الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الحوض والميزان والصراط
الحوض مجتمع الماء، يقال استحوض الماء إذا اجتمع، ويجمع أحواضا وحياضًا.
5470 -
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدًا.
5471 -
وفي رواية حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
.
قوله: "عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي" تقدمت مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء" الحديث، وفي رواية: والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء، وفي رواية: وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء، وغير ذلك من الروايات. قال النووي
(3)
: الصواب المختار أن هذا العدد للآنية على ظاهره وأنها أكثر عددا من نجوم السماء ولا مانع عقلي ولا شرعي يمنع من ذلك بل ورد الشرع به مؤكدا بالقسم كما قال صلى الله عليه وسلم:
(1)
صحيح البخاري (6579).
(2)
صحيح مسلم (27)(2292).
(3)
شرح النووي على مسلم (15/ 56).
والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء. وقال عياض
(1)
: هذه إشارة إلى كثرة العدد وغاية الكثرة من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يضع العصى عن عاتقه" واللَّه أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من شرب منه لم يظمأ أبدا" أي يعطش أبدا، والظمأ مهموز مقصور كما ورد به القرآن العزيز وهو العطش. وقال القاضي عياض
(2)
: ظاهر هذا الحديث أن الشرب من الحوض يكون بعد الحساب والنجاة من النار، فهذا هو الذي لم يظمأ بعده. قال: وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار، ويحتمل أن من شرب منه من هذه الأمة وقدر عليه [دخول]
(3)
النار لا يعذب فيها بالعطش بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد وصار كافرا. قال: وقد قيل أن جميع المؤمنين من الأمم آخذون كتبهم بأيمانهم ثم يعذب اللَّه من شاء من عصاتهم، وقيل إنما يأخذه بيمينه الناجون خاصة. قال القاضي: وهذا مثله، وقد روي في الحديث: من ورد شرب، فهذا صريح في أن الواردين كلهم يشربون وإنما يمنع منه الذين يذادون ويمنعون الورود لارتدادهم وسيأتي بيان ذلك قريبا في هذا الباب واللَّه أعلم. [قال أبو العباس القرطبي
(4)
: ظاهره أن ذلك إنما يكون بعد النجاة من النار وأهوال القيامة
(1)
شرح النووي على مسلم (15/ 56).
(2)
انظر: إكمال المعلم (7/ 257). شرح النووي على مسلم (15/ 54).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (19/ 28).
لأن الوصول إلى ذلك المحل الشريف والشرب منه والوصول إلى موضع يكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمنع [منه] من أعظم الإكرام وأجل الإنعام ومن انتهى إلى مثل هذا كيف يعاد إلى حساب أو يذوق بعد ذلك [تنكيل] العذاب، فالقول بذلك أوهى من السراب، اهـ، قاله في الديباجة]
(1)
.
تنبيه: اعلم أن القرطبي وغيره صححوا أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والثاني في الجنة، وكلاهما يسمى كوثرا والكوثر في كلام العرب الخير الكثير، وذهب صاحب القوت وغيره إلى أن حوض النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعد الصراط ومنهم من قال: هو حوض واحد، اهـ. فإذا جاز المؤمنون المخلصون الصراط وردوا حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ولكل نبي حوض ورد ذلك في الترمذي: ترد عليه أمته لكل نبي على [قدره و] قدر تبعه. وقال [البكري] المعروف بابن الواسطي لكل نبي حوض إلا صالحا فإن حوضه ضرع ناقته، اهـ، إلا أن حوض نبينا [محمد]
(2)
صلى الله عليه وسلم أعظم ماء وأكثر أكوابًا وأعظم واردًا، فإذا شرب المؤمنون منه وجدوا من اللذة والبرد والراحة من ألم الموقف والاستبشار بالخلاص من يوم القصاص والصعق وإلى نعيم الجنان ما تسري لذته في حبة الجَنَان. قال القاضي عياض
(3)
: واعلم أن
(1)
حصل تقديم لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فهذا هو الذي لم يظمأ بعده. قال: وقيل لا يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار).
(2)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(3)
انظر: إكمال المعلم (7/ 260). شرح النووي على مسلم (15/ 53).
أحاديث الحوض صحيحة والإيمان به فرض والتصديق به من الإيمان وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة ولا يتأول ولا يختلف فيه. قال: وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة وذكره مسلم من رواية ابن عمر وأبي سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد اللَّه بن عمرو بن العاصي وعائشة وأم سلمة وعقبة وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة. ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر وزيد بن الأرقم وأبي أمامة وعبد اللَّه بن زيد وأبي برزة وسويد بن جبلة وعبد اللَّه الصُّنابحى والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وغيرهم. قال النووي
(1)
: ورواه البخاري ومسلم أيضًا من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن عمر وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرات. قال القاضي
(2)
: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترًا.
قال أبو العباس القرطبي
(3)
: يجب على كل مكلف أن يصدق بأن اللَّه تعالى خص سيد المرسلين بالحوض المورود المصرح باسمه وصفته وشرابه وآنيته في الأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة التي يحصل
(1)
انظر: شرح النووي على مسلم (15/ 53).
(2)
انظر: إكمال المعلم (7/ 260). شرح النووي على مسلم (15/ 53).
(3)
لم أجده.
بمجموعها العلم القطعي واليقين التواتري وقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد [على] ثلاثين صحابيا منهم في الصحيحين ما يزيد عن عشرين وباقيهم في غيرهما، ورواه من التابعين أمثالهم وقد أنكرته طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وهم ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
قوله: "وفي رواية: حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء" الحديث. قال العلماء: معناه أي يتسوي طوله [كعرضه] كما قال في حديث أبي ذر عرضه مثل طوله. [قوله صلى الله عليه وسلم: "وزواياه" جمع زاوية أي نواحيه كما قال في الحديث الآخر: ما بين ناحيتيه]
(1)
. قوله صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من الورق، هكذا هو في جميع النسخ، والورق بكسر الراء الفضة.
5472 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَوْضِي من كذَا إِلَى كذَا فِيهِ من الْآنِية عدد النُّجُوم أطيب ريحًا من الْمسك وَأحلى من الْعَسَل وأبرد من الثَّلج وأبيض من اللَّبن من شرب مِنْهُ شربة لم يظمأ أبدا وَمن لم يشرب مِنْهُ لم يرو أبدا رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا المَسْعُودِيّ
(2)
.
(1)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(2)
أخرجه البزار (7526)، والطبراني في الأوسط (5/ 185 رقم 5024). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 361: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، وفيه المسعودي، وهو ثقة، ولكنه اختلط، وبقية رجالهما رجال الصحيح. وضعفه الألباني في الضعيفة (6700) وضعيف الترغيب (2106). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
5473 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال إن اللَّه وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب فقال يزيد بن الأخنس واللَّه ما أولئك في أمتك إلا كالذباب الأصهب في الذباب فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعين ألفا وزادني ثلاث حثيات. قال فما سعة حوضك يا نبي اللَّه قال كما بين عدن إلى عمان وأوسع وأوسع يشير بيده قال فيه مثعبان من ذهب وفضة. قال فماء حوضك يا نبي اللَّه قال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا ولم يسود وجهه. رواه أحمد
(1)
ورواته محتج بهم في الصحيح وابن حبان في صحيحه.
(2)
(1)
مسند أحمد (22156)، وأخرجه المؤمل بن إيهاب في جزئه (7) بقي بن مخلد في الحوض والكوثر (2) أبو موسى المديني في خصائص مسند أحمد (ص 20). ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1247)، (1248). وفي السنة (588 و 729) وابن حبان في صحيحه (6457 و 7246) والطبراني في المعجم الكبير (8/ 159)(7672). (8/ 155)(7665)، وفي مسند الشاميين (954)(1968)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (3)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6607). البيهقي في البعث والنشور (134)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (65/ 93). قال الضياء في صفة الجنة (ص 55): أبو اليمان اسمه عامر بن عبد اللَّه بن لحي ودحيم لقب واسمه عبد الرحمن بن إبراهمِم القاضي شيخ البخاري ومن قبله إلى أبي أمامة من رجال الصحيح إلا الهوزني وما علمت فيه جرحا. وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح. مجمع الزوائد (10/ 657). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 657): عند الترمذي، وابن ماجه بعضه، رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح إلا أنه قال في الطبراني: فما شرابه؟ قال: شرابه أبيض من اللبن وأحلى مذاقة من العسل. وقال ابن حجر: أخرجه أحمد وسنده صحيح. الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 646). وقال ابن كثير: وهذا إسناد حسن. تفسير ابن كثير (1/ 395). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3614).
(2)
(6457 و 7246).
ولفظه قال عن أبي أمامة أن يزيد بن الأخنس رضي الله عنه قال يا رسول اللَّه ما سعة حوضك قال ما بين عدن إلى عمان وإن فيه مثعبين من ذهب وفضة. قال فماء حوضك يا نبي اللَّه قال أشد بياضًا من اللبن وأحلى مذاقة من العسل وأطيب رائحة من المسك من شرب منه لم يظمأ أبدا ولم يسود وجهه أبدًا المثعب بفتح الميم والعين المهملة جميعا بينهما ثاء مثلثة وآخره موحدة وهو مسيل الماء.
قوله: "وعن أبي أمامة" واسمه صدي بن عجلان تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب. فقال يزيد بن الأخنس: واللَّه ما أولئك في أمتك إلا كالذباب الأصهب في الذباب" الحديث، والأصهب الذي يعلو لونه صهبة وهي كالشقرة. قاله الخطابي. قال ابن الأثير: والمعروف أن الصهبة مختصة بالشعر وهي حمرة يعلوها سواد واللَّه أعلم. ويزيد بن الأخنس [هو يزيد بن الأخنس بن جيب بن حرة بن زغب بن مالك ابن عفاف بن عتبة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم أبو يزيد السلمي وقد قيل غير ذلك في نسبة له ولأبيه ولابنه صحبة].
قوله: "فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد وعدني سبعين ألفا مع كلل ألف سبعين ألفا وزادني ثلاث حثيات" الحديث، الحثوة والحثية ما يحثيه الإنسان بيديه من ماء أو تراب أو غيرهما وهو بالثاء المثلثة، والحثيات هنا كناية عن المبالغة في الكثرة ولا كفّ ولا حَثْي جل اللَّه عز وجل عن ذلك.
تنبيه: يجوز في ثلاث حثيات الرفع عطفا على المبتدأ الذي هو قوله: سبعون ألفا وهو الأقرب، ويجوز النصب عطفا على مفعول [يدخل أي]
(1)
يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا [وثلاث] حثيات من ربي، والكثرة في الرفع أكثر من النصب بسبعين واللَّه أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم. وأصحاب هذه الحثيات هم الذين وقعوا في قبضته الأولى سبحانه يوم القبضتين، فإن قيل: فكيف كانوا أولا قبضة واحدة ثم صاروا ثلاث حثيات [مع العدد المذكور؟ قيل أنه] سبحانه أخرج يوم القبضشين صورهم وأشباحهم. وقد روي أنهم كانوا كالذر [وأمّا] يوم الحثيات بكلتا اليدين واللَّه أعلم. قاله في حادي الأرواح، وقال الطبراني في حديثه
(2)
: حدثني عامر بن يزيد أنه سمع عتبة بن عبد اللَّه
(1)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(2)
والطبراني في المعجم الكبير (17/ 126)(312)، (17/ 128)(313)، والمعجم الأوسط (402)، ومسند الشاميين (2865)، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 183) بقي بن مخلد في الحوض والكوثر (15) الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 197 - 198)، وعثمان الدارمي في نقضه على بشر المريسي (276 - 277) وابن حبان في الصحيح (6450 و 7247 و 7416)، وأبو نعيم في صفة الجنة (346) والبيهقي في البعث والنشور (274) وابن عبد البر في التمهيد (3/ 320) قال الضياء في صفة الجنة (ص 55) لا أعلم =
السلمي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، فبكى عمر وقال: إن السبعين الأول يشفعهم اللَّه في آبائهم وأبنائهم وعشائرهم وأرجو أن يجعلني اللَّه في إحدى الحثيات الأواخر.
قال الطبراني
(1)
: وحدثني أحمد بن [خليد] فذكره إلى أن قال: عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني عبد اللَّه بن عامر بن قيس الكندي أن أبا سعيد الأنماري حدثه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ويشفع [لكل] ألف سبعين ألفا. [قال قيس: فقلت لأبي سعيد: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم؟ قال: نعم بأذني ووعاه قلبي.] قال أبو سعيد الأنماري:
= لهذا الإسناد علة، واللَّه أعلم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 756) (10/ 763): رواه الطبراني في الأوسط وفي الكبير وأحمد باختصار عنهما وفيه عامر بن زيد البكالي وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه ولم يوثقه وبقية رجاله ثقات. قال ابن حجر فتح الباري (11/ 410): وفي صحيح ابن حبان أيضًا والطبراني بسند جيد من حديث عتبة بن عبد نحوه بلفظ ثم يشفع كل الف في سبعين الفا ثم يحثى ربي ثلاث حثيات بكفيه وفيه. .
(1)
والطبراني في المعجم الكبير (22/ 304 - 305)(771)، (22/ 305)(772)، وفي المعجم الأوسط (404)، وفي مسند الشاميين (1889) وفي (2863)، وأخرجه عثمان الدارمي في نقضه على بشر المريسي (1/ 278 - 279)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2211)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6817) وابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 372 - 371) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 756): رواه الطبراني في الأوسط والكبير إلا أنه قال في الأوسط أبو سعيد الأنماري ورجاله ثقات.
فحسب ذلك عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعمائة ألف ألف وسبعمائة ألف. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن ذلك يستوعب إن شاء اللَّه مهاجري أمتي، اهـ. قاله في حادي الأرواح. قوله:"قال فما سعة حوضك يا نبي اللَّه؟ قال: كما بين عدن إلى عمان وأوسع، يشير بيده" الحديث. وعدن هي بفتح العين والدال المهملتين مدينة لطيفة معروفة باليمن مما يلي البحر وهي أحد حدّي أرض العرب عرضا إلى العذيب من ناحية الكوفة، وإنما اشتهر اسمها لأنها مرسى البحرين ومنها تسافر مراكب الهند والسند والصين وإليها [تجلب] بضائع هذه الأقاليم من الحرير والكيمخت والمسك والعود والطيب والعاج والأبنوس والزبد وثياب الحرير الفاخرة وغير ذلك، اهـ. قال صاحب الحاوي في زكاة المعادن، يقال: عَدَنَ إذا أقام وسميت البلد عدنا لأن تُبَّعا كان يحبس فيها أصحاب الجرائم، اهـ. وأما عُمَانُ فهي اسم لمدينتين بضم العين وتخفيف الميم لا غير فهي مدينة معروفة باليمن بقرب البحرين ولها ذكر في الحديث والمعروف في روايات الحديث وغيرها ترك صرفها، وحكى القاضي عياض
(1)
أن منهم من ضبطها بفتح العين وتشديد الميم يعني عَمَّان البلقا وهذا غلط منهم، اهـ. فعُمَان التي ياليمن بقرب البحرين من العروض إليها ينسب العُماني الراجز، سميت بعُمان بن سنان وهو من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيما ذكروا واللَّه أعلم، وفيه نظر إذ لا يعرف في ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم لصلبه من اسمه سنان. قاله السهيلي في الروض الأنف على سيرة
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 259).
ابن هشام. وأما عَمَّان البلقاء التي بالشام فهي بفتح العين وتشديد الميم فهي قرية قديمة من عمل دمشق بالشام سميت بعمّان بن لوط بن هاران، كان سكنها فيما ذكروا واللَّه أعلم، قاله السهيلي أيضًا. قال الفرزدق:
فحبّك أغشاني بلادا بغيضة
…
إليّ وروميا بعمّان اقشرا
قوله صلى الله عليه وسلم في الحوض: "فيه ثعبان من ذهب وفضة" الحديث، المثعب بفتح الميم والعين المهملة جميعا بينهما ثاء مثلثة وآخره موحدة هو مسيل الماء، قاله الحافظ المنذري. قوله في رواية الطبراني في الحوض: فيه أكاويب عدد نجوم السماء، الحديث، والأكاويب جمع كوب وهو كوز لا عروة له. وقيل لا خرطوم له، فإذا كان خرطوم فهو إبريق، قاله الحافظ أيضًا. قوله في رواية الطبراني:"حوضي كما بين عدن وعمان" والمراد بعد عدن إبين، ذكره سيبويه بكسر الهمزة على إصبع وجوز فيه الفتح فلذلك يقيد في هذا الكتاب، وقال ابن ماكولا: هو إبين بن زهير بن أيمن بن الهيسع بن حمير سميت به البلدة. وقال الطبراني: وعدنا ابنا عدنان سميت بهما البلدتان، قال ذلك السهيلي. قاله عياض.
قوله: "ولا يحضرون السدد" وهو جمع السدة وهي الباب والسدة الفناء ولا شك في أن الأكواب غير الأباريق فقد غاير اللَّه بينهما بالعطف فقال تعالى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)}
(1)
ولا شك أن آنية الجنة منها ما هو من ذهب ومنها ما هو من فضة ثم هذه الآنية منها ما هو [للشراب] بأنواعه ومنها ما هو للطعام بأنواعه.
(1)
سورة الواقعة، الآية:18.
5474 -
وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم فسئل عن عرضه فقال من مقامي إلى عمان وسئل عن شرابه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق رواه مسلم
(1)
وروى الترمذي
(2)
وابن ماجه
(3)
والحاكم
(4)
وصححه عن أبي سلام الحبشي قال بعث إلي عمر بن عبد العزيز فحملت على البريد فلما دخلت إليه قلت يا أمير المؤمنين لقد شق علي مركبي البريد فقال يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحوض فأحببت أن تشافهني به فقلت حدثني ثوبان أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال حوضي مثل ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل وأكوابه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد فقال عمر قد أنكحت المنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي أبواب السدد لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ عقر
(1)
صحيح مسلم (37)(2301).
(2)
سنن الترمذي (2444) وقال "هذا حديث غريب من هذا الوجه".
(3)
سنن ابن ماجه (4303).
(4)
المستدرك للحاكم (4/ 204) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
الحوض بضم العين وإسكان القاف هو مؤخره.
أذود الناس لأهل اليمن أي أطردهم وأدفعهم ليرد أهل اليمن يرفض بتشديد الضاد المعجمة أي يسيل ويترشش يغت فيه ميزابان هو بغين معجمة مضمومة ثم تاء مثناة فوق أي يجريان فيه جريا له صوت وقيل يدفقان فيه الماء دفقا متتابعا دائما من قولك غت الشارب الماء جرعا بعد جرع الشعث بضم الشين المعجمة جمع أشعث وهو البعيد العهد بدهن رأسه وغسل وتسريح شعره. الدنس بضم الدال والنون جمع دنس وهو الوسخ.
قوله: "وعن ثوبان" ثوبان هو مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تقدمت ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لبعقر حوضي أذود الناس عنه لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفضّ عليهم" الحديث، عقر الحوض بضم العين [وإسكان القاف] هو مؤخره، اهـ. قاله الحافظ. وقال بعض العلماء هو مؤخره حيث تقف الإبل من الحوض إذا وردته وتسكن قافه [وتضم]، فيقال عقر وعقُر كعُسْر وعسُر، قاله الجوهري
(1)
.
وقوله: "أذود الناس عنه لأهل اليمن" الحديث، أي أطردهم وأدفعهم ليرد أهل اليمن. قاله المنذري، وفي رواية:"وإني لأصدّ الناس عنه" أي الكفار، بمعنى [أطردهم] وأمنع. وقال بعضهم: معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ليرفض على أهل اليمن وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقديمهم في الإسلام والأنصار من اليمن فيدفع
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 753).
غيرهم حتى يشربوا كما دفعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه والمكروهات، اهـ.
وقال في النهاية
(1)
في قوله: "أذود الناس عنه لأهل اليمن" أي أطردهم وأدفعهم، ومنه الحديث: فليُذادن رجال عن حوضي أي ليُطردنّ. ويُروى فلا يُذادنّ أي لا تفعلوا فعلا يوجب طردكم عنه والأول أشبه، اهـ. وقوله:"حتى يرفض عليهم" بتشديد الضاد أي يسيل ويترشش، اهـ. قاله الحافظ المنذري وقال بعض العلماء معنى يرفضّ عليهم أي يسيل عليهم، ومنه حديث البراق استصعب حتى ارفض عرقا أي سال عرقه. قال أهل اللغة والغريب: وأصله من الدمع يقال ارفض الدمع إذا سال متفرقا. قوله: "أضرب بعصاي" قال القاضي عياض رحمه الله
(2)
: وعصاه المذكورة في هذا الحديث هي المكنى عنها بالهراوة. [قال أهل اللغة: الهراوة] بكسر الهاء العصى.
قال النووي
(3)
: وهذا الذي قاله في تفسير الهراوة بهذا العصى بعيد أو باطل لأن المراد بوصفه بالهرواة تعرّفُهُ بصفة يراها الناس معه يستدلون بها على صدقه. والصواب في تفسير صاحب الهراوة ما قاله الأئمة المحققون أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسك القضيب بيده كثيرا، وقيل لأنه كان يمشي والعصى بين يديه وتغرز له فيصلي إليها، وهذا مشهور في الصحيح واللَّه أعلم.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 172).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 269) شرح النووي على مسلم (15/ 62).
(3)
شرح النووي على مسلم (15/ 62).
قوله صلى الله عليه وسلم: "يغتّ فيه ميزابان" يعني الحوض، ومعنى يغتّ يصب. قال الحربي: أي لا ينقطع جريهما، [ويغتّ] بغين معجمة مضمومة ثم مثناة فوق أي يجريان فيه جريا له صوت، وقيل يدفقان فيه الماء دفقا متتابعا دائما من قولك غتّ الشارب الماء جرعا بعد جرع، اهـ. قاله الحافظ. [ومنه كره. . .] وقال بعض العلماء: هو بفتح الياء المثناة تحت وبغين معجمة مضمومة ومكسورة ثم مثناة فوق مشددة وهكذا ذكره ثابت والخطابي والهروي وصاحب التحرير والجمهور، وكذا هو في معظم نسخ بلادنا ونقله القاضي عن الأكثرين.
قال الهروي: ومعناه يدفقان فيه الماء دفقا متتابعا شديدا. [قاله،] وأصله من إتباع الشيءِ الشيءَ، وقيل يصبّان فيه الماء دائما صبا شديدا. ووقع في بعض نسخ مسلم يعُبُّ بضم العين المهملة وبباء موحدة وحكاه القاضي عياض عن رواية العذري قال: وكذا ذكره الحربي وفسّره بمعنى ما سبق أي لا ينقطع جريانهما. قال: والعبّ الشرب بسرعة في نفَس واحد ومنه كره العبّ في الشرب وهو الشرب بنفس [واحدة، قاله عياض].
قال القاضي عياض
(1)
: ووقع في رواية ابن هامان يثعب بمثلثة وعين مهملة أي يتفجر. قوله صلى الله عليه وسلم: "يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورِق" الحديث، يمدانه بفتح الياء وضم الميم أي يزيدانه ويكثرانه، وتقدم معنى الورق في أوائل الباب.
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 266).
قوله: وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي سلام الحبشي قال: بعث عمر بن عبد العزيز إليّ فحُمِلت على البريد" الحديث، أبو سلام الحبشي اسمه مسطور الحبشي ويقل النوبي الباهلي الأعرج الدمشقي وقيل أن الحبشي نسبة إلى حي من حمير لا إلى الحبشة وكان من العباد تابعي ثقة روى له الجماعة البخاري في الأدب وذكره ابن حبان في الثقات. وعمر بن عبد العزيز الأموي التابعي الخلفية [الراشدي]، وكان يقال لعمر بن عبد العزيز الأشج لما ضربته دابة في وجهه فشجّته، وكان عمر بن الخطاب يقول: من ولدي رجل بوجهه لتسجة يملأ الأرض عدلا، و [كانت] أمه أم عاصم بن عمر بن الخطاب، أجمع العلماء على جلالته وفضله ووفور علمه وزهده وعدله وشفقته على المسلمين، صلى أنس بن مالك خلفه قبل خلافته، ثم قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، تولى الخلافة سنة تسع وتسعين ومدة خلافته سنتان وخمسة أشهر نحو خلافة الصديق رضي الله عنه، فملأ الأرض قسطا وعدلا.
وقال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، ولما تولى قالت رعاء الشاء في رءوس الجبال من هذا الخليفة الصالح الذي قام على الناس؟ فقيل لهم: وما علمكم بذلك؟ فقالو: إنه إذا قام خليفة صالح كفّت الذئاب عن شائنا. وقال أحمد بن حنبل: يروى في الحديث أن اللَّه يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا عمر بن عبد العزيز. قال النووي في تهذيب
الأسماء واللغات
(1)
: حمله العلماء في المائة الأولى على عمر [بن عبد العزيز، والثانية على الشافعي والثالثة على ابن سُريج. وقال الحافظ ابن عساكر: هو الشيخ أبو الحسن الأشعري. وفي الرابعة: على أبي سهل الصعلوكي، وقيل القاضي الباقلاني وقيل أبو حامد الإسفرايني. وفي الخامسة على الغزالي رحمه الله، اهـ. [وفي ذلك] خلاف لكل مذهب وإنما المراد من انقضت المائة وهو حي عالم مشار إليه. ولد عمر بن عبد العزيز بمصر وتوفي بدير سمعان قرية بحمص يوم الجمعة من رجب سنة إحدى ومائة وأوصى أن يدفن معه شيء كان عنده من شعر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأظفاره وقال: إذا متّ فاجعلوه في كفني ففعلوا ذلك، وعن يوسف بن ماهك قال: بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر سقط علينا رقّ من السماء فيه مكتوب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: أمان من اللَّه لعمر بن عبد العزيز من النار، ذكره الكرماني
(2)
، وتقدم شيء من بعض مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم:"حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء" الحديث، تقدم الكلام على عدن و [على]
(3)
عمان البلقاء في أحاديث الباب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أول الناس وُرودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رءوسا الدنس ثيبا الذين لا ينكحون المنعمّات ولا تفتح لهم أبوب السّدد، فقل عمر: قد أنكحت
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 18).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 72).
(3)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
المنعمات فاطمة بنت عبد الملك" الحديث. تقدم الكلام على المهاجرين وهم الذين نصروا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، والشعث بضم الشين المعجمة جمع أشعث وهو البعيد العهد بدهن رأسه وغسله وتسريح شعره، اهـ، قاله الحافظ. والدنس بضم الدال والنون جمع دنس وهو الوسخ.
قوله: "ولا تفتح لهم [أبواب]
(1)
السدد" السدد الأبواب، أي لا تفتح لهم الأبواب لعدم الاكتراث بهم.
قوله: "فقال عمر" أي ابن عبد العزيز: "قد أنكحت المنعّمات فاطمة بنت عبد الملك" هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية. قوله: "لا جرم ولا أغسل رأسي حتى يشعث" تقدم معنى لا جرم في النكاح وغيره.
5475 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك أكوابه مثل نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين قال قائل من هم يا رسول اللَّه قال الشعثة رؤوسهم الشحبة وجوههم الدنسة ثيابهم لا تفتح لهم السدد ولا ينكحون المنعمات الذين يعطون كل الذي عليهم ولا يأخذون كل الذي لهم رواه أحمد بإسناد حسن
(2)
.
(1)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(2)
مسند أحمد (6162)، والحديث؛ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13، 14/ 312/ 14104)، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير)(315/ 12) رقم (13223)، وفي (الأوسط =
قوله: الشحبة وجوههم بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة هو من الشحوب وهو تغير الوجه من جوع أو هزال أو تعب.
وقوله لا تفتح لهم السدد أي لا تفتح لهم الأبواب.
قوله: "وعن ابن عمر" تقدمت ترجمته في أول هذا التعليق. قوله صلى الله عليه وسلم: "حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج وأحلى من العسل" الحديث. وقع في بعض النسخ كما بين عدن بالكاف وفي بعضها لما باللام وكلاهما صحيح. وعدن بفتح العين والدال المهملتين مدينة معروفة باليمن يقال فيها
= (3477)، وفي مسند الشامين (649) وأخرجه الإسماعيلي في (معجمه)(45)، والبيهقي في الشعب (10381) قال ابن أبي حاتم في (العلل 2/ 133): عن أبيه قال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد، يروون هذا الحديث عن أبي سلام، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشبه أن يكون هذا من حديث سالم. قلت: ما حال قتادة بن الفضل؟ قال: شيخ هو رهاوي. قلت: أبو حاضر من هو قال: مجهول. وقال الذهبي في (الميزان)(4/ 512): (مجهول) وقال الهيثمي: أبو حاضر عبد الملك بن عبد ربه منكرُ الحديث (المجمع)(1/ 170) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 366) قلت: حديث ابن عمر في الصحيح بغير هذا السياق، وهذا على الصواب موافقا لرواية الناس، والذي في الصحيح: كما بين جربى وأذرح. وهما قريتان إحداهما إلى جنب الأخرى. وقال بعض مشايخنا -وهو الشيخ العلامة: صلاح الدين العلائي-: إنه سقط منه، وهو: كما بينكم وبين جربى وأذرح. وانه وقع بها سمعت هذا منه. رواه أحمد، والطبراني من رواية عمرو بن عمر الأحموسي، عن المخارق بن أبي المخارق، واسم أبيه: عبد اللَّه بن جابر، وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات، وشيخ أحمد: أبو المغيرة من رجال الصحيح. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 260) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3186).
عدن إبين أضيفت إلى إبين رجل من حمير عدَنَ بها أي أقام. قال الحازمي في المؤتلف يقال نسب إلى إبين بن زهير بن أيمن بن الهيسع بن حمير بن سبأ وإبين على وزن أبيض بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ونون هذا هو المشهور في تقييدها، وذكرها سيبويه بكسر الهمزة وجوز فيها الفتح، اهـ. قاله في التنقيح. وعمان تقدم الكلام عليها. قوله صلى الله عليه وسلم:"وأكوابه مثل نجوم السماء" تقدم الكلام على الأكواب وأنها جمع كوب في أول هذا الباب. قوله صلى الله عليه وسلم: "أول الناس عليه ورودا صعاليك المسلمين" جمع صعلوك وهو [الفقير]، قوله:"الشعثة رءوسهم الشحبة وجوههم" تقدم الكلام على الشعثة رءوسهم وبقية ألفاظ الحديث. والشحبة وجوههم هو بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باء موحدة من الشحوب وهو [تغير] الوجه من جوع أو هزال أو تعب، اهـ.
5476 -
وَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ حَوْضِي كَمَا بَين عدن وعمان فِيهِ أكاويب عدد نُجُوم السَّمَاء من شرب مِنْهُ لم يظمأ بعْدهَا أبدا وَإِن من يردهُ عَليّ من أمتِي الشعثة رؤوسهم الدنسة ثِيَابهمْ لَا ينْكحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ وَلَا يحْضرُون السدد يَعْنِي أَبْوَاب السُّلْطَان رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَإِسْنَاده حسن فِي المتابعات
(1)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 119 رقم 7546) والشاميين (802). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 366: رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3617). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
الأكاويب جمع كوب وَهُوَ كوب لَا عُرْوَة لَهُ وَقيل لَا خرطوم لَهُ فَإِذا كَانَ لَهُ خرطوم فَهُوَ إبريق.
5477 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال ما بين جنبتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة، وفي رواية مثل ما بين المدينة وعمان
(1)
. وفي رواية ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء
(2)
. زاد في رواية أو أكثر من عدد نجوم السماء
(3)
. رواه البخاري
(4)
ومسلم وغيرهما
(5)
.
قوله: "وعن أنس" هو ابن مالك تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة" الحديث. أما صنعاء فهي بفتح الصاد وإسكان النون وبالمد هي صنعاء اليمن قاعدة البحرين ومدينتها العظمى وصاحبها الأسود العنسي بالنون وهي من عجائب الدنيا كما قاله الشافعي رضي الله عنه، والنسب إليها صنعاني بزيادة نون، وإنما قيدتها بصنعاء اليمن لئلا تشتبه بصنعاء دمشق قرية كانت في جانبها الغربي في ناحية الربوة والنسب إليهما واحد وإليها ينسب أبو [الأشعث] الصنعاني وبصنعاء الروم وذكر الحازمي في المؤتلف
(6)
أن صنعاء اليمن يقال لها: أزال بفتح الهمزة والزاي وآخرها
(1)
صحيح مسلم (42)(2303).
(2)
صحيح مسلم (43)(2303).
(3)
صحيح مسلم (39)(2303).
(4)
صحيح البخاري (6580).
(5)
صحيح مسلم (41)(2303).
(6)
انظر: البدر المنير (8/ 406).
لام يجوز كسرها وضمها، قاله النووي
(1)
.
قوله: "وفي رواية: ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء" الحديث، قال عياض
(2)
: كذا رويناه بضم التاء من تُرى باثنتين فوقها، وقد رواه بعضهم [يرى]
(3)
بفتح الياء باثنتين تحتها وكسر الراء، وصوّبه بعضهم وقال معناه يضيء ويشرق من قولهم إنما أراد العدد وإنها [ترى]
(4)
في الكثرة الكثرة ككثرة النجوم، اهـ. وقع في هذه الرواية كعدد نجوم السماء بالكاف، ووقع في بعض النسخ لعدد نجوم السماء باللام، وكلاهما صحيح.
5478 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال أعطيت الكوثر فضربت بيدي فإذا هي مسكة ذفرة وإذا حصباؤها اللؤلؤ وإذا حافتاه أظنه قال قباب تجري على الأرض جريا ليس بمشقوق. رواه البزار
(5)
وإسناده حسن في المتابعات ويأتي أحاديث الكوثر في صفات الجنة إن شاء اللَّه تعالى.
قوله: "وعن أنس" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت الكوثر فضربت بيدي فإذا مكسة ذفرة" الحديث، وفي حديث فإذا طينه مسك أذفر، الذفر بالتحريك كل
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 182).
(2)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 277).
(3)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(5)
مسند البزار = البحر الزخار (6812)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 366): لأنس أحاديث في الصحيح في الحوض بغير هذا السياق. رواه البزار، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3619).
ريح ذكية من طيب ونتن. يقال: مسك أذفر بيّن الذفر. الكوثر هو نهر في الجنة، قاله أنس بن مالك، ومعناه الخير الكثير، قاله مجاهد. وقالت عائشة: هو نهر في الجنة ليس أحد يُدخل أصبعيه في أذنيه إلا يسمع خرير ذلك النهر لشبه الخرير بالذي يسمعه حين يدخل أصبعيه في أذنيه. وجاء في التفسير أن الكوثر القرآن والنبوءة والكوثر في غير هذا الرجل الكثير العطاء، قاله في النهاية
(1)
. قوله: "فإذا مسكة ذفرة" أي طيب الريح، والذفر بالتحريك يقع على الطيب والكريه ويفرق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به، قاله في النهاية
(2)
أيضًا. فأما [الكوثر]
(3)
الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فذلك [مما] خص به في الجنة. [ففي] البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر في الجنة حافتاه الدر المجوف. قلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك. فإذا طينه مسك. قوله: "حافتاه الدر المجوف" وفي رواية: حافتاه الياقوت المجيب. وفي سنن أبي داود: المجيب أو المجوف بالشك. وفي معا لأصحابهم [السنن]: المجيب أو المجوف بالباء فيهما على الشك. وقال معناه الأجوف. وقوله: "بينا أنا أسير في الجنة" أي ليلة المعراج. قوله: "حافتاه" أي طرفاه، وفي حديث: قباب الدر جمع قبة. قوله: "وعن عتبة بن عبد السلمي" هو أبو الوليد، عتبة بن عبد السلمي. وقال
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 208).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 161).
(3)
هكذا في الأصل -وهو الصواب-، والمثبت في النسخة الهندية:(الكثرة) ولعله سبق قلم.
ابن عبد البر: عتبة بن عبد وهو عتبة بن عبد الندر. وقال: قد قيل إنهما اثنان، ومال إلى القول الأول. وأما البخاري فإنه جعلهما اثنين، وكذلك أبو حاتم الرازي. وهذا عتبة كان اسمه عتلة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتبة. شهد خيبر.
روى عنه ابنه يحيى، ولقمان بن عامر، وكثير بن مرة، وخالد بن معدان، وغيرهم.
مات بحمص سنة سبع وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين سنة. وهو آخر من مات بالشام في قول الواقدي. قوله:"قام أعرابي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما حوضك الذي تحدث عنه" الحديث، الأعرابي بفتح الهمزة هو الذي يسكن البادية.
قوله صلى الله عليه وسلم: "هو ما بين صنعاء إلى بصرى" تقدم الكلام على صنعاء اليمن وأما بُصرى فبضم الباء الموحدة مقصورة على صيغة فُعلى أفعل هي مدينة بِحَوْران بفتح الحاء المهملة وبالراء مشهورة ذات قلعة وهي قريبة من طرف [العمارة] البرية التي بين الشام والحجاز وهي أول بلدان الشام فتوحا فتحت سنة ثلاث عشرة صلحا. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يمدني اللَّه فيه بكراع لا يدري بشر ممن خلق أي طرفيه" الحديث، الكراع بضم الكاف هو الأنف الممتد من الحرة استعير منها، قاله الحافظ، وقال في النهاية
(1)
أي طرف من ماء الجنة مشبه بالكراع لقلته وأنه كالكراع من الدابة وكراع جمعه أكرع، اهـ. وقال الجوهري: وإنما جمع على أكرع وهو مختص بالمؤنث لأن الكراع يذكر ويؤنث.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 165).
5479 -
وَعَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ رضي الله عنه قَالَ قَامَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا حوضك الَّذِي تحدث عَنهُ فَقَالَ هُوَ كَمَا بَين صنعاء إِلَى بصرى ثمَّ يمدني اللَّه فِيهِ بكراع لَا يدْرِي بشر مِمَّن خلق أَي طَرفَيْهِ قَالَ فَكبر عمر رضوَان اللَّه عَلَيْهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أما الْحَوْض فيزدحم عَلَيْهِ فُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين يقتلُون فِي سَبِيل اللَّه ويموتون فِي سَبِيل اللَّه وَأَرْجُو أَن يوردني اللَّه الكراع فأشرب مِنْهُ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
الكراع بِضَم الْكَاف هُوَ الأنف الممدد من الْحرَّة استعير هُنَا وَاللَّه أعلم.
5480 -
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء مسيرة شهر عرضه كطوله فيه مرزابان ينبعثان من الجنة من ورق وذهب أبيض من اللبن وأبرد من الثلج فيه أباريق عدد نجوم السماء رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه
(2)
من رواية
(1)
أخرجه ابن حبان (6450). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3620) ظلال الجنة (715). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(2)
صحيح ابن حبان (6458). أخرجه أحمد (19804) وابن أبي عاصم في السنة (702 و 720)، (722) والبزار (3849 و 4496)، والروياني (773)، (1316)، والحاكم (1/ 76) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2113) والبيهقي في البعث (156)، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بحديثين عن أبي طلحة الراسبي، عن أبي الوازع، عن أبي برزة وهو غريب صحيح من حديث أيوب السختياني، عن أبي الوازع، ولم يخرجاه".
قلت: لم يخرج مسلم رواية أبي طلحة عن أبي الوازع، واختلف فيهما، وثقا وضعفا، ولا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 367): رواه أحمد =
أبي الوازع واسمه جابر بن عمرو عن أبي برزة واللفظ لابن حبان.
قوله: "وعن أبي برزة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء مسيرة شهر عرضه كطوله" أما أيلة فهي بفتح الهمزة وإسكان الياء المثناة تحت وفتح اللام وهي مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر من بلاد الشام، قاله أبو عبيدة]
(1)
متوسطة بين مدينة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ودمشق ومصر بينها وبين المدينة خمسة عشر مرحلة وبينها وبين دمشق نحو ثنتي عشرة مرحلة وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل. قال الحازمي: قيل هي آخر الحجاز وأول الشام مما يلي بحر اليمن. وتقدم الكلام على صنعاء اليمن ومعنى الحديث: أن ما بين طرفي الحوض أزيد من بعد ما بين أيلة إلى صنعاء.
تنبيه: ورد وأن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، وفي رواية ما بين ناحيتيه كما بين جَرباء وأدرج. قال الداوودي: وهما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال، قاله في نهاية الغريب وهذا الذي قاله غلط فإنهما مقاربتان بينهما [عذيرة] سهم وهما بين القدس والكرَك، وتقدم الكلام على أيلة. وأما الجحفة فهي نحو سبع مراحل من المدينة بينها وبين مكة وإما بجيم مفتوحة ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة هذا هو الصواب، [والمشهور]
= في أثناء حديث في إماطة الأذى، وقتل ابن خطل، ورجاله رجال الصحيح. ورواه الطبراني واللفظ له بإسنادين، في أحدهما سعيد بن سليمان النشيطي، وفي الأخرى صالح المري، وكلاهما ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3621)، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9/ 196).
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
أنها مقصورة وكذا [ضبطها] الحازمي في كتاب المؤتلف، وجاءت في البخاري ممدوة، وأما أدرُج فهي قرية بالشام كما تقدم.
قال النووي
(1)
: قلت: وليس في القليل من هذه المسافات منع الكثير فالكثير ثابت على ظاهر الحديث بلا معارضة. واللَّه أعلم.
فائدة: قال أبو عبد اللَّه القرطبي في التذكرة
(2)
: ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف من الرواة وليس كذلك وإنما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات عديدة وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة العديدة مخاطبا لكل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها فيقول لأهل الشام ما بين أدرج وجرباء ولأهل اليمن ما بين صنعاء إلى عدن، وهكذا، وتارة يقدر بالزمان فيقول مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا فكان كذلك بحسب من حضره ممّن يعرف تلك الجهات فخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها واللَّه أعلم، ولا يخطر ببالك ويذهب وهمك إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض وإنما يكون وجوده في الأرض المبدّلة على مسامتة هذه الأقطار أو في المواضع التي تكون بدلا من هذه المواضع في هذه الأرض وهي أرض بيضاء [نقية]
(3)
كالفضة لم يسفك فيها دم ولم يظلم على [ظهرها] أحد قط
(1)
انظر: طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 297).
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 706).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
تطهر لنزول الجبار لفصل القضاء واللَّه تعالى أعلم.
تنبيه: ويقال إن على أحد أركان الحوض أبا بكر رضي الله عنه وعلى الثاني عمر رضي الله عنه وعلى الثالث عثمان رضي الله عنه وعلى الرابع عليا رضي الله عنه. وقال الإمام أبو عبد اللَّه القرطبي
(1)
: وهذا لا يقال من جهة الرأي فهو مرفوع وقد رفعه صاحب الغيلانيات
(2)
من حديث حميد عن أنس رضي الله عنه، [قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن على حوضي أربعة أركان، فأول ركن منها في يد أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه] والركن الثاني في يد عمر فذكر مثل ما تقدم إلى أن قال: فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه عثمان ومن أحب عليا وأبغض عثمان لم يسقه علي، فذكر الحديث، اهـ.
(1)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 707).
(2)
الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (63)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 157) وكذلك رواه الثعلبي في تفسيره (10/ 309). وأخرجه ابن الجوزي في (العلل) وقال: هذا حديث لا يصحّ وفيه مجاهيل، وعلي بن عاصم قال فيه يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب. قال ابن حجر في لسان الميزان (7/ 156) ترجمة محمد بن سعيد الأزرق الطبري: (روى عن يوسف بن حماد عن يزيد عن حميد عن أنس رضي الله عنه رفعه: إنّ للحوض أربعة أركان؛ فالركن الأول في يد أبي بكر. . . الحديث بطوله). ومحمد بن سعيد الأزرق كذاب. وقال الذهبي: (هذا باطل) تلخيص العلل المتناهية ص 86 - 87 رقم 204. وذكره ابن عراف في تنزيه الشريعة (1/ 406) رقم 179 وقال: وفيه محمد بن عون الخراساني؛ قال النَّسائيّ: متروك. ومحمد بن الصباح؛ قال الأزدي: ضعيف. وفيه غير واحد لم أقف لهم على تراجم، واللَّه أعلم.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال لهم: هلم. فقلت: إلى أين؟ قال: إلى النار واللَّه"، الحديث، الزمرة الجماعة.
وقوله: "هلم" معناه تعالوا. قال أهل اللغة: في هلم لغتان أفصحهما هَلُمَّ للرجل والرجلين والمرأة والجماعة من الصنفين بصيغة واحدة وبهذه اللغة جاء القرآن العزيز في قوله تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}
(1)
، {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}
(2)
، واللغة الثانية: هلم يا رجل وهلم يا رجلان وهلموا يا رجال وللمرأة هلمي وللمرأتين هلما وللنسوة هَلْمُمْن. قال ابن السكيت وغيره الأولى أفصح كما قدمناه. قاله النووي
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فقلت ما شأنهم؟ فقال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري" الحديث، كان ابن أبي مُليكة إذا روى هذا الحديث أو سمعه يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا، وفي رواية أخرى: قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا، الحديث. وفي بعض الأحاديث فأقول: يا رب أمتي، فيقال: إنهم كانوا يمشون بعدك القهقري. قال الأزهري: معناه الارتداد عما كانوا عليه ومنه [قوله]: رجع القهقرى أي رجع الرجوع الذي يعرف
(1)
سورة الأنعام، الآية:150.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:18.
(3)
شرح النووي على مسلم (9/ 95).
بهذا الاسم لأنه ضرب من الرجوع كأنهم رجعوا إلى ورائهم، [والقهقرى] هو المشي إلى خلف من غير [أن] يعيد وجهه إلى جهة مشيه. قيل أنه من باب القهر، قاله في النهاية
(1)
.
قوله: "فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم" الحديث، والهمل من النعم الضوالّ من الإبل، واحدها هامل.
قاله الهروي. والهمل الإبل بغير راع وهي الهاملة والهوامل والهمال، وذلك يكون في الليل والنهار، الواحدة هامل، ولا يقال ذلك في الغنم، والهامل أيضًا من الإبل الضال، اهـ. قال الحافظ ومعناه أن الناجي قليل كضالة النعم بالنسبة إلى جملتها، اهـ.
قوله: "ارتدوا على أدبارهم" قال الإمام أبو عبد اللَّه القرطبي
(2)
: قال علماؤنا وكل من ارتد عن دين اللَّه أو أحدث فيه ما لا يرضاه اللَّه ولم يأذن به اللَّه فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه [وأشدهم] طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على اختلاف فرقها والروافض على تباين ضلالها والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدّلون وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق [وقتال] أهله وإذلال أهله والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع ثم البعد قد يكون في حال ويقربون بعد المغفرة إن
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 129).
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 710).
كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد وعلى هذا التقدير يكون نور الوضوء يعرفون به ثم يقال لهم سحقًا وإن كانوا من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُظهرون الإيمان ويسرون الكفر فنأخذهم بالظاهر ثم يكشف لهم الغطاء فيقول: [سحقا] فسحقا. ولا يخلد في النار إلا كافر وجاحد ليس في قلبه حبة من خردل من إيمان واللَّه أعلم، اهـ. قوله صلى الله عليه وسلم في رواية لمسلم قال: ترد عليّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، الحديث. الذود الدفع ومعناه كما يذود الساقي الناقة الغريبة عن إبله إذا أرادت الشرب مع إبله. قوله:"قالوا يا رسول اللَّه تعرفنا؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم يردون عليّ غرًّا محجلين من آثار الوضوء" الحديث، أما السيما فهي العلامة وهي مقصورة وممدوة لغتان ويقال السيمياء بياء بعد الميم مع المدة واستدل جماعة من العلماء في هذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة زادها اللَّه شرفا وتكريما وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الوضوء.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولتصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي -وفي رواية: أصيحابي- فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك" وفي حديث تقدم في قيام الساعة فأقول: سحقا سحقا، الحديث وإنما صغر أصيحابي ليدل على قلة عددهم هكذا هو في جميع النسخ الأصول، [فيجيبني ملك، بالباء الموحدة من الجواب، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة إلا ابن أبي جعفر من رواته، فإن عنده]
فيجيئني ملك بالهمزة من المجيء والأول أظهر وللثاني وجه واللَّه أعلم، هذا الحديث مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال: أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء ممن وعدت بهم إن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم. والثاني أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك. والثالث: أن المراد أصحاب المعاصي الكبائر الذين ماتوا على التوحيد أو أصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يُذادون بالنار [بل يجوز أن يُذادوا]
(1)
عقوبة لهم ثم يرحمهم اللَّه سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة من غير عذاب. قال أصحاب هذا القول ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكونوا كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما. قال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أهل الأهواء. قال: وكذلك الظلمة المترفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر. قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عُنُوا بهذا الخبر، وتقدم مثل ذلك عن القرطبي.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
5481 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن لي حوضا مَا بَين الْكَعْبَة وَبَيت الْمُقَدّس أَبيض مثل اللَّبن آنيته كعدد النُّجُوم وَإِنِّي لأكْثر الْأَنْبِيَاء تبعا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث زَكَرِيَّا عَن عَطِيَّة وَهُوَ الْعَوْفِيّ عَنهُ
(1)
.
5482 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ بَينا أَنا قَائِم على الْحَوْض إِذا زمرة حَتَّى إِذا عرفتهم خرج رجل من بيني وَبينهمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقلت إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى النَّار وَاللَّه فَقلت مَا شَأْنهمْ فَقَالَ إِنَّهُم ارْتَدُّوا على أدبارهم الْقَهْقَرَى ثمَّ إِذا زمرة أُخْرَى حَتَّى إِذا عرفتهم خرج رجل من بيني وَبينهمْ فَقَالَ لَهُم هَلُمَّ قلت إِلَى أَيْن قَالَ إِلَى النَّار وَاللَّه قلت مَا شَأْنهمْ قَالَ إِنَّهُم ارْتَدُّوا على أدبارهم فَلَا أرَاهُ يخلص مِنْهُم إِلَّا مثل همل النعم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(2)
.
5483 -
وَلمُسلم قَالَ ترد عَليّ أمتِي الْحَوْض وَأَنا أذود النَّاس عَنهُ كَمَا يذود الرجل إبل الرجل عَن إبِله قَالُوا يَا نَبِي اللَّه تعرفنا قَالَ نعم لكم سِيمَا لَيست لأحد غَيْركُمْ تردون عَليّ غرا محجلين من آثَار الْوضُوء وليصدن عني طَائِفَة مِنْكُم فَلَا يصلونَ فَأَقُول يَا رب هَؤُلاءِ من أَصْحَابِي فيجيبني ملك فَيَقُول وَهل تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك
(3)
.
همل النعم ضوالها وَمَعْنَاهُ أَن النَّاجِي قَلِيل كضالة النعم بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُمْلَتهَا.
(1)
أخرجه ابن ماجه (4301). وصححه الألباني في الصحيحة (3949) وصحيح الترغيب (3622). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(2)
أخرجه البخاري (6585) و (6586) و (6587)، ومسلم (36 - 247). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(3)
أخرجه مسلم (37 - 247). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
5484 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه إني على الحوض انظر من يرد علي منكم فواللَّه ليقتطعن دوني رجال فلأقولن أي رب من أمتي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم. رواه مسلم
(1)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على فضائلها. قولها: "سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه: إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم" معنى ظهراني أصحابه قال الأصمعي وغيره: يقال: بين ظهرانيهم وظهريهم، ومعناه: بينهم وبين أظهرهم. وقال غيره: العرب تضع الاثنين موضع الجميع قوله: "فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، مازالوا يرجعون على أعقابهم" أي راجعين إلى الكفر كأنهم رجعوا إلى ورائهم، قاله في النهاية
(2)
. قال القاضي عياض
(3)
: هذا دليل لصحة تأويل من تأول أنهم أصحاب الردة ولهذا قال فيهم سحقا سحقا ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمرهم. قال: وقيل هؤلاء صنفان: أحدهما عصاة مرتدون عن الاستقامة لا عن الإسلام وهؤلاء مبدِّلون للأعمال الصالحة بالسيئة والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم واسم التبديل يشمل الصنفين، واللَّه أعلم. وعنها تقدم الكلام عليها.
(1)
صحيح مسلم (28)(2294).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 268).
(3)
شرح النووي على مسلم (15/ 64).
قوله صلى الله عليه وسلم: "أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدا عند الميزان حتى يعلم أيخفّ ميزانه أم يثقل وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز"، الحديث. هذا الحديث يشتمل على ثلاث فوائد. الفائدة الأولى في الميزان: فإن قيل الميزان حق. قيل نعم هي حق ولا يكون في حق كل أحد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: فيقال يا محمد أَدخِل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن.
وقوله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}
(1)
الآية، وإنما يكون لمن بقي من أهل المحشر ممن خلط عملا صالحًا وآخر سيئًا وقد يكون للكافرين. وقال أبو حامد: والسبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ترفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفًا وإنما هي براءة مكتوبة لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، هذه براءة فلان بن فلان قد غفر له وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا فما مرّ عليهم شيء أسرّ من ذلك اليوم.
قلت: وقد روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: تنصب الموازين يوم القيامة فيؤتى بأهل الصلاة فيؤتون أجرهم بالموازين ويؤتى بأهل الصيام فيوفون بالموازين، فذكر الحديث إلى أن قال: ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان حتى أن أهل العافية ليتمنّون في الموقف أن
(1)
سورة الرحمن، الآية:41.
أجسادهم قرضت بالمقاريض، اهـ. قاله في التذكرة
(1)
.
الفائدة الثانية في تطاير الصحف: فأول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، ذكر أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب عن زيد بن ثابت
(2)
قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أول من يُعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب وله شعاع كشعاع الشمس، فقيل له: فأين أبو بكر يا رسول اللَّه؟ قال: هيهات زفّته الملائكة إلى الجنان. وخرّج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن مندة في كتاب التوحيد له عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن اللَّه تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع، يا عبادي أنا اللَّه لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين، يا عبادي لا خوف عليكم واليوم ولا أنتم تحزنون، أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسئولون محاسبون، يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب، قاله القرطبي في التذكرة
(3)
.
الفائدة الثالثة في ذكر الصراط: واعلم في الآخرة صراطين: أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو تلتقطه عنق النار فإذا خلص من خلص من هذا الصراط الأكبر أي المضروب على النار ولا يخلص منه إلا المؤمنون الذين علم اللَّه منهم أن القصاص لا
(1)
التذكرة (ص 719 - 720).
(2)
قال محب الدين الطبري في الرياض النضرة (1/ 332): خرجه صاحب الديباج.
(3)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 616).
يستنفذ حسناتهم [كالمفلس والعياذ باللَّه الذي سألهم عنه صلى الله عليه وسلم فأجابوه بأن المفلس الذي لا مال له ولا متاع بياض هو الصحيح فطرحه في النار، المبيّن في هذا الحديث ظاهر سياق القرطبي هذا أنه الصراط الأول واللَّه أعلم-]
(1)
حُبسوا على صراط آخر خاص [بهم] وهو القنطرة التي بين الجنة والنار فيجلسون عليها فيُقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء اللَّه تعالى لأنهم [قد] عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يسقط [من] فيها من أوبقه ذنبه حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخول الجنة. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا، اهـ.
قاله القرطبي
(2)
، وتقدم الكلام على ذكر الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم، حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثيرة.
5485 -
وعنها رضي الله عنها قَالَت ذكرت النَّار فَبَكَيْت فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا يبكيك قلت ذكرت النَّار فَبَكَيْت فَهَل تذكرُونَ أهليكم يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أما فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن فَلَا يذكر أحد أحدا عِنْد الْمِيزَان حَتَّى يعلم أيخف مِيزَانه أم يثقل وَعند تطاير الصُّحُف حَتَّى يعلم أَيْن يَقع كِتَابه فِي يَمِينه أم فِي شِمَاله أم وَرَاء ظَهره وَعند الصِّرَاط إِذا وضع بَين ظَهْري جَهَنَّم حَتَّى يجوز رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة الْحسن عَن عَائِشَة وَالْحَاكِم إِلَّا أَنه قَالَ وَعند الصِّرَاط إِذا وضع بَين
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 769).
ظَهْري جَهَنَّم حافتاه كلاليب كَثِيرَة وحسك كَثِيرَة يحبس اللَّه بهَا من يَشَاء من خلقه حَتَّى يعلم أينجو أم لَا الحَدِيث وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا لَوْلَا إرْسَال فِيهِ بَين الْحسن وَعَائِشَة
(1)
.
5486 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال أنا فاعل إن شاء اللَّه تعالى قلت فأين أطلبك قال أول ما تطلبني على الصراط قلت فإن لم ألقك على الصراط قال فاطلبني عند الميزان قلت فإن لم ألقك عند الميزان قال فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن. رواه الترمذي
(2)
وقال حديث حسن غريب والبيهقي في البعث
(3)
وغيره.
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
قوله: "سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: إني فاعل إن شاء اللَّه تعالى. قلت: فأين أطلبك؟ قال: أول ما تطلبني على الصراط. قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان. قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطأ هذه الثلاثة مواطن"
(1)
أخرجه أبو داود (4755). وضعفه الألباني في المشكاة (5560)، وضعيف الترغيب (2108). ولم يدرج الشارح تحته شرحًا.
(2)
سنن الترمذي (2433)، وأخرجه أحمد (12825)، والكلاباذي في بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار (ص: 304)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2220).
(3)
البعث والنشور للبيهقي (367) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2630)، وصحيح الترغيب والترهيب (3625).
الحديث. واعلم أن سيد المرسلين [والأولين] والآخرين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له ثلاثة مواطن لا يدع الوقوف عليها لعظم أمرها وشدة هولها، وقد جاء بذلك حديث أنس هذا فانظر رحمك اللَّه تعالى ما أشد شفقة نبيك صلى الله عليه وسلم على أمته يقف في هذه المواطن المهولة خوفا على أمته ويناجي ربه يا رب أمتي أمتي فهو رءوف رحيم حريص علينا من أن نُردي أنفسنا في النار ولم يزل هذا دأبه في الآخرة والأولى يدعو اللَّه بالرفق والرحمة، اهـ، ذكره الشيخ تقي الدين الحصني.
فائدة: اختلف في الميزان والحوض أيهما قبل [الآخر. فقيل: الميزان قبل وقيل: الحوض. قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل]
(1)
.
قال الإمام القرطبي
(2)
: والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشا [من] قبورهم كما ذكر فيقدم قبل الميزان والصراط واللَّه أعلم، ففي البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت إلى أين قال إلى النار واللَّه، قلت ما شأنهم؟ الحديث، تقدم قريبا في الباب. قال القرطبي
(3)
فهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط لأن الصراط جسر مضروب على جهنم ممدود يجاز عليه فمن جازه
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 703).
(3)
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 702).
سلم من النار وكذلك حياض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تكون في الموقف. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ فقال: إي والذي نفسي بيده إن فيه لماء وإن أولياء اللَّه ليردون حياض الأنبياء ويبعث اللَّه سبحانه وتعالى سبعين ألف ملك بأيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء، اهـ. وقال في تهذيب النفوس للشيخ شمس الدين الحنفي وهو كتاب نفيس نحو أربعة أجزاء قال الإقليشي: وقد قال قوم من النظار أن الحوض قبل الصراط لأنه من جاز الصراط فقد فاز وقال قوم من النظار أن الصراط قبل الحوض لأن الحوض موضوع للراحة واللذة والخلاص من هذا الموقف وهو عند باب الجنة ينصبّ فيه ميزابان من الكوثر الذي في الجنة، اهـ.
5487 -
وروي عن أنس يرفعه قال ملك موكل بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدًا وإن خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا رواه البزار
(1)
والبيهقي
(2)
.
(1)
وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (4/ 160: 3445)، مسند البزار = البحر الزخار (6942).
(2)
البعث والنشور للبيهقي (369) وقال إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة. وأخرجه الحارث كما في بغية الباحث (1100)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (6/ 174). وأخرجه ابن أبي الدنيا كما في النهاية لابن كثير (ص 227)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل =
وروي عن أنس، تقدم الكلام عليه رضي الله عنه. قوله صلى الله عليه وسلم:"قال ملك موكل بالميزان: فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يُسمِع الخلائق سعِد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدًا" الحديث. [وورد في حديث آخر: "ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يسعد بعدها أبدا"، فدل هذا الحديث]، على أن الإنسان يدعى في الآخرة باسمه واسم أبيه، وقد جاء صريحا في حديث أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "تُدْعَون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم"، الحديث. وورد في الصحيح: يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان. وورد في السنن: تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أمهاتكم لكن لا يُعادل بما في الصحيح وتقدم الكلام على ذلك وعلى الغدرة واللواء مبسوطًا، واللَّه أعلم.
5488 -
وعن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوضع الميزان يوم القيامة فلو دري فيه السموات والأرض لوسعت فتقول الملائكة يا رب لمن يزن هذا فيقول اللَّه لمن شئت من خلقي فيقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. رواه الحاكم
(1)
وقال صحيح على شرط مسلم.
= السنة (2205)، ومداره على داود بن المحبر وهو متروك. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 350) رواه البزار، وفيه صالح المري، وهو مجمع على ضعفه. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 422) (2109): موضوع.
(1)
الحاكم في المستدرك (4/ 586)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وروي موقوفًا: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (34195)، وأسد بن موسى في الزهد (43، 66)، وابن الأعرابي في المعجم (1827)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة =
قوله: "وعن سلمان" هو الفارسي، تقدمت ترجمته مرارًا رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ويوضع الصراط مثل حد الموسى، وفي حديث ابن مسعود الذي بعده قال: يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف، الحديث، وسواء جهنم بالفتح والمد مثل سوى بالكسر والقصر وسواء الشيء وسطه لاستواء المسافة إليه من الأطراف. وفي الحديث أيضًا: يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، معناه في وسطها ومعظمها، قاله ابن سيدة.
5489 -
وَعَن عبد اللَّه بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: يوضع الصِّرَاط على سَوَاء جَهَنَّم مثل حد السَّيْف المرهف مدحضة مزلة عَلَيْهِ كلاليب من نَار يخطف بهَا فممسك يهوي فِيهَا ومصروع وَمِنْهُم من يمر كالبرق فَلَا ينشب ذَلِك أَن ينجو ثمَّ كَالرِّيحِ فَلَا ينشب ذَلِك أَن ينجو ثمَّ كجري الْفرس ثمَّ كرمل الرجل ثمَّ كمشي الرجل ثمَّ يكون آخِرهم إنْسَانا رجل قد لوحته النَّار وَلَقي فِيهَا شرا حَتَّى يدْخلهُ اللَّه الْجنَّة بِفضل رَحمته فَيُقَال لَهُ تمن وسل فَيَقُول أَي رب أتهزأ مني وَأَنت رب الْعِزَّة فَيُقَال لَهُ تمن وسل حَتَّى إِذا انْقَطَعت بِهِ الْأَمَانِي قَالَ لَك مَا سَأَلت وَمثله مَعَه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن وَلَيْسَ فِي أُصَلِّي رَفعه
(1)
= (2221)، والآجري في الشريعة (894، 895)، وقال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (ص: 217) وخرجه الحاكم مرفوعًا وصححه ولكن الموقوف هو المشهور، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3626)، وفي الصحيحة (941).
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 203 رقم 8992). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 360: =
وَتقدم بِمَعْنَاهُ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الطَّوِيل.
قوله في حديث ابن مسعود: "مدحضة مزلة عليه كلاليب من نار" الحديث، المزلة مفعلة من زل يزل إذا زلق والمزلة بفتح الزاي وكسرها وتقدم الكلام على المدحضة وعلى الكلاليب وأنها جمع كلوب.
قوله: "ومنهم من يمرّ كالبرق فلا ينشب" أن ينجو، معنى ينشب أي لم يمكث ولم يحدث شيئا حتى فعل ذلك.
قوله: "ثم كرَمَل الرجل" الرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وتقدم الكلام على ذلك في مواضع من هذا التعليق. قوله صلى الله عليه وسلم: "فيقال له تمنَّ وسل. فيقول: أي رب أتهزأ مني وأنت رب العزة. فيقال له: تمنّ وسل حتى إذا انقطعت به الأماني" الحديث، تقدم الكلام على قوله:"سل وتمنى"، وعلى قوله:"أتهزأ مني" قريبًا.
5490 -
وعن أم مبشر الأنصارية رضي الله عنها أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أهل الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها قالت بلى يا رسول اللَّه فانتهرها فقالت حفصة {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(1)
، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال اللَّه تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
= رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير عاصم، وقد وثق. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3627). ولم يدرج الشارح تحته شرحًا.
(1)
سورة مريم، الآية:71.
جِثِيًّا (72)}
(1)
رواه مسلم
(2)
وابن ماجه
(3)
.
قوله: "وعن أم مبشّر الأنصارية" قال النووي في شرح مسلم
(4)
في قول مسلم: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم مبشّر الأنصارية في نخل لها، هكذا هو في أكثر النسخ دخل على أم مبشر وفي بعضها دخل على أم معبد أو أم مبشر، قال الحافظ المعروف في رواية الليث أم مبشر بلا شك ووقع في رواية غيره أم معبد كما ذكره مسلم بعد هذه الرواية. ويقال فيها أيضًا أم بشير فتحصل لنا على أنه يقال لها أم مُبشر وأم بشير وأم معبد. [وقال] أبو عمر بن عبد البر: قيل اسمها خليدة بضم الحاء ولا يصح وبعض أهل العلم يقول أن أم مبشر هذه امرأة زيد بن حارثة وطائفة تقول أنها غيرها وأم مبشر قيل ابنة البراء بن معرور لها صحبة أسلمت وبايعت روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن حفصة بنت عمر بن الخطاب على خلاف. روى عنها جابر بن عبد اللَّه ومجاهد بن جبر.
قوله: "أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة لا يدخل النار إن شاء اللَّه تعالى من أهل الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها. قالت: بلى يا رسول اللَّه، فانتهرها" الحديث، حفصة هي بنت عمر بن الخطاب زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمبايعة تحت الشجرة كانت عام الحديبية، بايعوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على
(1)
سورة مريم، الآية:72.
(2)
صحيح مسلم (163)(2496).
(3)
سنن ابن ماجه (4281).
(4)
شرح النووي على مسلم (10/ 213).
الموت دونه وعلى أن لا ينفروا وقد كان صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة على ظهره غصن من أغصانها والشجرة هي شجرة الرضوان بالحديبية. قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}
(1)
فلما بايعوا قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض، وكان عددهم ألفا وخمسمائة وعشرين وقيل ألفًا وأربع مائة وقيل ألفا وثلاثمائة. والمبايعة المعاهدة والمحالفة ومبايعتهم إياه صلى الله عليه وسلم التزام طاعته وبذل الوسع في امتثال أوامره وأحكامه ومبايعته إياهم الوعد بالثواب على ذلك، اهـ.
تنبيه: الحديبية بضم الحاء المهملة وفتح الدال وتخفيف الياء، كذا قال الشافعي رضي الله عنه وبتشديد الياء عند أكثر النحويين. وقال ابن المديني أهل المدينة يثقلونها وأهل العراق يخففونها وهي قرية سميت ببئر هناك وقيل سميت حَدبا هنالك وكانت الصحابة رضي الله عنهم بَايعوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[تحت الشجرة وتسمى بيعة الرضوان كما تقدم]
(2)
وهي على مرحلة من مكة واللَّه أعلم. قوله: "قالت: بلى" بلى إيجاب المنفي أي يدخلها أصحاب الشجرة. قوله: "فانتهرهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" قال صاحب الغريب: الانتهار الزجر، يقال نهره وانتهره [إذا استقبله بكلام زجره، وقال بعضهم: يقال نهره وانتهره] أي زبره ويجوز أن يقرأ بالزاي المعجمة أي دفعها يقال نهزه ووكزه وهمزه أي ضربه ودفعه، قاله في شرح مشارق الأنوار. قوله: "فقالت حفصة
(1)
سورة الفتح، الآية:18.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} " الحديث، في هذا الحديث فضيلة أهل بدر والحديبية. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إن شاء اللَّه" الحديث. قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا كما صرح به في حديث حاطب وإنما قال: إن شاء اللَّه للتبرك لا للشك، وأما قول حفصة: ما قالت وقد قال اللَّه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: قال اللَّه: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}
(1)
ففيه دليل للمناضرة والاعتراض، والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة لا أنها أرادت ردّ مقالتِه صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف أهل العلم في معنى الورود هاهنا: فقال ابن عباس: هو الدخول، والضمير في قوله: واردها للنار وإليه ذهب الأكثرون. وقالوا: النار يدخلها البر والفاجر ثم ينجي اللَّه الذين اتقوا، الآية، والنجاة إنما تكون بعد الدخول، والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون. وقوله تعالى:{وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}
(2)
أي نترك الذين ظلموا في النار جاثين على الرُّكب، أي جالسين عليها.
5491 -
وعن أبي سمية قال اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضنا يدخلونها جميعا ثم ينجي اللَّه الذين اتقوا فلقيت جابر بن عبد اللَّه فقلنا إنا اختلفنا ههنا في الورود فقال تردونها جميعا فقلت له إنا اختلفنا في ذلك فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضنا يدخلونها جميعا
(1)
سورة مريم، الآية:72.
(2)
سورة مريم، الآية:72.
فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم ثم ينجي اللَّه الذين اتقوا ويذر الظالمين رواه أحمد
(1)
ورواته ثقات والبيهقي بإسناد حسنه
(2)
.
قوله: "وعن أبي سُميّة" وأبو سميّة اسمه لا يعرف وانفرد عنه كثير بن زياد قوله: "إنا اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا: يدخلونها جميعا، ثم ينجي اللَّه الذين اتقوا، فذكر الحديث إلى أن قال:
(1)
أحمد (14520)، وأخرجه الحارث في مسنده كما في بغية الباحث (1127)، وعبد بن حميد (1106)، والبيهقي في شعب الإيمان (370)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (99، 991)، وقال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (2/ 333) والبيهقي في شعب الإيمان وقال: إسناده حسن وبهذا السند والمتن رواه ابن مردويه في تفسيره ورواه النسائي في كتاب الكنى أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا سليمان به.
وله طريق آخر رواه الحاكم في مستدركه في كتاب الأهوال. . . وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال البوصيري إتحاف الخيرة المهرة (8/ 207) رواه عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى الموصلي، ومدار أسانيدهم على أبي سمية، وهو مجهول. ورواه الحاكم من وجه آخر وصححه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (6156).
(2)
البيهقي في شعب الإيمان (370) قال البيهقي: هذا إسناد حسن ذكره البخاري في التاريخ وشاهده في الحديث الثابت عن أبي الزبير، عن جابر، عن أم مبشر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا ألْه قال: خامدة قال أبو عبيد: وإنما أراد تأويل قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فيقول ورودها، ولم يصبهم من حرها شيء إلا ليبر اللَّه قسمه.
فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه فقال: صُمَّتا إن لم أكن سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: الورود الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها"، معناه لم يدخل دخولا تخليديا، ويجب التأويل بمثله جمعا بين الآيات والأحاديث فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى أن النار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم، الحديث. تقدم الكلام على الاختلاف في الورود في الحديث قبله فلما وجب ورود النار بمقتضى قوله:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(1)
، وكان في القوم من لا يُعذّب اختلفت مراتبهم في ورودها فمنهم من يمر على الصراط المنصوب عليها متعاليا عنه مبعَدًا عنها مع الإسراع كالبرق أو كالريح ونحو ذلك فلا يحسون ألمها بل لا يسمعون حسيسها كما قال اللَّه تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا}
(2)
الآية، ومنهم من يُلزم بالمرور على الصراط من غير تجاف عنه لما يقتضيه علمه وحاله إلا أنه يدركه اللطف فيغلب نور إيمانه لهب النار فيطفئه كما جاء في الحديث: إن النار تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ولا يخفى عليك أن هذا القول من النار لا يكون إلا للمؤمن الضعيف البطيء السير فكيف يكون انطفاء النار بنور المؤمن القوي وكيف يكون خمود النار إذا ركَز النبي صلى الله عليه وسلم حربَتَه على الصراط المنصوب عليها لا جرم أنه جاء في الحديث أن المؤمنين يمرون بالنار
(1)
سورة مريم، الآية:71.
(2)
سورة الأنبياء، الآية: 101 - 102.
ويخلصون منها إلى الجنة فإذا رأوا الجنة قالوا: ليس قد وُعِدنا بورود النار فما لنا ما وردناها، فتقول لهم الملائكة قد وردتم النار ولكن حين وردتموها كانت خامدة فإذا اقتضى اللطف في القضاء الموجب لسكّانها إماتتهم ظهرت عناية اللَّه سبحانه وتعالى بالمؤمنين ولاح من ذلك أن اللَّه سبحانه وتعالى لَا يحب أن يعذِّبهم وكيف يعذبهم وقد شفع فيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه ودعا ثم سجد ثم قام فدعا ثم سجد ثم قام فدعا فسجد ثلاثا فلما سُئل عن ذلك قال: سألت ربي في أمتي فأعطاني ثلثهم ثم سجدت شكرا ثم سألته فيهم فأعطاني الثلث الثاني فسجدت شكرا ثم سألته فيهم فأعطاني الثلث الباقي فسجدت شكرًا.
قوله: "لا يبقى بر ولا فماجر إلا دخلها" تقدم الكلام على البر والفاجر في الباب قبله. قوله صلى الله عليه وسلم: "فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى أن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم" الآية، فهذا ميراث ورثه المسلمون من حال إبراهيم عليه الصلاة والسلام فنار المحبة في قلوب المؤمنين، تخاف منه جهنم
(1)
[قال: الجنيد رحمة اللَّه عليه: قالت النار يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء هو أشد مني قال نعم كنت أسلط عليك ناري الكبرى قالت: وهل نار أعظم مني وأعظم قال نعم نار محبتي أسكنها قلوب أوليائي المؤمنين. قاله ابن رجب الحنبلي
(2)
.
(1)
هنا فقرة لم سقط جلها، والصحيفة الثانية من اللوح بيضاء "في النسخة الهندية".
(2)
التوحيد لابن رجب (ص: 49)، وجامع العلوم والحكم (2/ 726).
تنبيه فيه بشرى: قال ابن الفرات في تاريخه وهو أربعة أجزاء: إذا كان يوم القيامة تهبّ ريح قدرته على نار جهنم فتصير تحت أقدام أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيمرون عليها وهي خامدة، ا هـ.
5492 -
وعن قيس هو ابن أبي حازم قال كان عبد اللَّه بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكت امرأته فقال ما يبكيك قالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(1)
ولا أدري أنجو منها أم لا رواه الحاكم
(2)
وقال صحيح على شرطهما كذا قال.
قوله: "وعن قيس" هو ابن أبي حازم أبو عبد اللَّه، واسم أبي حازم حصين بن عوف، ويقال: عبد عوف بن الحارث، وقيل: عوف بن الحارث من بني أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار الأحمسي البجلي، أدرك الجاهلية، وأسلم وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فوجده قد توفي، يعد في تابعي الكوفة، وقد ذكر في أسماء الصحابة مع اعترافهم أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم روى عن العشرة
(1)
سورة مريم، الآية:71.
(2)
الحاكم في المستدرك (4/ 588) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: فيه إرسال، وأصاب بذلك؛ فإن عبد اللَّه بن رواحة رضي الله عنه، توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة، ورواية قيس بن أبي حازم عنه مرسلة - كما في التهذيب (5/ 212). وأخرجه ابن المبارك في الزهد (310)، ووكيع في الزهد (32)، وابن أبي شيبة في المصنف (16576)، وأحمد في الزهد (ص 249)، وهناد في الزهد (227)، والبيهقي في البعث والنشور (423)، وابن جرير في تفسيره (16/ 110) وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2111).
إلا عن عبد الرحمن بن عوف، وروى عن بلال بن رباح، وعبد اللَّه بن مسعود، وعمار بن ياسر وجرير بن عبد اللَّه، وجماعة كثيرة من الصحابة، وليس في التابعين من روى عن تسعة من العشرة إلا هو.
روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وطارق بن عبد الرحمن، وجماعة كثيرة من التابعين.
شهد النهروان مع علي بن أبي طالب. قال ابن عيينة: ما كان بالكوفة أروى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قيس بن أبي حازم. وطال عمره حتى جاوز المائة بسنين كثيرة، ومات سنة ثمان وتسعين، أو سبع.
قوله: "كان عبد اللَّه بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته" الحديث، هو عبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأعز بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الحارثي المدني، شهد العقبة، وكان ليلتئذ نقيب بنى الحارث بن الخزرج، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وعمرة القضاء، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا الفتح وما بعدها، فإنه كان توفى قبلها يوم مؤتة، وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة، وهو خال النعمان بن بشير، وكان أول خارج إلى الغزوات وآخر قادم. وكان أحد الشعراء المحسنين الذين يردون الأذى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمين، وامرأته اسمها لا يعرف، والحجر بفتح الحاء وكسرها وتقدم الكلام على ذلك.
تنبيه: البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها قال كعب بن مالك:
بكت عيني وحقّ لها بكاها
…
وما يغني البكاء ولا العويل
ووهم الجوهري في نسبته لحسان وتقدم ذلك أبسط من هذا في الجنائز واللَّه أعلم. قوله: "قال إني ذكرت قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(1)
الحديث، تقدم الكلام على الورود في الحديث قبله.
5493 -
وعن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنه قالا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يجمع اللَّه الناس فذكرا الحديث إلى أن قالا فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم ويؤذن له وترسل معه الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم كالبرق قال قلت بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق قال ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زاحفا قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوش في النار والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفًا. رواه مسلم
(2)
ويأتي بتمامه في الشفاعة إن شاء اللَّه وتقدم حديث ابن مسعود في الحشر وفيه والصراط كحد السيف دحض مزلة قال فيمرون على قدر نورهم
(1)
سورة مريم، الآية:71.
(2)
صحيح مسلم (329)(195).
فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الرجل ويرمل رملا فيمرون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدميه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل فتصيب جوانبه النار. رواه ابن أبي الدنيا
(1)
والطبراني
(2)
والحاكم
(3)
واللفظ له وروى الحاكم
(4)
أيضًا بإسناد ذكر أنه على شرط مسلم عن
(1)
صفة الجنة لابن أبي الدنيا (29).
(2)
الطبراني في الكبير (9/ 416 - 421/ 9763)(9/ 421/ 9764).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 589 - 592) وقال: "رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في الصحيحين لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة، فأما الأئمة المتقدمون فكلمهم شهدوا لأبي خالد بالصدق والإتقان، والحديث صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة، وتعقبه الذهبي بقوله: "ما أنكره حديثا على جودة إسناده، وأبو خالد شيعي منحرف، وكان الحاكم قد أخرج الحديث (2/ 376 - 377) من طريق أبي خالد نفسه، ثم قال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ"، ووافقه الذهبي. ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي كما في النهاية لابن كثير (2/ 173 - 175). وأخرجه الدارقطني في الرؤية (165)(166)(167)، وعبد اللَّه بن أحمد في السنة (1203) والبيهقي في البعث (434) قال الهيثمي في المجمع (10/ 343):"رواه كله الطبراني من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح، غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة".
(4)
الحاكم في المستدرك (4/ 586) وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقد رواه شعبة، عن إسماعيل السدي. أخرجه أحمد (1/ 435) وأبو يعلى (5282) والدارمي (2813) والترمذي (3159) وأبو يعلى (5589) والحاكم (2/ 375 و 4/ 586) والواحدي في الوسيط (3/ 191) وعبد الغني المقدسي في ذكر النار (98)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه شعبة، عن السدي فلم يرفعه. ورواه شعبة عن إسرائيل فلم يرفعه =
المسيب قال سألت مرة عن قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(1)
فحدثني أن ابن مسعود حدثهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال يرد الناس ثم يصدرون عنها بأعمالهم وأولهم كلمح البرق ثم كلمح الريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل ثم كمشيه.
قوله: "وعن حذيفة وأبي هريرة" حذيفة هو ابن اليمان العبسي اليمني ثم الأنصاري صاحب سر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أطلعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنافقين، وكان عمر رضي الله عنه إذا مات واحد منهم يتبع حذيفة فإن صلى عليه فهو أيضًا يصلي عليه بهالا فلا مات بالمدائن سنة ست وثلاثين، قاله الكرماني
(2)
، وتقدم الكلام على مناقب أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه.
قوله: "فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقوم ويؤذن له وترسل معه الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا" الحديث. أما تقومان فبالتاء المثناة من فوق والمؤنثتين الغائبتين تكونان بالتاء المثناة من فوق واللَّه أعلم. وأما جنبتي الصراط بفتح الجيم والنون ومعناهما جانباه، وقيل: ناحيتاه. قال ابن
= أخرجه أحمد (1/ 433) والترمذي (5/ 317) والطبري (16/ 111) والحاكم (4/ 587) والترمذي (3160) قال الترمذي: قال عبد الرحمن قلت لشعبة إن إسرائيل حدثني عن السدي عن مرة عن عبد اللَّه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال شعبة وقد سمعته من السدي مرفوعا ولكني عمدا أدعه. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (8081)، والمشكاة 5606، والصحيحة (311)، وصحيح الترغيب والترهيب (3630).
(1)
سورة مريم، الآية:71.
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (15/ 18).
الأثير: جنبة الوادي بفتح النون جانبه وناحيته وإما إرسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما وكبير موقعهما فتُصوّران مشخّصتين عند الصراط على الصفة التي يريدها اللَّه تعالى: ويقومان بقربه فإنه ممر الصالح وعليه يمر الداني والقاصي يشهد أن للأمين والواصل على الخائن والقاطع واللَّه أعلم. وقال صاحب التحرير في الكلام اختصار والسامع فهم أنهما يقومان ليطالبا كل من يريد الجواز بحقهما، ا هـ. قوله صلى الله عليه وسلم:"فيمرّ أولكم كالبرق" فذكره إلى أن قال: "ثم كمرِّ الريح ثم كمرِّ الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم" فهو كالسفير لقوله صلى الله عليه وسلم: "فيمر أولكم كالبرق ثم كالريح، معناه أنهم يكونون في سرعة المرور على حسب مراتبهم وأعمالهم
(1)
وأما شدّ الرجال فهو بالجيم جمع رجل هذا هو الصحيح المشهور المعروف، ونقل القاضي عياض
(2)
أنه في رواية ابن هامان بالحاء، قال القاضي: وهما متقاربان في المعنى، وشدها عدوها البالغ وجريها. وقوله صلى الله عليه وسلم:"حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا" بسكون الحاء أي مشيا على اليد كمشي الطفل أول أمره، ويقال منه زحف وأزحف وزحفوا إليهم في القتال مشوا إليهم قليلا قليلا تشبيها بذلك ويزحفون على إستاهم في خبر اليهود، قاله عياض. قال ابن دريد وغيره الزحف هو المشي على الإست مع إشرافه بصدره، ا هـ. قوله:"وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به"
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 72).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 585)، وانظر: مطالع الأنوار على صحاح الآثار (3/ 125).
الحديث حافتي الصراط هو بتخفيف الفاء وهم جانباه وتقدم الكلام على الكلاليب وإنها جمع كلوب، قوله:"مخدوش ناج ومكدوش في النار" المكدوش هو بالدال ووقع في أكثر الأصول هنا مكردس بالراء ثم الدال وهو قريب من معنى المكدوش وتقدم شيء من ذلك في الباب قبله أو قبل قبله. قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفا" الحديث، وقع في بعض الأصول لسبعون بالواو وهذا ظاهر وفيه حذف تقديره أن مسيرة قعر جهنم مسيرهُ سبعون سنة ووقع في معظم الأصول والروايات لسبعين بالياء وهو صحيح أيضًا، وهو رواية الكتاب، أما على مذهب من يحذف المضاف ويبقي المضاف إليه على جره فيكون التقدير سير سبعين وأما على أن قعر جهنم لكائن في سبعين خريفا والخريف السنة هكذا ذكره النووي
(1)
. "ولا يخفى ما فيها من معاني التكلف وكثرة الحذف وأسهل من ذلك أن نصب الجزءين في باب ليت وأخواتها نطقت بها العرب، قال الشاعر:
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن
…
خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: "ومنهم من يمر كشد الرجل" يريد به شدة العدو، ومنه حديث السعي لا يقطع الوادي إلا شدا، أي عدوا. والعدْوُ هو الإسراع في المشي. قوله:"ويرمل رملا"]
(2)
تقدم معنى الرمل في أماكن متقدمة من هذا التعليق.
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 73).
(2)
سقطت هذه الصحيفة من النسخة الهندية.
قوله: "ثم كحُضْر الفرس" وحضر بضم الحاء المهملة وبعدها ضاء معجمة ساكنة العدو. وقوله: "ثم كالراكب في رحله" يقال لدار الإنسان ومسكنه ومنزله رحل، واللَّه أعلم.
5494 -
وعن عبيد بن عمير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصراط على جهنم مثل حرف السيف بجنبتيه الكلاليب والحسك فيركبه الناس فيختطفون والذي نفسي بيده وإنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر. رواه البيهقي
(1)
مرسلا وموقوفا على عبيد بن عمير أيضًا.
قوله: "وعن عبيد بن عمير" هو عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر الليثي الحجازي، قاضي أهل مكة. ولد في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويقال: رآه، وهو معدود في كبار التابعين، سمع عمر، وأبا ذر، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وعائشة. ولم يسمع من أبيه شيئا، ولا يذكره، روى عنه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، ومجاهد، مات قبل ابن عمر.
قوله: "الصراط على جهنم مثل حد السيف بجنبتيه الكلاليب والحسك فيركبه الناس فيختطفون" الحديث، بجنبتيه بفتح النون وسكونها، وتقدم ضبط ذلك في الإنفاق في وجوه الخير في قوله صلى الله عليه وسلم: ما طلعت شمس إلا بعث بجنبتيها ملكان، الحديث. وتقدم الكلام على الكلاليب والحسك قريبا. قوله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده إنه ليُؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر" الحديث، ربيعة ومضر اسم لقبيلتين من قبائل العرب.
(1)
البعث والنشور للبيهقي (403)، (404).
5495 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول يا أبت أي ابن كنت لك فيقول خير ابن فيقول هل أنت مطيعي اليوم فيقول نعم فيقول خذ بأزرتي فيأخذ بأزرته ثم ينطلق حتى يأتي اللَّه تعالى وهو يعرض بين الخلق فيقول يا عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت فيقول أي رب وأبي معي فإنك وعدتني أن لا تخزيني، قال فيمسخ اللَّه أباه ضبعا فيهوي في النار فيأخذ بأنفه فيقول اللَّه يا عبدي أبوك هوى فيقول لا وعزتك، رواه الحاكم
(1)
، وقال صحيح على شرط مسلم، وهو في البخاري
(2)
إلا أنه قال: يلقى إبراهيم أباه آزر فذكر القصة بنحوه.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "يلقى رجل أباه يوم القيامة فيقول: يا أبت أي ابن كنت لك؟ فيقول: خير ابن" وفي البخاري: يلقى إبراهيم أباه آزر، الحديث. وروى البخاري في أحاديث الأنبياء
(3)
وفي التفسير
(4)
عن إسماعيل بن عبد اللَّه قال: حدثثي أخي
(1)
الحاكم في المستدرك (4/ 589)، وأخرجه البزار = البحر الزخار (9864)، كشف الأستار عن زوائد البزار (97)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 118): رواه البزار، ورجاله ثقات. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 199): رواه أحمد بن منيع هكذا مرسلا، ورواته ثقات، ثم رواه مرفوعًا بسند صحيح من حديث أبي هريرة نحوه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3631).
(2)
صحيح البخاري (3350).
(3)
صحيح البخاري (3350).
(4)
صحيح البخاري (4769).
عبد الحميد عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلقى إبراهيم عليه السلام آباه آزر يوم القيامة على وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم يارب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أن يكون أبي في النار. فيقول اللَّه تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ [بقوائمه] ويلقى في النار، ورواه النسائي والبزار
(1)
والحاكم
(2)
في آخر المستدرك عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليأخذن رجل بيد أبيه يوم القيامة [يريد] أن يدخله الجنة؟ قال: فينادى أن الجنة لا يدخلها مشرك لأن اللَّه قد حرم الجنة على كل مشرك. قال: فيقول أي رب أبي، فيُحوّل في صورة قبيحة وريح منتنة فيتركه، قال: فكان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرون أنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولم يزدهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ذلك ثم قال: صحيح على شرط
(1)
أخرجه البزار "كشف الأستار"(94 و 95). قال البزار: لا نعلم رواه إلا التيمي، ولا عنه إلا ابنه، وهو حديث غريب. "كشف الأستار"(94). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 118) رواه أبو يعلى والبزار، ورجالهما رجال الصحيح. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 224) رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه بلفظ واحد، والبزار والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
(2)
الحاكم في المستدرك (4/ 587)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه أبو يعلى في مسنده (1049)، وابن حبان (252)(645). وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 314).
الشيخين. قوله في الحديث الأول: فيأخذ بأزرته، الأزرة هي معقد الإزار. وقوله أيضًا في حديث الكتاب: فيمسخ اللَّه أباه ضبُعا، الحديث. والحكمة في كونه مُسخ ضبعا دون غيره من الحيوان أن الضبع أحمق الحيوان ومن حمقه أنه يغفل عما يجب التيقظ له ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا أكون كالضبع يسمع الكدم فيخرج حتى يُصاد والكدم الضرب الخفيف فلما لم يقبل آزر النصيحة من أشفق الناس عليه وقبل خديعة عدوه الشيطان أشبه الضبع الموصوفة بالحمق لأن الصياد إذا أراد أن يصيدها رمى في جحرها بحجر فتحسبه شيئًا تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك، ولأن آزر لو مسخ كلبا أو خنزيرا لكان فيه تشويه لخلقه فأراد اللَّه تعالى إكرام إبراهيم عليه الصلاة والسلام بجعل أبيه على هيئة متوسطة. يقال ذيخته أي ذللته. ["قوله: يقال ذيخته أي ذللته لعله قدمه هنا مخرج المبيضة ومحله عقب قوله قريبا: والأنثى ذيخة، فيضبط الفعل من هذه المادة واللَّه أعلم"]
(1)
. فلما خفض إبراهيم لأبيه جناح الذل من الرحمة، فلم يقبل حشر، بصفة الذل يوم القيامة. اهـ، قاله الكمال الدميري في كتابه حياة الحيوان.
قوله في حديث الأنبياء: "فإذا هو بـ[ذيخ] متلطخ" أي فيمسخ إلى صورة [ذيخ]، و [الذيخ] بكسر المعجمة وسكون التحتانية هو ذكر الضباع، والأنثى ذيخة وأراد بالتلطخ التلطخ برجيعه أو بالطين، كما قال في الحديث الآخر بذيخ أمدر أي متلطخ بالمدر ويلقى في النار حيث لا تبقى له صورته التي هي
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
سبب الخزي فهو عمل بالوعد والوعيد كليهما. تنبيه: فإن قلت إذا أدخل اللَّه أباه النار فقد أخزاه لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}
(1)
وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وأنه محال.
قلت: لو لم يدخل النار لزم الخلف في الوعيد وهذا هو المراد بقوله: حرم الجنة على [الكافرين]، ا هـ قاله الكرماني
(2)
. واللَّه أعلم. وفي حديث الخليل أيضًا عليه الصلاة والسلام أنه يحمل أباه ليجوز به الصراط فينظر إليه فإذا هو عيلام أمدر، العيلام ذكر [الضبع] والياء والألف زائدتان، قاله في النهاية
(3)
. واللَّه أعلم.
(1)
سورة آل عمران، الآية:192.
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (18/ 33).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 292).