساء على المنع والأول أظهر وقد دل على صحة ذلك أنه عليه السلام رآى امرأة تبكي عند قبر فلم ينكر عليها الزيارة وإنما

(1)

هذا الشرح أكثر المؤلف الأخذ عنه وهو في عداد المفقود.

(2)

المجموع شرح المهذب (5/ 310 - 311).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

سقطت هذه اللفظة من النسخة الهندية.

ص: 77

أمرها بالصبر وقال: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة وذلك يحتاج إليه كل أحد على أن حديث نهي النساء مختلف في صحته

(1)

.

وأما قوله: "كنت نهيتكم" فقد استدل بعضهم على تقدم النهي للرجال أيضا ثم هذا النهي إنما هو للمكثرات من الزيارة لأن زوارات للمبالغة ويقال أن النساء إنما منعن من إكثار الزيارة لما يؤدي إليه من تضييع حقوق الزوج والتبرج والشهوة والتضييع [بمن] يلازم القبور لتعظيمها ولا يخاف من الصراخ والنواح وغير ذلك من المفاسد على هذا يفرق بين الزائرت [والزوار] والصحيح نسخ المنع عن الرجال والنساء كما تقدم

(2)

]

(3)

.

وفي صحيح مسلم

(4)

عن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها، وفي هذا إبطال قول من زعم أن النهي عن الصلاة فيها لأجل النجاسة فهذا أبعد شيء عن [مقاصد] الرسول صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن قبور الأنبياء من أطهر البقاع فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم وإنما أراد عليه الصلاة والسلام المنع [بفتنتها] كما افتتن قوم نوح ومن بعدهم ومعلوم أن إيقاد السرج عليها إنما لعن [فاعله] لكونه وسيلة إلى

(1)

المجموع شرح المهذب (5/ 311) والمفهم (8/ 107).

(2)

المفهم (8/ 108).

(3)

وقع تأخير لهذه الصحيفة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين به على [دوائه]).

(4)

صحيح مسلم (97 - 972).

ص: 78

تعظيمها وجعلها [نصبا يوفض] إليه المشركون كما هو الواقع فهكذا اتخاذ المساجد عليها تعظيم لها وتعريض للفتنة بها

(1)

.

وقال ابن [العماد]: قال العلماء: فإذا كان هذا في حالط من سجد لله في مسجد على قبر فكيف حالط من سجد للقبر نفسه أو لمن فيه، قالوا: وإنما أكد الزجر عن الصلاة في المسجد الذي على القبر وغلظ في أمره [باللعن والوعيد] تحذيرا من التشبيه بعبدة الشمس الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين وسد الذرية وسد الذريعة خوفا من أن يعبد مع لله تعالى غيره

(2)

، وظاهر الحديث يقتضي تحريم اتخاذ المسجد على [القبر] وإن كان في ملك الباني [سواء كان الميت مشهورًا بالصلاح أم لا، والأصحاب فصلوا في البناء على القبر، فقالوا: إن كان في ملك الباني] فمكروه وإن كان في مقبرة مسبّلة فحرام، نص عليه الشافعي والأصحاب

(3)

.

قال الشافعي في الأم

(4)

: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى وهذا في بناء غير المسجد والمعنى فيه تضييق المقبرة بالبناء على غيره

(5)

وأما بناء المسجد فينبغي تحريمه مطلقا وإن كان في ملك الباني

(6)

، [ويحتمل أن قول

(1)

إغاثة اللهفان (1/ 187 - 188).

(2)

الجواب الكافى (ص 308 - 309).

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 27).

(4)

الأم (1/ 316)، وانظر الحاوى (3/ 27)، وشرح النووي على مسلم (7/ 27).

(5)

وإليه أشار الشافعى في الأم (1/ 316).

(6)

العدة (2/ 786).

ص: 79

الشافعي

(1)

:] وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس على كراهة الحرمة

(2)

، وفي الحديث دليل على امتناع اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا ومنه يفهم امتناع الصلاة على قبره صلى الله عليه وسلم، ومن الفقهاء من استدل بعدم صلاة المسلمين على قبره صلى الله عليه وسلم على عدم الصلاة على القبر جملة، وأجيب عن ذلك بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص على هذا بما فهم من الحديث من النهي عن اتخاذ قبره [مسجدا

(3)

وقد قال صلى الله عليه وسلم]

(4)

: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد إنما [هلك] بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، الحديث

(5)

. وبعض العلماء أجاز الصلاة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم كجوازها على قبر غيره ونقله في الروضة عن أبي الوليد النيسابوري

(6)

، ا هـ.

(1)

الأم (1/ 317).

(2)

الاعلام (4/ 499)، والنجم الوهاج (3/ 110).

(3)

العدة شرح العمدة (2/ 788).

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(5)

أخرجه الحميدي (1055). وأحمد (7352). وأبو يعلى (6681). وأخرجه البخاري في الكبير (2/ 1/ 47)، وابن سعد (2/ 241 - 242) وأبو نعيم في الحلية (7/ 317) وابن عبد البر في التمهيد (6/ 44) وقال البوصيري: رجاله ثقات الإتحاف 4/ 164)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 2) رواه أبو يعلى، وفيه إسحاق بن أبي إسرائيل، وفيه كلام لوقفه في القرآن، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في أحكام الجنائز (1/ 217)، وغاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص: 98).

(6)

روضة الطالبين (2/ 131).

ص: 80

وقال ابن قيم الجوزية

(1)

: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بالصلاة في تلك البقعة عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله ووخو أن الصلاة عند القبر منهي عنها فمن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه، وقد صرح عامة الطوئف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة، وخرّج أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهة والذي ينبغي أن تحمل الكراهة على التحريم إحسانا للظن بالعلماء وأن لا يظن بهم أنهم يجيزون فعل ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن فاعله والنهي عنه وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه. قال أبو محمد المقدسي ولو أبيح اتخاذ [إيقاد] السرج عليها لم يلعن من فعله، ولأن فيه تضييعا للمال من غير.

فائدة: قال ابن القيم

(2)

أن المساجد المبنيية على القبور حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تساوي الأرض وهو أولى بالهدم من مسجد الضرار، وكذلك القباب التي على القبور ويجب هدمها كلها لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن البناء على القبور فالبناء قد أسس

(1)

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 210).

(2)

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 210).

ص: 81

على معصيته ومخالفته بناء غير محترم وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعا. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة فهدم القباب والمساجد التي بنيت عليها أولى وأحرى لأنه لعن متخذي المساجد عليها ونهى عن البناء عليها فتجب المبادرة والمسارعة إلى هدم مما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله ونهى عنه وكذلك تجب إزالة كل قنديل أو سرج أسرج على القبور فإن فاعل ذلك ملعون وقد صرح الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية في [كتابه] إغاثة اللهفان

(1)

بأن اتخاذ المساجد على القبور وإيقاد السرج عليها من الكبائر وعلله بأن كل ما لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الكبائر لقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج، اهـ.

5379 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات الْقُبُور" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا وَابْن حبَان فِي صَحِيحه كلهم من رِوَايَة عمر بن أبي سَلمَة وَفِيه كَلَام عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صحِيح.

(2)

(1)

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 197).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 337، 356)، والترمذي (1056)، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رأي بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الزيارة فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء، وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن، وأخرجه ابن ماجه (1576)، والبيهفي في السنن (4/ 78)، والطيالسي (2358). وله شاهد عن ابن عباس تقدم تخريجه في الحديث السابق، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5109).

ص: 82

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه.

قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور" الحديث. القبور جمع قبر والمقابر جمع مقبرة بفتح الباء وضمها ولم يأت في القرآن ذكر المقابر وزيارتها إلا في قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)}

(1)

وزيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي لأنها تذكر الموت والآخرة وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها

(2)

ولا شيء أنفع لمداواة القلوب القاسية من زيارة القبور، وعلى أصحاب القلوب القاسية أن يعالجوها بأربعة أشياء:

الأول: الإقلاع عما هم عليه بحضور مجالس الذكر والعلم والوعظ والتذكير والتخويف والترغيب والترهيب وأخبار الصالحين.

والثاني ذكر الموت [فإنه] هادم اللذات ومفرق الجماعات ومؤتم البنين والبنات

(3)

. وروي أن امرأة شكت إلى عائشة قساوة قلبها، فقالت لها: أكثري من ذكر الموت يرق قلبك

(4)

.

(1)

سورة التكاثر، الآية: 1 - 2.

(2)

التذكرة (ص 133 - 134)، وتفسير القرطبى (20/ 170).

(3)

التذكرة (ص 133 - 134)، وتفسير القرطبى (20/ 171).

(4)

ذكر ابنُ أبي الدُّنْيَا بإسناده، عن منصور بن عبد الرحمن، عن صفية أنَّ امرأة أتت عائشة لتشكو إليها القسوة. فقالت: أكثري ذكر الموت، يرق قلبك وتقدرين عَلَى حاجتك. قالت: ففعلت، فاَنست من قلبها رشدًا، فجاءت تشكر لعائشة رضي الله عنها.

انظر: مجموع رسائل ابن رجب (1/ 265)، والظاهر أن ابن أبي الدنيا روى الأثر المذكور في =

ص: 83

والثالث مشاهدة المحتضرين

(1)

.

والرابع: زيارة القبور فإنها تبلغ في إزالة القسوة ما لا يبلغه الأول والثاني والثالث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الخبر كالمعاينة، رواه عنه ابن عباس ولم يروه غيره

(2)

. فإذا تأمل الزائر حال من مضى من إخوانه وكيف انقطع عنهم

= كتاب ذكر الموت وهو من كتبه المفقودة، ولم أر هذا الأثر في ما جمعه مشهور بن حسن آل سلمان من نصوص كتاب ذكر الموت لابن أبي الدنيا، والله تعالى أعلم.

(1)

التذكرة (ص 133 - 134) وتفسير القرطبى (20/ 171).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 215، 271)، والبزار (5062 و 5155)، والطبراني في معجمه الكبير (12/ 54/ 12451)، وفي معجمه الأوسط (25)، والحاكم (2/ 412) وعنه: البيهقي في الزهد الكبير (993)، وابن حبان (6214)، والخطيب (6/ 56)، والقضاعي في مسند الشهاب (1182 و 1183)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1114 و 1115)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (766)، وعلي بن عمر الحربي في الفوائد المنتقاة (86)، وابن عدي في الكامل (7/ 136)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 159)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 56)، وفي تلخيص المتشابه (1/ 225)، وابن بشران في الفوائد (457)، وأبو الشيخ الأصبهاني في الأمثال في الحديث (5)، والضياء في المختارة (10/ 81/ 74 و 75 و 76) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأورده الهيثمي في المجمع 1/ 153 ونسبه لأحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وقال: رجاله رجال الصحيح، وصححه ابن حبان. وصححه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 334)، وكذا السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 559) وقال: وقد صحح هذا الحديث ابن حبان والحاكم وغيرهما وقول ابن عدي إن هشيما لم يسمعه من أبي بشر وإنما سمعه من أبي عوانة عنه فدلسه لا يمنع صحته، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5374).

ص: 84

الأهل والأحباب وكيف انقطعت عنهم أموالهم فلم تنفعهم أموالهم ومحى التراب محاسن وجوههم وترمل من بعدهم نساؤهم وتيتّمت أبناؤهم وأن حاله ستئول إلى حالهم ومآله كمآلهم أقبل على طاعة الله ورق قلبه وخشع. قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات ومؤتم البنين والبنات ويواظب على مشهدة المحتضر وزيارة قبور أموات المسلمين فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين به على [دوائه]

(1)

.

وتقدم الكلام على زيارة [النساء القبور] فإن أتت امرأة قبرا لترَمَّهُ أو تدعو أو تسلم أو تعتبر وقد ماتت [شِرَتها] وانقطعت فتنتها فهي خارجة عن النهي، وعن فاطمة رضي الله عنها

(2)

أنها كانت [تأتي]

(3)

قبر حمزة في كل عام فترمه وتصلحه

(4)

، وأما مرّمة القبر فلئلا يندرس أثره فينبش عليه لأنه إذا ذهب أثره

(1)

التذكرة (ص 133 - 134)، وتفسير القرطبى (20/ 171).

(2)

في تفسير القرطبي: (ج 10 ص 381)، وفيه:(عن أبي بكر الأثرم قال حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال: كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة، ذكره أبو عمر). وفي مصنف عبد الرزاق الصنعاني: ح 6713: (عبد الرزاق عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت فاطمة بنت رسول الله تزور قبر حمزة كل جمعة)، والحكيم الترمذى في نوادر الأصول (96).

(3)

سقطت هذه اللفظة من النسخة الهندية.

(4)

نوادر الأصول (1/ 148).

ص: 85

حفر عليه لميت آخر، ولأن المسلِّم على الأموات وزائرها [يخفى] عليه إذا ذهب رسمه فتبطل الزيارة وهي حق من الحقوق

(1)

، اهـ.

وينبغي للزائر أن يدنو من القبر بقدر ما كان يدنو من صاحبه في الحياة لو زاره، وأن يقول الزائر: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون اللهم لَا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم

(2)

. زاد القاضي: اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا منك وسلاما مني، الله برِّد عليهم مضاجعهم واغفر لهم

(3)

، اهـ.

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون الحديث، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد

(4)

. فقوله إن شاء الله محمول على التبرك وامتثالا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}

(5)

، وقيل بمعنى إن كقوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)}

(6)

، وقيل معناه اللحوق في تلك البقعة

(7)

.

(1)

نوادر الأصول (1/ 149).

(2)

روضة الطالبين (2/ 139).

(3)

كفاية النبيه (5/ 166)، والنجم الوهاج (3/ 114).

(4)

مسلم (102 - 974).

(5)

سورة الكهف، الآية: 23 - 24.

(6)

سورة الأعلى، الآية:9.

(7)

النجم الوهاج (3/ 114).

ص: 86

ويستحب للزائر الإكثار من قراءة القرآن والذكر والدعاء لأهل تلك المقبرة ولسائر الموتى والمسلمين أجمعين، ويستحب الإكثار من الزيارة وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل

(1)

ويقرأ ويدعو لرجاء الإجابة ويكون الميت كالحاضر ترجى له الرحمة والبركة

(2)

. فقد روى البيهقي في شعبه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما الميت في قبره إلا كالغريق المغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أم أو أخ أو صديق فإذا لحقته كانت أجما إليه من الدنيا وما فيها وإن الله عز وجل ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثال الجبال وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم

(3)

.

قال ابن عبد البر

(4)

: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مسلم يمر بقبر أخيه أخيه كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، ويروى هذا من حديث أبي هريرة مرفوعا

(5)

، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى

(1)

الأذكار (ص 282).

(2)

روضة الطالبين (2/ 139).

(3)

الشعب (10/ 300 - 301 رقم 7527).

(4)

انظر: الاستذكار (1/ 185)، والمفهم لما أشكل من تلخمِص كتاب مسلم (3/ 127).

(5)

أخرجه ابن حبان في المجروحين: 2/ 58، وتمام الرازي في فوائده (139) من حديث أبي هريرة، كما رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية: 2/ 911 وقال: هذا حديث لا يصح.، وفي تفسير ابن كثير ج 3/ ص 439 قال: روى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم" وروي عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وروى ابن أبي الدنيا.

ص: 87

المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، الحديث، وفي آخره: أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، أسأل الله العافية لنا ولكم. وكان عليه الصلاة والسلام يعلمهم مثل هذا أن يقولوه إذا دخلوا المقابر، فهذا نص يدل على أن الميت يعرف سلام من يسلم عليه ودعاء من دعا له. وقد شرّع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول السلام عليكم الحديث. وهذا خطاب لمن يسمع أو يعقل ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الأخبار عنهم بأن الميت يعرف [زيارة] الحي [له] ويستبشر به

(1)

.

ويروى من حديث عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده إلا استأنس به حتى يقوم.

(2)

وحدثنا محمد بن الحسين فذكره إلى أن قال: حدثني رجل من آل عاصم الجحدري قال: رأيت عاصما الجحدري في منامي بعد موته بسنتين فقلت: أليس قد متّ. قال: بلى. قلت: فأين أنت؟ قال: إنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة

(1)

الروح (ص 5).

(2)

انظر: أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور (ص: 78)، وعزاه ابن كثير في التفسير (ج 3/ ص 439) لابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام.

ص: 88

وصبحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلقى أخباركم. قال قلت: أجسادكم أم أرواحكم. قال: هيهات قد بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح

(1)

. قال: فقلت: هل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال: نعم نعلم بها عشية الجمعة [ويوم] الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس. قال: قلت: فكيف ذلك دون الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته

(2)

.

وحدثني محمد بن الحسين إلى أن قال: حدثني الفضل بن الموفق [بن] خال سفيان بن عيينة قال: لما مات أبي جزعت عليه جزعا شديدا فكنت آتي قبره كل يوم ثم إني قصرت عن ذلك ما شاء الله ثم أتيته يوما فبينا أنا جالس عند القبر غلبتني عيني فنمت، فرأيت كأن قبر أبي قد انفرج وكأنه قاعد في قبره متوشحا أكفانه عليه شجية الموتى. قال: فكأني بكيت لما رأيته. قال: [يا بني]

(3)

ما بطاؤك عني؟ قلت: وإنك لتعلم مجيئي؟ قال: ما جئت مرة إلا علمتها وقد كنت تأتيني فأسرّ بك ويسر من حولي بدعائك. قال: فكنت آتي إليه بعد ذلك كثيرًا.

(4)

وقال ابن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن علي العجلي [فذكره]

(5)

إلى أن

(1)

المنامات لابن أبى الدنيا (58)، وأهوال القبور (ص 78).

(2)

الزيادة من أهوال القبور (ص 78).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

انظر: الروح (ص 6)، وأهو ال القبور وأحوال أهلها إلى النشور (ص: 88) تفسير ابن كثير ج 3/ ص 439).

(5)

سقطت هذه اللفظة من النسخة الهندية.

ص: 89

قال: حدثنا أبو قلابة قال: أقبلت من الشام إلى البصرة فنزلت منزلا فتطهرت وصليت ركعتين بليل ثم وضعت رأسي على قبر فنمت ثم انتبهت فإذا صاحب القبر يشتكيني يقول: قد آذيتثي منذ الليلة ثم قال: إنكم تعملون ولا أتعلمون، ونحن نعلم ولا نقدر على العمل ثم قال: الركعتين اللتين ركعتهما خير من الدنيا وما فيها ثم قال: جزى الله أهل الدنيا خيرا أقرئهم منا السلام فإنه يدخل علينا من دعائهم نور أمثال الجبال

(1)

.

وصح عن عمرو بن دينار أنه قال: ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله بعده وأنهم ليغسلونه ويكفنونه وإنه لينظر إليهم. وصح عن مجاهد أنه قال: إن الرجل ليُبشّر في قبره بصلاح ولده من بعده.

(2)

وروى ابن أبي الدنيا

(3)

من طريق أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم. وروى ابن المبارك

(4)

عن أبي أيوب موقوفا وخرجه الطبراني بنحوه عنه

(1)

الروح (ص 8)، وأهوال القبور (ص 37).

(2)

انظر: الروح (ص 8)، وأهوال القبور (ص 90)، وتفسير ابن كثير ج 3/ ص 439).

(3)

انظر: أهوال القبور (ص: 77).

(4)

الزهد والرقائق (1/ 149) 443)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات (3) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2758)، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (4/ 129 / 3887) الطبراني في معجمه الأوسط (148)، وفي مسند الشاميين (1544) قال الهيثمي في مجمع الزوائد- (ج 2/ ص 327): رواه الطبراني في الكبير والاوسط وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. وله طريق آخر: الطبراني في معجمه الكبير (4/ 130/ 3889) حدثنا =

ص: 90

مرفوعا قال: تُعرض أعمال الأحياء على الموتى فإذا رأوا حسنًا فرحوا واستبشروا وإذا رأوا شرًّا قالوا: اللهم راجع به.

وروى ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبد الله بن أوس أنه قال لسعيد بن جبير: هل يأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال: نعم، ما من أحد له حميم إلا ويأتيه أخبار أقاربه فإن كان خيرًا سُرَّ به وإن كان شرا أحزنه

(1)

.

وأخرج البخاري في تاريخه من حديث النعمان بن بشير رفعه في أثناء حديث قال: الله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم

(2)

، قاله صاحب كتاب الروح

(3)

.

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور

(4)

له من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن أبيه عن جدّه قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت عليه أمّه وجدا شديدا فقالت: يا رسول الله لا يزال يموت ميت في بني سلمة

= عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش تنا أبي ثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال كان عبد الرحمن بن سلامة يحدث أن أبا رهم حدثهم أن أبا أيوب حدثهم

فذكره مختصرا. وذكره الألباني في الضعيفة - (864) وقال: ضعيف جدا ..

(1)

الزهد (447).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 8)، وابن أبى الدنيا (1)، والدولابى في الكنى (519)، والحاكم (4/ 307). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: فيه مجهولان. وضعفه الألبانى في الضعيفة (443).

(3)

الروح (ص 6).

(4)

أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور (ص: 78).

ص: 91

فهل تتعارف الموتى فأحمل إلى بشر سلام؟ قال: نعم يا أم بشر إنهم ليتعارفون كما تتعارف الطير فكانت إذا احتضر أحد من بني سلمة جاءت إليه فقالت: أقرأ بشرا السلام.

وروى الطبراني

(1)

من وجه آخر أن أم مبشر وهي هذه جاءت إلى كعب بن مالك عند موته فقالت: أقرأ مبشرا السلام وهو شاهد قوي لحديث [ابن] لبيبة. وقال سفيان بن عيينة في جامعه: حدثنا عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: إن أهل القبور يتوكفون الأخبار، أي يتوقعونها، فإذا أتاهم الميت قالوا: ما فعل فلان، فيقول صالح. فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: ألم يأتكم؟ فيقولون: لَا. فيقول: إنا للّه هانا إليه راجعون سُلك به غير طريقنا، وهذا موقوف على عبيد ابن عمير أحد كبار التابعين والإسناد صحيح إليه ومثله لا يقال من قبل الرأي فهو من قبيل المرسل وقد أخرج النسائي من حديث أبي هريرة نحوه مرفوعا وفي آخره فيقول ذهب به إلى أمه الهاوية.

(2)

وروى الطبراني في المعجم الكبير

(3)

من حديث أبي أيوب مرفوعا أن نفس المؤمن إذا قُبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا فيقولون انظروا صاحبكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد ثم يسألون

(1)

المعجم الكبير للطبراني (19/ 63/ 119).

(2)

رواه النسائي (4/ 8)، وابن حبان (3014)، والحاكم (1/ 504). وقال: سنده صحيح، وقال العراقي في تخريج الإحياء (5/ 212): إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي ..

(3)

المعجم الكبير للطبراني (4/ 130)3889.

ص: 92

ماذا فعل فلان وماذا فعلت فلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل مات قبله قال: هيهات قد مات قبلي، فيقولون: إنا لله هانا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية، ففي هذه الأخبار أن أرواح الموتى تتلاقى وتتحادث، وأما كون حالهم في ذلك شبيها بحال الدنيا فلا يظن ذلك من له اطلاع على أن حال البرزخ مغاير لحال الدنيا فلا يلزم من استواء الطائفتين في الإدراك أن يستوي إدراكهما والله أعلم. قاله الحافظ ابن حجر

(1)

.

تنبيه: قوله في الحديث الذي ذكره ابن عبد البر: [أنه صلى الله عليه وسلم] قال: ما من مسلم يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام. أما معرفة الميت بمن يزوره وسماع كلامه فهو متفرع عن مسألة مشهورة وهي أين مستقر الأرواح بعد الموت؟ فجمهور أهل الحديث على أن الأرواح على أفنية قبورها، نقله ابن عبد البر وغيره، والأفنية جمع فناء بكسر الفاء والمد وهو ما بين أيدي المنازل والدور [وفي تفسير]

(2)

وهو حريم الدار ونحوها وما كان في جوانبها وقريبا منها فإن الأرواح مأذون لها في التصرف ونوزع في إطلاق ذلك فإن أرواح الشهداء قد ورد فيها أخبار ظاهرها بخلاف ذلك ولا شك أن الأنبياء أعظم قدرا من الشهداء فلا شك أن لأرواحهم من الفضيلة فوق ما للشهداء، وأما سائر الناس فمؤمن وكفر فروح الكافر في غم وضيق وحبس وكرب وتعذيب وروح المؤمن إما في غم [إن]

(1)

الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع (ص: 88).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 93

كان عاصيا لكنه دون غمّ الكافر، وإما في بشر وسرور إذا كان مطيعًا، والذي تقتضيه ظواهر الأحاديث الصحيحة أن أرواح المؤمنين في عليين وأرواح الكفار في سجين ولكن لكل منهما اتصال بجسدها وذلك الاتصال إما معنوي لا يشبه الاتصال الذي بالحياة الدنيا وأقرب ما يشبه به النوم فإن روح النائم قد فارقت جسدها لكن ليس فراقا كليا لكن بقي لها به اتصال ما وبه يقع إدراك بدن المؤمن [للتنعيم] وإدراك بدن الكفار للتعذيب لأن التنعيم يقع لروح هذا والعذاب يقع لروح هذا ويدرك ذلك البدن على ما هو المذهب المرجح عند أهل السنة وهو أن النعيم والعذاب يقع على الروح أو على الجسد والجواب أنه عليهما معا لكن حقيقته على الروح [ويألم] الجسد مع ذلك وينعم لكن لَا يظهر أثر ذلك لمن يشاهد من أهل الدنيا، ولهذا لو نبش عن الميت لوجد كهيئته يوم وضع، اهـ. قاله الحافظ العسقلاني الشهير بابن حجر

(1)

، والله أعلم.

5380 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما قَالَ قبرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَعْنِي مَيتا فَلَمَّا فَرغْنَا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفنا مَعَه فَلَمَّا حَاذَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَابه وقف فَإِذا نَحن بِامْرَأَة مقبلة قَالَ أَظُنهُ عرفهَا فَلَمَّا ذهبت إِذا هِيَ فَاطِمَة رضي الله عنها فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أخرجك يَا فَاطِمَة من بَيْتك قَالَت أتيت يَا رَسُول الله أهل هَذَا الْمَيِّت فرحمت إِلَيْهِم ميتهم أَو عزيتهم بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَعَلَّك بلغت مَعَهم الكدا فَقَالَت معَاذ الله وَقد سَمِعتك تذكر

(1)

فتاوى ابن حجر في العقيدة (ص 20 - 23).

ص: 94

فِيهَا مَا تذكر قَالَ لَو بلغت مَعَهم الكدا فَذكر تشديدا فِي ذَلِك قَالَ فَسَأَلت ربيعَة بن سيف عَن الكدا فَقَالَ الْقُبُور فِيمَا أَحسب رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1)

وَالنَّسَائِيّ

(2)

بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره فَقَالَ لَو بلغتهَا مَعَهم مَا رَأَيْت الْجنَّة حَتَّى يَرَاهَا جد أَبِيك وَرَبِيعَة هَذَا من تَابِعِيّ أهل مصر فِيهِ مقَال لَا يقْدَح فِي حسن الإِسْنَاد.

الكدا بِضَم الْكَاف وبالدال الْمُهْملَة مَقْصُورا هُوَ الْمَقَابِر.

قوله: "وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي" تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: "لعلك بلغت معهم الكدى؟ قالت: معاذ الله، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر" الحديث. قال الحافظ: الكدى بضم الكاف وبالدال المهملة مقصور هو المقابر.

وقال في النهاية

(3)

: أراد المقابر وذلك لأنها كانت مقابرهم في مواضع

(1)

سنن أبي داود (3123).

(2)

سنن النسائي (4/ 27)، وقال:"ربيعة ضعيف". وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه أحمد (2/ 168 - 169) وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 170) وأبو داود (3123) والبزار (2440) والنسائي (4/ 23) وفي الكبرى (2007) وأبو يعلى (6746) والطحاوي في المشكل (278) والحكيم الترمذي في المنهيات (ص 85 - 86) وابن حبان (3177) والطبراني في الكبير (13/ حديث رقم 45 و 46) والحاكم (1/ 373 و 374) والبيهقي (4/ 60 و 77 - 78) وفي الدلائل (1/ 192) والضياء المقدسي في حديث أبي عبد الرحمن المقرئ (20) والمزي في التهذيب (9/ 114 - 115)، وقال الألباني: ضعيف. ضعيف أبي داود (684).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 156).

ص: 95

صلبة والكدى هي جمع كدية وهي القطعة الصلبة من الأرض والقبور إنما تحفر في المواضع الصلبة من الأرض لئلا تنهار. أقولها: "قالت معاذ الله" أي عياذة بالله أن يكون ذلك قولها وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر وهو [يدل] على عذر لجاهل [بهذا] وموآخذة [اللوم]

(1)

و [هذا] في جاهل قريب العهد أما من نشأ بين المسلمين ولم يسأل عن أمر دينه فغير معذور.

قوله: "لعلك بلغتِ معهم الكُدى؟ " تعظيم لأمر اتباع المرأة

الجنازة [وفعل] هذا حين كان [محرما] ولهذا لعن زوارات القبور ثم نسخ، ولا شك أن هذا يختلف باختلاف [أحوال] المرأة. وأما من حيث الفتنة فيحرم عليها ولذلك المتزوجة يحرم عليها الخروج بإذن زوجها إلا للتعزية القريبة التي لا تضر]

(2)

. [ويروى الكرى بالراء وهي المقابر أيضا جمع كرية أو كروة من كريت الأرض وكرؤخمها إذا حفرتها كالحفرة من حفرت [انتهى]، وكذا ذكره السهيلي الكرى بالراء في الروض الأنف

(3)

]

(4)

.

[قوله: "لو بلغت" يدل على جواز فرض المسائل وبيان ما عليها على

(1)

هكذا في النسخة الهندية، وفي الأصل:(العالم)، وهو أقرب للصواب.

(2)

وقع تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(المعزى أو المعزى غائبا وتقدم الكلام على التعزية مبسوطا في بابه).

(3)

الروض الأنف (4/ 29).

(4)

وقع تقديم لهذين السطرين في النسخة الهندية، وأدرجا بعد قوله قبل هذا الموضع:(هي جمع كرية وهي القطعة الصلبة من الأرض والقبور إنما تحفر في المواضع الصلبة من الأرض لئلا تنهار).

ص: 96

الفرض والتقدير لمصلحة إما تخويف الغير أو تعظيم التحذير]

(1)

.

[قوله: "فذكر

(2)

عن الأمور التي تتعلق بالأكابر على سبيل التعظيم وتصريحه في الرواية الأخرى دليل على جواز ذلك لمصلحة]

(3)

.

قوله: "فلما حاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابه" المحاذاة المقابلة.

قوله: "فماذا نحن بامرأة مقبلة، قال أظنه عرفها فلما ذهبت إذا فاطمة"[وتقدم الكلام عليها،] ففيه جواز تأمل المرأة ليعرف هل هي قريبته أم غيرها ومشي المرأة قريبا بحيث يعرفها الرجال والإنكار على المرأة خروجها من البيت لغير حاجة أو لجنازة ونحوها.

قوله: "ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ قالت: أتيت يا رسول الله أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به"، فيه استحباب التعزية والدعاء للميت بالرحمة وهو معنى فرحمت إليهم ميتهم وهي مستحبة من أهل البيت قبل الدفن وبعده. [وقال أبو حنيفة: لا تستحب بعده. قال أصحابنا: وهي تمتد إلى ثلاثة أيام ثم تحرم لما فيها من إيلام القلب وتجديد الحزن بذكر الميت لأهله إلا أن يكون المعزى أو المعزى غائبا وتقدم الكلام على التعزية مبسوطا في بابه]

(4)

.

(1)

وقع تأخير لهذه الفقرة فِى النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ولذلك المتزوجة يحرم عليها الخروج بإذن زوجها إلا للتعزية القريبة التي لا تضر).

(2)

بياض في المخطوط.

(3)

وقع تأخير لهذه الجملة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:().

(4)

سقطت هذه الفقرة من النسخة الهندية.

ص: 97

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية النسائي: لو بلغتها معهم [] يعني القبور [] ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك، الحديث [يدل على جواز فرض المسائل وبيان ما عليها على الفرض والتقدير لمصلحة إما تخويف الغير أو تعظيم التحذير]

(1)

. قال قتيبة: الكدى القبور ونراه أنه في بدء الأمر ولا نعلم ذلك يحرم الجنة لكن معناه أن من فعل ذلك كان يخاف عليه أن يسلبه الله عز وجل الإسلام فلم ير الجنة أبدا، وأعظم نعمة الله تعالى على عبده الإسلام والإسلام منار كمنار الطريق فإذا عمل عملا يكون فيه إحياء سنن الجاهلية التي [أطفأها] الله تعالى بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر منة الإسلام والكفور ممقوت غير مأمون عليه السلب فغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزجر لتموت تلك السنن كذا في نوادر الأصول

(2)

، قاله في شرح مشارق الأنوار.

وقال السهيلي

(3)

في قوله: ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك ولم يقل جدك يعني أباه فيه تقوية للحديث الضعيف إن الله تعالى أحيا أمّه وأباه وآمنا به، والله أعلم. ويحتمل أن يكون أراد تخويفها بقوله: حتى يدخلها جد أبيك فيتوهم أنه الجد الكفار ومن جدوده صلى الله عليه وسلم إبراهيم وإسماعيل لأن قوله صلى الله عليه وسلم حق وبلوغها معهم الكدى لا أيوجب، خلودا في النار فهذا من لطيف الكناية فافهمه، والله أعلم. ذكره السهيلي في الروض الأنف على سيرة ابن هشام

(4)

.

(1)

سقطت هذه الجملة من النسخة الهندية.

(2)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (1/ 126).

(3)

الروض الأنف (4/ 30).

(4)

الروض الأنف (4/ 30).

ص: 98

وقال في شرح الإلمام في قوله: ما رأيت الجنة، محمول على عدم رؤيتها مع أول الرائين [فإنه] يرده حتى يراها جد أبيك لأنه لا يراها أبدا فإن عبد المطلب مات قبل البعثة فيحمل على المبالغة والتحذير وهذا بناء على صحة الحديث وربما تعلق بهذا من قال أن والديه أحياهما الله له حتى أسلما كما ورد في حديث ضعيف جدا لأنه لم يذكر أباه. وجوابه [إن صح هذا] مفهوم لقب وليس بحجة خلافا للدقاق وفي البخاري

(1)

أنه عليه السلام دعا الذي سأله عن أبيه فأخبره أنه في النار، وقال له إن أبي وأباك في النار، ولهذا لم يُؤذن له في استغفاره لأمه وعلى هذا إنما ذكر الأب لشهرته وعظمته عندهم، اهـ.

تنبيه: قول السهيلي: إن الله أحيا أباه وأمه وآمنا به أنه حديث ضعيف ولقد استُفتي شيخ الإسلام العسقلاني الشهير بابن حجر عنه فقال: [أنه حديث مرفوع واللّه تعالى أعلم].

[قوله] سألت ربيعة بن سيف عن الكدى، قال الحافظ وربيعة هذا من تابعي أهل مصر وفيه مقال لا يقدح في حسن الإسلام، اهـ. وربيعة بن سيف المعافري الاسكندري روى عن عبد الله بن عمرو ولا يعرف [ربيع] سماعا من ابن عمرو [وقال] ابن عساكر قال ابن يونس توفي قريبا من سنة عشرين ومائة وليس له في أبي داود والنسائي سوى هذا الحديث وله في الترمذي حديث واحد وهو ما من مسلم يموت يوم الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر وهو منقطع إنه حديث موضوع والله أعلم]

(2)

.

(1)

لعله وهم، والحديث في صحيح مسلم (347)(203).

(2)

أدرجت هذه الفقرة في النسخة الهندية في حاشية الصحيفة السابقة.

ص: 99

5381 -

وَرُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِذا نسْوَة جُلُوس قَالَ مَا يجلسكن قُلْنَ نَنْتَظِر الْجِنَازَة قَالَ هَل تغسلن قُلْنَ لَا قَالَ هَل تحملن قُلْنَ لَا قَالَ هَل تدلين فِيمَن يُدْلِي قُلْنَ لَا قَالَ فارجعن مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات رَوَاهُ ابْن مَاجَه

(1)

وَرَوَاهُ أَبُو يعلى

(2)

من حَدِيث أنس.

قوله: "وروي عن علي" تقدم الكلام على مناقبه وسبب قتله في كتاب النكاح. قوله: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس قال: ما يجلسكن؟ قلن: ننتظر الجنازة" الحديث. قوله: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" أي غير آثمات وقياسه [موزورات] يقال: وزر فهو موزور وإنما قال: مأزورات للازدواج بمأجورات

(3)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه (1578)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 77)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 420) وقال البوصيري (2/ 44): هذا إسناد مختلف فيه من أجل دينار وإسماعيل بن سليمان.، وقال الذهبي: ضعيف، وانظر العلل المتناهية (2/ 902) حيث قال في طريق علي: جيد الإسناد. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 29)، وعزاه لأبي يعلى وقال: فيه الحارث بن زياد وهو ضعيف. وأورده البوصير في الإتحاف وعزاه لأبي يعلى وقال: سنده ضعيف لجهالة التابعي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (773) والأحاديث الضعيفة (2742). ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 405).

(2)

وأبو يعلى في المسند (4056) عن أنس إتحاف الخيرة المهرة (2/ 484) رواه أبو يعلى بسند ضعيف لجهالة التابعي. وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

(3)

النهاية (5/ 179 - 180).

ص: 100

وعن أم عطية قالت: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا

(1)

، الحديث معناه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك نهي كراهة تنزيه لا نهي عزيمة تحريم

(2)

وهو معنى قولها ولم يعزم علينا فإن العزيمة دالة على التأكد

(3)

فأما نهي العزم فهو الحرام ومنه قول أم عطية ولم يعزم علينا أي لم ينهنا نهي عزم بل نهي كراهة وفيه دليل على أن النهي يطلق على الحرام وعلى المكروه وهو كذلك عن الأصوليين وأصل النهي المنع، والمنع قد يكون منع تحريم وقد يكون [منع] كراهة.

قال النووي: ومذهب أصحابنا أنه مكروه وليس بحرام لهذا الحديث.

(4)

قال القاضي

(5)

: قال جمهور العلماء يمنعن من اتباعها واختاره علماء المدينة.

قال ابن [العطار]: فإن اقترن باتباعهن لها محرم أو جرًّا إلى مفسدة كان حراما شديد التحريم

(6)

وأجازه مالك وكرهه للشابة

(7)

، وقد رآى ابن مسعود مسعود نساء في جنازة فطردهن، وقال: والله لا أرجع إن لم ترجعن وحصبهن

(1)

أخرجه البخاري (1278)، ومسلم (34 و 35 - 938).

(2)

شرح النووى على مسلم (7/ 2).

(3)

إحكام الأحكام (1/ 369).

(4)

المجموع شرح المهذب (5/ 310) وشرح النووى على مسلم (7/ 2).

(5)

إكمال المعلم (3/ 382).

(6)

العدة (2/ 777).

(7)

المدونة الكبرى (1/ 188).

ص: 101

بالحجارة

(1)

، فعلى هذا فليس للنساء نصيب في حضور الجنائز

(2)

والله أعلم.

والمعتمد في المذهب كراهة اتباعهن الجنازة وأما قول الشيخ أبي نصر المقدسي لا يجوز للنساء اتباع الجنازة فمحمول على كراهة التنزيه فإن أراد التحريم فهو مردود مخالف لقول الأصحاب

(3)

ثم قال وما ذكرناه من كراهة كراهة الاتباع هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء كافة حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة ومسروق وأحمد وإسحاق وبه قال الثوري وغيرهم ولم يكرهه مالك إلا لشابة

(4)

[كما تقدم]، [وتقدم الكلام على خروج النساء مع الجنازة في أوائل هذا الباب]

(5)

.

(1)

المصنف لعبد الرزاق (6300)، والمصنف (11293) لابن أبى شيبة.

(2)

المدخل (1/ 251).

(3)

المجموع (5/ 277).

(4)

المجموع (5/ 278).

(5)

حصل تقديم لهذه الجملة في النسخة الهندية وأدرجت قبل قوله: (والمعتمد في المذهب كراهة اتباعهن الجنازة).

ص: 102