الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الكَلَامِ
إِنَّ الكَلَامَ عِنْدَنَا فَلْتَسْتَمِعْ
…
لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُفِيدٌ قَدْ وُضِعْ
أَقْسَامُهُ الَّتِي عَلَيْهَا يُبْنَى
…
اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى
فَالاِسْمُ بِالخَفْضِ وَبِالتَّنْوِينِ أَوْ
…
دُخُولِ أَلْ يُعْرَفُ فَاقْفُ مَا قَفَوا
قال: [بَابُ الكَلَامِ] بدأَ به الناظم لأَنَّه هو المقصودُ بالذَّات، وأيضًا لأَنَّه الذي يقع به التَّفاهم والتَّخاطب بين النَّاس. وبعض النحاة يبدأُ بحدِّ الكلمة، وهذا نظر إلى أحد أمرين: إمَّا لكون موضوع علْمِ النَّحو هو الكلماتُ العربيَّةُ من حيث الإعرابُ والبناءُ؛ فحينئذٍ بدأَ بما يُنَاسِبُ موضوع عِلْمِ النَّحو. وإمَّا لكون الكلامِ مُرَكَّباً من كلماتٍ فهو كُلٌّ مُرَكَّبٌ من أجزاءٍ والكلمةُ جُزْؤُهُ، ومعرفةُ الجزءِ مُقَدَّمَةٌ على معرفةِ الكُلِّ طَبْعًا فقُدِّمَ تعريفُ الكلمةِ على تعريف الكلام وَضْعًا لِيُوَاِفَق الوَضْعُ الطَّبْعَ. قال رحمه الله:[بَابُ الكَلَامِ] هذه ترجمةٌ مُؤلَّفة من كلمتَينِ: (بَابُ) و (الكَلَامِ) وهما مُرَكَّبٌ إضافي. الكلمة الثانية منهما مجرورةٌ أبدًا؛ لأنَّها مضاف إليه، وكُلُّ مضافٍ إليه فهو مجرورٌ والعاملُ فيه هو المضافُ على الصَّحيح. وأمَّا الكلمة الأُولى وهي المضافُ فلا تَلْزَمُ حالةً واحدةً، وإنَّما تختلِفُ أحكامُها من رَفْعٍ ونَصْبٍ وجَرٍٍّ باختلاف العواملِ الدَّاخلةِ عليها، فحينئذٍ قد يكون المضافُ مرفوعًا إذَا دخل عليه عاملٌ يقتضِي الرفْعَ نحو: جاء غلامُ زَيدٍ. وقد يكون المضاف منصوبًا إِذَا دخلَ عليه
عاملٌ يقتضِي نصْبَه نحو: رَأَيتُ غلامَ زَيدٍ. وقد يكون المضافُ مجرورًا إِذَا دخل عليه عاملٌ يقتضِي الجرَّ نحو: مَرَرْتُ بغلامِ زَيدٍ.
وهنا يرد إشكال وهو أنَّ بابُ الكلام مركبٌ إضافيٌّ، والمركب الإضافي كالكلمة الواحدة، ومعلوم أن الكلام لابد أن يكون مركبا من مسند ومسند إليه. وما عدا ذلك لا يصح أن يكون كلامًا. وإذا أفاد المركب الإضافي لوحده دون أن يلفظ بمسند أو مسند إليه كما هو في باب الكلام نقول: لابد من التقدير، فالتقدير في مثل هذا التركيب واجب؛ لأنه كلمة واحدة أو في قوة الكلمة الواحدة، ويشترط في الكلام الاصطلاحي أن يكون مؤلفًا من كلمتين فأكثر، والتلفظ بالكلمتين هو الأصل، وقد تحذف إحدى الكلمتين للعلم بها. [بَابُ الكَلَامِ] حصلت الفائدة الكلامية بهذا التركيب. وإذا حصلت الفائدة الكلامية نقطع بكون الملفوظ به مركبًا لأن الفائدة التامة تستلزم التركيب، فعلمنا أن ثَمَّ مقدرًا لابد من تقديره فحينئذٍ نقول في مثل هذه التراكيب: الحذف جائز والتقدير واجب. وعلى هذا فنقول: يجوز في (باب) ثلاثة أوجه: الرفع، والنصب، والجر. فأما الرفع- وهو الأرجح مطلقًا- ففيه وجهان: إما أن يكون باب خبرَ مبتدأ محذوف تقديره: هذا باب الكلام، هذا: مبتدأ وباب: خبر وهو مضاف والكلام مضافٌ إليه. وإما أن يكون العكس، وهو كون باب مبتدأ خبره محذوف تقديره: باب الكلام هذا موضعه، باب مبتدأ أول، وهو مضاف والكلام مضاف إليه، وهذا موضعه، مبتدأ ثانٍ وخبره، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل
رفع خبر المبتدأ الأول. وأيهما أولى؟ نقول: الأولى أن يجعل خبرًا لمبتدأ محذوف؛ لأن المبتدأ محكوم عليه، والخبر محكوم به، والأصل فيه الجهل به، وما كان مجهولاً فالأصل فيه عدم جواز حذفه إلا إذا علم. ويجوز النصب بابَ الكلام أي أقرأ بابَ الكلام فهو مفعول به لفعل محذوف جوازا. ويجوز فيه الجر على مذهب الكوفيين أي انظر في بابِ الكلام فحذف حرف الجر وبقي عمله. وهو شاذ عند البصريين.
[بَابُ الكَلَامِ] البابُ في اللغة: المدخل للشيء وقيل: فرجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وعكسه. وهو حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني. وأما في الاصطلاح فهو: ألفاظ مخصوصة دالة على معانٍ مخصوصة. وبَابُ الألف فيه منقلبة عن واو- الألف إذا كانت في ثلاثي لا تكون زائدة البتة. وإنما تكون منقلبة عن أصل نحو: قَوَلَ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت الواو ألفًا. وباع أصله بَيَعَ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت الياء ألفًا- وباب ثلاثي إذًا الألف هذه لا تكون أصلاً بذاتها، وإنما هي منقلبة عن واو بدليل تصغيره على بويبٌ، وجمعه على أبواب قياسًا وعلى أبوبة وبيبان سماعًا؛ لأن القاعدة عند الصرفيين: أن التصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. [بَابُ الكَلَامِ] بفتح الكاف. وهي مثلثة، ويقال: كُلام، وكِلام، لكن المعنى يختلف فالكُلام بالضم-وهو مفرد- اسم للأرض الصعبة الغليظة، يقال: هذه أرضٌ كُلامٌ. وبالكسر -وهو جمع-، كِلام جمعُ كَلْمٍ من باب نصر والمراد
به الجراحات، يقال: فلان به كِلامٌ أو قلبي به كِلامٌ يعني جراحات. ولذلك ذكر ابن يعيش في شرح المفصل أن الكلام سمي كلامًا لأنه يجرح القلب.
جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لهَا الِتئَامُ
…
وَلا يَلْتَامُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ
[الكَلَامِ] المشهور أنه اسم مصدر لكلَّم؛ لأن كلَّم يُكلِّم مصدره التكليم، فإذًا هو اسم مصدر. وقيل: هو مصدر سماعي. الكلام لغةً: القول وما كان مكتفيًا بنفسه. والقول: هو اللفظ الدال على معنى كرجل وفرس وزيد. واللفظ قسمان: مهمل ومستعمل، فاللفظ المستعمل هو القول. فهو أخص مطلقًا من اللفظ، لأن اللفظ جنس تحته قسمان: مهملٌ، وهو الذي لم تضعه العرب قالوا: كديز مقلوب زيد، ورفعج مقلوب جعفر، فهو مهمل من الإهمال وهو الترك أي متروك. فالقول خاصٌ بالمستعمل أو بالموضوع. وهذا قد وضعته العرب، وما لم تضعه يسمى لفظًا ولا يسمى قولاً. وما كان مكتفيًا بنفسه وما: اسم موصول بمعنى الذي يصدق على شيء أَيْ شيء اكتفى بنفسه في الدلالة على ما يدل عليه القول. فكل ما أفاد فائدة للناظر أو للقارئ دون ضميمة قولٍ إليها نقول: هذا أفاد فائدةً واكتفى بنفسه دون لفظ. وهذه خمسة أشياء -التي تفيد بنفسها دون لفظ-: الكتابة والإشارة والعقد والنصب ولسان الحال. فلو كُتب (زيدٌ قائم) فقرأت دون أن تتكلم. هل أفادك فائدة أو لا؟ لا شك أنه أفادك فائدةً. هل هو كلام أو لا؟ نقول: ليس بكلام، ولذلك تقرأ المجلد من أوله إلى آخره فتستفيد منه علمًا
فالكتاب قد أفادك لكنها دون لفظٍ. والإشارة، لوأشار لصاحبه آمرًا له بالجلوس - أشار بيده من علو إلى سفل- فالإشارة أفادت معنى للناظر إليها دون ضميمة لفظ إليها. والعقد قالوا: هذه طريقة عند العرب كانوا يعقدون الأصابع للدلالة على عدد معين، فإذا عقدت الأصابع بهيئة معينة أفادت الناظر لكن أفادته دون ضميمة لفظ. والنصب وهو جمع نصبة ما ينصب للدلالة على شيء كأعلام الأرض فلو دخل إنسانٌ مسجدًا ما، يريد أن يعرف أين القبلة فنظر إلى المحراب، فعرف اتجاه القبلة، فالمحراب أفاده فائدة وهي كون القبلة في هذا الاتجاه دون أن يتكلم أو يضم إلى ذلك لفظًا. ولسان الحال كأن ترى الرجل ووجهه فيه نوع يأس وحزن تعرف أنه حزين أو تراه سرير وقرير العين فتقول: هذا فرح، ما الذي دلك على أن هذا حزين وهذا فرح؟ تقول: بلسان حاله ومثله المسكين. فنقول هذه الأمور الخمسة اكتفت بنفسها في الدلالة على المعنى دون ضميمة لفظٍ إليها. فحينئذٍ تأخذ قاعدة عامة: كل ما دل على معنى لا يشترط فيه أن يكون لفظًا بل قد تؤخذ المعاني من الألفاظ ومن غيرها كالدوال الأربع التي ذكرناها. هذا هو حد الكلام في اللغة: القول وما كان مكتفيًا بنفسه، وأما الكلام عند النحاة فهو أخص مطلقًا من الكلام عند أهل اللغة قال رحمه الله:
إِنَّ الكَلَامَ عِنْدَنَا فَلْتَسْتَمِعْ
…
لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُفِيدٌ قَدْ وُضِعْ
[إِنَّ الكَلَامَ عِنْدَنَا] معاشرالنحاة [عِنْدَ] مثلَّث العين عِنْدَ وعَنْدَ وعُنْدَ، والكسر أشهر. والأصل أنها ظرف زمان أو مكان، لكن في مثل هذا التركيب عند ليست بظرف زمان ولا مكان، لأنه يتكلم بلسان النحاة ولذلك قال:[عِنْدَنَا] يعني معاشر النحاة؛ لأن الكلام يختلف باختلاف الفنون، فالكلام له معنى عند الأصوليين، وله معنى عند المتكلمين، وله معنى عند المناطقة، وله معنى عند الفقهاء، كل فن إذا أطلق الكلام عندهم انصرف إلى ما اصطلح عليه بينهم، وليس المراد به الذي اصطلح عليه النحاة. ولذلك يقال الاصطلاح، والكلام في الاصطلاح: بمعنى الحقيقة العرفية التي تكون عند أرباب ذلك الفن، ولذلك نقول: كلمة الاصطلاح تتكرر معنا كثيرًا في سائر الفنون ولابد أن يضبطها طالب العلم ويعرف ما المراد بهذه الكلمة إذا أطلقها النحاة أو الفقهاء أو غيرهم لذلك نقول الاصطلاح أصله: اصتلح قلبت الفاء طاءًا لأنه من باب افتعل كما هو معلوم عند الصرفيين، والاصطلاح في اللغة الاتفاق يقال: اصطلح زيدٌ وعمرٌو إذا اتفقا. والاصطلاح في الاصطلاح يعني عند أرباب الحقائق العرفية: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص بينهم متى أُطلق انصرف إليه. اتفاق طائفة مخصوصة سواءٌ كانوا نحاة أو أصوليين أو مناطقة أو مهندسين أو أطباء قل ما شئت، اتفاق طائفة مخصوصة على أمر مخصوص بينهم متى أطلق انصرف إليه، فمثلاً الفاعل عند النحاة له معنى خاص بهم، إذا أطلق لفظ الفاعل انصرف إلى المعنى الخاص الذي هو عند النحاة
ولا ينصرف إلى الفاعل الذي هو عند أهل اللغة فإذا قال النحوي: هذا فاعل فليس المراد به من أحدث الفعل، بل المراد به الاسم المرفوع المذكور بعد الفعل. [عِنْدَنَا] لأنه يتكلم عن نفسه وعن غيره وهذا هو الأظهر. أو أنها دالة على التعظيم، ولذلك ذُكر في قول ابن مالك رحمه الله:(كلامنا) أن ابن مالك رحمه الله بلغ درجة الاجتهاد فعبر عن نفسه بـ (نَا) الدالة على التعظيم. هنا قال [إِنَّ الكَلَامَ عِنْدَنَا] في مثل هذا التركيب نفسر عند بمعنى حُكم كأنه قال: [إِنَّ الكَلَامَ عِنْدَنَا] أي في حكمنا معاشر النحاة، لأنه لا يمكن حمل عند هنا على الظرفية الزمانية ولا المكانية. ولذلك يقال: زيد عندي أفضل من عمرو. يعني في حكمي وليست الظرفية هنا مرادة لا الزمانية ولا المكانية، يقال: عندي كذا، فيقال: ولك عندٌ استُعمل غير ظرف، ويراد به القلب والمعقول. قوله:[فَلْتَسْتَمِعْ] الفاء عاطفة، وتستمع فعل مضارع مقرون بلام الأمر، وهو مجزوم بها، والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة. [إِنَّ] حرف توكيد ونصب و [الكَلَامَ] اسم إن، وخبرها [لَفْظٌ] أي إن الكلام لفظٌ عندنا أي في حكمنا [فَلْتَسْتَمِعْ] له، ذكر هنا أن تعريف الكلام عند النحاة لابد أن يكون مشتملاً على أربعة أركان:
الأول: أن يكون لفظًا. الثاني: أن يكون مركبًا. الثالث: أن يكون مفيدًا. الرابع: أن يكون موضوعًا بالوضع العربي.
الركن الأول: لابد أن يكون لفظًا أي ملفوظًا به، فإذا لم يكن لفظًا لا يكون كلامًا نحويًا فقوله: لفظٌ أخرج خمسة أشياء: وهي
الكتابة والإشارة والعقد والنصب ولسان الحال. هذه لا تسمى كلامًا عند النحاة لفقد الركن الأول وهو كونها ليست بلفظٍ. ولا يسمى الكلام كلامًا عند النحاة إلا إذا كان ملفوظًا به فالمقروء الذي تقرأه لا يسمى كلامًا عند النحاة وإن أفاد فائدة تامة.
الركن الثاني: كونه مركبًا يعني مركبًا من كلمتين فأكثر حقيقة أو حكمًا. فنحو: زيد قائم وقام زيد، مركب من كلمتين. ونحو:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون:1) و {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} (النساء:23) مركب من أكثر من كلمتين. وقولهم: حقيقة أو حكمًا، حقيقة بأن يلفظ بالكلمتين معًا كأن تقول: زيد قائمٌ. تلفظت بالكلمتين معًا. وحكما بأن تلفظ بإحدى الكلمتين دون الأخرى نحو: كيف زيدٌ؟ تقول: مريضٌ؟ فمريضٌ خبر لمبتدأ محذوف. فلم يُلفظ بالكلمتين، مع كونه مركبًا والملفوظ به كلمة واحدة، وقد دلت على المحذوف. فإذا لم يكن مركبًا انتفى التركيب فلا يسمى كلامًا، نحو: غلام زيدٍ، أو زيد، أوقام.
الركن الثالث: أن يكون مفيدًا. والمقصود بالإفادة هنا أن يحسن السكوت عليه من المتكلم بحيث لا يصير السامع منتظرا لشيءٍ آخر. لو قال له: قد قام زيدٌ حصلت الفائدة التامة، فيحسن السكوت عليه من المتكلم لوجود التركيب الإسنادي، لكن لو قال: إن قام زيدٌ
…
لم تحصل الفائدة التامة، فحينئذٍ لا يسمى كلامًا لأن السامع صار منتظرًا لشيء آخر، فلم تحصل الفائدة التامة فإذا لم
تحصل حينئذٍ انتفى حد الكلام فلا يصير كلامًا في عرف النحاة.
الركن الرابع: وهو ما أشار إليه بقوله: [قَدْ وُضِعْ] وهنا اختُلف في تفسير الوضع هل المراد به القصد أو الوضع العربي؟ الأصح أن المراد به الوضع العربي. وهو جعل اللفظ دليلاً على المعنى- هذا في المفردات- فأخرج كل لفظٍ ليس بعربي كلغة البربر والإنجليز والفرنسي ونحوها فهذه لا تسمى كلامًا في اصطلاح النحاة مع كونها لفظًا مركبًا مفيدًا ولكنها ليست موضوعةً بالوضع العربي. ودخل بهذا القيد كلام النائم والناسي والساهي والمجنون ومن جرى على لسانه ما لا يقصده لأنهم تكلموا بكلامٍ عربي. إذا تلفظ النائم فأتى بكلام مركب من جملة اسمية أو جملة فعلية. نقول: هو لفظٌ مركب مفيدٌ وموضوع بالوضع العربي لكنه ليس مقصودًا لأنه نائم مرفوع عنه التكليف فحينئذٍ نحكم على كلامه بأنه توفرت فيه القيود الأربعة التي وضعها النحاة. أما من فسر الوضع بالقصد قال: كلام النائم والساهي ونحوه لا يسمى كلامًا لاشتراط القصد في الكلام فلابد أن يكون مقصودًا من جهة المتكلم أي إرادة المتكلم إفادة السامع، لابد أن ينوي في قلبه أنه أراد إفادة السامع. والنائم إذا قام فتكلم لم يرد إفادة السامع، فمن فسر الوضع بأنه القصد أخرج كلام النائم والمجنون والساهي ومن جرى على لسانه ما لا يقصده، ودخل معه كلام البربر والتكرور والفرنسي والإنجليزي ونحوه فيسمى كلامًا في اصطلاح النحاة ولو لم يكن موضوعًا بالوضع العربي، لكن الأصح أنه يفسر بالوضع العربي. هذه قيودٌ
أربعة من باب الاختصار ونرجع إلى المتن نفصله من جهة اللغة والاصطلاح، قال رحمه الله:
إِنَّ الكَلَامَ عِنْدَنَا فَلْتَسْتَمِعْ
…
لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُفِيدٌ قَدْ وُضِعْ
[إِنَّ] حرف توكيد ونصب. والأصل في الكلام أنه لا يؤكد إلا لمترددٍ أو منكر، أما خالي الذهن فلا يؤكد له؛ لأن المخاطب عند العرب لا يخلوا من ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكون خالي الذهن من الحكم، كمن لا يعرف أنَّ (زيد مسافر) فتقول له: سافر زيدٌ تخبره بالخبر فقط فيحصل العلم بفائدة الخبر. هذا لا يجوز تأكيده عند البيانين إلا إذا نزل منزلة المتردد أو المنكر.
الثاني: أن يكون مترددًا، عنده علم بالخبر لكنه شاك، زيد سافر أو لم يسافر، سمع كلامًا نحو هذا لكنه غير متأكد فيقال له: إن زيدًا مسافر، يؤتى بتوكيد لأنه متردد في النسبة.
الثالث: أن يكون منكرًا للخبر، فتقول: والله إن زيدًا لمسافر، فعنده علم بالخبر؛ ولكنه منكر له فيقول: زيدٌ ليس بمسافر فحينئذٍ يجب تأكيده بمؤكد أو مؤكدين فأكثر على حسب الإنكار. وأما الطالب المبتدئ الذي يقرأ الآجرومية فليس عنده تردد ولا إنكار فلا يحتاج إلى أن يؤكد له الكلام قال في عقود الجمان:
فَإِنْ تُخَاطِبْ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنِ
…
حُكْمٍ وَمِنْ تَرَدُّدٍ فَلْتَغْتَنِي
عَنِ المُؤَكِّدَاتِ ...........
…
......................
ولذلك أرى أن هذا الكلام فيه حشوٌ من جهة إدخال إنَّ على الجملة فلو قال: حدُّ الكلام عندنا فلتستمع، لسلم من الاعتراض.
[الكَلَامَ] أل للحقيقة وهي التي تدخل على المعرفات، [عِنْدَنَا] متعلق بمحذوف حال من اسم إنَّ، [لَفْظٌ] خبر إنَّ، وهو من جهة اللفظ مصدر، وليس المراد به المعنى المصدري - التلفظ - بل هو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي الملفوظ به. وهذا مجاز مرسلٌ عند البيانيين، ومنه {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} (لقمان:11) أي مخلوقات الله. واللفظ له معنيان: معنى لغوي ومعنى اصطلاحي. أما معناه في اللغة فهو: الطرح والرمي. يقال: أكلت التمرة ولفظت نواها بمعنى طرحتها ورميتها. أما في الاصطلاح فالمشهور عند النحاة أنه الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء مهملاً كان أو مستعملاً. قوله: (الصوت) اللفظ لابد أن يكون صوتًا. فإذا لم يكن صوتًا لا يقال إنه لفظ. إذًا أُخذ الصوت جنسًا في حد اللفظ، وعليه فكل لفظٍ صوت ولا عكس؛ لأن العلاقة بين جنس الحد والمحدود العموم والخصوص المطلق.
وحقيقة الصوت: هو صفة مسموعة أو عرض مسموع. فكل ما يدرك بالسمع فهو صوت. ثم هذا الصوت قد يكون خارجًا من الفم، وقد يكون من غير الفم. وما كان خارجًا من الفم إما أن يكون مشتملاً على حرفٍ، وإما أن لا يكون مشتملاً على حرفٍ، والذي معنا ويسمى لفظًا هو الصوت المشتمل على بعض الحروف. حينئذٍ نقول: أخرج الصوت الذي لم يشتمل على بعض الحروف كما لو
حرك الإنسان بين أضراسه وظهر صوت غير مشتمل على بعض الحروف فلا يسمى لفظًا، لأنه وإن كان صوتًا فليس مشتملاً على بعض الحروف، فليس كل صوت خرج من الفم فهو لفظٌ بل لابد أن يكون مقيدًا بكونه مشتملاً على بعض الحروف الهجائية، والصوت الذي يخرج من الفم وليس معه حرف يسميه النحاة الصوت الساذَج الذي ليس معه حرف. المشتمل على بعض الحروف: على بعض: لأنه لا يمكن أن يوجد لفظ مشتمل على كل الحروف بل لابد وأن يكون مشتملاً على بعضها، ويتعذر أن يوجد لفظ قد اشتمل على الحروف كلها، والحروف الهجائية: نسبة إلى الهجاء وهو التقطيع، وهي إنما أخذت من الكلمات بتقطيعها، فإذا قيل: قطِّع كلمة زيد فقل: زَهْ، يهْ، دهْ بهاء السكت، ولا تقول: الزاي والياء والدال، هذا غلط لأنها أسماء للحروف، وإنما تقول: زه، يه، ده، لأنه هو الذي أُلِّف منها كلمة زيد،،فزه حرف هجاء واسمه الزاي، ويه حرف هجاء واسمه الياء، وده حرف هجاء واسمه الدال، أُلِّف من هذه الحروف الثلاثة كلمة زيد.
(مهملاً كان أو مستعملاً) قسم لك اللفظ إلى قسمين:
القسم الأول: اللفظ المهمل مأخوذ من الإهمال وهو الترك والهجر، وهو الذي لم تضعه العرب. كديز مقلوب زيد، ورفعج مقلوب جعفر.
القسم الثاني: المستعمل، وهو ما وضعته العرب كزيد وجعفر. إذًا اللفظ جنس-وهو ما عمَّ شيئين فصاعدًا- فيشمل النوعين:
المهمل والمستعمل. وسبق أن اللفظ أخرج به خمسة أشياء الكتابة والإشارة والنصب والعقد ولسان الحال. وأدخل المهمل والمستعمل. فهو للإدخال والإخراج.
[مُرَكَّبٌ] هذا نعت للفظ، على صيغة اسم المفعول وزنه مُفَعَّل، وهو مشتق من التركيب وهو في اللغة: وضع شيء على شيء مطلقًا سواء كان على جهة الثبوت أو لا، وسواء كان بينهما مناسبة أو لا. فالتركيب أعم من البناء، وأعم من التأليف، فكل بناء تركيب ولا عكس؛ لاشتراط الثبوت في البناء. وكل تأليف تركيب ولا عكس؛ لاشتراط المناسبة في التأليف. وبعض النحاة يشترط المناسبة بين المسند والمسند إليه ولذلك قال ابن مالك:(باب الكلام وما يتألف منه) ولم يقل وما يتركب منه، لأنه إذا لم تكن مناسبة -وهي إمكان إيقاع المسند من المسند إليه- فحينئذٍ ينتفي الكلام ولو وجد المسند والمسند إليه، فنحو: قام زيدٌ هذا مركب ومؤلف لأن القيام صفة، وزيد موصوف؛ فيمكن أن يقوم القيام بزيد إذًا ثمَّ مناسبة بين الفعل والفاعل. لكن لو قلت قام الجدار أو طار الجدار أو مات الجدار أو سافر السقف، مركب من فعل وفاعل. هل هو كلام أو لا؟ على مذهب ابن مالك ليس بكلام لأنه وإن وجد المسند والمسند إليه إلا أنه ليس بينهما مناسبة، فلا يمكن أن يطير الجدار. وإذا كنا ظاهرية وأسندنا المسند والمسند إليه وقلنا الجملة فعلية مركبة من فعل وفاعل فهو كلام.
وأما المركب اصطلاحا: فهوما تركب من كلمتين فأكثر حقيقة أو حكمًا. وسبق بيان هذا الحد. [لَفْظٌ مُرَكَّبٌ] إذًا قيَّدنا اللفظ بأنه مركب، فأخرج من اللفظ أمرين: المفرد والأعداد المسرودة، فالمفرد كزيد وهو لفظٌ؛ لكنه ليس بكلام، والأعداد المسرودة كواحد اثنين ثلاثة أربعة، هذه وإن أفادت إلا أنها ليست بكلام لانتفاء التركيب إذًا [لَفْظٌ] أخرج خمسة أشياء [مُرَكَّبٌ] أخرج شيئين اثنين لا ثالث لهما وهما المفرد والأعداد المسرودة.
[مُفِيدٌ] نعت لمركب، على صيغة اسم الفاعل أصله مُفْيِد وزنه مُفْعِل من أفاد الرباعي مثل أكرم يكرم فهو مكرم، استثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى ما قبلها وهذا يسمى إعلالاً بالنقل فصار مُفِيد- بإسكان الياء وكسر الفاء-.
والفائدة لغةً: ما استفيد من خيرٍ أو مالٍ أو جاهٍ. واصطلاحا: ما أفاد فائدةً -التنوين هنا للكمال يعني فائدة تامة- يحسن السكوت عليها من المتكلم. وهذا الأصح وهو أن السكوت من المتكلم. وقيل: من السامع. وقيل: من السامع والمتكلم معا. فائدةً يحسن السكوت عليها وهذا إنما يحصل عند النحاة بوجود الفعل وفاعله، أو المبتدأ والخبر. إذا وجد المبتدأ والخبر مثلا نقول: حصلت الفائدة الكلامية، فهو مفيد فائدة تامة. لأن السامع إذا سمع هذا التركيب زيد قائم، استفاد منه فائدة يحسن السكوت عليها بحيث لا ينتظر شيئًا آخر انتظارًا تامًا [مُفِيدٌ] أخرج أربعة أشياء: المركب الإضافي كغلام زيد. والمركب المزجي كبعلبك وحضرموت. والمركب
التوصيفي- التقييدي- الذي هو الموصوف وصفته جاء زيد العالم، زيدٌ العالم صفة وموصوف، هذا يسمى مركبًا تقييديًا. والمركب الإسنادي الذي لم يفد فائدة تامة.
والمركب الإسنادي من حيث هو ثلاثة أقسام: الأول: مركب إسنادي مسمى به، كالجملة الفعلية قد يسمي الشخص ولده بجملة فعلية مثل: شاب قرناها، وتأبط شرًّا، فتأبط شرًّا هذا اسم رجل تقول جاء تأبط شرًّا، ورأيت تأبط شرًّا، ومررت بتأبط شرًّا، هذا مفرد كما تقول: جاء زيد، ورأيت زيدًا، ومررت بزيدٍ. وهو مركب إسنادي باعتبار الأصل لأنه فعل وفاعل ومفعول به، تأبط فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وشرًّا مفعول به. فنقل التركيب الذي هو الجملة الفعلية وصار علمًا على شخصٍ بعينه فصار مفردًا حينئذٍ يعامل معاملة المفرد. الثاني: المركب الإسنادي غير التام نحو: إن قام زيدٌ
…
هذا مركب إسنادي لكنه لم تحصل به الفائدة التامة. الثالث: المركب الإسنادي المفيد فائدةً تامة.
فقوله [مُفِيدٌ] أخرج المركبات بأنواعها ماعدا المركب الإسنادي المفيد فائدة تامة. ودخل فيه ما علم ثبوته أو نفيه للسامع نحو: الضدان لا يجتمعان، والسماء فوقنا، والأرض تحتنا. [قَدْ وُضِعْ] المراد به الوضع، وهو مصدر أريد به اسم المفعول كاللفظ بمعنى الملفوظ كذلك الوضع بمعنى الموضوع. الوضع لغة: الولادة يقال: وضعت المرأة إذا ولدت. ويأتي بمعنى الإسقاط والحط يقال: وضعت عن زيد الدين بمعنى أسقطته وحططته. وأما في
الاصطلاح فهو إما أن يفسر بالقصد، وهو قول مرجوح. وإما أن يفسر بالوضع العربي وهو الأرجح.
إذًا عرفنا حد الكلام وأنه [لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُفِيدٌ قَدْ وُضِعْ] ما اشتمل على الأربعة الأركان إن انتفى واحدٌ منها انتفى الكلام، وإن انتفت الأربعة فمن باب أولى وأحرى. ثم قال:
أَقْسَامُهُ الَّتِي عَلَيْهَا يُبْنَى
…
اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى
[أَقْسَامُهُ] الضمير يعود على الكلام، أي أقسام الكلام، فأراد أن يقسم لنا الكلام لأنه ذكر أنه مركب، فحينئذٍ لابد أن يتركب من أجزاء، فيأتي السؤال ممَّ يتركب الكلام؟ قال:[أَقْسَامُهُ] وهذا يسمى استئنافًا بيانيًا، وهو ما وقع في جواب سؤال مقدر، كأن سائلاً قال له: ما هي الأجزاء التي يتركب منها الكلام؟ لأنك أخذت التركيب قيدًا في حد الكلام فقال: [أَقْسَامُهُ الَّتِي عَلَيْهَا يُبْنَى] بمعنى التي يتألف منها الكلام، من مجموعها لا من جميعها ثلاثة وقوله:[الَّتِي عَلَيْهَا يُبْنَى] احترز به من نوعه الذي إليه ينقسم، [اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى] ودليل هذا التقسيم الاستقراء والتتبع، يعني نظر النحاة في كلام العرب فوجدوا أنه لا يخلو عن ثلاثة أحوال: إما أن يكون اسمًا، وإما أن يكون فعلاً، وإما أن يكون حرفًا.
وذكر بعضهم دليلاً نقليًا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال لما شكى له أبو الأسود الدؤلي العجمة قال له: انحُ لهم نحوًا واقسم
الكلام ثلاثة أشياء: اسمًا وفعلاً وحرفًا جاء لمعنى ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر. ومن الأدلة التي يثبت بها هذا التقسيم النظر بأن يقال: الكلمة إما أن تدل على معنى في نفسها أولا، الثاني: الحرف. والأول: إما أن يقترن بزمن أولا، الثاني: الاسم. والأول: الفعل.
وثمَّ إشكال إذا قيل: [أَقْسَامُهُ] الضمير هنا يعود على الكلام، والاسم والفعل والحرف هل هي أقسام للكلام أو أقسام للكلمة؟ نقول: الثاني، هي أقسام للكلمة. ولكن أحسن ما يحمل عليه اللفظ أن ثَمَّ مضافًا محذوفًا [أَقْسَامُهُ] أي أقسام أجزاء الكلام، لأن الكلام له أجزاء، وهذه الأجزاء هي الكلمات، فأقسام الأجزاء التي يتألف الكلام من مجموعها يعني من بعضها لا من جميعها ثلاثة [اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى] وثم هنا بمعنى الواو؛ لأنه لا معنى للتراخي مع تساوي الأقسام، لأن الأقسام باعتبار المقسوم شيء واحد. [حَرْفُ مَعْنَى] أي وضع ليدل على معنى، والمعنى هو ما يقصد من الشيء. قال كثير من الشراح أن الحرف هنا قُيِّد بالمعنى احترازًا عن حرف المبنى؛ لأن الحرف نوعان: حرف مبنى، وحرف معنى.- حروف معاني، وحروف مباني- حروف المباني: هي التي تتركب منها الكلمة- أجزاء الكلمة كزه، يه، ده- زه يسمى حرف مبنى لأنه لا يدل على معنى وليس قسيمًا للاسم ولا للفعل. النوع الثاني: حروف المعاني وهي ما كان كلمة مستقلة بذاته وله معنى، لكنه ليس بذاته وإنما يفيد معنى إذا ضم إلى غيره من اسم أو فعل. والمراد هنا الذي جُعل قسيمًا للاسم والفعل هو حرف المعنى. والأصح أن
يقال: هذا القيد لبيان الواقع لا للاحتراز عن حروف المباني لأن الذي يصح أن يكون جزءًا للكلام هو حرف المعنى لا حرف المبنى، لمَّا قال:[أَقْسَامُهُ] يعني أقسام أجزائه خرج حرف المبنى ولم يدخل معنا حتى نحتاج إلى الاحتراز عنه.
[اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى] اسم وما عطف عليه خبر المبتدأ أقسام، وقدم الاسم هنا لأنه مقدم على الفعل بالاتفاق قالوا: لأن الكلام لابد له من إسناد-وهو نسبة حكم إلى اسمٍ إيجابًا أو سلبًا- والمراد بالحكم هنا في اصطلاح النحاة: الفعل، والخبر، فهو محصورٌ في شيئين لا ثالث لهما. فالفعل محكوم به فنحو: قام زيد زيدٌ محكوم عليه بثبوت القيام في الزمن الماضي وهو فاعل وقام محكوم به. وزيد قائم زيدٌ محكوم عليه وهو مبتدأ، وقائم محكوم به وهو خبر. إذًا نسبة حكم، أي الفعل والخبر، إلى اسم أي المبتدأ والفاعل ونائبه. إذا كان الإسناد بهذا المعنى فلابد له من مسند ومسند إليه،، المسند إليه هو المحكوم عليه، والمسند هو المحكوم به، المسند إليه هو المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل، والمسند هو الخبر والفعل.
هذا الإسناد قد يحصل من نوع الاسم يعني قد يكون المسند إليه والمسند في نفس التركيب قد يكونا اسمين. إذًا حصل الكلام من نوع واحد، وهو الاسم نحو: زيد قائم، زيدٌ محكوم عليه، مسند إليه، وهو اسم، وقائم محكوم به، مسند وهو اسم. إذًا حصل الكلام من النوع الأول وهو الاسم، لذلك علا وارتفع عن الفعل؛ لأن الفعل لا يكون مسندًا إليه أبدًا. وإنما يكون مسندًا محكومًا به فقط،
إذًا نقص الفعل درجةً عن الاسم، وعلا الاسمُ درجةً على الفعل؛ لوقوعه مسندًا ومسندًا إليه فعلا وارتفع على أخويه الفعل والحرف. ولكون الفعل بقي له ركنٌ من ركني الإسناد، وهو كونه مسندًا أُعطي الدرجة الثانية، وأما الحرف فلا يكون مسندًا ولا مسندًا إليه. إذًا الكلام يتألف من اسمين، وكذلك من اسم وفعل، وهو أقل ما يتألف منه الكلام؛ لأنه بالإجماع لا يتألف الكلام من فعلين. ولا يتألف من حرفين. لماذا لا يتألف من فعلين؟ لأن الكلام لابد أن يكون فيه إسناد، والإسناد لابد فيه من مسند ومسند إليه، والفعل لا يكون مسندًا إليه. فلا يصح أن يقال: جاء قال! لأن (جاء) صفة في المعنى، ولذلك نص النحاة على أن الأفعال كلها الماضي والمضارع والأمر هي أوصاف في المعنى فإذا قلت: جاء زيدٌ. فقد وصفت زيدًا بالمجيء. وقام زيدٌ وصفت زيدًا بالقيام. وإذا كانت الأفعال صفاتٍ في المعنى فلابد من موصوفٍ، وأين الموصوف إذا قيل: جاء قام! فليس عندنا موصوف. فحينئذٍ لا يتألف الكلام من فعلين. ولا من حرفين من بابٍ أولى لأن الحرف لا يكون مسندًا ولا مسندًا إليه. لكن هل يتألف من حرف واسم، أو من حرف وفعلٍ؟ هذا فيه نزاع، ذهب أبو علي الفارسي إلى أنه يتألف من حرف واسم، وحصره في باب النداء نحو: يا زيد، قال: فقد حصلت الفائدة التامة وهي مستلزمة لصحة التركيب. والصحيح أنه ليس مؤلفا من حرف واسم؛ بل هذا التركيب فرع وليس بأصل؛ لأن أصل قولك: يا زيدُ أدعو زيدًا، والدليل على
ذلك أن زيدُ لو نُعت لجاز فيه النصب إتباعا للمحل. ثم نقول: هو مبني في محل نصب من أين ثبت له هذا المحل؟ لابد وأن يكون ثَمَّ عامل يعمل النصب في محل زيد، ويا حرف نداء لا تعمل النصب، والحاصل: أن هذا التركيب فرع وليس بأصل. كذلك لا يصح أن يتألف من حرف وفعلٍ خلافًا للشلوبين لأنه ذهب إلى أنَّ نحو: ما قام، مؤلف من حرف وفعلٍ، والضمير المستتر في الفعل لا يعد كلمة. والأصح أنه يُعد كلامًا فنحو: ما قام الأصل أن يعتبر الضمير المستتر أنه كلمة مستقلة بذاتها، فحينئذٍ نقول: ما حرف نفي، وقام فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو على حسب ما يعود إليه في الكلام. قال في نظم الورقات مشيرا إلى هذين المذهبين:
أَقَلُّ مَا مِنْهُ الكَلَامَ رَكَّبُوا
…
اسْمَانِ أَوِ اسْمٌ وَفِعْلٌ كَارْكَبُوا
كَذَاكَ مِنْ فِعْلٍ وَحَرْفٍ وُجِدَا
…
وَجَاءَ مِنْ إِسْمٍ وَحَرْفٍ فِي النِّدَا
قوله: [اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى] نأخذ منه أن أقل ما يتألف منه الكلام اسمان أو اسم وفعلٌ، ولا ينحصر الكلام في هذين النوعين، بل قد يتألف من أكثر، وابن هشام أوصلها إلى سبعٍ في شرح قطر الندى.
ثم شرع-الناظم- في بيان حقيقة كل واحدٍ من هذه الأنواع الثلاثة، لأن الاسم والفعل والحرف هذه تشترك في كونها أنواعًا للكلمة، وهي قول مفرد. وتنقسم إلى اسم وفعلٍ وحرفٍ، وتمييز بعضها عن بعض يكون من جهتين: إما من جهة الحد، وإما من جهة
العلامة والأثر. والحد أضبط من العلامة لأنه مطّرد منعكس، والعلامة تطّرد ولا تنعكس. فالحد ينضبط بأنه كلما وجد الحد وجد المحدود وبالعكس كلما انتفى الحد انتفى المحدود، فالتلازم في الطرد أي في الثبوت، وفي العكس أي في الانتفاء. أما العلامة فهي ملازمة في الثبوت لا في الانعكاس. فكلما وجدت أل وجد الاسم بعدها، لكن هل كلما انتفت أل انتفى الاسم بعدها؟ يعني إذا قيل: الرجل -أل- وجدت وهي علامة على كون ما بعدها-رجل- اسمًا. إذًا وجدت أل فلابد أن يكون ما بعدها اسمًا، ولا يمكن أن يقع بعدها الفعل ولا الحرف، فهي مطّردة كلما وجدت وجد الاسم. لكن إذا انتفت فقيل رجلٌ هل انتفت الاسمية عن رجل لعدم وجود أل؟ الجواب: لا، إذًا هي غير منعكسة.
ذكر الناظم هنا أربع علامات للاسم تميزه عن قسيميه الفعل والحرف فقال:
فَالاِسْمُ بِالخَفْضِ وَبِالتَّنْوِينِ أَوْ
…
دُخُولِ أَلْ يُعْرَفُ فَاقْفُ مَا قَفَوا
[فَالاِسْمُ] هذه الفاء تُسمَّى فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، كأنه قال: إذا أردت تمييز ومعرفة كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة مما يميزها عن غيرها فأقول لك الاسم. إذًا ثمَّ شرط مقدر والاسم هذا واقع في جواب الشرط، [الاِسْمُ] أل للعهد الذكري، لأن النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأولى. والاسم لغة: ما دل على مسمى. فكل ما دل على مسمى فهو اسم في اللغة. ولذلك الفعل اسم في اللغة، والحرف اسم في اللغة. أما الاسم
اصطلاحا فهو أخص مطلقا من المعنى اللغوي فهو: كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. قوله: (كلمة) جنس في الحد، لأن المقسوم إذا عُرِّفت أقسامه لابد أن يؤخذ جنسًا في الحد فنقول: الاسم هو كلمة لأن العلاقة بين جنس الحد والمحدود هي العموم والخصوص المطلق، فكل اسم كلمة وليس كل كلمة اسمًا. لأن الكلمة أعمُّ تشمل الاسم والفعل والحرف. (دلت على معنى في نفسها) يعني كلمة ذو دلالة على معنى يستفاد منها، (معنىً في نفسها) أخرج الحرف؛ لأن الحرف لا يدل على معنى في نفسه. وليس المراد أن الحرف مسلوب المعنى بالكلية؛ وإلا لما كان فرقًا بين الحرف وبين اللفظ المهمل. ولكن مراد النحاة أنه لا معنى له يُفهم بذاته دون ضميمة كلمة أخرى. فإذا قيل:(بيت) فُهم المراد منه دون أن يسند إليه شيء آخر، فبذاته أفاد معنى. وإذا قيل:(قام) مثلا فُهم منه معنى مستقل وهو ثبوت القيام في الزمن الماضي. لكن إذا قيل (في) لا تُفهم الظرفية منه إلا إذا كان هذا الحرف في جملة تامة. فحينئذٍ كون الحرف لا يدل على معنى مرادهم لا يدل على معنى بذاته بل لابدَّ من ضميمة كلمة أخرى تكشف وتُظهر هذا المعنى. (كلمة دلت على معنى) نقول: أخرج الحرف، وبقي معنا الفعل والاسم، واشتركا في الدلالة على معنى. (ولم تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) ولم تقترن أي الكلمة لم تقترن يعني لم يجعل في دلالتها على المعنى دلالتها على شيء آخر وهو الزمن، لأن اللفظ قد يدل على شيء واحد فقط، وقد يدل على شيئين. فمثلا دلالة لفظ بيت على
المعنى المفهوم من اللفظ شيء واحد. ودلالة زيد على الذات المشخصة شيء واحد. ودلالة قام نقول على شيئين: المصدر وهو القيام، والزمن الماضي. إذًا قوله:(ولم تقترن) هذا احتراز عن الفعل، لأن الفعل دل على معنى واقترن بأحد الأزمنة الثلاثة التي هي الماضي أو الحال أو الاستقبال. ولا يمكن أن يقترن الفعل بزمانين أو ثلاثة ولذلك قال بأحد الأزمنة. وقولنا:(ولم تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) ليس المراد به سلب الاسم عن الزمن مطلقًا بل الزمن نوعان: زمن معين، وهو الماضي الذي دل عليه قام. والحال الذي يدل عليه يقوم. والمستقبل الذي يدل عليه قم. وثمَّ نوع آخر مطلقُ زمنٍ يعني زمن ولكنه ليس مقيدًا لا بماض ولا بحال ولا بمستقبل. نحو: أمس. فهو اسم بالإجماع، وقد دل على معنى ولم يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. بل مدلوله والمعنى الذي دل عليه لفظ أمس هو الزمن فمعناه الزمن الماضي. لكن هل حصل اقتران المعنى بزمن؟ نقول: لا، لأن مدلول أمس شيء واحد وهو معناه وهو الزمن ولم يقترن بزمن.
ونحو: صباح مدلوله زمن معين لكن ليس هو الزمن المنفي في حد الاسم، لأن الذي خصه النحاة للدلالة على الزمن الحال أو الماضي أو الاستقبال هو ما كان دالاً عليه بالفعل الماضي أو المضارع أو الأمر، فالزمن في الفعل مستفاد من الصيغة. إذًا نحكم على اللفظ بكونه اسمًا إذا دل على معنى ولم يقترن بزمن معين. أما إذا كان معناه الزمن فهو اسمٌ، أو كان معناه الزمن المعين وليس هو الزمن المعين الماضي أو الحال أو الاستقبال فهو اسمٌ. ثمَّ
ميَّزه ببعض العلامات، وذكر له أربع علامات وقد أوصلها بعضهم إلى بضع وثلاثين علامة. فقال رحمه الله تعالى:
فَالاِسْمُ بِالخَفْضِ وَبِالتَّنْوِينِ أَوْ
…
دُخُولِ أَلْ يُعْرَفُ فَاقْفُ مَا قَفَوا
كما ذكرنا أن هذا شروع منه في بيان ما يميِّز الاسم عن قسيمه الفعل والحرف، لأن هذه الأنواع الثلاثة بينها قدر مشترك، وهذا القدر المشترك هو القول المفرد، فحينئذٍ نحتاج أن نميز ما هو القول المفرد الذي يطلق عليه إنه اسم. وما هو القول المفرد الذي يطلق عليه إنه فعل. وما هو القول المفرد الذي يطلق عليه إنه حرف. ولتمييز الاسم عن الفعل وعن الحرف علامات وهي مطردة ولكونها أسهل للمبتدئ من الحد بدأ بها الناظم. فقال رحمه الله:[فَالاِسْمُ] الفاء فاءُ الفصيحةِ -مركب إضافي- وفصيحة فعيلة بمعنى اسم الفاعل- مفعلة - مأخوذة من الإفصاح سميت بذلك لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، أفصحت أي بينت وأظهرت أن في الكلام محذوفًا كما سبق بيانه. هذه تسمى فاء الفصيحة بالتركيب الإضافي. وبعضهم جوز أن تكون بالتركيب التوصيفي الفاء الفصيحة، وبعضهم يسميها فاء الفضيحة. [فَالاِسْمُ] أل للعهد الذكري لأنه قال في الأول اسم نكرة ثم قال:[فَالاِسْمُ] أعاد النكرة معرفة. والقاعدة عند البيانيين أن النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عين الأولى، لأن اللفظ الواحد باعتبار التنكير والتعريف إما أن تعاد النكرة نكرة نحو: جاء رجلٌ فأكرمت رجلاً. وإما أن تعاد المعرفة معرفة نحو: جاء الرجل فأكرمت
الرجل. وإما أن تعاد النكرة معرفة نحو: جاء رجلٌ فأكرمت الرجل. أو بالعكس نحو: جاء الرجل فأكرمت رجلاً. هذه أحوال أربعة لا خامس لها فإن أعيدت المعرفة معرفة أو أعيدت النكرة معرفة فهي عين الأولى. وإذا أعيدت النكرة نكرة فالثانية ليست عين الأولى. وإذا أعيدت المعرفة نكرة ففيها خلاف. وهذه قاعدة أغلبية. قال السيوطي في عقود الجمان:
ثُمَّ مِنَ القَوَاعِدِ المُشْتَهَرَهْ
…
إِذَا أَتَتْ نَكِرَةٌ مُكَرَّرَهْ
تَغَايَرَا وَإِنْ يُعَرَّفْ ثَانِي
…
تَوَافَقَا كَذَا المُعََّرفَانِ
شَاهِدُهَا الَّذِي رَوَينَا مُسْنَدَا
…
لَنْ يَغْلِبَ اليُسْرَينِ عُسْرٌ أَبَدَا
إذًا [أل] هذه نقول: للعهد الذكري، وهي التي عهد مصحوبها ذكرًا. ومصحوب أل لفظ اسم. تقول: الرجل مصحوب أل كلمة رجل، فالذي دخلت عليه أل هو مصحوبها. فإذا قيل إن أل هنا للعهد الذكري فحقيقتها: هي التي عهد مصحوبها ذكرًا، يعني ذكر مدخولها سابقًا نكرة ثم أعيد بأل، وهنا ذكر مدخولها سابقًا في قوله:
أَقْسَامُهُ الَّتِي عَلَيْهَا يُبْنَى
…
اِسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ مَعْنَى
قال: [بِالخَفْضِ] الاسم مبتدأ، وخبره جملة يعرف، فالاسم يعرف بالخفض و [بِالخَفْضِ] جار ومجرور متعلق بقوله:[يُعْرَفُ] أي يميز عن قسيميه الفعل والحرف بالخفض وما عطف عليه. أما العلامة الأولى فأشار إليها بقوله: [بِالخَفْضِ] أي مسمى الخفض
وهو الكسرة، فالاسم يعرف بمسمى الخفض لا بلفظ الخفض. فلابد من تقدير مضاف. والخفض لغة: ضد الارتفاع، وهو التذلل والخضوع. واصطلاحًا: الكسرة التي يحدثها عامل الجر. ولذلك لابد في هذا الموضع من تقييدها بالكسرة التي يحدثها عامل الجر، لا مطلق الكسرة، لأن الكسر مطلقًا دون أن يكون مرتبطًا بعامل الجر ليس علامة للاسم، وإلا كلما وَجَد المبتدئ الكسر في لفظ حكم عليه بأنه اسم! فأمسِ اسم مبني على الكسر وليست علامة على الاسمية، ونحو: قمِ الليل، الكسرة هنا دخلت على اللفظ ولا يجوز الحكم على مدخولها بكونه اسما من جهتين: أولاً: كون مدخول هذه الكسرة فعلا. والثاني: كون هذه الكسرة لم يحدثها عامل الجر. فليست العلامة مطلق الكسرة، وإنما الكسرة التي يحدثها العامل، وعامل الجر محصورٌ في عاملين لا ثالث لهما، وهما المضاف وحرف الجر كما سيأتي في موضعه. أما ما ناب عنها- الفتحة والياء - فبعض أهل العلم لا يرى أنها تكون مميزة للاسم عن غيره، لأن المبتدئ قد يرى ضربَ زيدٌ عمرًا، فضربَ كلمةٌ وهي فعل، فلو قيل: الفتحة تنوب عن الكسرة كما في قولك: مررت بأحمدَ، نابت الفتحة عن الكسرة هنا لأنه ممنوع من الصرف، لو رأى ضربَ قال هذه مثل مررت بأحمدَ. والياء كذلك لا تصلح أن تكون علامة، لأن المبتدئ لو رأى تضربين قال: هذه الياء مثل الياء في قولك: مررت بالمسلمين. فيحتمل أنها نابت عن الكسرة. فحينئذٍ لا يصح تمييز الاسم عن الفعل بما ينوب عن الكسرة، وإنما يقيد بالكسرة لأن ما
ينوب عن الكسرة وهو الفتحة والياء ليس مختصًا بالاسم وإنما يشترك فيه الاسم والفعل والحرف.
فإذا جاءت كلمة مكسورة وأحدثها عامل الجر؛ كقولك: (مررت بغلام زيدٍ) نقول: بغلامِ اسم، لوجود الكسرة التي أحدثها عامل الجر، وهو الباء. وزيد من غلام زيدٍ اسم، لوجود الكسرة التي أحدثها عامل الجر وهو المضاف على الأرجح.
العلامة الثانية أشار إليها بقوله: [وَبِالتَّنْوِينِ] أي فالاسم يعرف بالخفض فيميز عن قسيميه الفعل والحرف بدخول مسمى الخفض، وكذلك يميز عن قسيميه الفعل والحرف بدخول التنوين يعني مسمى التنوين، وليس لفظ التنوين هو الذي يدخل على الاسم وإنما مسماه، فقولك: زيدٌ فيه ضمتان: الضمة الأولى علامة الرفع. والضمة الثانية عوض عن التنوين. والتنوين مصدر نوَّن ينون تنوينًا، وهو في اللغة التصويت، يقال: نون الطائر إذا صوَّت. وأما في الاصطلاح فقد عرفه السيوطي في همع الهوامع بقوله: هو نونٌ تثبت لفظًا لا خطًا. هذا تعريف مختصر، وأجود من قولهم: نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًا. نقول: نونٌ تثبت لفظًا لا خطًا، لأن النون الزائدة الساكنة قد تلحق الفعل، وقد تلحق الحرف، وقد تلحق الاسم، فهي مشتركة، وليس كل نون زائدة ساكنة تلحق الآخر نحكم على مدخولها بكونه اسمًا، وإنما تقيد بكونها تثبت لفظًا لا خطًا، يعني وجودها في النطق فقط فأما في الكتابة فلا. فحينئذٍ إذا وجدت النون الزائدة الساكنة متصلة بآخر الكلمة وهي ثابتة خطا
فلا نحكم على مدخولها بكونه اسماً؛ لأن التنوين الذي يكون علامة للاسم لا يكتب. فإذا كُتب لم يختصَّ بالاسم بل يدخل الاسم والفعل والحرف. فإذا وجد التنوين دل على أن مدخوله اسم تقول: جاء زيدٌ، فزيدٌ دخله التنوين لفظًا لا خطًا إذًا هذا التنوين نحكم عليه بأنه علامة على اسمية مدخوله. أما إذا كتب نونا ساكنة هكذا (نْ) فليس من خصائص الاسم كما في قول الشاعر:
أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالعِتَابَنْ
…
وَقُولِي إِنْ أَصَبْتُِ لَقَدْ أَصَابَنْ
قوله: العتابن-وهو اسم محلى بأل- دخله التنوين، لكنه ليس بعلامة، لأن التنوين الذي يكون علامة على اسمية الكلمة لا يجامع أل، وهنا قد وجد مع أل. وأيضا ثبت هذا التنوين خطًا، فلما ثبت خطًا وجامع أل علمنا أنه ليس من خصائص الأسماء.
وقوله: أصابنْ -وهو فعل ماض- دخله التنوين، ويُكتب نونا ساكنة زائدة على آخر الكلمة. إذًا النون التي تثبت خطًا هذه ليست بتنوين حقيقة وإن سماها بعض النحاة تنوينا. وليست علامة لاسمية الكلمة. ولذلك تدخل على الاسم المحلى بأل كما في العتابن، وتدخل على الفعل الماضي كما في أصابن، وتدخل على الحرف أيضًا كما في قول الشاعر:
قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْنْ
…
كَانَ فَقِيرًا مُعْدِمًا قَالَتْ وَإِنْنْ
وإنن: هي إن الشرطية- وهي حرف - دخلها التنوين خطا.
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا
…
لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ
قد: هي حرف ودخلها التنوين خطا.
وأنواع التنوين عشرة جمعها بعضهم في بيتين:
أَقْسَامُ تَنْوِينِهِمْ عَشْرٌ عَلَيكَ بِهَا
…
فَإِنَّ تَحْصِيلَهَا مِنْ خَيْرِ مَا حُرِزَا
مَكِّنْ وَعَوِّضْ قَابِلْ وَالمُنّكَّرَ زِدْ
…
رَنِّمْ أَوِ احْكِ اضْطَرِرْ غَالٍ وَمَا هُمِزَا
لكن المشهور المطرد عندهم والذي يعتبر قياسًا مطردًا في لغة العرب والذي يختص بالاسم دون الفعل والحرف هي أربعة أنواع:
الأول: تنوين التمكين. والثاني: تنوين التنكير. والثالث: تنوين المقابلة. والرابع: تنوين العوض. هذه هي المشهورة في كتب النحاة وقلَّ من ذكر بقية العشرة.
الأول: تنوين التمكين- مركب إضافي - من إضافة الدال إلى المدلول، يعني إذا وجد التنوين دل على معنى؛ لأن التنوينَ حرفُ معنى. فحينئذٍ فلابد له من معنى يدل عليه. فتنوين التمكين أي تنوين دالٌ على تمكين الاسم في باب الاسمية. قالوا: الاسم الذي هو قسيم للفعل والحرف على ثلاثة أنواع:- لأنه شارك الفعل في كونه داخلا تحت جنس وهو القول المفرد وشارك الحرف كذلك- الاسم ثلاثة أنواع:
اسم فيه شبه من الحرف، واسم فيه شبه من الفعل، واسم ليس فيه شبه من الفعل ولا من الحرف. فالنوع الأول: بعض أفراد وآحاد الاسم أشبهت الحرف، والحرف مبني، فإذا أشبه الاسم
الحرف أخذ حكمه- بشرطه وسيأتي في موضعه- فحينئذٍ نحكم على بعض الأسماء بأنها مبنية لكونها أشبهت الحرف. قال ابن مالك:
وَالِاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي
…
لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدْنِي
إذًا علة بناء الأسماء محصورة عند ابن مالك بشبه من الحروف مدني، يعني قريب ليس مطلق الشبه. النوع الثاني: وبعض أفراد وآحاد الاسم أشبهت الفعل، وهو الممنوع من الصرف، لأن الفعل ممنوع من الجر، وممنوع من التنوين؛ فإذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه، وهو المنع من الجر والمنع من التنوين. النوع الثالث: اسم خالص، لم يشبه الحرف فيبنى، ولم يشبه الفعل فيمنع من الصرف. لأن ما أشبه الحرف أخذ حكمه، وما أشبه الفعل أخذ حكمه. وهذا خالص من الشبهين فعلا وارتفع، فهو أعلى من الجميع، لأن الذي أشبه الحرف خرج من باب الإعراب بالكلية وصار مبنيًا، والأصل في الأسماء الإعراب. إذًا خرج عن حكمه أصالة فهو أدنى المراتب. وأعلى من ذلك مرتبة الاسم الذي أشبه الفعل لأنه لم يخرج عن الإعراب بالكلية، وإنما خرج عن بعض أنواع الإعراب، وهو الجر بالكسر والمنع من التنوين، إذًا بقي على إعرابه ولكنه سلب بعض الصفات التي أعطيت للأسماء، وأعلى من ذلك مرتبة ودرجة وهو يعلو الجميع: الاسم الخالص من شبه الحرف ومن شبه الاسم. قالوا: ما الذي يميز لنا هذا النوع؟ أعطوه تنوينا سموه تنوين التمكين يعني تنوين دالٌ على تمكين الاسم في باب الاسمية
والإعراب بحيث لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف، وهو اللاحق للأسماء المعربة، ومختص بها. وإذا أطلق التنوين عند النحاة انصرف إليه لأنه هو الأصل.
النوع الثاني: تنوين التنكير- مركب إضافي - من إضافة الدال إلى المدلول، أي تنوين يدل على أن مدخوله نكرة، فلا يدخل المعارف. وضابطه: أنه اللاحق ببعض الأسماء المبنية فرقًا بين معرفتها ونكرتها. وهو بابان: اسم الفعل، والأعلام المختومة بويه، إلا أنه سماعي في اسم الفعل؛ قياسي في الأعلام المختومة بويه. فاسم الفعل كصهٍ، وصه اسم فعل أمر قد يكون معرفة، وقد يكون نكرة. إذا أردت أن تميز النكرة عن المعرفة فأدخل التنوين واحكم عليه بكونه نكرة. ولذلك نقول: تنوين التنكير، تنوين دال على أن مدخوله نكرة لا معرفة. فإذا قلت صهٍ فهو نكرة، وإذا قلت صهْ دون تنوين فهو معرفة. وثم فرق من جهة المعنى= إذا قلت: صهٍ فهو أمر بالسكوت مطلقًا. وإذا قلت: صه-من غير تنوين- صار معرفة، فهو أمر بالسكوت عن حديثٍ معين، يعني اسكت عن هذا الكلام ولك أن تتكلم في غيره. ومثله إيهٍ بمعنى زدني، إذا قلت: إيهٍ يعني زدني من كلامك مطلقا، وإذا قلت: إيه-من غير تنوين- يعني زدني من هذا الحديث المعين الذي تتكلم فيه.
وأما الأعلام المختومة بويه فنحو: سيبويهٍ وسيبويهِ، سيبويهِ-من غير تنوين- معرفة، الذي هو سيبويه إمام النحاة. وسيبويهٍ-منونا- نكرة؛ لأن سيبويهٍ علم مختوم بويه، وهو مبني، فالتنوين إذا دخله فهو تنوين التنكير.
النوع الثالث: تنوين المقابلة، وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم، نحو: مسلماتٍ؛ لأنه لما جمع مسلم - جمع مذكر سالم - سلب عنه التنوين الدال على التمكين فقيل: مسلمو فحصل فيه قصور قالوا: إذًا لابد من تعويضه وجبر خاطره، لأنه سُلب أمرًا يدل على تمكنه في باب الاسمية والإعراب. فعوضوه نونًا، هذه النون عوض عن التنوين ولذلك يقال في إعرابها: عوض عن التنوين في الاسم المفرد، لأن الاسم المفرد الذي هو معرب وليس فيه شبه بالحرف ولا بالفعل فهو في أعلى الدرجات والذي يدل على هذه المكانة وهذه الرفعة والمرتبة هو التنوين، فإذا سلب يُخشى عليه من توهم الانحطاط فعوض عن هذا التنوين بنون تدل عليه.
النوع الرابع: تنوين العوض. وهو ثلاثة أقسام:
1 -
عوض عن حرف كجوارٍ وغواشٍ. وهذا النوع قد فصلته في شرح الملحة.
2 -
عوض عن كلمة وهو اللاحق لكلٍ وبعض، فكل وبعض ملازم للإضافة للمفرد، لكن قد ينفك عنه ويحذف في اللفظ ويعوض عنه التنوين، نحو:{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} (الإسراء:84) أي كلُّ إنسانٍ. ولذلك جاء مصرحًا به {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (الإسراء:13) ونحو: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة:253) أي على بعضهم.
3 -
أن يكون عوضًا عن جملة أو جمل. وهو اللاحق لـ (إذ) ونحوها، وقد يكون عوضًا عن جملة واحدة، نحو:{وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} (الواقعة:84) أي وأنتم حينئذ بلغت الروح الحلقوم. فحذفت هذه الجملة اختصارًا وعوض عنها التنوين. وقد يكون عوضًا عن جمل. نحو قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)[الزلزلة].وأصل التركيب يومئذ زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها. هذا أصل التركيب، فحذفت هذه الجمل الثلاثة وأُتي بالتنوين فقيل:(يومئذٍ).
العلامة الثالثة: دُخُولُ أَلْ يعني قبول الكلمة لأل علامة عليها بكونها اسما؛ لأن أل من خصائص الأسماء كما أن الخفض والتنوين من خصائص الأسماء. والأصل أن الشيء لا يميز إلا بما اختص به، وما كان مشتركًا لا يصلح أن يكون علامة تميزه عن غيره. وليس المراد بالدخول بالفعل يعني لابد أن نحكم على الكلمة بأنها اسمٌ لوجود أل، بل بمجرد قبوله لأل. فرجل من قولك: جاء رجلٌ اسمٌ بدليل قبوله لأل، ولا يشترط أن توجد أل بالفعل بل كونه قابلاً لها يكفي في الحكم بالاسمية.
قال الناظم: [ألْ] ولم يقل الألف واللام، لأنه جرى على مذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي وهو كون المعرِّف أل برمتها. لأن ثمَّ خلافًا إذا قيل أل المعرفة علامة من علامات الأسماء هل هي حرفان
أم حرف واحد؟ فيه أربعة مذاهب، والمشهور قول الجمهور عند المتأخرين أن اللام وحدها هي المعرفة ولذلك قال الحريري:
وَآلَةُ التَّعْرِيفِ أَلْ فَمَنْ يُرِدْ
…
تَعْرِيفَ كَبْدِ مُبْهَمِ قَالَ الكَبِدْ
وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهَا الَّلامُ فَقَطْ
…
..... .....................
يقصد به مذهب الأخفش وتبعه المتأخرون، لكن الأصح عند المحققين أن أل برمتها هي المعرفة، وأن الهمزة همزة قطع، وإنما سهلت في درج الكلام لكثرة استعمالها. وقيل: بل همزة وصل. والأصح مذهب الخليل أنها همزة قطع وليست همزة وصل.
وثم ضابط للمذاهب عندهم، يقولون: اثنان ثنائيان، واثنان أحاديان. اثنان من العلماء قالوا: بأن المعرف ثنائيان وهما الخليل وسيبويه، واثنان أحاديان يعني اثنان من العلماء قالوا: بأن المعرف حرف واحد، الأخفش على أنها اللام فقط. والمبرد على أنها الهمزة فقط. وقد فصلت المسئلة في شرح الملحة.
[دُخُولِ ألْ] مطلقًا سواءٌ كانت معرفة أم زائدة أم موصولة، والمعرفة وهي التي تفيد التعريف يعني إذا دخلت على النكرة أفادت وأثرت في مدخولها التعريف، فهي أَلْ المعرفة. والتي لا تفيد تعريفًا هي الزائدة، وضابطها التي دخلت على الأعلام كالعباس واليزيد، لأنهالم تؤثر التعريف، فعباس هذا علم والمعرَّف لا يُعرَّف، فإذًا إذا دخلت عليه أَلْ نقول: العباس أَلْ هذه زائدة لأنها لم تفد التعريف، كذلك إذا دخلت على واجب التنكير كالتمييز، قال الشاعر:
رَأَيتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا
…
صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو
فالنفس تمييز، والتمييز يجب أن يكون نكرة على مذهب البصريين، فحينئذٍ دخلت أَلْ على واجب التنكير فحكمنا على أَلْ بكونها زائدة. والموصولة تدخل على الصفة التي هي اسم فاعل واسم مفعول والصفة المشبهة. واختلف في أفعل التفضيل وأيضًا الصفة المشبهة، قال ابن مالك:
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ
…
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلْ
والصفة الصريحة وهي اسم الفاعل واسم المفعول هي التي تكون مدخول أَلْ. وهذه مختلف فيها وابن مالك يقول: وكونها بمعرب الأفعال قل: أي قلَّ دخولها على الفعل المضارع المعرب لقول الفرزدق:
مَا أَنْتَ بِالحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ
…
وَلَا الَأصِيلِ وَلَا ذِي الرَّأيِ وَالجَدَلِ
دخلت أَلْ على الفعل (ترضى) وهو فعل مضارع مغير الصيغة فحينئذٍ لا يمكن أن تجعل علامة على اسمية الكلمة، لأن الذي يدل على الاسمية لابد أن يكون خاصًا بالاسم ولا يجوز دخوله على غير الاسم.
[أَلْ] مطلقًا أما الاستفهامية كما أثبتها بعضهم فهي تدخل على الفعل، نحو: الفعلت؟ أَلْ هذه حرف استفهام. والصحيح أنَّ [أَلْ] سواء كانت أل معرفة، وهي ما أفادت التعريف. أو زائدة وهي الداخلة على الأعلام أو على واجب التنكير، أو كانت موصولة،
بأنواعها كلها علامة على الاسمية، خلافًا لابن مالك رحمه الله في الموصولة بأنها ليست من خصائص الأسماء ولذلك قال:
وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ
…
وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلْ
يعني تدخل على الصفة الصريحة: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة. وكذلك يقل دخولها على الفعل المضارع. وإذا دخلت على الصفة وعلى الفعل المضارع صارت مشتركة، وإذا صارت مشتركة حينئذٍ لا يصح جعلها علامة تميز الاسم عن الفعل. والأصح مذهب الجمهور بل حكي الإجماع على أنها من خصائص الأسماء. وما سمع من دخولها على الفعل فهو ضرورة. ولذلك ذكر ابن هشام رحمه الله تعالى في شذور الذهب عن عبد القاهر الجرجاني أنه بالإجماع يعني انعقد إجماع النحاة أن دخول أل الموصولة على المضارع شاذٌ فيحفظ ولا يقاس عليه. وحينئذٍ تكون أل الموصولة من خصائص الأسماء ودخولها على الفعل كما في قول الفرزدق شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. إذًا دخول أل هذا عام. [فَاقْفُ مَا قَفَوا] بفتح الفاء [فَاقْفُ] أيها الطالب، أي اتبع. قال في القاموس: قَفَوْتُه قَفْوًا وَقُفُوًّا تبعته. وهذا الأصل في طالب العلم أن يكون متبعًا لغيره من الأئمة.
والعلامة الرابعة أشارإليها بقوله:
وَبِحُرُوفِ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ إِلَى
…
وَعَنْ وَفِي وَرُبَّ وَالبَا وَعَلَى
وَالكَافُ والَّلَامُ وَوَاوٌ وَالتَّا
…
وَمُذْ
…
وَمُنْذُ وَلَعَلّ حَتَّى
[وَبِحُرُوفِ الجَرِّ] يعني يعرف ويميز الاسم عن قسيميه بدخول حروف الجر. وهل يشترط دخول حروف الجر كلها أم واحد منها؟ نقول: بل واحد منها. وعليه تكون الإضافة هنا جنسية، والإضافة الجنسية تبطل معنى الجمعية فحينئذٍ يصدق المضاف على القليل والكثير، والمراد هنا أنه يصدق بالواحد منها. فقوله [وَبِحُرُوفِ الجَرِّ] أي يميز ويعرف الاسم عن قسيميه بدخول حرفٍ واحد من حروف الجر. وليس المراد بالدخول الدخول العقلي وإنما الدخول النقلي-وهذا يقال أيضا في دخول أل والتنوين والكسر- يعني قبول اللفظ للخفض والتنوين ودخول أل وحروف الجر لابد أن يكون مما جَوَّز العرب دخوله عليه، أما مجرد التجويز العقلي فهذا لا يكون مسوغًا له.
إذًا [وَبِحُرُوفِ الجَرِّ] يعني بواحد من حروف الجر؛ لأنه متى دخل حرف واحد ثبتت الاسمية وحُكم بها. المصنف صاحب الأصل- وهو ابن آجروم- كوفي المذهب عبارته على مذهب الكوفيين، والكوفيون يعبرون بالخفض، والبصريون بالجر؛ حيث قال [فَالاِسْمُ بِالخَفْضِ] ثم قال [وَبِحُرُوفِ الجَرِّ] إذًا جمع بين المذهبين ولا إشكال في هذا لأن المسألة اصطلاحية.
ثم استطرد فأراد أن يبين للطالب المبتدئ بعض حروف الجر؛ ليحكم بوجودها على أن ما بعدها يكون اسمًا، فأخذ يعدها وذكر منها خمسة عشر حرفًا. وذكر ابن مالك عشرين حرفًا، وزيد عليه حرف واحد فالمجموع واحد وعشرون حرفًا. قال ابن مالك:
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهِيَ مِنْ إِلَى
…
حَتَّى خَلَا حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى
مُذْ مُنْذُ رُبَّ الَّلامُ كَيْ وَاوٌ وَتَا
…
وَالكَافُ وَالبَا وَلَعَلَّ وَمَتَى
هذه عشرون حرفًا بالاستقراء، وزيد عليها لولا، واقتصر الناظم هنا على خمسة عشر حرفًا. [وَبِحُرُوفِ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ] هي الضمير يعود على الحروف، إذًا مدلوله جمع (هْيَ) مبتدأ، و (مِنْ) خبر ومدلوله شيء واحد. إذًا المبتدأ دل على الجمع، والخبر دل على المفرد، وشرط المبتدأ والخبر التطابق فلا يجوز أن يكون المبتدأ مثنى والخبر مفردا كما أنه لا يجوز أن يكون المبتدأ مفردا والخبر مثنى فلا يصح نحو: زيد قائمان، والزيدان قائمٌ. إذًا لابد من التطابق إفرادًا وتثنية وجمعًا. وهذا إشكال يرد عند أرباب المتون، فقوله:[وَهْيَ مِنْ] لابد من الجواب عنه. فنقول: (هي) مبتدأ، و (من) خبر، وهو مفرد لكنه لما أراد أن يخبر عن (هي) وهو جمع في المعنى، قالوا: راعى العطف قبل الحمل، فحينئذٍ أخبر بـ (من) وما عطف عليه؛ لذلك يقال في الإعراب الصحيح الدقيق (هي) مبتدأ و (من) وما عطف عليه خبرٌ للمبتدأ، فحينئذٍ قد راعى العطف قبل الحمل يعني قبل الإخبار، فإذا راعى العطف قبل الإخبار فحينئذٍ يكون قد أخبر بجمع عن جمع؛ لأنه قال: هي-ومدلوله جمع الذي هو الحروف- ثم قال: [مِنْ إِلَى وَعَنْ ..... الخ فأخبر عن المبتدأ بجمع فحصل التطابق، إذًا لا إشكال. [وَبِحُرُوفِ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ إِلَى] وكذلك يقال: في [أَقْسَامُهُ][اِسْمٌ] فيما سبق [أَقْسَامُهُ] هذا مبتدأ [اِسْمٌ] هذا خبر. أقسامه جمعٌ [اِسْمٌ] هذا خبر، وهو مفرد فكيف أخبر عن الجمع بالمفرد؟
تقول: راعى العطف قبل الحمل. اسمٌ وما عطف عليه خبر؛ لأنه أخبر عن الأقسام باسم وفعل وحرف معنى. [وَهْيَ مِنْ إِلَى وَعَنْ وَفِي وَرُبَّ وَالبَا] هذه الحروف تبحث في كتب خاصة، ومن أجودها مغني اللبيب لابن هشام، وعليه حاشية للدسوقي. [وَهْيَ مِنْ] وقدمها لأنها أم الباب، لأنها تجر ما لا يجر غيرها كعند وبعد. وتدخل على الظاهر والمضمر ومنه قوله تعالى:{وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} (الأحزاب: من الآية7). ولها معانٍ ومن معانيها الابتداء زمانًا أو مكانًا، نحو: قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الإسراء:1) نقول: {من} هنا للابتداء المكاني. {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} (التوبة:108){من} هنا للابتداء الزماني. [إِلَى] معطوفة على [من] بحرف عطف محذوف. وهل يجوز حذف حرف العطف؟ نقول: في الشعر جائز باتفاق، وفي النثر فيه خلاف. فالحرف الثاني [إِلَى] وثنى بها لأنها في مقابلة مِنْ، ومن معانيها الانتهاء مكانًا وزمانًا. {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الإسراء:1) إِلَى هنا للانتهاء المكاني. {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (البقرة:187) إِلَى هنا للانتهاء الزماني. [وَعَنْ] ومن معانيها المجاوزة، وهي لغة: البعد تقول: رميت السهم عن القوس. ولذلك يقولون في ضابط المجاوزة اصطلاحًا: بعد الشيء عن المجرور بها بواسطة إيجاد مصدر ذلك العامل. رميت السهم عن القوس أي باعدت السهم عن القوس بواسطة إيجاد الرمي. [وَفِي] ومن معانيها الظرفية،
والظرف لغة: الوعاء.
واصطلاحًا: كون الشيء في المجرور بها، وتكون ظرفية حقيقة وذلك أن يكون للظرف احتواء وللمظروف تحيز، نحو: الماء في الكوز. وتكون ظرفية مجازية وذلك إذا فقد الشرطان نحو: النجاة في الصدق، أو الأول نحو: زيد في الصحراء، أو الثاني، نحو: العلم في الصدور. [وَرُبَّ] حرف جر شبيه بالزائد، واختلف في معناها فقيل: للتقليل. وقيل: للتكثير. والأصح أنها للتقليل قليل وللتكثير كثير. ولكنها لا تجر كل اسم وإنما تجر بخمسة شروط. أولها: أن تكون في صدر الكلام يعني لا يجر بها إلا في أول الكلام. تقول: رُبَّ رجلٍ كريمٍ لقيته. ثانيها: أن يكون مجرورها نكرة. فتختص بالنكرات ولذلك من علامات النكرة دخول رُبَّ عليها. ثالثها: أن تكون النكرة موصوفة تقول: رب رجل كريم. رابعها: أن يكون عاملها مؤخرا رب رجل كريم لقيته. خامسها: أن يكون متعلَّق رب فعلاً ماضيًا. وهذه الشروط مجتمعة في قولك: (رب رجل كريم لقيته)(رب) جاءت مصدرة، ورجل نكرة فمدخولها نكرة، ثم وصفت النكرة بكريم، والفعل متأخر وهو لقيته، وهو فعل ماض. وإعراب الجملة: رب: حرف جر شبيه بالزائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. رجل: مبتدأ مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. كريم صفة. وجملة لقيته خبر المبتدأ. ولذلك لما كان المبتدأ في اللفظ مجرورًا، وفي المحل مرفوعًا جاز في الصفة وجهان: رب رجل كريمٍ بالجر إتباعا
للفظ، ورب رجل كريمٌ بالرفع إتباعا للمحل. يعني يجوز أن تراعي في الصفة المحل فترفع، ويجوز أن تراعي اللفظ فتجر. وتقول: ربَّ رجلٍ كريمٍ لقيتُ. رب: حرف جر شبيه بالزائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. رجل: مفعول به منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. لماذا فرقنا هنا قلنا: مفعول به وفي الأول قلنا: مبتدأ، لأن الفعل لقيته قد استوفى مفعوله. وهنا رب رجلٍ كريم لقيت لم يستوف مفعوله فنصب رجلا مفعولاً به. وكريمٍ فيه وجهان: الجر إتباعا للفظ، والنصب إتباعا للمحل.
[وَالبَا] يعني الباء من حروف الجر. قال: [مِنْ إِلَى وَعَنْ وَرُبَّ] بلفظها، ولما جاء عند الباء قال:[البَا] لأن ما كان على حرف واحد يحكى باسمه لا بمسماه، وما كان على حرفين فأكثر من الحروف يحكى باسمه، تقول: مِنْ صارت علمًا ومسماها مِنْ. ولذلك نقول: أعربنا في البيت [مِنْ] خبرًا وهي حرف، والخبر مسند، والحرف لا يقع مسندًا ولا مسندًا إليه. نقول: لما قصد لفظه صار علمًا. ومثله الفعل قد يكون اسمًا كما إذا قلت: ضربَ فعلٌ ماض، ويضربُ فعلٌ مضارع، واضربْ فعلُ أمر. في هذه التراكيب نقول: ليست بأفعال، وإنما يحكم على ضرب بأنه فعلٌ في التركيب في الجملة الفعلية نحو: ضربت زيدًا أو ضرب زيدٌ عمرًا. في هذا التركيب ضرب فعل، فيما عداه إذا أُخبر عنه فحينئذٍ صار علمًا واسما ليس بفعل، ولذلك نقول: ضرب زيدٌ، زيدٌ فاعل مرفوع بضرب، دخل
عليه حرف الجر الباء، وحرف الجر لا يدخل إلا على الاسم، فكيف دخلت على ضرب وهو فعل؟ نقول: قصد لفظه، والفعل إذا قصد لفظه ولم يَرد في جملة بمعنى أنه مقصود المعنى حينئذٍ يعامل معاملة الأعلام فيكون اسمًا يدخل عليه التنوين وحرف الجر. ولذلك تقول: ضرب فعل ماض، هذه جملة مركبة من مسند ومسند إليه، وهي كلام، فيصدق عليها حد الكلام، كأنك قلت: زيدٌ قائم، أخبرت عن زيد بالقيام فهي جملة اسمية. مثلها ضرب فعل ماض أخبرت عن (ضرب) أنه فعل ماضٍ فضرب وقع مسندًا إليه، والمسند إليه لا يكون إلا اسمًا، فحينئذٍ نقول ضرب في هذا التركيب اسمٌ. فنقول:[والبا] أي مسمى الباء، لابد من التقدير؛ لأنه على حرف واحد فيحكى باسمه لا بمسماه. ومن أشهر معانيها التعدية نحو: ذهبت بزيد. والإلصاق نحو: مررت بزيد. وتأتي للقسم أي الحلف فتدخل على لفظ الجلالة-وهو الذي لا يجوز الحلف إلا به- فتعمل بلا شرط؛ لأن القاعدة أن ما جاء على الأصل في الاستعمال يعمل بلا شرط، ولذلك نقول: الأصل في العمل للأفعال، فلا يشترط في الفعل لإعماله شروط، لكن الاسم لا يعمل إلا بشروط وقيود لأنه فرعٌ، وكذلك الحروف لا تعمل إلا بشروط، فيشترط في الفروع ما لا يشترط في الأصول. الباء أصل في القسم إذًا يعمل بلا شرط، ولذلك يذكر معه فعل القسم فتقول: أقسم بالله، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (فاطر:42) ويجوز حذف فعل القسم، وتستعمل مطلقا فتقول: بالله عليك إلا أخبرتني في
قسم الإخبار وغيره. وتدخل على الظاهر والمضمر تقول: بالله وبه لأفعلن كذا. [وَعَلَى] من حروف الجر أيضًا، ومن أشهر معانيها الاستعلاء، وهو لغة: العلو والارتفاع، والاستعلاء اصطلاحًا: تفوُّق الشيء على المجرور بها بواسطة إيجاد مصدر ذلك العامل. تقول: زيد على السطح. ومنه قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) على معناه حقيقة يعني استوى استواءً يليق بجلاله، وهو علو خاص. [وَالكَافُ] من حروف الجر أيضًا، أي مسمى الكاف، هنا حكاه بالاسم ولم يحكه بالمسمى؛ لأنه على حرف واحد. والقاعدة عند أهل اللغة أن ما كان على حرف واحد حكي باسمه، وما كان على حرفين حكي بالمسمى. ومن أشهر معانيها التشبيه، وهو مشاركة أمر لأمر آخر في المعنى. نحو: ليلى كالبدر.
[والَّلَامُ] أي مسمى اللام من حروف الجر. وهي تكسر مع الظاهر نحو: لِزيد، وتفتح مع غير ياء الضمير نحو: لَه ولَك ولَنا. واللام تأتي للملك، وللاختصاص، والاستحقاق، وضابط اللام التي تدل على الملك أنها تقع بين ذاتين، وتدخل على من يملك، نحو: المال لزيد، فالمال ذات وزيد ذات، ودخلت اللام على زيد وهو يملك يعني يصح منه الملك، فحينئذٍ نحكم على اللام بأنها للملك. واللام التي للاختصاص أن تقع بين ذاتين، وتدخل على ما لا يملك، نحو: اللجام للفرس، والحصير للمسجد. فالحصير ذات والمسجد ذات، إذًا وقعت بين ذاتين ودخلت على المسجد وهو لا يملك. واللام التي للاستحقاق أن تقع بين ذات ومعنى، وتدخل
على الذات نحو: الحمد لله نقول: هذه للاستحقاق، وعند بعضهم يجوز أن تكون للملك والاختصاص. فالحمد معنى ولله ذات دخلت عليها اللام. [وَوَاوٌ] المراد بها واو القسم، فهي حرف جر إذا أراد بها القسم. [وَوَاوٌ] هي حرف قسم لكنها فرعٌ وليست أصلا، وحينئذٍ لا يجوز إعمالها الجر إلا بشروط ثلاثة أولها: أنها تختص بالظاهر ولا تدخل على الضمير. ثانيها: يجب حذف فعل القسم معها فيقال: والله، ولا يجوز أن يقال: أقسم والله. ثالثها: أنها لا تستعمل في قسم الإخبار فلا يقال: والله أخبرني. [وَالتَّا] أي مسمى التاء، وهي حرف قسم أيضا، وهي فرع عن الواو-كما أن الواو فرع عن الباء- فيشترط فيها ما اشترط في الواو، ويزاد عليها أنها تختص بلفظ الجلالة، نحو قوله تعالى:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (الأنبياء:57) وقد سمع ترب الكعبة، وسمع تالرحمن لكنه قليل، والقياس المطرد (تالله). [وَمُذْ وَمُنْذُ] هذان الحرفان يعتبران من حروف الجر، لكنهما لا يدخلان على كل اسم بل على اسم الزمان المعين فقط، ولذلك قال ابن مالك:
وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقتًا
…
....................
إذًا لا تدخل على كل اسم زمان، وإنما اسم الزمان المعين- المحدد - الذي له أول وآخر، نحو: ما رأيته مذ يومِ الجمعة فمذ حرف جر، ويومِ اسم مجرور بمذ وعلامة جره الكسرة. إذًا دخلت مذ على يوم الجمعة وهو اسم زمان معين. ومثله ما رأيته منذ يومنا. ولا يصح أن يقال ما رأيته مذ زمانٍ أو مذ وقتٍ، لأنه زمن
غير معين مبهم. [مُذْ وَمُنْذُ] قد يكونان بمعنى (من) الابتدائية، وقد يكونان بمعنى (في) الظرفية. قال ابن مالك:
وَإِنْ يَجُرَّا فِي مُضِيٍّ فَكَمِنْ
…
هُمَا وَفِي الْحُضُورِ مَعْنَى فِي اسْتَبِنْ
وإن يجرا: أي مذ ومنذ. وإن يجرا في مضي فكمن هما: إذا كان ما بعدهما من الزمن المحدد ماضيا فهما في مقام (من) الابتدائية، فإذا قلت: ما رأيته مذ يوم الجمعة-وكان يوم الجمعة سابقا- كان تقديره ما رأيته من يوم الجمعة لأن مجرورها ماضٍ. وإذا كان حاضرًا، قال: وفي الحضور معنى في استبن: في الحضور أي في يومنا، تقول: ما رأيته مذ يومنا، يعني في يومنا لأنه زمن حاضر.
وقد اختلف النحاة في مذ ومنذ، هل هما أصلان أم أحدهما أصل والآخر فرع؟ المشهور وعليه الجمهور أن منذ هي الأصل ومذ فرع، فمذ أصلها منذ وإنما حذفت منها النون تخفيفًا، وهذا قول الجمهور قالوا: والدليل أنك لو سميت رجلاً بمذ صار علمًا، فإذا أردت تصغيره تقول: مُنَيذٌ على وزن فُعَيل، من أين جاءت النون في المصغر؟ قالوا: القاعدة أن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فلما قلت: منيذ رجعت النون المحذوفة، فدل على أن الأصل منذ، ومذ مقتطعة منها. [وَلَعَلّ] قلَّ من ذكرها من حروف الجر وهي لغة عُقيل. وبعضهم يحكم عليها بالشذوذ يعني يقول الجر بها شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. ومنه قول القائل:
لَعَلَّ أَبِي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ
…
................
وقول الآخر أيضًا:
لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَينَا
…
بِشِيءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَرِيمُ
الشاهد قوله: لعل اللهِ .. وإعرابه: لعل حرف جر وترج شبيه بالزائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، فحينئذٍ ما بعده على أصله قبل دخول لعل. الله: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. [وَلَعَلّ] فيها أربع لغات لَعَلَّ بالفتح، ولعلِّ بالكسر مع إثبات اللام فيهما، وعَلَّ بحذف اللام وبالفتح، وعَلِّ بحذف اللام وبالكسر. [حَتَّى] من حروف الجر أيضا، وهي من الحروف الدالة على الانتهاء مثل (إلى) وإن كانت إلى هي الأصل، ولذلك تجر الآخر وغيره، تقول: سرت إلى آخر الليل، فجرت الآخر، وتقول: سرت إلى نصف الليل، وهذا دون الآخر. وأما (حتى) فتدل على الانتهاء لكنها لا يصح أن يجر بها ما دون الآخر. وإنما يجر بها الآخر والمتصل بالآخر نحو:{سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر:5) فمَطْلَعِ مجرور حتى وهو هنا متصل بالآخر. وتقول: أكلت السمكة حتى رأسِها. الرأس هل هو مأكول أم لا؟ في مثل هذا التركيب يجوز ثلاثة أوجه: حتى رأسِها، وحتى رأسُها، وحتى رأسَها. الأول: أكلت السمكة حتى رأسُها. فحتى ابتدائية، ورأسُها مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: حتى رأسُها مأكول. الثاني: أكلت السمكة حتى رأسَها. معطوف على ما قبلها، وحتى عاطفة. الثالث: أكلت السمكة حتى رأسِها يعني النهاية بلغت إلى الرأس، وحتى حرف جر.
ثم لما أنهى علامات الاسم-وقد ذكر لك أربعا منها- انتقل بعد ذلك لذكر الجزء الثاني مما يتألف الكلام من مجموعه لا من جميعه وهو الفعل فقال:
وَالفِعْلُ بِالسِّينِ وَسَوْفَ وَبِقَدْ
…
فَاعْلَمْ وَتَا التَّأْنِيثِ مَيْزُهُ وَرَدْ
ذكر لك أربع علامات للفعل، كما ذكر للاسم أربع علامات. [وَالفِعْلُ] أل للعهد الذكري- وهي التي عهد مصحوبها ذكرًا- يعني والفعل الذي ذُكر آنفًا في أقسام أجزاء الكلام؛ لأن النكرة -كما سبق- إذا أعيدت معرفة فهي عينها.
[وَالفِعْلُ] بكسر الفاء، ويقال: الفَعْل عند النحاة والمراد به المصدر. الفِعل عند النحاة اسم، والفَعْل مصدر، هذا اصطلاح خاص عند النحاة، ولا مشاحة في الاصطلاح. وعند أهل اللغة الفِعْل والفَعْل مصدران لفعَل يفعَل، أما فَعْل فهو القياس، والفِعْل سماعي. الفعل لغة: نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام أو قعود أو ضرب أو نوم أو أكل أو شرب إلى آخره. واصطلاحًا: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة. قوله: (كلمة) جنس يشمل الاسم والفعل والحرف. دلت على معنى في نفسها أخرج الحرف، لأن الحرف لا يدل على معنى في نفسه. واقترن بمعنى اتصل، بأحد الأزمنة الثلاثة أخرج الاسم لأن الاسم يدل على معنى ولا يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. بأحد الأزمنة الثلاثة ظاهره أنه لفظ مبهم، واللفظ المبهم لا يجوز إدخاله في الحدود عند المناطقة؛ لأنه مبهم، وإنما جيء بالحد للكشف والإيضاح عن حقيقة
المحدود؛ فإذا جعل اللفظ المبهم داخلاً في الحد فحينئذٍ زاده إبهامًا، والمقصود هو الإيضاح. فأورد اعتراض على هذا التعريف بأن الأزمنة الثلاثة مجهولة المعنى. نقول: ليست مجهولة المعنى، لأنه صار حقيقة عرفية عند النحاة. إذا أُطلق هذا اللفظ (الأزمنة الثلاثة) انصرف إلى المعنى الخاص، وهو الحال والماضي والاستقبال. فحينئذٍ ليس في التعريف إبهام.
[وَالفِعْلُ] مبتدأ أول [بِالسِّينِ] جار ومجرور متعلق بورد ومعنى أنه متعلق به أنه عامل فيه لا يتم معنى ورد إلا بالجار والمجرور. [مَيْزُهُ] مبتدأ ثانٍ [وَرَدْ] بالسين وما عطف عليه، الجملة في محل رفع خبر المبتدأ الثاني. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. قوله:[مَيْزُهُ وَرَدْ] أي الفعل ميزه عن أخويه الاسم والحرف ورد بالسين وما عطف عليه.
[بِالسِّينِ] أي مسمى السين، والسين اسم، والذي يجعل علامة على الفعل هو المسمى. [بِالسِّينِ] أل للعهد الذهني- وهي الذي عهد مصحوبها ذهنًا- فحينئذٍ ليس المراد [بِالسِّينِ] سين التهجي كسين سالم، وليس المراد بها سين الصيرورة كقولك: استحجر الطين أي صار حجرًا. بل المراد بها السين التي تدخل على الفعل المضارع سين الاستقبال، لأنها هي المعهودة ذهنا، فإذا أطلق السين انصرف إلى سين الاستقبال فقط. إذًا [وَالفِعْلُ بِالسِّينِ] أي سين الاستقبال، وتسمى بسين التنفيس، والتنفيس هو الاستقبال، وتسمى حرف التوسع أو التوسيع. وهي تدل على تأخير زمن الفعل
المضارع عن الحال إلى الاستقبال. الأفعال ثلاثة: ماضٍ ومضارع وأمر، فالفعل الماضي يدل على شيء وقع وانتهى في الزمن الماضي. والفعل المضارع يدل على وقوع الحدث في زمن الحال، وجمهور النحاة على أن الفعل المضارع من حيث الزمن مشترك بين الحال والاستقبال، فإذا قيل: زيد يصلي، فإنه يحتمل أنه يصلي الآن أو سيصلي في المستقبل. والأصح أن يقال: إن زمن فعل المضارع هو الحال فقط، ودلالته على الزمن المستقبل مجاز. والدليل على هذا أن دلالة الفعل المضارع على الاستقبال تحصل بدخول السين ونحوها، فدلت السين على تأخير زمن الفعل المضارع عن الحال إلى الاستقبال. فحينئذٍ ما احتاج إلى قرينة فرعٌ عما لا يحتاج إلى قرينة، فدلالة الفعل على الحال هي الحقيقة؛ لأنه يدل على الحال بلا حرف. فإذا قيل: زيد يصلي فهو الآن، فإذا أردت به المستقبل فلابد من حرف تدخله ليدل على الاستقبال، وهذا ضابط المجاز عندهم. فدلالة المضارع على الاستقبال مجازية لا حقيقية. وهذا هو الأصح من حيث التحقيق، تقول: زيدٌ يصلي يعني الآن، زيدٌ سيصلي يعني سيوقع الحدث وهو الصلاة بعد زمن قريب. إذًا عرفنا السين تدل على التنفيس والاستقبال وهو تأخير زمن الفعل عن الحال. وبعضهم يقول: السين موضوعة للدلالة على الاستقبال للحدث القريب. ومثال السين قوله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ)[البقرة:142] وقوله: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ)[الفتح:11][وَسَوْفَ] أي والفعل ميزه ورد بالسين، وبسوف، وسوف أخت
السين، كل منهما يدل على التنفيس والاستقبال، إلا أن السين أقل استقبالا من سوف، يعني دلالة السين على الاستقبال إنما هو استقبال قريب، ودلالة سوف على الاستقبال إنما هو استقبال بعيد. إذا قيل: زيد سيصلي. يعني بعد وقت قريب، زيدٌ سوف يصلي إذًا تأخير الفعل عن الحال إلى زمن أبعد من دلالة السين على التأخير. وقوله:[وَسَوْفَ] حكاها كما هي لأنها على ثلاثة أحرف، فحكاها بمسماها لا كالسين حكاها باسمها لأنها على حرف واحد.
هذا الذي ذكرنا من أن دلالة السين على التنفيس أقل من دلالة سوف عليه، على مذهب البصريين، خلافا للكوفيين بناءًا على خلاف عندهم= هل السين مقتطعة من سوف أم مستقلة؟ يعني هل هما كلمتان كلٌّ منهما وُضع وضعا خاصا أم الوضع واحد لسوف والسين مقتطعة منها؟ مذهب الكوفيين أن السين مقتطعة من سوف، يعني هي جزء من سوف، وحينئذٍ فهي فرع، وإذا كانت فرعا فجزءُ الشيء لا يمكن أن يدل على معنى مغاير لمعنى الأصل، فحينئذٍ عند الكوفيين= السين وسوف مترادفان، ليس أحدهما أقل ولا أكثر بل متساويان في المعنى، فدلالة السين على الاستقبال كدلالة سوف على الاستقبال. والذي اشتهر على الألسنة-كما هو معلوم- أن دلالة السين على الاستقبال أقل من دلالة سوف على الاستقبال، وهذا على مذهب البصريين= أن السين لها وضع خاص مستقل، وسوف لها وضع خاص مستقل. إذًا السين لها معناها الخاص كوضعها الخاص، وسوف لها معناها الخاص كوضعها
الخاص. فإذا استقل وضع كل منهما تعين أن يكون لكل حرف منهما معنى مغاير للآخر، إذًا وَضْعُ كل منهما بوضع خاص يستلزم أن يكون لكل منهما معنى مغاير للآخر؛ فحملت السين على الأقل، وحملت سوف على الأكثر، ولم يعكس لسببين:
أولاً: أن سوف أكثر حروفا من السين، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. إذًا حَمْل سوف على معنى أكثر من السين أولى من العكس.
الثاني: كثرة اللغات في سوف؛ لأنه قيل: سَوْفَ وسَفْ وسيف وسَي وسَوْ، وهذه اللغات تدل على كثرة المعاني. ومثال سوف قوله تعالى:(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى:5] وقوله: (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا)[النساء:56][وَالفِعْلُ بِالسِّينِ وَسَوْفَ] إذًا هاتان العلامتان تدل على فعلية الكلمة، تحكم أوَّلا على الكلمة بأنها فعل بدخول السين أو سوف. ثم بعد ذلك ننظر في الفعل فإذا به فعل مضارع؛ لأن السين وسوف لا يدخلان إلا على الفعل المضارع. ولا تدخل على الفعل الماضي ولا على فعل الأمر؛ لا تدخل على الماضي؛ لأنها تدل على تأخير الزمن من الحال إلى الاستقبال، وهذا المعنى لا يمكن أن يكون في الفعل الماضي، لأن الماضي قد وقع وانتهى. فإذا قيل: قام زيد. هذا في الزمن الماضي فليس عندنا حال حتى يؤخر إلى المستقبل. إذًا لا يصح دخول السين وسوف على الفعل الماضي. ولا تدخل على فعل الأمر لأنه هو نفسه دالٌ على الاستقبال لا يدل على الحال، فحينئذٍ كيف تدخل السين لتنقل
الزمن من الحال إلى الاستقبال، وهو أصلاً لا يدل على الحال، لذلك اختصت بالفعل المضارع. [وَبِقَدْ] أي والفعل ميزه ورد بقد. وهنا دخلت الباء على قَدْ والباء حرف جر، ولا تدخل إلا على الأسماء. فنقول: قد هنا ليست بحرف، وإنما هي اسم بدليل دخول حرف الجر عليها، وإنما تكون حرفًا في التركيب نحو:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون:1) قد في هذا التركيب حرف، لأنه أفاد معنى التحقيق، فاستعمل مرادًا به اللفظ والمعنى. أما إذا قيل: قد حرف. أخبرت عنها بأنها حرف، فاستعمل مرادًا به اللفظ فقط دون المعنى. فحينئذٍ هي علم في هذا التركيب، لذلك يجوز إعرابها وتنوينها-كما سيأتي-[وَبِقَدْ] أي الحرفية، لأن قد تأتي اسمية، وتأتي حرفية. وقد التي تكون علامة الفعلية هي قدُ الحرفية، ولكنها لا تدخل على أيِّ فعل، وإنما تدخل على الماضي والمضارع، ولا تدخل على فعل الأمر. ولا يصح دخولها على كل فعل ماضٍ أو مضارع، وإنما تدخل بشروط أربعة:
الأول: أن يكون الفعل مثبتًا لا منفيًا. فنحو: قد ما قام لا يصح؛ لأنه منفي، وقد تفيد التحقيق، والتحقيق إنما يكون لشيء موجود، والمنفي معدوم؛ فكيف يحقق المعدوم؟!.
الثاني: أن يكون الفعل متصرفًا لا جامدًا، بمعنى أنه يأتي منه المضارع والأمر والمصدر واسم فاعل إلى آخره. فقد يكون التصرف تامًا، وقد يكون التصرف ناقصًا. فالجامد نحو: نِعْمَ وبِئْسَ، لا يصح دخول قد عليه -على الصحيح-،فلا يقال: قد نِعْمَ زيدٌ الرجل.
الثالث: أن يكون خبريًا لا إنشائيًا. وهذان قسمان للكلام لا ثالث لهما على الأصح كما قال السيوطي:
مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالكِذْبِ الخَبَرْ
…
وَغَيرُهُ الإنْشَا وَلَا ثَالِثَ قَرْ
الكلام إما أن يكون خبرًا -وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته-.وإما أن يكون إنشاءا - وهو ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته - فإذا كان الفعل خبريًا صح دخول قد عليه. وإذا كان الفعل إنشائيًا لا يصح دخول قد عليه. والعلة هي العلة في عدم صحة دخولها على فعل الأمر.
فقد تدخل على الجملة الخبرية، نحو: قد بعت السيارة، وهذه من ألفاظ العقود فإن كان قد وقع البيع في الزمن الماضي صح دخول قد على بعت. وإن كان المقصود بها إنشاء البيع الآن يقول: تبيع السيارة. فيجيب: قد بعتك. فهذا لا يصح، لأن بعت ليس بفعل ماض من حيث المعنى، يعني لا يدل على شيء وقع وانتهى، إنما المراد إنشاء البيع الآن فدلالته على الحال. فحينئذٍ لا يصح دخول قد عليه.
الرابع: أن لا يفصل بين قد والفعل فاصل، فلا يصح: قد هو قال. وقد استثنى ابن هشام: القسم نحو: قد والله قام زيدٌ، لوروده في الشعر.
قد تأتي لمعانٍ، فإذا دخلت على الفعل الماضي أفادت التحقيق أو التقريب، يعني تدل من جهة المعنى على التحقيق أو التقريب.
فالتحقيق نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون:1) وقولك: قد قام زيد.- وقد وقع القيام- يفيد التحقيق. والتقريب نحو قولك: قد قام زيد.-ولمَّا يقم- ومثله قول مقيم الصلاة: قد قامت الصلاة.
وإذا دخلت على الفعل المضارع أفادت التقليل أوالتكثير. فالتقليل كقولك: قد يصدق الكذوب. والتكثير كقولك: قد يجود الكريم. هذا ما يذكره النحاة أن قد إذا دخلت على الفعل الماضي أفادت التحقيق أو التقريب، وإذا دخلت على الفعل المضارع أفادت التكثير أو التقليل، هذا هو المشهور لكن الأصح أن يقال أن قد تدخل على الفعل المضارع وتفيد التحقيق، وبعضهم ينفي إفادتها للتحقيق عند دخولها على الفعل المضارع، وليس بصواب، بل تدخل على الفعل المضارع وتفيد التحقيق بدليل قوله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} (الأحزاب:18) فقد هنا أفادت التحقيق. [فَاعْلَمْ] الفاء عاطفة، وفعل الأمر وفاعله جملة معترضة لا محل لها من الإعراب. [وَتَا التَّأْنِيثِ] أي والفعل ميزه ورد بتاء التأنيث أي بقبوله تاء التأنيث، فإذا قبلت الكلمة تاء التأنيث دلت على أن مدخولها فعلٌ. وتاء التأنيث مركب إضافي، والمركب الإضافي لابد أن يكون للمضاف مع المضاف إليه معنى ودلالة وهي أنواع. وهنا الإضافة من إضافة الدال إلى المدلول، بمعنى أن هذه التاء تدل على التأنيث، تأنيث المسند إليه، وهي من علامات الفعل فاتصالها يكون بالفعل، وتدل على أن المسند إليه مؤنث، نحو: قامت
هندٌ. نقول: التاء تاء التأنيث اتصلت بالفعل الماضي ودلت على تأنيث المسند إليه وهو الفاعل. ومثله: ضُربت هندٌ ضُرِب فعل ماض مغير الصيغة، اتصلت به تاء التأنيث الساكنة، ودلت على تأنيث المسند إليه وهو نائب الفاعل. ومثله:{وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} (التحريم:12) كان فعل ماض ناقص، اتصلت به تاء التأنيث، ودلت على تأنيث المسند إليه وهو اسم كان. وحينئذٍ قول بعضهم: إن تاء التأنيث تدل على تأنيث الفاعل، فيه قصور. وإنما التعبير الأعم والأصح: أن تاء التأنيث تدل على تأنيث المسند إليه. والمسند إليه قد يكون فاعلاً أو نائب فاعل أو اسم كان. [وَتَا التَّأْنِيثِ] أي التأنيث المعنوي. وأما التأنيث اللفظي= فهذا تفيده تاء تأنيث ساكنة، تدخل على الحرف مثل ربتْ وثمتْ. فرُبَّ حرف جر شبيه بالزائد، يجوز في لغة العرب أن يتصل به تاء التأنيث الساكنة، فتقول: ربتْ. وثم حرف عطف، يجوز أن يتصل به تاء التأنيث الساكنة. فحينئذٍ كيف نقول: تاء التأنيث الساكنة علامة فعلية الكلمة، ثم نجد تاء التأنيث الساكنة قد اتصلت برب وثم وهما حرفان؟ تقول: تاء التأنيث المراد بالتأنيث التأنيث المعنوي. والتاء في ربت وثمت هي تاء تأنيث؛ لكنه تأنيث لفظي لا معنوي، فلا نقض ولا اعتراض. [وَتَا التَّأْنِيثِ] أي الساكنة أصالة، احترازًا من تاء التأنيث المتحركة؛ فإنها من خواص الأسماء إن كانت حركتها حركة إعراب كقائمة ومسلمة، نقول: هذه التاء تاء التأنيث، وهي متحركة وحركتها حركة الإعراب؛ نحو: جاءت فاطمةُ، ورأيت فاطمةَ،
ومررت بفاطمةَ. صارت هذه التاء محلا لظهور حركة الإعراب رفعًا ونصبًا وجرًا. هذه التاء تاء التأنيث المتحركة بحركة الإعراب من خواص الأسماء.
[وَتَا التَّأْنِيثِ] الساكنة أصالة، فلا يضر تحريكها لعارض كالتخلص من التقاء الساكنين نحو:{قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} (يوسف:51) قال: فعل ماض مبني على الفتح الظاهر. وتاء التأنيث الساكنة أصالة المتحركة عرضًا حرف دال على تأنيث المسند إليه، مبني على سكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، إذًا [وَتَا التَّأْنِيثِ] الساكنة أصالة قد تحرك بالكسر على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين. وقد تحرك بالفتح نحو:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت:11) وقد تحرك بالضم نحو قوله تعالى: ((وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ)) [يوسف:31] فيمن ضَمَّ التاء. [مَيْزُهُ] وتمييز الفعل عن قسيميه الحرف والاسم [وَرَدْ] بواحدة من هذه العلامات الأربع. ولكنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم مشترك بين الفعل الماضي والمضارع وهو قد. وقسم مختص بالفعل الماضي وهو تاء التأنيث الساكنة. وقسم مختص بالفعل المضارع وهو السين وسوف. ولم يذكر الناظم علامة فعل أمر قيل: تبع ابن آجروم، وهو كوفي، والكوفيون عندهم القسمة ثنائية لا ثلاثية ماض ومضارع، والأمر عندهم معرب مقتطعٌ من المضارع فلذلك لا يحتاج أن يميز عن قسيميه وإنما هو جزء من الفعل المضارع. والأصح أنه قسم مستقل برأسه، والأصل في الأفعال أنها مبنية، فالفعل الماضي مبني بالاتفاق. والفعل المضارع له حالتان: قد
يكون مبنيا إذا اتصلت به نون الإناث أو إحدى نوني التوكيد، وقد يكون معربًا إذا لم يتصل بآخره شيء، وفعل الأمر مبني على الراجح.
وأما علامة فعل الأمر فهي مركبة من شيئين: إحداهما: لفظية، والأخرى: معنوية. أما المعنوية فهي دلالته على الطلب بصيغته، كون اللفظ يُفهِم طلبًا، وهذا معنى الأمر اللغوي، لكن بشرط أن تكون دلالة الفعل على الطلب بالصيغة، يعني بذاته بدون واسطة تدخل عليه. وأما اللفظية فهي أن يكون قابلا لياء الفاعلة أو إحدى نوني التوكيد.
فحينئذٍ إذا دلت الكلمة على طلب بالصيغة لا بواسطة. والمراد بالصيغة أي بوزنه بحروفه وحركاته وسكناته، بأن لا يزاد عليه حرف أو لفظ يدل على الأمر. فنحو: ينفق فعل مضارع لا يدل على الطلب، وإنما يدل على وقوع حدث في الزمن الحال أو الاستقبال وهو الإنفاق. لكن قوله:. {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} (الطلاق:7) ومثله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج:29){لِيُنْفِقْ} دل على الطلب. {وَلْيَطَّوَّفُوا} دل على الطلب. لكن من أين فُهم الطلب منهما؟ هل دلا على الطلب بمفهومهما الخاص أي بذاتهما وبصيغتهما دون ضميمة أُخرى؟ الجواب: لا، وإنما فهم الطلب بواسطة اللام لام الأمر نقول: هذا الفعل دالٌ على الطلب ولكن بواسطة اللام، فهل هو فعل أمر؟ نقول: لا، ليس فعل أمر، وإن دل على الطلب؛ لأن فعل الأمر إنما يدل على الطلب ويحكم عليه بكونه دالاً
على الطلب إذا دل على الطلب بالصيغة بنفسه بدون واسطة، احترازًا مما دل على الطلب بواسطة كالفعل المضارع إذا دخل عليه لام الأمر. وقبوله ياء الفاعلة أو نوني التوكيد يعني إحدى نوني التوكيد أن يكون قابلاً لها بمعنى أنه يقبل أن تدخل عليه ياء الفاعلة مثاله:{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً} (مريم:26) هذه ثلاثة أفعال، فكلي دل على الطلب، وهو طلب إيجاد الأكل بالصيغة، ثم قَبِلَ ياء الفاعلة، فهو فعل أمر. واشربي أيضًا هو فعل أمر لوجود العلامتين دلالته على الطلب بدون واسطة مع قبوله ياء الفاعلة. وقري أيضًا يقال فيها ما قيل في كلي واشربي. إذا دل على الطلب بالصيغة فهو فعل أمر. إذا دل على الطلب لا بصيغته فهو إما أن يكون فعلاً مضارعًا كقوله:{لِيُنْفِقْ} وإما أن يكون مصدرًا كقوله: ضربًا زيدًا. فضربًا هذا ليس بفعل أمر وإن دل على الطلب؛ لأنه ناب مناب الأمر أي اضرب زيدًا. وخرج كذلك الحرف فقد يدل على الطلب ولا يكون قابلاً لياء الفاعلة ولا نوني التوكيد مثل كلا بمعنى انتهِ. وإذا قبل ياء الفاعلة ولم يدل على الطلب فهو فعل مضارع نحو: تقومين، هذه الياء ياء الفاعلة، فالفعل قبل ياء الفاعلة ولم يكن فعل أمر؛ لعدم دلالته على الطلب.
ثم شرع في بيان علامة الجزء الثالث من أجزاء الكلام وهو الحرف. وإن كان عَدُّ الحرف جزءًا من أجزاء الكلام من باب التسامح والتوسع. فقال:
وَالحَرْفُ يُعْرَفُ بِأَلَاّ يَقْبَلَا
…
لاِسْمٍ وَلَا فِعْلٍ دَلِيلاً كَبَلَى
[وَالحَرْفُ] أي الذي تقدم لنا ذكره عند قوله: اسم وفعل وحرف معنى. أي الحرف الذي جاء لمعنى، فـ (أل) للعهد الذكري، لأنه أعاد النكرة معرفة فهي عين الأولى. الحرف لغة: طرف الشيء كحرف الجبل، قيل: مشتق من التحرف. وأما اصطلاحا: فهو كلمة دلت على معنى في غيرها. فالحرف ليس له معنى في ذاته، أي لا يدل على معنى في نفسه دون ضميمة كلمة أخرى. وليس المراد أنه مجرد عن المعنى مطلقا، وإلا لصار مهملاً كديز لا معنى له، لأنه لم تضعه العرب. فمثلا الحرف (في) وضعته العرب، فكيف يقال: لا معنى له وقد وضعته العرب.! هل تضع العرب حرفًا وليس له معنى؟ الجواب: لا، بل وضعته وله معنى يدل عليه، وهو الظرفية، لكن متى يظهر؟ إذا ضم إليه كلمة أخرى. ولذلك حروف الجر سميت بذلك لأنها تجر معانِ الأفعال إلى الأسماء إذًا فيها معنى الجر والبسط والتعدية لأن حروف الجر فيها معنى التعدية، لذلك عندهم التعدية قسمان: تعدية عامة، وتعدية خاصة. فأما التعدية العامة فكل حرف من حروف الجر هو معدٍّ. وأما التعدية الخاصة فهي التي تتعلق بحرف الباء نحو: ذهبت بزيدٍ. والحرف كلمة: هذا جنس يشمل الاسم والفعل والحرف. دلت على معنى في غيرها يعني لا في ذاتها لا في نفسها، والمراد أنها دلت على معنى لكن ينكشف هذا المعنى إذا ضم الحرف إلى غيره، وأما استقلالا فلا. وإلا لا معنى أن يقال: الحرف (في)
للظرفية، والباء للتعدية
…
إلخ هذه كلها معاني للحروف، تظهر وتنكشف إذا ضمت هذه الكلمة إلى غيرها. وبعضهم يزيد قيدا في الحد، فيقول: كلمة دلت على معنى في غيرها فقط. قوله: (فقط) للاحتراز، لأن الفعل يدل على معنى في غيره. فإذا قيل: قام زيدٌ فالفعل- قام- دل على ثبوت القيام لزيد، إذًا (قام) دل على معنى في غيره فيصدق عليه الحد. لأن القيام بل كل الأفعال الماضي والمضارع والأمر هي في المعنى صفات، فحينئذٍ تستلزم موصوفًا، لأنها عرض لا تقوم بنفسها، فلا يمكن أن يوجد قيام هكذا لا في محل، لا في زيد ولا في عمرو، فإذا قيل: قام زيد فـ (زيد) موصوف بما دل عليه لفظ (قام). وهو ثبوت القيام، لكنه مقيد في الزمن الماضي. فقد دل الفعل على معنى في غيره، فحينئذٍ يصدق عليه أنه كلمة دلت على معنى في غيرها، وهذا هو حد الحرف. كذلك نحو:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (الطلاق:2)(من) اسم، دلت على معنى في نفسها، ودلت على معنى في غيرها، وهو التعليق {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} جعل المخرج مرتبا على حصول التقوى؛ فقد دلت على ترتب الجواب على الشرط؟ فحينئذٍ يصدق عليها أنها كلمة دلت على معنى في غيرها، وهذا هو حد الحرف. فإذا قلنا: في حد الحرف فقط أخرجنا الفعل وأسماء الشرط، لأن الحرف دل على معنى في غيره فقط دون دلالته على معنى في نفسه. أما الفعل ومن الشرطية ونحوها؛ فقد دلت على معنى في غيرها، وهو القدر المشترك مع الحرف؛ إلا أنها قد دلت على معنى في نفسها. فدلالة الفعل ومن
الشرطية ونحوها على معنى في نفسها صيرها أفعالا وأسماءا، ومع ذلك فقد دلت على معنى في غيرها أيضا. وهذا لا ينقلها عن أصلها من الفعلية والاسمية.
إذًا شارك الفعل وأسماء الشرط الحرف في كونه دل على معنى في غيره، لكن نقيد الحرف بأنه كلمة دلت على معنى في غيرها فقط. أما إذا دلت على معنى في نفسها ومع ذلك فقد زادت على هذا المعنى ودلت على معنى في غيرها فليست بحرف بل هي اسم أو فعلٌ. [وَالحَرْفُ] عرفنا حقيقته [يُعْرَفُ] ويميز عن قسيميه الفعل والاسم [بِأَلَاّ يَقْبَلَا لاِسْمٍ وَلَا فِعْلٍ دَلِيلاً] أي دليلاً لاسم ولا فعل. والدليل هنا العلامة، ودليل فعيل بمعنى فاعل، مأخوذ من الدلالة وهي الإرشاد، والمراد به علامة الاسم وعلامة الفعل، إذًا يميز الحرف عن قسيميه بأن لا يقبل علامة لاسم ولا علامة لفعلٍ. [بِأَلَاّ يَقْبَلَا] دليلاً لاسم ولا لفعل فحينئذٍ نقول: دليلا نكرة في سياق النفي فيعم. فنقول: علامة الحرف أن لا يقبل أيَّ علامةٍ لاسم، ولا يقبل أيَّ علامةٍ لفعل. فعلامة الحرف عدم قبول علامة الاسم ولا علامة الفعل. قال في الملحة:
وَالحَرْفُ مَا لَيْسَتْ لَهُ عَلامَهْ
…
فَقِسْ عَلَى قَوْلِي تَكُنْ عَلَاّمَهْ
والحرف ما ليست له علامة: ليست له علامة وجودية، وليس المراد نفي العلامة مطلقًا لا وجودية ولا عدمية نقول: ليس هذا المراد بل المراد ليست له علامة وجودية، وإنما علامته عدمية، وهي عدم قبول علامة الأسماء، وعدم قبول علامة الأفعال. قال الفاكهي في كشف النقاب: فإذا مرت بك كلمة ولا
تدري هل هي اسم أو فعل أو حرف فاعرض عليها علامة الأسماء، فإن لم تقبل فاعرض عليها علامة الأفعال، فإن لم تقبل فاحكم عليها بأنها حرف؛ لأن هذا شأن الحرف، وهو عدم قبول علامة الاسم ولا علامة الفعل. فحينئذٍ يرد الإشكال وهو: أن العدم جُعل علامة لوجود الحرف، فكيف يكون العدم دليلاً على الوجود، والحرف موجود؟ قالوا: العدم نوعان: عدم مطلق، وعدم مقيد. وهنا الذي جعل علامة على الحرفية-وهو موجود- العدم المقيد، فلم يُقل: الحرف هو ما لا يقبل شيئًا. لا بل ما لا يقبل علامة الاسم ولا علامة الفعل. فالعدم هنا مقيد، وإذا كان العدم مقيدًا صح جعله علامة على الموجود.
[كَبَلَى] أي مثل بلى، وبلى حرف جواب مبني على السكون لا محل له من الإعراب. يستعمل بعد النفي فيجعله إثباتًا كقوله:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} (التغابن:7) والفرق بين بلى ونَعَمْ: أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي، أما نعم فتأتي بعد النفي، وبعد الإثبات. فإذا قيل: أما نجح زيدٌ؟ فتصديقه نعم أي لم ينجح. وتكذيبه بلى أي نجح.
الحرف على ثلاثة أقسام: حرف مشترك بين الأسماء والأفعال، نحو: هل وبل، تقول: هل زيدٌ قائم. هل قام زيدٌ. وحرف مختص، وهذا نوعان: مختص بالأسماء، ومختص بالأفعال. فالمختص بالأسماء مثل:(أل) المعرفة، والتنوين، وحروف الجر. والمختص بالأفعال مثل: السين، وسوف، وتاء التأنيث الساكنة. هذه ثلاثة أقسام ثم كل
منها إما عاملٌ أو ليس بعامل، فهي ستة أنواع حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة. الأول: مشترك بين الأسماء والأفعال ولا يعمل، كهل وبل. والثاني: مشترك بين الأسماء والأفعال ويعمل كـ (ما) النافية، نحو: ما قام زيد،،ما زيدٌ قائمًا. قال في الملحة:
وَمَا الَّتِي تَنْفِي كَلَيْسَ النَّاصِبَهْ
…
فِي قَوْلِ سُكَّانِ الحِجَازِ قَاطِبَهْ
إذًا تعمل وهي مشتركة ومنه: {مَا هَذَا بَشَراً} (يوسف:31).الثالث: مختص بالأسماء ويعمل. مثل إنَّ زيدًا قائمٌ فـ (إن) خاصة بالدخول على الأسماء وعملت النصب. الرابع: مختص بالأسماء ولا يعمل. مثل (أل) المعرفة. قالوا: لا يعمل لتنزيله منزلة الجزء من الكلمة، وجزء الشيء لا يعمل فيه، فـ (الرجل) مؤلف من كلمتين، (أل) حرف معنى وهي كلمة، و (رجل) كلمة. إذًا كلمتان، ما الدليل على أن (أل) لا تعمل؟ قالوا: لكونها نزلت منزلة الجزء من الكلمة، فصارت (أل) مثل الراء أو الجيم أو اللام من رجل، والدليل على هذا قالوا: تخطي العامل إلى ما بعدها. إذا قلت مررت بالرجل. الباء: حرف جر. وهل دخلت على (أل) أو على الرجل؟ لو جعلت (أل) مستقلة ولم تنزل منزلة الجزء من الكلمة؛ لدخل الحرف على الحرف، وهذا ممتنع. ولكن لما دخل حرف الجر على (أل) مع مدخولها، تخطى العامل (أل) يعني تجاوزها فأثر في رجل. ولذلك نقول: الرجل: اسم مجرور بالباء. و (أل) هذه كأنها غير موجودة. فلتنزيل (أل) من (الرجل) منزلة الجزء منه قالوا: تخطاها العامل فلم يؤثر فيها لأنها تعتبر كحرف من حروف كلمة رجل؛ لذلك
لا تعمل. الخامس: مختص بالأفعال لا يعمل، مثل: السين، وسوف، أيضًا لتنزيلها منزلة الجزء من الكلمة، لأن ارتباط السين وسوف بالمعنى متعلق بالفعل المضارع. فحينئذٍ لو قيل: سوف يصلي زيد. سوف دلت على تأخير زمن الفعل من الحال إلى المستقبل البعيد. إذًا لها أثر في المعنى فنزلت منزلة الجزء من الفعل. السادس: مختص بالأفعال ويعمل مثل أدوات الجزم، والنواصب نحو:{لَمْ يَلِدْ} (الإخلاص:3).