الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْهِيب من الْمُرُور بقبور الظَّالِمين وديارهم ومصارعهم مَعَ الْغَفْلَة عَمَّا أَصَابَهُم وَبَعض مَا جَاءَ فِي عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وسؤال مُنكر وَنَكير عليهما السلام
[5382]
عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لأصْحَابه يَعْنِي لما وصلوا الْحجر ديار ثَمُود لَا تدْخلُوا على هَؤُلاءِ الْمُعَذَّبين إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِن لم تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِم لَا يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(1)
.
[5383]
وَفِي رِوَايَة قَالَ لما مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْحجرِ قَالَ لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم أَن يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ ثمَّ قنع رَأسه وأسرع السّير حَتَّى أجَاز الْوَادي
(2)
قوله: "عن ابن عمر" المراد بابن عمر عبد الله بن عمر بن الخطاب، تقدم الكلام على مناقبه في أولى هذا التعليق.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه" يعني لما وصلوا الحجر ديار ثمود "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين" الحديث، الحجر بكسر الحاء اسم لأرض ثمود أي بلاد ثمود قوم صالح عليه السلام. قال أبو عمرو بن العلاء سميت ثمود لقلة مائها، والثمد الماء القليل، [وكان] مساكن ثمود
(1)
أخرجه البخاري (433) و (3380 و 3381) و (4420) و (4702)، ومسلم (38 و 39 - 2980).
(2)
صحيح البخاري (4419).
[الحجر بين] الحجاز والشام عند وادي القرى
(1)
وكانوا عربا وكان صالح صلى الله عليه وسلم من أفضلهم نسبهم فبعثه الله تعالى إليهم رسولا وهو شاب فدعاهم حتى شمط ولم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون ولما طال دعاؤه اقترحوا أن يخرج إليهم الناقة آية فكان من أمرها وأمرهم ما ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز
(2)
. قال: قالوا: وكان عقر الناقة يوم الأربعاء وانتقل صالح عليه السلام بعد هلاك قومه إلى الشام بمن أسلم معه فنزلوا رملة فلسطين ثم انتقل إلى مكة فتوفي بها صالح عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان أقام في قومه عشرين سنة
(3)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، الحديث. المعذبين بفتح الذال المعجمة يعني ديار هؤلاء وهم أصحاب الحجر قوم ثمود وأمثالهم
(4)
المعذبون بعذاب الصيحة وهلاكهم بها دفعة واحدة
(5)
.
قوله: "إلا أن تكونوا باكين" استثناء من عامة أحوال [المخاطبين] أي لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا في حال من الأحوال إلا في حال البكاء، خشي صلى الله عليه وسلم على أصحابه رضي الله عنهم أن يجتازوا على تلك الديار غير
(1)
تفسير الثعلبى (4/ 251)، والتفسير الوسيط (2/ 580)، وتفسير البغوى (2/ 206)، وبصائر ذوى التمييز (6/ 99).
(2)
بصائر ذوى التمييز (6/ 99).
(3)
بصائر ذوى التمييز (6/ 99).
(4)
الكواكب الدرارى (4/ 94).
(5)
الكواكب الدرارى (16/ 230).
متّعظين بما أصاب أهل تلك الديار وقد أمرهم الله تعالى بالانتباه والاعتبار في مثل تلك المواطن
(1)
.
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله
(2)
: معنى الحديث أن الداخل في ديار قوم أهلكوا بخسف أو عذاب إذا لم يكن باكيا إما شفقة عليهم وإما خوفا من حلول مثلها به فهو قاسي القلب قليل الخشوع غير مستشعر للخوف والوجل فلا يأمن إذا كان هذا حاله أن يصيبه ما أصابهم، اهـ.
قال الكرماني
(3)
: وفي هذا الحديث دلالة على أن ديار هؤلاء لا تُسكن بعدهم ولا تتّخذ وطنا لأن المقيم المستوطن لا يمكنه أن يكون دهره باكيا أبدا، وقد نهي أن يدخل دورهم إلا بهذه الصفة، وفيه المنع من المقام بها والاستيطان، اهـ.
قال ابن بطال شارح البخاري رحمه الله تعالى
(4)
: هذا إنما هو من جهة التشاؤم بالبقعة التي نزل بها السخط، يدل عليه قوله تعالى:{وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}
(5)
الآية، في مقام التوبيخ على السكون فيها، فيها، وقد تشاءم صلى الله عليه وسلم بالبقعة التي نام فيها عن الصلاة ورحل عنها ثم صلى
(1)
الميسر (3/ 1094)، وشرح المصابيح (5/ 358) لابن ملك.
(2)
أعلام الحديث (1/ 394).
(3)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 95).
(4)
شرح الصحيح (2/ 87) لابن بطال، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 95).
(5)
سورة إبراهيم، الآية:45.
فكراهة الصلاة في موضع الخسف أولى إلا أن إباحته صلى الله عليه وسلم الدخول فيها على وجه البكاء والاعتبار يدل أن من صلى هناك لا تفسد صلاته لأن الصلاة موضع بكاء واعتبار، وزعم الظاهرية أن من صلى في بلاد ثمود وهو غير باك فعليه سجود السهو إن كان ساهيا وإن تعمد ذلك بطلت صلاته، اهـ.
وقال النووي في شرح مسلم
(1)
في هذا الحديث: الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين ومواضع العذاب ومثله الإسراع في وادي محسّر لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء والاعتبار بهم ومصارعهم وأن يستعيذ بالله من ذلك.
[قوله: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، نبّه صلى الله عليه وسلم على أن الإنسان لا ينبغي له السكنى في أماكن الظلمة مخافة أن يصيبهم بلاء فيصاب به أو تسرق طباعه من طباعهم ولو كانت خالية منهم لأن آثارهم مُذكِّرة بأحوالهم وربما أورثت قسوة وجبروتا في قلوبهم]
(2)
.
[فائدة: بعث الله صالح بن عبيد بن أسد بن أرم بن سام بن نوح إلى قومه وهم [ثمود] بن [عاثر] بن أرم، قال وهب بن منبه بعثه الله حين راهق الحلم وكان يمشي حافيا ولا يتخذ حذاء
(3)
. وقال ابن مسعود: بُعث وله أربعون سنة ولم يبدث نبي إلا بعد الأربعين، وكانت آيته ناقة خرجت من هضبة من
(1)
شرح النووي على مسلم (18/ 111).
(2)
سقطت هذه الفقرة من النسخة الهندية.
(3)
كنز الدرر (2/ 209).
الأرض يتبعها فصيل لها وكانت تنفجح لهم فيحلبون ريّهم وتشرب ذلك اليوم جميع مياههم وهم يشربون الماء في اليوم الثاني ولا تأتهم فلما طال عليهم أمرها ملّوها فاجتمع تسعة رهط من شرارهم على عقرها
(1)
]
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم" الحديث، كونهم ظلموا أنفسهم هو أنهم كذبوا نبيهم صالح بن عبيد عليه الصلاة والسلام، [وعقروا] ناقته.
قوله في الرواية الأخرى: "لا يصيبكم" بالرفع لأنه استئناف كلام وقوله في الرواية الثانية: "أن يصيبكم ما أصابهم" هو بفتح الهمزة من أن أي خشية أن يصحيبكم أو حذر أن يصيبكم كما صرح بذلك في بعض الروايات، وكان هذا في غزوة تبوك، قاله النووي
(3)
.
قوله: "ثم قنّع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" الحديث، أي رفع رأسه إلى السماء حيرة وتعوذا مما جرى عليهم. قال بعض العلماء: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أخذ قناعا على رأسه أي ستره بقناع شبه الطيلسان ويجوز أن يكون مبالغة من الإقناع أي أطرق رأسه فلم يلتفت في كلتا الحالتين يمينا ولا شمالا لئلا يقع بصره عليها
(4)
، والله أعلم.
(1)
كنز الدرر (2/ 209).
(2)
حصل تقديم لهذه الفقرة في النسخة الهندية وأدرجت قبل قوله: (قوله: (إلا أن تكونوا باكين) استثناء من عامة أحوال).
(3)
شرح النووي على مسلم (18/ 111).
(4)
الميسر (3/ 1095).
[5384]
عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن يَهُودِيَّة دخلت عَلَيْهَا فَذكرت عَذَاب الْقَبْر فَقَالَت لَهَا أَعَاذَك الله من عَذَاب الْقَبْر قَالَت عَائِشَة فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن عَذَاب الْقَبْر. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها.
قوله: "إن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت أعاذك الله من عذاب القبر. قالت عائشة: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال نعم، عذاب القبر حق" الحديث، قاله الكرماني
(3)
.
قال النووي
(4)
: [مذهب] أهل السنة إثبات عذاب القبر لأن العقل لا والشرع ورد به فوجب قبوله ولا يمنع منه تفرق الأجزاء. فإن قلت: نحن نشاهد الميت على حاله فكيف يُسأل ويقعد ويُضرب، فالجواب أنه غير ممتنع كالنائم فإنه يجد ألما ولذة ونحن لا نحسّه وكذا كان جبريل عليه الصلاة والسلام يتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركه الحاضرون. وأما الإقعاد فيحتمل أن يكون مختصا بالقبر ولا امتناع في أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب بالمطرقة، اهـ. وقد صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر على الجملة [ولا] مطعن فيها ولا معارض لها. وجاء في الآثار أن الكافر
(1)
صحيح البخاري (1049).
(2)
صحيح مسلم (8)(903).
(3)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 118).
(4)
شرح النووى على مسلم (17/ 200 - 201).
يفتن في قبره ويسأل ويهان ويعذب. قال أبو محمد عبد الحق الإشبيلي في العاقبة
(1)
: واعلم أن عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين ولا موقوفًا على المنافقين بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله وما استوجب من خطئيته وزلله وإن كانت تلك النصوص المتقدمة في عذاب القبر في الكافر والمنافق وعذاب المؤمن لا يكون كعذاب الكافر والحمد للّه قد يكون عذاب المؤمن في ضمة القبر أو ضيقه أو صعوبة مثظره أو بما يصيبه من الروعات عند [مشاهدته] تلك الزلات.
قوله: قالت يعني عائشة: "فما رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر" الحديث. [التعوذ طلب الدفع من الشيء مخافة الوقوع فيه]، وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ باللّه من أربع وذكر منها: عذاب القبر. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو به، ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم معصوم مما ذكر فيه من الفتنة وعذاب القبر ولكنه دعا به لأمرين: أحدهما إظهار العبودية والتذلل والإذعان لقضاء اللّه تعالى وقدره. والثاني: ليُشرِّع صلى الله عليه وسلم ذلك لأمته حتى يقتدوا به فإنهم إذا علموا أن المعصوم صلى الله عليه وسلم يدعو به فالمعرض له أولى بذلك
(2)
. وقد ورد في عذاب القبر أحاديث منها: الضرب إما بمطارق من حديد أو غيره لما روي عن أبي أمامة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين فقال: [أو دفنتم] هاهنا فلانًا وفلانة أو فلانًا وفلانا.
(1)
العاقبة في ذكر الموت (ص: 246).
(2)
شرح الصحيح (3/ 364 - 365).
قالوا نعم. فقال: قد أقعد فلان الآن يضرب. ثم قال: والذي نفسي بيده لقد ضرب ضربة ما بقي منه عضو إلا انقطع ولقد تطاير [نارا]
(1)
، ومنها تسليط العقارب والحيات عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: والذي نفسي بيده ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا
(2)
، وسيأتي الكلام على التنين [قريبا]، ومنها رض رأس الميت بحجر أو [بشق] شدقه ونحو ذلك. وقد ورد ذلك في حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الصلاة مطولا
(3)
. ومنها: ضيق القبر على الميت حتى تختلف فيه أضلاعه، وقد سبق ذلك في أحاديث متعددة. ومنها ما خرج الخلال بإسناد ضعيف عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكافر:"يضيق عليه قبره حتى يخرج دماغه من بين أظفاره ولحمه". وقد ورد ما يدلّ على أن التضييق عام للمؤمن والكافر وصرح بذلك طائفة من العُلماء منهم ابن بطة وغيره فروى شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا منها سعد بن معاذ" وخرجه الإمام أحمد
(4)
.
(1)
أخرجه الطبرى في صريح السنة (40). قال ابن رجب في أهوال القبور: وفي هذا الإسناد ضعف. وضعفه الألبانى في ضعيف الترغيب (1693).
(2)
أخرجه أحمد 3/ 38 (11334)، وعبد بن حميد (929)، وأبو يعلى (1329)، وابن حبان (3121) عن أبي سعيد. قال الهيثمى في المجمع 3/ 55: رواه أحمد، وأبو يعلى موقوفًا، وفيه دراج، وفيه كلام وقد وثق.
(3)
أخرجه البخاري (1386).
(4)
ما سبق ذكره ابن رجب في أهوال القبور (ص 52 - 56) باختصار. والحديث أخرجه =
تتمة: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟ والجواب: أنه نوعان نوع دائم بدليل قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}
(1)
، وفي حديث البخاري
(2)
عن جابر بن سمرة في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يشدخ رأسه بحجر والذي يشد شدقه إلى قفاه، وفيه: فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة. وفي حديث العبَّاس
(3)
في حديثي القبر: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا [فجعل] التخفيف [قيد المدة] رطوبتهما فقط. وفي الصحيح
(4)
في قصة الذي لبس بُردين وجعل يمشي ويتبختر فخسف اللّه به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة والنوع التاني إلى مدّة تنقطع وهو بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه كما يعذب في النار مدّة ثم يزول عنه العذاب وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء أو صدقة واستغفار أو ثواب [حج أو عمرة] تصل إليه من بعض [أقاربه] أو غيرهم [وهذا] كما يشفع الشافع في المعذب في الدنيا فيخلصمن العذاب بشفاعته، وقد روى ابن أبي الدنيا
(5)
عن محمد بن موسى الصائغ عن عبد اللّه بن نافع قال: مات رجل من أهل المدينة فرآه رجل كأنه من أهل النار فاغتم لذلك ثم
= أحمد 6/ 55 (24283) و 6/ 98 (24663)، وابن حبان (3112). وصححه الألبانى في الصحيحة (1695).
(1)
سورة غافر، الآية:46.
(2)
صحيح البخاري (1386).
(3)
صحيح البخاري (218)، وصحيح مسلم (111)(292).
(4)
صحيح مسلم (50)(2588).
(5)
القبور لابن أبي الدنيا (139).
أنه بعد سابعة أو ثامنة رآه كأنه من أهل الجنة فقال: [لم أتكن قلت أنك] من أهل النار؟ قال: قد كان [كذلك] إلا أنه دفن عندنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه فكنت منهم.
قال ابن أبي الدنيا
(1)
: وحدّثني أحمد بن يحيى قال: حدّثني بعض أصحابنا قال: مات أخ لي فرأيته في المنام فقلت: ما كان حالك حين وضعت في قبرك؟ قال: أتاني آت بشهاب من نار فلولا أن داعيا دعا لي لرأيت أنه سيضربني به. وقال [عمرو] بن جرير: إذا دعا العبد لأخيه الميت أتى بها ملك إلى قبره فقال: يا صاحب القبر الغريب هذه هدية من أخ عليك شفيق
(2)
. قال ابن أبي الدنيا: وحدثني عبد اللّه بن بجير قال حدّثني بعض أصحابنا قال: رأيتُ أخا لي في النوم بعد موته فقلت: أيصل إليكم دعاء الأحياء، قال: إي واللّه، انتهى
(3)
:
5385 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمَوْتَى ليعذبون فِي قُبُورهم حَتَّى إِن الْبَهَائِم لتسمع أَصْوَاتهم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسنرواه الطبراني في الكبير
(4)
بإسناد حسن.
قوله: "وعن ابن مسعود" تقدم الكلام على مناقبه.
(1)
أهوال القبور (ص: 16).
(2)
الروح (ص 90)، وأهوال القبور (ص 134).
(3)
ما سبق ذكره ابن القيم في الروح (ص 89 - 90)، وابن رجب في أهوال القبور (ص: 133).
(4)
المعجم الكبير للطبراني (10/ 200/ 10459)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 56) رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1965)، والصحيحة (1377).
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الموتى ليعذبون في قبورهم" الحديث. والعذاب هو العقوبة وإنما لم يسمعه من يعقل من الجن والإنس لقوله في الحديث الآخر: لولا أن تدافنوا لدعوت اللّه أن يسمعكم عذاب القبر، وسيأتي الحديث بعد [فكتمه] اللّه سبحانه وتعالى عنا حتى نتدافن بحكمته الإلهية ولطائفه الربانية لغلبة الخوف عند سماعه فلا يقدر على القرب من القبر [للدفن] أو يهلك الحي عند سماعه إذ لا يُطاق سماع شيء من عذاب اللّه في هذه الدار لضعف هذه القوى ألا ترى أنه إذا سمع الناس صوت صعقة الرعد القاصف أو [الزلازل] الهائلة هلك كثير من الناس وأين صعقة الرعد من صيحة الذي تضربه الملائكة بمطارق الحديد التي يسمعها كلّ من يليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الجنازة: لو سمعها إنسان لصعق. قلت: هذا وهو على رؤوس الرجال من غير ضرب ولا هوان فكيف إذا حل به الخزي والنكال واشتد عليه العذاب والوبال فنسأل اللّه تعالى معافاته ومغفرته وعفوه ورحمته بمنه وكرمه. قاله القرطبي في التذكرة.
(1)
قوله صلى الله عليه وسلم: حتى أن البهائم لتسمع أصواتهم، الحديث.
فائدة: قال بعض أهل العلم، ولهذا السبب [تذهب] الناس بدوابهم إذا مغِلتْ إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين. قالوا: فإذا سمعتُ الخيل عذاب القبر أحدّث ذلك فزعا وحرارة تذهب المغل
(2)
.
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 408).
(2)
الروح (ص 53).
وقد قال عبد الحق الإشبيلي
(1)
: حدّثني الفقيه أبو الحكم بن برجان وكان من أهل العلم والعمل أنهم دفنوا ميتا بقريتهم في شرف إشبيلية فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدّثون ودابة ترعى قريبا منهم فإذا بالدابة أقبلت مسرعة إلى القبر فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع ثم ولّت فارة فعلت ذلك مرة بعد أخرى. قال أبو الحكم فذكرت عذاب القبر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم، ثم ذكر لنا هذه الحكاية ونحن نسمع عليه في كتاب مسلم لما انتهى القارئ إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم ليعذبون عذبا تسمعه البهائم، وهذا السماع واقع على أصوات المعذبين، اهـ. ذكره ابن قيم الجوزية في كتاب الروح.
(2)
[5386]
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْلا أَن لا تدافنوا لَدَعَوْت اللّه أَن يسمعكم عَذَاب الْقَبْر رَوَاهُ مسلم.
(3)
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن [لا] تدافنوا لدعوت اللّه أن يُسمعكم عذاب القبر، الحديث فيه إطلاع اللّه تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام على ما شاء من الغيب ومعنى الحديث أن لا يدفن بعضكم بعضا لما تشاهدونه من الهول العظيم وقيل لموتكم أجمعين من شدة سماع العذاب فلا تجدون من
(1)
العاقبة في ذكر الموت (ص: 247).
(2)
الروح (ص: 53).
(3)
صحيح مسلم (68)(2868).
يدفنكم وقيل معناه أي لولا مخافة عدم دفنكم الموتى والمعنى السابق إلى الفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن لا تدافنوا، [إلى آخره] هو أنهم لو سمعوا ذلك لتركوا التدافن حذرا من عذاب القبر، وفي هذا المعنى نظر لأن المؤمن لا يليق به ذلك، بل يجب عليه أن يعتقد أن اللّه تعالى إذا أراد تعذيب أحد عذبه ولو في بطن الحيتان وإنما المعنى في ذلك هو أن الناس لو سمعوا ذلك لأهم كلّ واحد خُوَيصة نفسه حتى أفضى بهم إلى ترك التدافن أو أنهم لو سمعوا صياح المعذبين لكان فيهم من [تحمله] العصبية وخوف الفضيحة في ذويه وقرابته على أن ينبذهم بالعراء لئلا يخبر عن حالهم مخبر كذا في الميسّر في شرح مشارق الأنوار
(1)
.
[5387]
وَعَن هانئ مولى عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ كَانَ عُثْمَان رضي الله عنه إِذا وقف على قبر يبكي حَتَّى يبل لحيته فَقيل لَهُ تذكر الْجنَّة وَالنَّار فَلَا تبْكي وتذكر الْقَبْر فتبكي فَقَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول الْقَبْر أول منزل من منَازِل الآخِرَة فَإِن نجا مِنْهُ فَمَا بعده أيسر وَإِن لم ينج مِنْهُ فَمَا بعده أَشد قَالَ وَسمعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا رَأَيْت منْظرًا قطّ إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَزَاد رزين فِيهِ مِمَّا لم أره فِي شَيْء من نسخ التِّرْمِذِيّ قَالَ هانئ وَسمعت عُثْمَان ينشد على قبر فَإِن تنج مِنْهَا تنج من ذِي عَظِيمَة وَإِلَا فَإِنِّي لَا أخالك.
(1)
الميسر (1/ 72 - 73).
قوله: "وعن هانئ مولى عثمان بن عفان" المولى له معان متعددة لكن المراد به هاهنا العتيق ليناسب العبد. فإن قلت المولى جاء بمعنى المعتق والعتيق وابن العم والناصر والجار والحليف لا بمعنى السيد. قلت: جاء أيضًا بمعنى الولي والمتصرف في الْأَمر والموالي العبيد لأن الصحابة كانوا استرقوا طائفة من العجم فصاروا عبيدا، وتقدّم الكلام على مناقب عثمان بن عفان، وعفان يحتمل الصرف وعدمه، قاله الكرماني.
(1)
قوله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتُ منظرا قط إلا والقبر أفظع منه، [أفظع بمعنى أشنع،] والفظيع الشنيع الشديد المجاوز المقدار. قال الخطابي
(2)
وهو يحتمل وجهين أن يكون بمعنى الفظيع كأنه قال لم أر منظرا [قط]
(3)
فظيعا كاليوم قط، اهـ.
والقبر واحد القبور في الكثرة وأقبر في القلة واختلفوا في أول من سنّ القبر فقيل الغراب لما قتل قابيل هابيل وقيل بنو إسرائيل وليس بشيء، وقيل: كان قابيل يعرف الدفن ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافا به فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليدفنه فقال عند ذلك: {يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}
(4)
، الآية، وعلى هذا لم يكن ندمه ذاك توبة بل ندم على فقده لا
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (3/ 105).
(2)
أعلام الحديث (1/ 392)، والكواكب الدرارى (4/ 93).
(3)
سقطت هذه اللفظة من النسخة الهندية.
(4)
سورة المائدة، الآية:31.
على قتله فكان [دفن] قابيل لهابيل سنة باقية في بني آدم وفي التنزيل {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)}
(1)
أي جعل له قبرا يوارى فيه إكراما له ولم يجعله مما [يلقى علي] وجه الأرض تأكله الطير والوحش والسباع
(2)
، وللّه در القائل:
ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا
…
والقوم حولك يضحكون سرورا
فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا
…
في يوم موتك ضاحكا مسرورا
(3)
وكان يزيد الرقاشي يقول: أيها المقبور في حفرته المختلى في القبر بوحدته المستأنس في بطن الأرض بأعماله المتباعد عن آماله وأمواله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت وبأي أقوالك اغتبطت ثم يبكي، وكان إذا نظر إلى القبر بكى كما يخار الثور، اهـ
(4)
.
قول عثمان رضي الله عنه في البيت الذي ذكره: وإلا فإني لا إخالك ناجيا، ومعنى إخالك أظنك. قال الجوهري: إخالك بكسر الهمزة هو الأفصح وبنو أسد يقولون أخالك بالفتح وهو القياس
(5)
، اهـ.
وقال ابن الأثير في النهاية
(6)
: يقال خلت إخال بالكسر والفتح والكسر أفصح وأكثر استعمالًا.
(1)
سورة عبس، الآية:21.
(2)
التذكرة (ص 302 - 303).
(3)
التذكرة (ص 307).
(4)
التذكرة (ص 308).
(5)
الصحاح (4/ 1692).
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 93).
[5388]
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أحدكم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار فَيُقَال هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك اللّه يَوْم الْقِيَامَة رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
والترمذي
(3)
والنسائي
(4)
وأبو داود
(5)
دون قوله: قوله: فيقال إلى آخره.
قوله: "وعن ابن عمر" تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي" الحديث [في التنزيل حق الكافرين {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}
(6)
فأخبر اللّه تعالى أن الكافرين يعرضون على النار كما أن أهل السعادة يعرضون على الجنان للخبر الصحيح في ذلك]
(7)
معناه إن كان من أهل الجنة فيعرض عليه مقعد من مقاعد أهل الجنة. قال القرطبي في
(1)
صحيح البخاري (1379).
(2)
صحيح مسلم (65)(2866).
(3)
سنن الترمذي (1072) وقال: وهذا حديث حسن صحيح.
(4)
سنن النسائي (4/ 107).
(5)
لم أجده. ولعله وهم منه.
(6)
سورة غافر، الآية:46.
(7)
وقع تأخير هذه الفقرة من النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(والأرواح المنعمة مشغولة بما هي فيه، وقد ذهب إلى ذلك طوائف من الناس والمشهور أخلافه]، اهـ، قاله ابن حجر).
شرحه هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن غير الشهداء فإنه قد تقدم أن أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة وتأكل من ثمارها وغير الشهداء إما مؤمن وإما غير مؤمن وهو الكافر، فهذا يرى مقعده من النار غدوا وعشيا، وهذا هو المعنيّ بقوله تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}
(1)
الآية، وأما المؤمن المؤاخذ بالذنب فله مقعدان مقعد في النار زمن تعذيبه ومقعد في الجنة بعد إخراجه، فهذا يقتضي أن يعرضا عليه بالغداة والعشي إلا إذا قلنا أنه أراد بأهل الجنة كلّ من يدخلها كيف ما كان فلا يحتاج إلى ذلك التفسير وهذا الحديث وما في معناه يدلّ على أن الميت ليس بعدم وإنما هو انتقال من حال إلى حال ومفارقة الروح البدن ويجوز أن يكون هذا العرض [على الروح وحده وأن تكون]
(2)
على الروح مع جزء من البدن والغداة والعشي إنما هو بالنسبة إلى الحي لا بالنسبة إلى الميت إذ لا يتصور في حقه شيء من ذلك
(3)
واللّه أعلم، اهـ، قاله في الديباجة.
وقال بعض العُلماء: هذا الحديث يدلّ على أن [الأرواح] ليست في الجنة وإنما تعرض عليها بكرة وعشيا [وكذا ذكر ابن عطية وغيره]
(4)
، وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين: أحدهما: أنه يحتمل أن يكون العرض بكرة وعشيا
(1)
سورة غافر، الآية:46.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
التذكرة (ص 426 - 427).
(4)
سقط هذه العبارة من النسخة الهندية.
على الروح المتصلة بالبدن، فالروح وحدها في الجنة فيكون [الإشارة] والتخويف للجسد في هاتين الوقتين باتصال الروح به، وأما الروح فيه أبدًا في تنعم أو عذاب، والوجه الثاني أن الذي يعرض بالغداة والعشي هو مسكن ابن آدم الذي يستقر فيه في الجنة أو النار وليست الروح مستقرة فيه في مدّة البرزخ وإن كانت في الجنة أو النار، ولهذا جاء في حديث البراء بن عازب أن المؤمن إذا فتح له في قبره باب إلى الجنة وقيل له هذا منزلك فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي
(1)
وسيأتي الحديث قريبا بتمامه
(2)
. وأما السَّلام على أهل القبور فلا يدلّ على استقرار أرواحهم على أفنية قبورهم فإنه يسلم على قبور الأنبياء والشهداء وأرواحهم في أعلى عليين ولكن لها مع ذلك اتصال سريع بالجسد ولا يعلم كنه ذلك وكيفيته على الحقيقة إلا اللّه تعالى ويشهد لذلك الأحاديث المرفوعة والموقوفة أن النائم يعرج بروحه إلى العرش هذا مع أتعلقها، ببدنه وسرعة عودها إليه عند استيقاظه فأرواح الموتى المتجردة عن أبداخهم أولى بعروجها إلى السماء وعودها إلى القبر في مثل تلك السرعة واللّه أعلم
(3)
، اهـ.
(1)
أخرجه أحمد (18534)، والرويانى (392)، والحاكم (1/ 37 - 38). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألبانى في المشكاة (1630) والجنائز (155) وصحيح الترغيب (3558).
(2)
أهوال القبور (ص 116).
(3)
أهوال القبور (ص 116 - 117).
قوله: "فيقال هذا مقعدك" أي هذا مستقر وما تصير إليه يوم بعثك
(1)
، اهـ. تنبيه: هل العذاب على الروح أو على الجسد؟ فالجواب: أنه عليهما معا لكن حقيقته على الروح [ويألم] الجسد [مع] ذلك وينعم لكن لا يظهر أثر ذلك [إلا] لمن يشاء من أهل الدنيا ولهذا لو نبش على الميت لوُجد كهيئته يوم وضع [انتهي]. وإذا تقرر ذلك فمن قال إن التنعيم والعذاب يقع على الروح والبدن معا يقول إن الميت يعرف من يزوره ويسمع من [يقرأ] عنده إذ لا مانع من ذلك، ومن قال إن [التنعيم] والعذاب يقع على الروح فقط لا يمنع ذلك أيضًا إلا من [زعم] منهم أن الأرواح المعذبة مشغولة بما هي فيه والأرواح المنعمة مشغولة بما هي فيه، وقد ذهب إلى ذلك طوائف من الناس والمشهور [خلافه]، اهـ، قاله ابن حجر
(2)
.
وهل كلّ مؤمن يعرض على الجنان؟ فقيل: ذلك مخصوص بالمؤمن
الكامل الإيمان ومن أراد اللّه إنجاءه من النيران، وأما من أنفذ اللّه تعالى أعليه، وعيده من المخلصين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فله مقعدان يراهما جميعا كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين أو في وقت واحد قبيحًا وحسنًا، وقد يحتمل أن يراد بأهل الجنة كلّ من يدخلها كيف كان
(3)
واللّه أعلم.
(1)
مطالع الأنوار (5/ 388).
(2)
فتاوى ابن حجر (ص 20 - 23).
(3)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 426 - 427).
قال أبو العباس القرطبي رحمه اللّه تعالى
(1)
: ثم قيل هذ العرض إنما هو على الروح وحده ويجوز أن يكون مع جزء من البدن واللّه أعلم بحقيقة ذلك، ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد فترد إليه الروح كما ترد عند المساءلة حين يقعده الملكان ويقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك اللّه به مقعدا من الجنة. قلت: ظاهر الحديث هذا ولا مانع من إعادة الروح إلى الجسد أو إلى البعض الي يدرك منه حالة العرض.
فإن قلت: وهل في القبر غداة وعشي وليل أو نهار. قلت المراد وقت الغداة والعشي عند الأحياء ويحتمل أن يمثل له وقت الغداة والعشي في حال عرض المقعد عليه وقد ورد في سؤال الملكين أنه يمثل له وقت صلاة العصر ودنو الشمس للغروب وحكى ابن بطال عن بعض أهل بلدهم أن معنى العرض هنا الإخبار بأن هذا موضع أعمالكم والجزاء لها عند اللّه تعالى فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ويعذب ولا يظهر له أثر؟
فالجواب: أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها، وكذ يجد اليقظان لذة وألما لما يسمعه أو يتفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه وكذا كان جبريل عليه الصلاة والسلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون وكان هذا ظاهر جلي واللّه أعلم. وتقدم مثل هذا من كلام الكرماني، لكن هذا أوضح ففي هذا
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 427).
الحديث أن الميت يعرض عليه في قبره بالغداة والعشي مقعده من الجنة كما دل عليه الحديث وفي هذا تنعيم لمن هو من أهل الجنة وتعذيب لمن هو من أهل النار بمعاينة ما أعد له وانتظاره ذلك إلى اليوم الموعود ويوافق هذا في أحد الشقين قوله تعالى: {[النَّارُ] يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}
(1)
الآية، ويُروى من حديث ليث عن أبي قيس عن [هذيل] عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال
(2)
: أرواح آل فرعون الذين يعرضون على النار غدوا وعشيا في أجواف طير سود فيعرضون على النار كلّ يوم مرتين فيقال لهم هذه داركم، فذلك قوله تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}
(3)
الآية، وعنه أيضًا أن أرواحهم في جوف طير سود تغدوا على جهنم وتروح كلّ يوم مرتين فذلك عرضها، [وسيأتي الكلام على الروح ومستقرها واختلاف العُلماء في ذلك قريبا إن شاء اللّه تعالي]
(4)
. قال ابن أبي الدنيا
(5)
: حدّثنا حمَّاد بن محمد الفزاري قال: بلغني عن الأوزاعي أنه سأله رجل بعسقلان من الساحل فقال له: يا أبا عمرو إنا نرى طيرا أسود تخرج من البحر فإذا كان العشي عاد مثلها بيضا، قال:
(1)
سورة غافر، الآية:46.
(2)
تفسير عبد الرزاق (2684)، وتفسير ابن أبي حاتم (10/ 3267).
(3)
سورة غافر، الآية:46.
(4)
وقع تأخير لهذه الجملة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فذلك دأبها حتى تقوم الساعة، فيقال: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} اهـ).
(5)
من عاش بعد الموت لابن أبي الدنيا (49)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (7/ 291) لابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن جرير.
فطنتم لذلك؟ [قالوا]: نعم. قال: تلك طير في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار فلتفحها فيسود ريشها ثم تلقي ذلك الريش ثم تعود إلى أوكارها فتلفحها النار، فذلك دأبها حتى تقوم الساعة، فيقالط:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}
(1)
اهـ.
[5389]
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يُسَلط على الْكَافِر فِي قَبره تِسْعَة وَتسْعُونَ تنينا تنهشه وتلدغه حَتَّى تقوم السَّاعَة فَلَو أَن تنينا مِنْهَا نفخت. رواه أحمد
(2)
وأبو يعلى
(3)
، ومن طريقه ابن حبان في صحيحه
(4)
، كلهم من طريق دراج عن أبي الهيثم.
يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا الخ
قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة" الحديث، التنين الحية الكبيرة، وقيل التنين نوع من الحيات كثير
(1)
سورة غافر، الآية:46.
(2)
مسند أحمد (11334).
(3)
أبو يعلى (1329).
(4)
ابن حبان (3121). وأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 175، وعبد بن حميد في المنتخب (929)، والآجري في الشريعة ص 359)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 55): رواه أحمد، وأبو يعلى موقوفًا، وفيه دراج، وفيه كلام وقد وثق. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 406)، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5/ 102)، والتعليق الرغيب (4/ 182).
السم وذكرها إما للتأكيد أو لبيان أنواع العذاب. قوله: "تنهشه" النهش واللدغ معناهما واحد في اللغة، وذكر كلا اللفظين هنا، إما للتأكيد، أو لبيان أنواع العذاب، لأنه ربما يكون النهش أشد ألما من اللدغ أو بالعكس
(1)
.
قوله: "وتلدغه" اللدغ بالدال المهملة هو ضرب أو عض ذات السم.
قوله: "فلو أن تنينا منها سحب في الأرض ما أنبتت خضرا يصف شدّة سمه وحرارة فمه" يعني احترقت الأرض بوصول حرارة فمه إليها
(2)
واللّه أعلم.
فائدة: ما الحكمة في تخصيص العدد بتسعة وتسعين؟ قال العُلماء: يحتمل وجوها أحدها: أن يكون توقيفيا [موكولا إلى النبي بطريق الوحي] وليس مستقلا من اكتساب العقل كتخصيص عدفى ركعات الصلاة ومقادير الزكوات وغيرهما مما لا مجال للعقل في معرفة كميتها وانما هو لحكمة علمها النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي. والثاني أن يقال: إن للّه تعالى تسعة وتسعين اسما كلّ اسم منها دال على صفة يجب [الإيمان] بها كالرحمن والرحيم وغيرهما، فلما أنكر [المعرض] ولم يؤمن [بها] لا جملة ولا تفصيلا وأعرض عنها في الدنيا سلط عليه في الآخرة عددها من الحيات. والثالث أن يكون مقابلا لما أعد اللّه تعالى لعباده في الآخرة من الرحمات وهي تسع وتسعون رحمة أعد اللّه للكافرين تسعة وتسعين تنينا
(3)
.
(1)
المفاتيح (1/ 236).
(2)
شرح المصابيح (1/ 145).
(3)
الميسر (1/ 75 - 76) والمفاتيح (1/ 236 - 237).
[5390]
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمُؤمن فِي قَبره لفي رَوْضَة خضراء فيرحب لَهُ قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا وينور لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر أتدْرُونَ فِيمَا أنزلت هَذِه الآيَة {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
(1)
قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمَعيشَة الضنك قَالُوا اللّه وَرَسُوله أعلم قَالَ عَذَاب الْكَافِر فِي قَبره وَالَّذِي نَفسِي بِيَد إِنَّه يُسَلط عَلَيْهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ تنينا أَتَدْرُونَ مَا التنين سَبْعُونَ حَيَّة لكل حَيَّة سبع رُؤُوس يلسعونه ويخدشونه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة رواه أبو يعلى
(2)
وابن حبان في صحيحه
(3)
واللفظ له، كلاهما من طريق دراج عن ابن حجيرة عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء فيرحب له قبره سبعون ذراعا" الحديث، أما نعيم القبر فقد دل عليه قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
(1)
سورة طه، الآية:124.
(2)
أخرجه أبو يعلى (6644)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 55): رواه أبو يعلى وفيه دراج وحديثه حسن واختلف فيه. وصحح ابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعًا في قوله {معيشة ضنكا} قال: عذاب القبر، أورده من وجهين مطولا ومختصرًا وأخرجه البزار (2233)، والطبري (16/ 228) و والآجري في الشريعة (ص 358) والبيهقي في عذاب القبر (68) والواحدي في الوسيط (3/ 225 - 226)، وقال الهيثمي في المجمع 7/ 67: رواه البزار وفيه من لم أعرفه. وأخرجه ابن أبي حاتم (تفسير ابن كثير 3/ 169)، وقال ابن كثير: رفعه منكر جدًا.
(3)
ابن حبان (3122).
الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)}
(1)
، [والروضة] معروفة ويرّحب له قبره أي يوسع والرحب هو المكان الواسع.
قوله أتدرون ما المعيشة الضنك؟ الضنك الشقاء وإنما هو شدة الضيق والشدة وإن كان المعنى متقاربا شيئًا وقد جاء في حديث أنه عذاب القبر، هذا قاله عياض
(2)
، وقد اختلف في وقت هذه المعيشة الضنك متى هي فقالت فرقة هي في الدنيا ومعنى ذلك عندهم أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة وامتناع صفاء العيش لذلك ما يصير معيشته ضنكى
(3)
.
وقالت فرقة المعيشة الضنك في البرزخ وهي أن يرى مقعده من النار غدوة وعشيا وما يكون من الأهوال في مدّة البرزخ وحمل هذه الفرقة على هذا التأويل أن الآية تقتضي أن المعيشة الضنك هي قبل يوم القيامة بقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
(4)
، وبقوله:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}
(5)
، وقالت فرقة: بل المعيشة الضنك في الآخرة، وهي عذابهم في جهنم وأكلهم الزقوم وما ذكره من الوعيد لهم
(6)
، اهـ، قاله في الديباجة.
(1)
سورة الواقعة، الآية: 88 - 89.
(2)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 60).
(3)
تفسير ابن عطية (6/ 141 - 142)، والبحر المحيط (7/ 394).
(4)
سورة طه، الآية:124.
(5)
سورة طه، الآية:127.
(6)
تفسير ابن عطية (6/ 142).
سؤال: ما الحكمة في القبر؟ قال بعضهم ستر المؤمن وأحواله لأن سائر الأديان لا يدفنون موتاهم فيكون فيه كشف موتاهم وأيضًا يكون سجنا للكافر وحصنا للمؤمن. وقال القبر: روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، اهـ. قاله ابن العماد في كتابه كشف الأسرار
(1)
.
وتقدم الكلام على التنين وعلى تسعة وتسعين والحكمة في ذلك في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم.
[5392]
وَعَن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر فتان الْقَبْر فَقَالَ عمر أترد علينا عقولنا يَا رَسُول اللّه فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم نعم كهيئتك الْيَوْم فَقَالَ عمر بِفِيهِ الْحجر. رواه أحمد
(2)
من طريق ابن لهيعة والطبراني
(3)
بإسناد جيد.
قوله: "وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي" تقدم الكلام على مناقبهما رضي الله عنهما.
قوله: "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر فتّان القبر فقال عمر أترد علينا عقولنا يا رسول اللّه؟ " فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نعم كهيئتك اليوم. الحديث.
(1)
كشف الأسرار (لوحة 15).
(2)
أحمد (6603) ورواه ابن عدي في الكامل (2/ 450)، وابن حبان (3115)، والآجري في الشريعة (862) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 47)، وقال:"رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح". وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 492): رواه أحمد بن حنبل، وأبو يعلى الموصلي وعنه ابن حبان في صحيحه.
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 393).
(3)
المعجم الكبير للطبراني (13/ 44/ 106).
[وفتنة القبر هو الضلال عن صواب إجابة الملكين وهما منكر ونكير، وعذاب القبر ضرب من لم يوفق الجواب بمطارق الحديد، وتعذيبه إلى يوم القيامة
(1)
]، جاء في حديث البخاري ومسلم سؤال ملكين وكذلك في حديث الترمذي ونص على اسميهما ونعتيهما، وجاء في حديث أبي داود وغيره سؤال ملك واحد ولا تعارض في ذلك والحمد للّه بل كلّ ذلك صحيح المعنى بالنسبة إلى الأشخاص فرب شخص يأتيانه جميعا ويسألانه جميعا في حال واحدة وآخر يأتيه أحدهما على الانفراد فيكون ذلك أخف في السؤال وأقل في المراجعة والجواب
(2)
، وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا بما فيه شفاء واللّه أعلم.
قوله: "فقال عمر بفيه الحجر" معناه أن عمر لم يهب السؤال لما علم أن الشهيد لا يفتن والصديق أجل خطرًا وأحرى أن لا يفتن؛ لأنه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء.
[5392]
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قلت يَا رَسُول اللّه تبتلى هَذ الأمة فِي قبورها فَكيف بِي وَأَنا امْرَأَة ضَعِيفَة قَالَ يثبت اللّه الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة إِبْرَاهِيم رواه البزار
(3)
، ورواته ثقات.
(1)
المفهم (22/ 90).
(2)
التذكرة (ص 357 - 358)، وعنه نقله ابن ناجى في شرحه على متن الرسالة (1/ 58 - 59)، وشرح الصدور (ص 144).
(3)
كما في كشف الأستار (868)، ورواه ابن الأعرابي في المعجم (81)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 53): قلت: لها حديث غير هذا في الصحيح. رواه البزار، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (3/ 393).
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها رضي الله عنها.
قولها: "قالت قلت يا رسول اللّه تبلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ " الحديث، الابتلاء هو الاختبار ويكون بالخير والشر والمراد [به] هاهنا هو الثاني وهو نظير الفتنة في قوله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، الحديت، فالفتنة الابتلاء والامتحان. يقال فتنت الذهب بالنار إذا امتحنته بها، [وفتنة القبر هو الضلال عن صواب إجابة الملكين وهما منكر ونكير وعذاب القبر ضرب من لم يوفق الجواب بمطارق الحديث وتعذيبه إلى يوم القيامة
(1)
]
(2)
.
فائدة: السؤل في القبر هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار أو يختص بالمسلم والمنافق؟ قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد
(3)
: الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق فمن كان في الدنيا منسوبا إلى أهل القباء ودين الإسلام ممن حقن دمه بظاهر الشهادة؛ وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام واللّه أعلم. فيثبت اللّه الذين آمنوا ويرتاب المبطلون، والقرآن والسنة يدلان على خلاف هذا القول وأن السؤال للكافر والمؤمن. قال اللّه تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
(1)
المفهم (22/ 90).
(2)
سقطت هذه الجملة من النسخة الهندية.
(3)
ابن عبد البر في التمهيد (22/ 252) والتذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 414).
الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)}
(1)
، وثبت في الصحيح أنها نزلت في عذاب القبر حين يسأل من ربك وما دينك ومن نبيك، وفي الصحيحين
(2)
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم وذكر الحديث، زاد البخاري
(3)
: وأما الكافر والمنافق [فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري؛ الحديث. وسيأتي قريبا، هكذا ذكره البخاري. وأما المنافق] والكافر بالواو وورد كذلك عدة أحاديث.
وقول أبي عمر بن عبد البر: إن الكافر الجاحد ليس ممن يسأل [عن ربه ودينه]
(4)
فيقال له: ليس كذلك بل هو من جملة [المشركين] وأولى بالسؤال من غيره، وقد أخبر اللّه تعالى في كتابه أنه يسأل الكفار يوم القيامة. قال اللّه تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)}
(5)
، وقال:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}
(6)
، وقال:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}
(7)
، فإذا سئلوا يوم
(1)
سورة إبراهيم، الآية:27.
(2)
صحيح البخاري (1338)، وصحيح مسلم (70)(2870).
(3)
صحيح البخاري (1338).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
سورة القصص، الآية:65.
(6)
سورة الحجر، الآية: 92 - 93.
(7)
سورة الأعراف، الآية:6.
القيامة فكيف لا يسألون في قبورهم، اهـ. قال ابن عبد البر
(1)
في حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها: [ومنهم] من يروى تسأل وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك وهو أمر لا يقطع به.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
(2)
، والقول الثابت هو كلمة التوحيد لأنها راسخة في قلب المؤمن، وتثبيتهم في الدنيا أنهم إذا فتنوا لم يزلوا عنها، وفي الآخرة أنهم إذا سئلوا في القبر لم يتوقفوا في الجواب واللّه أعلم. قاله الكرماني
(3)
.
[5393]
وَعَن أنس رضي الله عنه: أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه وَإنَّهُ ليسمع قرع نعَالهمْ إِذا انصرفوا آلاهُ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا النَّبِيّ مُحَمَّد فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول أشهد أَنه عبد اللّه وَرَسُوله فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَقْعَدك من النَّار أبدلك اللّه بِهِ مقْعدا من الْجنَّة قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأما الْكَافِر أَو الْمُنَافِق فَيَقُول لا أَدْرِي كنت أقول مَا يَقُول النَّاس فِيهِ فَيُقَال لا دَريت وَلَا تليت ثمَّ يضْرب بِمِطْرَقَةٍ من حَدِيد ضَرْبَة بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن رواه
(1)
ابن عبد البر في التمهيد (22/ 253).
(2)
سورة إبراهيم، الآية:27.
(3)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 146).
البخاري
(1)
واللفظ له ومسلم
(2)
.
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا" الحديث القرع الصوت، والضمير في نعالهم لأصحاب الميت وقيل أن أهل القبور يؤذيهم صوت النعال. وفي حديث آخر: وإنه ليسمع خفق نعالهم وخفق النعل هو صوتها عند دوسها على الأرض، قاله الكرماني
(3)
وغيره.
فرع: ولا يكره المشي على المقابر بالنعلين على المشهور لقوله صلى الله عليه وسلم: إنه ليسمع خفق نعالهم، وما ورد من الأَمر بإلقاء السبتين في أبي داود
(4)
والنسائي
(5)
بإسناد حسن [ويحتمل] أن يكون لأنهما من لباس المترفين أو أنه كان فيهما نجاسة والنعال الستبية بكسر السين المدبوغة بالقرظ، اهـ. قاله الكمال الدميري في شرح المنهاج
(6)
]
(7)
[وكذا رواه] ابن ماجه
(8)
وصححه
(1)
صحيح البخاري (1338).
(2)
صحيح مسلم (70)(2870).
(3)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 117).
(4)
سنن أبي داود (3230).
(5)
سنن النسائي (4/ 96).
(6)
النجم الوهاج (3/ 92).
(7)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(نظر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رجل يمشي في نعليه بين المقابر فقال: يا صاحب السبتية اخلع نعليك، اهـ).
(8)
ابن ماجه (1568).
وصححه ابن حبان
(1)
من حديث بشر بن الخصاصية في أثناء حديث قال فيه فإذا برجل يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: يا صاحب السبتين ألق سبتتيك فنظر فلما عرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه. وقال البيهقي لما أخرجه لا يعرف هذا الحديث إلا بهذا الإسناد. وروى الطبراني
(2)
من حديث عصمة بن مالك قال نظر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رجل يمشي في نعليه بين المقابر فقال: يا صاحب السبتية اخلع نعليك، اهـ.
مسألة: قال شيخ الإسلام ابن حجر: كيف يمكن الجمع بين قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}
(3)
وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت إذا وضع في في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا"، [وإذا] تقرر ذلك فللعلماء في الجمع بين الحديث والآية مذاهب فمنهم من أول الآية وحمل الحديث على ظاهره وعمّمه في جميع الموتى ومن هؤلاء من خصه ببعض الموتى ومنهم من خصه ببعض أحوال الموتى ومنهم من أوّل الحديث وحمل الآية على ظاهرها وعمومها، والمسألة مشهورة جدًا وقد حررتها في شرح البخاري
(4)
، واللّه أعلم، انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا النبي
(1)
صحيح ابن حبان (3170).
(2)
المعجم الكبير للطبراني (17/ 185/ 495).
(3)
سورة فاطر، الآية:22.
(4)
فتاوى ابن حجر (ص 57 - 65)، وفتح البارى (3/ 234 - 235).
محمد" الحديث، سؤال: ما الحكمة في سؤال منكر ونكير عليهما السلام، قيل الحكمة فيه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: رب أرني كيف تحيي الموتى عيانا، فأراه ليزداد يقينا، كذلك يحيى المؤمن في القبر ليزداد يقينا با لإحياء وأيضًا أراد أن ينبسط العبد مع الرب حتى إذا سأله في القيامة لا يخاف كما أنه أمر موسى بإلقاء عصاه [فصارت] حية ثم قال خذها ولا تخف كيلا يخاف عند مناظرته لفرعون من العصى. قاله ابن العماد في كشف الأسرار
(1)
.
[سؤال أيضًا: وهو أن [هل] سؤال منكر ونكير عليهما السلام [هل هو]
(2)
مختص بهذه الأمة أم يكون لها ولغيرها [فهذا موضع قد تكلم فيه الناس]
(3)
، [قال] أبو عبد اللّه الترمذي [في نوادر الأصول]
(4)
: إنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبَوْا كفّت الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب فلما بعث اللّه تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرحمة أمانا للخلق كما قال اللّه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
(5)
أمسك عنهم العذاب وأعطاه السيف حتى يدخل في الإسلام ومن دخل لمهابة السيف ثم يرسخ الإسلام في قلبه فأمهلوا فمن هاهنا ظهر أمر
(1)
كشف الأسرار (لوحة 15).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
نوادر الأصول في أحاديث الرسول (3/ 227) ابن حجر في فتح الباري (3/ 240).
(5)
سورة الأنبياء، الآية:107.
النفاق فكانوا يُسرّون الكفر ويعلنون الإيمان فكانوا بين المسلمين في ستر فلما ماتوا قيّض اللّه لهم فتاني القبر ليُستخرج سرّهم بالسّؤال وليميز اللّه الخبيث من الطيب فيثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا [وفي الآخرة]، ويضل اللّه الظالمين، اهـ[قاله القرطبي
(1)
] وخالف في ذلك آخرون منهم عبد الحق الإشبيلي والقرطبي وقال السؤال لهذه الأمة ولغيرها وتوقف آخرون في ذلك منهم أبو عمر بن عبد البر]
(2)
وقد احتج من خصّه بهذه الأمة بقوله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبلى في قبورها [وظاهر هذا الاختصاص بهذه الأمة في ذلك كلام يطول]
(3)
، والظاهر واللّه أعلم أن كلّ نبي مع أمته، كذلك وأنهم معذّبون في قبورهم بعد السؤال لهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذّبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة واللّه سبحانه أعلم، قاله ابن قيم الجوزية في كتابه الروح. سؤال أيضًا: لقد سئل شيخ الإسلام ومحدّث الأنام ابن حجر هل يسأل الميت وهو قاعد أو يسأل وهو راقد، فأجاب [] عفا اللّه عنه []: أنه يسأله الملكان وهو قاعد كما جاء في حديث البراء المشهور الذي صححه أبو عوانة
(4)
وأخرجه أحمد
(5)
ففيه التصريح بذلك وكذلك حديث
(1)
انظر: فتح الباري (3/ 240).
(2)
حصل تكرار لما بين [] في النسخة الهندية، فأدرج بعد قوله في ما سبق:(وقال: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، فإذا سئلوا يوم القيامة فكيف لا يسألون في قبورهم، اهـ.)، وأدرج ثانية في هذا الموضع.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
وأبو عوانة -كما في إتحاف المهرة- (2/ 459).
(5)
مسند أحمد (18534)، وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 37 - 38، واللالكائي في أصول الاعتقاد (2140)،
أنس هذا فيه أيضًا التصريح بذلك.
وسئل هل تلبس الروح الجتة كما كانت أولا؟ فأجاب: نعم [تلبس الروح الجثة كما كانت]، لكن ظاهر الخبر أن الروح تحل في نصفه الأعلى كذا قال رحمه اللّه تعالى
(1)
، اهـ.
سؤال: هل تقيم الروح بعد السؤال؟ الجواب: أن روح المؤمن في عليين وروح الكافر في سجين ولكل روح اتصال بجسدها، وهو اتصال معنوي لا يشبه الاتصال في الحياة بل أشبه شيء به حال النائم [وان كان هو أشد من حال النائم]
(2)
انفصالا وهذا يجمع ما افترق من الأخبار من أن محل الأرواح في عليين وفي سجين وتكون الأرواح عند أفنية القبور كما نقله ابن عبد البر عن الجمهور
(3)
، اهـ.
سؤال آخر: هل يسمع الميت التلقين؟ الجواب: نعم يسمع لوجود الاتصال الذي أشرنا إليه أولا ولا يقالس ذلك على حال الحي إذا كان في قعر
= والبيهقي في إثبات عذاب القبر (21)(44)، وفي شعب الإيمان (395)، وقال البيهقي في الشعب: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال ابن منده: هذا إسناد متصل مشهور، رواه جماعة عن البراء، وكذلك رواه عدة عن الأعمش، وعن المنهال ابن عمرو، والمنهال بن عمرو: هو الأسدي، مولاهم، الكوفي، أخرج عنه البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم، وهو ثابت على رسم الجماعة.
(1)
فتاوى ابن حجر (ص 73).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
فتاوى ابن حجر (ص 21 - 23).
بئر [مردوم مثلا فإنه لا يسمع كلام منه هو على البئر]
(1)
.
مسألة: وهي أن الأطفال هل يمتحنون في قبورهم؟ اختلف الناس في ذلك على قولين هما وجهان لأصحاب أحمد وحجة من قال أنهم يسألون بمشروعية الصلاة عليهم والدعاء لهم [وسؤال اللّه أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر كما ذكر مالك في موطئه]
(2)
[وفي موطأ مالك] عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة صبي فسمع من دعائه: اللهم قِهِ عذاب القبر، واحتجوا بما رواه [علي بن]
(3)
معبد عن عائشة رضي الله عنها أنه مر عليها بجنازة صبي صغير فبكت. فقيل لها: ما يبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبي بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر. قالوا: واللّه تعالى يكمّل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم ويلهمون الجواب كما يسألون عنه قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة، وحكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث فإذا امتُحِنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور
(4)
.
وقال آخرون السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمرسل فيُسأل هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا، وأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه فكيف يتوجه
(1)
الروح (ص 13).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
الروح (ص: 88).
إليه السؤال ولو رد عليه عقله في القبر فإنه لا يُسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به ولا فائدة لهذا السؤال، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة. وأما حديث أبي هريرة فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعته أو فعل معصميته قطعا فإن اللّه لا يعذب أحدا بلا ذنب عمله [بل عذاب القبر قد يراد به الألم واللّه أعلم، قاله ابن قيم الجوزية
(1)
]
(2)
. وإنما المراد الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله، ومنه الحديث: أن الميت ليُعذّب ببكاء أهله عليه أي يتألبم بذلك ويتوجع منه لا أنه يُعاقب بذنب الحي، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(3)
، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: السفر قطعة من العذاب
(4)
، [فالعذاب] أعم من [العقوبة] ولا ريب أن في القبر من الألم والهموم والغموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل فيتألم به فيشرع للمصلي عليه أن يسأل اللّه تعالى أن يقيه ذلك العذاب، اهـ. قاله في الديباجة.
مسألة أيضًا: هل يعذب العاصي في قبره إلى يوم القيامة أو لا يعذب إلا عند مجيء منكر ونكير عليهما السلام؟ فجواب ذلك يختلف باختلاف كبر
(1)
الروح (ص: 88).
(2)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه ذلك العذاب، اهـ. قاله في الديباجة).
(3)
سورة الأنعام، الآية:164.
(4)
صحيح البخاري (1804)، وصحيح مسلم (179)(1927).
المعصية وصغرها وحصول العفو عن بعض الموتى دون بعض فقد لا يعذّب بعض الصلاة أصلا وقد يستمر التعذيب على بعض العصاة وقد يرتفع عن بعض وشواهد ذلك من الأحاديث [موجودة] واللّه أعلم، قاله قاضي القضاة ابن حجر
(1)
.
[5394]
وَفِي رِوَايَة أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمُؤمن إِذا وضع فِي قَبره آلاهُ ملك فَيَقُول لَهُ مَا كنت تعبد فَإِن اللّه هداه قَالَ كنت أعبد اللّه فَيَقُول لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول هُوَ عبد اللّه وَرَسُوله فَمَا يسْأَل عَن شَيْء بعْدهَا فَينْطَلق بِهِ إِلَى بَيت كَانَ لَهُ فِي النَّار فَيُقَال لَهُ هَذَا كَانَ لَك وَلَكِن اللّه عصمك فأبدلك بِهِ بَيْتا فِي الْجنَّة فيراه فَيَقُول دَعونِي حَتَّى أذهب فأبشر أَهلِي فَيُقَال لَهُ اسكن قَالَ وَإِن الْكَافِر أَو الْمُنَافِق إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فينتهره فَيَقُول لَهُ مَا كنت تعبد فَيَقُول لا أَدْرِي فَيُقَال لا دَريت وَلَا تليت فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس فيضربه بمطراق بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا الْخلق غير الثقلَيْن رواه البخاري
(2)
واللفظ له ومسلم
(3)
.
[قوله: "عن أنس" تقدم. قوله: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا" الحديث، وفي حديث: خفق
(1)
فتاوى ابن حجر في العقيدة (ص 44 - 45).
(2)
صحيح البخاري (1338).
(3)
صحيح مسلم (70)(2870).
نعالهم، وضبطه بعضهم خفيق، وهو صوت [ضربها] الأرض ولا يستعمل ذلك إلا في الضرب بالشيء العريض، ومنه سميت الدرة مخفقة. وفي حديث عمر: وضربه بالمخفقة، والخافقان منتهى الأرض [والسماء] وقيل المشرق والمغرب، قاله عياض
(1)
.
قوله: "أتاه ملكان فيقعدانه فيقول ما كنت تقول في هذا النبي محمد؟ " الحديث، [وهذا يدلّ على أن الروح تتعلق بالبدن في القبر عند السؤال]. سؤال: وهو هل يكشف للميت حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ما كنت تقول في هذا النبي محمد؟ الجواب: إن هذا لم يرد في حديث صحيح وإنما ادعاه بعض من لا يحتج به بغير مستند إلا من جهة قوله في هذا الرجل كما هو مذكور في حديث آخر وإن الإشارة بلفظ هذا تكون للحاضر وهذا لا معنى له لأنه حاضر في الذهن واللّه أعلم، قاله الحافظ العسقلاني]
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، الحديث [فهذا يدلّ على أن الروح تتعلق بالبدن في القبر عند السؤال]
(3)
[المنافق] هو غير المصدّق بقلبه لنبوّته صلى الله عليه وسلم وهو في مقابلة المؤمن أو المرتاب أي الشاك وهو في مقابلة الموقن. قوله: "فيقال لا
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 245).
(2)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(قال الأزهري: ويروى أتليت يدعو عليه أن لا تتلو إبله أي لا يكون لها أولاد تتلوها، اهـ).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
دريت ولا تليت" الحديث، قال الخطابي رحمه الله هكذا يقول المحدثون وهو غلط
(1)
. وقال القتبيي وفيه قولان: بلغني عن يونس البصري أنه قال: لا أتليت ساكن التاء يدعون عليه [أن] لا تتلى إبله أي [لا يكون أولاد يتلوها] يقال للناقة قد أتلت فهي متلية وتلاها ولدها إذا تبعها. قال: وقال غيره وهو لا اتليت افتعلت من قولهم ما ألوت هذا ولا [استطعته] كأنه يقول لا دريت ولا استطعت [أي] تدري. وقيل معناه تلوت أي لا قرأت حوّلوا الواو ياء على موافقة دريت
(2)
، اهـ.
وقال النحويون: الأصل في هذه الكلمة الواو أي ولا تلوت إلا أنها قلبت بالتتبع بياء دريت وقد جاء من حديث البراء لا دريت ولا تلوت على ما رواه الإمام أحمد أي لم تدر ولم تتل القرآن أي فلم تنفع بدرايتك ولا تلاوتك
(3)
.
[وقال ابن بطال
(4)
: الكلمة من بنات الواو لأنها من تلاوة القرآن لكنه لما كان مع دريت تكلم به الياء ليزدوج الكلام ومعناه الدعاء عليه أي لا كنت داريا ولا تاليا، اهـ. قال الأزهري: ويروى أتليت يدعو عليه أن لا تتلو إبله أي لا يكون لها أولاد تتلوها، اهـ]
(5)
. وقيل معناه: لا تبعت الحق، قاله الداوودي،
(1)
أعلام الحديث (1/ 694).
(2)
شرح السنة (5/ 416).
(3)
التوضيح (10/ 37 - 38).
(4)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 118).
(5)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ثم استعمل كما استعمل غيره من أدعية العرب اهـ.).
وقال ابن الأنباري: تليت غلط والصواب أتليت بفتح [الألف يدعو] عليه بأن لا تتلى إبله أي لا يكون أولاد تتلوها أي تتبعها وهذا مذهب يونس بن حبيب قال ابن السراج: وهذا بعيد من دعاء الملكين للميت وأي مال له، [قاله] القاضي لعل ابن الأنباري رآى أن هذا أصل الدعاء ثم استعمل كما استعمل غيره من أدعية العرب
(1)
اهـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: ثم يضرب بمطرقة من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إذا الثقلين، الحديث. الثقلان هما الجن والإنس لأنهما قطان الأرض، ويقال لكل خطير نفيس ثقل فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما، قاله في النهاية
(2)
.
وقال في النهاية أيضًا: وإنما يكون الإنس والجن عن سماع ذلك بمعزل لأنهما قطان الأرض لقيام التكليف ومكان الابتلاء ولو سمعوا ذلك لارتفع الابتلاء والامتحان وصار الإيمان به ضروريا فأخفى عنهم ذلك لئلا يفوتهم حظهم من الإيمان بالغيب ولئلا يبطل معاشهم بالإعراض عن التدابير والصناعات ونحوها مما يتوقف عليها
(3)
[واللّه تعالى أعلم].
[5395]
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت جَاءَت يَهُودِيَّة استطعمت على بَابي فَقَالَت أَطْعمُونِي أعاذكم اللّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر قَالَت فَلم
(1)
مطالع الأنوار (2/ 19).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 216).
(3)
الميسر (1/ 71).
أزل أحبسها حَتَّى جَاءَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول اللّه مَا تَقول هَذِه الْيَهُودِيَّة قَالَ وَمَا تَقول قلت تَقول أعاذكم اللّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر قَالَت عَائِشَة فَقَامَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم وَرفع يَدَيْهِ مدا يستعيذ بِاللّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر ثمَّ قَالَ أما فتْنه الدَّجَّال فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا حذر أمته وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيث لم يحذرهُ نَبِي أمته إِنَّه أَعور وَإِن اللّه لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه كلّ مُؤمن فَأَما فتْنَة الْقَبْر فَبِي يفتنون وعني يسْأَلُون فَإِذا كانَ الرجل الصَّالح أَجْلِس فِي قَبره غير فزع وَلَا مشعوف ثمَّ يُقَال لَهُ فَمَا كنت تَقول فِي الْإِسْلَام فَيُقَال مَا هَذَا الرجل الَّذِي كانَ فِيكُم فَيَقُول مُحَمَّد رَسُول اللّه جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد اللّه فَصَدَّقْنَاهُ فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَا وقاك اللّه ثمَّ تفرج لَهُ فُرْجَة إِلَى الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا وَيُقَال على الْيَقِين كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ اللّه وَإِذا كانَ الرجل السوء أَجْلِس فِي قَبره فَزعًا مشعوفا فَيُقَال لَهُ فَمَا كنت تَقول فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فَقلت كلمَا قَالُوا فيفرج لَهُ فُرْجَة إِلَى الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَا صرف اللّه عَنْك ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَيُقَال هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا على الشَّك كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ اللّه ثمَّ يعذب، رواه أحمد
(1)
بإسناد صحيح.
(1)
مسند أحمد (25089)، وفي السنة (1448)، وأخرجه إسحاق (1170)، والطبري في تهذيب الآثار (مسند عمر 885)، والخلال في السنة (1179) وابن منده في الإيمان =
قوله غير مشعوف هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء قال أهل اللغة الشعف هو الفزع حتى يذهب بالقلب.
قوله: "وعن عائشة رضي الله عنها" تقدم الكلام على مناقبها.
قولها رضي الله عنها: "جاءت يهودية استطعمت على بابي فقالت أطعموني أعاذكم اللّه من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر" الحديث، ومن آكد الأدعية المأثورة ما روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تشهد أحكم فليستعذ باللّه من أربع: يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال
(1)
، ولذلك أوجب بعض العُلماء هذا الدعاء وأمر طاوس من صلى ولم يقله أن يعيد الصلاة
(2)
وذهب الظاهرية إلى وجوبه والأمر بالاستعاذة من هذه الأشياء في كلّ صلاة مما يدلّ على الاعتناء بالدعاء بها والاستعاذة منها لعظم الأَمر فيها وشدة البلاء في وقوعها
(3)
وفتنة المحيا والممات، قيل أراد بفتنة المحيا والممات ما يعتري الإنسان حال حياته من البلايا والمحن وفتنة الممات
= (1067) والبيهقي في عذاب القبر (29) وعبد الغني في أخبار الدجال (95). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 49) رواه أحمد. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 517) مسند صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 395).
(1)
مسلم (128 و 130 و 132 - 588).
(2)
قاله مسلم عقب حديث (134 - 590).
(3)
إحكام الأحكام (1/ 311 - 312).
شدة سكرات الموت وسؤال القبر وعذابه
(1)
وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر وترك متابعة طريق الهدى وبفتنة الممات سؤال منكر ونكير مع الحياة وما في القبر من الأهوال والشدائد
(2)
ويجوز أن يراد به الفتنة عند الموت لقربها منه
(3)
يقال: إن الشياطين يأتون المحتضر على صورة أقاربه وإخوانه الذين سبقوا فيقولون له مت يهوديا مت نصرانيا فإنه الدين المقبول
(4)
عند اللّه تعالى: قال اللّه تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}
(5)
[فنعوذ باللّه من سوء الخاتمة وسوء العاقبة]
(6)
.
وفتنة [المحيا] ما يستميل قلب الإنسان من حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وطلب الجاه وطلب المنزلة والتطاول على الناس
(7)
. قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}
(8)
، وقال صلى الله عليه وسلم: ما ذئبان جائعان أو
(1)
تحفة الأبرار (1/ 310).
(2)
قاله السهروردى كما في شرح المشكاة (3/ 1049 - 1050).
(3)
إحكام الأحكام (1/ 311).
(4)
التذكرة (ص 185 - 186).
(5)
سورة إبراهيم، الآية:27.
(6)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(كالذي يستنيب في الوظائف الدينية كالإمامة ونحوه بغير عذر، اهـ).
(7)
أخرجه البخاري (52) و (2051)، ومسلم (107 و 108 - 1599).
(8)
سورة الأنفال، الآية:28.
أو ضاريان في غنم بأفسد لها من حب الرياسة والمال لدين الرجل
(1)
، وأصل الفتنة الامتحان
(2)
فالشخص [ممتحن] بزينة الدنيا، يمتحن بالسبيكة الفضة في النار فمن أعرض عن زينة الدنيا دل على صفاء جوهره وصحة إيمانه وسلامته من الغش ومن اشتغل بزينة الدنيا كان على الضد من ذلك والى ذلك الإشارة بقوله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)}
(3)
، قيل: أكثر زهدا في الدنيا، ولما كان حب الشهوات يدعو إلى تناول الشبهات ويفتح على الشخص باب التأويلات قال صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام
(4)
.
قال مالك بن دينار: اتقوا السحارة فإنها تسحر قلوب العُلماء، يعني الدنيا تسحر قلوبهم حتى يقعوا في تأويل الحرام ويأكلونه بالتأويلات البعيدة الفاسدة كالذي يستنيب في الوظائف الدينية بما لإمامة ونحوه بغير عذر، اهـ.
ويجوز أن يراد بفتنة الممات فتنة القبر عند سؤال الملكين ويستدل بالحديث على أن التكليف لا ينقطع بموت العبد وإلا لما كان امتحانه في القبر بقول الملائكة له في القبر من ربك وما دينك ومن نبيك؟
(5)
قال صلى الله عليه وسلم:
(1)
أخرجه الترمذى (2376) وابن حبان (3228). وصححه الألبانى في الروض النضير (رقم 5 - 7).
(2)
معالم السنن (1/ 200).
(3)
سورة الكهف، الآية:7.
(4)
الزهد (1863) لأحمد.
(5)
أخرجه مسلم (73 - 2871).
"تفتنون في قبوركم كمثل أو أعظم من فتنة المسيح الدجال"
(1)
وأصل الفتنة الامتحان والمسيح الدجال سمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة وقيل أنه يمسح الأرض أي يقطعها وقيل غير ذلك، والمسيح بالحاء المهملة ويقال المسيخ بالخاء المعجمة أيضًا وأما المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فبالحاء المهملة ليس إلا، سُمي مسيحا قيل لأنه ممسوح بالبركة كما أن الدجال ممسوح من البركة، وقيل ما مسح صاحب عاهة إلا [برئ]، وقيل غير ذلك وسمي دجالا لتمويهه على الناس، يقال: دجّل بالتشديد إذا لبّس، وتلبيسه بما جعل اللّه على يديه من خرق العوائد ومن صفته أنه يأتي معه جنة ونار.
قال الشاعر:
فَنَاط جَنَّة طُوْبَي لِدَاخِلِه
…
وَزُوْرُجَنّتِهِ نَارٌ مِنَ السُّعُرِ
(2)
يخرج في القحط الشديد يقول أنا ربكم [ويقتل] إنسانا ويحييه فمن آمن به أدخله الجنة فيقع في جهنم، ومن كفر به ألقاه في النار فيدخل الجنة ويأتي إلى الشخص من أعراب البادية فيقول له: أرأيت إن أحييت لك أباك وأمك وإخوانك الذين سلفوا أتؤمن بي؟ فيقول: نعم، فيأمر الشياطين فتتمثل له صورهم ويأمرونه بالإيمان به أعاذنا اللّه تعالى منه بمنه وكرمه. قال صلى الله عليه وسلم في نعت الدجال: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وسمي مسيحا لأنه
(1)
البخاري (86) عن عائشة.
(2)
بيت من قلادة الدر المنثور في ذكر البعث والنشور لابن الوردى انظر خريدة العجائب (ص 474).
يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة أي يطأها واختلفوا في معناه على ثلاثة وعشرين قولا، حكاه ابن دحية، ويمكمث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا مكتوب بين عينه ك ف ر، وإثه يتبعه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة وإن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء فيقتل الدجال بباب لد البلدة المحروسة بقرب بيت المقدس وكل هذه ألفاظ ثابتة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وبعضها في البخاري والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة جدًا وكان السلف يستحبون أن يلقن الصمبيان أحاديث الدجال ليتحفظونها وتترسخ في نفوسهم وتتوارثها الناس، اهـ.
تنبيه: فإن قلت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم آمِنٌ [من] الفتنة الدجال ونحوها فما الفائدة فيه. قلت: نفس الدعاء عبادة كقوله: اللهم اغفر لي مع كونه مغفورا له أو هو لتعليم الأمة، قاله الكرماني
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: ومن فتنة عذاب القبر، وفي الحديث دليل على أن عذاب القبر تابت وتقدم أيضًا الدليل عليه في قوله صلى الله عليه وسلم في صاحبي القبر إنهما ليعذبان
(2)
ويدل على القطع بثبوته قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} أي في البزرخ، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} ، يقال لهم: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 150).
(2)
البخاري (216) و (218) و (1361) و (1378) و (6052) و (6055)، ومسلم (111 - 292).
الْعَذَابِ}
(1)
.
سؤال: ما الحكمة في عذاب القبر؟ قيل: تخويف للمؤمن حتى يتعوذ باللّه منه وأيضًا جعله اللّه تطهيرا للمؤمن فإن اللّه تعالى جعل قدام المؤمن خمسة أنهار يغسله بها تطهيرا له أولها الاستغفار والصلاة على الميت والثاني هو الصدقة عن الميت والثالت نهر القبر والرابع نهر القيامة والخامس نهر النار ليطهر بها المؤمن. قاله النيسابوري، هكذا ذكره ابن العماد في كتابه كشف الأسرار
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في الدجال: "إنه لأعور وإن اللّه ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كلّ مؤمن" الحديث، وسمي مسيحا لأنه ممسوح العين، جاء في الصحيح أنه أعور العين اليمني، وفي رواية مسلم أنه أعور العين اليسري، والجمع بين الروايتين أن عينه الأخرى عليها ظفرة، وجاء كأنّ عينه عنبة طافية
(3)
، وورد أن عينه خضراء كالزجاجة، روى ذلك أبو نعيم في التاريخ
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأما فتنة القبر فبي تفتنون وعنّي تسألون" وأصل الفتنة الامتحان كما تقدم، ومعنى تفتنون تمتحنون أي تمتحنون بي في قبوركم
(1)
سورة غافر، الآية:46.
(2)
كشف الأسرار (لوحة 15).
(3)
انظر شرح النووى على مسلم (2/ 235).
(4)
أخرجه أحمد 5/ 124 (21146) و (21147)، والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 78 - 79، والشاشي (1402)، وأبو الشيخ في طبقات المحدّثين بأصبهان (55)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 374). وصححه الألبانى في الصحيحة (1863).
[ويتعرف] إيمانكم بنبوتي، يريد مساءلة منكر ونكير من الفتنة والامتحان والاختبار فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول المؤمن: هو رسول اللّه، ويقول المنافق: سمعت الناس تقول شيئًا فقلته، هكذا جاء مفسرا في الصحيح، وقد كثرت استعاذته صلى الله عليه وسلم من فتنة القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات وغير ذلك، وتقدم الكلام على ذلك، ومنه حديث الحسن {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}
(1)
قال: فتنوهم بالنار، أي امتحنوهم وعذّبوهم، قاله في النهاية
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره من غير فزع ولا مشعوف" الحديث، الشعف بالشين والعين المهملة. قال الحافظ: قال أهل اللغة الشعف هو الفزع حتى يذهب بالقلب، اهـ. وقال ابن الأثير في النهاية
(3)
: الشعف: شدة [الفزع حتى يذهب بالقلب، والشعف شدة]
(4)
الحب وما يغشى قلب صاحبه، اهـ.
قوله: فيقال: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ الحديث، وإنّما عبر بعبارة الرجل الذي ليس فيها تعظيم امتحانا للمسئول لئلا يتلقن منهما إكرام الرسولو صلى الله عليه وسلم ورفع مرتبته فيعظمه [هو] تقليدا لهما لا اعتقادا
(5)
واللّه أعلم.
(1)
سورة البروج، الآية:10.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 410).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 481).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
شرح النووى على مسلم (17/ 203)، والكواكب الدرارى (7/ 117 - 118).
قوله: "فيقول محمد رسول اللّه جاءنا بالبينات من عند اللّه فصدقناه" الحديث، بالبينات أي بالمعجزات الدالة على نبوته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فيفرج له فرجة قبل النار" الحديث، الفرجة بضم الفاء وفتحها معروفة.
قوله: "يحطم بعضها بعضا" الحديث، الحطم هو الكسر أي تندفع فيدفع بعضها بعضا لشدة اشتعالها وتلهبها.
وبها التذكرة
(1)
دخل عليها فتانا القبر وهما ملكان أسودان يحرثان الأرض بأنيابهما لهما شعور مسدولة يخدانها على الأرض كلامهما كالرعد القاصف [وأعينهما كالبرق الخاطف] ونفسهما كالريح العاصف بيد كل واحد منهما مقمع من حديد لو اجتمع عليه الثقلان الإنس والجن ما رفعاه ولو ضرب بيده أعظم جبل لجعله دكا فإذا أبصرتهما النفس ارتعدت وولت هاربة فتدخل بها منخر الميت فيحيى الميت من الصدر ويكون كهيئته عند الغرغرة فلا يقدر على حراك غير أنه يسمع وينظر فيبتدرانه بعنف وينتهرانه بجفاء وقد صار التراب له كالماء حيث ما تحوّل انفسخ فيه ووجد فرجة فيقولان له من ربك ومن نبيك وما قبلتك فمن وفقه اللّه تعالى وثبّته بالقول الثابت قال: ومن وكلكما ومن أرسلكما إليّ؟
وهذا لا يقوله إلا العُلماء الأخيار، فيقول أحدهما للاخر صدق كفي شرّنا ثم يفتحان له بابا إلى الجنة ويدخل عليه من نسيمها ويأتيه عمله بها صورة أحب
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 354).
الأشخاص إليه فيؤنِسه ويملأ قبره نورا فلا يزال في مرح وسرور حتى تقوم الساعة، ومن الناس من أعجم في مسألته فإن كانت عقيدته مختلة امتنع أن يقول اللّه ربي ويأخذ في غيرها من الألفاظ فيضربانه ضربة فيشتعل [بها القبر نارا ومن الناس من يعسر عليه أن يقول الإسلام ديني لشك كان يتوهمه أو فتنة تقع به عند الموت فيضربانه ضربة فيشتعل]
(1)
عليه قبره نارا، ومن الناس من يعسر عليه أن يقول [القرآن إمامه] لأنه كان يتلوه ولا يتعظ به ولا يعمل بأوامره ولا ينتهي بنواهيه يطوف عليه دهره ولا يعطي نفسه منه خيره فيفعل به مثل ما فعل بالأولين ومن الناس من يستحيل عمله جروا يُعذب به في قبره على قدر جرمه.
وفي الأخبار أن من الناس [من يستحيل عمله خنوصا وهو ولد الخنزير، ومن الناس]
(2)
من يمتنع عليه أن يقول نببي محمد لأنه كان ناسيا لسنته ومن الناس من يعسر عليه أن يقول الكعبة قبلتي لقلة تحرّزه في صلاته [إما لخلل] في وضوئه أو التفات في صلاته أو اختلال في ركوعه وسجوده ويكفي في ذلك ما روي أن اللّه تعالى لا يقبل صلاة من عليه صلاة ومن عليه ثوب حرام، وأما الفاجر فيقولان له من ربك فيقول لا أدري. فيقول: لا دريت ولا عرفت، ثم يضربانه بتلك المقامع [حتى يتجلجل في الأرض السابعة تنفضه الأرض في قبره ثم يضربانه سبع مرات]
(3)
، [والمقامع] واحدها مقمعة بالكسر وهي
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وهي سياط تعمل من حديد رؤوسها معوجة، قاله في النهاية، واللّه أعلم).
واحدة المقامع وهي سياط تعمل من حديد رؤوسها معوجة، قاله في النهاية
(1)
، واللّه أعلم.
وقال في الدرة الفاخرة للغزالي
(2)
: وأما في وصف الفاجر فتؤخذ نفسه عنها عنفا فإذا قبضها عزرائيل ناولها زبانية قباح الوجوه سود الثياب منتني الرائحة بأيديهم مسوح من شعر فيلفّونها فتستحيل شخصا إنسانيا على قدر الجرادة، فإن الكافر أعظم جِرما من المؤمن يعني الجسم في الآخرة كما في الصحيح أن ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد فيعرج به حتى ينتهي به إلى باب سماء الدنيا فيقرع الأمين الباب فيقال من أنت؟ فيقول: أنا دنيائيل، [لأن اسم الملك الموكل على زبانية العذاب: دنيائيل]
(3)
، فيقال: من معك؟ فيقول: فلان بن فلان بأقبح أسمائه وأبغضها إليه في دار الدنيا، فيقال: لا أهلا ولا سهلا ولا يفتح له باب السماء، فإذا سمع الأمين هذه المقالة طرحها من يده فتهوي به الريح في مكان سحيق أي بعيد، اهـ.
ويختلف أحوال الناس في التعذيب وبالجملة فلكلٍّ تعذيب بما كان يخافه في الدنيا. قال بعض علماء السلف: كان في بلدنا نبّاش أي سراق الأكفان، وكان في ذلك البلد قاض صالح قد نصب نفسه لتنفيذ مراسيم النبوءة وقمع مراسيم النفس الأمارة ومراسيم الشيطان فلما قربت وفاته دعا ذلك النباش
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 110)].
(2)
الدرة الفاخرة (ص 20).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
وقال له: قد بلغني عنك أنك تسرق الأكفان وقد دنت وفاتي في وقت كذا تسمع نعيي وقد أعددت قيمة كفني فخذه الآن ولا تهتكني في قبري، فأجابه النباش إلى ذلك، فلما كان الوقت الذي ذكر القاضي أنه ينعى فيه سمع النباش الناعي فقال: إنه رجل صالح فلأخبرنّ زوجتي بخبري معه فلما أخبرها قالت احذره، فلما دفن ثار في نفسه أنه يسرق كفنه. فقالت له زوجته لا تفعل. فلم يلتفت إليها: فلما حفر القبر ودخل فيه وإذا بالميت قد أجلس وقال أحد الملكين للآخر شم رجله، فشمها فقال ليس فيها شيء إنه لم يسع بها معصية قط، فقال فيها خيرا، ثم قال شم [عينيه]، فقال: إنه لم ينظر إلى محرم قط، فقال شم سمعه فشم أحد سمعيه فلم يجد شيئًا ثم شم السمع الآخر فوقف، فقال: ما وجدت؟ فقال بعض نتن، فقال أتدري مم هذا النتن؟ إنه أصغى بأحد سمعيه إلى أحد الخصمين [أكثر] من الآخر فانفخ فيه فنفخ فيه فامتلأ القبر نارا فلحق بصر النباش فعمي فإذا كان حال هذا القاضي فكيف حال من شأنه يتبرطل لأجل الحقوق وعدم إقامة الحدود وغير ذلك من المفاسد لقد أوقع نفسه هذا المسكين في أشر موقع وليست شؤمه يقتصر عليه بل يتعدى شره إلى غيره. قال اللّه تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}
(1)
الآية، اهـ. قاله الشيخ تقي الدين الحصني بها بعض كتبه
(2)
.
(1)
سورة إبراهيم، الآية:27.
(2)
قمع النفوس ورقية المأيوس (لوحة 38 و 39/ مخ 602 برلين).
[5396]
وَعَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد بعد فَجَلَسَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حوله كَأَنَّمَا على رؤوسنا الطير وَبِيَدِهِ عود ينكت بِهِ فِي الْأَرْض فَرفع رَأسه فَقَالَ تعوذوا بِاللّه من عَذَاب الْقَبْر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا زَاد فِي رِوَايَة وَقَالَ إِن الْمَيِّت يسمع خَفق نعَالهمْ إِذا ولوا مُدبرين حِين يُقَال لَهُ يَا هَذَا من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك وَفِي رِوَايَة ويأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولانِ لَهُ من رَبك فَيَقُول رَبِّي اللّه فَيَقُولانِ لَهُ وَمَا دينك فَيَقُول ديني الْإِسْلَام فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول هُوَ رَسُول اللّه فَيَقُولانِ لَهُ وَمَا يدْريك فَيَقُول قَرَأت كتاب اللّه وَآمَنت وصدقت زَاد فِي رِوَايَة فَذَلِك قَوْله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}
(1)
فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن صدق عَبدِي فافرشوه من الْجنَّة وألبسوه من الْجنَّة وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره وَإِن الْكَافِر فَذكر مَوته قَالَ فتعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولانِ من رَبك فَيَقُول هاه هاه لا أَدْرِي فَيَقُولانِ مَا دينك فَيَقُول هاه هاه لا أَدْرِي فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول هاه هاه لا أَدْرِي فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن قد كذب فافرشوه من النَّار وألبسوه من النَّار وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فيأتيه من حرهَا وسمومها ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه زَاد فِي رِوَايَة ثمَّ يقيض لَهُ أعمى أبكم مَعَه مرزبة من حَدِيد لَو ضرب بهَا جبلا لصار تُرابا
(1)
سورة إبراهيم، الآية:27.
فيضربه بهَا ضَرْبَة يسْمعهَا من بَين الْمشرق وَالْمغْرب إِلَّا الثقلَيْن فَيصير تُرابا ثمَّ تُعَاد فِيهِ الرّوح رواه أبو داود ورواه أحمد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(1)
وَرَوَاهُ أَحْمد
(2)
بِإِسْنَاد رُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح أطول من هَذَا وَلَفظه قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَذكر مثله إِلَى أَن قَالَ فَرفع رَأسه فَقَالَ استعيذوا بِاللّه من عَذَاب الْقَبْر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ إِن العَبْد الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الآخِرَة نزل إِلَيْهِ مَلَائِكَة من السَّمَاء بيض الْوُجُوه كَأَن وُجُوههم الشَّمْس مَعَهم كفن من أكفان الْجنَّة وحنوط من حنوط الْجنَّة حَتَّى يجلسوا مِنْهُ مد الْبَصَر وَيَجِيء ملك الْمَوْت عليه السلام حَتَّى يجلس عِنْد رَأسه فَيَقُول أيتها النَّفس الطّيبَة اخْرُجِي إِلَى مغْفرَة من اللّه ورضوان قَالَ فَتخرج فتسيل كَمَا تسيل القطرة من فِي السقاء فيأخذها فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يأخذوها فيجعلوها فِي ذَلِك الْكَفَن وَفِي ذَلِك الحنوط وَيخرج مِنْهُ كأطيب نفحة مسك وجدت على وَجه الْأَرْض قَالَ فيصعدون بهَا فَلَا يَمرونَ
(1)
سنن أبي داود (3212).
(2)
مسند أحمد (18534). وأخرجه أبو عوانة - كما في إتحاف المهرة (2/ 459). وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 37 - 38، واللالكائي في أصول الاعتقاد (2140)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (21)(44)، وفي شعب الإيمان (395)، وقال البيهقي في الشعب: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال ابن منده: هذا إسناد متصل مشهور، رواه جماعة عن البراء، وكذلك رواه عدة عن الأعمش، وعن المنهال ابن عمرو، والمنهال بن عمرو: هو الأسدي، مولاهم، الكوفي، أخرج عنه البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم، وهو ثابت على رسم الجماعة.
على ملاء من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرّوح الطّيب فَيَقُولانِ فلَان ابْن فلَان بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسمى بهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى ينْتَهوا بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتحون لَهُ فَيفتح لَهُ فيشيعه من كلّ سَمَاء مقربوها إِلَى السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى ينتهى بهَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَقُول اللّه عز وجل اكتبوا كتاب عَبدِي فِي عليين وأعيدوه إِلَى الْأَرْض فِي جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولانِ من رَبك فَيَقُول رَبِّي اللّه فَيَقُولانِ مَا دينك فَيَقُول ديني الْإِسْلَام فَيَقُولانِ مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول هُوَ رَسُول اللّه فَيَقُولانِ مَا يدْريك فَيَقُول قَرَأت كتاب اللّه وَآمَنت بِهِ وصدقته فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن قد صدق عَبدِي فأفرشوه من الْجنَّة وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة قَالَ فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره قَالَ ويأتيه رجل حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب طيّب الرّيح فَيَقُول أبشر بِالَّذِي يَسُرك هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد فَيَقُول من أَنْت فوجهك الْوَجْه الْحسن يَجِيء بِالْخَيرِ فَيَقُول أَنا عَمَلك الصَّالح فَيَقُول رب أقِم السَّاعَة رب أقِم السَّاعَة حَتَّى أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي وَإِن العَبْد الْكَافِر إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الآخِرَة نزل إِلَيْهِ مَلَائِكَة سود الْوُجُوه مَعَهم المسوح فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت حَتَّى يجلس عِنْد رَأسه فَيَقُول أيتها النَّفس الخبيثة اخْرُجِي إِلَى سخط من اللّه وَغَضب فَتفرق فِي جسده فينتزعها كَمَا ينتزع السفود من الصُّوف المبلول فيأخذها فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يجعلوها فِي تِلْكَ المسوح وَتخرج مِنْهَا كأنتن جيفة وجدت على وَجه الْأَرْض فيصعدون بهَا فَلَا يَمرونَ
بهَا على ملاء من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا مَا هَذِه الرّيح الخبيثة فَيَقُولُونَ فلَان ابْن فلَان بأقبح أَسْمَائِهِ الَّتِي كانَ يُسمى بهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى ينتهى بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتح لَهُ فَلَا يفتح لَهُ ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
(1)
فَيَقُول الله عز وجل اكتبوا كتَابه فِي سِجِّين فِي الأرْض السُّفْلى ثمَّ تطرح روحه طرحا ثمَّ قَرَأَ (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)
(2)
فتعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكانه فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك فَيَقُول هاه هاه لَا أَدْرِي قَالَ فَيَقُولانِ لَهُ مَا دينك فَيَقُول هاه هاه لَا أَدْرِي قَالَ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول هاه هاه لَا أَدْرِي فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن كذب فأفرشوه من النَّار وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فيأتيه من حرهَا وسمومها ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه ويأتيه رجل قَبِيح الْوَجْه قَبِيح الثِّيَاب منتن الرّيح فَيَقُول أبشر بِالَّذِي يسوؤك هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد فَيَقُول من أَنْت فوجهك الْوَجْه الْقَبِيح يَجِيء بِالشَّرِّ فَيَقُول أَنا عَمَلك الْخَبيث فَيَقُول رب لَا تقم السَّاعَة وَفِي رِوَايَة لَهُ بِمَعْنَاهُ وَزَاد فيأتيه آتٍ قَبِيح الْوَجْه قَبِيح الثِّيَاب منتن الرّيح فَيَقُول أبشر بهوان من الله وَعَذَاب مُقيم فَيَقُول بشرك الله بِالشَّرِّ من أَنْت فَيَقُول أَنا عَمَلك الْخَبيث كنت بطيئا عَن طَاعَة الله سَرِيعا فِي مَعْصِيَته فجزاك الله بشر ثمَّ يقيض لَهُ أعمى أَصمّ
(1)
سورة الأعراف، الآية:40.
(2)
سورة الحج، الآية:31.
أبكم فِي يَده مرزبة لَو ضرب بهَا جبل كَانَ تُرَابا فيضربه ضَرْبَه فَيصير ترابا ثمَّ يُعِيدهُ الله كَمَا كَانَ فيضربه ضَرْبَة أُخْرَى فَيَصِيح صَيْحَة يسمعهُ كل شَيْء إِلَّا الثقلَيْن قَالَ الْبَراء ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من النَّار ويمهد لَهُ من فرش النَّار قَالَ الْحَافِظ هَذَا الحَدِيث حَدِيث حسن رُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح كَمَا تقدم وَهُوَ مَشْهُور بالمنهال بن عَمْرو عَن زَاذَان عَن الْبَراء كَذَا قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ رحمه الله والمنهال روى لَهُ البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا.
وَقَالَ ابْن معِين الْمنْهَال ثِقَة وَقَالَ أَحْمد الْعجلِيّ كُوفِي ثِقَة وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل تَركه شُعْبَة على مُحَمَّد قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم لِأَنَّهُ سمع من دَاره صَوت قِرَاءَة بالتطريب وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل سَمِعت أبي يَقُول أَبُو بشر أحب إِلَيّ من الْمنْهَال وزاذان ثِقَة مَشْهُور ألانه بَعضهم وروى لَهُ مُسلم حديثين فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْمنْهَال بِنَحْوِ رِوَايَة أَحْمد ثمَّ قَالَ وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَقد رَوَاهُ عِيسَى بن الْمسيب عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَذكر فِيهِ اسْم الْملكَيْنِ فَقَالَ فِي ذكر الْمُؤمن فَيرد إِلَى مضجعه فيأتيه مُنكر وَنَكِير يثيران الأَرْض بأنيابهما ويلجفان الأَرْض بشفاههما فيجلسانه ثمَّ يُقَال لَهُ يَا هَذَا من رَبك فَذكره وَقَالَ فِي ذكر الْكَافِر فيأتيه مُنكر وَنكير يثيران الأرْض بأنيابهما ويلجفان الأَرْض بشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثمَّ يُقَال يَا هَذَا من رَبك فَيَقُول لَا أَدْرِي فينادى من جَانب الْقَبْر لَا دَريت ويضربانه بمرزبة من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا من بَين الْخَافِقين لم يقلوها يشتعل مِنْهَا قَبره
نَارا ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه
قَوْله هاه هاه هِيَ كلمة تقال فِي الضحك وَفِي الإبعاد وَقد تقال للتوجع وَهُوَ أليق بِمَعْنى الحَدِيث وَالله أعلم.
(1)
قوله: "وعن البراء بن عازب" تقدم الكلام على مناقبه صلى الله عليه وسلم.
قوله: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار" الأنصار هم
(1)
أخرجه الطيالسي (753)، وابن أبي شيبة في المصنف (11523)، (12059)، (12032)، وأحمد (18534)، (18735)، (18557)، (18558)، (18828)، وأبو داود (3212)، (4753)، (4754)، والطبري في تهذيب الاثار (718)، (719)، (720)، (721)، والحاكم في المستدرك (1/ 37)، (1/ 120)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (2140)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (20)، (21)، (25)، (26)، (27)، (44)، وفي شعب الإيمان (395) عن الأعمش عن منهال بن عمرو، عن زاذان، البراء فذكره. وتوبع الأعمش، فأخرجه أبو داود (1549)، والنسائي (478)، وفي الكبرى (2139)، والطبري في تهذيب الآثار (مسند عمر بن الخطاب)(722) عن عمرو بن قيس، عن منهال بن عمرو، وقال البيهقي في الشعب: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال ابن منده: هذا إسناد متصل مشهور، رواه جماعة عن البراء، وكذلك رواه عدة عن الأعمش، وعن المنهال ابن عمرو، والمنهال بن عمرو: هو الأسدي، مولاهم، الكوفي، أخرج عنه البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم، وهو ثابت على رسم الجماعة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 50): هو في الصحيح وغيره باختصار. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 397)، وفي صحيح الجامع (1676). وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1883): أخرجه أبو داود والحاكم بكماله وقال صحيح على شرط الشيخين وضعفه ابن حبان ورواه النسائي وابن ماجه مختصرا. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 438): رواه أبو داود الطيالسي بسند الصحيح.
الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة.
قوله: فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد معناه لم يلحد.
قوله: "فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير" الحديث، الطير بالنصب اسم كأن أي رأس كل واحد الطير يريد سيده فلا يتحرك وهذه كانت صفة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم أطرق وجلساؤه كأنما على رءوسهم الطير يريد أنهم يسكتون فلا يتكلمون وصفهم بالسكون والوقار وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شيء ساكن
(1)
.
وقال الجوهري: قوله: كأن على رءوسهم الطير إذا سكتوا من هيبته وأصله أن الغراب إذا وقع على رأس البعير فيلقط منه [الحبة أو الجمانة] فلا يحرّك البعير رأسه لئلا ينفر عنه الغراب
(2)
، اهـ.
قوله: "وبيده عود ينكت به في الأرض" ينكث معناه يحفر لأنه يقال نكث في الأرض إذا أثر فيه بقضيب أو نحوه، ونكث بالحصا إذا ضرب به في الأرض كما يفعل المتفكر المهتم
(3)
.
قوله: "فرفع رأسه فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا" الحديث، تقدم الكلام على عذاب القبر في أحاديث الباب.
(1)
الغريبين (4/ 1196)، والنهاية (3/ 150).
(2)
الصحاح (2/ 728).
(3)
مشارق الأنوار (2/ 12) ومطالع الأنوار (4/ 159 - 160).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يسمع خفق نعالهم" وفي حديث أنس الذي تقدم: إنه ليسمع قرع نعالهم، تقدم معنى القرع والخفق في الحديث المذكور.
قوله: "ويأتيه ملكان فيجلسانه" تقدم معنى ذلك.
قوله: "فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي" أي صدق بما يقول فإنه كان في الدنيا على هذا الاعتقاد الخالص فابسطوا له بساطا من بُسط الجنة [واكسوه] من الجنة، وإن تفسيرية أي صدق عبدي ويجوز أن تكون مصدرية وهي وما بعدها مجرور والجار محذوف ويكون علة لما بعده تقديره لئن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة. وكذلك قوله: أن كذب. وقال في المؤمن: صدق عبدي، فذكره بالعبودية وأضافها إليه ولم يقل في الكافر شيئا من ذلك تشريفا للمؤمن دون الكافر والله أعلم.
وقوله: فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة بألف القطع هكذا الرواية، أي اجعلوا له فرشا من فرش الجنة أو ابسطوا له فيكون أفرش بمعنى فرش أو أعطوا له فراشا
(1)
.
قوله: "فيأتيه من رَوحها" هو بفتح، "فيفسح له في قبره مدّ بصره" أي الغاية التي ينتهي إليها إدراك بصره والمراد به رفع الحجاب قدامه فيرى ما يمكنه أن يراه
(2)
، اهـ.
قوله: "فيأتيه من روحها" هو بفتح الراء، [أي] من رائحة الجنة ولذتها،
(1)
الميسر (1/ 75)، وتحفة الأبرار (1/ 116).
(2)
الميسر (1/ 75).
فيأتيه روحها على مذهب الأخفش، أو بعض روحها أو شيء من روحها، فلم يؤت به إلا ليفيد أنه مما لا يقادر قدره ولا يوصف كنهه
(1)
.
قوله: "فتعاد روحه في جسده" الحديث، الروح مؤنث وتذكر وهي أجسام لطيفة متخللة في البدن تذهب الحياة بذهابها وليس عرضا كما قاله قوم ولا دما كما قاله آخرون، وفيها أقوال كثيرة للعلماء
(2)
.
قال الشيخ الكمال الدميرى: أخبرني الشيخ أبو [هريرة] زين الدين ابن النقاش عن قاضي القضاة إبراهيم برهان الدين بن جماعة قال: وقفت على مؤلف في الروح [للناس]
(3)
فيه ألف قول اهـ، وليس هذا ببعيد لأنه ذكر الناس في [حكم التصوف] ما يزيد على ألف قول
(4)
اهـ.
قال الإمام أبو عبد الله القرطبي
(5)
: اعلم أن الروح والنفس شيء واحد وهو الذي يُقبض بالموت وأنه جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة يحدث ويخرج وفي أكفانه يلف ويُدرج وبه إلى السماء يعرج لا يموت ولا يفنى وهو مما له أول وليس له آخر وهي بعينين ويدين وأنه ذو ريح طيب وخبيث، وهذه صفة الأجسام لا صفة الأعراض. وقد اختلف الناس في الروح اختلافا كثيرا، أصح ما قيل فيه ما ذكرناه لك، وهو مذهب أهل السنة
(1)
شرح المشكاة (2/ 595).
(2)
شرح النووى على مسلم (6/ 223).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
انظر رياض الأفهام (2/ 517)، والاعلام (3/ 501).
(5)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 367) شيء.
أنه جسم، وقد قال الله تعالى:(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)
(1)
. قال أهل التأويل: يريد الأرواح، وقال تعالى:(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83))
(2)
يعني النفس عند خروجها من الجسد، وهذه [صفة الجسم ولم يجر لها ذكر في الآية لدلالة الكلام عليه انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فتعاد روح في جسده" هذه] حياة أخرى غير الحياة المألوفة في دار الدنيا بل [هي حياة أخرى بل] تعاد الروح إلى الجسد إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا يُسأل ويمتحن في قبره فهذا حق وقد دل عليه النص الصريح وهو قوله: "فتعاد روحه إلى جسده" فهذا لا يدل على حياة مستقرة، وإنما تدل على إعادة لها إلى البدن وتعلق به والروح لم تزل متعلقة ببدنها وإن بَلِي وتمزق، وسر ذلك أن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام.
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه وتفارقه من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ فإنها وإن فارقته [وتجردت عنه فإنها لم تفارقه]
(3)
فراقًا كليا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة. وقد ذكرنا من
(1)
سورة الزمر، الآية:42.
(2)
سورة الواقعة، الآية:83.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
الأحاديث والآثار ما يدل على ردها إليه وقت سلام المسلم على الميت وهذا الردّ إعادة خاصة لا توجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا، قاله في كتاب الروح
(1)
.
وقال أبو عمر بن عبد البر
(2)
: أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المتقين على أفنية قبورهم. وقال ابن عبد البر في شرح حديث ابن عمر: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، الحديث. قال: وقد استدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور، وهو أصح ما ذُهب إليه في ذلك والله أعلم. إن الأحاديث بذلك أحسن مجيئا وأثبت نقلا من غيرها. قال: والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا على أنها تلزم ولا تفارق أفنية القبور.
وقال مالك رحمه الله تعالى أنه بلغنا أن الأرواح تسرح حيث شاءت.
[قال:] وعن مجاهد أنه قال: الأرواح على أفنية القبور: سبعة أيام من دفن الميت لا [تفارق] ذلك، قاله صاحب كتاب الروح
(3)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء: هاه هاه لا أدري، الحديث]. [قال الحافظ:
(1)
الروح (ص: 44).
(2)
ابن عبد البر في التمهيد (14/ 109).
(3)
الروح (ص: 92).
هي كلمة تقال في الضحك وفي الإيعاد. وقد يقال للتوجع وهو أليق بمعنى الحديث واللّه أعلم. اهـ. وقال بعض العلماء: هاه هاه، هذه كلمة تقال في الإيعاد وفي حكاية الضحك وقد يقال للتوجع فتكون الهاء في الأولى مبدلة من همزة آه وهو الأليق بمعنى هذا الحديث يقال: تأوّه وتهوّه آهة وهاهة، اهـ. قاله في النهاية.
(1)
وقال القرطبي
(2)
: هاه هاه هي حكاية صوت المبهور من تعب أو جري ثقيل، اهـ.
وقال بعضهم: هاه هاه بسكون الهاء بعد الألف كلمة يقولها المتحير في الكلام من الخوف أو من عدم الفصاحة وليس لها معنى لكن إذا صدرت هذه الكلمة من شخص علم أنه لا يقدر على الجواب، اهـ.
قوله: "ويضيق عليه في قبره حتى تختلف فيه أضلاعه" الحديث]
(3)
، [أي يتجاوز أضلاعه من كل جنب إلى جنب الآخر وفي حديث آخر فيقال للأرض التئمي عليه أي اجتمعي فتلتئم أي فتجتمع عليه. وخرج الخلال بإسناد ضعيف عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكافر: يضيق عليه قبره حتى يخرج دماغه من بين أظفاره ولحمه. وقد ورد ما يدل على أن التضييق
عام للمؤمن والكافر، وصرّح بذلك طائفة من العلماء منهم ابن بطة وغيره.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 284).
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 358).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
فروى شعبة سعد بن إبراهيم عن نافع عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناج منها لنجا منها سعد بن معاذ. خرّجه الإمام أحمد
(1)
. وفي الحديث فإنه لو نجا منه أحد نجا [منها] سعد بن معاذ [ولكنه] لم يزد على ضمه، خرجه الطبراني
(2)
.
وفي حديث آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن صبيا أو صبية وقال: لو نجى أحد من ضمة القبر لنجا منه هذا الصبي. خرجه الخلال، والطبراني
(3)
،
(1)
مسند أحمد (24283)، والحديث أخرجه إسحاق بن راهوية (1114)، والحارث بن أبي أسامة، "بغية الباحث"(279)، والطبري في تهذيب الآثار (897)(مسند عمر بن الخطاب)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (106)، وعلي بن الجعد - كما في الجعديات (1566) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (274) و (275)، وابن حبان (3112) والبيهقي في إثبات عذاب القبر (107)، وفي "شعب الإيمان "(392)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 46): رواه أحمد، عن نافع، عن عائشة، وعن نافع، عن إنسان، عن عائشة، وكلا الطريقين رجالها رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (5306)، والصحيحة (1695).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6593)، والكبير (10/ 334/ 10827)، ورواه ابن عدي في الكامل (2/ 321 - 322)، والضياء في المختارة (1824 - 1826)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 47) رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله موثقون. ورواه الطبراني (4/ 121/ 3858) من حديث أبي أيوب، وصحح الألباني هذه الرواية في: الصحيحة (2164).
(3)
المعجم الأوسط (2753)، وابن عدي في الكامل (3/ 20)، وقال ابن عدي: ولثمامة عن أَنَس أحاديث وأرجو أنه لا بأس به، وأحاديثه قريبة من غيره، وهو صالح فيما يرويه عن أَنَس عندي. ميزان الاعتدال (1/ 372) هذا منكر. وقال ابن رجب في أهوال القبور (ص: 102): خرجه =
وخرج ابن أبي الدنيا
(1)
. عن عبيد الله بن محمد التيمي قال: سمعت أبا بكر التيمي شيخا من قريش كان يقال: أن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة إذا غاب عنها ولدها ثم قدم عليها فمن كان مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان لله عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها وقد يرفع عذاب القبر أو بعضه في بعض الأشهر الشريفة، فروي بإسناد ضعيف عن أنس بن مالك أن عذاب القبر يرفع عن الموتى في شهر رمضان، وكذلك فتنة القبر عمن مات يوم الجمعة وليلة الجمعة، والله أعلم، قاله ابن رجب
(2)
في كتابه في زيارة الموتى]
(3)
.
[قوله في الحديث: "ثم يقيض له أعمى" ويقيض يقدر من القيض أصله وهو القشر الأعلى من البيض فقولك قيّض الله لي فلانا أي أباحه واستولى عليّ استيلاء القيض على البيض
(4)
ويقيض بضم الياء الأولى وفتح الثاني أي يقدر
= الخلال والطبراني وقد اختلف فيه على حماد فرواه جماعة عن عثمان مرسلا والمرسل هو الصحيح عند أبي حاتم الرازي والدارقطني. وأخرجه أبو يعلى كما في "المطالب العالية"(رقم: 4532) وصحّح إسناده الحافظ ابن حجر. وانظر "الصحيحة"(5/ 196).
(1)
انظر: أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور (ص: 59) لابن رجب
(2)
أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور (ص: 59) تفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 373).
(3)
حصل تقديم لهذه الصحيفة في النسخة الهندية وأدرجت في حاشية اللوح 115 من النسخة الهندية.
(4)
الميسر (1/ 75).
ويوكل عليه الزبانية، لا عين له حتى يرى عجزه وجريان دمعه فيرحمه
(1)
.
قوله: "أبكم" وفي رواية أصم، لا يسمع عويله فيرق له.
قوله: "معه مرزبة من حديد" المسموع في الحديث بتشديد الباء ولكن في
(2)
اللغة بتخفيف الباء وهو الشيء الذي يكسر به المدر والإرزبة مثلها
(3)
ولكن الباء من الإرزبة بتشديد الباء بخلاف المرزبة، وفي مواضع أخر قال يرويها المحدثون بتشديد الياء والصواب تخفيفه وتشديد الباء إذا أبدلت الميم بالهمزة
(4)
والله أعلم.
قوله: "لو ضرب بها جبلا لصار ترابا فيصير ترابا ثم يعاد فيه الروح " معناه أن العذاب لا ينقطع عنهم بإفنائهم مرة بل تعاد فيهم الروح مرة أخرى بعد إفنائهم
(5)
، ا هـ.
قوله: "فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلين" تقدم الكلام على الثقلين في مواضع.
قوله: "فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض في جسده" الحديث، قد ثبت أن روح النائم تصعد حتى تخترق
(1)
المفاتيح (1/ 233).
(2)
المفاتيح (1/ 233).
(3)
المفاتيح (1/ 233).
(4)
الميسر (1/ 75).
(5)
شرح المصابيح (1/ 142).
السبع الطباق وتسجد لله تعالى بين يدي العرش ثم ترد إلى جسده في أيسر زمان، وكذلك روح النائم الميت تصعد بها الملائكة حتى تجاوز السبع السماوات وتقف بين يدي الله فتسجد له وتقضي فيها قضاءه ويريها الملك ما أعد الله لها في الجنة ثم تهبط فتشهد غسله وحمله ودفنه، وقد تقدم في حديث البراء هذا: اكتبوا كتاب عبدي في عليين ثم أعيدوه إلى الأرض، فتعاد إلى القبر وذلك في مقدار تجهيزه وتكفينه، فقد صرح بذلك في حديث ابن عباس حيث قال: فيبسطون به على قدر فراغهم من غسله وإكفانه فيدخلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه.
وقد ذكر أبو عبد الله بن مندة من حديث عيسى بن عبد الرحمن فذكره إلى أن قالى: حدثنا عامر بن سعد عن إسماعيل بن طلحة عن عبيد الله عن أبيه قالى: أردت مالي بغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله بن عمرو بن حزام فسمدت قراءة من القبر لم أسمع أحسن منها فجئت إلى رسولى الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: ذلك عبد الله، ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت وعلقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم التي كانت به، ففي هذ الحديث بيان سرعة انتقال أرواحهم من العرش إلى الثرى ثم انتقالها من الثرى إلى مكانها والله أعلم، قاله في كتاب الروح (1).
مسألة: هل تعاد الروح إلى الميت في قبره وقت السؤال أم لا تعاد؟ فقد كفانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر هذه المسألة وأغنانا عن أقوال الناس حيث صرح بإعادة الروح إليه في حديث البراء المطول قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه. وذهب إلى هذا القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف والله أعلم، قاله في كتاب الروح
(1)
.
قوله: "فيقول الله عز وجل: اكتبوا كلتاب عبدي في عليين" الحديث.
قال ابن عباس لكعب الأحبار: فقال يا كعب كل ما في القرآن قد عرفت غير أربعة أشياء فأخبرني عنهم ما سجين وما عليون وما سدرة المنتهى وما قول الله عز وجل لإدريس ورفعناه مكانا عليا. قال: أما عليون فالسماء السابعة فيها أرواح المؤمنين وأما سجين فالأرض السابعة السفلى وأرواح الكفار تحت خد إبليس فذكره
(2)
هذا على قول من قال إن أرواح المؤمنين في عليين في السماء وأرواح الكفار في سجين في الأرض السابعة، فهذا قول قد قاله جماعة من السلف والخلف ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم عند موته: اللهم الرفيق الأعلى
(3)
، وتقدم حديث أبي هريرة أن الميت إذا خرجت روحه عرج بها إلى
(1)
الروح (ص: 41).
(2)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1223)، وابن وهب في التفسير (62) و (151).
(3)
أخرجه البخاري (4436) و (4437) و (4438) و (4449) و (4451) و (4463) و (6348) و (6509) و (6510)، ومسلم (87 - 2444) عن عائشة.
السماء حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة التي فيها الله عز وجل
(1)
.
وتقدم قوله في حديث البراء وفيه ورواه أحمد وفيه أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع]
(2)
من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة، الحديث. وخرّج ابن أبي الدنيا من طريق يونس عن الحسن قال: إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة من الملائكة فيقبضون روحه فيعرجون به إلى سماء الدنيا فتلقاهم أرواح المؤمنين الماضين فيريدون أن يستخبروه فتقول الملائكة ارفقوا به فإنه خرج من كرب عظيم، فيسأله الرجل عن أخيه وعن صاحبه فيقول هو كما عهدت حتى يستخبروه عن الرجل الذي قد مات قبله فيقول: ما أتى عليكم؟ فيقولون: أوَ قد مات؟ فيقول: إي والله. فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية
(3)
، انتهى.
وفي الحلية في ترجمة وهب بن منبه أنه قال: إن لله تعالى في السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين
(4)
الحديث.
(1)
أخرجه أحمد 2/ 364 (8769)، وابن ماجه (4262)، والنسائى في المجتبى 4/ 16 (1849)، والكبرى (11378) و (11925)، وحسنه الألبانى في المشكاة (1627)، وانظر الروح (ص 105 و 107).
(2)
سقط هذا اللوح [] من النسخة الهندية.
(3)
أهوال القبور (ص 26 - 27).
(4)
حلية الأولياء (4/ 60)، وأهوال القبور (ص 27).
قوله: "إلا قالوا ما هذا الروح الطيب" هذا في وصف المؤمن ذكر الروح مذكرا والروح يذكر ويؤنث وكذلك في قوله: "انطلقوا به" أي بالروح، قوله:"رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي" الحديث، أي فأخبرهم بأن حال طيب ليفرحوا
(1)
، اهـ.
قوله: "فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الريح الخبيث؟ " الحديث، الملأ الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم
(2)
.
قوله: "ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
(3)
" الآية، سم الخياط بفتح السين وضمها وكسرها، الفتح أشهر وبه قرأ القراء السبعة وهو ثقب الإبرة، وكل ثقب ضيق فهو سم والجمع السموم ومسام الإنسان هي [ثقبه المتسعة]، [ومعناه لا يدخلون الجنة أبدًا كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة أبدا، ذكره النووي
(4)
في شرح مسلم]
(5)
، [والجمل]
(6)
أراد به الحيوان المعروف لأنه أعظم الحيوان المتداولة للإنسان جثة فلا يلج إلا في باب واسع.
(1)
المفاتيح (1/ 227).
(2)
شرح النووى على مسلم (1/ 253).
(3)
سورة الأعراف، الآية:40.
(4)
شرح النووي على مسلم (17/ 125).
(5)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وهو جمل السفينة، قرأه ابن عباس، حكاه الجوهري).
(6)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
قال الشاعر:
لقد عَظُمَ البعيرُ بغيرِ لُبٍّ
…
فَلَمْ يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البعيرُ
(1)
وقُرئ الجمل وهو جمل السفينة، قرأه ابن عباس، حكاه الجوهري. قوله: فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، تقدم في حديث كعب ذكر سجين. قال القرطبي
(2)
: وقد جاء أن أرواح الكفار في سجين، قيل في الأرض السابعة وقيل تحتها وقيل في سجين وهي صخرة سوداء على شفير جهنم أعاذنا الله منها بمنه وكرمه.
قوله: "ثم تطرح روحه طرحما، ثم قرأ:(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)
(3)
" والسحيق البعيد من سحق بالضم إذا بعد ومنه قيل للثوب الخلق البالي السحق لأنه بعد عن الانتفاع.
وقوله: "فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين " تقدم معنى الثقلين في الباب. قول الحافظ: حديث البراء حديث حسن وهو مشهور بالمنهال بن عمرو، عن زادان، عن البراء، كذا قال أبو موسى الأصبهاني إلى آخر ترجمته. والمنهال هو ابن عمرو الأسدي الكوفي، روى عنه كبار التابعين، روى له الجماعة سوى مسلم، وحديث منهال رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ورواه أبو عوانة الإسفرايني في صحيحه وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث
(1)
العباس بن مرداس، ديوانه 58.
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 428).
(3)
سورة الحج، الآية:31.
جميع أهل السنة، اهـ. وزادان من الثقات روى عن أكابر الصحابة كعمر وغيره، وروى له مسلم في صحيحه.
[قوله: "المنهال بن عمرو تفرد بهذه الزيادة" وهي قوله: تعاد روحه في جسده، وضعفه، فالمنهال أحد الثقات العدول. قال ابن معين المنهال ثقة وأعظم ما قيل فيه أنه سمع من بيته صوت غناء وهذا لا يوجب القدح في روايته وإطراح حديثه. وقال بعضهم تركه شعبة عمدا بسبب أنه سمع من بيته طبنبورا فرجع ولم يسمع منه]
(1)
.
قال الحاكم: هذا الحديث فيه شواهد كثيرة لأهل السنة وقمع للمبتدعة وقد تكلم ابن حزم في المنهال ولم يحتج بحديثه الطويل في عذاب القبر ولا يلتفت لكلام ابن حزم فيه بعد احتجاج الشيخين به، ولما رآى ابن حزم
(2)
حديثه هذا رادا على معتقده في إنكار تعذيب الأجساد في قبورها طعن فيه وطعنه مردود والحديث صحيح دال على أن عذاب القبر يلحق الجسد على الكيفية التي علمها الله سبحانه، اهـ، قاله القرطبي في كتاب التذكار
(3)
.
قوله في الترغيب في حديث عيسى بن المسيب: "ويضربانه بمرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يقلوها"، [وقوله: لم يقلّوها]، أي لم يرفعوها.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
انظر المحلى لابن حزم (1/ 22).
(3)
انظر: كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح (1/ 121).
[5397]
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمُؤمن إِذا قبض أَتَتْهُ مَلَائِكَة الرَّحْمَة بحريرة بَيْضَاء فَيَقُولُونَ اخْرُجِي إِلَى روح الله فَتخرج كأطيب ريح الْمسك حَتَّى إِنَّه ليناوله بَعضهم بَعْضًا فيشمونه حَتَّى يَأتُوا بِهِ بَاب السَّمَاء فَيَقُولُونَ مَا هَذِه الرّيح الطّيبَة الَّتِي جَاءَت من الأَرْض وَلَا يأْتونَ دَمَاء إِلَّا قَالُوا مثل ذَلِك حَتَّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَلهم أَشد فَرحا بِهِ من أهل الْغَائِب بغائبهم فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان فَيَقُولُونَ دَعوه حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي غم الدُّنْيَا فَيَقُول قد مَاتَ أما أَتَاكُم فَيَقُولُونَ ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية وَأما الْكَافِر فيأتيه مَلَائِكَة الْعَذَاب بمسح فَيَقُولُونَ اخْرُجِي إِلَى غضب الله فَتخرج كأنتن ريح جيفة فَيذْهب بِهِ إِلَى بَاب الأَرْض رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
وَهُوَ عِنْد ابْن مَاجَه بِنَحْوِهِ بِإِسْنَاد صَحِيح.
(1)
ابن حبان (3013)، (3014)، وأخرجه النسائي 4/ 8، وفي الكبرى (1972 و 11926)، (11927)، والطبراني في معجمه الأوسط (742) وقال أبو نعيم في الحلية: بعد أن ذكر رواية القاسم بن الفضل الحدانى رواه هشام عن قتادة. وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: قال أبو نعيم وراوه موسى وبندار عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة مثله مرفوعا. ومن أصحاب قتادة من رواه موقوفا ورواه همام عن قتادة عن أبى الجوزاء عن أبى هريرة مرفوعا نحوه. قلت: رواه والطيالسي (2389) ابن حبان (3013)، والحاكم في المستدرك (1/ 352) وقال هذه الأسانيد كلها صحيحة، وشاهدها حديث البراء بن عازب. قال أبو حاتم ابن حبان: هذا الخبر رواه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة نحوه مرفوعا. قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 450): والكل صحيح وشاهدها حديث البراء قلت: وأصله عند مسلم (2872) بنحوه مختصرا عن أبي هريرة فذكره وقال في آخره فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه.
قوله في حديثه: "حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائب بغائبهم، فيقولون ما فعل فلان؟ فيقولون دعوه حتى يستريح " الحديث، وذكر معاوية بن يحيى عن عبد الرحمن بن سلمة أن إبراهيم المسمعي حدثه أن أبا أيوب الأنصاري.
(1)
حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل
(1)
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (4/ 129/ 3887)، وفي معجمه الأوسط (148)، وفي مسند الشاميين: 1544، والكامل لابن عدي (3/ 302)، وعنه ابن الجوزي في العلل المتناهية 1522، وفي التبصرة (1/ 298)، وابن حبان في المجروحين (1/ 339).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 327)، رواه الطبراني في الكبير والاوسط وفيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. وقال ابن عدي (3/ 302)، ثنا محمد بن عيسى بن سميع عن ثور بن يزيد عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب نحوه ولم يرفعه ولم يذكر في الإسناد خالد بن معدان.
قال ابن عدي، وهذا الحديث جاء توصيله إلى النبي صلى الله عليه وسلم من رواية سلام عن ثور بن يزيد ألا ترى ابن سميع رواه عن ثور فأسقط من الإسناد خالدا وأوقفه ولم يرفعه ولسلام أحاديث صالحة غير ما ذكرته وعامة ما يرويه عمن يرويه عن الضعفاء والثقات لا يتابعه أحد عليه. وروي من طريق آخر عن أبي أيوب: أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (4/ 130/ 3889) نحوه باختصار.
قلت: فيه عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي لم أجد له ترجمة. وابن سلامة كذلك. ومحمد بن إسماعيل بن عياش لم يسمع من أبيه ومحمد ضعيف. وقد تابعه مسلمة كما تقدم لكن مسلمة متروك. وفي الباب مرسل الحسن: أخرجه الحاكم في مستدركه ج 2/ ص 582 حديث رقم: 3968، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة 2166.
وقال الحاكم: هذا حديث مرسل صحيح الإسناد فإني لم أجد لهذه السورة تفسيرا على شرط الكتاب فأخرجته إذ لم أستجز إخلاءه من حديث.
الرحمة من عند الله كما يتلقى البشير في الدنيا، فيقولون: أنظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد فيسألونه ماذا فعل فلان وماذا فعلت فلانة هل تزوجت فلانة؟ فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال: إنه قد مات قبلي، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية. قاله في كتاب الروح
(1)
، وفي الحلية
(2)
في ترجمة وهب بن منبه أنه قال: إن لله تعالى في السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواح يسألونه عن أرواح الدنيا كما يسأل الغائب أهله إذا قدم عليهم.
[5398]
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ شَهِدنَا جَنَازَة مَعَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فرغ من دَفنهَا وَانْصَرف النَّاس قَالَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم إِنَّه الْآن يسمع خَفق نعالكم أَتَاهُ مُنكر وَنَكِير أعينهما مثل قدور النّحاس وأنيابهما مثل صياصي الْبَقر وأصواتهما مثل الرَّعْد فيجلسانه فيسألانه مَا كانَ يعبد وَمن كانَ نبيه فَإِن كانَ مِمَّن يعبد الله قَالَ أعبد اللّه ونبيي رواه الطبراني في الأوسط
(3)
وقال تفرد به ابن لهيعة.
قال الحافظ ابن لهيعة حديثه حسن في المتابعات وأما ما انفرد به فقليل من يحتج به والله أعلم صياصي البقر قرونها.
(1)
الروح (ص: 20).
(2)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 60).
(3)
المعجم الأوسط (4629). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 54): رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به ابن لهيعة، قلت: وفيه كلام. الألباني في السلسلة الضعيفة (5385)، وضعيف الترغيب والترهيب (2/ 407).
قوله: "وعنه رضي الله عنه" تقدم الكلام عليه.
قوله: "شهدنا جنازة مع نبي الله صلى الله عليه وسلم" شهدنا بمعنى حضرنا، وتقدم الكلام على الجنازة وعلى قوله: إنه الآن يسمع خفق نعالكم.
قوله: "أتاه منكر ونكير أعينهما مثل قدور النحاس" المنكر والنكير كلاهما ضد المعروف، سميا بذلك لأن الميت لم يعرفهما ولم ير صورة مثل صورتهما.
قوله: "وأنيابهما مثل صياصي البقر" أي [قرونها]. قاله الحافظ، وقال بعض العلماء: صياصي البقر قرونها، واحدها صيصة بالتخفيف.
قوله: "جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه " أي جاءنا بالمعجزات الدالة على نبوته والهدى أي الدلالة الموصلة إلى البغية واتبعناه فيما جاء به إلينا اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
قوله: "ويسلط عليه عقارب وتنانين" جمع تنين. تتمة: قال سهيل بن عمار: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: أتاني في قبري ملكان فظان غليظان فقالا لي: ما دينك ومن نبيك ومن ربك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت: أَلِمثلي يقال هذا وقد علَّمتُ الناس جوابكما ثمانين سنة فذهبا وقالا أكتبت عن حريز بن عثمان. قلت: نعم. فقالا: إنه كان يبغض عليا فأبغضه الله تعالى
(1)
، اهـ. قاله في الديباجة، وتقدم الكلام على ذلك.
[5399]
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قبر الْمَيِّت أَو قَالَ أحدكُم أَتَاهُ ملكان أسودان أزرقان يُقَال لأَحَدهمَا الْمُنكر وَللْأَخر
(1)
شرف أصحاب الحديث (226).
النكير فَيَقُولانِ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول مَا كَانَ يَقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله أشهد أَن لا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُولَانِ قد كنَّا نعلم أنَك تَقول هَذَا ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا فِي سبعين ثمَّ ينور لَهُ فِيهِ ثمَّ يُقَال لَهُ نم فَيَقُول أرجع إِلَى أَهلِي فَأخْبرهُم فَيَقُولَانِ نم كنومة الْعَرُوس الَّذِي لا يوقظه إِلَّا أحب أَهله إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك وَإِن كَانَ منافقا قَالَ سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فَقلت مثله لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول ذَلِك فَيُقَال للْأرْض التئمي عَلَيْهِ فتلتئم عَلَيْهِ فتختلف أضلاعه فَلَا يزَال فِيهَا معذبا حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
(1)
وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
الْعَرُوس يُطلق على الرجل وعَلى الْمَرْأَة مَا داما فِي أعراسهما.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت أو قال أحدكم: أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير" الحديث، قال صاحب [الغريبين]
(3)
يقال
(1)
سنن الترمذي (1071).
(2)
صحيح ابن حبان (3117)، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (864)، والأجري في الشريعة (ص 365)، والبيهقي في إثبات عذاب القبر (56)، واللالكائي (2137 و 2138) وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 108) (ص: 1887) أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة. وحسنه الألباني في الصحيحة (1391)، وفي صحيح الترغيب والترهيب (3/ 402)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (724).
(3)
غريب القرآن لابن قتيبة (ص: 439).
قبرته أي دفنته وأقبرته أي جعلت له قبرا، وقوله في الملكين أسودان قيل أراد به سواد منظرهما وأزرقان أراد به زرقة أعينهما لما في سواد اللون وزرقة العين من الهول والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ولذلك قالوا في صفة العدو أنه أصفر اللون أزرق العين ويحتمل أن يكون المراد بالسواد قبح المنظر وفظاظة الصورة، يقال كلمت فلانا [فما رد] علي [سوداء] ولا بيضاء أي فما أجابني بكلمة قبيحة ولا حسنة وبالزرقة تقليب البصر وتحديد النظر، يقال زرقت عينه إذا انقلبت وظهر بياضها وهي كناية عن شدة الغضب فإن الغضبان ينظر إلى المغضوب عليه شزرا بحيث تنقلب عينه ويحتمل أن يراد بالزرقة العمى فإن العين إذا ذهب نورها تزرقت.
قال الله تعالى: (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)
(1)
أي عميا عيونهم لا نور لها، ويؤيد هذا قوله في الحديث: فيقيض له أعمى وإنما أتاه الملكان على هذه الصورة المذكورة ليكون خوفهما أشد على الكفار ليتحيروا في الجواب، والمؤمنون لا يخافون منهما بأن ينطق الله ألسنتهم بجوابهما مكافأة لخوفهم من الله سبحانه في الدنيا وهذه الصورة نعم المؤمن والكافر والصالح والطالح لقوله: إذا قُبر الميت
(2)
. قيل يسمى المنكر والنكير ملكي الكفار فأما ملكا المؤمنين فسميا بالمبشر والبشير
(3)
.
(1)
سورة طه، الآية:102.
(2)
المفاتيح (1/ 226).
(3)
فتح البارى (3/ 237).
قوله: [لهما] منكر ونكير كلاهما ضد المعروف [يقول] لمن يعرفه معروف ولمن لا يعرفه منكر ونكير سميا به لأن الميت لم يعرفهما ولم ير صورتهما ومثلهما
(1)
.
قوله: "فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا" الحديث، أي إما بإخبار الله تعالى إياهما ومشاهدة أثر السعادة عليه لجوابه المطابق لرضى الله تعالى. قوله:"ثم ينور له " أي يجعل له في قبره نور وضياء، فالقبر منزل من منازل الآخرة يعني للآخرة منازل أولها القبر ومنها عرصة القيامة ومنها الوقوف عند العرض ومنها الوقوف عند الميزان ومنها المرور على الصراط ومنها الجنة والنار.
قوله: "فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل؟ " يعني بالرجل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يقوله بهذه العبارة التي ليس فيها تعظيم امتحانا للمسئول لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة السائل ثم يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
(2)
. وتقدم أيضا مثل هذا.
قوله: "فيقولان له نم كنومة العروس " يطلق على الرجل وعلى المرأة ما داما في أعراسهما، قاله الحافظ: وإنما مثل استراحة الميت بنومة العروس لأنه أعز أحوال الإنسان وأرغده في الاستراحة، اهـ. فالعروس عبارة عن عزته وتعظيمه عند أهله [لميتُه] غداة ليلة وفاته وإنما ضرب المثل بنومة العروس لأن الإنسان أعز ما يكون في أهله وذويه وأرغد وأنعم ليلة الأعراس وفي
(1)
المفاتيح (1/ 226).
(2)
شرح النووى على مسلم (17/ 203).
أمثالهم كاد العروس أن يكون أميرا
(1)
، اهـ.
قوله: "حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك "، المضجع بفتح الجيم، وتقدم الكلام عليه في أذكار النوم.
5400 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمَيِّت إِذا وضع فِي قَبره إِنَّه يسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولوا مُدبرين فَإِن كَانَ مُؤمنا كَانَت الصَّلَاة عِنْد رَأسه وَكَانَ الصّيام عَن يَمِينه وَكَانَت الزَّكَاة عَن شِمَاله وَكَانَ فعل الْخيرَات من الصَّدَقَة وَالصَّلَاة وَالْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس عِنْد رجلَيْهِ فَيُؤتى من قبل رَأسه فَتَقول الصَّلَاة مَا قبلي مدْخل ثمَّ يُؤْتى عَن يَمِينه فَيَقُول الصّيام مَا قبلي مدْخل ثمَّ يُؤْتى عَن يسَاره فَتَقول الزَّكَاة مَا قبلي مدْخل ثمَّ يُؤْتى من قبل رجلَيْهِ فَيَقُول فعل الْخيرَات من الصَّدَقَة وَالْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس مَا قبلي مدْخل فَيُقَال لَهُ اجْلِسْ فيجلس قد مثلت لَهُ الشَّمْس وَقد دنت للغروب فَيُقَال لَهُ أرأيتك هَذَا الَّذِي كَانَ قبلكُمْ مَا تَقول فِيهِ وماذا تشهد عَلَيْهِ فَيَقُول دَعونِي حَتَّى أُصَلِّي فَيَقُولُونَ إِنَّك ستفعل أخبرنَا عَمَّا نَسْأَلك عَنهُ أرأيتك هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ قبلكُمْ مَاذَا تَقول فِيهِ وماذا تشهد عَلَيْهِ قَالَ فَيَقُول مُحَمَّد أشهد أَنه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنه جَاءَ بِالْحَقِّ من عِنْد اللّه فَيُقَال لَهُ على ذَلِك حييت وعَلى ذَلِك مت وعَلى ذَلِك تبْعَث إِن شَاءَ الله ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا وَمَا أعد الله لَك فِيهَا فَيَزْدَاد غِبْطَة وسرورا ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب النَّار فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك وَمَا أعد الله لَك
(1)
الميسر (1/ 74).
فِيهَا لَو عصيته فَيَزْدَاد غِبْطَة وسرورا ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا وينور لَهُ فِيهِ ويعاد الْجَسَد كمَا بَدَأَ مِنْهُ فتجعل نسمته فِي النسيم الطّيب وَهِي طير تعلق فِي شجر الْجنَّة فَذَلِك قَوْله: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)
(1)
الآيَة وَإِن الْكَافِر إِذا أُتِي من قبل رَأسه لم يُوجد شَيْء ثمَّ أُتِي عَن يَمِينه فَلَا يُوجد شَيْء ثمَّ أُتِي عَن شِمَاله فَلَا يُوجد شَيْء ثمَّ أُتِي من قبل رجلَيْهِ فَلَا يُوجد شَيْء فَيُقَال لَهُ اجْلِسْ فيجلس مَرْعُوبًا خَائفًا فَيُقَال أرأيتك هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم مَاذَا تَقول فِيهِ وماذا تشهد عَلَيْهِ فَيَقُول أَي رجل وَلَا يَهْتَدِي لاسمه فَيُقَال لَهُ مُحَمَّد فَيَقُول لَا أَدْرِي سَمِعت النَّاس قَالُوا قولا فَقلت كَمَا قَالَ النَّاس فَيُقَال لَهُ على ذَلِك حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب النَّار فَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك من النَّار وَمَا أعد الله لَك فِيهَا فَيَزْدَاد حسرة وثبورًا ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة وَيُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا وَمَا أعد الله لَك فِيهَا لَو أطعته فَيَزْدَاد حسرة وثبورا ثمَّ يضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه فَتلك الْمَعيشَة الضنكة الَّتِي قَالَ الله: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) رواه الطبراني في الأوسط
(2)
، وابن حبان في صحيحه
(3)
واللفظ له وزاد الطبراني قال أبو عمر يعني الضرير.
(1)
سورة إبراهيم، الآية:27.
(2)
المعجم الأوسط (2630)، وأخرجه عبد الرزاق (6703)، وهناد بن السري في الزهد (338)، والطبري في جامع البيان (13/ 215 - 216)، والحاكم (1/ 379 - 380) والبيهقي في الاعتقاد (ص 220 - 222)، وفي إثبات عذاب القبر (67) وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع (3/ 51 - 52): رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 491): رواه أحمد بن منيع، ورجاله ثقات، وابن حبان في صحيحه بنحوه .. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 403).
(3)
صحيح ابن حبان (3113).
قلت لحماد بن سَلمَة: كَانَ هَذَا من أهل الْقبْلَة قَالَ نعم قَالَ أَبُو عمر كَانَ شهد بِهَذِهِ الشَّهَادَة على غير يَقِين يرجع إِلَى قلبه كَانَ يسمع النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فيقوله.
5401 -
وَفِي رِوَايَة للطبراني يُؤْتى الرجل فِي قَبره فَإِذا أُتِي من قبل رَأسه دَفعته تِلَاوَة الْقُرْاَن وَإِذا أُتِي من قبل يَدَيْهِ دَفعته الصَّدَقَة وَإِذا أُتِي من قبل رجلَيْهِ دَفعه مَشْيه إِلَى الْمَسَاجِد الحَدِيث.
النَّسمَة بِفَتْح النُّون وَالسِّين هِيَ الرّوح.
قَوْله تعلق بِضَم اللَّام أَي تَأْكُل.
قَالَ الْحَافِظ: وَقد أملينا فِي التَّرْهِيب من إِصَابَة الْبَوْل الثَّوْب وَفِي النميمة جملَة من الْأَحَادِيث فِي أَن عَذَاب الْقَبْر من الْبَوْل والنميمة لم نعد من تِلْكَ الْأَحَادِيث هُنَا شَيْئا وَالْأَحَادِيث فِي عَذَاب الْقَبْر وسؤال الْملكَيْنِ كَثِيرَة وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَالله الْمُوفق لَا رب غَيره.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه
وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات عند رجله. قال: فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل، وكذلك يقول الصيام وكذلك الزكاة وكذلك فعل الخيرات"، الحديث. قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: هذا لمن أخلص في عمله لله عز وجل وصدق الله في قوله وفعله وأحسن نيته له في سره وجهره فهو الذي تكون أعماله حجة له ودافعة عنه فلا تعارض بين هذا الحديث وبين ما تقدم من الأحاديث فإن الناس مختلفوا الحال في خلوص الأعمال، اهـ. قاله في التذكرة
(1)
.
قوله: "فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس وقد دنَت للغروب" وفيه: "فيقول دعوني حتى أصلي" الحديث، ولعل هذا ممن وقي فتنة القبر فلا تعارض والحمد لله قاله في التذكرة
(2)
. أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "ويعاد الجسد لما بدئ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب " الحديث. قال الحافظ رحمه الله تعالى: النسمة الروح وهي بفتح النون والسين، اهـ. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه حتى يرجعه الله إلى جسده ثم يبعثه، [انتهى]. وقال أبو عمر بن عبدالبر
(3)
: فالنسمة [هنا] الروح. وقال: وقيل النسمة الروح والنفس والبدن وأصل هذه اللفظة أعني النسمة الإنسان بعينه وإنما قيل للروح نسمة والله أعلم لأن حياة الإنسان بروحه فإذا فارقته عُدِم أو صار [كالمعدوم]،
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 405).
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 423).
(3)
ابن عبد البر في التمهيد (11/ 58).
والدليل على أن النسمة الإنسان قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق نسمة مؤمنة"
(1)
، وقوله علي رضي الله عنه: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة
(2)
. وقال الخليل بن أحمد: النسمة الإنسان، وقال: النسمة نفس الروح والنسيم هبوب الريح
(3)
، اهـ.
وقال في شرح مشارق الأنوار
(4)
: النسمة هي النفس أخذت من النسيم وهي الريح اللينة الطيبة إذ حياة النفوس بالأنفاس وقد نسمت الريح نسما ونسيما، اهـ.
قوله في النسيم والنسم بفتح النون والسين واحدته نسمة وهي نفس الإنسان والمراد أرواح بني آدم، وقد جاء أن أرواح الكفار في سجين، وقيل في الأرض السابعة وقيل تحتها وأرواح المؤمنين منعمة في الجنة. قاله في التنقيح
(5)
.
قوله: "وهي طير يعلق في شجر الجنة" ولم يقل في جوف طائر، قال أبو عمر بن عبد البر
(6)
يحتمل أن تكون الروح في صور طير وهذا اختيار أبي محمد بن حزم [وأبي عمر بن عبد البر، وأما ابن حزم] فإنه قال: معنى قوله
(1)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 2/ 118 (12634)، والنسائى في الكبرى (4857)، والطبرانى الأوسط (4/ 110 رقم 3738) والكبير (1/ 109 رقم 186) عن على بن أبى طالب. قال الضياء في المختارة (2/ 325): إسناده منقطع.
(2)
أخرجه مسلم (131 - 78).
(3)
العين (7/ 275).
(4)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 26).
(5)
كشف المناهج والتناقيح (5/ 184).
(6)
ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 91) والتمهيد (11/ 64).
-صلى الله عليه وسلم نسمة المؤمن طائر يعلق، الحديث هو على ظاهره لا على ظن أهل الجهل وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن نسمة المؤمن طائر يعلق بمعنى أنها تطير في الجنة لا أنها [تمسخ] في صور الطير وهذا الذي قاله في غاية الفساد لفظا ومعنى فإن حديث نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة غير حديث أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، والذي ذكره يحتمل في الحديث الأول وأما الحديث الثاني فلا يحتمله بوجه من الوجوه فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن أرواحهم في حواصل طير خضر وأن تلك تسرح في الجنة تأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش هي لها كالأوكار للطائر
(1)
، اهـ. [وهذا] في الشهداء وقد ثبت أن أرواحهم في الجنة تسرح حيث شاءت وعلم من هذا أن الأمر يختلف بحسب حال الأرواح في القوة والضعف والكبر والصغر فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها
(2)
والله أعلم.
قوله: "يعلق في شجر الجنة" بضم اللام أي يأكل. قاله الحافظ، وقال في كتاب الروح
(3)
يعلق يروى بفتح اللام وهو الأكثر ويروى بضم اللام والمعنى واحد وهو الأكل والرعي. يقول: يأكل من ثمار الجنة ويسرح بين أشجارها والعلوقة [والمعلاق] والعلوق الرعي، تقول العرب: ما ذاق اليوم علوقا أي طعاما، ومنه قول عائشة رضي الله عنه: والنساء إذ ذاك خفاف لم يغشهن
(1)
الروح (ص 112).
(2)
الروح (ص 102).
(3)
الروح (ص: 95).
اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، وأصل اللفظة من التعلق وهو ما يعلق القلب والنفس من الغداء. قال: واختلف العلماء في معنى هذا الحديث أيضا، فقال قائلون: أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أو غير شهداء إذ لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم. قال: واحتجوا بأن هذا الحديث لم يخص فيه شهيدا من غير شهيد واحتجوا أيضًا بما روي عن أبي هريرة
(1)
أن أرواح الأبرار في عليين وأرواح الفجار في سجين، وعن عبد الله بن عمر [مثل] ذلك.
قال أبو عمر بن عبد البر
(2)
وهذا قول يعارضه من السنة ما لا مدفع في صحة نقله وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي"، الحديث. قلت: لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، وبين قوله صلى الله عليه وسلم:[إن أحدكم إذا مات] عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، وهذا الخطاب يتناول [الميت على فراشه والشهيد كما أن قوله نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة يتناول]
(3)
الشهيد وغيره ومع كونه يُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي ترد روحه أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وأما المقعد الخاص به والبيت الذي أُعدّ له فإنما يدخله يوم القيامة ويدل عليه أن منازل الشهداء ودورهم وقصورهم التي أعد الله لهم
(1)
الروح (ص: 95).
(2)
ابن عبد البر في التمهيد (11/ 60).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
ليست هي تلك القنادي التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ قطعا فهم يرون منازلهم ومقاعدهم من الجنة ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش فإن الدخول التام الكامل إنما يكون يوم القيامة ودخول الأرواح الجنة في البرزخ أمر دون ذلك، اهـ قاله في كتاب الروح
(1)
.
وقال آخرون: إنما معنى هذا الحديث في الشهداء دون غيرهم لأن القرآن والسنة مما يدلان على ذلك. أما القرآن فقوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا)
(2)
الآية، وأما الآثار فقوله صلى الله عليه وسلم:"جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها"، [وروى الطبراني
(3)
وابن أبي شيبة في مصنفه
(4)
. عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال: أرواح المؤمنين في جوف طير خضر كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة والزرزور بضم الزاي طائر من نوع العصفور وسمي بذلك لزرزرته أي تصويته. وقال
(1)
الروح (ص: 97).
(2)
سورة آل عمران، الآية:169.
(3)
المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 349/ 14167)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (446)(407/ زوائد نعيم بن حماد)، وأبو عبيد في غريب الحديث (5/ 382)، وابن أبي شيبة (36439)، وهناد في الزهد (231)، والطبري في تفسيره (15/ 592) أبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 289 - 290)(5/ 212)، وفي صفة الجنة (133)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 63 - 64)، والجورقاني في الأباطيل (300)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 329): رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن يونس ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (7/ 473): رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
(4)
مصنف ابن أبي شيبة (33978).
المنذري]
(1)
وتأوي إلى قناديل من ذهب مكللة في ظل العرش، وغير ذلك من الأحاديث الواردة بمثل ذلك. قال أبو عمر
(2)
وهذه الآثار كلها تدل على أنهم الشهداء دون غيرهم، وفي بعضها في صور طير وفي بعضها في أجواف طير وفي بعضها كطير. قال: والذي عندي والله أعلم أن يكون القول قول من قال كطير وصور طير لمطابقته لحديثنا المذكور وهو حديث كعب بن مالك وأنه قال فيه: نسمة المؤمن طائر ولم يقل في [أجواف] طائر لكن الذي في صحيح مسلم
(3)
أجواف طير خضر. قال أبو عمر: فعلى هذا التأويل كأنه صلى الله عليه وسلم قال: إنما نسمة المؤمن من الشهداء طائر يعلق في شجر الجنة
(4)
. اهـ.
وأما قول من قال إن حديث كعب في الشهداء دون غيرهم فتخصيص ليس في اللفظ ما يدل عليه وهو حمل اللفظ [العام] على أقل مسمياته فإن الشهداء بالنسبة إلى عموم المؤمنين قليل جدا، والنبي صلى الله عليه وسلم علق الخبر بوصف الإيمان [فهو المقتضي] له ولم يُعلقه بوصف الشهادة، ألا ترى أن الحكم الذي اختص بالشهيد علق بوصف الشهادة
(5)
.
قلت: وهذا أصل لمسألة عظيمة مهمة وهي [أين]
(6)
مستقر الأرواح ما
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
ابن عبد البر في التمهيد (11/ 65) انظر: الروح (ص: 97).
(3)
صحيح مسلم (121)(1887).
(4)
التمهيد (11/ 64).
(5)
الروح (ص 97 - 98).
(6)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
بين الموت إلى القيامة؟ هل هي في السماء أم في الأرض، وهل هي في الجنة والنار أو لا؟ وهي مما اختلف فيه الناس قديما، فقال قائلون أرواح المؤمنين في الجنة شهداء كانوا أو غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وهذا مذهب أبي هريرة وعبد الله بن عمر
(1)
واحتجوا بحديث كعب بن مالك وبقوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)}
(2)
فإن هذا ذكره الله تعالى عقب ذكر خروجها من البدن بالموت، وقسم الأرواح إلى ثلاثة أقسام: مقربين في الجنة منعمين، وأصحاب يمين، وحكم له بالسلامة من العذاب، ومكذبة ضالة فلهم نزل من حميم وتصلية جحيم. واحتجو أيضا بقوله تعالى:(يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27))
(3)
الآية.
وقد قال جماعة من الصحابة والتابعين: أن هذا يُقال لها عند خروجها من الدنيا يبشرها الملك بذلك ولا ينافي ذلك قول من قال أن هذا يقال لها في الآخرة فإنه يقال لها عند الموت وعند البعث.
المذهب الثاني قول مجاهد: ليس هي في الجنة ولكنهم في فنائها يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها
(4)
فيدل له ما رواه أحمد
(5)
عن ابن عباس أن
(1)
الروح (ص 90)، وتسلية أهل المصائب (ص 210 - 211).
(2)
سورة الواقعة، الآية: 88 - 89.
(3)
سورة الفجر، الآية:27.
(4)
تفسير ابن المنذر (1179)، والروح (90)، وتسلية أهل المصائب (ص 211).
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (1/ 266)، والطبراني في الأوسط (123)، والحاكم (2/ 84)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وانظر قول الهيثمي في (5/ 294)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3742)، والترغيب والترهيب (2/ 142).
النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهداء على بارق نهر على باب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم من الجنة رزقهم بكرة وعشيا وهذا لا ينافي كونهم في الجنة ورزقهم يجري عليهم فهم في الجنة ولكن لم [يصلوا] مقاعدهم منها. المذهب الثالث أنهم في أفنية القبور
(1)
.
قال مالك: بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت وإلى هذا ذهب جماعة منهم أبو عمر بن عبد البر مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، وأشباهه مثل أحاديث السلام على أهل القبور
(2)
.
والجواب أن للروح شأنا آخر تكون في أعلا عليين ولها اتصال بالبدن بحيث إذا سلم على الميت رد السلام وهي في الملأ الأعلى وإنما يغلط كثير من الناس في هذ الموضع حيث يعتقد أن الروح من [جنس] ما يعهد من الأجسام الذي إذا شغلت مكانا لا يمكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض بل الروح تكون في السماوات السبع وتعلم بالمسلم على القبور وترد عليه السلام، فروح النبي صلى الله عليه وسلم في الأفق لأعلى ويردها الله سبحانه وتعالى إلى القبر فترد السلام على من سلم عليه، وقد رأى رسول الل صلى الله عليه وسلم موسى قائما يصلي في قبره وراءه في السماء السادسة، فإما أن تكون سريعة الحركة والانتقال كلمح البصر وإما أن يكون المتصل منهما بالقبر [بمنزلة] شعاع الشمس
(1)
الروح (ص 90)، وتسلية أهل المصائب (ص 212).
(2)
الاستذكار (3/ 92)، والروح (ص 91 و 100)، وأهوال القبور (ص 116).
وجرمها في السماء [السابعة]
(1)
وكذلك روح المؤمن الميت تصعد إلى السموات السبع وتقف بين يدي الله تعالى ويقضي فيها قضاءه ويريها الملك ما أعد الله لها في الجنة ثم تهبط فتشهد غسله وحمله ودفنه ولهذا قال مالك وغيره: إن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت، وأما السلام على أهل القبور وخطابهم فلا يدل على أن أرواحهم ليست في الجنة وأنها على أفنية القبور فهذا سيد ولد آدم [صلى الله عليه وعلى أبيه وبقية إخوانه الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وسلم] الذي روحه في أعلا عليين مع الرفيق الأعلى عند قبره وترد السلام
(2)
، قاله في الديباجة.
(3)
تنبيه: وإنما تدخل أرواح الشهداء والمؤمنين والشهداء الجنة إذا لم يمنع من ذلك مانع من كبائر تستوجب بها العقوبة أو حقوق الآدميين حتى يبرأ منها ففي الحديث عن سمرة بن جندب
(4)
قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(1)
هكذا هو في الأصل، والمثبت في النسخة الهندية:(الرابعة)، ولعله خطأ.
(2)
الروح (ص 100 - 102).
(3)
انظر: الروح (ص: 97).
(4)
أخرجه الطيالسي (891)(892)، أحمد (5/ 20)، والطبراني في معجمه الكبير (7/ 178 / 6750) و 7/ 179/ 6754) الحاكم في المستدرك (2/ 25) وعند الطيالسي (891) حدثنا شعبة قال أخبرني فراس قال سمعت الشعبي قال سمعت سمرة بن جندب، ولكن هذا التحديث تكلم فيه، فقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 181/ 550): سمعت أبي يقول: هكذا رواه أبو داود وعمرو بن مرزوق عن شعبة عن فراس عن الشعبي قال سمعت سمرة، والشعبي لم يسمع من سمرة. روى سعيد بن مسروق عن الشعبي عن سمعان بن مشنج عن سمرة عن النبي. =
ها هنا أحد من بني فلان فلانا فلم يجبه أحد ثم أجابه رجل فقال: إن فلانا الذي توفي [احتبس] عن الجنة من أجل الدين الذي عليه فإن شئتم فافدوه وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله. وروى الطبراني
(1)
وابن أبي شيبة في مصنفه
(2)
عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال: أرواح المؤمنين في جوف طيور خضر كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة. الزرزور بضم الزاي طائر من نوع العصفور سمي بذلك لزرزرته أي تصويته. وقال المنذري في حواشي مختصر سنن أبي داود وهذا الحديث صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة ومنه حديث كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة، اهـ. قول الحافظ: وقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم
= وقال الحاكم في المستدرك (2/ 25) - هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف فيه من سعيد بن مسروق. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 353)، وأحكام الجنائز (ص/ 15).
(1)
المعجم الكبير للطبراني (13، 14/ 349/ 14167)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (446)(407/ زوائد نعيم بن حماد)، وأبو عبيد في غريب الحديث (5/ 382)، وابن أبي شيبة (36439)، وهناد في الزهد (231)، والطبري في تفسيره (15/ 592) أبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 289 - 290)(5/ 212)، وفي صفة الجنة (133)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 63 - 64)، والجورقاني في الأباطيل (300)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 329) رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن يونس ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (7/ 473) رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (33978).
الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر،
(1)
اهـ. قال العلماء هذا من الأحاديث التي عدّها بعض العلماء أنه ينجي من عذاب القبر، وخرّجه أبو نعيم الحافظ من حديث محمد بن المنكدر عن جابر
(2)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء، غريب من حديث جابر ومحمد، تفرد به عمر بن موسى الوجيه وهو مدني فيه ابن عن محمد بن جابر.
قال الإمام القرطبي
(3)
: اعلم أن هذا الباب لا يعارض ما تقدم من الأبواب بل يخصصها ويبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه ممن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال هذا ما [تقتضيه] ظواهر الأخبار في هذا الباب وهو مما ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد صلى الله عليه وعلى آله إلى يوم التناد. وقد روى ابن ماجه
(4)
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل الميت في قبره مثلت له
(1)
أخرجه أحمد (2/ 69)، وأبو بكر المروزي، في "الجمعة وفضلها"(12)، والترمذي (1074)، وقال الترمذي: حديث غريب، وليس إسناده بمتصل. وانظر الترغيب والترهيب (4/ 201)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5773)، وصحيح الترغيب والترهيب (3/ 405).
(2)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 156).
(3)
التذكرة (ص 423).
(4)
سنن ابن ماجه (4272)، وأخرجه ابن أبي عاصم (893)، وابن حبان (3116) قال البوصيري: هذا إسناد حسن إن كان أبو سفيان واسمه طلحة بن نافع سمع من جابر،