الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الشفاعة وغيرها
قال الحافظ أبو محمد زكي الدين عبد العظيم المنذري رحمه اللَّه تعالى: كان الأولى أن يقدم ذكر الشفاعة على ذكر الصراط لأن وضع الصراط متأخر عن الإذن في الشفاعة العامة من حيث هي ولكن هكذا اتفق الإملاء واللَّه المستعان.
5496 -
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كل نبي سأل سؤالا أو قال لكل نبي دعوة قد دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
.
قوله: "وعن أنس بن مالك" هو أنس بن الثضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بالحاء المهملة ثم الراء المهملة أيضًا وجميع ما في الأنصار من الأسماء حرام كذلك وفي قريش بكسر الحاء المهملة والزاي المعجمة. هو خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكنى أبا حمزة كناه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك، قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة [وهو] ابن عشر سنين فأتت به إليه أم سليم امرأة أبي طلحة فعرضت عليه خدمته فقبِله وخرج في خدمته معه إلى بدر وتوفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنس بن مالك ابن عشرين سنة، واختلف في اسم أمه أم سُليم اختلافًا كثيرًا والصحيح أن اسمها مليكة وهو الثابت في الصحيحين وهي بنت ملحان
(1)
صحيح البخاري (6305).
(2)
صحيح مسلم (341)(200).
بكسر الميم على المشهور وحكى صاحب المطالع عن بعضهم فتحها وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد دعا لأنس رضي الله عنه بالبركة في ماله وولده فكان رضي الله عنه قول: إني لمن أكثر الأنصار مالا وولدا، ويقال أنه ولد له ثمانين ولدا ليس فيهم أنثى سوى ابنتين حفصة وأم عمرو وثمانية وسبعون ذكرا ورآى من أولاده وأحفاده أكثر [من] مائة وعشرين منهم لصلبه ثمانون ولدا كما تقدم. وتوفي في حياته من ولده وولد ولده نحو مائة وهو من أكثر الصحابة حديثا وتقدم عددكم روى من الأحاديث وبعض مناقبه أيضًا واللَّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: "كل نبي سأل سؤال أو قال: لكل نبي دعوة قد دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي" الحديث. فقوله: كل نبي قد سأل سؤالا، الفرق بين الشفاعة والسؤال والأمر قال أهل اللغة: إن طلب الأدنى من الأعلى لنفسه هو سؤال وإن طلب لغيره فهو شفاعة [ومنه تسمى الصلاة على الميت شفاعة لأنهم يطلبون من اللَّه تعالى له الرحمة وإن طلب الأدنى من الأعلى لنفسه هو أمر وإن طلب لغيره فهو شفاعة]
(1)
، ومنه قول بريرة للنبي صلى الله عليه وسلم حين أمرها بردّ زوجها مغيث: يا رسول اللَّه أتأمر أم تشفع؟ قال: بل أشفع، قال: فلا حاجة لي فيه. وإن طلب المساوي من مثله لنفسه فهو التماس وإن طلب لغيره فهو شفاعة، ا هـ. قوله صلى الله عليه وسلم:" [أو قال: لكل نبي] دعوة قد دعاها لأمته" الحديث، قال النووي
(2)
هذه الأحاديث يفسر بعضها
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 75).
بعضا ومعنى الحديث أن لكل نبي دعوة متيقنة الإجابة وهو على يقين من [إجابته]، وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها وبعضها [مجاب] وبعضها لا يجاب، وهذا القول رجحه النووي وذكر القاضي عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته كما جاء في هذا وغيره.
قوله صلى الله عليه وسلم: وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيام. في هذا حديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة، فأخرّ صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهمّ أوقات [حاجتهم].
فائدة: قال القاضي عياض
(1)
: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعا بصريح قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)
(2)
.
وقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}
(3)
وأمثالها من الآيات كثيرة. وبخبر الصادق صلى الله عليه وسلم. وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين وأجمع السلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة من ذلك وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 565) شرح النووي على مسلم (3/ 35).
(2)
سورة طه، الآية:159.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:28.
شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
(1)
، وبقوله تعالى:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}
(2)
وهذه الآيات أفي الكفار، على الكبائر. وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار، ا هـ.
5497 -
وعن أم حبيبة رضي الله عنها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دماء بعض فأحزنني وسبق ذلك من اللَّه عز وجل كما سبق في الأمم قبلهم فسألته أن يوليني فيهم شفاعة يوم القيامة ففعل. رواه البيهقي في البعث
(3)
وصحح إسناده.
قوله: "وعن أم حبيبة" أم حبيبة هي أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها رملة وقيل هند والأولى أشهر، كنيت بابنتها حبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش، وهي رضي الله عنها بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشية
(1)
سورة المدثر، الآية:48.
(2)
سورة غافر، الآية:18.
(3)
البعث والنشور للبيهقي (544) وقال: هذا إسناد صحيح، والحديث؛ أخرجه ابن أبي عاصم، في "السنة"(215 و 855)، وابن خزيمة، في "التوحيد"(398)، والطبراني، في "مسند الشاميين"(2990). أحمد (27410)، والحاكم في المستدرك (1/ 68)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والعلة عندهما فيه أن أبا اليمان حدث به مرتين. فقال مرة: عن شعيب، عن الزهري، عن أنس.
وقال مرة: عن شعيب، عن ابن أبي حسين، عن أنس. وقد قدمنا القول في مثل هذا أنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن شيخين فمرة يحدث به عن هذا، ومرة عن ذلك. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3633)، وصحيح الجامع الصغير (918).
الأموية، وأمها صفية بنت أبي العاصي بن أمية عمة عثمان ابن عفان بن أبي العاص وأخويها لأبيها يزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان وهاجرت أم حبيبة مع زوجها عبيد اللَّه بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فولدت له هناك حبيبة وبها كنيت وتنصر زوجها عبيد اللَّه بن جحش بعد أن كان مسلما وارتد عن الإسلام ومات على ذلك بأرض الحبشة، وثبتت أم حبيبة على الإسلام [وبعث] النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في المحرم على الأصل وقيل في شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة فخطب أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها وأصدق النجاشي أم حبيبة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار على الأصل، وقيل مائتي دينار وقيل أربعة آلاف درهم فزوجها عثمان من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقيل النجاشي زوجها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلعل واحدا منهما أوجب والآخر قبل عنه صلى الله عليه وسلم قيل كان الذي أنكحها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعقد عليها خالد بن سعيد بن العاصي بن أمية وهذا القول هو الأصح، وأولم عليها عثمان بن عفان لحما وثريدا وجهزها من عنده النجاشي وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. [وقيل] بعث إليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شرحبيل بن حسنة فجاءه بها وذلك في سنة سبع وقيل في سنة ست من الهجرة وقيل غير ذلك.
فائدة: اعلم أن نساءه المدخول بهن ثنتي عشرة امرأة ومات صلى الله عليه وسلم عن تسعة منهن وذكرهن ابن عبد البر خلا ريحانة، وقال هؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهن وهن إحدى عشرة امرأة منهن ست من قريش وواحدة من بني
إسرائيل من ولد هارون وأربع من سائر العرب. توفي في حياته صلى الله عليه وسلم منهم خديجة بنت خويلد بمكة وزينب بنت خزيمة بالمدينة وتخلف منهن تسعا بعده صلى الله عليه وسلم، ا هـ.
وأما من لم يدخل بهن ومن وهبت نفسها له ومن خطبها ولم يتفق تزويجها أو استعاذت منه ففارقها فثلاثون امرأة على اختلاف كثير في بعضهن لا يحصل من ذكره فائدة فتركنا ذلك اختصارًا واللَّه أعلم، قاله ابن الفرات في تاريخه.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم حبيبة: رأيت ما تلقى أمتي وسفك بعضهم دماء بعض فأحزنني، فذكره إلى أن قال: فسألته أن يوليني فيهم شفاعة يوم القيامة ففعل. سيأتي الكلام على الشفاعة وتعدادها وما قيل في ذلك.
5498 -
وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى وانصرف إليهم فقال لهم لقد أعطيت الليلة خمسًا ما أعطيهن أحد قبلي أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما يرسل إلى قومه ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر لملئ منه وأحلت لي الغنائم أكلها وكان من قبلي يعظمون أكلها وكانوا يحرقونها وجعلت لي الأرض مساجد وطهورًا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم والخامسة هي ما هي قيل لي سل فإن كل نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم
ولمن شهد أن لا إله إلا اللَّه. رواه أحمد
(1)
بإسناد صحيح.
قوله: "وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام يصلي من الليل فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه" الحديث، غزوة تبوك كانت في السنة التاسعة من الهجرة وتقدم الكلام على غزوة تبوك في الترغيب في الصدق في حديث كعب بن مالك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد أعطيت الليلة خمسًا ما أعطيهن أحد قبلي: أما أنا فأرسلت إلى الناس كلِّهم عامة" وفي رواية: وأرسلت إلى الناس كافة أي جميعا وهو مما يلزمه النصب على الحالية.
قوله: "إلى الناس" يشمل الإنس والجن وطوائف الجن تسمى ناسا كما
تسمى رجالا، قال اللَّه تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
(2)
، وبعضهم قال أنه صلى الله عليه وسلم شملت رسالاته الملائكة عملا بقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
(3)
وأيضًا فآدم أرسل إلى الملائكة لقوله تعالى: {يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}
(4)
(1)
مسند أحمد (7068)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 367) رواه أحمد، ورجاله ثقات. وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 349)، واللالكائي في شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة (1451)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 340) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3634).
(2)
سورة الجن، الآية:6.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:107.
(4)
سورة البقرة، الآية:33.
فإذا أرسل آدم إلى الملائكة بتعليم اللغات جاز أن يبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنوع من أنواع العلم أو العبادة، اهـ. قوله صلى الله عليه وسلم:"ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر لملئ منه" الحديث، الرعب هو الوجل والخوف والفزع يعني أن اللَّه تعالى أوقع الرعب في قلب عدوه إذا كان بينه وبين العدو مسيرة شهر [هابوه] وفزعوا منه. وفي رواية أوردها القاضي عياض في [الشفاعة]: ونصرت أمتي بالرعب مسيرة شهرين [أي المسافة التي يسافر فيها من الأرض، قاله ابن الأثير]
(1)
. وقد جاء في مسند الإمام أحمد كذلك [وفي] الطبراني شهرا أمامي [وشهرًا خلفي، وهو تفصيل] حسن يجمع بين الروايات وهذه خصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: يجوز أن يكرم اللَّه تعالى من شاء بذلك من أمته عليه الصلاة والسلام [على سبيل التبعية له] وتكون كرامته من المعجزة واللَّه أعلم، قاله في شرح الإلمام. قوله صلى الله عليه وسلم:"وأحلت لي الغنائم أكلها وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها" الحديث، أي أحلت له ولأمته كانت الغنائم قبل الإسلام لا تحل لأحد [كانت حراما على الأمم السابقة، كان يجب عليهم إذا غنموا شيئا قربوه فتنزلت نار بيضاء فتأكله، كما جاء مبينًا في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه في حديث النبي الذي غزا وحبس اللَّه تعالى له الشمس صلى اللَّه تعالى عليه وسلم] ثم أحلت للنبي صلى الله عليه وسلم. وكانت في صدر الإسلام له صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه كالمقاتلين كلهم بسبب أنه نصر بالرعب
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
مسيرة شهر والرعب منه وحده لم يشركه فيه أحد من المسلمين ولأن قوته وشجاعته صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد فهو قائم مقام جميع المقاتلين وكذلك كانت غنائم بدر ثم نسخ ذلك واستقر الأمر على [أن له] منها الصُفيا فيعطى من الغنيمة ما شاء. قال ابن إسحاق وكان المتولي لقسمة غنائم خيبر جبار بن صخر وزيد بن ثابت [من بني النجار] و [كانا] حاسبين [قاسمين] ا هـ، [كانت حراما على الأمم السالفة، كان يجب عليهم إذا غنموا شيئا قربوه فنزلت نار بيضاء فتأكله كما جاء مبينا في الصحيحين من رواية أبي هريرة في حديث الذي غزى وحبس اللَّه تعالى له الشمس]
(1)
وكان الكنز حلالا لمن قبلنا وحرم، والمراد بالكنز ما لم تؤد زكاته.
قال العلماء: والغنيمة ما أخذ من الكفار بقتال وإيجاف خيل وركاب ويقسم خمسها على خمسة وذلك من خمسة وعشرين جزءا. قال اللَّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
(2)
الآية، وسهم اللَّه تعالى ورسوله واحد، والأسهم الأربعة للغانمين. قال النيسابوري: وأضاف الباري سبحانه وتعالى خمس الغنيمة إليه لكون الغنائم أطيب الكسب ولم يضف الصدقة إليه بل قال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
(3)
الآية، لأن الصدقات
(1)
سقطت هذه العبارة من هذا الموضع من النسخة الهندية، وتقدم إدراجها في موضعها قريبا.
(2)
سورة الأنفال، الآية:41.
(3)
سورة التوبة، الآية:60.
لما كانت أوساخ الناس لم يضفها إليه تنبيها على أنه لا ينبغي للإنسان أن يأكل منها إلا عند الحاجة. وجمع في الحديث الغنائم باعتبار أنواعها أي من أنواع الأموال المأخوذة من الكفار من فضة وذهب ومنقول وعقار وحيوان. وأما الفيء فذكره اللَّه تعالى في قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
(1)
، والمراد أن خمسه أيضًا يُقسم على خمسة كما سبق [كالغنيمة]. والفيء ما أخذ من الكفار بلا قتال ولا إيجاف خير وركاب فيدخل فيه ما جلى عنه الكفار وتركوه خوفا من المسلمين وتدخل فيه الجزية وعشور التجارة ومال مرتد قتل أو مات ومال ذمي مات بلا وارث، وذكر بعض العلماء أنه لم يكن خاصا بهذه الأمة بل كان حلالا للأمم السالفة. [وهو ظاهر الحديث:"وأحلت لي الغنائم"].
قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعلت لي الأرض مساجد وطهورًا"، وطهورًا بفتح الطاء وفي رواية تربتها طهور، رواه مسلم وهذه الرواية مبينة للرواية المطلقة التي فيها جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، واسم التراب يدخل فيه الأصفر والأحمر والأعفر والطين الأرمن الذي يؤكل تداويا والأبيض الذي يؤكل سفها ومعنى الحديث جعلت لي الأرض كلها طهورا لأن الإنسان إذا بال أو تغوط استنجى بالحجارة أو غيرها من أجزاء الأرض سواء وجد الماء أو لم
(1)
سورة الحشر، الآية:7.
يوجد وتيمم بترابها عند العذر أم عدم الماء فأي موضع يوجد الإنسان من الأرض وجد معه آلة الطهارة من الحدث والخبث ووجد القبلة فلا تسقط الصلاة ولا تترك في حالة من الأحوال وإلى ذلك الإشارة بقوله في الحديث الآخر: فأيما رجل من أمتي أفى ركته الصلاة فليصل: فقوله: فليصل يحتمل فليصل بالطهور وهو التراب وقد جاء في رواية فطهوره [ومسجده] أي فليصل بهما ويحتمل فليصل مطلقا حتى يدخل في ذلك فاقد الطهورين وفي مسألة فاقد الطهورين أربعة أقوال: أصحهما يجب عليه أن يصلي ويعيد الصلاة.
القول الثاني لا تجب عليه الصلاة ولكن يستحب ويجب القضاء سواء صلى أو لم يصل.
والثالث يحرم عليه الصلاة لكونه محدثا ويجب القضاء.
والرابع تجب الصلاة ولا تجب الإعادة وهذا مذهب المزني. قال النووي
(1)
: وهو أقوى الأقوال دليلا، [ولقد نُظِمت] هذه الأقوال في بيتين لبعض المالكية:
ومن لم يجد ماء ولا متيمَّما
…
فأربعة أقوال يحكون مذهبا
يصلي ويقضي عكس ما قال مالك
…
وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
قوله: "وكان من قبلي يُعظِمون" ["أي يعدونه عظيما في الدين لكونه غير وارد في شرعهم واللَّه أعلم". وذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 103).
وبيعهم]
(1)
. الكنيسة بفتح الكاف متعبد النصارى والبيعة بكسر الباء لليهود.
فائدة في التيمم: قال النووي في شرح مسلم
(2)
: اختلف العلماء في كيفية التيمم فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنه لا بد من ضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وقد ورد ذلك في حديث التيمم: ضربتان ضربة [للوجه] وضربة لليدين فوجب الأخذ به احتياطًا للعبادة ويجب الترتيب في الضربتين وممن قال بهذا من العلماء رضي الله عنهم علي بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عمر والحسن البصري والشعبي وسالم بن عبد اللَّه بن عمر وسفيان الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحاب الرأي وآخرون رضي الله عنهم أجمعين. وذهبت طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين وهو مذهب عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد بن إسحاق وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث، وحكى إياس عن ابن سيرين أنه يجب ثلاث ضربات ضربة لوجهه وضربة ثانية لكفيه وضربة ثالثة لذراعيه.
وأركان التيمم: سبعة: النية والتراب الطاهر ونقل التراب وقصد النقل ومسح الوجه واليدين والترتيب وضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين. وأما شروط التيمم الزائدة على شروط الوضوء فمنها أن يكون بعد الاستنجاء على الصحيح وأن لا يكون على بدنه نجاسة على الأصح وأن يكون بعد دخول الوقت وبعد الطلب الواقع بعد الوقت وأن يتأخر نقل
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
شرح النووي على مسلم (4/ 56).
التراب لليد عن نقله للوجه حتى لو نقل بخرقة فمسح ببعضها وجهه وببعضها يديه لم يصح على الأصح وأن لا يحدث بعد نقل التراب وقبل المسح وأن لا يكون في حال رؤية الماء ولا في حالة توهمه في غير مرض وأن يعتمد في تيممه عن المرض على قول طبيب إن لم يكن عارفا بالطب فإن لم يكن عارفًا ولا وجد طبيبًا لم يجب التيمم عند الشيخ وجاز عند البغوي وأن يكون مرضه يزيد باستعمال الماء كالرمد فإن كان مرضه لا يزيد بالماء كالحمى الحارة لم يبح له استعمال الماء [لقوله صلى الله عليه وسلم: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء. وخالف في ذلك أبو حنيفة، ذكر ذلك صاحب غنية ابن شريح وهو من أصحاب القفال]
(1)
.
فرع: مبيحات التيمم تسعة: خوف فوات نفس أو فوات عضو أو فوات منفعة نفس أو فوات منفعة عضو أو حدوث مرض أو زيادة مرض أو زيادة ألم أو بطء برء أو حصول شَين فاحش على عضو ظاهر وليس من الأمراض المبيحة الحمى خلافا لأبي حنيفة
(2)
كما تقدم واللَّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والخامسة هي"، ما هي؟ "قيل لي سَلْ فإن كل نبي قد سأل. فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا اللَّه" الحديث، ففي هذا الحديث دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك باللَّه تعالى لم يخلد في النار وإن كان مصرًّا على الكبائر وتقدم الكلام
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
المجموع (2/ 285)، وعمدة السالك (ص 27).
على ذلك في غير ما موضع من هذا التعليق فلله الحمد على ذلك. وسيأتي الكلام على الشفاعة في الحديث بعده.
5499 -
وعن عبد الرحمن بن أبي عقيل رضي الله عنه قال انطلقت في وفد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا بالباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه فما خرجنا حتى ما كان في الناس أحب إلينا من رجل دخل عليه فقال قائل منا يا رسول اللَّه ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان قال فضحك ثم قال فلعل لصاحبكم عند اللَّه أفضل من ملك سليمان إن اللَّه لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة منهم من اتخذها دنيا فأعطيها ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها فإن اللَّه أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة. رواه الطبراني
(1)
والبزار
(2)
بإسناد جيد.
(1)
الطبراني كما في المجمع (10/ 370).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 482 - 483)، ومن طريقه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 393: 824)، والآحاد والمثاني (1600). والبزار كما في كشف الأستار (3459)، وابن سعد في الطبقات (6/ 41)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 249)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 288)، وأخرجه أبو يعلى في مسنده كما في المطالب العالية (18/ 584)، ولم أجده في مسنده المطبوع ولا في المقصد العلي ولعله في مسنده الكبير، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (20/ 215) إسناده غريب قوي، وحديث غريب. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 371) رواه أبو بكر بن أبي شيبة والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى الموصلي والبزار والطبراني، ورواته ثقات. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 190): رواه الطبراني والبزار، ورجالهما ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3635).
قوله: "وعن عبد الرحمن بن أبي عقيل" وأبو عقيل اسمه كنيته وهو عبد الرحمن بن أبي عقيل بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي كذا نسبه هشام بن الكلبي، وهو ابن عم الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل، وقد اختلفوا في نسبه، وأجمعوا على أنه من ثقيف، ولعبد الرحمن صحبة.
روى عنه: عبد الرحمن بن علقمة الثقفي، وقد ذكر قوم عبد الرحمن بن علقمة الثقفي بها الصحابة، وصحبة عبد الرحمن بن أبي عقيل صحيحة، ويروى عنه أيضًا: هشام بن المغيرة الثقفي. قوله: "قال انطلقت في وفد إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا بالباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما كان في الناس أحبّ إلينا من رجل دخلنا عليه" الحديث، قال صاحب التحرير: الوفد الجماعة المختارة من القول ليتقدموهم في لُقِيّ العظماء والمصير إليهم في المهمات واحدهم وافد ذكره النووي في شرح مسلم. قوله: "وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه" الولوج هو الدخول. قوله "فقال قائل منا يا رسول اللَّه ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان. قال: فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" الحديث. ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسما. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن اللَّه أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة" الحديث. اعلم أن المراد بالشفاعة العظمى وهي التي تكون في المحشر [ويفزع] إليه الخلائق [بسببها] بها إراحتهم من طول القيام لتعجيل حسابهم وهي المشار إليها بقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا
مَحْمُودًا}
(1)
فهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لا خلاف فيها ولا تُنكرها المعتزلة وهذه الشفاعة هي العامة التي يحمده عليها الأولون والآخرون وهي خاصة به صلى الله عليه وسلم كما تقدّم. والنبي صلى الله عليه وسلم له خمس شفاعات، ذكرها النووي
(2)
وغيره، أحدها هذه الثانية: الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب ولا عقاب، وهذه أيضًا ثابتة له صلى الله عليه وسلم. الثالثة: الشفاعة لقوم قد استوجوا النار فيشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن يشاء اللَّه تعالى. الرابعة: الشفاعة في إخراج قوم من النار بعد دخولها، فقد صح فيها عدم الاختصاص، فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والملائكة وإخوانهم من المؤمنين ثم يخرج اللَّه سبحانه وتعالى كل من قال لا إله إلا اللَّه كما جاء في الحديث: لا يبقى إلا الكافرون، وتقدم ذلك قريبا. الخامسة: الشفاعة بعد دخول الجنة في زيادة الدرجات لأهلها وهذه لا ينكرها المعتزلة ولا ينكرون أيضًا شفاعة المحشر الأولى وأثبت القرطبي في التذكرة
(3)
شفاعة سادسة وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه حين يصير في ضحضاح من النار ولولا ذلك لكان في الدرك الأسفل من النار. وأثبت بعضهم شفاعة سابعة وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أطفال الكفرة، وروى صاحب الفائق في اللفظ الرائق أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أقاربه فتكون ثامنة. وذكر بعضهم أن من زاره أو رآى
(1)
سورة الإسراء، الآية:79.
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 607).
(3)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 608).
قبره تناله شفاعته فتكون تاسعة، قاله القاضي عياض
(1)
لحديث الترمذي في ذلك ولشفاعة أخرى عاشرة في صلحاء المؤمنين أن يتجاوز عن تقصيرهم في الطاعات. قال القاضي عياض
(2)
: وقد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها وعلى هذا لا يلتفت إلى قول من قال إنه يكره يعني للإنسان أن يسأل اللَّه تعالى أن يرزقه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكونها لا تكون إلا للمذنبين فإنها قد تكون لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات كما تقدم في ذكر [الشفاعة ثم كل عاقل] معترف بالتقصير محتاج إلى [العفو] غير معتد بعلمه مشفق من أن يكون من [الهالكين] ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة لأصحاب الذنوب وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف، ا هـ. وقال في حادي القلوب إلى لقاء المحبوب: ومما يجلبه الموت على الإسلام تكرر الشفاعات من النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع الشفاعة العامة أولا فيشفع وهي الشفاعة في فصل القضاء كما تقدم أولا ثم يشفع صلى الله عليه وسلم بقية جميع الشفاعات ومنها الشفاعة عند تطاير الكتب ومنها الشفاعة عند الميزان ومنها الشفاعة على الصراط ومنها الشفاعة عند الحوض والشفاعة في المذنبين المستوجبين النار فلا يدخلونها والشفاعة في آخرين دخلوا النار فيخرجون منها ويدخلون الجنة [وشفاعته]صلى الله عليه وسلم على
(1)
انظر: الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 218)، وفيض القدير (3/ 43).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 566) الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 384) شرح النووي على مسلم (3/ 36).
التفصيل لا تحصى كثرة وهذه الشفاعات كلها واقعة بحمد اللَّه تعالى للمؤمنين وإنما شفاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[لمن أوبق نفسه]
(1)
فاشرح صدرك بالرجاء حقق اللَّه لي ولك ما ترجوه وتأمل حالك فأسوأ أحوالك أن تكون من الذين أوبقوا أنفسهم وفيهم يشفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو الشفيع المقبول الذي لا ترد شفاعته وللَّه الحمد والمنة على ذلك، ا هـ.
فائدة: قد ورد حديث الشفاعة من طرق كثيرة وفي كل طريق منها فائدة لم يتضمنه الطريق الآخر فجمع بعض العلماء الطرق وأوردها لفائدتها وهي مخصوصة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشاركه بها أحد من الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم، فمنها المقام المحمود الذي وعده ربه في قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}
(2)
وإن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم، [ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم]
(3)
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول من يُكسى من حلل الجنة وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول من يركب البراق وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم] ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول من يقرع باب الجنة فيفتح له وإن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم]
(4)
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول من ينظر إلى رب العالمين
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سورة الإسراء، الآية:79.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
جل جلاله والخلق محجوبون عن رؤيته إذ ذلك وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم. ومنها اختصاصه صلى الله عليه وسلم لرب العالمين أمام العرش وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم. [ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول من يؤذن له في الكلام فيتكلم وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم]، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أول شفيع يشفع وأن ذلك ليس هو لنبي غيره صلى الله عليه وسلم، ومنها بديع ما يفتح اللَّه عليه في سجوده من تحميد ربه والثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبله ولا يفتحه على أحد بعده زيادة في كرامته وقربه صلى الله عليه وسلم. ومنها كلام اللَّه عز وجل له عليه أفضل الصلاة والسلام: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ولا كرامة تفوق هذا إلا النظر إليه عز وجل وكلامه له بلا واسطة، ومنها تكراره عليه الصلاة والسلام في الشفاعة وقرع باب الجنة وقوله فيها وتكراره النظر إلى الجبار تبارك وتعالى وسجوده ثانية وثالثة [وتجديد] الثناء على اللَّه عز وجل والتحميد له بما يفتح اللَّه تبارك وتعالى عليه من ذلك ويحدثه له في كل سجدة وكلام اللَّه تبارك وتعالى له: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع فعل المدل على ربه الكريم عليه الرفيع عنده المحب ذلك منه وتشريف له وفضيلة لم يعطها لملك مقرب ولا نبي مرسل، كلامه من غير واسطة ولا حجاب والنظر إليه تبارك وتعالى كذلك من غير حجاب وإظهار فضيلته ومنزلته عنده على رءوس الأشهاد من الأولين والآخرين والملائكة أجمعين. ومنها قبول الشفاعة في كل [ما] يشفع فيه يزيده ذلك عز وجل جلالة وتعظيما عند الخلائق أجمعين، ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء [واللَّه ذو
الفضل العظيم]، ومنها قيامه صلى الله عليه وسلم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيره فيتكلم فيسمعون ويشهدون ويصدقون إذ هو خطيب النبيين وشهيدهم وصاحب شفاعتهم وسيد الأولين والآخرين. ومنها أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممهم [يأتونه] فيسألونه أن يشفع لهم إلى ربهم ليريحهم من غمهم وعرقهم وطول وقوفهم فيجيبه سبحانه وتعالى إلى ذلك ويحاسبهم وقد تبرأ منها كل نبي سئلها فيقول: لست هنالك، ويذكر عذره وتبرأ كل نبي إلى من بعده من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حتى يسلِّمها آخرهم إلى سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، وهي أول شفاعة، فيشفع ويضرب الصراط على متن جهنم ويوضع الميزان ويقضي اللَّه تبارك وتعالى بين خلقه. ومنها أن الأنبياء والمرسلين والملائكة صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين قد بلغ منهم الأمر منتهاه حتى يقول كل واحد منهم نفسي نفسي لا أملك اليوم غيرها ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي أمتي، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم في من لا حساب عليه من أمته فيقول اللَّه سبحانه وتعالى: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن ثم هم شركاء الناس فيما سوى ذلك. [ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم في من يؤمر به إلى النار فيشفع قبل أن يدخلها فلا يدخلها]، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم يشفع فيمن أدخل النار من أمته يشفع في الثلث الأول فيخرجون ثم يشفع في الثلث التاني فيشفع فيخرجون ثم يشفع في الثلث الثالث فيشفع فيخرجون فيخرج منها من عرفت صورته ثم من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ومثقال ثلثي دينار
ومثقال نصف دينار ومثقال ثلث دينار وقيراط ودانق وشعيرة وحبة وخردلة وبعوضة وذرة وأدنى أدنى أدنى حبة خردل من الإيمان إلى غير ذلك مما لم يذكره وهو ظاهر في موضعه ثم تأمله فقد اجتمع من مجموع هذه الألفاظ وشفاعته صلى الله عليه وسلم ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلى آخرها إلى آخر من يخرج من النار من أمته من أهل لا إله إلا اللَّه وليس هذا كله لملك مقرب ولا نبي مرسل سواه صلى الله عليه وسلم مع فضائله التي لا يحصيها إلا اللَّه تعالى الذي فضله بها وسِوى معجزاته الخارقة للعادات في كل فن فالحمد للَّه رب العالمين الذي فضلنا بهذه النبي الكريم الرءوف الرحيم ونسأل اللَّه الرب الكريم السميع العليم أن يجعلنا متبعين لسنته عالمين عاملين بما جاء به وأن يميتنا على ذلك غير مبدلين ولا شاكين ولا مرتابين ولا مغيرين آمين آمين آمين يا رب العالمين. ذكر هذه الفضائل ابن الفرات في تاريخه وهو أربع مجلدات فيه فضائل لا تحصر.
5500 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي كان قبلي ونصرت بالرعب مسيرة شهر على عدوي وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمتي من لا يشرك باللَّه شيئا. رواه البزار
(1)
وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعا والأحاديث من هذا النوع
(1)
البزار في مسنده (4077) وأخرجه الطيالسي (472)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (1449) أحمد (21435). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 259) رواه أحمد، =
كثيرة جدا في الصحاح وغيرها.
قوله: "وعن أبي ذر" أبو ذر رضي الله عنه قد اختلف في اسمه اختلافا شديدا وأصح ما قيل فيه: جندب بن جنادة وقيل: جندب بن عبد اللَّه [وقيل: جند]
(1)
بن سكين وقيل غير ذلك وقيل في كنيته: أبو الذر والأشهر: أبو ذر وهو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد [اللَّه] بن حرام بن غفار وأمه اسمها: رملة وهي غفارية أيضًا وهو قديم الإسلام، أسلم رابع أربعة وقيل خامس خمسة ثم انصرف إلى بلاده إلى أن قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعد بدر وأحد والخندق فلما رآه قال: أنت أبو نملة.
قال أبو ذر، قال نعم: أبو ذر، وكان أبو ذر شديد الورع روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر. وقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرَّن على اثنين ولا تليَّن مال يتيم. وكان رضي الله عنه لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، كان رضي الله عنه يقول ما ترك الحق لأبي ذر من صديق. وكان وفاته سنة إحدى وثلاثين وقيل سنة اثنين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود. وتوفي بعده في ذلك العام وكان يومئذ مقبلا من الكوفة فدعي إلى الصلاة عليه فبكى ثم قال: أخي وخليلي عاش وحده ومات وحده ويبعث وحده طوبى له. قيل: وليَ رضي الله عنه قضاء دمشق لعمر بن
= ورجاله رجال الصحيح، وقال الهيثمي في (10/ 371) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح إلا أن مجاهدا لم يسمع من أبي ذر واللَّه أعلم.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
الخطاب ومن كلامه: اطلبوا العلم فإن عجزتم فأحبوا أهله فإن عجزتم فلا تنقصوهم. وقال: وقيل للذي لا يعلم مرة ولو شاء علمه وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات. ومن كلامه أيضًا: إياكم ودعوة اليتيم والمظلوم فإنها تسري بالليل والناس نيام وما تصدق مؤمن بصدقة أحب من موعظة يعظ بها قوما فيفترقون قد نفعهم اللَّه بها. ومن كلامه أيضًا ولعله شعر: ابن آدم [طئ] الأرض [بقدمك] فإنها عن قليل [قبرك] وإنما أنت أيام فكلما ذهب بعضك. وقيل لأبي [الذر]: ما لك لا تشعر فإن الأنصار يشعرون؟ فقال [رضي اللَّه تعالى عنه]:
يريد المرء أن يعطى مناه
…
ويأبى اللَّه إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
…
وتقوى اللَّه خير ما استفادا
وتقدم الكلام على بعض مناقبه رضي اللَّه تعالى عنه. قوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي" الحديث في ذكر ذلك تعديد للفضائل التي خص النبي صلى الله عليه وسلم بها دون سائر الأنبياء وهذا من التحدث بنعمة ربه تعالى. قال اللَّه تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
(1)
، وليس ذلك من -إلى هنا انتهى اللوح 202 - باب التطاول على الناس فإن العبد إذا نظر إلى نفسه [محتقر] وإذا نظر إلى ربه [مفتخر] وفي [ذكره] لذلك فوائد أخرى منها: إعلام الأمة بعظيم منزلته عند اللَّه تعالى وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي ولا فخر أكمل من ذلك. قيل: تكلم بذلك لتعرف [لأمة] منزلته. قاله أبو محمد النيسابوري. وقيل: قال ذلك للتحدث [بنعمة] ربه. وقيل قال ذلك
(1)
سورة الضحى، الآية:11.
بحضرة المنافقين ليغيظهم، قاله الزمخشري في الفائق واللَّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا" أي لا تختص الصلاة بموضع فيها دون موضع بل تجوز الصلاة في جميعها إلا في الأماكن التي نهى الشرع عن الصلاة فيها وهي المجزرة والمقبرة والمزلبة وقارعة الطريق والحمام. والنهي في بعض هذه المواضع للتحريم مع عدم الحائل لمباشرة النجاسة ومع الحائل للكراهة لاحتواء الأرض على النجاسة، ووجه الخصوصية لهذه الأمة ثابت فإن الأمم الماضية كانوا لا يصلون إلا في بيوتهم وكنائسهم وبيعهم ولا تباح لهم الصلاة في غير ذلك من بقاع الأرض. قال اللَّه تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ} إلى قوله: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}
(1)
وأبيحت لأمته صلى الله عليه وسلم حيث كانوا تخفيفا عليهم، وفيه أن التيمم لم يرخص فيه لأحد من الأمم السالفة وإنما هو خصوصية خص اللَّه بها هذه الأمة تخفيفا عنها ورحمة لها وهو كذلك فله الفضل والمنة على ذلك. وتقدم الكلام على كيفية التيمم وما يتعلق بذلك في أحاديث الباب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي كان قبلي" لاشك في أنها محرمة على الأمم الماضية وكانوا يجمعونها فتأتي نار من السماء فتأكلها وكذلك قربانهم، وأحلها اللَّه لهذه الأمة رفقا بها ورزقا لها لضعفها كما قال عليه السلام: أي عجزنا وضعفنا، فأحلها اللَّه لنا وأما كونه عليه السلام أضاف ذلك إلى نفسه في هذه الرواية والأمة شركاؤه فيه تبعا له فإنه تبع فيه لفظ الآية، ويفهم
(1)
سورة يونس، الآية:87.
من الحديث تعظيم الأمة وشرفها لشرفه صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام على الغنيمة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ونُصرت بالرعب مسيرة شهر"، ومعناه أن اللَّه تعالى كان يقذف الرعب في قلوب أعدائه لتخذيلهم وورد في بعض طرق الحديث أنه كان يسير الرعب بين يديه شهرًا، معناه إذا توجه إلى وجه من الأرض ألقى اللَّه الرعب على من أمامه إلى مسيرة شهر، قاله العراقي في شرح الأحكام، وقال بعضهم أيضًا: معناه أن العدو يخافني وبيني وبينه مسافة شهر يريد من نصر اللَّه تعالى إياه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وبعثت إلى كل أحمر وأسود" الحديث، قيل المراد بهم العرب والعجم. وقيل المراد بالأحمر الناس وبالأسود الجن، قد ثبت في الحديث الصحيح أن طائفة من الجن آمنوا به صلى الله عليه وسلم. ففي البخاري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جن نصيبين ونعم الجن، فذكر الحديث بطوله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمتي من لا يشرك باللَّه شيئا" وفي رواية إن شاء اللَّه تعالى. فيه إبطال مذهب المعتزلة القائلين بنفي شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، ففي الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أففيه، دلالة لمذهب أهل الحق أن من مات غير مشرك باللَّه لم يخلد في النار وإن كان عاصيا مصرا على الكبائر. قوله:"إن شاء اللَّه تعالى" فهو على جهة التبرك والامتثال لقول اللَّه عز وجل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
(1)
، وتقدم
(1)
سورة الكهف، الآية: 23 - 24.
الكلام على تعداد الشفاعة [مبسوطًا واللَّه تعالى أعلم.
5501 -
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال سافرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سفرا حتى إذا كان في الليل أرقت عيناي فلم يأتني النوم فقمت فإذا ليس في العسكر دابة إلا واضع خده إلى الأرض وأرى وقع كُلُّ شيء في نفسي فقلت لآتين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلأكلأنه الليلة حتى أصبح فخرجت أتخلل الرجال حتى خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد فتيممت ذلك السواد فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي ما الذي أخرجك فقلت الذي أخرجكما فإذا نحن بغيضة منا غير بعيدة فمشينا إلى الغيضة فإذا نحن نسمع فيها كدوي النحل وكخفيق الرياح فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ههنا أبو عبيدة بن الجراح قلنا نعم قال ومعاذ بن جبل قلنا نعم قال وعوف بن مالك قلنا نعم فخرج إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا نسأله عن شيء ولا يسألنا عن شيء حتى رجع إلى رحله فقال ألا أخبركم بما خيرني ربي آنفا قلنا بلى يا رسول اللَّه قال خيرني بين أن يدخل ثلثي أمتي الجنة بغير حساب ولا عذاب وبين الشفاعة قلنا يا رسول اللَّه ما الذي اخترت قال اخترت الشفاعة قلنا جميعا يا رسول اللَّه اجعلنا من أهل شفاعتك قال إن شفاعتي لكل مسلم رواه الطبراني
(1)
بأسانيد
(1)
المعجم الكبير للطبراني (18/ 58/ 107) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 370): روى الترمذي وابن ماجه طرفا منه. رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها ثقات. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 196): إسناد جيد. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3637).
أحدها جيد وابن حبان في صحيحه
(1)
بنحوه إلا أن عنده الرجلين معاذ بن جبل وأبا موسى وهو كذلك في بعض روايات الطبراني وهو المعروف وقال ابن حبان في حديثه فقال معاذ رضي الله عنه بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه قد عرفت منزلتي فاجعلني منهم قال أنت منهم. قال عوف بن مالك وأبو موسى يا رسول اللَّه قد عرفت أنا تركنا أموالنا وأهلينا وذرارينا نؤمن باللَّه ورسوله فاجعلنا منهم قال أنتما منهم. قال فانتهينا إلى القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فقال القوم يا رسول اللَّه اجعلنا منهم فقال أنصتوا فأنصتوا حتى كأن أحدا لم يتكلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هي لمن مات لا يشرك باللَّه شيئا.
قوله: "وعن عوف بن مالك"، مات عوف هذا بالشام سنة ثلاث وسبعين. قوله رضي اللَّه تعالى عنه:"سافرنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سفرا حتى إذا كان في الليل أرقت عيناي"، الأرق هو السهر، وقد أرقت بالكسر أي سهرت. قوله:"وأرى وقع كل شيء في نفسي"، أُرى بضم الهمزة ومعناه أظن، ووقع الشيء حسنه،. . . قوله رضي اللَّه تعالى عنه:"فقلت لآتين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلأكلأنه الليلة"، الحديث، أكلؤه أي أحفظه وأحرسه، قوله رضي اللَّه تعالى عنه:"حتى خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد فتيممت ذلك السواد"، أي قصدت ذلك السواد. قوله رضي اللَّه تعالى عنه:"فخرجت أتخلل"، أي يصيرون خلالها بينها ووسطها، ومنه قوله تعالى: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ
(1)
صحيح ابن حبان (7207).
خِلَالِهِ}
(1)
، ومنه: أرى الفتن خلال بيوتكم، أي أثناءها وما بينها واحدها خلل، قاله عياض رحمه اللَّه تعالى
(2)
.
قوله رضي اللَّه تعالى عنه: "فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي: ما الذي أخرجك؟ فقلت: الذي أخرجكما"، تقدم الكلام على مناقبهما رضي اللَّه تعالى عنهما، ومن بعض مناقب معاذ أيضًا قال رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم:"أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل"، وكان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ هابوه، وكان يتهجد من الليل ويقول: اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حيّ قيوم، اللهم طلبي من الجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف. وكان رضي اللَّه تعالى عنه كريما جوادا سخيا، ومناقبه كثيرة مشهورة.
قوله رضي اللَّه تعالى عنه: "فإذا نحن بغيضة" الحديث، الغيضة الأجمّة، وهو مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجرة، والجمع غياض وأغياض.
قوله رضي اللَّه تعالى عنه: "كدوي النحل"، دوي الشيء حفيفه، وهو بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء على المشهور، وحكي ضم الدال وهو بعد الصوت في الهواء وعلوه ومعناه صوت شديد لا يفهم منه شيء كدوي النحل.
قوله رضي اللَّه تعالى عنه: "حتى رجع إلى رحله" الحديث، رحل الإنسان هو منزل الرجل ومأواه.
(1)
سورة النور، الآية:43.
(2)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 237).
5502 -
وعن سلمان رضي الله عنه. قال: تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس. قال: فذكر الحديث، قال: فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا نبي اللَّه أنت الذي فتح اللَّه لك، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وقد ترى ما نحن فيه فاشفع لنا إلى ربك، فيقول: أنا صاحبكم، فيخرج يجوس بين الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب فيقرع الباب فيقول: من هذا؟ فيقول: محمد، فيفتح له حتى يقوم بين يدي اللَّه عز وجل فيسجد فينادي: ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع فذلك المقام المحمود. رواه الطبراني
(1)
بإسناد صحيح.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس" آنفا قريبا، قوله صلى اللَّه تعالى عليه وسلم:"فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا نبي اللَّه أنت الذي فتح اللَّه لك، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وقد ترى ما نحن فيه فاشفع لنا إلى ربك"، تقدم الكلام على الشفاعة، قوله:"وعن سلمان"، تقدم الكلام على مناقبه مبسوطا رضي اللَّه تعالى عنه. ومن بعض مناقبه أيضًا أنه اشترى وسقا من طعام فقال زيد بن حرجان: تفعل
(1)
المعجم الكبير للطبراني (6/ 247/ 6117). وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (المطالب 4567) وفي مصنفه (31675 - 34680)، وابن أبي عاصم في السنة (834) ابن خزيمة في التوحيد (2/ 706 - 707) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح المجمع (1/ 371 - 372)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 191): إسناد صحيح وقال ابن حجر عقب ذكره: صحيح موقوف. وقال ابن حجر في فتح الباري (11/ 394): سند جيد وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3638).
هذا وأنت صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فقال: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت وتفرغت للعبادة ويئس منها الوسواس. قاله ابن الفرات في تاريخه.
قوله رضي اللَّه تعالى: "ثم تدنى"، أي تقرب، والدنوُّ هو القرب. قوله:"فيقول: أنا صاحبكم"، الحديث، هذا مما اختلف العلماء في معناه.
قال القاضي عياض
(1)
: قيل المتقدم ما كان قبل النبوة، والمتأخر ما عصمك بعدها، يكون المراد الغفران لبعضهم أو سلامتهم من الخلود في النار، وقيل المراد ما وقع منه صلى الله عليه وسلم عن سهو أو تأويل، حكاه الطبراني واختاره القشيري، وقيل ما تقدم لأبيك آدم عليه الصلاة والسلام وما تأخر من ذنوب أمتك، وقيل المراد أنه مغفور ذلك غير مؤاخذ بذنب لو كان، وقيل هو تنزيه له من الذنوب، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. قوله:"فيخرج يجوس"، أي يطؤهم، قوله:"حتى ينتهي إلى باب الجنة. . . فيقرع الباب فيقول من هذا فيقول: محمد"، الحديث، تقدم الكلام على إطلاقه في مواضع من هذا التعليق. وقرع الباب هو دقه، وفي رواية:"فآخذ بحلقة الباب فأقعقعها"، أي أحركها لتصوت، وهذا تصريح في أنها حلقة حسية تقعقع وتحرك. قوله:"فينادي ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع فذلك المقام المحمود" الحديث، اشفع تشفع، أي تقبل شفاعتك.
5503 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: حدثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إني لقائم أنتظر أمتي تعبر إذ جاء عيسى عليه السلام قال: فقال هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 575).
يسألون، أو قال: يجتمعون إليك يدعون اللَّه أن يفرق بين جمع الأمم إلى حيث يشاء لعظم ما هم فيه، فالخلق ملجمون في العرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيتغشاه الموت، قال يا عيسى: انتظر حتى أرجع إليك: قال: وذهب نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى اللَّه إلى جبريل عليه السلام أن اذهب إلى محمد فقل له: ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع. قال: فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا. قال: فما زلت أتردد على ربي فلا أقوم فيه مقاما إلا شفعت حتى أعطاني اللَّه من ذلك أن قال: أدخل من أمتك من خلق اللَّه من شهد أن لا إله إلا اللَّه يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك. رواه أحمد
(1)
ورواته محتج بهم في الصحيح.
قوله رحمه اللَّه تعالى: "وعن أنس" تقدم الكلام عليه رضي اللَّه تعالى عنه. قوله صلى اللَّه تعالى عليه وسلم: "إني لقائم أنتظر أمتي تعبر إذ جاء عيسى عليه السلام"، الحديث إلى أن قال:"أدخل من أمتك من خلق اللَّه من شهد أن لا إله إلا اللَّه يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك".
5504 -
وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدخل من أهل هذه القبلة النار من لا يحصي عددهم إلا اللَّه بما عصوا اللَّه
(1)
مسند أحمد (12824). والحديث؛ أخرجه ابن خزيمة، في "التوحيد"(359). وقال ابن كثير في البداية والنهاية (20/ 205) تفرد به أحمد، وقد حكم الترمذي بالحسن لهذا الإسناد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 374) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3639).
واجترؤوا على معصيته وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعة فأثني على اللَّه ساجدا كما أثني عليه قائما فيقال لي ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع" رواه الطبراني في الكبير
(1)
والصغير بإسناد حسن
(2)
.
قوله: "وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي"، تقدم الكلام على ترجمته رضي اللَّه تعالى عنه. قوله صلى الله عليه وسلم:"فيؤذن لي في الشفاعة. . . " الحديث، وفي رواية:"فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤذن لي". قال القاضي عياض
(3)
: معناه واللَّه سبحانه وتعالى أعلم: فيؤذن لي في الشفاعة الموعود بها والمقام المحمود الذي ادخره تعالى له وأعلمه أنه سبحانه يبعثه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم فيه.
5505 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول اللَّه ماذا رد إليك ربك في الشفاعة قال والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم والذي نفس محمد بيده لما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي لهم وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا اللَّه مخلصا وأن محمدا
(1)
المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 455/ 14315).
(2)
أخرجه الطبراني في الصغير (103). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 376) رواه الطبراني في الأوسط، والصغير، واسناده حسن. قال الحافظ في فتح الباري (14/ 252): ووقع في حديث عبد اللَّه بن عمرو عند الطبراني بسند حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3640).
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 57).
رسول اللَّه يصدق لسانه قلبه وقلبه لسانه رواه أحمد
(1)
وابن حبان في صحيحه
(2)
.
قوله: "وعن أبي هريرة"، اختلف في اسمه اختلافا شديدا، حتى أفرد له بعض الحفاظ جزءا نقل فيه أقوال العلماء منسوبا كل قول منها إلى قائله: فقيل فيه: عمير بن عامر، وقيل: عبيد اللَّه بن عامر، وقيل: عبد سهم بن عامل، وقيل عبد اللَّه بن عبد شمس، وقيل عبد اللَّه بن عبد العزى، وقيل: عبد الرحمن بن عمر، وقيل: عبد الرحمن بن صخر، وروي عنه أنه قال: كان اسمي في الجاهلية: عبد شمس، فسميت في الإسلام عبد الرحمن. وقال الحاكم في كتاب الكنى: أصح ما قيل فيه عندنا عبد الرحمن بن صخر، وهذا الذي قاله الحاكم هو أشهر ما قيل فيه، واشتهر بكنيته. روي عنه أنه قال: كنت أحمل هرة في كمي، فرآني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذه؟ قيل: هرة. فقال: يا أبا هريرة. وهو دوسي، ودوس هو ابن عدنان، أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان رجلًا فقيرًا يصحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، يدور معه حيث دار، لذلك كثرت روايته رضي اللَّه تعالى عنه،
(1)
مسند أحمد (10713). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 404) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير معاوية بن معتب، وهو ثقة.
(2)
وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (2/ 696، 2/ 697، 2/ 698)، وابن حبان (6466) والحاكم (1/ 69 - 70) قال أبو بكر ابن خزيمة: رواية الليث أوقع على القلب من رواية عمرو بن الحارث، إنما الخبر -علمي- عن سالم بن أبي سالم كما رواه الليث، لا عن أبي سالم، اللهم إلا أن يكون سالم كنيته أبو سالم أيضًا.
فإنه كان يشهد ما لا يشهده المتاجرون لاشتغالهم بتجاراتهم، وما لا يشهده الأنصار لاشتغالهم بحوائطهم، ويشهد له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحرص على الحديث، أمره صلى اللَّه تعالى عليه وسلم أن يبسط رداءه ثم قال له: ضُمَّه، قال: فضممته فما نسيت شيئا بعدُ، روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من صاحبٍ وتابعي، انتهى، قاله ابن الفرات في تاريخه. قوله صلى اللَّه تعالى عليه وسلم:"من انقصافهم" الحديث، أي ازدحامهم ودفعهم، وكله بمعنى الازدحام، يعني استسعادهم بدخول الجنة، وأن يتم لهم ذلك أهم عندي من أن أبلغ أنا منزلة الشافعين المشفعين لأن قبول شفاعته كرامة له فوصولهم إلى مبتغاهم آثر عنده من نيل هذه الكرامة لفرط شفقته على أمته. وفي الحديث:"أنا والنبيون فراط لقاصفين"، وفي رواية:"فراط القاصفين"، هم الذين يزدحمون حتى يقصف بعضهم بعضا، من القصف: الكسر والدفع الشديد لفرط الزحام، يريد أنهم يتقدمون الأمم إلى الجنة، وهم على أثرهم]
(1)
بدارا متتابعين ومزدحمين ومنه الحديث لما يهمني إلخ ذكره في النهاية
(2)
في باب القاف مع الصاد.
5506 -
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى الغداة ثم جلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب كل ذلك لا يتكلم حتى
(1)
هذان اللوحان بين [] أثبتا في النسخة الهندية، وسقطا من الأصل.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 73).
صلى العشاء الآخرة ثم قام إلى أهله فقال الناس لأبي بكر رضي الله عنه سل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما شأنه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة فجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد حتى انطلقوا إلى آدم عليه السلام والعرق يكاد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر اصطفاك اللَّه اشفع لنا إلى ربك فقال قد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}
(1)
فينطلقون إلى نوح عليه السلام فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت أصطفاك اللَّه واستجاب لك في دعائك فلم يدع على الأرض من الكافرين ديارا فيقول ليس ذاكم عندي فانطلقوا إلى إبراهيم فإن اللَّه اتخذه خليلا فينطلقون إلى إبراهيم عليه السلام فيقول ليس ذاكم عندي فانطلقوا إلى موسى فإن اللَّه كلمه تكليما فينطلقون إلى موسى عليه السلام فيقول ليس ذاكم عندي ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم فإنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فيقول عيسى ليس ذاكم عندي ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة انطلقوا إلى محمد فليشفع لكم إلى ربكم قال فينطلقون إلي وآتي جبريل فيأتي جبريل ربه فيقول ائذن له وبشره بالجنة قال فينطلق به جبريل فيخر ساجدًا قدر جمعة ثم يقول اللَّه تبارك وتعالى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدا قدر جمعة أخرى فيقول اللَّه يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع فيذهب ليقع ساجدا فيأخذ جبريل بضبعيه ويفتح اللَّه عليه
(1)
سورة آل عمران، الآية:33.
من الدعاء ما لم يفتح على بشر قط فيقول أي رب جعلتني سيد ولد آدم ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر حتى إنه ليرد على الحوض أكثر ما بين صنعاء وأيلة ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الأنبياء فيجيء النبي معه العصابة والنبي معه الخمسة والستة والنبي ليس معه أحد ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون فيمن أرادوا فإذا فعلت الشهداء ذلك يقول اللَّه جل وعلا أنا أرحم الراحمين أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا فيدخلون الجنة ثم يقول اللَّه تبارك وتعالى انظروا في النار هل فيها من أحد عمل خيرا قط فيجدون في النار رجلا فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير أني كنت أسامح الناس في البيع فيقول اللَّه اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي ثم يخرج من النار آخر فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل اذهبوا بي إلى البحر فذروني في الريح فقال اللَّه لم فعلت ذلك قال من مخافتك فيقول انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله فيقول لم تسخر بي وأنت الملك فذلك الذي ضحكت به من الضحى رواه أحمد
(1)
والبزار
(2)
وأبو يعلى
(3)
(1)
أحمد (1/ 4 - 5).
(2)
البزار (76).
(3)
أبو يعلى (56 و 57)، وأخرجه والبخاري في الكبير (4/ 2/ 185) ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 254) وعثمان الدارمي في الرد على الجهمية (181 و 295) وابن أبي عاصم في السنة (769 و 833) وفي الزهد (271) والمروزي في مسند أبي بكر (15 و 16) و والدولابي في الكنى (2/ 155 - 156) وابن خزيمة في التوحيد (2/ 735 - 737) وأبو عوانة =
وابن حبان في صحيحه
(1)
وقال قال إسحاق يعني ابن إبراهيم هذا من أشرف الحديث وقد روى هذا الحديث عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا منهم حذيفة وأبو مسعود وأبو هريرة وغيرهم انتهى.
العصابة بكسر العين الجماعة لا واحد له قاله الأخفش وقيل هي ما بين العشرة أو العشرين إلى الأربعين.
قوله: "وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه" هو أبو بكر عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب. قال أبو عمر بن عبد البر: لم يختلفوا في اسمه واسم أبيه وإن لقب أبي بكر عتيق وتقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
= (1/ 175 - 178) والطحاوي في المشكل (556) وابن حبان (6476) وابن عدي (2/ 741) وابن الجوزي في العلل (1539) قال البزار: وهذا الحديث حديث فيه رجلان لا نعلمهما رويا إلا هذا الحديث: أبو هنيدة البراء بن نوفل، فإنا لا نعلم روى حديثا غير هذا، وكذلك والان لا نعلم روى إلا هذا الحديث، على أنّ هذا الإسناد مع ما فيه من الإسناد الذي ذكرنا فقد رواه جماعة من جلة أهل العلم بالنقل واحتملوه وقال ابن حبان: خبر غريب، قال إسحاق بن راهويه: هذا من أشرف الحديث وقال الدارقطني: والان غير مشهور إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت العلل (1/ 191)، وقال ابن الجوري: والان مجهول لا يعرف وتعقبه الذهبي فقال: كذا قال، وقد قال ابن معين: بصري ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج حديثه في صحيحه الميزان. وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجالهم ثقات المجمع (1/ 374 - 375)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3641)، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9/ 212)، والظلال (751 و 812). .
(1)
(6476).
قوله: "حتى صلى الأولى والعصر"، الأولى هو الظهر وتقدم الكلام عليها. قوله صلى الله عليه وسلم:"يجمع اللَّه الأولين والآخرين بصعيد واحد" الحديث، أما الصعيد فهو الأرض الواسعة المستوية.
قوله: "حتى انطلقوا إلى آدم والعرق يكاد يلجمهم، فقلوا: يا آدم أنت أبو البشر اصطفاك اللَّه، اشفع لنا إلى ربك" الحديث، معنى اصطفاك اللَّه أي اختارك وآثرك بذلك. اصطفى اختار افتعل من الصفوة وهو الخالص من كل شيء.
قوله: "انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم نوح" الحديث، سؤال: فإن قيل لم سمي نوحا؟ فالجواب عنه: أنه سمى نوحا لكثرة ما كان ينوح على نفسه. وقيل سبب نياحته على نفسه أنه كان ذات يوم جالسا في ناحية من الأرض فمر به كلب أجرب قد تناثر شعره وظهر جلده ونحل جسمه فنظر إليه واستقبحه، فقال: ما أقبح هذا الكلب، فناداه بلسان الآدميين: يا نوح إن كنت تحسن أو تقدر أن تخلق أحسن مني فاخلق، تعيب الصورة أو المصور؟ فندم على ذلك واستعظمه وكان ينوح على نفسه من هذه الزلة إلى آخر عمره حتى سمي نوحا لذلك، قاله أبو نصر النعيمي.
نوح أول رسول بعثه اللَّه تعالى، قال أبو عبد اللَّه المازري قد ذكر المؤرخون أن إدريس عليه السلام جد نوح عليه السلام فإن قام دليل على أن إدريس أرسل أيضًا لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن آدم أن نوحا أول رسول بعث، وإن لم يقم دليل جاز ما قالوه وصح أن يحمل أن
إدريس كان نبيا غير مرسل. قال القاضي عياض
(1)
: [وقد] قيل إن إدريس هو إلياس وأنه كان نبيا في بني إسرائيل كما جاء في بعض الأخبار مع يوشع بن نون فإن كان هكذا سقط الاعتراض والله أعلم. قاله في الديباجة. قال القاضي عياض
(2)
وبمثل هذا يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما وإن كانا رسولين فإن آدم إنما أرسل لبنيه ولم يكونوا كفارا بل أمر بتعليمهم الإيمان وطاعة الله ولذلك خلفه شيث بعده فيهم بخلاف رسالة نوح إلى كفار أهل الأرض.
قال القاضي وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى آدم وليس برسول ليسلم من هذا الاعتراض وحديث أبي ذر الطويل ينص على أن آدم وإدريس رسولان هذا آخر كلام القاضي رحمه الله، اهـ. قوله:"انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا" الحديث، والخُلة بالضم [وقال القاضي عياض
(3)
أصل الخلة الاختصاص [والاستصفاء، وقيل] أصلها الانقطاع إلى من خاللت مأخوذ من الخَلّة وهي الحاجة فسمي إبراهيم بذلك لأنه قصر حاجته على ربه سبحانه وتعالى، هذا كلام القاضي.
قال ابن الأنباري: الخليل معناه المحب الكامل المحبة والمحبوب الموفي بحقيقة المحبة اللذان ليس في حبهما نقص ولا خلل. قال
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 576).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 576).
(3)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 576).
[الواحدي:] هذا القول هو [المختار] لأن الله تعالى خليل إبراهيم عليه السلام وإبراهيم عليه السلام خليل الله عز وجل ولا يجوز أن يقال الله عز وجل خليل إبراهيم من الخلة التي هي الحاجة والله أعلم.
[تنبيه: والخلة]
(1)
]
(2)
الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه، والخليل الصديق وإنما قال ذلك لأن خلقه كانت مقصورة على حب الله تعالى فليس فيها لغيره متسع ولا شركة من محاب الدنيا والآخرة وهذه حال شريفة لا ينالها أحد بكسب واجتهاد فإن الطباع غالبة وإنما يخص الله بها من يشاء من عباده مثل سيد المرسلين ومن جعل الخليل مشتقًّا من الخلة وهي الحاجة والفقر أراد إنني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير الله تعالى.
سؤال: فإن قيل [ما] الحكمة في أن الله عز وجل اتخذه خليلًا، فالجواب عنه من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى اتخذه خليلا لما روي في الخبر أنه قال اتخذتك خليلًا لأنك قائم بين يدي وقلبك لا يغفل عني فأنت على كل حال لا تنساني.
الثاني: اتخذه خليلًا لما روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال اتخذني خليلا لثلاثة أشياء أحدها أني [ما] أهتم لما تكفل لي وما خيرت بين شيئين
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ومن جعل الخليل مشتقا من الخلة وهي الحاجة والفقر أراد إنني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير الله تعالى).
إلا اخترت ما لله فيه رضى.
الثالث: ما تغذيت ولا تعشيت إلا مع الضيف.
الرابع: اتخذه خليلا لأنه ابتلاه بأربعة أشياء، بالنفس والولد والمال والقلب، فسلم نفسه إلى النيران وولده إلى القربان وقلبه إلى الرضوان وماله إلى الضيفان فلذلك اتخذه خليلا.
الخامس وهو أحسن ما قيل في هذا الباب أنه اتخذه خليلا لأنه لم ينظر بسرّه إلى غيره طرفة عين فأوحى الله إليه أنت خليلي وأنا خليلك، قاله أبو نصر النعيمي أيضًا.
سؤال أيضًا: فإن قيل ما الفرق بين الحبيب والخليل؟ فالجواب عنه من وجوه:
الأول أن الحبيب والخليل كلاهما واحد والدليل عليه أن الله عز وجل أول حرف الخليل وأول حرف الحبيب الحاء ثم أثنى على الخليل بحرف الحاء فقال: {لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}
(1)
، وأثنى على الحبيب بحرف الخاء فقال: {[وَإِنَّكَ]
(2)
لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}
(3)
، وأشار بهذا أن الحبيب خليل والخليل حبيب. وقال بعضهم: أن الخلة خاصة والمحبة عامة كما أن النبوءة خاصة والرسالة عامة، فكما أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا فكذلك
(1)
سورة التوبة، الآية:114.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سورة القلم، الآية:4.
كل حبيب خليل وليس كل خليل حبيبًا.
الثاني: أن يقال الفرق بين الخليل والحبيب أن الخليل أقسم بالله فقال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}
(1)
، والحبيب أقسم الله به فقال: لعمرك. الثالث: أن الخليل كانت مغفرته في حد الطمع. قوله: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي}
(2)
، والحبيب كانت مغفرته في حد اليقين، قوله:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ}
(3)
.
الرابع: أن الخليل قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}
(4)
، والحبيب الذي قيل له [قبل] السؤال:{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}
(5)
.
الخامس: الذي قال {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)}
(6)
سأل وراثة الجنة، والحبيب الذي قيل له ولأمته [قبيل السؤال]:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)}
(7)
الآية.
السادس: الخليل الذي قال: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)}
(8)
، والحبيب
(1)
سورة الأنبياء، الآية:57.
(2)
سورة الشعراء، الآية:82.
(3)
سورة الفتح، الآية:2.
(4)
سورة البقرة، الآية:260.
(5)
سورة الروم، الآية:50.
(6)
سورة المؤمنون، الآية:10.
(7)
سورة المؤمنون، الآية:10.
(8)
سورة الشعراء، الآية:87.
الذي قيل له ولأمته قبل السؤال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}
(1)
، السابع: أن الخليل الذي قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}
(2)
، سأل من الله تعالى الثبات على الإسلام واستعاذ بالله من عبادة عبادة الأصنام، والحبيب الذي أقرّ الله عينه بثباته وثبات أمته على الإسلام من غير سؤال، قوله عز وجل:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (3) الثَّابِتِ}
(3)
الآية. قاله النعيمي.
أيضا سؤال أيضا، فإن قيل: ما الحكمة في أن الله عز وجل صرح بخلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}
(4)
ولم يصرح بمحبة محمد صلى الله عليه وسلم. الجواب عنه أن يقال: إن الله تعالى وإن صرح بخلة إبراهيم فقد أشار إلى محبته صلى الله عليه وسلم إشارة زادت على التصريح وهي أنه أخبر أن من بايعك على دينك من يومك هذا إلى يوم القيامة فهو حبيبي لأجلك، وذلك قوله:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ [اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ}
(5)
، وهذا يزيد على تصريح المحبة، لأنه تعالى قال لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: هو خليل خليلك. وقال لمحمد صلى الله تعالى عليه
(1)
سورة التحريم، الآية:8.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:35.
(3)
سورة إبراهيم، الآية:27.
(4)
سورة النساء، الآية:125.
(5)
سورة آل عمران، الآية:31.
وسلم: كل من اتبعك فهو حبيبي لأجلك. الثاني: أن المحبة موجبة للغيرة، فمن أحبه ربه تعالى شهره وناداه عليه، ومن أحب ربه سبحانه كتمه وغار عليه، فلذلك صرح نجله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكتم محبة محمد صلى الله عليه وسلم. واختلف العلماء في عمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فقال قوم: مائتا سنة، وقال آخرون: مائة سنة وخمس وتسعون سنة.
وقال ابن الجوزي: قال جماعة أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان معمره مائة سنة وخمسا وسبعين سنة، وقال القرطبي في تفسيره
(1)
: قال التستري من وفاة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن مولد النبي صلى الله عليه وسلم نحو من ألفي سنة وستمائة سنة. انتهى
…
فلما أدركت إبراهيم عليه الصلاة والسلام الوفاة جمع أولاده، وهم يومئذة ستة: إسماعيل وإسحاق عليهما الصلاة والسلام ودعا بتابوت آدم عليه الصلاة والسلام ففتحه فقال لهم: يا بني انظروا إلى هذا التابوت، بيوت بعدد الأنبياء كلهم أجمعين، وآخر الأبيات سيدنا نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، من ياقوتة حمراء، وإذا هو فيه قائم يصلي على يمينه الكهل المطيع مكتوب على جبينه هذا أول من يتبعه من المؤمنين وعن يساره الفاروق مكتوب على جبينه قرن من حديث لا تأخذه في الله لومة لائم، ومن ورائه ذو النورين آخذ بحجزته مكتوب على جبينه بار من البرية، والخلفاء ومن بين يديه علي بن أبي طالب شاهر سيفه وعلى عاتقه مكتوب على جبينه هذا أخوه وابن عمه المؤيد بالنصر من عند
(1)
تفسير القرطبي (2/ 135).
الله تعالى، وحوله عمومته والخلفاء والنقباء والكبكبة الخضراء التي قد أحدقت بها سلسلسة النصرة، وهم أنصار الله تعالى، وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم، نور حوافر دوابهم يوم القيامة مثل نور الشمس في دار الدنيا، انتهى. ذكره ابن الفرات في تاريخه، والله تعالى أعلم.
قوله: "فانطلقوا إلى موسى فإن الله كلمه تكليما فينطلقون إلى موسى" الحديث، هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، هذا الكلام بإجماع أهل السنة على ظاهره وأن الله سبحانه وتعالى كلم موسى عليه الصلاة والسلام حقيقة كلاما سمعه بغير واسطة ولهذا أكد بالمصدر والكلام صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى لا يشبه كلام غيره، والله تعالى أعلم. قوله:"ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم" الحديث.
تنبيه: ومريم أم المسيح عليه السلام ورضي عنها حملت به ولها ثلاث عشرة سنة، وعاشت بعدما رفع عليه الصلاة والسلام ستا وستين سنة، وماتت ولها مائة واثنتا عشرة سنة، وفيه اختلاف. قاله الكرماني
(1)
.
قوله: "فيقول عيسى ليس ذاكم عندي ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم" الحديث، وهذا الحديث دليل لفضله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم، لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل الآدميين لهذا الحديث. وقال الهروي: السيد الذي يفوق قومه في الخير. وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمورهم
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 61).
ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم. وأما قوله يوم القيامة مع أنهم سيدهم في الدنيا والآخرة فسبب التقييد في أن يوم القيامة سؤدده لكل أحد ولا يبقى منازع ولا معاند ونحوه بخلاف الدنيا، فقد نازعه فيها ملوك الكفار وزعماء المشركين، هذا التقييد قريب من معنى قوله تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}
(1)
مع أن الملك له سبحانه وتعالى قبل ذلك، لكن كان في الدنيا من يدّعي الملك أو من يضاف إليها مجازا، فانقطع كل ذلك في الآخرة، انتهى. قوله: "انطلقوا إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فليشفع لكم إلى ربكم فينطلقون
…
" الحديث، تقدم الإذن في الشفاعة.
قوله: "ثم يقول الله تبارك وتعالى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع"، واشفع تشفع، يعني تقبل شفاعتك.
فائدة فيها بشرى: ورد في حديث: "فأقول يا رب ائذن لي في من قال لا إله إلا الله. قال: ليس ذلك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله"، معناه لأتفضلن عليهم بإخراجهم بغير شفاعة. قوله:"وكبريائي"، بكسر الجيم أي عظمتي وسلطاني وقهري. قوله:"فيأخذ جبريل بضبعيه" الضبعان بفتح الضاد وسكون الباء العضدان.
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "إنه ليرد على الحوض" تقدم الكلام عليهما في أحاديث الحوض مبسوطا والله تعالى أعلم. قوله: "ومعه العصابة" العصابة بكسر العين الجماعة، ولا واحد له من لفظه، قاله الأخفش. وقيل:
(1)
سورة غافر، الآية:16.
هي ما بين العشرة أو العشرين إلى الأربعين، قاله الحافظ، وتقدم الكلام على بقية الحديث في العرض والخوف. سؤال: ما الحكمة في أن الله تعالى ألهمهم سؤال آدم ومن بعده عليهم الصلاة والسلام؟ الجواب: ألهمهم سؤال آدم ومن بعده عليهم الصلاة والسلام في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أولا هي إظهار لفضيلته صلى الله تعالى عليه وسلم فإنهم لو سألوه أولا لكان يحتمل أن يقال أن غيره صلى الله تعالى عليه وسلم يقدر على هذا. وأما إذا سألوا غيره من رسل الله تعالى وأصفيائه فامتنعوا ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإدلال والأنس، وفيه فضيلته صلى الله تعالى عليه وسلم على جميع المخلوقين من الرسل والملائكة المقربين عليهم الصلاة والتسليم فإن هذا الأمر العظيم وهو الشفاعة العظمى لا يقدر على الإقدام عليها غيره صلى الله تعالى عليه وسلم.
5507 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي يوم القيامة منبرا من نور وإني لعلى أطولها وأنورها فيجيء مناد ينادي أين النبي الأمي قال فتقول الأنبياء كلنا نبي أمي فإلى أين أرسل فيرجع الثانية فيقول أين النبي الأمي العربي قال فينزل محمد صلى الله عليه وسلم حتى يأتي باب الجنة فيقرعه فيقول من فيقول محمد أو أحمد فيقال أوقد أرسل إليه فيقول نعم فيفتح له فيدخل فيتجلى له الرب تبارك وتعالى ولا يتجلى لشيء قبله فيخر لله ساجدا ويحمده بمحامد لم يحمده بها أحد ممن كان قبله ولن يحمده بها أحد ممن كان بعده
فيقال له يا محمد ارفع رأسك تكلم تسمع واشفع تشفع فذكر الحديث رواه ابن حبان في صحيحه
(1)
.
قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم الكلام على مناقبه في مواضع رضي الله تعالى عنه. قوله رضي الله تعالى عنه: "فيجيء مناد فينادي أين النبي الأمي العربي" الحديث، قال العلماء: الأمي من لا يحسن الكتابة كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم: "إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب" نسبة إلى الأم، كأنه باق على أصل ولادتها إذ لم يتعلم كتابة الكتابين ولا حساب الحاسبين، وهو من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، ومما يمدح به، وهي في غيره نقص بالنسبة إلى غيره، لأن الكتابة والدراسة هي الطرق الموصلة إلى العلوم التي تتشرف بها نفس الإنسان ويعظم بقدرها عادة، ولما خص الله تعالى نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم بعلوم الأولين والآخرين من غير كتابة ولا مدارسة كان ذلك خارقا للعادة في حقه، ومن أوصافه الخاصة به الدالة على صدقه التي نعت بها في الكتب القديمة، وعرف بها في الأمم السالفة، فقد صارت الأمية في حقه صلى الله تعالى وسلم من أعظم منجزاته وأفضل كراماته، وهي في حق غيره نقص ظاهر، انتهى. وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله تعالى: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب بيده أو هو من باب المجاز أي أمر
(1)
صحيح ابن حبان (6480)، وأخرجه الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 403)، ونسبه لأبي نعيم في كتاب الرؤية، وقال: هذا حديث غريب جدا. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (6491)، وضعيف الترغيب والترهيب (2114).
بالكتابة، نحو كسو الخليفة الكعبة أي أمر بالكسوة.
سؤال أيضا: ما الحكمة في تسمية الله عز وجل محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم أميا، فقال عز وجل:{النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}
(1)
؟ الجواب عنه من وجوه: أحدها: أن معناه ما ذكره الله عز وجل في قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}
(2)
يعني لم يحسن الكتابة والقراءة. الثاني: لما خص صلى الله تعالى عليه وسلم من بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأم الكتاب وهي سورة الفاتحة، لذلك سمي أميا، يعني أعطيت أم الكتاب، الثالث: سمّاه أميا لأنه كان شفقته على المؤمنين كشفقة الأمهات على]
(3)
الأولاد. الرابع: سماه أميا لأنه كان مبعوثا من أم القرى وهي مكة. قوله: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}
(4)
يعني مكة، اهـ.
قال بعضهم في تسميته بذلك ثلاثة أقوال: أحدها لأنه على خلقة الأمة التي لم تتعلم الكتابة [فهو] على جبلته، قاله الزجاج، والثاني لأنه على ما ولدته أمه، والثالث [للنسبة] إلى أمه في الجهل بالكتابة لأن الكتابة كانت في الرجال دون النساء والله أعلم. وقال الرُشاطي في الأنساب عن بعضهم في نسبته صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، أنه منسوب إلى أم القرى مكة والمشهور أنه نسبة إلى أم العرب الذين لا يكتبون، قاله الزركشي، وقال ابن عباس: الأمي هو نبيكم
(1)
سورة الأعراف، الآية:156.
(2)
سورة العنكبوت، الآية:48.
(3)
هذان اللوحان بين [] أثبتا في النسخة الهندية، وسقطا من الأصل.
(4)
سورة الشورى، الآية:7.
كان أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب وهو منسوب إلى الأم أي هو على ما ولدته أمه. وقيل هو منسوب إلى أمته، قاله البغوي وإنما لم يكتب لأنه لو كتب لقيل إنه قرأ القرآن في صحف الأولين. وقد [بيّنه] الله تعالى بقوله:{وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}
(1)
.
قال النيسابوري: إنما لم يكتب ولم يحسب لأنه إذا كتب أو [عقد] بالخنصر يقع ظل أصبعه وقلمه على اسمه تعالى وذكره فلما لم يفعل قال الله تعالى: [لا جرم] بعد ما لم ترد أن يكون ظلك فوق اسمي ولم ترد أن يكون [ظل العلم] على اسمي أمرت الناس أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوتك ولا أدع ظلك يقع على الأرض ذكر القاضي عياض
(2)
أنه إنما لم يقع [له صلى الله عليه وسلم ظل على الأرض إذا مشى في الشمس لأن نوره صلى الله تعالى عليه وسلم يغلب على نور الشمس. وقال بعض الناس: إنما لم يقع] ظله على الأرض حماية له أن يوطأ ظله بالأقدام. وقال النيسابوري، وقيل: إنما لم يكتب لئلا يشتغل بالكتابة عن الحفظ، وأيضا لو كتب لكان ينظر إلى الأسفل عند القراءة والكتابة، فقال لا تكتب يكون نظرك علويا والله أعلم.
لطيفة: وكلام أهل الجنة في الجنة بالعربي وذلك أن اللسان الذي نزل به آدم عليه السلام من الجنة كان عربيا لأنه كلام الله وكلام ملائكته وكلام أهل الجنة إذا صاروا إليها وكان لسان اثني عشر من الأنبياء بالعربية آدم وشيث وهود
(1)
سورة العنكبوت، الآية:48.
(2)
لم أجده.
وصالح وإسماعيل وشعيب والخضر والثلاثة الذين في سورة يس كذا كذا وخالد بن سنان العبسي وسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكرماني
(1)
.
5508 -
وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الله تبارك وتعالى الناس قال فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله قال فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما قال فيأتون موسى فيقول لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى لست بصاحب ذلك فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قال قلت بأبي وأمي أي شيء كالبرق قال ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الطير وشد الرحال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوش في النار والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفا. رواه مسلم
(2)
.
قوله: "وعن أبي هريرة وحذيفة" تقدم الكلام عليهما رضي الله عنهما. قوله صلى الله عليه وسلم:
(1)
لم أجده.
(2)
صحيح مسلم (329)(195).
"يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة" الحديث تزلف بضم التاء وإسكان كذا ضبطه بعض شيوخنا قاله عياض ومعنا تدني وتقرب كما في قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ}
(1)
أي قربت. قوله: "فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا" فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، فذكره إلى أن قال: اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. [قال: فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراءَ وراءَ، قال صاحب التحرير هذه كلمة تذكر على سبيل التواضع أي لست بتلك الدرجة الرفيعة. قال: وقد وقع لي معنى مليح فيه: وهو معناه أن المكارم التي أعطيتها كانتن بواسطة سفارة جبريل صلى الله عليه وسلم ولكن ائتوا موسى صلوات الله وسلام عليه فإنه حصل له سماع الكلام بغير واسطة. قال: وإنما كرّر وراء وراء لكون النبي صلى الله عليه وسلم حصل له الكلام بغير واسطة وحصلت الرؤية، فقال إبراهيم عليه السلام: أنا وراء موسى الذي هو وراء محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، هذا كلام صاحب التحرير. وأما ضبط وراء وراء فالمشهور فيه الفتح فيهما بلا تنوين ويجوز عند أهل العربية بناؤهما على الضم، قاله النووي في شرح مسلم
(2)
]
(3)
.
(1)
سورة ق، الآية:31.
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 71).
(3)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وأيضا ليخرج من ظهره في الدنيا الذين لا نصيب لهم في الجنة. انتهى).
وقيل معنى: من وراء وراء أني إنما كنت متأخرا عن غيري إشارة إلى أن كمال الخلة إنما يصح لمن يصح له في ذلك اليوم المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وذلك لم يصح ولا يصح إلا لنبينا عليه السلام.
سؤال: سأل إبراهيم ربه فقال: يا رب لم أخرجت آدم من الجنة؟ فقال له: أما علمت أن جفاء الحبيب شديد، وأيضًا: أخرج آدم من الجنة لأن الجنة ليست بدار توبة فأراد أن يأتي للدنيا ليتوب ثم [يرده] إلى الجنة وقيل فيه إشارة وهي أن الله تعالى قال: لو [غفرت في الجنة ما تبين كرمي بأن غفرت لنفس واحدة بل أخرجه إلى الدنيا وآتي بمائة ألف عاص حتى أغفر لك ولهم ليتبين كرمي وجودي. وأيضًا علم الله سبحانه وتعالى أن في أصلابه الأولاد والجنة ليست بدار توالد. وأيضًا ليخرج من ظهره في الدنيا الذين لا نصيب لهم في الجنة. انتهى]
(1)
.
قوله: "اعمدوا إلى الذي كلمه الله تكليما" أي اقصدوا، وتقدم الكلام على كلام الله تعالى لموسى عليه السلام في الحديث قبله. قوله:"اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه"، قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}
(2)
قيل له كلمة لأنه وجد بكلمة الله وروح الله لقوله تعالى: {فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}
(3)
ولحصول الروح فيمن
(1)
سقطت هذه الفقرة من الأصل، وأثبت في النسخة الهندية.
(2)
سورة النساء، الآية:171.
(3)
سورة التحريم، الآية:12.
أحيا من الموتى. قال الزمخشري هو كلمة الله لأنه [قد وجد بمر الله وكلمته من غير واسطة أب ونطفة وروح الله لأنه]
(1)
ذو روح وجد من غير جزء ومن ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحي وإنما اخترع اختراعًا من الله تعالى، اهـ. قاله الكرماني
(2)
.
قوله: فيأتون محمدا فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا. تقدم الكلام على الأمانة والرحم [في الحوض]
(3)
مبسوطًا.
قوله: "وعن أبي سعيد" هو الخدري، تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" قال القاضي عياض رحمه الله تعالى
(4)
: قيل السيد هو الذي يفوق قومه، وقيل هو الذي يفوق غيره في [الجود]. وقال قوم آخرون: هو الذي يفزع إليه في الشدائد والنوائب فيقوم بأمورهم ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم وأما قوله [صلى الله تعالى عليه وسلم] يوم القيامة مع أنه سيدهم في الدنيا والآخرة فسبب التقييد أن في يوم القيامة يظهر سؤدده لكل أحد ولا يبقى منازع ولا معاند ونحوه بخلاف الدنيا فقد نازعه ذلك فيها ملوك الكفار وزعماء المشركين فهذا التقييد قريب
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (17/ 5).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 237)، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 230).
من معنى قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}
(1)
مع أن الملك له سبحانه وتعالى قبل ذلك لكن كان [في الدنيا]
(2)
من يدعي الملك أو من يضاف إليه مجازا فانقطع كل ذلك في الآخرة.
قال العلماء: وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم لم يقله فخرًا بل صرح بنفي الفخر في غير صحيح مسلم في الحديث المشهور: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، يعني ولا فخر أكمل ولا أعلى من هذا الفخر، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا فخر" أي على آبائه آدم ونوح وإبراهيم وليس هذا دعوى تعاظم وتطاول منه صلى الله عليه وسلم على الناس وإنما هو من التحدث بنعمة الله تعالى وذلك أن العبد إذا نظر إلى ربه يفتخر وإذا نظر إلى نفسه يحتقر فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ناظرًا إلى نعم ربه وفي حديث آخر إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر. وفي رواية: ولا فخر، والروايتان في مسند الإمام أحمد.
وقال صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، فإذا كان معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا فخر" أكمل من هذا ولا أشرف فما معنى غير فخر هل معناه غير أني أفتخر بذلك؟ قلت: لا يحسن ذلك لمخالفة الرواية الأخرى لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تحدثا بنعمة ربه ومعلما لنا بمقداره وشرفه والعبد إذا نظر إلى [ربه عز وجل] يفتخر وإنما المعنى والله أعلم غير أنه فخر عظيم وشرف لا يساويه فخر ولا شرف وهذا من باب الاستثناء [المتمم للأول والمكمل له لا من
(1)
سورة غافر، الآية:16.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
الاستثناء]
(1)
المخرج لشيء منه والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: ["بيدي لواء الحمد ولا فخر" اللواء]
(2)
الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش يريد به انفراده صلى الله عليه وسلم بالحمد يوم القيامة وشهرته على رءوس الخلائق. والعرب تضع اللواء موضع الشهرة وأراد صلى الله عليه وسلم بهذا: الإخبار عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد وإنما قال هذا لوجهين: أحدهما امتثال قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}
(3)
، والثاني أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه و صلى الله عليه وسلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى.
قوله: "ولا فخر" الفخر ادعاء العظمة والكبر والشرف أي لا أقوله تبجحا ولكن شكرا لله تعالى وتحدثا [بنعمه]. قاله في النهاية
(4)
. ["ويحتمل أن النفي في قوله لا فخر في معنى النهي المصروف إلى الأمة أي لا تفاخروا بي الأنبياء مفاخرة تؤدي إلى تنقيص المفضول أو إلى مشاجرة ومحاورة كما وقع للصديق رضي الله عنه مع اليهودي كما في الحديث الصحيح المشهور حسما لمادة الفتنة أو أن يُفضي إلى أنبياء الله وأصفيائه بمكروه، ويحتمل أنه نفي على بابه أدبًا وتواضعًا أو نفي للخبر بمعنى المفاخرة والتطاول والمراءاة والمباهاة
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سورة الضحى، الآية:11.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 418).
كما هي عادة ذوي الجاهي الدنيوي، قاله كاتبه جعله الله وإياك ممن تناله شفاعة هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والله أعلم"]
(1)
.
وفي هذا الحديث دليل [له]
(2)
لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الآدميين بهذا الحديث وغيره.
[قوله: "وبيدي لواء الحمد ولا فخر" واللواء الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش. يحتمل أن يكون بيده لواء حقيقة يسمى لواء الحمد. ويحتمل أن يريد به انفراده يوم القيامة بالحمد وشهرته على رءوس الخلق. والعرب تضع اللواء موضع الشهرة وهو أصلها الذي وضع له، ومنه الحديث: وابعثه المقام المحمود الذي يحمده فيه جميع الخلق لتعجيل الحساب والإراحة من هول الموقف. وقيل هو الشفاعة ويلجئون فيه إليه لا أحد يدعيه ولا يشاركه فيه. وقد سماه الله محمدًا وأحمد ومحمودًا وذلك لمبالغته في حمد ربه فابتدأ كتابه بحمده.
فائدة: قال ابن سبع في كتاب الخصائص: سأل عبد الله بن سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على لواء الحمد ما صفته؟ قال: طوله مسيرة ألف سنة وستمائة سنة من ياقوتة حمراء وقبضته أو قال قصبته من فضة بيضاء وزجه من زمردة خضرء له ثلاث ذوائب ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب وذؤابة طرف الدنيا.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
وفي نسخة: وسط الدنيا، عليه مكتوب ثلاثة أسطر: الأول: بسم الله الرحمن الرحيم.
والثاني: الحمد لله رب العالمين. والثالث: لا إله إلا الله محمد رسول الله. طول كل سطر منها مسيرة ألف عام. قال: صدقت يا محمد، اهـ]
(1)
. وأما الحديث الآخر: لا تفضلوا بين الأنبياء، فجوابه من خمسة أوجه: أحدها أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فلما علم أخبر به.
والثاني: قاله أدبا وتواضعا. والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقص المفضول. والرابع: إنما نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة والفتنة كما هو المشهور في سبب الحديث.
والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوءة: فلا تفضل فيها وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى. ولا بد من اعتقاد التفضيل فقد قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
(2)
، قاله النووي في شرح مسلم
(3)
.
لطيفة: تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أول من يركب البراق وأن ذلك ليس هو لنبي غيره. وفي حديث مطول قال فيه: فأول من يركب من القوم النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جمع إلى باب قصره في الجنة النبييون والصديقون والشهداء والصالحون حتى
(1)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(على مقدمته لواء الحمد بين يديه وهو يسير في موكبه صلى الله عليه وسلم).
(2)
سورة البقرة، الآية:253.
(3)
شرح النووي على مسلم (15/ 38).
يخرج عليه الصلاة والسلام من قصره قد لبس تسع حلل خضر خصه الله تعالى بها تاج الوقار على رأسه قضيب الملك بيده آدم وعن يمينه أبو بكر الصديق مما يلي آدم إبراهيم الخليل عليه السلام على يساره عمر بن الخطاب مما يلي إبراهيم الخليل عثمان بن عفان من وراء ظهره علي بن أبي طالب على مقدمته لواء الحمد بين يديه وهو يسير في موكبه صلى الله عليه وسلم. [صفة لواء لحمد: روي أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم على لواء الحمد ما صفته؟ قال عليه الصلاة والسلام: طوله مسيرة ألف سنة وستمائة سنة من ياقوتة حمراء وقصبته أو قال قبضته من فضة بيضاء وزجه من زمردة خضرء له ثلاث ذوائب ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب وذؤابة في وسط الدنيا، عليه مكتوب ثلاثة أسطر: الأول: بسم الله الرحمن الرحيم. الثاني: الحمد لله رب العالمين. الثالث: لا إله إلا الله محمد رسول الله. طول كل سطر منها مسيرة ألف عام. انتهى]
(1)
. قاله ابن الفرات الحنفي في تاريخه.
قوله: "فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم" فذكر الحديث، إنما ذلك والله أعلم حين يُؤتى بالنار تجرّ أزمّتها وذلك قبل العرض والحساب على الملك الديّان فإذا نظرت إلى الخلائق فارت ونارت وشهقت إلى الخلائق وزفرت نحوهم ووثبت عليهم غضبا لغضب ربهم فيتساقط [الخلق] حينئذ على ركبهم جثاة حولها قد أسبلوا الدموع من أعينهم، ونادى الظالمون بالويل والثبور ثم تزفر الثانية فازدادوا الرعب والخوف [في القلوب]
(2)
ثم تزفر الثالثة
(1)
هذه الفقرة مكررة في الأصل، وتقدم موضعها قريبا في النسخة الهندية، وليست مكررة فيها.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
فيتساقط الخلائق لوجوههم ويشخصون بأبصارهم ينظرون من طرف خفي خوفا أن تبلغهم ويأخذهم حريقها أجارنا الله منها، قاله في التذكرة.
قوله: "قال أنس فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال: محمد. فيفتحون لي" الحديث، أقعقعها أي أحرّكها لتُصوِّت. والقعقعة حكاية حركة لشيء يسمع له صوت. قاله في النهاية
(1)
.
قوله: "سل تُعطَ واشفع تشفع" أي تقبل شفاعتك، وتقدم ذلك. قوله في رواية ابن ماجه:"وأنا أول شافع وأول مشفع" إنما ذكر الثاني لأنه قد يشفع اثنان فيشفّع الثاني منهما قبل الأول.
فائدة: قوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث: فيأتون آدم فيقولون يا آبانا استفتح لنا الجنة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، لست بصاحب ذلك، وكذلك يأتون نوحا وإبراهيم وباقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فيطلبون منه شفاعتهم فيقولون [لسنا] هناكم ويذكرون خطاياهم إلى آخره، اعلم أن العلماء من أهل الفقه والأصول وغيرهم اختلفوا في جواز المعاصي على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقد لخص القاضي رحمه الله تعالى مقاصد المسألة فقال كلامًا طويلًا وفي آخره قال
(2)
: وأما المعاصي فلا خلاف أنهم معصومون من كل كبيرة، وكذلك لا خلاف أنهم معصومون من الصغائر التي تزري بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مرءوته،
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 88).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 573).
واختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر منهم فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى جواز وقوعها منهم وحجتهم ظواهر القرآن والأخبار.
وذهب جماعات من أهل التحقيق والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر وأن منصب النبوءة يجل عن مواقعتها وعن مخالفة الله سبحانه وتعالى عمدا [وهذا] المذهب هو الحق ولأنه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم وأقوالهم ولا خلاف في الاقتداء بذلك، وانظر هذه الخطايا التي ذكرت للأنبياء من أكل آدم من الشجرة ناسيًا ومن دعوة نوح على قوم كفار وقتل موسى الكافر الذي لم يُؤمر بقتله ومدافعة إبراهيم الكفار بقول عرّض به هو فيه صادق من وجه، وهذه كلها في حق غيرهم ليست بذنوب لكنهم أشفقوا منها إذ لم تكن عن أمر الله تعالى وعتب على بعضهم فيها لقدر منزلتهم في معرفة الله تعالى، اهـ. وتكلموا على الآيات والأحاديث الواردة في ذلك وتأولوها وأن الذي ذُكِر عنهم من ذلك إنما هو فيما كان منهم على تأويل أو سهو أو من إذن من الله سبحانه وتعالى في أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها وأشياء منهم قبل النبوءة وهذا المذهب هو الحق والله أعلم.
فائدة أخرى: قوله صلى الله عليه وسلم: "فيأتون آدم وكذلك نوح وإبراهيم وباقي الأنبياء" إلى آخره. ذكر أبو حامد الغزالي رحمه الله أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف عام وكذلك بين كل نبي إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر أيضًا أن الناس في الموقف على طبقات مختلفة وأنواع متباينة بحسب جرائمهم كمانع الزكاة
والغالّ والغادر وآخرون قد عظمت فروجهم وهي تسيل صديدا يتأذى [بنتنهم] جيرانهم وآخرون قد صلِّبوا على جذوع النيران وآخرون قد خرجت ألسنتهم على صدورهم أقبح ما يكون وهؤلاء المذكورون هم الزناة واللوطية والكذابون، وآخرون قد عظمت بطونهم كالجبال الرواسي وهم آكلوا الربا وكل ذي ذنب قد يرى سوء ذنبه. قاله في كشف علوم الآخرة. وذكر في آخر [هذا] الكتاب أن الرسل [عليهم الصلاة والسلام] يوم القيامة على المنابر والعلماء والأنبياء على منابر صغار دونهم ومنبر كل رسول على قدره والعلماء العاملون على كراسي من نور والشهداء والصالحون كقراء القرآن والمؤذنون على كثبان من مسك، وهذه الطائفة العاملة أصحاب الكراسي هم الذين يطلبون الشفاعة من آدم ونوح حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم[انتهى].
5509 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر وَمَا من نبى آدم يَوْمئِذٍ فَمن سواهُ إِلَّا تَحت لِوَائِي وَأَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَلَا فَخر قَالَ فَيفزع النَّاس ثَلَاث فَزعَات فَيَأْتُونَ آدم فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فَيَأْتُوني فأنطلق مَعَهم قَالَ ابْن جدعَان قَالَ أنس فَكَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فآخذ بِحَلقَة بَاب الْجنَّة فأقعقعها فَيُقَال من هَذَا فَيُقَال مُحَمَّد فيفتحون لي ويرحبون فَيَقُولُونَ مرْحَبًا فَأخر سَاجِدا فيلهمني الله من الثَّنَاء وَالْحَمْد فَيُقَال لي ارْفَعْ رَأسك سل تعطه وَاشْفَعْ تشفع وَقل يسمع لِقَوْلِك وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ الله
{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}
(1)
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن وروى ابْن مَاجَه صَدره قَالَ أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر وَأَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَأَنا أول شَافِع وَأول مُشَفع وَلَا فَخر ولواء الْحَمد بيَدي يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَفِي إسنادهما عَليّ بن يزِيد بن جدعَان
(2)
.
5510 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا مع النبي في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذاك يجمع لله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون إلى ما أنتم فيه وإلى ما بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض أبوكم آدم فيأتونه فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا فقال إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت نفسي نفسي نفسي ذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك لله عبدًا شكورًا ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما بلغنا ألا
(1)
سورة الإسراء، الآية:79.
(2)
أخرجه ابن ماجه (4308)، والترمذي (3148). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3643). ولم يدرج الشارح تحته شرحًا.
تشفع لنا إلى ربك فيقول إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كان لي دعوة دعوت بها على قومي نفسي نفسي نفسي ذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض شفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرها نفسي نفسي نفسي ذهبوا إلى غيري ذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس شفع لنا إلى ربك أما ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي ذهبوا إلى غيري ذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد شفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتوني فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد رفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن
من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام عليه.
قوله: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة" الحديث. قال القاضي عياض
(3)
: محبته للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى، هذا آخر كلام القاضي. وقد روى الترمذي بإسناده عن عائشة قالت: ما كان الذراع أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن كان لا يجد اللحم إلا غبّا فكان يعجّل إليها لأنها أعجلها نضجا، والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فنهس منها نهسة" هو بالسين المهملة. قال القاضي عياض
(4)
أكثر الرواة رووه بالسين المهملة ووقع لابن هامان بالشين المعجمة وكلاهما صحيح بمعنى واحد أي أخذ بأطراف أسنانه. قال الهروي
(5)
: قال أبو العباس: النهس بالمهملة بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس. قال الخطابي:
(1)
صحيح البخاري (3340).
(2)
صحيح مسلم (327)(194).
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 65).
(4)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 581).
(5)
المعلم بفوائد مسلم (1/ 343)، المعلم بفوائد مسلم (3/ 224)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 582).
وبالمهملة أبلغ منه بالمعجمة. وقال ثعلب: النهس سرعة الأكل، اهـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي" الحديث، أما الصعيد فهو الأرض الواسعة المستوية. وفي رواية ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي. وأما ينفذهم البصر فهو بفتح الياء وبالذال المعجمة، كذا رواه الأكثرون. وذكر الهروي وصاحب المطالع
(1)
وغيرهما أنه روي بضم الياء وبفتحها. قال صاحب المطالع: رواه الأكثرون بالفتح وبعضهم بالضم. وأما معناه فقال الهروي: قال أبو عبيد معناه ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. وقال غيره: معناه أنه ينفذهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب، أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظر يعني أنها أرض مستوية لا جبل فيه ولا أكمة ولا ربوة وهذا أولى من قول أبي عبيد يأتي عليهم بصر الرحمن لأن رؤية الله تحيط بهم في كل حال في الصعيد المستوي وغيره. هذا قول صاحب المطالع. [وقال] أبو حاتم: أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة وإنما هو بالمهملة، أي يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم من قولهم: نفذت الشيء وأنفذته. يقال نفذني بصره إذا بلغني وتجاوزه. وحمل الحديث على بصر الناظرين أولى من حمله على بصر الرحمن فحصل خلاف في فتح الياء وضمها وفي الذال المعجمة والدال المهملة وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء، وبالذال المعجمة وأنه
(1)
مطالع الأنوار على صحاح الآثار (4/ 228).
بصر [المخلوق]. قاله العراقي وأبو السعادات
(1)
.
قوله: "وتدنو الشمس أي تقرب منهم". قوله: "ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم" فذكره إلى أن قال: "أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه" هو من باب إضافة التشريف. قوله: "أفلا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيها وما بلغنا" الحديث، بلغنا هو بفتح الغين المعجمة هذا هو الصحيح المعروف، وضبطه بعض الأئمة المتأخرين بالفتح والإسكان وهذا له وجه والمختار ما قدمناه، ويدل عليه قوله في الحديث قبل هذا:"ألا ترون مما قد بلغكم" ولو كان بإسكان الغين لقال بلغتم. اهـ.
قوله: "فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله" الحديث. الغضب في حق الله جل جلاله ليس كالغضب في حق المخلوقين إنما هو في حق رب العالمين راجع إلى إرادة العقاب وفعله فإن الله لا يتأثر بشيء ولا تحدث له صفة ولا [يتجدد] له حال، اهـ. وقال النووي
(2)
: المراد بغضب الله تعالى ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يرونه من أليم عذابه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها ولا شك في أن هذا كله لم يتقدم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 91)، شرح النووي على مسلم (3/ 66) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 18).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 68).
مثله فهذا معنى غضب الله تعالى كما أن رضاه [سبحانه بظهور] رحمته ولطفه بمن أراد به من الخير والكرامة لأن الله تعالى يستحيل في حقه التغير في الغضب والرضى، اهـ، والله أعلم.
تنبيه: في حديث آخر أنهم يأتون آدم ومن بعده فيقول: لست هناكم. معناه لست بالمكان الذي ترونني فيه، يعني من الشفاعة وأشار بقوله هناكم إلى بعده من ذلك المكان فإن هنا إذا ألحق به كاف الخطاب فإنه للتبعيد عن المكان المشار إليه والله أعلم. قال القاضي عياض
(1)
، هذا يقولونه تواضعا وإكبارا لما يسألونه. قال: وقد يكون إشارة من كل واحد منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له بل لغيره وكل واحد منهم يدل على الآخر حتى انتهى الأمر لصاحبه. قال: ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم معينًا وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال: وفيه تقديم ذوي الأسنان والآباء على الأبناء في الأمور التي لها بال. قال: وأما مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك [وإجابته] لرغبتهم فلتحققه صلى الله عليه وسلم أن هذه الكرامة والمقام له صلى الله عليه وسلم خاصة. اهـ
قوله: "نفسي نفسي" نفسي أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها. قوله: "اذهبوا إلى نوح أول من بعثه الله إلى أهل الأرض" أي من أولاده، "فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض" الحديث، وإنما قالوا
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 56)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (25/ 151).
له أنت أول الرسل لأن آدم ثان.
فإن قلت: آدم هو أول الرسل، قلت: اختلفوا فيه فقال بعضهم آدم كان نبيا لا رسولا، والأصح خلافه. فالجواب: أنه أول رسول بعثه الله تعالى بالإنذار وإهلاك قومه وآدم رسالته كانت بمنزلة التربية والإرشاد للأولاد أو أول من يبعث بعد الطوفان أو أنه خرج بقوله: "إلى أهل الأرض" فإنه لم يكن لها حينئذ أهل، اهـ، قاله الكرماني
(1)
وقال صاحب العلم المشهور في قوله: "أنت أول الرسل إلى أهل الأرض" لأن إدريس كان قبله نبيًّا ولم يكن رسولا وأنزل الله تعالى عليه ثلاثين صحيفة وكان شيث قبل إدريس نبيا ولم يكن رسولا وأنزل الله على آدم وعليه خمسين صحيفة فهو أول رسول بعث إلى كفار تلك الأرض يعني أرضه التي هو منها ولا خلاف بين العلماء أن شيث بن آدم [كان]
(2)
قبله وقبل أجداده وكان نبيا ولم يكن رسولًا لأن نوحًا عليه الصلاة وسلام هو ابن لابيخ بالخاء على نص التوراة وقال النيسابوري: اسم نوح عبد الغفار وإنما سمي نوحا لنوحه على ذنبه فأقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، اهـ.
وقال أبو عبد الله المازري: وقد ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح عليه السلام فإن قام دليل أن إدريس أرسل أيضا لم يصح قول النسابين أنه [قيل] نوح لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن آدم أن نوحا أول رسول بعث وإن لم يقم دليل جاز ما
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (13/ 234).
(2)
سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.
قالوه وصح أن يحمل أن إدريس كان نبيا غير مرسل. قال القاضي عياض
(1)
: وقد قيل أن إن إدريس هو إلياس وأنه كان نبيا في بني إسرائيل كما جاء [في بعض الأخبار] مع يوشع بن نون فإن كان [هذا] سقط الاعتراض. قال القاضي، وبمثل هذا يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما وإن كانا رسولين فإن آدم إنما أرسل لبنيه ولم يكونوا كفارا وإنما أمر بتعليمهم الإيمان وطاعة الله سبحانه وتعالى ولذلك خلفه شيث بعده فيهم بخلاف رسالة نوح عليه السلام فإنها إلى كفار أهل الأرض. قال القاضي عياض: وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم ليس برسول ليسلم من هذا الاعتراض. وحديث أبي ذر الطويل ينص على أن آدم وإدريس رسولان. هذا آخر كلام القاضي والله أعلم. قوله: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون فيقولون أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، فذكره إلى أن قال: وإني كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرها: نفسي نفسي نفسي.
قوله: "ثلاث كذبات" بفتح الكاف والذال جمع كذبة بفتح الكاف الواحدة من الكذب وإنما سمى هذا كذبا لكونها في الظاهر على خلاف باطنها. وفي حديث آخر: لم يكذب إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}
(2)
، وقوله:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}
(3)
،
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 576)، شرح النووي على مسلم (3/ 55).
(2)
سورة الصافات، الآية:89.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:63.
وواحدة في شأن سارة وهو قوله: إن سألك فأخبريه أنك أختي فإنك أختي في الإسلام. قال الإمام المازري: أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون منه سواء قليله وكثيره. قال القاضي عياض
(1)
: الصحيح أن الكذب فيما يتعلق بالبلاغ لا يتصور وقوعه منهم سواء جوزنا وقوع الصغائر منهم أم لا وسواء قل الكذب أم كثر لأن منصب النبوءة يرتفع عنه وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ثنتين في ذات الله تعالى وواحدة في شأن سارة، فمعناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع، وأما في نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين: أحدهما أنه ورّى بهذا فقال في سارة: أختي في الإسلام وهو صحيح في باطن الأمر.
والوجه الثاني أنه [لو]
(2)
كان كذبا لا تورية فيه لكان جائزًا في دفع الظالم، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة للإنسان ليأخذها غصبا وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به وهذا كذب جائز بل واجب لكونه في دفع الظالم فنبه صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في [مطلق] الكذب المذموم. قال الإمام المازري
(3)
وقد تأول بعضهم هذه الكلمات وأخرجها
(1)
شرح النووي على مسلم (15/ 124).
(2)
سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(3)
المعلم بفوائد مسلم (3/ 229).
عن كونها كذبا قال: ولا معنى لامتناع من إطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: أما إطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع لورود الحديث به، وأما تأويلها فصحيح لا مانع منه. قال العلماء: والواحدة التي في شأن سارة هي أيضا في ذات الله تعالى لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة، وقد جاء ذلك مفسرًا في غير مسلم فقال: ما فيها كذبة إلا عاجل بها عن الإسلام. أي يجادل ويدافع. قالوا: وانما خص الثنتين بأنهما في ذات الله، وذكروا في قوله:{إِنِّي سَقِيمٌ}
(1)
أي سأسقم لأن الإنسان عرضة للأسقام وقيل سقيم بما قدّر علي من الموت وقيل سقيم القلب بما [أشهده] من كفركم وقيل كانت الحمى تأخذه في ذلك الوقت وقيل أن ملكهم أرسل إليه أن غدا عيدنا اخرج معنا فأراد التخلف عنهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم لم يطلع قط إلا أسقم وأراد بذلك اعتذارا عن الخروج معهم إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم. والسُّقم والسَّقَم المرض. وأما قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}
(2)
الآية، فقال ابن قتيبة وطائفة جعل النطق [شرطا] لفعل كبيرهم أي فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون. قاله على طريق التبكيت. وأما قوله [صلى الله عليه وسلم] في شأن سارة: هي أختي [أعلم أن] أخوة الإسلام ليست كأخوة النسب والولادة كما قال إبراهيم عليه السلام للذي أراد أن يأخذ منه زوجته هي أختي يعني في الإيمان لأنه لم يكن أحد مؤمن غيرهما.
(1)
سورة الصافات، الآية:89.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:63.
تنبيه: قال بعض العلماء: قوله: هي أختي فقد بين أنه أراد أخوة الإسلام وعلى هذا إشكال ما زال يختلج في نفسي وهو أن يقال ما معنى توريته عن الزوجة بالأخت، ومعلوم أن ذكرها بالزوجة أسلم لها لأنه إذا قال هي أختي قال زوجنيها، فإذا قال امرأتي سكت هذا إذا كان الملك يعمل بالشرع، فأما إذا كان كما وصف من جوره ومد يده إليها ظلمًا فما يبالي [أكانت] زوجة أو أختا وما زلت أبحث عن هذا وأسأل فلم أجد أحدًا يشفي بجواب إلى أن وقع لي أن القوم كانوا على دين المجوس وفي دينهم أن الأخت إذا كانت زوجة كان أخوها الذي هو زوجها أحق بها من غيره فكأن الخليل عليه السلام أراد أن يستعصم من الجبار بذكر الشرع الذي يستعمله الجبار فإذا الجبار لا يراعي جانب دين فنظر الله عز وجل إلى خليله بلطفه فكف يد الفاجر وقد اعترض على هذا فقيل إنما جاء بمذهب المجوس زرادشت وهو متأخر عن زمان الخليل، فالجواب أن لمذهب القوم أصلا قديما فادعاه زرادشت وزاد عليه وقد كان نكاح [الأخوات] جائزا من زمن آدم.
وقيل إنما حرمه موسى عليه السلام ويدل على أن دين المجوس له أصل ما روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ومعلوم أن الجزية لا تؤخذ إلا ممن له كتاب أو [شبهة] كتاب ثم سألت عن هذا بعض علماء أهل الكتاب فقال كان من مذهب القوم أنه من كان له زوجة لا يجوز أن يتزوج بها إلا أن يقتل الزوج فعلم إبراهيم عليه السلام هذا فقال عن سارة أختي فكأنه يقول إن كان الملك عادلا فخطبها مني أمكنني منعه وإن كان ظالما
فأخذها خلصت من القتل، قاله عبد الرحمن بن علي، والله أعلم. وسارة هي زوجة إبراهيم الخليل وهي أم إسحاق وهو أصغر من إسماعيل بأربع عشرة سنة فبينما إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلًا فأتى الجبار فقيل له إنه نزل [ههنا] رجل معه امرأة هي من أحسن الناس. قال: فأرسل إليه فأرسل إليه فسأله عنها. فقال: إنها أختي. فلما رجع إليها فقال إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك فإنك أختي في كتاب الله فلا تكذبيني عنده. وساق الحديث، رواه البخاري ومسلم [وغيرهما] وقيل أن الجبار قصد أن يأخذ سارة منه ولم يتمكنا من دفعه فقامت تتوضأ وتصلي وقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلّط علي هذا الكافر، فذكرت القصة وقالت: كف الله يد الكافر وأعطاني خادما يعني هاجر جارية قبطية وهي أم إسماعيل عليه السلام.
[تنبيه]
(1)
: فإن قلت فما الفائدة في قوله في شأن سارة هي أختي إذ الظالم يريدها أختًا [أو] زوجة أو غيرهما. قلت: كان من عادة هذا الجبار أو من دينه لا يتعرض إلا لذوات الأزواج والله أعلم، قاله الكرماني
(2)
.
فائدة: وهذا الجبار اسمه صادوف، قال السهيلي في الروض الأنف، وكانت هاجر لملك الأردن واسمه صادوف فيما ذكر القتبي دفعها [إلى]
(1)
سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 70).
سارة حين أخذها من إبراهيم عجبًا منه [بجمالها] فصرع مكانه. وذكر الطبري أن الملك الذي أراد سارة هو سنان بن علوان وأنه أخو الضحاك، وفي كتاب التيجان لابن هشام أنه عمرو بن امرئ القيس بن نابليون بن [سبأ] وكان على مصر، اهـ. وقيل هو ملك حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبالنون، قاله الكرماني
(1)
.
قوله في الحديث: "اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته على الناس" فذكره إلى أن قال "وإني قد قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها نفسي نفسي نفسي". تقدم الكلام على كلام الله تعالى لموسى عليه السلام. وأما قتل النفس الذي لم يؤمر بقتلها فهو مذكور في سورة القصص. قوله في الحديث: "اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد" الحديث، تقدم الكلام على ذلك قريبًا، وكلمة الله وروحه [الإضافة] إلى تعالى لتعظيم المضاف وتشريفه كقولهم عبد الخليفة كذا.
قوله: "وكلمت الناس في المهد". قال في كتاب الكشاف عن النبي صلى الله عليه وسلم: تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة بنت فرعون وشاهد يوسف وفسر بأنه كان ابن خالة زليخا صبيًا في المهد وصاحب جريج وعيسى عليه الصلاة والسلام. قال ابن الجوزي: أخبرت نجت فرعون أباها بأن ماشطتها أسلصت فأمر بإلقائها وإلقاء أولادها في النار. فلما بلغت النوبة إلى آخر ولدها وكان
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 16).
مُرضَعا قال: اصبري يا أماه فإنك على الحق، فألقيت مع ولدها، اهـ، قاله الكرماني
(1)
.
قوله في الحديث: "اذهبوا إلى غيري" إلى أن قال: "فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي" الحديث. سؤال: لم سمى الله نبيه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؟ قيل: لأن الختم شرف الكتاب كذلك النبي صلى الله عليه وسلم شرف الخلق وأيضا الختم إذا وضع على الكتاب لا يقدر أحد على فكه فكذلك لا يقدر أحد أن يحيط بالقرآن دون محمد صلى الله عليه وسلم، اهـ.
فائدة: قوله صلى الله عليه وسلم: إن كل واحد من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقول: لست هناكم ولست لها، كما تقدم في الأحاديث. قال القاضي عياض
(2)
: هذا يقولونه تواضعا وإكبارا لما يُسألونه. قال: وقد يكون إشارة من كل واحد منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له بل لغيره، وكل واحد منهم يدل على الآخر حتى انتهى الأمر إلى صاحبه. قال: ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم مُعيِّنا وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال: وفيه تقديم ذوي الأسنان والآباء على الأبناء في الأمور التي لها بال. قال: وأما مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وإجابته لرغبتهم فلتحققه صلى الله عليه وسلم أن هذه الكرامة والمقام له صلى الله عليه وسلم خاصة، هذا كلام القاضي. والحكمة في أنّ الله سبحانه وتعالى ألهمهم
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 81).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 577)، شرح النووي على مسلم (3/ 56).
سؤال آدم ومن بعده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي والله سبحانه أعلم إظهار فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم لو سألوه ابتداء لكان يحتمل أن غيره يقدر على هذا ويُحصله وأما إذا سألوا غيره من رسل الله سبحانه وتعالى وأصفيائه فامتنعوا ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإدلال والأنس وفيه تفضيله صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقين من الرسل الآدميين والملائكة فإن هذا الأمر العظيم وهي الشفاعة العظمى لا يقدر على الإقدام عليه غيره صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. اهـ. قوله في الحديث: "فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب" الحديث.
قال أبو العباس القرطبي
(1)
: من لا حساب عليه يعني به والله أعلم السبعين ألفا الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. والباب الأيمن هو الذي عن يمين القاصد إلى الجنة [بعد] جواز الصراط [وكأنه] أفضل الأبواب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وهم شركاء الناس في سائر الأبواب" يحتمل أن يعود هذا الضمير إلى الذين لا حساب عليهم وهو الظاهر ويكون معناه أنهم يلجئون إلى الدخول من الباب الأيمن بل من أي باب شاءوا كما في حديث أبي بكر حيث قال: فهل على من دُعِي من تلك الأبواب من ضرورة فقال عليه [الصلاة و] السلام: لا، وأرجو أن تكون منهم، اهـ. فهذا يدل على أنه يشفع
(1)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 62).
فيما طلب من تعجيل حساب أهل الموقف فإنه لما أمرنا بإدخال من لا حساب عليه من أمته وغيرهم كان طلب هذه الشفاعة من الناس بإلهام من الله تعالى لهم حتى يظهر في ذلك اليوم مقام نبيه المحمود الذي وعده ولذلك قال كل نبي لست لها حتى انتهى الأمر إلى محمد صلى الله عليه وسلم. [قوله: "
…
"، هذا مما اختلف العلماء في معناه، قال القاضي رحمه الله
(1)
: لو قيل المتقدم ما كان قبل النبوة والمتأخر ما عصمته بعدها، وقيل المراد به ذنوب أمته صلى الله عليه وسلم.
قال النووي
(2)
: قلت: فعلى هذا يكون المراد الغفران لبعضهم أو سلامتهم من الخلود في النار. وقيل: المراد ما وقع منه صلى الله عليه وسلم عن سهو وتأويل، حكاه الطبري، واختاره القشيري. وقيل: ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك. وقيل: المراد أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب لو كان. وقيل: هو تنزيه له من الذنوب صلى الله تعالى عليه وسلم] قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر" أو قال: ما بين مكة وبُصرى، الحديث. المصراعان بكسر الميم جانبا الباب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة هي قاعدة البحرين.
قال النووي
(3)
: وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث القلتين وأما بصرى فبضم الباء مقصورة وهي مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 57).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 57).
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 69).
مراحل وهي بلد بمدينة حوران وبينها وبين مكة شهر وهي أول بلدان الشام فتوحا فتحت سنة ثلاث عشرة صلحًا.
5511 -
وَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَقُول إِبْرَاهِيم يَوْم الْقِيَامَة يَا رباه فَيَقُول الرب جلّ وَعلا يَا لبيكاه فَيَقُول إِبْرَاهِيم يَا رب حرقت بني فَيَقُول أخرجُوا من النَّار من كَانَ فِي قلبه ذرة أَو شعيرَة من إِيمَان رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَا أعلم فِي إِسْنَاده مطعنا
(1)
وروى الطَّبَرَانِيّ عَن زيد الرقاشِي عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يشفع الله تبارك وتعالى آدم يَوْم الْقِيَامَة من ذُريَّته فِي مائَة ألف ألف وَعشرَة آلَاف ألف
(2)
.
5512 -
وعن عبد الله بن شقيق قال جلست إلى قوم أنا رابعهم فقال أحدهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم قلنا سواك يا رسول الله قال سواي نعم فلما قام قلت من هذا قالوا ابن الجدعاء أو ابن أبي الجدعاء. رواه ابن حبان في صحيحه
(3)
(1)
أخرجه ابن حبان (7378).
وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3645).
ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 57 رقم 6840). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 381: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف. وقال الألباني منكر ضعيف الترغيب (2116). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(3)
صحيح ابن حبان (7376)، وأخرجه أحمد (15857) و (15858)، والترمذي (2607) وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وابن ماجه
(1)
إلا أنه قال عن شقيق عن عبد الله بن أبي الجدعاء.
قوله: "وعن عبد الله بن شقيق" هو أبو عبد الرحمن، عبد الله بن شقيق العقيلي البصري، من بني عقيل بن كعب. وهو من مشاهير التابعين وثقاتهم.
سمع عليا، وعثمان، وعائشة، ومن بعدهم. قوله:"قال جلست إلى قوم أنا رابعهم، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم. قلنا سواك يا رسول الله؟ قال: سواي". فذكره إلى أن قال: "فلما قام قلت: من هذا؟ قالوا: ابن الجدعاء أو ابن أبي الجدعاء" الحديث.
[بنو تميم اسم لقبيلة من قبائل العرب معروفة، وابن أبي الجدعاء هذا عبد الله كما ذكره ابن ماجه [التميمي] ويقال [الكتاني ويقال] العبدي له صحبة عداده من أهل البصرة. وقيل إنه عبد [الله بن أبي الحمساء] والصحيح أنه غيره ليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث عند الترمذي وابن ماجه، اهـ. قاله في الديباجة، [وإنما يعرف لعبد الله بن الجدعاء هذا الحديث، انتهى]، وقال صاحب التنقيح: بل له حديث آخر في فضائل النبي
(1)
سنن ابن ماجه (4316)، وأخرجه الطيالسي (1379)، وأحمد (15857) و (15858)، والبخاري في التاريخ (3/ 1/ 26)، والدارمي (2808)، وابن أبي عاصم، في "الآحاد والمثاني"(1222)، وابن خزيمة، في "التوحيد"(469 و 470)، والبيهقي، في "دلائل النبوة"(6/ 378)، وفي البعث والنشور (492)، ومعجم الصحابة للبغوي (4/ 134) 1653) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3646)، وصحيح الجامع الصغير (5364) والمشكاة 5601، الصحيحة (2178).
-صلى الله عليه وسلم. [وروى حديث الشفاعة هذا]
(1)
]
(2)
[ورواه] الحاكم وقال: صحيح الإسناد ورواه في دلائل النبوة وقال في آخره: قال عبد الوهاب الثقفي: قال هشام بن حسان كان الحسن يقول أنه [-أي الرجل الذي يشفع-]
(3)
أويس القرني. وروى ابن السماك أن الرجل المذكور عثمان بن عفان.
5513 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر فقال رجل يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر قال إنما أقول ما أقول. رواه أحمد
(4)
بإسناد جيد.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وروى ابن السماك أن الرجل المذكور عثمان بن عفان).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
مسند أحمد (22215)، وقال ابن حَجر في فَتح البَاري (13/ 94): أخرجه أحمد بسند حسن (أخرجه أحمد بن حنبل (5/ 257 و 261 و 267) وأحمد بن منيع في مسنده (إتحاف الخيرة المهرة (8/ 199) والطبراني في الكبير (7638) وفي مسند الشاميين (1079) والآجري في الشريعة (ص 351) واللالكائي في السنة (2078 و 2079).
وقال السيوطي في الحاوي (2/ 16): إسناده حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 381): رواه أحمد، والطبراني بأسانيد، ورجال أحمد، وأحد أسانيد الطبراني رجالهم رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ميسرة، وهو ثقة.
وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 199) رواه أحمد بن منيع وأحمد بن حنبل بسند واحد رواته ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3647)، وصحيح الجامع الصغير (5363)، والصحيحة (2178).
قوله: "وعن أبي أمامة" هو الباهي تقدمت ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيّين ربيعة ومضر" الحديث.
قال ابن السماك: فكان المشيخة يرون ذلك الرجل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وروى الإمام أحمد في الزهد
(1)
عن الحسن البصري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة بشفاعة رجل أكثر من ربيعة ومضر. قال الحسن: هو أويس القرني وهو منسوب إلى قَرَن بفتح الراء قبيلة من مراد [وقيل قبيلة من أشيم بن عدي].
وذكر القاضي عياض في كتابه الشفاء
(2)
عن كعب أن لكل رجل من الصحابة رضي الله عنهم شفاعة. [وذكر] ابن المبارك قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يُقال له صلة بن أشيم. يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا وكذلك أخرجه [أبو موسى].
وقال في أسد الغابة
(3)
[صِلَة هذا قتل بسجستان] سنة خمس وثلاثين وكان عمره ثلاثين ومائة سنة.
(1)
الزهد لأحمد بن حنبل (671).
(2)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 56).
(3)
أسد الغابة (3/ 35).
5514 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة. رواه البزار
(1)
ورواته رواة الصحيح.
قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة" الحديث. قال في حادي القلوب: ومما يجلبه الموت على الإسلام من المنافع أن يصير المؤمن شافعا لغيره وقد صح أن المؤمنين يشفعون يوم القيامة إلا أنهم مرتبون في الشفاعة بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإذا شفع الأنبياء شفع العلماء والشهداء والصديقون على ترتيب [نبيهم]
(2)
، أيضا وفي الحديث يشفع الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء. واعلم أن المؤمن يشفع على قدر عمله كما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال للرجل قم يا فلان فاشفع فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت وللرجل والرجلين على قدر عمله؛ ولقد أخبر [النبي]
(3)
صلى الله عليه وسلم أن في أمته من يشفع لأكثر من ربيعة ومضر وبيّن أنه عثمان بن عفان رضي الله عنه كما تقدم في الحديث قبله وكذا جاء في الحديث من طرق أن كل واحد من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب يشفع في سبعين ألفا وقد صح في السبعين ألفا الأولين أنهم لا يرقون ولا يسترقون ولا
(1)
مسند البزار = البحر الزخار (6921)، وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (إتحاف المهرة 751)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 382) رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3648).
(2)
في حاشية النسخة الهندية علّق على هذه الكلمة بقوله: (لعلّها: بينهم).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فإذا [ثبتت] الشفاعة في العدد الكثير لأرباب التوكل حتى أن المتوكل الموصوف بهذا الوصف يشفع في سبعين ألفا [فرُبّ ثبوت الشفاعة لغير المتوكلين من أرباب الأخلاق المرضية والأحوال السنيّة بالرضى والمحبة والأنس والمعرفة ونحو ذلك. ثم إن المتوكل الموصوف في الحديث يشفع في سبعين ألفًا]
(1)
كما [مقرر] فمن وجد منه التوكل إلا أنه دون المذكور في الحديث لا يكاد يخلو من الشفاعة في عدد يناسب مقدار توكله وهذا معنى ما تقدم من كون المؤمن يشفع على قدر عمله وعلى هذا فلا يكاد مؤمن يخلو من توكل يقع منه في عمره ولو مرة واحدة.
وبالجملة فالفضل الربّاني جزيل والمؤمن لا يخلو حاله إما أن يكون شافعا أو مشفوعا فيه أو متغمدا بالرحمة مُغاثا بالمغفرة فالحمد لله على ما منّ به من الإيمان وثمراته ونسأله أن يختِم لنا به ويثبتنا عليه ويحقق لنا حقائقه ويوفقنا للعمل بما يحققه ويتقبل منا بفضله وكرمه فابسط يا حبيبي أملك الحسن في رحمة الله تعالى فإنك لا تخيب مع وجود الشفاعات من الأنبياء والمرسلين وعلماء الدين والشهداء والصديقين والخواص الصالحين وعموم المؤمنين بل شفاعة سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لمغنية لنا بحمد الله تعالى عن شفاعة غيره، والظاهر أن [شفاعات] المؤمن إنما تكون [إظهارًا] لفخرهم ورفعا لقدرهم. فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم أولا الشفاعة العامة ثم غيرها من الشفاعات المهمات، ويشفع الأنبياء والرسل
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
عليهم الصلاة والسلام ثم يؤذن لمن سواهم من خواص المؤمنين ثم لمن دونهم من العوام في الشفاعة فإذا أخذوا نصيبهم من الشفاعات وظهرت مقاديرهم وتفضلاتهم شفع النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا فيمن بقي من العصاة على حسب ما يؤذن لي في ذلك ثم يخرج الله تبارك وتعالى بعد ذلك من النار من قال لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث، ويحثِي سبحانه ثلاث حثيات وهم قوم علم منهم الإيمان ولم يعملوا حسنة قط بحيث لا يوجد لهم شيء يبعث على شفاعة الشافعين. واعلم أن الشفاعات تقع في المذنبين بسبب خصال الخير وإن قلت حتى أن الرجل من أهل الجنة ليطلع على أهل النار فيناديه رجل من أهل النار هل تعرفني، فيقول: لا والله ما أعرفك، الحديث. وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى يغفر للعبد بالخصلة الواحدة من خصال الخير فمن حصلت له خصلة واحدة إن فاتته المغفرة ابتداء لم تفُته بواسطة الشفاعة [ولله سبحانه وتعالى الحمد والمنة]. اهـ.
5515 -
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوضع للأنبياء منابر من نور يجلسون عليها ويبقى منبري لا أجلس عليه أو قال لا أقعد عليه قائما بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول الله عز وجل يا محمد ما تريد أن أصنع بأمتك فأقول يا رب عجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمته ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي فما أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم إلى النار حتى إن مالكا خازن النار ليقول يا محمد ما
تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة. رواه الطبراني في الكبير
(1)
، والأوسط
(2)
والبيهقي في البعث
(3)
وليس في إسنادهما من ترك.
الصكاك جمع صك وهو الكتاب.
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (10/ 317/ 10771) وفي الأوسط (2937)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله (61)، وابن خزيمة في التوحيد (350: 3)، وابن عساكر (4/ 95) الحاكم في المستدرك (1/ 65) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد غير أن الشيخين لم يحتجا بمحمد بن ثابت البناني، وهو قليل الحديث يجمع حديثه، والحديث غريب في أخبار الشفاعة ولم يخرجاه. والحديث ضعفه عدد من الحفاظ منهم الحافظ العراقي، قال في المغني عن حمل الأسفار ج 2/ ص 1249 "الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن ثابت البناني ضعيف".
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 83): "هذا حديث غريب منكر تفرد به محمد بن ثابت أحد الضعفاء قال البخاري فيه نظر وقال يحيى بن معين ليس بشيء وروى له الترمذي وحده". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 380) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه محمد بن ثابت البناني، وهو ضعيف. بينما ذكره قال الحافظ في الفتح (11/ 438):"وفي حديث ابن عباس من رواية عبد الله بن الحارث عنه عند أحمد فيقول عز وجل: يا محمد ما تريد أن أصنع في أمتك فأقول يا رب عجل حسابهم وفي رواية عن بن عباس عند أحمد وأبي يعلى فأقول أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه نادى مناد أين محمد وأمته الحديث". ساكتا عليه.
قلت: لم أجده في المسند وفي الإتحاف (7/ 328) له عزاه لابن خزيمة والحاكم فقط وأحمد من شرطه فيه فلو كان موجودا فيه كان مما يستدرك عليه. ولم أجده كذلك في أطراف المسند. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5013)، وضعيف الترغيب والترهيب (2117).
(2)
في الأوسط (2937).
(3)
البعث والنشور للبيهقي (462).
قوله: "عن ابن عباس" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله تعالى عنه.
قوله: "يوضع للأنبياء منابر من نور يجلسون عليها ويبقى منبري لا أجلس عليه أو قال لا أقعد عليه قائما بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي من بعدي. فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول الله عز وجل: يا محمد ما تريد أن أصنع بأمتك؟ فيقول: يا رب عجل حسابهم" الحديث. وفيه: "فما أزال أشفع حتى أُعطى صكاكا برجال بعث بهم إلى النار" وفي آخره: "حتى أن مالكا خازن النار ليقول: يا محمد ما تركتَ لغضب ربك في أمتك من نقمة". الصكاك بكسر الصاد جمع صكّ وهو الكتاب، قاله الحافظ. وقال الجوهري: الصك بتشديد الكاف كتاب وهو فارسي معرب والجمع صِكاك وصُكوك، اهـ.
فائدة: وفي الحديث أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أمتي أمتي، وبكى. وفيه: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك فيهم، الحديث. أي لا نحزنك، هذا الحديث يشتمل على أنواع من الفوائد.
منها: البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها الله شرفا بما وعدها سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة [أو أرجاها] ومنها بيان عظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وعظيم لطفه عز وجل به صلى الله عليه وسلم والحكمة في إرسال جبريل صلى الله عليه وسلم لسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بالمحل الأعلى فيسترضى ويكرم بما يرضيه والله سبحانه أعلم. وهذا الحديث موافق لقوله سبحانه وتعالى:
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}
(1)
.
وأما قوله عز وجل: ولا نسوءك [فيهم]
(2)
، فقال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نخزيك لأن الإرضاء قد يحصل في البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار، فقال الله سبحانه نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع، والله أعلم، اهـ.
فإن قلت مقتضى سياق هذا الحديث أن لا يُعذب الله أحدا من هذه الأمة، وقد تقرر أنه لا بد أن يدخل بعض العصاة النار.
فالجواب من وجوه منها: أنهم يحصل لهم اللطف في القضاء فيكون من الله في حق الأمة اللطف فيما وجب من القضاء وتخفيف ما لا بد لهم منه من البلاء. ومنها أنه يحتمل أيضًا أنه لولا الشفاعة لكان عذابهم يشبه عذاب عصاة الكفار ولكن الله تعالى خفف عنهم حتى إذا استوجب شارب الخمر المؤمن مثلًا والعياذ بالله التعذيب بالنار لا يبلغ عذابه بها مبلغ تعذيب شارب الخمر الكافر. ومنها أنه يحتمل أيضا أن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أفاد عدم خلودهم في النار كالكفار وكل هذه الوجوه راجعة إلى التخفيف ولا شك فيه. وقال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}
(3)
الآية، وإرادة التخفيف في الآية عامة وإن كان السبب خاصًّا، ولقد كان بعض الأولياء
(1)
سورة الضحى، الآية:5.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سورة النساء، الآية:28.
يحلف بالله تعالى أن النار على عصاة المؤمنين كماء الحمّام وكلامه محمول على ثبوت مناسبة الكرب الحاصل من جهنم على المؤمن من الكرب الحاصل لداخل الحمام عند استعماله لما يحتاج إليه من مائه، والله أعلم. ومنها أنه يحتمل أيضا أن المشفوع لهم هم الذين لم تقدح معاصيهم في عقائدهم ومما قد يدل عليه من قوله صلى الله عليه وسلم: ما عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار، ونظائر ذلك بما تقدم ويكون المعذبون من عصاة هذه الأمة في النار أهل البدع والقوادح في العقائد التي لم تبلغ حد الكفر الشرعي والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر لكن لهذه الأمة عناية من الله سبحانه وتعالى وللإيمان بالله أثر ظاهر في الحماية من العذاب، ففي رواية أن هذه الأمة أمة مرحومة عذابها بأيديها فإذا كان يوم القيامة دُفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال هذا فداؤك من النار فإذا فُدِي المسلم من النار [وجبت] له الجنة فأي خير يفوته وأي فضل يتجاوزه، اهـ. قاله في حادي القلوب.
5516 -
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أشفع لأمتي حتى يناديني ربي تبارك وتعالى فيقول أقد رضيت يا محمد فأقول إي رب قد رضيت. رواه البزار
(1)
والطبراني
(2)
وإسناده حسن إن شاء الله.
(1)
مسند البزار = البحر الزخار (638).
(2)
المعجم الأوسط (2062) ابن خزيمة في التوحيد (2/ 673)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 179)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 377): رواه البزار، والطبراني في =
قوله: "وعن علي بن أبي طالب" تقدمت مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أزال أشفع لأمتي حتى يناديني ربي فيقول: أقد رضيت يا محمد؟ فأقول: أي رب رضيت"، وفي حديث آخر: أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أجعل أمر أمتك بيدك. قال يا رب أنت خير لهم مني، فأوحى الله تعالى إليه: إذا لا أخزيك فيهم. قاله في تهذيب النفوس.
5517 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ
(1)
وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جَابر
(2)
.
5518 -
وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خيرت بَين الشَّفَاعَة أَو يدْخل نصف أمتِي الْجنَّة فاخترت الشَّفَاعَة لِأَنَّهَا أَعم وأكفى أما إِنَّهَا لَيست
= الأوسط، وفيه محمد بن أحمد بن زيد المداري، ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2118)، السلسلة الضعيفة (6703).
(1)
أخرجه ابن ماجه (4310)، وأبو داود (4739)، والترمذي (2435)، والبزار (6963)، وابن حبان (6468)، والطبراني (4/ 43 رقم 3566) و (8/ 241 رقم 8519) والصغير (1/ 272 رقم 448) والكبير (1/ 258 رقم 749)، والبيهقي في الاعتقاد (ص 202) والكبرى (8/ 32 رقم 15838) و (10/ 320 رقم 20774) والشعب (1/ 489 رقم 305). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3649). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(2)
أخرجه الترمذي (2436)، وابن حبان (6467)، والبيهقي في البعث (1) والشعب (1/ 490 رقم 306). وصححه الألباني في المشكاة (5599)، الروض (45 و 65)، الظلال (830 - 832) وصحيح الترغيب (3650). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
للْمُؤْمِنين الْمُتَقَدِّمين وَلكنهَا للمذنبين الْخَطَّائِينَ المتلوثين رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَإِسْنَاده جيد
(1)
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ بِنَحْوِهِ
(2)
.
قَالَ الْحَافِظ: وَتقدم فِي الْجِهَاد أَحَادِيث فِي شَفَاعَة الشُّهَدَاء وَأَحَادِيث الشَّفَاعَة كَثِيرَة وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ غنية عَن سائرها وَالله الْمُوفق.
* * *
(1)
أخرجه أحمد 2/ 75 (5452)، وابن أبي عاصم في السنة (791)؛ والطبراني في الكبير (13/ 191 - 192 رقم 13900). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 378: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: أما إنها ليست للمؤمنين المتقين، ولكنها للمذنبين الخاطئين المتلوثين. ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد، وهو ثقة! وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (2119). ولم يدرج الشارح تحته شرحًا.
(2)
أخرجه ابن ماجه (4311). وضعفه الألباني في الضعيفة (3585) وضعيف الترغيب (2119). ولم يدرج الشارح تحته شرحًا.