المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٤

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌التَّرْهِيب من النِّيَاحَة على الْمَيِّت والنعي وَلَطم الخد وخمش الْوَجْه وشق الجيب

- ‌إن الميت ليعذب ببكاء الحي

- ‌لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة

- ‌النهي عن النعي

- ‌ليس منا من حلق ولا خرق ولا صلق

- ‌التَّرْهِيب من إحداد الْمَرْأَة على غير زَوجهَا فَوق ثَلَاث

- ‌[التَّرْهِيب من أكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق]

- ‌التَّرْغِيب فِي زِيَارَة الرِّجَال الْقُبُور والترهيب من زِيَارَة النِّسَاء واتباعهن الْجَنَائِز

- ‌التَّرْهِيب من الْمُرُور بقبور الظَّالِمين وديارهم ومصارعهم مَعَ الْغَفْلَة عَمَّا أَصَابَهُم وَبَعض مَا جَاءَ فِي عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وسؤال مُنكر وَنَكير عليهما السلام

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْهِيب من الْجُلُوس على الْقَبْر وَكسر عظم الْميِّت]

- ‌كتاب البعث وأهوال يوم القيامة

- ‌فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة

- ‌فصل في الحشر وغيره

- ‌فصل في ذكر الحساب وغيره

- ‌فصل في الحوض والميزان والصراط

- ‌فصل في الشفاعة وغيرها

- ‌كتاب صفة الجنة والنار الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار

- ‌الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه

- ‌فصل فِي شدَّة حرهَا وَغير ذَلِك

- ‌فصل في ظلمتها وسوادها وشررها

- ‌فصل في أوديتها وجبالها

- ‌فصل في بعد قعرها

- ‌فصل في سلاسلها وغير ذلك

- ‌فصل في حيّاتها وعقاربها

- ‌فصل في شراب أهل النار

- ‌فصل في طعام أهل النار

- ‌شراب أهل النار

- ‌في عظم أهل النار وقبحهم فيها

- ‌فصل في تفاوته في العذاب وذكر هونهم عذابا

- ‌فصل في بكائهم وشهيقهم

- ‌الترغيب الجنة ونعيمها ويشتمل على فصول

- ‌فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك

- ‌عدد أبواب الجنة ثمانية:

- ‌فصل فيما لأدنى أهل الجنة

- ‌فصل في درجات الجنة وغرفها

- ‌فصل فِي بِنَاء الْجنَّة وترابها وحصبائها وَغير ذَلِك

- ‌فصل في حياض الجنة وعرفها

- ‌فصل في أنهار الجنة

الفصل: ‌فصل في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك

‌فصل فِي بِنَاء الْجنَّة وترابها وحصبائها وَغير ذَلِك

5648 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله حَدثنَا عَن الْجنَّة مَا بناؤها قَالَ لبنة ذهب ولبنة فضَّة وملاطها الْمسك وحصباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت وترابها الزَّعْفَرَان من يدخلهَا ينعم وَلا يبأس ويخلد لا يَمُوت لا تبلى ثِيَابه وَلا يفنى شبابه الحَدِيث. رواه أحمد

(1)

واللفظ له والترمذي

(2)

والبزار والطبراني في الأوسط

(3)

وابن حبان في صحيحه

(4)

، وهو قطعة من حديث عندهم.

وروى ابن أبي الدنيا

(5)

عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا قَالَ حَائِط الْجنَّة لبنة من

(1)

مسند أحمد (8043)، (8747)، (9744).

(2)

الترمذي (2526). وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل.

(3)

الطبراني في الأوسط (7111).

(4)

ابن حبان (874 و 3428 و 7387) وأخرجه الطيالسي (ص 337) وهناد في الزهد (130) وأبن أبي شيبة (3/ 6 - 7) وإسحاق في مسند أبي هريرة (300) والبخاري في الكنى (ص 74) والحميدي (1150) والدارمي (2863) وابن ماجه (1752) والترمذي (3598)، وعبد بن حميد (1420) وابن خزيمة (1901) والحارث (بغية الباحث 1071) وابن أبي حاتم في تفسير (2/ 544) والطبراني في الدعاء (1315) وأبو نعيم في صفة الجنة (100 و 136) والبيهقي (3/ 345 - 346 و 8/ 162 و 10/ 88) وفي البعث (258) وفي الشعب (6699) والبغوي في شرح السنة (1395) قال الترمذي: هذا حديث حسن، وأبو مدلة إنما نعرفه بهذا الحديث وقال ابن حبان: أبو المدلة: اسمه عبيد الله بن عبد الله مدني ثقة وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3711).

(5)

ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (4)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (زوائد نعيم 252) وعبد=

ص: 733

ذهب ولبنة من فضَّة ودرجها الْيَاقُوت واللؤلؤ قَالَ وَكنَّا نُحدث أَن رَضْرَاض أنهارها اللُّؤْلُؤ وترابها الزَّعْفَرَان.

[الرضراض] بفتح الراء وبضادين معجمتين.

[والحصباء] ممدود بمعنى واحد، وهو الحصى، قيل الرضراض صغارها.

قوله: "عن أبي هريرة" تقدم. قوله: "قال: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتر ابها الزعفران" الحديث. وفي حديث آخر: وترابها المسك. وفي حديث آخر: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تربة الجنة الخبزة من الدرمك. تقدم الكلام على اللبنة في الزهد في الدنيا والملاط بكسر الميم هو الطين الذي يجعل بين سافي البناء يعني أن الطين الذي يجعل بين لبن الذهب والفضة في الحائط [مسك، انتهى قاله الحافظ، وقال في النهاية

(1)

: الملاط الطين الذي يجعل بين سافي البناء غلظ به الحائط] أي يخلط ومنه الحديث: إن الإبل ملاطها الأجرب، أي يخالطها، اهـ. [والرضَاض] بفتح الراء وبضادين والحصباء ممدودا بمعنى واحد وهو الحصا. وقيل [الرضاض] صغارها، قاله الحافظ رحمه الله. قال في حادي الأرواح

(2)

فهذه ثلاث صفات في تربة الجنة لا

= الرزاق (20875) وفي تفسيره (3/ 267)، والبغوي في شرح السنة (4391) عن أبي هريرة قوله ..

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 357).

(2)

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 137).

ص: 734

تعارض بينها فذهبت طائفة من السلف إلى أن تربتها متضمنة النوعين المسك والزعفران، [وقال مغيث بن سمي الجنة ترابها المسك والزعفران]

(1)

ويحتمل معنيين آخرين أحدهما أن يكون التراب من زعفران فإذا عجن بالماء صار مسكا والطين يسمى ترابا ويدل على هذا قوله في اللفظ الآخر: ملاطها المسك، والملاطة الطين ويدل عليه أن في حديث العلاء بن زياد ترابها الزعفران وطينها المسك فلما كانت تربتها طيبة وماؤها طيبا فانضم أحدهما إلى الآخر حدث لهما طيب آخر فصار مسكا. المعنى الثاني أن يكون زعفرانا فاعتبار اللون مسكا باعتبار الرائحة وهذا من أحسن شيء [لكون] البهجة والإشراق في لون الزعفران والرائحة رائحة المسك وكذلك تشبهها بالدرمك وهو الخبز الصافي الذي يضرب لونه إلى صفرة مع لينها ونعومتها وهذا معنى ما ذكره سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أرض الجنة من فضة وترابها مسك فاللون في البياض لون الفضة والرائحة رائحة المسك. [قاله] ابن رجب في اللطائف بعد سياق الأحاديث الواردة في تربة الجنة فهذه أربعة أشياء أحدها بناء الجنة ويحتمل أن المراد بنيان قصورها ودورها ويحتمل أن يراد بناء حائطها وسورها المحيط بها وهو أشبه. الثاني: ملاط الجنة وأنه المسك الأذفر والملاط هو الطين ويقال الطين الذي بني منه البنيان والأذفر الخالص وتقدم [ذكر] ذلك [و] قيل أنه أراد بترابها ما خالطه الماء وهو طينها. الثالث حصباء الجنة وأنه اللؤلؤ والياقوت

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 735

والحصباء الحصى الصغار وهو الرضراض وتقدم [ذكر] ذلك. الرابع: تراب الجنة وأنه الزعفران، في رواية أخرى: الزعفران والورس: وقد قيل أن المراد بالتراب [ههنا] تربة الأرض التي لا ماء عليها فأما ما كان عليه ماء فإنه مسك. وفي بعض الروايات حشيشها الزعفران وهو نبات أرضها وترابها فأما حديث ترابها المسك فقد قيل أنه محمول على تراب يخالطه الماء. وقيل: أن المراد أن ريح ترابها ريح المسك ولونه لون الزعفران ويشهد لهذا حديث الكوثر أن حاله "الحال الطين" المسك الأبيض فريحه ريح المسك ولونه مشرق لا يشبه لون مسك الدنيا بل هو أبيض وقد يكون منه أبيض ومنه أصفر والله أعلم. والتي تجتمع به الأحاديث الواردة كلها أن تربة الجنة في لونها بيضاء ومنها ما يشبه لون الزعفران في بهجته وإشراقه وريحها ريح المسك الأذفر الخالص وطعمها طعم الخبز الحواري الخالص وقد يختص هذا بالأبيض منها فقد اجتمعت لها الفضائل كلها لا أحرمنا الله منها برحمته وكرمه والله أعلم، اهـ.

فائدة: في الحديث

(1)

. أنه صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: ما تربة الجنة؟ قال درمكة بيضاء، الحديث. التربة التراب والدرمك الدقيق الحواري الخالص البياض. قال العلماء: شبّه تربة الجنة بها لبياضها ونعموتها وبالمسك لطيبها، وابن صياد قد اختلف الناس فيه كثيرا وهو رجل من اليهود يدعي النبوة في المدينة أو دخيل فيهم واسمه صاف فيما قيل مهمل الصاد. [قيل:] قاص ويقال فيه

(1)

صحيح مسلم (92)(2928).

ص: 736

ابن صياد [وابن الصياد]

(1)

أيضا، قاله عياض. [فيما قيل] وكان [عنده] شيء من الكهانة والسحر وجملة أمره أنه كان فتنة امتحن الله [به] عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حيي عن بينة. وري أنه تاب عن ذلك ثم إنه مات بالمدينة مسلما في الأكثر. وقيل أنه [فُقِد يوم] الحرة فلم يجدوه [والله تعالى أعلم] قاله في النهاية

(2)

]. قوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخلها ينم ولا يبأس"[قوله: "ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" الحديث، في هذا الحديث إشارة إلى بقاء الجنة وبقاء جميع ما فيها من النعيم وأن صفات أهلها الكاملة من الشباب لا [تتغير] أبدا وملابسهم التي عليهم من الثياب لا تبلى أبدا وقد دل القرآن على مثل هذا في مواضع كثيرة،

(3)

. قال الفارسي: من يدخل الجنة لا يبأس أي لا [يفتقر] ولا يرى البؤس ولا تشتد حاجته فهو بائس [والمبتئس] الكاره الحزين أي [لا تصيبهم شدة] في المال [ولا في] النفس.

5649 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما. قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْجنَّة فَقَالَ من يدْخل الْجنَّة يحيى فِيهَا لا يَمُوت وينعم فِيهَا لا يبأس لا تبلى ثِيَابه وَلا يفنى شبابه قيل يَا رَسُول الله مَا بناؤها قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها الْمسك وترابها الزَّعْفَرَان وحصباؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت. رواه ابن أبي الدنيا

(4)

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 66).

(3)

حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(أي لا تصيبهم شدة في المال ولا في النفس).

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (12).

ص: 737

والطبراني

(1)

وإسناده حسن بما قبله.

[الملاط] بكسر الميم: هو الطين الذي يجعل بين سافي البناء، يعني أن الطين الذي يجعل بين لبن الذهب والفضة، وفي الحائط مسك.

قوله: "وعن ابن عمر" تقدم. قوله: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة" الحديث، تقدم الكلام على هذا الحديث في الأحاديث قبله وكذلك حديث أبي سعيد الخدري الذي بعده.

وروى ابن المبارك بسنده عن مجاهد أنه قال: أصل الجنة من ورق وترابها من مسك وأصول أشجارها من ذهب وورق وأفنانها من لؤلؤ وزبرجد وياقوت والورق [والثمر تحت ذلك فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه وذللت قطوفها تذليلا. انتهى.

5650 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ خلق الله تبارك وتعالى الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها الْمسك وَقَالَ لها تكلمي فَقَالَت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فَقَالَت الْمَلَاِئكَة طُوبَى لَك منزل الْمُلُوك. رواه الطبراني

(2)

، والبزار

(3)

واللفظ له

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (13، 14/ 248/ 13992). ورواه ابن أبي شيبة (34950)، وابن الأعرابي في معجمه (1425)، وأبو نعيم في صفة الجنة (96 و 291) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 397)، وقال:"رواه الطبراني بإسناد حسن الترمذي لرجاله"!.

قال البوصيري إتحاف الخيرة المهرة (8/ 229) رواه أبو بكر بن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3713).

(2)

المعجم الأوسط (3701).

(3)

أخرجه البزار (كشف الأستار 2507) موقوفا. وأخرجه البزار (كشف 3508) وابن =

ص: 738

مرفوعا وموقوفا، وقال لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي بن الفضل يعني عن الجريري عن أبي نضرة عنه وعدي بن الفضل ليس بالحافظ وهو شيخ بصرى انتهى.

قَالَ الْحَافِظ قد تَابع عدي بن الْفضل على رَفعه وهب بن خَالِد عَن الْجريرِي عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد وَلَفظه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله عز وجل أحَاط حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة ثمَّ شقق فِيهَا الأنْهَار وغرس فِيهَا الأشْجَار فَلَمَّا نظرت الْمَلَاِئكَة إِلَى حسنها قَالَت طُوبَى لَك منَازِل الْمُلُوك. أخرجه البيهقي

(1)

وغيره ولكن وقفه هو الأصح المشهور، والله أعلم.

قوله: "عن أبى سعيد"، تقدم الكلام عليه رضي الله تعالى عنهما. قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة" الحديث، وروى ابن أبي الدنيا من حديث أنس رضي الله تعالى عنه:"خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء" الحديث.

= الأعرابي في "معجمه"(2005)، وابن بشران في "أماليه"(1065)، وأبو نعمِم في صفة الجنة (140 و 237)، وفي الحلية (6/ 204) وقال البزار: لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي وليس بالحافظ قال الهيثمي (10/ 397): رواه البزار مرفوعًا وموقوفًا، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق جنة عدن بيده، لبنة من ذهب ولبنة من فضة. والباقي بنحوه، ورجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2662)، وصحيح الترغيب والترهيب (3714).

(1)

البيهقي في البعث والنشور (778).

ص: 739

قال في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح

(1)

: وقد خلق الله تعالى بعض الجنات وغرسها بيده تفضيلا لها على سائر الجنات، وقد اتخذ الرب تعالى وتقدس من الجنات دارا اصطفاها لنفسه وخصها بالقرب من عرشه وغرسها بيده، فهي سيدة الجنات، والله سبحانه وتعالى يختار من كل نوع أعلاه وأفضله كما اختار من الملائكة جبريل عليه الصلاة والسلام، ومن البشر محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، ومن السماوات العلي، ومن البلاد مكة، ومن الأشهر الأشهر الحرم، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الأيام يوم الجمعة، ومن الليل وسطه، ومن الأوقات أوقات الصلوات، إلى غير ذلك، فهو سبحانه يخلق ما يشاء ويختار.

قال الدارمي

(2)

: حدثنا موسى بن إسماعيل فذكره إلى أن قال: حدثنا مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: "خلق الله تعالى أربع أشياء بيده: العرش والقلم وعدن وآدم. ثم قال لسائر الخلق ركن فكان". قال الدارمي

(3)

: وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال: إن الله تعالى لم يمس شيئا من خلقه غير ثلاثة: خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس جنة عدن بيده؛ ثم قال لها تكلمي فقالت:

(1)

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 156).

(2)

نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد (1/ 261).

(3)

نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد (1/ 263)، وأخرجه هناد في الزهد (44)، والطبري في التفسير (19/ 694) السنة لعبد الله بن أحمد (572) عن ميسرة.

ص: 740

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)}

(1)

، وذكر الحاكم

(2)

عن مجاهد قال: إن الله تعالى غرس جنات عدن بيده، فلما تكاملت أغلقت، فهي تفتح في كل سحر فينظر الله تعالى إليه فيقول:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} ، وفي حديث آخر ثم قال لها انطقي، فقالت:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} ، فقال الله: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل

(3)

.

وتأمل هذه العناية كيف جعل الجنة التي غرسها بيده لمن خلقه بيده ولأفضل ذريته اعتناء وتشريفا وإظهارا لفضل ما خلقه تعالى بيده وشرفه وتميزه بذلك عن غيره وبالله سبحانه وتعالى التوفيق وبمنه وكرمه. فهذه الجنة من الجنات كآدم في نوع الحيوان، انتهى.

5651 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ ودلى فِيهَا ثمارها وشق فِيهَا أنهارها ثمَّ نظر إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت

(1)

سورة المؤمنون، الآية:1.

(2)

الحاكم في المستدرك (2/ 319)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 578)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (229)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (729)، والبيهقي في الأسماء والصفات (693)، والدارمي في الرد على الجهمية (118).

(3)

أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (12/ 148/ 12723)، وفي معجمه الأوسط (5518)، وقال: الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 397) رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وأحد إسنادي الطبراني في الأوسط جيد. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2247).

ص: 741

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} فَقَالَ وَعِزَّتِي لا يجاورني فِيك بخيل. رَوَاهُ الطَّبَرانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا جيد

(1)

وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا من حَدِيث أنس أطول مِنْهُ

(2)

وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ لبنة من درة بَيْضَاء ولبنة من ياقوتة حَمْرَاء ولبنة من زبرجدة خضراء وملاطها مسك حشيشها الزَّعْفَرَان حصباؤها اللُّؤْلُؤ ترابها العنبر ثمَّ قَالَ لهَا انْطِقِي قَالَت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فَقَالَ الله عز وجل وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لا يجاورني فِيك بخيل ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون الْحَشْر 9 والتغابن، 61

5652 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَرض الْجنَّة بَيْضَاء عرصتها صخور الكافور وَقد أحَاط بِهِ الْمسك مثل كُثْبَان الرمل أَنهَار مطردَة فيجتمع فِيهَا أهل الْجنَّة أَدْنَاهُم وَآخرهمْ فيتعارفون فيبعث الله ريح الرَّحْمَة فتهيج عَلَيْهِم ريح الْمسك فَيرجع الرجل إِلَى زَوجته وَقد ازْدَادَ حسنا وطيبا فَتَقول لَهُ لقد خرجت من عِنْدِي وَأَنا بك معجبة وَأَنا بك الآن أَشد إعجابا رَوَا ابْن أبي الدُّنْيَا

(3)

.

(1)

أخرجه الطبرانى في الأوسط (5/ 349 رقم 5518) والكبير (12/ 147 رقم 12723). وضعفه الألبانى في الضعيفة (1284) وضعيف الترغيب (1552) و (2191) و (2247). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

(2)

أخرجه ابن أبى الدنيا في صفة الجنة (20). وضعفه الألبانى جدا في ضعيف الترغيب (1553) و (2192). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

(3)

أخرجه ابن أبى الدنيا في صفة الجنة (28). وضعفه الألبانى جدا في ضعيف الترغيب (2193). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

ص: 742

5653 -

وَعَن سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن فِي الْجنَّة مراغا من مسك مثل مراغ دوابكم فِي الدُّنْيَا. رواه الطبراني

(1)

بإسناد جيد.

قوله رحمه الله تعالى: "عن سهل بن سعد"، تقدم الكلام عليه رضي الله تعالى عنه. قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"إِن فِي الْجنَّة مراغا من مسك مثل مراغ دوابكم فِي الدُّنْيَا" الحديث، المراغ الموضع الذي يتمرغ فيه من ترابها، والتمرغ التقلب في التراب ومنه حديث عمار

(2)

: أجنبنا في سفر وليس عندنا ماء فتمرغنا في التراب؛ ظنّ أنّ الجُنُب يحتاج أن يوصل التراب إلى جميع جسده كالماء، قاله في النهاية

(3)

.

5654 -

وَعَن كريب أَنه سمع أُسَامَة بن زيد رضي الله عنه يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا هَل مشمر للجنة فَإِن الْجنَّة لا حظر لَهَا هِيَ وَرب الْكَعْبَة نور يتلألأ وريحانة تهتز وَقصر مشيد ونهر مطرد وَثَمَرَة نضيجة وَزَوْجَة حسناء جميلَة وحلل كثِيرَة ومقام فِي أَبَد فِي دَار سليمَة وَفَاكهَة وخضرة وحبرة ونعمة فِي محلّة عالية بهية قَالُوا نعم يَا رَسُول الله نَحن المشمرون لَهَا قَالَ قُولُوا إِن شَاءَ الله فَقَالَ الْقَوْم إِن شَاءَ الله.

(1)

الطبراقِ في المعجم الكبير (6/ 159/ 5845)، و المعجم الأوسط (1761).، وقال: الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 412) رواه الطبراني في والكبير الأوسط، ورجالهما ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1899)، والضعيفة (3012).

(2)

صحيح البخاري (338)، وصحيح مسلم (112)(368).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 320).

ص: 743

رواه ابن ماجه

(1)

، وابن أبي الدنيا

(2)

والبزار

(3)

، وابن حبان في صحيحه

(4)

والبيهقي

(5)

: كلهم من رواية محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى عنه، ورواه ابن أبي الدنيا

(6)

أيضا مختصرا، قال عن محمد بن مهاجر الأنصاري: حدثني: سليمان بن موسى كذا في أصول معتمدة لم يذكر فيه الضحاك، وقال البزار لا نعلم رواة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أسامة ولا نعلم له طريقا عن أسامة إلا هذه الطريق، ولا نعلم رواة عن الضحاك إلا هذا الرجل: محمد بن مهاجر.

[قال الحافظ] عبد العظيم: محمد بن مهاجر وهو الأنصاري ثقة احتج به

(1)

ابن ماجه (4332)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 325): هذا إسناد فيه مقال، الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي في طبقات التهذيب: مجهول، وسليمان بن موسى الأموي مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات. وقال البزار: لانعلم من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أسامة بن زيد، ولا نعلم له طريقا عن أسمة إلا هذا الطريق، ولا نعلم رواه عن الضحاك إلا هذا الرجل محمد بن مهاجر. وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/ 336، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 304، الطبراني في المعجم الكبير (1/ 162/ 388)، ومسند الشاميين (1421)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (601)، وأبو نعيم فيصفة الجنة (24)، وقوام السنة الترغيب والترهيب (1003) وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2195)، وضعيف الجامع الصغير (2180).

(2)

ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (2).

(3)

مسند البزار= البحر الزخار (2591).

(4)

صحيح ابن حبان (7381).

(5)

البيهقي في الأسماء والصفات (364).

(6)

ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (1).

ص: 744

مسلم وغيره والضحاك ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة أحد غير ابن ماجه، ولم أقف فيه على جرح ولا تعديل لغير ابن حبان: بل هو في عداد المجهولين، وسليمان بن موسى هو الأشدق يأتي ذكره.

قوله رحمه الله تعالى: "وعن كريب"، هو كريب بن أبى مسلم القرشى الهاشمي مولاهم، أبو رشدين الحجازى المدنى، مولى عبد الله بن عباس ذكره محمد بن سعد فى الطبقة الثانية، وقال: كان ثقة حسن الحديث.

قوله: "أنه سمع أسامة بن زيد"، تقدم الكلام على أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما. قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"ألا هل مشمر للجنة" فذكره إلى أن قال: "ونعمة في محلة عالية بهية"، الحديث، فقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"ألا هل مشمِّر للجنة" بكسر الميم الثانية، يقال شمّر إزاره تشميرا أي رفعه، وشمّر عن ساقه في أمره أي خفّ، قاله الكرماني

(1)

.

وقال الأصبهاني في شرح الودعانية: أي ألا مجتهد في العمل الصالح وأخذه بكلتى يديه كما يفعل من شمر إزراه وأطراف أكمامه لعمل يريد الإقبال عليه بكليته.

قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "فإن الجنة لا خطر لها" أي لا عوض لها ولا مثل، والخطر بالتحريك في الأصل الرهن وما يخاطر عليه ومثَل الشيء وعدله، ولا يقال إلا في الشيء الذي له قدر ومزية، ومنه الحديث:"إلا رجل يخاطر بنفسه وماله"، أي يلقيها في الهلكة بالجهاد ولو لم يمكن من خطر

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 39).

ص: 745

الجنة وشرفها إلا أنه لا يسأل لوجه الله تعالى غيرها لكفاها شرفا وفضلا، كما في سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

(1)

.

قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "وريحانة تهتز"، ريحانة، فكل نبت طيب الرائحة. قال الحسن وأبو العالية رحمهما الله تعالى: هو ريحانا، هذا يؤتى بعض من ريحان الجنة فيشمه، قاله في حادي الأرواح

(2)

. قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "وحبرة" الحبرة بالفتح المسرة والنعمة وسعة النفس وكذلك الحبور، انتهى. والحبار الأثر ومنه سميت المسرة حبرة لظهور أثرها على صاحبها، قاله عياض رحمه الله تعالى

(3)

.

قوله "قالوا نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها، قال قولوا إن شاء الله، فقال القوم إن شاء الله" في حديث خرجه الطبراني

(4)

رحمه الله تعالى: أن الجنة تفتح في كل ليلة في السحر فينظر الله تعالى إليها فيقول لها: ازدادي طيبا لأهلك، فتزداد طيبا فذلك برد السحر الذي يجده الإنسان. وتقدم هذا في

(1)

أخرجه أبو داود (1671)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 357)، وابن عدي في الكامل 3/ 1107، والبيهقي، في "شعب الإيمان"(3259)، وفي سننه (4/ 199)، والخطيب في الموضح 1/ 353)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (6351)، وضعيف الترغيب والترهيب (506)، وضعيف أبي داود (297).

(2)

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 176).

(3)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 177).

(4)

لم أجده.

ص: 746

صفة الجنة. وروى سعيد الجريري عن سعيد بن أبي الحسن رحمها الله تعالى أن داود عليه الصلاة والسلام قال: يا جبريل أي الله أفضل؟ قال: ما أدري غير أن العرش يهتز إذا كان من السحر، ألا ترى أنه يفوح ريح كل السحر.

شعر:

قد أزلفت جنة النعيم

فيا طوبى لقوم بربعها نزلوا

أكوابهم عسجد يطاف بها

والخمر والسلسبيل والعسل

والحور تلقاهم وقد كشفت

عن الوجوه الاستار والكلل

ص: 747