المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ   لما ذكر التعريف والتنكير أراد أن يبين لك حقيقة - فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الكَلَامِ

- ‌بَابُ الإِعْرَابِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ النَّصْبِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الخَفْضِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الجَزْمِ

- ‌بَابُ قِسْمَةِ الأَفْعَالِ وَأَحْكَامِهَا

- ‌ باب نواصب المضارع

- ‌بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ

- ‌المَرْفُوعَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الفاعِلِ

- ‌باب النائب عن الفاعل

- ‌بَابُ المُبْتَدَا وَالخَبَرِ

- ‌بَابُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابَ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابُ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌التَّوَابِعُ

- ‌بَابُ النَّعْتِ

- ‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ

- ‌بَابُ العَطْفِ

- ‌بَابُ التَّوكِيدِ

- ‌بَابُ البَدَلِ

- ‌المَنْصُوبَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ بِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ المُطْلَقِ

- ‌بَابُ الظَّرْفِ

- ‌بَابُ الحَالِ

- ‌بَابُ التَّمْيِيزِ

- ‌بَابُ الاِسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ لَا

- ‌بَابُ المُنَادَى

- ‌بَابُ المَفْعُولِ لأَجْلِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ مَعَهُ

- ‌المَخْفُوضَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الإِضَافَةِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: ‌ ‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ   لما ذكر التعريف والتنكير أراد أن يبين لك حقيقة

‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ

لما ذكر التعريف والتنكير أراد أن يبين لك حقيقة التعريف وحقيقة التنكير، ومتى تحكم على الكلمة أنها معرفة أو نكرة، فقال: المعرفة والنكرة أي هذا باب بيان حقيقة المعرفة وحقيقة النكرة، والاسم ينقسم باعتبار التنكير والتعريف إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما على الأصح: إما أن يكون معرفة، وإما أن يكون نكرة، ولا واسطة بينهما، وبعض النحاة أثبت الواسطة فقال: من الأسماء ما ليس معرفة ولا نكرة، وهو كل اسم لا يقبل التنوين ولا أل فهو واسطة، لا يوصف بكونه معرفة ولا نكرة، مثاله: من الشرطية وما الاستفهامية والموصولية فهذه لا تقبل التنوين، ولا أل فليست معرفة ولا نكرة، وهذا مردود، بدليل أن الضمير وهو من المعارف بل ومن أعرف المعارف بعد لفظ الجلالة لا يقبل أل ولا التنوين، وهو بالإجماع معرفة، فالقول بالواسطة قول ضعيف، لذلك قلَّ من يذكره من النحاة، لشدة ضعفه.

المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ قوله: المعرفة اختلف فيها هل هي مصدر أو اسم مصدر؟ ونقول: الأصح فيها التفصيل، فإن كانت مأخوذة من عرَّف بالتضعيف فهي اسم مصدر، لأن عرَّف يأتي المصدر منه على التفعيل نحو: كلَّم تكليماً، وخرَّج تخريجاً، فمصدر عرَّف التعريف لا المعرفة، وإن كانت مأخوذة من عرَف بالتخفيف فهي مصدر،

ص: 424

وكذلك النكرة هل هي مصدر أو اسم مصدر؟ نقول: الأصح فيها التفصيل كالمعرفة، فإن كانت مأخوذة من نكَّر بالتضعيف فهي اسم مصدر، لأن نكَّر يأتي المصدر منه على التفعيل كما سبق، فمصدره التنكير لا النكرة، فحينئذٍ تكون نكرة باعتبار نكَّر اسم مصدر، وإن كانت مأخوذة من نكِر فهي مصدر، إذاً هذان اللفظان المعرفة والنكرة مصدران إن أخذا من عرَف ونكِر، واسما مصدر إن أخذا من عرَّف ونكَّر. المعرفة في اللغة: مطلق الإدراك، وفي الاصطلاح عند النحاة: هي ما وضع ليستعمل في معين، ما أي اسم ولا تقل كلمة، لأن الاسم أخص من الكلمة، ولأن بحث المعرفة والنكرة بحث داخل تحت الاسم، لأنك تحكم على الكلمة أولاً بأنها اسم وليست فعلا ولا حرفا، ثم تنظر في الأخص الذي يندرج تحت الاسم، فيكون الاسم أعم، وكونه معرفة، أو نكرة هذا أخص، فتثبت أولاً بالعلامات السابقة اسمية الكلمة، فتحكم بأنها اسم ثم تنظر نظراً آخر هل هي معرفة أو نكرة؟ لكن علامات الاسم السابقة التي ذكرناها في الخفض والتنوين وغيرها لا تصلح أن تميز المعرفة من النكرة، وإنما تُثبت تلك العلامات مطلق الاسم، ثم نحتاج إلى علامة أخرى تميز المعرفة عن النكرة، فتعرف بالحد وبالعلامات، فحد المعرفة: ما وضع ليستعمل في معين، فما اسم كما ذكرنا، وما جنس يصدق على المعرفة وعلى النكرة، أردنا أن نخرج النكرة فقال: وضع ليستعمل في معين ووضع من الوضع، والمراد بالوضع جعل اللفظ دليلا على المعنى، النكرة والمعرفة يشتركان في

ص: 425

أن كلا منهما موضوعان بالوضع العربي، وهو جعل اللفظ دليلاً على المعنى، وضعوا اللفظ دالاً على معنى خاص فمتى ما أطلق هذا اللفظ انصرف إلى ذلك المعنى الخاص، ليستعمل الاستعمال هو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، إذاً قد يكون اللفظ موضوعاً ولا يكون مستعملا هكذا قال بعضهم، فإذا وضع أولاً جعل بإزاء معنى خاص ثم بعد ذلك يطلقه اللافظ ويريد به المعنى الذي وضع له في لغة العرب مطلقاً سواء كان حقيقة أو مجازًا.

ما وضع ليستعمل شمل المعرفة والنكرة، لأن المعرفة موضوعة بالوضع العربي كما أن النكرة موضوعة بالوضع العربي، فالمعرفة مستعملة فيما وضعت له كما أن النكرة مستعملة فيما وضعت له، لكن قوله: في معين احترزنا بهذا عن النكرة، فإنها اسم شائع في أفراد جنسه لا تخص واحداً دون آخر كما سيأتي بيانه، حينئذٍ اختص هذا التعريف بالمعرفة. عرفنا معنى الوضع، ومعنى الاستعمال، وبقي الحمل وهو اعتقاد السامع مراد المتكلم بكلامه، فلذلك عندنا باعتبار المفردات والتراكيب ثلاثة أشياء: وضع واستعمال وحمل، وسبقت معانيها، والحمل صفة للسامع، والوضع صفة للواضع، والاستعمال صفة للمتكلم، فالوضع سابق والحمل لاحق والاستعمال متوسط هكذا قال الفتوحي، توضع الألفاظ ثم تستعمل ثم المخاطَب يحملها على ما أراده المتكلم من كلامه. ما وضع ليستعمل في معين شمل أنواع المعارف الستة أو السبعة، والنكرة المقصودة في باب المنادى نحو: يا رجلُ لمعين هي محل

ص: 426

الخلاف هل هي معرفة أو لا؟ والأصح أنها من المعارف لكن نعدها في المعرف بأل، وقيل: في اسم الإشارة، وأعرف المعارف لفظ الجلالة بالإجماع، قيل: رئي سيبويه في المنام، فقيل ما فعل الله بك؟ فقال: خيراً كثيراً أو كلمة نحوها. فقيل له: بماذا؟ فقال: بقولي بأن الله أعرف المعارف، هكذا قيل إذاً أعرف المعارف بعد لفظ الجلالة الضمير ثم العلم ثم اسم الإشارة ثم الموصول ثم ذو الأداة ثم المضاف إلى واحد من هذه المعارف، وهكذا نظمها ابن مالك في الكافية:

فَمُضْمَرٌ أَعْرَفُهَا ثُمَّ العَلَمْ فَذُو إِشَارَةٍ فَمَوصُولٌ مُتَمْ

فَذُو أَدَاةٍ فَمُنَادَى عُيِّنَا

فَذُو إِضَافَةٍ بِهَا

تَبَيَّنَا

النكرة المقصودة في باب المنادى معرفة على الأصح، وتخصيص المنادى إنما جعل بالإقبال والقصد -كما سيأتي في مبحث المنادى- أن النكرة تكون مقصودة وتكون غير مقصودة، يا غافلاً أقبل على الله، فغافلا نكرة، فإن عيَّن الشخص فهي مقصودة وإلا فهي غير مقصودة، وهي من المعارف ولكن لم يذكرها الناظم لأنه أراد المعرفة من حيث ما يصح أن ينعت به، فيا رجل هذا لا يقع في باب النعت فلا ينعت ولا ينعت به، لأن المعارف من حيث ما ينعت به وما لا ينعت ثلاثة أقسام:

الأول: ما لا يُنعت ولا يُنعت به، وهو النكرة المقصودة في باب المنادى، والضمير لا ينعت ولا ينعت به، يعني لا يقع موصوفاً ولا صفة.

ص: 427

الثاني: ما ينعت ولا ينعت به، وهو العلم يقع موصوفاً لا صفة، نحو: جاء زيد العاقل، فالعاقل نعت لزيد، لكن لا ينعت به، وهذا هو مأخذ النحاة في كون الرحمن هل هو علم أو ليس بعلم؟ ففي قوله: بسم الله الرحمن، الرحمن هنا وقع صفة للفظ الجلالة، والرحمن علم والعلم لا ينعت به، فاختلف النحاة في هذا، فقيل علم وقيل ليس بعلم، والصواب أنه علم، والقول بأن الأعلام لا ينعت بها لأنها جامدة يعني لا تتضمن صفة، إذا قيل: جاء العاقل زيد، زيد علم جامد لا يدل على صفة فلا يصح أن يقع نعتا هنا. لكن هذه القاعدة لا تطرد في أسماء الله تعالى وصفاته، لأن الرحمن دال على ذات وصفة، فهي أعلام وأوصاف، فمن حيث كونها أوصافاً صح النعت بها حينئذٍ لا تعارض فالرحمن علم، وهو نعت، كيف نقول: علم ونعت والعلم لا ينعت به؟ نقول القاعدة: أن العلم لا ينعت به لأنه جامد لا يتضمن صفة، كيف تصف به وهو جامد يدل على ذات مجردة وليس له معنى، حينئذٍ لا يصح أن تصف به لكن أعلام الرب جل وعلا دالة على الذات وهي أيضاً صفات، فمن حيث كونها صفة صح النعت بها فلا إشكال.

الثالث: ما ينعت وينعت به يعني يصح أن يقع موصوفا ويصح أن يقع صفة وهو سائر المعارف. قال رحمه الله:

وَاعْلَمْ هُدِيْتَ الرُّشْدَ أَنَّ المَعْرِفَهْ

خَمْسَةُ أَشْيَا عِنْدَ أَهْلِ المَعْرِفَهْ

ص: 428

[وَاعْلَمْ] هذا أمر من العلم، أي تعلم، وهي كلمة يؤتى بها للإشارة والتنبيه على أن ما بعدها أمر ينبغي العناية به، والواو للاستئناف البياني؛ لأنه لما ذكر في النعت التعريف والتنكير كأن سائلا سأل كيف تحكم على الكلمة بأنها نكرة أو معرفة؟ قال: واعلم إذاً وقع جواباً لسؤال معين فهو استئناف بياني، [هُدِيْتَ الرُّشْدَ] هديت مأخوذ من الهدى، وهو الدلالة والرشاد، تقول: هداه أي أرشده، ويقال: هداه الله الطريق، وهداه الله للطريق، وهداه الله إلى الطريق، فيتعدى بنفسه وباللام وبإلى، [هُدِيْتَ الرُّشْدَ] هُدِي فعل ماضٍ مغير الصيغة، والأصل هداه الله فحذف الفاعل وهو لفظ الجلالة للعلم به، لأن المراد بالهداية هنا هداية التوفيق وهذه خاصة بالله تعالى، وأقيم المفعول به وهو الضمير المتصل، ولما ارتفع جيء بالتاء لأنه يكون في محل رفع نائب فاعل، إذاً هديت هدي فعل ماض مغير الصيغة مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون دفع توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، والتاء ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع نائب فاعل، والرشد ضد الغي، وهو منصوب على نزع الخافض، وأصل هديت الرشد أي للرشد، أو هديت إلى الرشد، والجملة دعائية معترضة لا محل لها من الإعراب، أراد بها التقرب والتودد إلى الطالب، اعلم [أَنَّ المَعْرِفَهْ خَمْسَةُ أَشْيَا عِنْدَ أَهْلِ المَعْرِفَهْ] أنَّ للتوكيد، وسبق أن التوكيد يؤتى به عند الحاجة إليه بأن يكون السامع متردداً في الحكم، أو منكراً وهنا لا تردد ولا إنكار، [أَنَّ المَعْرِفَهْ] أي جنس

ص: 429

المعرفة، لأن المعرفة في اللفظ واحد، وأخبر عنها بخمسة أشياء، حينئذٍ لا بد من جعل أل معرفة مرادًا بها الجنس، وأل الجنسية يصدق مدخولها على الواحد والاثنين والخمسة والعشرة والمائة لا تختص بعدد معين، ولذلك يقولون: الإضافة الجنسية تبطل معنى الجمعية، وكذلك أل الجنسية، اعلم أن المعرفة [خَمْسَةُ أَشْيَا] يعني خمسة أمور، وسيأتي عدها [عِنْدَ أَهْلِ المَعْرِفَهْ] أي عند النحاة، وعند هنا لا يمكن حملها على الظرفية لا الزمانية ولا المكانية، فحينئذٍ لا بد من التأويل عند أهل المعرفة أي في حكم أهل المعرفة، والمراد بالمعرفة هنا بقواعد العربية يعني أهل العربية، لأن كل أصول علم إنما تؤخذ من أصحابها والنحاة هم أهل هذه المعرفة.

وَهْيَ الضَّمِيرُ ثُمَّ الاِسْمُ العَلَمُ

فَذُو الأَدَاةِ ثُمَّ الاِسْمُ المُبْهَمُ

[وَهْيَ الضَّمِيرُ] الواو للاستئناف البياني، لأنه قال: خمسة أشياء، فكأن سائلا سأل ما هي هذه الأشياء الخمسة؟ إذًا وقع في جواب سؤال مقدر، [وَهْيَ الضَّمِيرُ] هي مبتدأ، والضمير وما عطف عليه في محل رفع خبر، [الضَّمِيرُ] هذا اسمه عند البصريين، وعند الكوفيين الكناية والمكنية، لأنه يكنى به عن الاسم الظاهر، والضمير فعيل بمعنى اسم المفعول، أي المضمر، والأصل فيه أنه مأخوذ من الاستتار والخفاء، إذا أضمرت الشيء أي أخفيته وسترته عن غيره، فحينئذٍ الأصل في إطلاق الضمير على الضمير المستتر، أما البارز فالأصل فيه أنه ليس بمستتر لأن الضمير معناه الخفاء والاستتار، فالتاء وأنا وهو ضمائر، فليست مستترة ولا مخفية،

ص: 430

فحينئذٍ يكون إطلاق لفظ الضمير على البارز من باب التوسع، فيسمى ضميراً توسعاً لأنه ليس فيه خفاء، فإطلاقه على المستتر حقيقي، وعلى البارز من باب التوسع فيكون مجازاً.

وحقيقة الضمير: ما دل على متكلم كأنا، أو مخاطب كأنت، أو غائب كهو. والضمير له أقسام عدة تأتيكم في المطولات. [ثُمَّ الاِسْمُ العَلَمُ] ثم للترتيب مع التراخي، لأنه أراد أن ينزل من الأعلى فيذكر أعلى المعارف إلى أن يصل أدناها، فبدأ بالضمير ثم العلم فرتبة العلم بعد رتبة الضمير، [ثُمَّ الاِسْمُ العَلَمُ] ثم يأتي من المعارف بعد الضمير الاسم العلم. ولو قال العلم لكفى لأن العلم لا يكون إلا اسماً. والعلم لغة: يطلق على معانٍ منها الجبل ومنها الراية ومنها العلامة

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ

كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ

وأما في الاصطلاح: فهو ما دل على مسماه بلا قيد. فما اسم موصول يصدق على المعرفة والنكرة، لكن نقول: هنا المراد به المعرفة لأنه أراد أن يعرف الأخص، وهو العلم فحينئذٍ لا بد من أخذ المعرفة جنساً في حد العلَم، فكل علَم معرفة وليس كل معرفة علما، على القاعدة المطردة التي نذكرها دائماً هنا، دل على مسماه هذا يشمل كل المعارف، وخرج بقوله: بلا قيد كل المعارف عدا العلم، لأن المعارف الستة التي ذكرناها: إما أن تدل على مسماها بقيد أو بلا قيد، وما دل على مسماه بقيد إما أن يكون القيد لفظياً أو حسياً أو معنوياً، لفظياً كرجل نكرة، والرجل معرفة، والذي دلك على أن الرجل

ص: 431

معرفة القيد اللفظي وهو أل، لأنك تلفظت بأل فهذا قيد لفظي دل على أن مدخوله معرفة، أو حسياً نحو: هذا زيد، هذا معرفة دل على مسماه بقيد حسي لأنه يشير إليه بيده، فإذا قيل: هذا زيد بدون إشارة، لم يحصل التعريف، إذاً لا بد في اسم الإشارة أن تصحبه إشارة حسية، فحينئذٍ نقول: اسم الإشارة معرفة دل على مسماه ولكن بقيد، وهذا القيد قيد حسي، أو معنوياً نحو: أنا زيد، فأنا معرفة دل على مسماه بقيد معنوي، وهو التكلم، أنت زيد، أنت معرفة دل على مسماه بقيد معنوي وهو الخطاب، هو زيد، دل على مسماه ولكن بقيد معنوي وهو الغَيبة، إذاً عرفنا أن المعارف قسمان: ما دل على مسماه بقيد، وما دل على مسماه بلا قيد، فإن دل على مسماه بقيد فلا يخلو عن ثلاثة أحوال: إما أن يكون القيد لفظياً مثل: الرجل، وإما أن يكون حسياً مثل: اسم الإشارة، وإما أن يكون معنوياً مثل التكلم والخطاب والغَيبة، هذه الثلاثة تشمل كل المعارف إلا العلَم فيدخل في القسم الثاني وهو ما دل على مسماه بلا قيد، فحينئذٍ تقول: العلَم ما دل على مسماه بلا قيد لفظي ولا حسي ولا معنوي؛ لأن الأقسام محصورة في ستة فقط، فإذا دل على مسماه وانتفى القيد الحسي واللفظي والمعنوي حكمت عليه بأنه علَم. [فَذُو الأَدَاةِ] الفاء للترتيب، فهي تفيد أن ما بعد الفاء في الرتبة بعد ما قبلها، ذو الأداة يعني المحلى بأل رتبته بعد رتبة العلَم، ونقول: هذا ليس بصحيح، ليس ذو الأداة بعد العلَم، بل اسم الإشارة والموصول أعرف منه، حينئذٍ قد خالف الناظم الأصل

ص: 432

ولعله من أجل النظم، [فَذُو الأَدَاةِ] أي المحلى بأل، ولم يقل: المحلى بأل ليشمل أم الحميرية، وأيضاً قال ابن هشام: فذو الأداة معرف، لأن بعض النحاة لا يرى أن أل كلها معرفة، وإنما اللام فقط، فجمعاً بين هذه الأقوال عبر بقوله: فذو الأداة أي المعرف بأل، أو ما يقوم مقامها. [ثُمَّ الاِسْمُ المُبْهَمُ] ثم على بابها، والمبهم مأخوذ من الإبهام، وهو عدم الإيضاح، ويريد به الناظم هنا أسماء الإشارة والموصولات، وسميت أسماء الإشارة والموصولات مبهمات لأنها تحتاج إلى مفسِّر يفسر ويبين ويعين المراد بها، فاسم الإشارة لا بد له من إشارة حسية ولا يعرف المراد إلا بها، فلو قلت: هذا زيد، وعندك مائة لا تعرف من هو زيد حتى تشير إليه، حينئذٍ صار مبهمًا، حتى تقترن به الإشارة، ولو قلت: جاء الذي ..

صار مبهمًا، فإن قلت: جاء الذي قام أبوه، عرفته إذاً يحتاج إلى جملة الصلة تبين المراد من الموصول، فالذي والتي واللذان واللتان والذين ومن وما وأل كلها مبهمات، لا يفهم المراد منها إلا بجملة الصلة وتكون مشتملة على عائد، [ثُمَّ الاِسْمُ المُبْهَمُ] وتحته نوعان: أسماء الإشارة، وأسماء الموصولات، واسم الإشارة هو ما وضع لمسمى وإشارة إليه، مسمى يعني ما دل على مسماه، وإشارة إليه لا بد من إشارة إليه وإلا لحصل الإبهام، كأنه قال: ما دل على مسماه بقيد الإشارة إليه، والمشار إليه قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنى، وقد يكون جمعاً، وكل من الثلاثة قد يكون مذكراً، وقد يكون مؤنثاً، وهذه مبسوطة في المطولات، والمقصود هنا الذي نبحث عنه أن اسم الإشارة من

ص: 433

المعارف، فحينئذٍ ينعت به، وينعت. والاسم الموصول وموصول اسم مفعول من وصل الشيء بغيره إذا أتمه، فالموصول هو ما افتقر إلى صلة، وعائد، ما أي اسم، افتقر والافتقار أشد الاحتياج، وهو علة بناء الموصولات، ما افتقر إلى صلة يقصدون بها الجملة أو شبهها، تقول: جاء الذي قام أبوه، جملة قام أبوه هي الصلة وهي جملة فعلية، وجاء الذي أبوه قائم، جملة أبوه قائم هي الصلة وهي جملية اسمية، وجاء الذي عندك، وجاء الذي في الدار، فعندك وفي الدار شبه الجملة وهو الصلة، فجملة الصلة هي التي عينت المراد ورفعت الإبهام عن الذي ونحوه، إذاً كل اسم موصول لا بد له من جملة تبين وتكشف المراد وإلا صار مبهماً، وعائد يقصد به الضمير، فنحو: جاء الذي قام أبوه، كما ذكرناه في الجملة الخبرية، لا بد لها من رابط يربطها بالموصول مطابقٍ له إفرادًا وتثنية وجمعًا، وتذكيرًا وتأنيثًا. والاسم الموصول نوعان مشترك ومختص، وليس المراد هنا البحث في تلك التفصيلات.

وَمَا إِلَى أَحَدِ هَذِي الأَرْبَعَهْ

أُضِيفَ فَافْهَمِ المِثَالَ وَاتْبَعَهْ

نَحْوُ أَنَا وَهِنْدُ وَالغُلَامُ

وَذَاكَ

وَابْنُ عَمِّنَا الهُمَامُ

[وَمَا إِلَى أَحَدِ هَذِي الأَرْبَعَهْ] أي هو في الأصل نكرة، ثم أضيف إلى الضمير فاكتسب التعريف، تقول: جاء غلامك، غلام هذا مفرد نكرة أضيف إلى الضمير، فصار معرفة، لأنه أضيف إلى المعرفة، وكل نكرة أضيفت إلى معرفة اكتسبت التعريف، وتكون في رتبة ما أضيف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فهو في رتبة العلم،

ص: 434

وجاء غلام زيد، غلام نكرة أضيف إلى زيد وهو علم فاكتسب التعريف، فغلام زيد معرفة، لأن الاسم المفرد قبل التركيب ليس هو عينه بعد التركيب، وغلام زيد في رتبة العلَم، كذلك إذا أضيف إلى اسم الإشارة، نحو: جاء غلام هذا، فغلام هذا معرفة، لأنه أضيف إلى اسم الإشارة فاكتسب التعريف، وهو في رتبته، وتقول: جاء غلام الذي أبوه قائم، فغلام الذي أبوه قائم معرفة، لأنه أضيف إلى الموصول فاكتسب التعريف، وهو في رتبة الموصول، [وَمَا إِلَى أَحَدِ هَذِي الأَرْبَعَهْ] أي وما أضيف، وما اسم موصول بمعنى الذي معطوف على قوله الاسم المبهم؛ لأن مراده الترتيب، وأضيف جملة الصلة، [أُضِيفَ] هو أي الاسم النكرة إلى أحد هذه الأربعة المذكورة سابقاً، [فَافْهَمِ المِثَالَ وَاتْبَعَهْ] الفهم إدراك معنى الكلام، والمراد بالكلام هنا المثال، والمثال جزئيٌّ يذكر لإيضاح القاعدة، لإيضاح القاعدة أي لشرحها تقول: الفاعل مرفوع، مثاله: جاء زيد، فجاء زيد هذا مثال، والشاهد جزئيٌّ يذكر لإثبات القاعدة، لكن إذا أردت أن تثبت قاعدة الفاعل مرفوع لا بد أن يكون الشاهد مما يعتمد عليه في نقل اللغة العربية، ويحتج بأهله في إثبات الأحكام، فلذلك لا يشترط في المثال النقل بخلاف الشاهد، [وَاتْبَعَهْ] لأن الأصل في الحكم أن هذا موصول إنما هو الاتباع للعرب في أحكام المفردات، [نَحْوُ أَنَا] وهو ضمير للمتكلم، [وَهِنْدُ] للعلَم وهو مؤنث، وزيد مذكر، [وَالغُلَامُ] مثال لذي الأداة، [وَذَاكَ] اسم الإشارة، [وَابْنُ عَمِّنَا الهُمَامُ] وابن عمنا أضيف إلى واحد منها، وعمنا

ص: 435

هذا معرفة مضاف إلى معرفة، فابن نكرة، وعم نكرة، ونا معرفة، إذاً الأصل عمنا، وهو معرفة أصله نكرة ثم أضيف إلى الضمير نا فاكتسب التعريف، ثم أضيف إليه ابن، فاكتسب ابن التعريف لأنه أضيف إلى معرفة، وما أضيف إلى معرفة ليس المراد المضاف إليه، ولو أرادوا المضاف إليه لما صح المثال السابق، فعمنا ليس المراد نا الدالة على الفاعلين، وإلا لما احتيج إلى قسم مستقل لأن نا داخلة في قسم الضمير. وغلام زيد، ليس المراد زيد لأنه علم داخل في قسم العلَم، وغلام هذا، وغلام الذي .. ليس المراد المضاف إليه إنما الحكم لكونه معرفة، للمضاف وهو غلام نكرة، متى نحكم عليه بأنه معرفة؟ إذا دخلت عليه أل أو أضيف إلى معرفة فتقول: غلام زيد، وغلامي فهو معرفة لأنه أضيف إلى معرفة، وابن معرفة لأنه أضيف إلى معرفة، وابن عمنا معرفة لأنه أضيف إلى معرفة، و [الهُمَامُ] المراد به في الأصل الملك العظيم الهمة. هذا ما يتعلق بالمعرفة، وقدَّمها على النكرة وإن كانت النكرة هي الأصل لأن الأصل في الاسم أن يكون نكرة والمعرفة فرع عنها، وإنما كانت النكرة أصلا لسببين:

الأول: لاندراج كل معرفة تحتها ولا عكس، فرجل والرجل، رجل نكرة، والرجل معرفة وأيهما أخص؟ نقول: رجل أعم، والرجل أخص، وأيهما يدخل تحت الآخر؟ الرجل يدخل تحت الأعم وهو رجل، إذًا صارت النكرة أصلا لدخول كل معرفة تحتها، فالرجل هذا معين، وما وضع ليستعمل في معين هو المعرفة،

ص: 436

ورجل هذا شائع لا يختص بواحد دون آخر.

والثاني: أن المعرفة لا يحكم عليها بكونها معرفة إلا لسبب، فتحتاج إلى سبب، لا بد أن ننظر فيه هل هو ضمير أو لا، علم أو لا، اسم إشارة أو لا، إذاً لا بد له من سبب، بخلاف النكرة فلا تحتاج إلى سبب في الحكم عليها بكونها نكرة، فحينئذٍ لعدم احتياجها إلى سبب في الحكم عليها في كونها نكرة جعلت أصلاً، لأن ما احتاج فرعٌ لما لا يحتاج إلى سبب، إذًا صارت النكرة أصلا، والأصل هنا أن تقدم المعارف ثم يقال: وما عدا ذلك فهو نكرة، تعد المعارف أوَّلا، فيقال المعرفة ستة أو سبعة، وهي الضمير والعلم .. إلى آخره، وما عدا ذلك فهو نكرة، ومن عكس عيب عليه، كما عيب على ابن مالك رحمه الله حيث قال:

نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا

أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا

وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ .......

.......................

قالوا: لو قدم المعرفة وقال: وغيرها نكرة لكان أصوب وأدق؛ لأنها تنضبط بالعدد فنقول: هذا معرفة وما عدا ذلك فهو نكرة.

وَإِنْ تَرَى اسْمًا شَائِعًا فِي جِنْسِهِ

وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ

فَهْوَ المُنَكَّرُ وَمَهْمَا تُرِدِ

تَقْرِيبَ حَدِّهِ لِفَهْمِ المُبْتَدِي

فَكُلُّ مَا ِلأَلِفٍ وَاللَاّمِ

يَصْلُحُ كَالفَرَسِ

وَالغُلَامِ

ص: 437

حد النكرة: ما شاع في جنس موجود أو مقدر، ما شاع أي انتشر وذاع، وليس له حدود، مأخوذ من الشيوع وهو الانتشار، شاع في جنس يعني في أفراد جنس، والمراد بالجنس هنا المعنى الكلي، والمعنى الكلي له وجود ذهني، ولا وجود له في الخارج، إلا في ضمن أفراده، وإذا كان الجنس معنى في الذهن حينئذٍ قالوا: هذا شاع وله أفراد، وُجد هذا المعنى في الذهن، وأما في الخارج فلا وجود له استقلالا بل وجوده في ضمن أفراده وآحاده، لكن دلالة الحقيقة الذهنية على الفرد الخارجي بدلالة اللزوم، لأن اللفظ وضع للمعنى الذهني مع مراعاة فرد خارجيٍّ، فلا بد حينئذٍ أن يجعل الفرد الخارجي قيداً في المعنى الذهني، هذا هو حقيقة النكرة، أن يكون اللفظ له حقيقة ذهنية أي في الذهن، لكن مع مراعاة الفرد الخارجي، لأن الحقيقة الذهنية قد توجد في الذهن وهي حقيقة ذهنية، من غير اعتبار شيء في الخارج أبداً، بل لا يمكن أن يوجد لها فرد في الخارج، مثل بحر من زئبق، المعنى الكلي وجد في الذهن، وليس له أفراد في الخارج بل يمتنع أن يوجد له أفراد في الخارج، وهنا في النكرة المعنى الكلي له وجود ذهني، وفي الخارج في ضمن أفراده، فمثلا رجل المراد به البالغ من بني آدم، وبعضهم يقول: حيوان ناطق بالغ من بني آدم، وهذا معنى ذهني، وضع له لفظ رجل، ر ج ل هذا لفظ مركب من ثلاثة أحرف، له معنى، هذا المعنى موجود في الذهن، حيوان ناطق بالغ من بني آدم، وليس بزيد ولا عمرو ولا خالد. لكن لا يوجد في خارج الذهن مستقلاً عن الأفراد بل لا بد أن يوجد في ضمن فرد

ص: 438

من أفراده، فزيد رجل بالغ من بني آدم، إذًا وجد المعنى في ضمن أفراده، والمعنى الموجود في ضمن الفرد يكون معنى جزئيا وليس كل المعنى الكلي لأن المعنى قدر مشترك، والقدر المشترك بين زيد وعمرو وخالد وبدر ومحمد ولا ينحصر فيهم، بل كلما وجد فرد صالح للدخول تحت اللفظ شمله اللفظ، وهنا قال: النكرة ما شاع في جنسه، والمراد بالجنس هنا ليس المعنى الكلي، لأن الجنس الذي هو المعنى الكلي لا يتبعض، بل هو شيء واحد، إذا قيل: الإنسان معناه حيوان ناطق، لكنه في الذهن فقط فلا يتعدد، وإنما التعدد يكون في الخارج فقط.

فالمعنى الذهني لا يتعدد وإنما الذي يتعدد هو الأفراد، فقوله: ما شاع في جنس يعني في أفراد جنس يعني انتشر في الأفراد، كالرجولة فكونه ذكراً من بني آدم هذا موجود وشائع ومنتشر وذائع في الأفراد، وأما نفس المعنى الذي وجد في عمرو وفي زيد وفي خالد فهذا معنى الجنس، ووجوده في الذهن، لذلك لا بد من التقدير تقول: ما شاع في جنس أي في أفراد جنس، موجود أو مقدر، إذًا الأفراد قد تكون موجودة بالفعل، وقد تكون مقدرة لأن الأصل في المعنى الشائع أن يكون له أفراد إذ لا يكون شائعًا منتشرًا وهو لم يوجد منه إلا فرد واحد، إذًا لابد من جعله مقدرًا فنقول مثلا: رجل هذا له أفراد كثيرة كما سبق، وشمس له معنى ذهني وهو أنه كوكب نهاري ينسخ ظهوره وجود الليل، كلما وجد هذا الشيء في الخارج سمي شمسًا، لكن بالفعل لم توجد إلا شمس واحدة، ولو وجد كوكب نهاري ينسخ ظهوره وجود الليل لسُمِّي شمسًا كذلك، كما

ص: 439

يقال في رجل بالمعنى الذهني كلما وجد ذكر من بني آدم بالغ أطلق عليه أنه رجل، فأفراده لا تنتهي، لذلك قال: في جنس يعنى في أفرادٍ موجودة بالفعل متعددة، أوله فرد واحد، ولكن الثاني مقدر يعني فرد بالقوة لو وجد لكان ذاك الوصف مستحقًا له.

وأما جمع شمس على شموس فالجمع باعتبار المطالع، يعني إذا قيل: هذه شموس فهل يصح الجمع أولا؟ نقول: نعم يصح ولكن هل هو كرجال؟ فرجال جمع رجل، وأفراده متعددة ولها وجود، وأما شمس فليس إلا شمس واحدة، وإنما الجمع باعتبار المطالع، فشمس السبت غير شمس الأحد غير شمس الاثنين وهكذا، إذًا جمعت هذه المطالع فقيل شموس، لذلك يصح أن يقال: شمسُ يومنا أحرُّ من شمس أمس، إذًا فوضل بين شمس واحدة لكن باعتبارين، [وَإِنْ تَرَى اسْمًا] من حيث المعنى [شَائِعًا] بمعنى أنه منتشر وذائع [فِي جِنْسِهِ] يعني في أفراد جنسه الموجودة أو المقدرة، والجنس المنطقي الاصطلاحي هو ما لا يمنع تعقله من وقوع الشركة فيه أي في مدلوله، فالشيوع يكون في الأفراد لا في الحقائق، لأن الجنس معنىً كلي قائم بالذهن، فهو لا يتعدد، فالجنس من حيث هو لا يقبل التعدد، لأنه حقيقة واحدة، لا يتفاوت فيها الشيء في نفسه، وإن حصل تفاوت فهو باعتبار الأفراد، إذًا له معنى ذهني والمراد بالمعنى الذهني هو ما يتصوره العقل سواءٌ طابق ما في الخارج أم لا. [وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ] أي لم يختصَّ به واحد من أفراد جنسه دون الآخر، لا يمكن أن يأتي زيد فيقول: رجل هذا خاصٌّ بي ولا

ص: 440

يشاركني فيه أحد، فلا يختص به واحد من أفراد جنسه بل يشاركه غيره، لأن لفظ رجل وضع للقدر المشترك فهو صالح للكل. [فَهْوَ المُنَكَّرُ] الفاء واقعة في جواب الشرط، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، والحاصل أن النكرة هي المعنى الذهني المشترك بين الأفراد بدون قطع النظر عن وجود بعض أفراده الخارجية فيه التي هي محل التعدد. [وَمَهْمَا تُرِدِ تَقْرِيبَ حَدِّهِ لِفَهْمِ المُبْتَدِي] لو قدَّم هذا الضابط لكان أحسن، [وَمَهْمَا] اسم شرط جازم، [تُرِدِ] فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وجزمه سكون مقدر على آخر منع من ظهوره اشتغال المحل بكسرة الروي، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، [تَقْرِيبَ] مفعول به أي تسهيل، وتقريب تفعيل بمعنى اسم الفاعل أي مقرِّب أي ومهما ترد مقربَ [حَدِّهِ] يعني ما يقرب لك حد النكرة، وتقريب مضاف وحده مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، وتقريب حده يعني حد النكرة، والحد المراد به هنا الرسم، وكثيرًا ما يطلق الحد مرادًا به الرسم لأن الرسم والحد كلاهما معرِّف، [لِفَهْمِ المُبْتَدِي] لفهم جار ومجرور متعلق بقوله تقريب، فالتقريب حاصل لفهم المبتدي في هذا الفن الذي هو النحو، والمبتدي هو من أخذ في أوائل العلم، فحينئذ أراد أن يقرب ذلك الحد السابق إلى فهم المبتدى من أجل أن يدركه على وجهه يعني فإذا أردت تقريب النكرة والتفريق بينها وبين المعرفة، [فَكُلُّ مَا ِلأَلِفٍ وَاللَاّمِ

يَصْلُحُ كَالفَرَسِ وَالغُلَامِ] فما كان قابلاً أل نكرة، كما قال ابن مالك نكرة قابل أل

فكل ما

ص: 441

صلح لغة لا عقلاً وقبل أل بالفعل أو بالقوة فهو نكرة، [فَـ] هو [كُلُّ] خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو، والفاء واقعة في جواب الشرط مهما، والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، [فَكُلُّ مَا] كل هذا خبر وهو مضاف وما اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه يصدق على الاسم [ِلأَلفٍ وَاللَاّمِ يَصْلُحُ] أي كل ما يصلح لأل، فجملة يصلح لا محل لها صلة الموصول، لألف جار ومجرور ولام معطوف عليه والجار والمجرور متعلق بقوله يصلح، والمراد بالصلاحية هنا القبول، إذًا كل ما يصلح ويقبل الألف واللام لغة لا عقلاً فيصح اللفظ فهو نكرة، [كَالفَرَسِ وَالغُلَامِ] الأجود أن يقول:"كفرس وغلام" لأنه يقبل أل، وإنما أتى به معرفًا لضيق النظم، كالفرس هذا مثال لما لا يعقل، والغلام هذا مثال لما يعقل، إذًا كل اسم صلح أن يقبل أل بالفعل أو بالقوة فنحكم عليه أنه نكرة، فتقول: غلام، هذا نكرة، لا يشترط أن تقول الغلام تُدخل أل بالفعل حتى نحكم عليه أنه نكرة، بل مجرد القبول يكفي في الحكم عليه أنه نكرة. وهذه قاعدة في كل العلامات، فالمراد بها مجرد القبول، والمراد بالقبول لغةً لا عقلاً، لأن العقل يُجوِّز ما لا تأتي به اللغة، إذًا علامات النكرة التي تميز بها عن المعرفة كثيرة لكن أشهرها ما ذكره الناظم هو دخول أل، ومنها دخول رُبَّ قال في الملحة:

فَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيهِ تَدْخُلُ

فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ

ص: 442

فرُبَّ من علامات النكرة، ولا نقول من علامات الاسم فحسب، ومنها نصب الاسم على أنه تمييز أو حال دليل على أنه نكرة على مذهب البصريين، لأنه لا يكون التمييز إلا نكرة ولا تكون الحال إلا نكرة، ومنها دخول مِن الاستغراقية دليل على أن مدخولها نكرة"كقوله تعالى:(مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)(المائدة: من الآية19). لأن من الاستغراقية خاصة بالنكرات، ومنها دخول لا النافية للجنس لأنها تختص بالنكرات لذلك قال ابن مالك:

عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلَا فِي نَكِرَهْ

مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ

ومنها تنوين التنكير وسبق أنه اللاحق للأسماء المبنية فرقًا بين معرفتها ونكرتها فما دخل عليه تنوين التنكير حكمنا عليه بأنه نكرة كصهٍ، فهذه العلامات إذا وجدت دلت على أن الاسم نكرة.

ص: 443