الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ العَطْفِ
أي باب حروف العطف، أي هذا باب بيان حقيقة العطف، والعطف في اللغة: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، وأما في الاصطلاح عند النحاة فالعطف نوعان: عطف بيان وعطف نسق. فعطف البيان من اسمه عطف أريد به البيان، وهو - أي البيان - الإيضاح والكشف والتفسير، فحينئذٍ يكون قد عطف بمعنى أنه رجع إلى المتبوع فكشفه وبينه وزاده إيضاحاً إن كان موضحاً، أو تخصيصاً إن كان مخصصاً، فقيل عطف البيان لأنه مبين لما قبله، وفيه معنى الرجوع فإذا قيل: أقسم أبو حفص عمر، عمر هذا عطف بيان، لما قيل: أقسم أبو حفص، لا يفهم منه أنه عمر رضي الله عنه، بل يحتمل أنه عمر وغيره، حينئذٍ لما قال: عمر رجع إلى أبي حفص فكشفه ووضحه وفسره وبين المراد به.
حقيقة عطف البيان هو: تابع موضِّح أو مخصص جامد غير مؤول. قوله: تابع جنس يشمل التوابع الخمسة، فكل التوابع داخلة في قوله: تابع، موضح أو مخصص أي موضح لمتبوعه إن كان معرفة، ومخصص لمتبوعه إن كان نكرة، بهذا الفصل كونه موضحاً ومخصصاً أخرج به التوكيد، نحو: جاء زيد نفسه، وجاء زيد عينه، فنفسه وعينه لم يؤت بها للتوضيح والتخصيص، لأنه -كما سيأتي- فائدة التوكيد مغايرة لفائدة النعت وعطف البيان، وأخرج أيضاً
عطف النسق لأن عطف النسق ليس موضحاً ولا مخصصاً، وإنما تكون وظيفته بحسب معنى ووظيفة حرف العطف، وأخرج البدل نحو: أكلت الرغيف ثلثه، هذا ليس بتوضيح ولا بتخصيص كما سيأتي في موضعه، إذاً قوله: تابع جنس شمل التوابع الخمسة، موضح أو مخصص. أخرج التوكيد وعطف النسق والبدل، قوله: جامد، أخرج به النعت لأن النعت فائدته التخصيص والتوضيح، إذاً تابع موضح أو مخصص شارك النعتُ عطفَ البيان في هذه الفائدة، وبجامد أخرج النعت لأن النعت تابع مشتق لا بد أن يكون مشتقاً، فإذا لم يكن مشتقاً حينئذٍ ينظر إلى النوع الثاني وهو كونه جامداً، فإن كان جامداً فإما أن يؤول بمشتق، أو لا، فإن أمكن تأويله بمشتق فهو داخل في النعت لأن النعت قسمان: مشتق، وجامد مؤول بالمشتق، قوله: جامد، أخرج النعت المشتق، وقوله: غير مؤول، أخرج النعت الجامد المؤول بالمشتق، فتعين حينئذٍ أن يقال: عطف البيان تابع فائدته التوضيح والتخصيص ثم هو جامد غير مؤول، لأن الجامد نوعان: جامد يؤول بالمشتق، وجامد لا يؤول بالمشتق. والثاني هو عطف البيان. وحكمه أنه يوافق متبوعه في أربعة من العشرة التي ذكرناها في النعت الحقيقي، فهو كالنعت الحقيقي، يوافق متبوعه في واحد من أوجه الإعراب، وواحد في الإفراد وفرعيه، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من التعريف والتنكير. عطف البيان لما كان مفيداً فائدة النعت في الإيضاح والتخصيص، يلزمه موافقة المتبوع في التذكير والإفراد وفروعهن
والإعراب. نحو: أقسم أبو حفص عمر، أقسم فعل ماض، وأبو حفص فاعل مرفوع ورفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة، وأبو مضاف، وحفص مضاف إليه، وعمر عطف بيان، لأنه تابع موضح جاء بعد معرفة، وهو جامد غير مؤول؛ لأن عمر هذا علم، والأعلام جامدة ولا تؤول بالمشتق. ومثله: هذا خاتمٌ حديدٌ، هذا مبتدأ، وخاتم خبر، وحديد عطف بيان، وفيه أوجه لكن المثال هنا لعطف البيان، حديد نقول: عطف بيان؛ لأنه تابع مخصص جاء بعد النكرة، وهو جامد غير مؤول.
ويرد الإشكال في نحو: قال أبو بكر الصديق، وقال عمر الفاروق، والصديق والفاروق كلٌ منهما عطف بيان، وعطف البيان لا يكون مشتقاً، والصدّيق فعّيل، والفاروق فاعول وهما مشتقان، إذاً فكيف نقول: هما عطف بيان وهما مشتقان؟ نقول: هذه صارت أعلاماً سلبت المعنى الذي دلت عليه سابقاً، فهي مسلوبة المعنى، ففاروق لا يدل على شيء وإن كان هو في الأصل سمي فاروقا للفرق بين الحق والباطل، والصدّيق سمي بذلك لكثرة الصدق لكونه صدق النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء وغيره، فحينئذٍ نقول: هذا اللفظ إذا أطلق انصرف إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، صار كالعَلَم كما تقول عمر وعثمان إذا أطلق انصرف إلى مسماه كذلك الصدّيق إذا أطلق انصرف إلى مسماه وهو أبو بكر رضي الله عنه حينئذٍ صار علَماً، كذلك الفاروق إذا أطلق انصرف إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينئذٍ صار علَماً وهو مشتق في الأصل. لما صار علماً بمعنى أنه إذا أطلق انصرف إلى مسماه مطلقاً بلا قيد عومل معاملة
الأعلام، فحينئذٍ سلب المعنى الذي كان له في الأصل دالاً عليه قبل العلمية، إذاً لا اعتراض على هذا الحد.
ومنه قوله تعالى: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة:184] طعام عطف بيان أريد به التخصيص، ومنع كثير من النحاة كون عطف البيان نكرة تابعاً للنكرة، والصواب أنه يصح أن يكون نكرة تابعاً للنكرة.
ومنه قوله تعالى: (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)[إبراهيم:16] صديد عطف بيان، وهو نكرة، وماء هو المتبوع وهو نكرة، إذاً عطف البيان يأخذ حكم متبوعه، إن كان مرفوعاً فهو مرفوع، وإن كان منصوباً فهو منصوب، وإن كان مجروراً فهو مجرور. والقاعدة عندهم: أن كل اسم صح الحكم عليه بأنه عطف بيان صح أن يحكم عليه بأنه بدل كل من كل، مفيدٌ لتقرير معنى الكلام وتوكيده، لكونه على نية تكرار العامل. هذا هو عطف البيان، لكن الناظم قال: بَابُ العَطْفِ وأراد به النوع الثاني، وهو عطف النسق بدليل أنه لم يذكر عطف البيان. باب العطف، أل للعهد الذهني، والذي يوقف الطالب على هذا المعهود وهو أمر ذهني هو الموقف. وإن شئت قل: للعهد الحضوري لأنه ذكر تحت الترجمة عطف النسق فقط، والنسق بفتح السين اسم مصدر بمعنى اسم المفعول أي منسوق، يقال: نسقتُ الكلام إذا عطفت بعضه على بعض، والمصدر بالتسكين نسْق، عطف النسق من باب إطلاق المصدر
وإرادة اسم المفعول أي العطف المنسوق من إضافة الموصوف إلى الصفة، أو المسمى إلى الاسم، والنسْق أو النسَق هو النظم. واصطلاحاً: هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتي ذكرها، العشرة أو التسعة. قوله: التابع هذا جنس يشمل التوابع الخمسة كلها، والمتوسط فصل أخرج به كل التوابع، والمتوسط بينه وبين متبوعه أي الذي وقع وسطاً بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف الآتي ذكرها، حينئذٍ أخرج النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والبدل هذه كلها متصلة بمتبوعها، إذ ليس ثَمَّ فاصل بحرف بين التابع والمتبوع، حينئذٍ اختص الحد بعطف النسق. قال الناظم:
هَذَا وَإِنَّ العَطْفَ أَيْضًا تَابِعُ
…
حُرُوفُهُ عَشَرَةٌ يَا سَامِعُ
[هَذَا] أي خذ هذا المذكور من أحكام النعت السابقة الذكر أو حكم النعت هذا. حينئذٍ يصح إعرابه مفعولاً به، خذ هذا المذكور، أو خبرًا لمبتدأ محذوف حكم النعت السابق الذكر هذا، أو العكس هذا الذي سبق ذكره حكم النعت، وهذا يسمى عندهم براعة المخلص، لأن الغرض من الجملة التخلص، أي الانتقال من حال إلى حال، ومن كلام إلى كلام، إن كان بينهما مناسبة. فيسمى براعة المخلص، وإن لم يكن بينهما مناسبة فيسمى الاقتضاب، وهنا فيه مناسبة لأنه انتقل من بيان فرد من أفراد التابع إلى بيان تابع آخر. فانتقل من فرد إلى فرد آخر؛ لأن النعت وعطف النسق فردان للتابع، والتابع جنس، حينئذٍ لما انتقل من فرد من أفراد الجنس وهو
النعت إلى بيان عطف النسق نقول: بينهما مناسبة. وقوله: [هَذَا] جملة وليس بمفرد؛ لأنك إما أن تقدره مفعولاً به لفعل محذوف أي خذ هذا، أو خبراً لمبتدأ محذوف أي حكم النعت هذا، أو مبتدأً لخبر محذوف. إذاً صار جملة الغرض منها التخلص. [وَإِنَّ العَطْفَ أَيْضًا تَابِعُ] الواو حرف استئناف، إذاً بدأ كلاماً جديداً. [وَإِنَّ العَطْفَ] إن: يقال فيها ما قيل في إن الكلام وإن السكون، فالكلام هنا لا يناسبه التوكيد، [أَيْضًا] مفعول مطلق، وهو مصدر لآض يئيض أيضاً بمعنى رجعنا رجوعاً لبيان التوابع، وهو حكم عطف النسق، فأيضاً دائماً تكون منصوبة، ونصبها يكون على أنها مفعول مطلق، والعامل فيه محذوف واجب الحذف تقديره آض، [وَإِنَّ العَطْفَ أَيْضًا تَابِعُ] العطف اسم إن، وتابع خبرها، يعني من التوابع، إذاً حَكَمَ عليه بأنه من التوابع، ولكن ليس فيه فائدة جديدة، وإنما ذكره توطئة لما بعده. [حُرُوفُهُ عَشَرَةٌ يَا سَامِعُ] حروفه أي حروف التابع أو حروف العطف عشرة، لما قال: حروفه علمنا أن المراد بقوله: إن العطف عطف النسق؛ لأن الذي له حروف هو عطف النسق، فالضمير في حروفه يعود على العطف، أي حروف العطف، فصار قيداً لقوله العطف؛ فالمراد به عطف النسق. [حُرُوفُهُ عَشَرَةٌ] حروفه مبتدأ، وعشرة خبره، وعشرة بعدِّ إما بكسر الهمزة، لأنها من حروف العطف عند الناظم، والأصحُّ إسقاطها، فحينئذٍ تكون تسعة، [حُرُوفُهُ عَشَرَةٌ] أو تسعة بإسقاط إما؛ لأن إما الأصح أنها ليست حرف عطف، والعاطف هو الواو التي قبلها، فنقول: الواو هي
حرف العطف بدليل أنه لا توجد إما التي يقال فيها: إنها حرف عطف إلا وسبقتها الواو فهي ملازمة لها، وحرف العطف لا يدخل على حرف عطف مثله، فلما دخلت الواو على إما ولازمتها في كل تركيب علمنا أنها ليست حرف عطف. نحو قوله تعالى:(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)[محمد:4] قالوا: إما هذه حرف عطف. ونقول: لا، بل الصواب أن الواو هي حرف العطف، وإما هذه للتفصيل. [يَا سَامِعُ] يا حرف نداء، وسامع منادى والمراد به تكميل البيت. وحروف العطف عنده عشرة، وهذه تنقسم إلى قسمين: الأول: ما يُشرِّكُ في اللفظ والمعنى وهو ستة على ما ذكره المصنف. والثاني: ما يُشرِّكُ في اللفظ فقط، وهي ثلاثة (بل، ولا، ولكن).
وما يشرك في اللفظ المراد به: ما يشرك في الإعراب، والمعنى أي في الحكم، فيكون حكم التابع حكم متبوعه فإن كان المعطوف عليه مرفوعاً كان المعطوف مرفوعاً، وإن كان منصوباً كان منصوباً، وإن كان مجروراً فهو مجرور، وإن كان مجزوماً فهو مجزوم؛ لأن العطف كما سيأتي يدخل في الأفعال أيضًا. إذاً ما يشرك في اللفظ أي الإعراب والمعنى وهو ستة، وما يشرك في اللفظ فقط دون المعنى وهي ثلاثة.
الوَاوُ وَالفَا ثُمَّ أَوْ إِمَّا وَبَلْ
…
لَكِنْ وَحَتَّى لَا وَأَمْ فَاجْهَدْ تَنَلْ
[الوَاوُ] بدل مفصل من مجمل من قوله عشرة، فالواو بدل من عشرة، وبدل المرفوع مرفوع، ويصح أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره أولها الواو، أو يكون مبتدأ خبره محذوف أي منها
الواو. [الوَاوُ] أي مسمى الواو، لأن مسمى الواو هو الذي يكون حرف عطف وليس لفظ الواو، فالواو اسم ليس بحرف بدليل دخول أل عليه، والتنوين تقول: هذه واوٌ بالتنوين، وإنما مسماه هو الحرف، [الوَاوُ] وهي لمطلق الجمع من غير ترتيب ولا تعقيب ولا معية، فلا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً ولا معية، وهذا مرادهم بمطلق الجمع، نقول: جاء زيد وعمرو، جاء فعل ماض، وزيد فاعل مرفوع، والواو حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وعمرو معطوف على زيد وللمعطوف حكم المعطوف عليه، تبعه في الرفع، لأن العطف هنا عطف نسق حينئذٍ يكون تابعاً، والواو من القِسم الأول الذي يشرك في اللفظ أي في الحكم والمعنى، إذًا ثَمَّ اشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وهو الرفع، والمعنى وهو إثبات المجيء، فثبت المجيء لزيد كما أنه ثبت المجيء لعمرو، فحينئذٍ جاء زيد وعمرو، وعمرو هذا معطوف على زيد شاركه في الإعراب وهو الرفع، وشاركه في المعنى وهو إثبات المجيء، جاء زيد وعمرو معناه أنهما اشتركا في المجيء، والذي دلنا على اشتراكهما في المجيء هو الواو، إذاً الواو للتشريك دلت على مشاركة عمرو لزيد في إحداث الفعل، ثم يحتمل الكلام بعد ذلك ثلاث احتمالات: جاء زيد وعمرو يحتمل أنهما جاءا معاً، ويحتمل أن زيدًا جاء قبل عمرو، ويحتمل العكس أن عمراً جاء قبل زيد، هذه ثلاث احتمالات على السواء، وإذا وجد مرجح من خارج اللفظ اتُّبع وإلا بقي على الأصل، فإذا سمعت: جاء زيد وعمرو يحتمل أن
زيداً وعمراً جاءا معاً في وقت واحد، ويحتمل أن زيداً قبل عمرو، أو عمراً قبل زيد، ولا ترجيح لأحد الاحتمالات على الآخر، لأن الواو تفيد مطلق الجمع وهو كون زيد مع عمرو فقط اجتمعا في إيجاد الفعل، لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً ولا تنصيصاً على المعية، وإنما تفيد اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه في اللفظ والمعنى. قال تعالى:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)[البقرة:127] الواو هنا تدل على المعية، لكنها بدليل خارجي. وقال تعالى:((إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ 000)) [الزلزلة] هذه الواو تدل على الترتيب ولكن بدليل خارجي. وقال تعالى: ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) [الجاثية:24] هؤلاء منكرو البعث وهم الدهرية، حينئذٍ نموت ونحيا، أي نحيا ونموت، لأنهم منكرون للبعث حينئذٍ هذه الواو لا تدل على الترتيب بل تدل على أن ما بعدها سابق على ما قبلها يعني عكس الترتيب، ولو كانت للترتيب لكانت اعترافاً بالحياة بعد الموت.
والحاصل أن الواو لمطلق الجمع فلا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً ولا معية وإن دلت على الترتيب أو التعقيب فمن دليل خارجي، وأما لذات الواو فلا، ولذلك قال بعضهم: تعطف اللاحق على السابق، وتعطف السابق على اللاحق، وتعطف المصاحب على مصاحبه، وكل منها قد يقع. قال تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ)
[الحديد:26] عطفت اللاحق على السابق. وقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)(الزمر: من الآية65) عطفت السابق على اللاحق، وتعطف المصاحب على مصاحبه، وقال:(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ)[العنكبوت:15] يعني معه، عطفت المصاحب على مصاحبه فصارت حينئذٍ للمعية.
[وَالفَا] أي والفاء أي مسمى الفاء، وهي للترتيب والتعقيب، تقول: جاء زيد فعمرو، فتفيد الترتيب، ومعنى الترتيب أن مجيء عمرو وقع وحصل بعد مجيء زيد، إذاً ليست كالواو، وتدل على التعقيب بمعنى أن مجيء عمرو وقع مباشرة بعد مجيء زيد بلا مهلة ولا تراخي، أي بلا مدة زمنية بل مباشرة، جاء زيد فعمرو، تلاه عمرو دون فاصل زمني، إذاً نقول: الفاء للترتيب والتعقيب، والمراد بالتعقيب: وقوع المعطوف على المعطوف عليه بلا مهلة، والمراد بالمهلة المدة الزمنية، بأن يكون ثَمَّ فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه في الزمن، فإذا قيل: للتعقيب دل على وقوع المعطوف على المعطوف عليه بلا مهلة بلا فاصل زمني، جاء زيد فعمرو، فمعناه أن مجيء عمرو وقع بعد مجيء زيد من غير مهلة، وتفيد التشريك في الحكم، وهذا حكم عام في جميع الحروف، قد لا نحتاج إلى التنصيص عليه في كل حرف.
فكل حرف من حروف العطف يفيد التشريك في اللفظ يعني في الحكم، فما بعدها يتبع ما قبلها في الإعراب، إن كان مرفوعاً فمرفوع
…
إلخ، وتعقيب كل شيء بحسبه، جاء زيد فعمرو، المجيء هنا يقع بعد المجيء ولا إشكال فيه، لكن لو قال مثلاً: دخلت البصرة فبغداد فمصر فالجزائر فالمغرب، تقول: الفاءات هذه للتعقيب، لكن إذا قال: دخلت البصرة فبغداد ثَمَّ فترة ومهلة زمنية بين دخول البصرة وبغداد ولا بد من هذا، وإلا كيف ينتقل مباشرة؟ دخل البصرة فبغداد بلا مهلة زمنية، نقول: هذا لا يمكن، إذاً لا بد من مهلة زمنية فكل تعقيب بحسبه فإن كان يقتضي زمناً فحينئذٍ يصير هذا الزمن مستثنى، ويكون التعقيب على أصله فإن زاد على ذلك انتفى التعقيب، يعني لو كانت الفترة الزمنية في الانتقال من البصرة إلى بغداد ثلاثة أيام فإذا دخل البصرة فبغداد في زمن ثلاثة أيام حصل التعقيب لكن لو جلس عشرة أيام نقول: لا يصح التركيب، وإنما يقول: دخلت البصرة ثم بغداد، لوجود المهلة، فإن كان زمن لا بد منه في الانتقال من المعطوف عليه إلى المعطوف ولا يصح ولا يحصل إلا بهذا الزمن نقول: هذا يستثنى، والمثال المشهور تزوج زيد فولد له، الفاء هذه للتعقيب، تزوج عقد النكاح فولد له، لا بد من مهلة، إذاً تعقيب كل شيء بحسبه.
[ثُمَّ] أي وثم على حذف حرف العطف، وثُم بضم الثاء وهي تفيد الترتيب والتراخي، تقول: جاء زيد ثم عمرو، مجيء عمرو وقع بعد مجيء زيد، ولكن بمهلة وزمن، إذاً بين مجيء زيد ومجيء عمرو مهلة زمنية.
[أَوْ] أي وأو من حروف العطف، وهي تكون لأحد الشيئين أو الأشياء، إما أن يخير بين شيئين أو أشياء، تقول: جاء زيد أو عمرو أو خالد، إذاً وقع التخيير بين أشياء، وهذه الأشياء لا نهاية لها، ولها أربعة معان:
التخيير، والإباحة، والشك، والتشكيك، فأما التخيير والإباحة إذا وقعت أو بعد طلب، وهذا يشمل الأمر والنهي وكل ما يدل على الطلب، فالتخيير نحو: تزوج هنداً أو أختها، تزوج فعل أمر، وهنداً مفعول به، وأو حرف عطف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وأختها معطوف على هند، والمعطوف على المنصوب منصوب، إذاً شركته في الحكم، ووقعت أو هنا بعد أمر، فتقول حينئذٍ أو للتخيير لأنه لا يجوز الجمع بين هند وأختها، فلو كانت للإباحة لجاز الجمع نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، وادرس النحو أو الفقه، هذا مثال الإباحة. فإذا جاز الجمع بينهما وأمكن الجمع وليس ثَمَّ مانع عقلاً ولا شرعاً قالوا: هذه للإباحة، فيجوز الجمع بين مجالسة الحسن وابن سيرين، كما يجوز الجمع بين دراسة النحو والفقه، فتقول: أو وقعت هنا بعد طلب وهو الأمر فحينئذٍ نقول: هذه تدل على الإباحة لأنه يمكن الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، وأما تزوج هنداً أو أختها فلا يمكن الجمع بينهما، والحاصل: أن أو للتخيير إذا وقعت بعد طلب ولم يمكن الجمع، وللإباحة إذا وقعت بعد طلب وأمكن الجمع.
والشك والتشكيك: وهذا إذا وقعت أو بعد الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب لذاته، نحو: جاء زيد أو عمرو، ولا تدري من الذي جاء عند جارك، فتقول: جاء زيد أو عمرو، شككت أنت في واحد منهما، فقلت: جاء زيد أو عمرو، فالشك من عندك أنت مع عدم العلم، والتشكيك مع العلم بأن واحداً منهما قد جاء وتعرفه فتقول: جاء زيد أو عمرو، لا تريد أن تبين له من الذي جاء، تريد الإبهام والتشكيك، أن تشككه في الخبر، فحينئذٍ أنت تعلم أن الذي جاء زيد ولكنك أبهمت على المخاطب فتقول: جاء زيد أو عمرو.
إذاً نقول: أو يعطف بها أحد الشيئين أو تقع بين شيئين، أو بين أشياء، وتدل على الإباحة أو التخيير أو الشك أو التشكيك، الإباحة أو التخيير إذا وقعت بعد طلب، والفرق بينهما أن الإباحة يجوز الجمع بينهما، والتخيير لا يجوز الجمع بينهما، والمانع قد يكون عقلياً وقد يكون شرعياً. وأما الشك والتشكيك فإذا وقعت بعد الخبر وهو ما ليس بطلب، وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته، فحينئذٍ تفيد الشك إذا كان المتكلم غير عالم بمدلول الخبر، وتفيد التشكيك إذا كان المتكلم عالماً بمدلول الخبر.
[إِمَّا] أي وإما، فهذه كلها معطوفات بحرف عطف مقدر، لكنهم قد يحذفون حرف العطف في الشعر وهذا جائز اتفاقاً، مختلف فيه في النثر. [إِمَّا] والصحيح أنها ليست بحرف عطف، والعاطف هو الواو الملازمة لها. كقوله تعالى: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا
فِدَاءً) [محمد:4] وإما الواو هي التي عطفت وليست إما، بدليل لو كانت إما حرف عطف، فالواو باتفاق أنها حرف عطف، وهي أم حروف العطف، فحينئذٍ لصح دخول حرف العطف على حرف العطف، وهو ممتنع لا يجوز دخول حرف عطف على عطف، بل يدخل على اسم أو جملة. لذلك قال الجرجاني: عدُّها في حروف العطف سهو ظاهر.
[وَبَلْ لَكِنْ .. لَا] هذه ثلاثة أحرف يُجمع بينها في الذكر، لأن بينها اجتماعاً وافتراقاً، تتفرق في أشياء وتجتمع في أشياء، إذاً بينها اجتماع واشتراك، وبينها افتراق أيضاً، فأما اشتراكها كلها فمن وجهين: أولاً: كونها عاطفة، فكلها تعطف ما بعدها على ما قبلها، فيكون آخذاً حكم ما قبلها؛ لأن ما بعدها يكون معطوفاً وما قبلها معطوفاً عليه، فحينئذٍ أخذ حكمه وشركته في اللفظ، وهذه هي التي تشرك في اللفظ فقط دون المعنى، وقد ذكرنا أن حروف العطف قسمان، ما يُشرِّك في اللفظ والمعنى وهذه ستة أو خمسة، ومنها ما يشرك في اللفظ فقط في الإعراب، أما المعنى فلا، وهذه ثلاثة: بل، ولا، ولكن، فهي عاطفة.
ثانياً: تفيد رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب. تقول: ما جاء زيد لكن عمرو، إذاً رددت السامع عن الحكم الذي وقع فيه الخطأ إلى الصواب.
وأما افتراقها فمن وجهين: أولاً: أن لا تكون لقصر القلب، وقصر الإفراد، وبل ولكن لقصر القلب فقط. تقول: جاءني زيد لا بكر، ردًّا على من اعتقد أن بكرًا جاء دون زيد، وهذا قصر قلب، أو أنهما جاءاك معًا، وهذا قصر إفراد، وتقول: ما جاءني زيد لكن بكر أو بل بكر، ردًّا على من اعتقد العكس، فهذا قصر قلب فقط، وحقيقة القصر هي إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه. أقول مثلاًً: جاء زيد، فقد يعتقد الشخص مجيء زيد فحينئذٍ هذا الحكم إن كان صواباً فلا إشكال، وإن كان خطأ فحينئذٍ يحتاج إلى تصحيح، فتقول: ما جاء زيد بل عمرو، نفيت المجيء عن زيد، وأثبته لعمرو فحصل قلب، أي قلب الاعتقاد عند السامع من اعتقاد مجيء زيد إلى اعتقاد مجيء عمرو بلا ونحوها، ومثله: ما جاء زيد لكن عمرو.
وقصر الإفراد يكون لمن يعتقد مجيئهما معاً، والواقع أن الذي جاء واحد، فحينئذٍ يريد أن يقصر الحكم على واحد منهما دون الآخر بل ينفيه عنه، فيقول: جاء زيد لا عمرو، إذاً حصل تعيين وإفراد، وهذا يسمى قصر الإفراد.
ولزيادة الإيضاح أقول: لا حرف عطف، تكون لقصر القلب وقصر الإفراد معاً، وبل ولكن لقصر القلب فقط، أقول: جاءني زيد لا بكر، فلا تفيد قصر الإفراد وقصر القلب، جاءني زيد لا بكر، أنت تعتقد أن الذي جاءني بكر، والأمر ليس كذلك، أريد أن أقلب لك الاعتقاد فأقول لك: جاءني زيد لا بكر الذي اعتقدته أنت. إذاً قلبت اعتقادك، فحينئذٍ جئت بلا لقصر القلب، فقلبت
الاعتقاد من كون الذي جاء بكر إلى زيد، فأقول: جاءني زيد لا بكر.
وإذا اعتقدت أن الذي جاءني زيد وعمرو معاً، والواقع ليس كذلك بل واحد منهما، فأقول لك: جاءني زيد لا عمرو، إذاً مثال واحد في (لا) يصلح لقصر القلب وقصر الإفراد، فتقول: جاءني زيد لا بكر، وقد يكون المعنى مراداً به اثنين، شخصين معاً، هذا يعتقد أن الذي جاءني بكر فقط، وهذا يعتقد أن الذي جاءني زيد وبكر، فأقول: جاءني زيد لا بكر، ردًّا على هذا ليكون قصر قلب، وردًّا على الآخر ليكون قصر إفراد. جاءني زيد لا بكر، رد على من اعتقد أن بكراً جاء دون زيد، أو أنهما جاءا معاً، فحينئذٍ الحكم يشمل النوعين.
بل ولكن لا تستعملان إلا في قصر القلب فقط، ولا تستعمل في قلب الإفراد؛ تقول: ما جاءني زيد بل بكر أو لكن بكر، ردًّا على من اعتقد العكس.
الفرق الثاني: أن (لا) إنما يعطف بها بعد الإثبات فقط، نحو: جاءني زيد لا بكر، وبل يعطف بها بعد الإثبات وبعد النفي، و (لكن) بعد النفي خاصة.
إذا عطف ببل بعد الإثبات فحينئذٍ يكون ما قبل بل في حكم المسكوت عنه، لو قلت: جاء زيد بل عمرو، بل هذه للإضراب، والحكم الذي أثبته لزيد وهو المجيء أثبته لعمرو، بل عمرو أي بل الذي جاءني عمرو، وأما زيد فهو مسكوت عنه، لم تثبت له المجيء
ولم تنفه عنه، فحينئذٍ يكون مسكوتاً عنه إذا عطف بها بعد الإثبات، إذاً بل، ولكن، ولا، هذه حروف عطف تفترق وتشترك.
[وَحَتَّى] حرف عطف، لكن في بعض المواضع، لا مطلقاً، وهي تأتي للغاية والتدريج، والغاية معناها: آخر الشيء، والتدريج: وقوع ما بعدها شيئاً فشيئاً، يعني أن ما قبلها ينقضي شيئاً فشيئاً، وحينئذٍ يلزم أن يكون ما بعدها يقع شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ الغاية وهو الاسم المعطوف، ولذلك وجب أن يكون المعطوف بها جزءاً من المعطوف عليه، إما تحقيقاً أو تقديراً. فالأول: نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، الرأس جزء من السمكة حقيقة؛ لأنه متصل بها. والثاني: نحو قول الشاعر:
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ
…
وَالزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا
قوله: حتى نعله معطوف على الصحيفة، إذاً انقضى ما قبلها شيئاً فشيئاً، والنعل ليست جزءًا من الصحيفة، وإنما هي كالجزء، لأن المراد ألقى ما يثقله حتى نعله، فصار النعل كالجزء تقديراً مما يثقله ولا شك أنه داخل فيه.
[وَأَمْ] أيضاً حرف عطف، والمراد بها أَمِ التي لطلب التعيين بعد همزة داخلة على أحد المستويين، وهي أم المتصلة، أما المنقطعة فهذه بمنزلة بل، والمتصلة نحو: أزيدٌ عندك أم عمرو؟ أم حرف عطف، والمراد بها طلب التعيين، وقد وقعت بين شيئين، زيد وعمرو، وهناك شيء محقق، وهناك شيء مشكوك فيه، ولا بد أن يكون عندك
واحد منهما، والمشكوك فيه الذي يطلب تعيينه، زيد أو عمرو، وحينئذٍ جيء بأَمْ لطلب التعيين بعد همزة داخلة على أحد المستويين، ولذلك أم قامت مقام الهمزة؛ لأنها عودلت بالهمزة التي دخلت على زيد فحينئذٍ لا يكون الجواب بنعم أو بلا، وإنما يكون بالتعيين، أزيد عندك أم عمرو؟ تقول: زيد، هو طلب التعيين، هو يعلم أن واحداً منهما عندك قطعاً، لذلك قال: عندك، جَزَمَ أن عندك واحدًا، وهل هو زيد أم عمرو؟ هذا هو المشكوك فيه، مع القطع بأن أحدهما عنده، ولكنك شككت في عينه. وتسمى أم هذه معادلة؛ لأنها عادلت الهمزة في الاستفهام بها، وتسمى أيضاً متصلة لعدم الاستغناء بأحدهما عن الآخر. [فَاجْهَدْ تَنَلْ] يعني فاجتهد: وهو بذل الوسع في الوصول إلى المقصود تنل المطلوب؛ لأنه لا بد من جهد وبذل.
كَجَاءَ زَيدٌ وَمُحَمَّدٌ وَقَدْ
…
سَقَيْتُ عَمْرًا أَوْ سَعِيْدًا مِنْ ثَمَدْ
وَقَوْلُ خَالِدٍ وَعَامِرٍ سَدَدْ
…
وَمَنْ يَتُبْ وَيَسْتَقِمْ يَلْقَ الرَّشَدْ
[كَجَاءَ زَيدٌ وَمُحَمَّدٌ] أي كقولك أو مثل جاء زيد ومحمد، فالكاف حرف أو اسم كما سبق، وهذا مثال للواو، وقد أفادت مطلق الجمع، هذا من حيث المعنى، ومن حيث اللفظ والحكم شركت المعطوف مع المعطوف عليه في الإعراب، وإعراب المثال: جاء فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وزيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، والواو حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وهي لمطلق الجمع، تفيد
التشريك في اللفظ وفي المعنى، حينئذٍ ما بعدها يأخذ حكم ما قبلها في الإعراب، فما قبلها مرفوع إذاً يلزم أن يكون ما بعد الواو مرفوعًا كذلك، ومحمد معطوف على زيد، والمعطوف على المرفوع مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، والعامل في زيد الفعل جاء، والعامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه، وهو الفعل جاء، فعمل فيهما معًا، هذا الصحيح من أقوال النحاة، وقيل: الواو، وقيل: العامل الفعل جاء بواسطة الواو.
[وَقَدْ سَقَيْتُ عَمْرًا أَوْ سَعِيْدًا مِنْ ثَمَدْ] وقد حرف تحقيق مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وسقيت فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، وعمراً مفعول به منصوب ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، ويُكتب عمرو بالواو في حالتي الرفع والجر، وتحذف في حالة النصب، فهي واو زائدة للفرق بين عُمَر بضم العين وفتح الميم، وعَمْر بفتح العين وإسكان الميم، فحينئذٍ إذا وجدت الواو دل على أنه عمرو بفتح العين وإسكان الميم، وإذا لم توجد فهو عمر بضم العين وفتح الميم، وأما في حالة النصب فالمنون يكون عَمْراً، وعُمر لا ينون لأنه ممنوع من الصرف، فحينئذٍ حصل التفريق بالتنوين، فلا حاجة للواو. أو سعيداً أو حرف عطف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهنا للشك أو التشكيك، لأنها وقعت بعد الخبر وهو جملة سقيت، وقد
سقيت سعيداً أو عمراً، هذا فيه شك ويحتمل التشكيك، إن كان هو لا يعلم فحينئذٍ يكون شكاً، وإن كان يعلم ولكن أراد أن يُبهم على غيره صار تشكيكاً. إذاً مثال واحد نستطيع أن نمثل به للمعنيين، مِن ثَمَد بفتح الميم وسكونها، والمراد به الماء القليل الذي لا مادة له، ومن حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وثمد اسم مجرور بمن وجره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف. وهذا مثال لعطف منصوب على منصوب، وحرف العطف هو أو. [وَقَوْلُ خَالِدٍ وَعَامِرٍ سَدَدْ] قول مبتدأ وهو مضاف، وخالد مضاف إليه، وعامر، الواو حرف عطف، وعامر معطوف على خالد وهو مجرور، والمعطوف على المجرور مجرور وجره كسرة ظاهرة على آخره، وهذا مثال لعطف مجرور على مجرور، إذاً مثل لعطف المرفوع على المرفوع، والمنصوب على المنصوب، والمجرور على المجرور؛ لأن الكلام في التوابع.
[وَمَنْ يَتُبْ وَيَسْتَقِمْ يَلْقَ الرَّشَدْ] هذا مثال لعطف المجزوم على المجزوم؛ لأن الفعل يُعطف على الفعل كما أن الاسم يعطف على الاسم، قال ابن مالك:
.................
…
وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ
ومن يتب فمن اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، ويتب فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وجزمه السكون، ويتب أصلها يتوْبْ، التقى ساكنان الواو وسكون الباء للجزم، فوجب
حذف الأول لتعذر تحريكه، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على من، ويستقم الواو حرف عطف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، ويستقم فعل مضارع معطوف على يتب، والمعطوف على المجزوم مجزوم. كذلك لو كان مرفوعاً نحو: يقومُ زيد ويقعدُ، أو منصوبًا نحو: لن يقومَ زيد ويقعدَ، فهذه كلها معطوفات إما في النصب أو الرفع أو الجزم، وهذا مثال لعطف مجزوم على مجزوم، وإنما يكون في الأفعال لا في الأسماء. يلقَ الرشد يلقَ فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بمن وجزمه حذف حرف العلة، وهي الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والرشد ضد الغي، من الرشاد والإصابة، مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الروي أو الوقف.
إذاً يقوم زيد ويقعد هذا مثال للرفع، وجاء زيد ورَكِبَ هذا مثال للمبني، واضرب زيداً وقم هذا مثال للمبني في فعل الأمر، ومن يتب ويستقم يلق الرشد هذا مثال للمجزوم.