المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فيما لأدنى أهل الجنة - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٤

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْهِيب من النِّيَاحَة على الْمَيِّت والنعي وَلَطم الخد وخمش الْوَجْه وشق الجيب

- ‌إن الميت ليعذب ببكاء الحي

- ‌لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة

- ‌النهي عن النعي

- ‌ليس منا من حلق ولا خرق ولا صلق

- ‌التَّرْهِيب من إحداد الْمَرْأَة على غير زَوجهَا فَوق ثَلَاث

- ‌[التَّرْهِيب من أكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق]

- ‌التَّرْغِيب فِي زِيَارَة الرِّجَال الْقُبُور والترهيب من زِيَارَة النِّسَاء واتباعهن الْجَنَائِز

- ‌التَّرْهِيب من الْمُرُور بقبور الظَّالِمين وديارهم ومصارعهم مَعَ الْغَفْلَة عَمَّا أَصَابَهُم وَبَعض مَا جَاءَ فِي عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وسؤال مُنكر وَنَكير عليهما السلام

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْهِيب من الْجُلُوس على الْقَبْر وَكسر عظم الْميِّت]

- ‌كتاب البعث وأهوال يوم القيامة

- ‌فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة

- ‌فصل في الحشر وغيره

- ‌فصل في ذكر الحساب وغيره

- ‌فصل في الحوض والميزان والصراط

- ‌فصل في الشفاعة وغيرها

- ‌كتاب صفة الجنة والنار الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار

- ‌الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه

- ‌فصل فِي شدَّة حرهَا وَغير ذَلِك

- ‌فصل في ظلمتها وسوادها وشررها

- ‌فصل في أوديتها وجبالها

- ‌فصل في بعد قعرها

- ‌فصل في سلاسلها وغير ذلك

- ‌فصل في حيّاتها وعقاربها

- ‌فصل في شراب أهل النار

- ‌فصل في طعام أهل النار

- ‌شراب أهل النار

- ‌في عظم أهل النار وقبحهم فيها

- ‌فصل في تفاوته في العذاب وذكر هونهم عذابا

- ‌فصل في بكائهم وشهيقهم

- ‌الترغيب الجنة ونعيمها ويشتمل على فصول

- ‌فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك

- ‌عدد أبواب الجنة ثمانية:

- ‌فصل فيما لأدنى أهل الجنة

- ‌فصل في درجات الجنة وغرفها

- ‌فصل فِي بِنَاء الْجنَّة وترابها وحصبائها وَغير ذَلِك

- ‌فصل في حياض الجنة وعرفها

- ‌فصل في أنهار الجنة

الفصل: ‌فصل فيما لأدنى أهل الجنة

‌فصل فيما لأدنى أهل الجنة

5631 -

وَعَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن مُوسَى عليه السلام سَأل ربه مَا أدنى أهل الْجنَّة منزلَة فَقَالَ رجل يَجِيء بعد مَا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة فَيُقَال لَهُ ادخل الْجنَّة فَيَقُول رب كليفَ وَقد نزل النَّاس مَنَازِلهمْ وَأخذُوا أخذاتهم فَيُقَال لَهُ أترضى أَن يكون لَك مثل ملك من مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول رضيت رب فَيَقُول لَهُ لَك ذَلِك وَمثله وَمثله وَمثله فَقَالَ فِي الْخَامِسَة رضيت رب فَيَقُول هَذَا لَك وَعشرَة أَمْثَاله وَلَك مَا اشتهت نَفسك ولذت عَيْنك فَيَقُول رضيت رب قَالَ رب فأعلاهم منزلَة قَالَ أُولَئِكَ الَّذين أردْت غرست كرامتهم بيَدي وختمت عَلَيْهَا فَلم ترَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب بشر. رواه مسلم

(1)

.

قوله: "عن المغيرة بن شعبة" المغيرة بضم الميم وكسرها هو ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن مغيث وكنيته أبو عبد الله الثقفي أسلم عام الخندق وشهد الحديبية وهو ابن أخي عروة بن مسعود يقال له مغيرة الرأي لكمال عقله ودهائه وشهد اليمامة وأصيبت عينه. قال: أحصنت سبعين امرأة، كان ينكح أربعا جميعا ثم يطلقهن جميعًا. وقيل أنه أحصن ثلاث مائة في الإسلام وبعضهم يقول ألف امرأة، وعزله عمر لما شهدوا عليه عن البصرة وولاه الكوفة ثم أقره عثمان ثم عزله. قوله: "ثم لحق بمعاوية فولاه الكوفة ثم توفي

(1)

صحيح مسلم (312)(189).

ص: 700

بها أميرا سنة تسع وأربعين أو خمسين. قاله في شرح الإلمام وتقدم الكلام على بعضر مناقبه أيضا. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة" الحديث، فكذا هو في الأصول: ما أدنى وهو صحيح ومعناه ما صفة أو علامة أدنى أهل الجنة.

قوله: "فيقال له ادخل الجنة، فيقول: رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم" هو بفتح الهمزة والخاء، قال القاضي عياض

(1)

رحمه الله: [معناه سلكوا طرقهم أي درجاتهم وحلوا محالَّهم، وقد يكون معناه] هو ما أخذوا من كرامة مولاهم وحصلوه [وحازوا ما أعطوا منها] أو يكون معناه قصدوا منا زلهم. قال: وذكره ثعلب بكسر الهمزة. قوله: "فيقول له أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا ومثله ومثله ومثله. فقال له في الخامسة: رضيت رب " الحديث، المراد بملك ملك من ملوك الدنيا من ملك الدنيا لثمرقا وغربا كسليمان عليه السلام وذي القرنين.

[و] قال النووي

(2)

المراد أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهي ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضا منها ثم منهم من يكثر البعض الذي [يملكه] ومنهم من يَقِلّ فيعطى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات وذلك كله قدر الدنيا كلها ثم يقال [له]

(3)

لك عشرة أمثال هذا اهـ.

(1)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 21).

(2)

شرح النووي على مسلم (3/ 41).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 701

قوله: "فأعلاهم منزلة أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي" الحديث. أما أردت فهو بضم التاء ومعناه اخترت واصطفيت وأما غرست كرامتهم بيدي إلخ، فمعناه اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغير، وفي آخر الكلام حذف اختصر للعلم به تقديره ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم. "هذا محل قوله بعد: وفي آخر الحديث إلخ إلى قوله ما نصه: وعن أبي سعيد الخدري، تقدم وح يرجع إلى هذا الحديث"

(1)

.

[قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثّل له شجرة ذات ظل" الحديث سئل الشيخ السبكي

(2)

[عن ذلك] من أي شيء يستظل [والشمس] قد كورت أي [جمحت] فأجاب بقوله تعالى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)}

(3)

وبقوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ}

(4)

الآية، وبأن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، الحديث. قال: ولا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل والاستظلال وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس وربما في أذهانهم أن الظل عدم الشمس وليس كذلك بل الظل مخلوق لله وليس بعدم بل هو أمر وجودي له

(1)

سقطت هذه الطرة من النسخة الهندية.

(2)

انظر: مغني المحتاج ج 1/ ص 122).

(3)

سورة الواقعة، الآية:30.

(4)

سورة يس، الآية:56.

ص: 702

نفع بإذن الله تعالى في الأبدان وغيرها فذلك الخيال يحصل من تلك الشجرة التي يراها ذلك الرجل وليس هو في مكانه الذي يكون فيه ذلك الوقت وطلبه ليحصل به روح وراحة، اهـ.]

(1)

وفي آخر الحديث قال ومصداقه في كتاب الله {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}

(2)

، قال ابن سيرين: المراد بقرة الأعين النظر إلى وجه الله عز وجل، قال الحسن أخفى القوم أعمالا فأخفى الله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والمعنى أن الله تعالى أخبر عن نعيمهم الذي أعده لهم بما لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك، اهـ. قوله:"ومصداقه من كتاب الله " هو بكسر الميم ومعناه دليله وما يصدقه.

5632 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم-قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة رجل صرف الله وَجهه عَن النَّار قبل الْجنَّة وَمثل لَهُ شَجَرَة ذَات ظلّ فَقَالَ أَي رب قربني من هَذِه الشَّجَرَة أكون فِي ظلها فَذكر الحَدِيث فِي دُخُوله الْجنَّة وتمنيه إِلَى أَن قَالَ فِي آخِره إِذا انْقَطَعت بِهِ الأمَانِي قَالَ الله هُوَ لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ ثمَّ يدْخل بَيته فَتدخل عَلَيْهِ زوجتاه من الْحور الْعين فَيَقُولانِ الْحَمد لله الَّذِي أحياك لنا وَأَحْيَانا لَك قَالَ فَيَقُول مَا أعطي أحد مثل مَا أَعْطَيْت، رواه مسلم

(3)

.

(1)

حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(قوله: (ومصداقه من كتاب الله) هو بكسر الميم ومعناه دليله وما يصدقه. قوله: (وعن أبي سعيد الخدري) تقدم).

(2)

سورة السجدة، الآية:17.

(3)

صحيح مسلم (311)(188).

ص: 703

5633 -

وَرَوَا أَحْمد

(1)

عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ آخر رجلَيْنِ يخرجَانِ من النَّار يَقُول الله عز وجل لأحَدهمَا يَا ابْن آدم مَا أَعدَدْت لهَذَا الْيَوْم هَل عملت خيرا قطّ فَذكر الحَدِيث بِطُولهِ إِلَى أَن قَالَ فِي آخِره فَيَقُول الله عز وجل سعل وتمنه فَيسْأَل ويتمنى مِقْدَار ثَلَاثَة أَيَّام من إَّلام الدُّنْيَا ويلقنه الله مَا لا علم لَهُ بِهِ فَيسْأَل ويتمنى فَإِذا فرغ قَالَ لَك مَا سَأَلت قَالَ أَبُو سعيد وَمثله مَعَه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَعشرَة أَمْثَاله مَعَه فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه حدث بِمَا سَمِعت وأحدث بِمَا سَمِعت. وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح إِلَّا عَليّ بن زيد وَهُوَ فِي البُخَارِيّ

(2)

بِنَحْوِهِ إِلَّا أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ وَمثله وَقَالَ أَبُو سعيد وَعشرَة أَمْثَاله على الْعَكْس وَتقدم.

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: "ثم يدخل بيته فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك " الحديث، هكذا ثبت في الروايات والأصول زوجتاه بالتاء تثنية زوجة بالهاء وهي لغة صحيحة معروفة وفيها أبيات كثيرة من شعر العرب وذكرها ابن [السكيت][وجماعات] من أهل اللغة.

قوله: "فتقولان" هو بالتاء المثناة من فوق إونما ضبطت هذا وإن كان ظاهرا لكونه مما يغلط فيه بعض من لا يميز، فيقوله بالمثناة من تحت وذلك لحن لا شك فيه، قاله النووي

(3)

. وأما قولهما: الحمد لله الذي أحيانا لك

(1)

مسند أحمد (11667).

(2)

صحيح البخاري (806).

(3)

شرح النووي على مسلم (3/ 44).

ص: 704

وأحياك لنا فمعناه الذي خلقك لنا وخلقنا لك وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة السرور والله أعلم.

قوله: "فيقول الله عز وجل: سل وتمنّه. فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا ويقلنه الله ما لا علم له به فيسأل ويتمنى فإذا فرغ قال: لك ما سألت " في هذا الحديث استحباب التمني في [الآخرة] وأن كراهة ذلك خاصة بالدنيا، وقد قال في الحديث: إن الله ليذكره من كذا وكذا ومعناه أنه يقول له تمن من الشيء الفلاني ومن الشيء الآخر يسمي له أجناس ما يتمنى وهذا من عظيم رحمته سبحانه وتعالى له. قوله: "قمال أبو سعيد: ومثله معه ". قال أبو هريرة: وعشرة أمثاله معه. قال أحدهما لصاحبه حدِّث بما سمعتَ وأحدِّث بما سمعت وهو في البخاري بنحوه إلا أن أبا هريرة قال: ومثله، وقال أبو سعيد وعشرة أمثاله على العكس. قال النووي

(1)

: قال العلماء: وجه الجمع بينهما في قوله في حديث أبي سعيد ومثله معه وقوله في حديث أبي هريرة وعشرة أمثاله أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم أولا بما في حديث أبي سعيد ثم تكرم الله تعالى فزاد ما في حديث أبي هريرة فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه أبو سعيد والله أعلم.

5634 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ إِن آخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة رجل مر بِهِ ربه عز وجل فَقَالَ لَهُ قُم فَادْخُلْ الْجنَّة فَأقبل عَلَيْهِ عَابِسا فَقَالَ وَهل أبقيت لي شَيْئا قَالَ نعم لَك مثل مَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس أَو غربت. رواه

(1)

شرح النووي على مسلم (3/ 24).

ص: 705

الطبراني

(1)

بإسناد جيد، وليس في أصلي رفعه، وأرى الكاتب أسقط منه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: "وعن عبد الله بن مسعود" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "إن آخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل مرّ به ربه عز وجل فقال له: قم فادخل الجنة فأقبل عليه عابسا" الحديث، والمراد بقوله: مرّ به ربه أي جند ربه يتأول ذلك على ما يليق به تعالى. جل أربنا، عن المرور وغيره.

تتمة في آخر التذكرة للقرطبي

(2)

من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقول له: ادخل الجنة عند جهينة الخبر اليقين. رواه الحافظ أبو بكر الخطيب

(3)

، وكذلك رواه الدارقطني

(4)

من رواية مالك وذكره السهيلي

(5)

أيضًا. قال: وقد قيل اسمه هناد. قال الأصمعي وابن الأعرابي هو جفينة بالفاء، وقال عنده خبر رجل مقتول وفيه يقول الشاعر:

تسائل عن أبيها كل ركب

وعند جفينة الخبر اليقين

فسألوا جفينة فأخبرهم خبر القتيل وقال بعضهم هو حفينة بالحاء يضرب

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (9/ 9189/242)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 452) رواه الطبراني، ورجا له رجال الصحيح غير هبيرة بن مريم، وهو ثقة. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2183).

(2)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 912).

(3)

المصدر السابق.

(4)

المصدر السابق.

(5)

المصدر السابق.

ص: 706

هذا المثل في معرفة الشيء حقيقة اهـ.

يعطى أهل الجنة نورا على قدر أعمالهم.

5635 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود أَيْضا رضي الله عنه عَن النَّبِي قَالَ يجمع الله عز وجل الأوَّلين والآخرين لميقات يَوْم مَعْلُوم قيَاما أَرْبَعِينَ سنة شاخصة أَبْصَارهم ينتظرون فصل الْقَضَاء فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ ثمَّ يَقُول يَعْيي الرب تبارك وتعالى ارْفَعُوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أَعْمَالهم فَمنهمْ من يعْطى نوره مثل الْجَبَل الْعَظِيم يسْعَى بَين يَدَيْهِ وَمِنْهُم من يعْطى نوره أَصْغَر من ذَلِك وَمِنْهُم من يعْطى مثل النَّخْلَة بِيَدِهِ وَمِنْهُم من يعْطى أَصْغَر من ذَلِك حَتَّى يكون آخِرهم رجلا يعْطى نوره على إِبْهَام قَدَمَيْهِ يضيء مرّة ويطفأ مرّة فَإِذا أَضَاء قدم قدمه وَإِذا أطفئ قَامَ فيمرون على قدر نورهم مِنْهُم من يمر كطرفة الْعين وَمِنْهُم من يمر كالبرق وَمِنْهُم من يمر كالسحاب وَمِنْهُم من يمر كانقضاض الْكَوْكَب وَمِنْهُم من يمر كالرِّيحِ وَمِنْهُم من يمر كشد الْفرس وَمِنْهُم من يمر كشد الرجل حَتَّى يمر الَّذِي يعْطى نوره على ظهر قَدَمَيْهِ يحبو على وَجهه وَيَديه وَرجلَيْهِ تَخِر يَد وَتعلق يَد وتخر رجل وَتعلق رجل وتصيب جوانبه النَّار فَلَا يزَال كذَلِك حَتَّى يخلص فَإِذا خلص وقف عَلَيْهَا فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أَعْطَانِي مَا لم يُعْط أحدا إِذْ نجاني مِنْهَا بعد إِذْ رَأَيْتهَا قَالَ فَينْطَلق بِهِ إِلَى غَدِير عِنْد بَاب الْجنَّة فيغتسل فَيَعُود إِلَيْهِ ريح أهل الْجنَّة وألوانهم فَيرى مَا فِي الْجنَّة من خلل الْبَاب فَيَقُول رب أدخلني الْجنَّة فَيَقُول لَهُ أتسأل الْجنَّة وَقد نجيتك من النَّار فَيَقُول رب جعل بيني وَبَينهَا حِجَابا لا أسمع حَسِيسهَا قَالَ فَيدْخل الْجنَّة وَيرى أَو يرفع لَهُ منزل أَمَام ذَلِك

ص: 707

كَأَن مَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حلم فَيَقُول رب أَعْطِيي ذَلِك الْمنزل فَيَقُول لَهُ لَعَلَّك إِن أعطيتكه تسْأَل غَيره فَيَقُول لا وَعزَّتك لا أَسأَلك غَيره وَأي منزل أحسن مِنْهُ فيعطاه فينزله وَيرى أَمَام ذَلِك منزلا كَأَن مَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حلم قَالَ رب أَعْطِيي ذَلِك الْمنزل فَيَقُول الله تبارك وتعالى لَهُ فلعلك إِن أعطيتكة تسْأَل غَيره فَيَقُول لا وَعزَّتك يَا رب وَأي منزل أحسن مِنْهُ فيعطاه فينزله ثمَّ يسكت فَيَقُول لله جلّ ذكره مَا لَك لا تسْأَل فَيَقُول رب قد سَأَلتك حَتَّى ستحييتك وَأَقْسَمت حَتَّى ستحييتك فَيَقُول الله جلّ ذكره ألم ترض أَن أُعْطِيك مثل الدُّنْيَا مُنْذُ خلقتها إِلَى يَوْم أفنيتها وَعشرَة أضعافه فَيَقُول أتهزأ بِي وَأَنت رب الْعِزَّة فيضحك الرب تبارك وتعالى من قَوْله قَالَ فَرَأَيْت عبد الله بن مَسْعُود إِذا بلغ هَذَا الْمَكَان من هَذَا الحَدِيث ضحك حَتَّى تبدو أَضْرَاسه قَالَ فَيَقُول الرب جلّ ذكره لا وَلَكِنِّي على ذَلِك قَادر سل فَيَقُول ألحقني بِالنَّاسِ فَيَقُول الْحق بِالنَّاسِ فَينْطَلق يرمل فِي الْجنَّة حَتَّى إِذا دنا من النَّاس رفع لَهُ قصر من درة فيخر سَاجِدا فَيُقَالا لَهُ رفع رَأسك مَا لَك فَيَقُول رَأَيْت رَبِّي أَو ترَاءى لي رَبِّي فَيُقَال إِنَّمَا هُوَ منزل من منازلك قَالَ ثمَّ يلقى رجلا فيتهيأ للسُّجُود لَهُ فَيُقَال لَهُ مَه فَيَقُول رَأَيت أنَك ملك من الْمَلَائِكَة فَيَقُول إِنَّمَا أَنا خَازِن من خزانك وَعبد من عبيدك تَحت يَدي ألف قهرمان على مَا أَنا عَلَيْهِ قَالَ فَينْطَلق أَمَامه حَتَّى يفتح لَهُ الْقصر قَالَ وَهُوَ من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها مِنْهَا تستقبله جَوْهَرَة خضراء مبطنة بِحَمْرَاء فِيهَا سَبْعُونَ بَابا كل بَاب يُفْضِي إِلَى جَوْهَرَة خضراء مبطنة كل جَوْهَرَة تُفْضِي إِلَى جَوْهَرَة على غير لون الاخرَى فِي كل جَوْهَرَة سرر وَأَزْوَاج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلَّة يرى

ص: 708

مخ سَاقهَا من وَرَاء حللها كَبِدهَا مرآته وكبده مرآتها إِذا أعرض عَنْهَا إعراضة زدادت فِي عينه سبعين ضعفا فَيُقَال لَهُ شرف فيشرف فَيُقَال لَهُ ملكك مسيرَة مائَة عَام ينفذهُ بَصرك قَالَ فَقَالَ عمر أَلا تسمع مَا يحدثنا بن أم عبد يَا كعْب عَن أدنى أهل الْجنَّة منزلا فَكيف أعلاهم قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لا عين رَأَتْ وَلا أذن سَمِعت إِن الله جلّ ذكره خلق دَارا جعل فِيهَا مَا شَاءَ من الأزْوَاج والثمرات والأشربة ثمَّ أطبقها فَلم يرهَا أحد من خلقه لا جِبْرِيل وَلا غَيره من الْمَلَائِكَة ثمَّ قَرَأَ كعْب فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ السَّجْدَة 71 قَالَ وَخلق دون ذَلِك جنتين وزينهما بِمَا شَاءَ وأراهما من شَاءَ من خلقه ثمَّ قَالَ من كَانَ كتَابه فِي عليين نزل فِي تِلْكَ الدَّار الَّتِي لم يرهَا أحد حَتَّى إِن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير فِي ملكه فَلَا تبقى خيمة من خيم الْجنَّة إِلَّا دَخلهَا من ضوء وَجهه فيستبشرون بريحه فَيَقُولُونَ واها لهَذَا الرّيح هَذَا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير فِي ملكه قَالَ وَيحك يَا كَعْب إِن هَذِه الْقُلُوب قد سترسلت فاقبضها فَقَالَ كَعْب إِن لِجَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة لزفرة مَا من ملك مقرب وَلا نَبِي مُرْسل إِلَّا خر لِرُكْبَتَيْهِ حَتَّى إِن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله ليقول رب نَفسِي نَفسِي حَتَّى لَو كَانَ لَك عمل سبعين نَبيا إِلَى عَمَلك لظنَنْت أَن لا تنجو رواه ابن أبي الدنيا والطبراني

(1)

والحاكم

(2)

هكذا عن ابن مسعود مرفوعا وآخره من قوله: إن الله جل ذكره

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (9/ 357/ 9763)، (9/ 361/ 9764).

(2)

والحاكم (2/ 376 - 377 و 4/ 589 - 592)، وأخرجه ابن نصر في الصلاة (278) وابن خزيمة في التوحيد (2/ 583 - 584)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1203) والهيثم بن=

ص: 709

خلق دارا إلى آخره موقوفا على كعب، وأحد طرق الطبراني صحيح واللفظ له، وقال الحاكم صحيح الإسناد وهو في مسلم

(1)

بنحوه باختصار عنه.

قوله: "وعن عبد الله بن مسعود" أيضًا تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة" تقدم هذا الحديث وتقدم الكلام على بعض غريبه. قوله: "يحبو على وجهه ويديه ورجليه" قال أهل اللغة

(2)

الحبو المشي على اليدين والرجلين وربما قالوا على اليدين والركبتين وربما قالوا على يديه ومقعدته؛ وأما الزحف فقال ابن دريد وغيره هو المشي على الاست مع إشرافه بصدره فحصل من هذا أن الحبو والزحف متماثلان أو متقاربان لو ثبت اختلافهما حمل على أنه في

= كليب (410)، والدارقطني في الرفلة (162)، (163)، وابن منده في الإيمان (2/ 820) وفي التوحيد (531) (532) والبيهقي في البعث (434) وأبو موسى المديني في اللطائف من علوم المعارف (925) والذهبي في العلو (201) وقال الحاكم في الموضع الأول: صحيح على شرط الشيخين وقال في الموضع الثاني: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات غير أنّهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في الصحيحين لما ذكر من انحرافه في السنة في ذكر الصحابة فأما الأئمة المتقدمون فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق والإتقان، والحديث صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالاني فممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة وقال الذهبي: ما أنكره حديثا على جودة إسناده، وأبو خالد شيعي منحرفو قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 343) رواه كله الطبراني من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني، وهو ثقة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3591).

(1)

صحيح مسلم (308)(186).

(2)

انظر: الديباج على مسلم (1/ 244).

ص: 710

حال يزحف وفي حال يحبو والله أعلم. قوله: "فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها" الحديث أي يخلص من الصراط المضروب على النار. قوله: "ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه" فالمراد بالأضعاف الأمثال فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل. قوله: "فيقول أتهزأ بي وأنت ربي العزة"، وفي رواية: أتسخر بي، والهزء والسخرية بمعنى واحد، حمل الحديث جماعة من المتأولين على أن الألف ألف استفهام وعلى المقابلة [كما]

(1)

في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}

(2)

وقيل بل الألف هنا للنفي بمعنى لا أي أنك لا تسخر بي ولا يليق بك السخرية كقوله تعالى: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}

(3)

أي إنك لا تفعل ذلك والسخرية بكسر السين الاستهزاء وبضمها من السخرية والتسخير، [و] قرئ:{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}

(4)

بالوجهين والسُّخر في حق الله تعالى لا يجوز لأنه سبحانه وتعالى متعال عن الخلف في أقواله ومواعده [و] معنى قوله تسخر بي أي تطعمني [فيما] لا أراه من حقي [فكأنها] صورة السخرية ويحتمل أن يكون قائل هذا أصابه من الدهش والحيرة لما رأى من سعة رحمة الله بعد إشرافه على الهلاك وما

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

سورة البقرة، الآية:15.

(3)

سورة الأعراف، الآية:155.

(4)

سورة الزخرف، الآية:32.

ص: 711

ناله من السقوط والزحف على الصراط وما لقيه من حر النار وريحها [والعذاب الضيافة] له بعد بعده عنها [ما لم يحتسبه] ولم يطمع فيه فلم يضبط فرحا ودهشا لفظه وأجرى كلامه على [عادته] مع المخلوق مثله كما قال الآخر من الدهش والفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك وقيل معنى أتسخر بي أنت لا تسخر بي وأنت الملك، الملك القادر على كل شيء المالك لجميع المخلوقات، وأن الهمزة ليس للاستفهام [والتقرير] للسخرية بل لنفيها. قوله:"فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله" الحديا، الضحك من الله سبحانه وتعالى هو الرضا بفعل عبده [ومحبته]

(1)

وإرادة الخير بمن يشاء رحمته من عباده.

قوله: "فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه"، وفي بعض طرق هذا الحديث فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان [ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث] هذا الحديث مرارا كلما [بلغت] هذا المكان من هذا الحديث ضحكت فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث [هذا الحديث رآني كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث] ضحك حتى تبدو أضراسه وقيل نواجذه والنواجذ بالجيم والذال المعجمة. قال أبو العباس.

(2)

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (4/ 160) شرح النووي على مسلم (3/ 40)، حياة الحيوان الكبرى (1/ 287).

ص: 712

ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث، وغيرهم: المراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بالنواجذ هنا الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه، وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا مسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال والله أعلم.

قوله: "فيرمل في الجنة" الرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطا و [تقدم] له نظائر في هذا التعليق. قوله: "فقال له مه"، مه كلمة نهي وزجر، قوله:"تحت يدي ألف قهرمان على ما أنا عليه" القهرمان هو بفتح القاف وإسكان الهاء وفتح الراء هو الخازن والقائم بحوائج الإنسان وهو بمعنى الوكيل وهو بلسان الفرس، والله أعلم.

قوله: "في كل جوهرة سرور وأزواج ووصائف" الوصائف جمع وصفية والوصيفة بفتح الواو وكسر المهملة هي الخادم. قوله: "أدناها حوراء عينا عليها سبعون حلة" الحديث، والحوراء هي الشابة الجميلة الفائقة في حسنها. وقال الحسن الحوراء هي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها وهو الحَوَر قال الجوهري

(1)

: الحور بفتح الواو وفسره بما ذكر ويقال لها أيضا عيناء. وقيل العيناء العظيمة العينين. قوله: يُرى مخ ساقها من رواء حللها يعني من شدة صفاء لحم الساقين كما يرى السلك في جوف الدرة الصافية والله أعلم.

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 639).

ص: 713

قوله: "فيقولون واها لهذا الريح" الحديث. واها كلمة معناها التلهف وقد توضع للإعجاب بالشيء، والله أعلم.

قوله: "إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا" الضعف هو المثل كما تقدم عن أهل اللغة. قوله: "ويحك يا كعب" الحديث، ويح كلمة ترحم. قوله:"فمن كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد" الحديث، عن هلال بن يساف قال: كنا جلسوا إلى كعب يعني الأحبار والربيع بن خثيم وخالد بن عرعرة في أناس فجاء ابن عباس فقيل هذا ابن عم نبيك صلى الله عليه وسلم فأوسع له: فقال يا كعب كل ما في القرآن [قد عرفت] غير أربعة أشياء فأخبرني [عنهن] ما سجين وما عليون وما سدرة المنتهى وما قول الله عز وجل لإدريس: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}

(1)

فقال أما عليون ففي السماء السابعة فيها أراوح المؤمنين وأما سجين ففي الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكافرين وأما قول الله عز وجل لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} فإن الله أوحى إليه إني رافع لك كل يوم مثل أعمال بني آدم وكلمة صديق له من الملائكة أن يكلم له ملك الموت فيؤخره حتى يزداد عملا فحملة بين جناحيه فعرج به حتى إذا كان في السماء الرابعة لقيه ملك الموت فكلمه في حاجته فقال: وأين هو قال هو ذا بين جناحي. قال: فالعجب أني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة فقبض روحه وأما سدرة المنتهى فإنها سدرة على رءوس حملة العرش ينتهي إليها علم الخلائق ليس لأحد وراءها علم فبذلك

(1)

سورة مريم، الآية:57.

ص: 714

سميت سدرة المنتهى وسيأتي الكلام عليها مبسوطًا في محله.

قوله: "وعن عبد الله بن عمرو" تقدم. قوله: "فتمتد له الزرابي أربعين سنة" الزرابي البسط الفاخرة كما تقدم قريبا. قوله: "فيقال له اقرأ وارقَه" أي اصعد والرّقيّ الصعود. قوله: "سعته ميل في ميل" الميل من الأرض قدر مد البصر وقيل مقدار ثلاث آلاف ذراع إلى أربعة آلاف وسيأتي الكلام عليه قريبا مبسوطا. قوله: "له فيه فضول" أي زيادات على ذلك. قوله: "فيسعى إليه بسبعين صحفة من ذهب"، قال الكلبي هي قصاع من ذهب.

قال الليثُ: الصحفة قصعة عريضة الجمع صحاف. قوله: "فإذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ وظنوا أن لا نعيم أفضل منه تجلى الرب تبارك وتعالى، التجلي هو الظهور وإزالة المانع من الرؤية والله أعلم. قوله: "ثم يقول يا داود قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا. قال: فيمجد داود ربه عز وجل" [وروى] ابن أبي الدنيا

(1)

عن مالك بن دينار في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}

(2)

قال: إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فوضع في الجنة ثم نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا. قال: فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان. وعن شهر بن حوشب قال: إن الله جل ثناؤه يقولى لملائكته: إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيَدَعونه من أجلي فأسمعوا عبادي

(1)

ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (340).

(2)

سورة ص، الآية:25.

ص: 715

فيأخذون بأصوات من تهليل وتسبيح وتكببير لم يُسمع مثله قط، اهـ.

5636 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أَلا أخْبركُم بِأَسْفَل أهل الْجنَّة دَرَجَة قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ رجل يدْخل من بَاب الْجنَّة فيتلقاه غلمانه فَيَقُولُونَ مرْحَبًا بسيدنا قد آن لَك أَن تَزُورنَا قَالَ فتمد لَهُ الزرابي أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ ينظر عَن يَمِينه وشماله فَيرى الْجنان فَيَقُول لمن مَا هَهُنَا فَيُقَال لَك حَتَّى إِذا انْتهى رفعت لَهُ ياقوتة حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء لهَا سَبْعُونَ شعبًا فِي كل شعب سَبْعُونَ غرفَة فِي كل غرفَة سَبْعُونَ بَابا فَيُقَال اقْرَأ وارقه فيرقى حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى سَرِير ملكه اتكأ عَلَيْهِ سعته ميل فِي ميل لَهُ فِيهِ قُصُور فيسعى إِلَيْهِ بسبعين صَحْفَة من ذهب لَيْسَ فِيهَا صَحْفَة فِيهَا من لون أُخْتهَا يجد لَذَّة اَخرهَا كمَا يجد لَذَّة أَولهَا ثمَّ يسْعَى إِلَيْهِ بألوان الأشْرِبَة فيشرب مِنْهَا مَا اشْتهى ثمَّ يَقُول الغلمان اتركوه وأزواجه فَينْطَلق الغلمان ثمَّ ينظر فَإِذا حوراء من الْحور الْعين جالسة على سَرِير ملكهَا عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلَّة لَيْسَ مِنْهَا حلَّة من لون صاحبتها فَيرى مخ سَاقهَا من وَرَاء اللَّحْم وَالدَّم والعظم وَالْكِسْوَة فَوق ذَلِك فَينْظر إِلَيْهَا فَيَقُول من أَنْت فَتَقول أَنا من الْحور الْعين من اللَّاتِي خبئن لَك فَينْظر إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سنة لا يصرف بَصَره عَنْهَا ثمَّ يرفع بَصَره إِلَى الغرفة فَإِذا أُخْرَى أجمل مِنْهَا فَتَقول مَا آن لَك أَن يكون لنا مِنْك نصيب فيرتقي إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سنة لا يصرف بَصَره عَنْهَا ثمَّ إِذا بلغ النَّعيم مِنْهُم كل مبلغ وظنوا أَن لا نعيم أفضل مِنْهُ تجلى لَهُم الرب تبَارك اسْمه فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجه الرَّحْمَن فَيَقُول يَا أهل الْجنَّة هللوني فيتجاوبون بتهليل

ص: 716

الرَّحْمَن ثمَّ يَقُول يَا دَاوُد قُم فمجدني كمَا كنت تمجدني فِي الدُّنْيَا قَالَ فيمجد دَاوُد ربه عز وجل رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَفِي إِسْنَاده من لا أعرفهُ الآن

(1)

.

5637 -

وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة لمن ينظر إِلَى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرَة ألف سنة وَأكْرمهمْ على الله من ينظر إِلَى وَجهه غدْوَة وعشيا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}

(2)

رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ أَحْمد مُخْتَصرا قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة لينْظر فِي ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كمَا يرى أدناه ينظر إِلَى أَزوَاجه وخدمه زَاد الْبَيْهَقِيّ على هَذَا فِي لفظ لَهُ وَإِن أفضلهم منزلَة لمن ينظر إِلَى الله عز وجل فِي وَجهه فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ

(3)

.

5638 -

وروى ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الأعْمَش عَن ثُوَيْر قَالَ أرَاهُ عَن ابْن عمر قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة لرجل لَهُ ألف قصر بَين كل قَصْرَيْنِ مسيرَة سنة يرى أقصاها كمَا يرى أدناها فِي كل قصر من الْحور الْعين والرياحين

(1)

أخرجه ابن أبى الدنيا في صفة الجنة (339). وضعفه الألبانى في ضعيف الترغيب (2184). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

(2)

سورة القيامة، الآيات: 22 - 23.

(3)

أخرجه أحمد 2/ 13 (4623) و 2/ 64 (5317)، والترمذى (2553) و (3330)، وأبو يعلى (5712) و (5729)، والطبرانى في الكبير (13/ 115 - 116 رقم 13771)، والبيهقى في البعث (432) و (433). وضعفه الألبانى في المشكاة (5657) والضعيفة (1985) وضعيف الترغيب (2185). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

ص: 717

والوالدن مَا يَدْعُو بِشَيْء إِلَّا أُتِي بِهِ رَوَاهُ هَكَذَا مَوْقُوفا

(1)

.

5639 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أدنى أهل الْجنَّة الَّذِي لَهُ ثَمَانُون ألف خَادِم وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَة وَينصب لَهُ قبَّة من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد وَيَاقُوت كَمَا بَين الْجَابِيَة إِلَى صنعاء. رواه الترمذي

(2)

وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، يعني عن عمرو بن الحارث عن دراج.

[قال الحافظ]: قد رواه ابن حبان في صحيحه

(3)

من حديث ابن وهب، وهو أحد الأعلام الثقات الأثبات عن عمرو بن الحارث عن دراج.

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: "إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة. قال القاضي

(4)

: ظاهر هذا الحديث أن النساء أكثر من الرجال وأنهن أكثر أهل الجنة. [وفي] الحديث الآخر أنهن أكثر أهل النار، قال فيحصل من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد

(1)

أخرجه ابن أبى الدنيا في صفة الجنة (34). وضعفه الألبانى في ضعيف الترغيب (2186). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

(2)

والترمذي (2562) وأخرجه ابن المبارك في الزهد (422) -زوائد نعيم بن حماد-، أحمد (11723)، وأبو يعلى (1404) ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (214) وابن أبي داود في البعث (77) والبغوي في شرح السنة (4381) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (991)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (266)، وضعيف الترغيب والترهيب (2187).

(3)

ابن حبان (7401).

(4)

شرح النووي على مسلم (17/ 172).

ص: 718

آدم، قال: وهذا كله في الآدميات وإلا فقد جاء أن للواحد من أهل الجنة من الحور العين العدد الكثير والله أعلم، اهـ كما تقدم. قوله:"وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء" الحديث. الجابية بالجيم مكان في الشام معروف وصنعاء هذه هي صنعاء اليمن تمد وتقصر وهي أعظم مدن اليمن تشبه دمشق في كثرة البساتين والمياه نسب إليها غير واحد وصنعاء أيضا قرية قريبة من دمشق من ناحية باب الفراديس واتصلت بالعقبة جذب من أهلها غير واحد والله أعلم، وقد صح أن الله سبحانه وتعالى يعطي لآخر من يخرج من النار ويدخل الجنة مثل الدنيا منذ خلقها إلى يوم أفناها وعشرة أضعافه وإذا كان هذا ما لأدناهم فكيف بما لأعلاهم وإذا كان هذا ما لأسفلهم درجة فكيف بالمجاهد الذي يرفعه الله مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض بل كيف للشهيد عند ذي الجلال والإكرام من الفضل الجزيل والإنعام والله لا يحصر ما له عند الله فهم ولا يكفيه وهم ولا يحيط به عقل وناهيك قول الله سبحانه وتعالى فيمن هو دون رتبة الشهداء:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}

(1)

اهـ. قاله ابن النحاس في كتاب الجهاد وليس بخاف أن للمؤمن في الجنة سراريّ غير الزوجات، وعن أبي هريرة رضي الله عنه

(2)

أنه سأل

(1)

سورة السجدة، الآية:17.

(2)

الطبراني في المعجم الأوسط 718)، (5267)، والمعجم الصغير (795)، وأبو نعيم في صفة الجنة (373) انظر: السلسلة الصحيحة (367).

ص: 719

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء.

5640 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أَسْفَل أهل الْجنَّة أَجْمَعِينَ دَرَجَة لمن يقوم على رَأسه عشرَة آلاف خَادِم بيد كل وَاحِد صحفتان وَاحِدَة من ذهب وَالأخْرَى من فضَّة فِي كل وَاحِدَة لون لَيْسَ فِي الأخْرَى مثله يَأْكُل من آخرهَا مثل مَا يَأْكُل من أَولهَا تَجِد لآخرها من الطّيب واللذة مثل الَّذِي يجد لأولها ثمَّ يكون ذَلِك ريح الْمسك الأذفر لا يَبُولُونَ وَلا يتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين. رواه ابن أبي الدنيا

(1)

والطبراني

(2)

واللفظ له، ورواته ثقات.

قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم" فذكره إلى أن قال: "ثم يكون ذلك ريح المسك الأذفر" الحديث، والأذفر بالذال المعجمة والتحريك الطيب الريح.

5641 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة وَلَيْسَ فيهم دني من يَغْدُو عَلَيْهِ كل يَوْم وَيروح خَمْسَة عشر ألف خَادِم لَيْسَ مِنْهُم خَادِم إِلَّا

(1)

ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (208).

(2)

المعجم الأوسط (7674). وأخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 175) وقال: غريب من حديث صالح لم نكتبه إلا من حديث الهيثم مرفوعا غريب، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 401) رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5305)، وضعيف الترغيب والترهيب (2188).

ص: 720

وَمَعَهُ طرفَة لَيست مَعَ صَاحبه. رواه ابن أبي الدنيا

(1)

موقوفًا.

[قال الحافظ]: ولا منافاة بين هذه الأحاديث لأنه قال في حديث أبي سعيد: أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم. وقال في حديث أنس: من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، وفي حديث أبي هريرة: من يغدو عليه ويروح خمسة عشر ألف خادم فيجوز أن يكون له ثمانون ألف خادم يقوم على رأسه منهم عشرة آلاف ويغدو عليه منهم كل يوم خمسة عشر ألفا، والله سبحانه أعلم.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله: "قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة وليس فيهم دني من يغدو عليه كل يوم ويروح خمسة عشر ألف خادم" الحديث. قال الحافظ: ولا منافاة بين هذه الأحاديث لأنه قال في حديث أبي سعيد: أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم وقال في حديث أنس من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، وفي حديث أبي هريرة من يغدو عليه ويروح خمسة عشرة ألف خادم فيجوز أن يكون له ثمانون ألف خادم تقوم على رأسه منهم عشرة آلاف ويغدو عليه منهم كل يوم خمسة عشر ألفا والله سبحانه أعلم.

5642 -

وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث يحيى بن أبي طَالب حَدثنَا عبد الْوَهَّاب أَنبأنا سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أبي أيُّوب عَن عبد الله بن

(1)

أبن أبي الدنيا في صفة الجنة (209)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2189)، والضعيفة (6901).

ص: 721

عَمْرو قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة من يسْعَى عَلَيْهِ ألف خَادِم كل خَادِم على عمل لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحبه قَالَ وتلا هَذِه الآيَة إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم لؤلؤا منثورا الإِنْسَان

(1)

.

(1)

أخرجه البيهقى في البعث (371). وصححه الألبانى في صحيح الترغيب (3705). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

ص: 722