المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الفاعِلِ هذا هو الباب الأول الذي يكون الاسم مرفوعًا فيه، - فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الكَلَامِ

- ‌بَابُ الإِعْرَابِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ النَّصْبِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الخَفْضِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الجَزْمِ

- ‌بَابُ قِسْمَةِ الأَفْعَالِ وَأَحْكَامِهَا

- ‌ باب نواصب المضارع

- ‌بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ

- ‌المَرْفُوعَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الفاعِلِ

- ‌باب النائب عن الفاعل

- ‌بَابُ المُبْتَدَا وَالخَبَرِ

- ‌بَابُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابَ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابُ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌التَّوَابِعُ

- ‌بَابُ النَّعْتِ

- ‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ

- ‌بَابُ العَطْفِ

- ‌بَابُ التَّوكِيدِ

- ‌بَابُ البَدَلِ

- ‌المَنْصُوبَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ بِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ المُطْلَقِ

- ‌بَابُ الظَّرْفِ

- ‌بَابُ الحَالِ

- ‌بَابُ التَّمْيِيزِ

- ‌بَابُ الاِسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ لَا

- ‌بَابُ المُنَادَى

- ‌بَابُ المَفْعُولِ لأَجْلِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ مَعَهُ

- ‌المَخْفُوضَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الإِضَافَةِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: ‌ ‌بَابُ الفاعِلِ هذا هو الباب الأول الذي يكون الاسم مرفوعًا فيه،

‌بَابُ الفاعِلِ

هذا هو الباب الأول الذي يكون الاسم مرفوعًا فيه، وهو محل الفاعل، والمراد بالفاعل هنا مرتبة إذا وجد الاسم فيها حكمنا عليه بأنه مرفوع، فكل فاعل مرفوع من غير عكس، أي وليس كل مرفوع فاعلاً. [بَابُ الفاعِلِ] قدمه على المبتدأ والخبر؛ لأنه أصل المرفوعات عند الجمهور، وبعضهم قدم المبتدأ على أنه أصل المرفوعات، وبعضهم جعل كلا منهما أصلاً برأسه، فالأقوال ثلاثة والجمهور على أن الفاعل هو أصل المرفوعات، وينبني على هذا الخلاف فائدة وهو أنه إذا جاز أن يجعل اللفظ مبتدأ أو فاعلاً فأيهما أولى؟ مَن رجَّح أن الفاعل هو الأصل أعربه فاعلا، ومَن رجَّح أن الأصل هو المبتدأ أعربه مبتدأ، نحو: النووي أجمع من يعتد به، فالنووي مرفوع، هل تقول: قال النووي أو النووي قائل؟ يعني يجوز أن يعرب النووي فاعلاً، ويجوز أن يعرب مبتدأ، لكن أيهما أولى وأرجح؟ ينبني على هذا الأصل من رجح أن الأصل في المرفوعات هو الفاعل، قال: الأرجح أن يقال: قال النووي، فتعرب النووي فاعلا لفعل محذوف، ومن رجح أن المبتدأ هو الأصل قال: النووي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره النووي قائل، هذا الذي ينبني على هذه المسألة. [بَابُ الفاعِلِ] الفاعل له معنيان، معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي. أما معناه اللغوي فهو من أوجد الفعل أي الحدث. فكل من أوجد الفعل في اللغة فهو فاعل، فحينئذٍ يشمل المبتدأ، فنحو: زيد قائم، زيد في اللغة فاعل، وفي الاصطلاح مبتدأ،

ص: 300

والمبتدأ والفاعل لا يجتمعان، فزيد فاعل، ومبتدأ، فاعل لغةً، ومبتدأ اصطلاحًا، كيف صار فاعلا في اللغة؟ نقول: لأن الفاعل في اللغة من أوجد الحدث، والقيام حدث، والذي أوجده هو زيد. فحينئذٍ نقول: زيد هذا فاعل لماذا؛ لأنه أوجد القيام، أما الفاعل في الاصطلاح فقال:

الفَاعِلَ ارْفَعْ وَهْوَ مَا قَدْ أُسْنِدَا

إِلَيْهِ فِعْلٌ قَبْلَهُ قَدْ وُجِدَا

قوله: [الفَاعِلَ ارْفَعْ] بين حكمه قبل بيان حده، وهذا على خلاف الأصل؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولكنه أولى من صنع صاحب الأصل لابن آجروم حيث ذكر الحكم - وهو قوله المرفوع - في الحد فقال: هو الاسم المرفوع، والناظم هنا أخرجه عن الحد فقال: الفاعل ارفع؛ لأن الرفع حكم، والفاعل محكوم عليه، والتعريف إنما يكون لمعرفة الحقائق، والحكم على الشيء فرع عن تصوره. فحينئذٍ لا بد من التعريف أولاً ثم بعد ذلك يذكر الحكم، ولذلك عند المناطقة من شرط صحة الحد أنه لا تدخل فيه الأحكام. قال في السلم المنورق:

وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ

أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ

وعندهم أي المناطقة من قواعدهم المنطقية: أنه من جملة الأمور المردودة عندهم ولا تقبل أن تدخل الأحكام في الحدود؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فلا بد أن تتصور أولاً ما هو الفاعل ثم بعد ذلك تذكر حكمه. [الفَاعِلَ ارْفَعْ] أي ارفع

ص: 301

الفاعل [الفَاعِلَ] مفعول به منصوب مقدم و [ارْفَعْ] فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، أي ارفع أنت أيها النحوي الفاعلَ، و [ارْفَعـ]ـه إما بحركة أو بحرف، سواءٌ كانت ضمة ظاهرة أو مقدرة، فيعم أنواع الإعراب كلها، إما أن يكون ظاهرًا، وإما أن يكون مقدرًا، وإما أن يكون محليًا. نحو: قام زيد، فزيد: فاعل، وتحكم عليه أنه فاعل بتطبيق الحد عليه، فزيد من قولك: قام زيد فاعل، حكمت عليه بأنه فاعل أولا، ثم تقول:[الفَاعِلَ ارْفَعْ] ارفعه بضمة ظاهرة على آخره فتقول: زيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. وجاء الفتى، الفتى: فاعل و [الفَاعِلَ ارْفَعْ] حينئذٍ تقول الفتى: فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. وجاء سيبويه، سيبويه: فاعل و [الفَاعِلَ ارْفَعْ] حينئذٍ تقول: سيبويه اسم مبني على الكسر في محل رفع فاعل، وإن شئت قل: فاعل مبني على الكسر في محل رفع. إذًا يكون الفاعل مرفوعًا لفظًا كزيد، ويكون مرفوعًا تقديرا كالفتى أو القاضي أو غلامي، ويكون محليًا كسيبويه. وإذا قيل [الفَاعِلَ ارْفَعْ] لا ينقض هذه القاعدة فيما لو جر بحرف جر زائد، كقوله تعالى:{مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} (المائدة:19) بشيرٍ: فاعل، والفاعل مرفوع، وفي الآية مجرور، وجوابه: أن الإعراب هنا تقديري، وأثر حرف الجر الزائد في اللفظ فقط، وإعرابه:{مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ} ما نافية، وجاء فعل ماض، ونا: ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به، ومن: حرف جر زائد أو قل صلة أو قل

ص: 302

تأكيد، وبشير: فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والصحيح أن إعرابه تقديري لا محلي، وهكذا كل مجرور بحرف جر زائد. وكذلك نحو:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} (البقرة:251) لولا دفع الله: لفظ الجلالة فاعل، فهو في اللفظ مضاف إليه، وفي المحل فاعل، لأن الأصل لولا أن يدفع الله الناس. والناس مفعول به، والعامل فيه هو المبتدأ وهو دفع، والخبر محذوف وجوبا، فلفظ الجلالة مجرور لفظًا مرفوع محلاً لأنه فاعل. فالفاعل مرفوع، هذه هي القاعدة العامة وقد أشار إليها بقوله:[الفَاعِلَ ارْفَعْ] لفظًا أو تقديرًا أو محلاً بحركة أو حرف. ثم قال [وَهْوَ] أي حده [مَا قَدْ أُسْنِدَا إِلَيْهِ فِعْلٌ قَبْلَهُ قَدْ وُجِدَا] أي هو ما قد أسند إليه فعل قد وجد قبله.

[مَا قَدْ أُسْنِدَا إِلَيْهِ فِعْلٌ] يعني ما قد أسند إليه أي إلى الاسم المحكوم عليه بكونه فاعلاً، أسند إليه فعلٌ، لكن هذا الفعل يكون مقدمًا لذلك قال: فعل قد وجد قبله [قَبْلَهُ] هذا منصوب على الظرفية متعلق بقوله: [وُجِدَا] والألف للإطلاق، و [قَدْ] للتحقيق، والجملة الفعلية في محل رفع صفة لفعل، والتقدير ما قد أسند إلى فعل موجود قبله يعني مذكور قبله، لأن عبارة ابن آجروم في الأصل قال: الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله. قوله: [مَا قَدْ أُسْنِدَا][مَا] اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على الاسم بنوعيه يعني سواءٌ كان الاسم صريحًا أو مؤولاً بالصريح؛ لأن الفاعل نوعان: الأول: فاعل صريح: وهو ما لا يحتاج في جعله فاعلاً إلى تأويل. إذا كان ملفوظًا

ص: 303

به مباشرة فهو اسم صريح، كجاء زيد، فزيد فاعل وهو اسم صريح لأننا حكمنا عليه بكونه فاعلاً دون تأويل. والثاني: فاعل مؤول بالصريح، وهو ما يحتاج في جعله فاعلاً إلى تأويل. فلابد حينئذٍ أن يكون عندنا حرف مصدري يؤول مع ما بعده بمصدر فيكون فاعلا، كما في قوله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ} (الحديد:16) فيأن: فعل، وفاعله أن تخشع، وليس هو باسم صريح، إذًا كيف جعلته فاعلاً؟ نقول: نؤوله بمصدر، فأن تخشع: أن حرف مصدر ونصب واستقبال، وتخشع فعل مضارع منصوب بأن، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر وهوالخشوع، وتقدير الآية ألم يأن للذين آمنوا خشوع قلوبهم، إذًا نقول: خشوع فاعل، وهو اسم مؤول بالصريح وليس بالصريح. فقوله:[مَا] يشمل الاسم الصريح، والاسم غير الصريح الذي هو مؤول بالصريح. إذًا كل ما لم يكن مؤولا بالصريح فهو اسم صريح، وحينئذٍ الضمير المستتر وجوبًا أو جوازًا والضمير البارز الذي يقع فاعلاً من الاسم الصريح، فنحو: اضرب زيدًا، فاضرب: فعل وفاعله ضمير مستتر وجوبًا، وهو اسم صريح - وهذا مجرد اصطلاح - وهند تكتب: أي هي فالفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هي، وهو اسم صريح، وما قام إلا أنا، فأنا فاعل وهو ضمير بارز، وهو اسم صريح، وهذا لا إشكال في جعله اسما صريحا كما سيذكره الناظم. والحاصل أن الاسم الصريح يشمل أربعة أشياء: الاسم الظاهر كزيد، والضمير المستتر وجوبًا، والضمير المستتر جوازًا، والضمير البارز. ويقابله

ص: 304

الاسم المؤول بالصريح. قوله: [مَا] أي اسم، لأن الفاعل لا يكون إلا اسمًا، فخرج به الفعل، والحرف. فالفعل لا يكون فاعلاً، والحرف لا يكون فاعلاً؛ لأننا قررنا قاعدة: أن الفعل لا يكون مسندًا إليه، والفاعل هو مسند إليه، وحينئذٍ يمتنع أن يكون الفعل مسندًا إليه، فيمتنع أن يكون فاعلاً. ومن باب أولى يمتنع أن يكون حرفًا لأنه لا يكون مسندًا إليه. إذًا كل فاعل فهو اسم، لذلك عد السيوطي في الأشباه والنظائر من علامات الأسماء كونه فاعلاً؛ لأن كل فاعل اسم، وهذه القاعدة مأخوذة مما سبق وهو أن المسند إليه لا يكون إلا اسمًا، والفعل لا يقع مسندًا إليه وكذلك الحرف.

إذًا قوله: [مَا] أي اسم [قَدْ أُسْنِدَا] الألف للإطلاق [أُسْنِدَا إِلَيْهِ فِعْلٌ] كأنه قال: أُخبر عنه بفعل، نحو: قام زيد، فزيد مسند إليه وهو المحكوم عليه، وقام مسند، وهو المحكوم به، فصار الفعل في المعنى هو المحكوم به كما أن الخبر يحكم به على المبتدأ، كذلك الفعل يحكم به على الفاعل، فالفاعل محكوم عليه لذلك قال: اسم قد أسند إليه فعل أي أخبر عنه بفعل، [فِعْلٌ] لابد أن يقيَّد بكونه تامًا، احترازًا من الفعل الناقص، فإن كان فعلا ناقصا فإنه يحتاج إلى اسم وخبر؛ لأنها تدخل على المبتدأ والخبر، فترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر خبر المبتدأ على أنه خبر لها. وقوله:[فِعْلٌ] أخرج به كل المرفوعات، لأن قوله:[مَا قَدْ أُسْنِدَا إِلَيْهِ] دخل فيه المرفوعات كلها، وهو يريد أن يُعرِّف الفاعل، فلابد من الإدخال والإخراج، فقوله: فعل مخرج لما عدا الفاعل من المرفوعات، لكن يبقى معنا نائب

ص: 305

الفاعل لأنه ذُكِر قبله فعل، وليس هو في الحقيقة فعله؛ لأن قولك: ضُرِبَ زيدٌ فزيدٌ ليس فاعلاً للضرب، وإنما ذُكر معه فعل لأنه في الأصل هو مضروب لا ضارب، والأصل: ضرب عمرو زيداً، فحذف الفاعل وأقيم المفعول به مُقامه فارتفع ارتفاعه، هذا التغيير لا يسلب إيقاع الضرب من عمرو الذي هو الفاعل في الأصل إلى إيقاعه من زيد الذي هو مفعول به في الأصل، لأن الفاعل هو مَن أوجد وأحدث الفعل، والمفعول به هو من وقع عليه الفعل، فحينئذٍ إذا قيل: ضُرب زيدٌ فزيدٌ لم يخرج عن كونه قد وقع عليه الضرب سواء كان في التركيب الأول أو الثاني. إذًا لم يُذكر قبله فعله وإن سبقه فعل وذُكر قبله، لكنه ليس هو فعله الذي أوجده، وإنما ذكر معه الفعل، لأنه مفعول به، والمفعول به يقع عليه الفعل ولا يقوم به الفعل ولا يقع منه الفعل، كما هو نوعا الفاعل.

[فِعْلٌ قَبْلَهُ قَدْ وُجِدَا] هذا احتراز من المبتدأ، فيما إذا أسند إلى المبتدأ فعل، نحو: زيد قام، على مذهب البصريين يتعيَّن أن يكون زيد مبتدأ، وقام الجملة خبر، فيجب الترتيب بأن يتقدم الفعل أوَّلا ثم يليه الفاعل، ولا يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل. وعند الكوفيين يجوز أن يكون زيد فاعلا مقدما، وعامله الفعل المتأخر قام، وليس فيه ضمير مستتر، وحينئذٍ إذا قيل: زيد قام، يُشترط في الفاعل أن يُذكر قبله فعله، فلو ذُكر بعده الفعل خرج عن كونه فاعلاً، فصار مبتدأً، لأن المبتدأ يذكر الفعل بعده لا قبله فيما إذا أخبر عن المبتدأ بالجملة الفعلية. [فِعْلٌ قَبْلَهُ قَدْ وُجِدَا] والمذكور قبله فعله

ص: 306

قد يكون الفعل ملفوظًا به، وقد يكون مقدرًا. فالملفوظ به نحو: قام زيد، والمقدر نحو قولك: زيدٌ، في جواب من جاء؟ فزيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة في آخره، والعامل فيه مقدر تقديره جاء زيد، وهذا الحذف جائز لكن لا بد من قرينة تدل على المحذوف كما إذا وقع جوابًا لسؤال، وقد يكون الحذف واجبًا كما إذا وقع الاسم المرفوع بعد أداة الشرط وهما إن وإذا، وذلك لاختصاص أداة الشرط بالجملة الفعلية، لإفادتها التعليق تعليق شئ على شئ آخر، والأحداث هي التي تقبل التعليق دون الذوات كقولك: إن جاء زيد أكرمتك، أفاد تعليق إيقاع الإكرام على مجئ زيد لا على ذاته، فالأصل أن الذات لا تقبل التعليق. قال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} (التوبة:6) فأحد فاعل لفعل محذوف لأن إن الشرطية لا يتلوها إلا فعل، وجوبًا لأننا أقمنا دليلاً على المحذوف، ولأنه لا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر، فالمفسَّر هو المحذوف، والمفسِّر هو المذكور، وتقديره هنا وإن استجارك أحد من المشركين. قال ابن مالك:

وَيَرْفَعُ الفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا

كَمِثْلِ زَيْدٌ فِي جَوَابِ مَنْ قَرَا

ومثله: {إِذَا السَّمََاءُ انْشَقَّتْ} (الانشقاق:1) و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (الانفطار:1) كل ما وقع من اسم مرفوع بعد إذا أو إن الشرطيتين فهو فاعل لفعل محذوف وجوبًا على الأصح وهذه قاعدة عامة.

ص: 307

[فِعْلٌ قَبْلَهُ قَدْ وُجِدَا] سواءٌ كان الفعل واقعًا منه، أو قائمًا به، فالأول: مثل قولك: ضرب زيد عمرًا، زيد هنا فاعل، والضرب الذي هو مدلول عامله قد وقع من زيد فهو أثر زيد. والثاني: مثل قولك: مات زيد، زيد هنا فاعل، والموت الذي هو مدلول عامله قائم به لا واقعا منه. ثم قال:

وَظَاهِرًا يَأْتِي وَيَأْتِي مُضْمَرَا

كَاصْطَادَ زَيْدٌ وَاشْتَرَيْتُ أَعْفُرَا

الفاعل لا بد أن يكون مذكوراً؛ لأنه عمدة، والعمدة لا يستغنى عنه، ولأنه مسند إليه فهو أحد ركني الإسناد، فحينئذٍ لا يجوز حذفه إلا بما ورد في لغة العرب وهي مواضع معدودة ذكرها ابن هشام وغيره سماعا، ولكن الأصل أنه لا يجوز حذفه ولذلك قال ابن مالك:

وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإن ظَهَر

فَهوَ وإِلَاّ فَضَمِيرٌ اسْتَتَر

وإذا لم يظهر الفاعل فلابدَّ من تقديره ضميرا مستترا؛ لأن كل فعل لابد له من فاعل، ودلالة الفعل على فاعله دلالة عقلية لزومية، لأن العقل يُدرك أن كل حدث لا بد له من محدِث، فالقيام حدث لا بد له عند إيجاده من محدث، فلا يمكن أن يوجد قيام ولم يحدثه شخصٌ ما، والفعل بأنواعه الثلاثة يستلزم عقلاً فاعلاً، لأن كل فعل متضمن لحدث، وكل حدث لا بد له من محدِث عقلا، والمحدث هو الفاعل. إذًا دلالة قام على زيد الفاعل دلالة لزومية، وإذا كانت دلالة لزومية بمعنى أنه لا يمكن أن يوجد اللازم الذي

ص: 308

هو الفعل ولا يوجد ملزومه الذي هو الفاعل، بخلاف اسم الفاعل فإنه يدل على الفاعل بالوضع فهي دلالة وضعية. لأن الواضع وضع زنة فاعل للدلالة على اسم الفاعل، فقائم اسم فاعل لأنه يدل على ذات متصفة بحدث والذات هي الفاعل.

والحاصل: أن الفاعل لا بد من ذكره، ثم الفاعل نوعان: قد يكون اسمًا ظاهرًا، وقد يكون اسمًا مضمرًا أي مستتراً سواءٌ كان استتاره واجباً أو جائزاً، فالظاهر ما دل على مسماه بلا قيد، يعني بلا قيد تكلم أو خطاب أو غيبة. قال الناظم:[وَظَاهِرًا يَأْتِي] يعني يأتي الفاعل حالة كونه اسمًا ظاهرًا. [وَيَأْتِي مُضْمَرَا] يعني ويأتي الفاعل حالة كونه اسمًا مضمرًا وهو ما دل على مسماه بقيد تكلم ونحوه. والمضمر قسمه صاحب الأصل إلى اثني عشر نوعًا وهي: اثنان للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب. [وَظَاهِرًا يَأْتِي] يعني يأتي الفاعل حالة كونه ظاهرًا مطلقًا سواء كان مذكرًا أو مؤنثًا، وسواء كان مفردًا أو مثنى أو مجموعًا مع فعلٍ ماضٍ أو مضارع. فالفاعل قد يكون مذكرًا، نحو: جاء زيد. وقد يكون مؤنثًا، نحو: جاءت هند. وقد يكون مثنى، نحو: جاء الزيدان، أو مجموعًا نحو: جاء الزيدون، وجاء الزيود إلى آخره هذه كلها أنواع للفاعل، وقد ذكرها في الأصل. ثم مثل لكلٍّ منهما على سبيل اللف والنشر المرتب فقال:[كَاصْطَادَ زَيْدٌ][اصْطَادَ] فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. و [زَيْدٌ] فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. هذا مثال للقسم الأول وهو الظاهر. [وَاشْتَرَيْتُ أَعْفُرَا]

ص: 309

[اشْتَرَيْتُ] اشترى فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون المجلوب لدفع توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، و [أَعْفُرَا] مفعول به، وهو من الضباء ما يعلو بياضه حمرة، والألف فيه للإطلاق.

ومن أحكام الفاعل تجريد الفعل له إن كان الفاعل مثنىً أو مجموعًا، لأن الفاعل قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنى، وقد يكون مجموعاً، وكل منها قد يكون مذكراً وقد يكون مؤنثاً، وحينئذٍ إذا كان الفاعل مفرداً مذكراً كان أو مؤنثاً وجب تجريد الفعل من علامة تدل على أنه مفرد - وهذا لا إشكال فيه - تقول: قام زيد، وقامت هند. وإذا كان الفاعل مثنى أو مجموعاً بأي أنواع الجمع وجب أيضًا تجريد الفعل من علامة تدل على أنه مثنى أو جمعٌ، نقول: قام الزيدان، وقام الزيدون، فالفعل قام كما هو لو أسند إلى فاعل مفرد لم تلحقه علامة تثنية أو علامة جمع، وهذا هو غالب لغة العرب وهو اللغة الفصحى.

وبعض قبائل العرب وهم بنو الحارث بن كعب: إذا كان الفاعل مثنى أُلحق بالفعل علامة تدل على أن الفاعل مثنى، وألحق به علامة تدل على أن الفاعل جمع، كما أنه إذا كان الفاعل مؤنثاً ألحق بالفعل علامة تدل على أنه مؤنث نحو: قامت هند، إذًا اتصل بالفعل علامة تدل على أن الفاعل مؤنث - ويعنون النحاة لهذه اللغة بلغة أكلوني البراغيث - فألحقوا بالفعل علامة تدل على أن

ص: 310

الفاعل مثنى أو جمعٌ فقالوا: قاما الزيدان، وقاموا الزيدون. وإعرابه على هذه اللغة: قاما الزيدان، قاما فعل ماضٍ، والألف حرف - وليس بضمير- دالٌ على تثنية الفاعل مبنى على السكون لا محل له من الإعراب، والزيدان فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى. قاموا الزيدون، قاموا فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر لاتصاله بحرف دالٍ على كون الفاعل جمعاً، والواو حرف دالٌ على الجمع مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والزيدون فاعل. وهذه اللغة لغة مرجوحة، ولذلك جماهير أهل اللغة على أنه لا يجوز حمل القرآن عليها. واعلم أن المرجوح - وإن شئت قل الممنوع - إنما هو جعل الألف حرفاً، وجعل الواو حرفاً، أما إذا جعلت الألف ضميراً فاعلا، والواو ضميراً فاعلا فلا إشكال بل هي لغة فصيحة، فإذا جاء في القرآن ما ظاهره أنه على لغة أكلوني البراغيث وجب تخريجه على هذا، فحينئذٍ لو قيل: قاما الزيدان على اللغة الجائزة = قاما قام فعل ماضٍ، والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم، والزيدان مبتدأ مؤخر. ولك وجه آخر جوزه بعضهم وهو أن تجعل الألف فاعلا، والزيدان بدلا من الألف بدل بعض من كل. وقاموا الزيدون، قاموا فعل ماضٍ، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم، والزيدون مبتدأ مؤخر. وهذا جائز فحينئذٍ إذا جاء في القرآن ما ظاهره أنه على لغة أكلوني البراغيث وجب

ص: 311

تخريجه على أحد هذين الوجهين ولا يجوز تخريجه على تلك اللغة الضعيفة، لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين فما كان شائعاً في لغة العرب جاز حمل القرآن عليه، وما لم يكن كذلك فلا. ومن ذلك قوله تعالى:(وََأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)[الأنبياء:3] ظاهره مثل قوله: قاموا الزيدون، ولكن نخرجه على اللغة المشهورة، فنقول: وأسروا أسر فعل ماضٍ، والواو ضمير متصل فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم، والذين ظلموا مبتدأ مؤخر. وقوله تعالى:(ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ)[المائدة:71] عموا أصله عَمِيَ وصمَّ كثيرٌ، فنقول: عموا فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر مقدم، وكثير مبتدأ مؤخر، وهو نكرة وسوغ الابتداء به تقدم الخبر. إذًا يجب تجريد الفعل من علامة تدل على الفاعل المثنى أو المجموع. قال ابن مالك:

وَجَرِّدِ الفِعْلَ إِذَا مَا أُسْنِدَا

لِاثنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا

ومن أحكام الفاعل أنه يؤنث له الفعل، إذا كان الفاعل مؤنثًا، ولا إشكال في تجريد الفعل من علامة تدل على تذكيره، لأنه جاء على الأصل في الأسماء، لأن الأصل فيها التذكير وما جاء على أصله لا يحتاج إلى علامة، بخلاف ما إذا جاء على الفرع وهو كونه مؤنثاً، والمؤنث قد يلتبس بغيره، كما لو قيل: قام هند، وهند علم مشترك بين الذكور والإناث، فلا بد حينئذ من علامة تميز كون الفاعل مؤنثاً لئلا يحمل على الأصل وهو التذكير، فاتصل بالفعل تاء التأنيث فقيل: قامت هند، فتعلم أن الفاعل مؤنث، وإذا قلت: قام هندٌ

ص: 312

ـ وهند يسمى الرجل به قديما ـ حمل على أنه مذكر. إذًا لا بد من علامة فيما إذا وقع الفاعل مؤنثا لئلا يلتبس بغيره، ومن قواعد لغة العرب الإيضاح وكشف اللبس، فحينئذٍ اتصل بالفعل علامة تدل على أن الفاعل مؤنث. ولا يرد ما سبق من لغة أكلوني البراغيث لأن قام الزيدان، وقام الزيدون يدل بلفظه على أن الفاعل مثنى أو أنه جمع، فلا يلتبس بغيره فلا نحتاج إلى علامة تدل على التثنية ولا إلى علامة تدل على الجمع كما احتجنا إلى علامة تدل على أن الفاعل مؤنث. فحينئذٍ نقول: تأنيث الفعل باعتبار الفاعل على نوعين: قد يكون جائزاً. وقد يكون واجباً.

والتأنيث الجائز في أربعة مواضع:

الأول: أن يكون الفاعل اسماً ظاهراً مؤنثاً تأنيثا مجازيا، والنحاة يفرقون بين المؤنث المجازي والمؤنث الحقيقي، فالمؤنث الحقيقي: هو ماله فرج، والمؤنث المجازي: هو ما لا فرج له. فإذا أسند الفعل إلى اسم ظاهر مجازي التأنيث جاز الوجهان: التأنيث، وترك التأنيث، فتقول: طلعت الشمس بتأنيث الفعل، وطلع الشمس بترك التأنيث، والشمس مؤنثة لذلك قال تعالى:(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)[الشمس:1] فأعاد الضمير عليها مؤنثا، ومثله:(وََالشَّمْسُ تَجْرِي)[يس:38] والتأنيث أرجح لأنه هو الأصل، فالأصل أن الفاعل إذا كان مؤنثاً أن تلحق الفعل علامة تدل على التأنيث لكن لما كان مجازي التأنيث جاز تركه.

ص: 313

الثاني: أن يكون الفاعل اسماً ظاهراً حقيقي التأنيث، لكنه فُصل عن العامل بغير إلا، حينئذٍ جاز الوجهان: التأنيث، وترك التأنيث، تقول: حضرت القاضيَ امرأةٌ، فامرأة فاعل مؤنث، وتأنيثه حقيقي لكنه فصل عن العامل بغير إلا بالمفعول به، فالمفعول فصل بين الفاعل والعامل، فحينئذٍ جاز الوجهان: التأنيث وتركه فتقول: حضرت القاضي امرأة بتأنيث الفعل؛ وحضر القاضي امرأة بترك التأنيث، وجاز لوجود الفاصل بين العامل والفاعل، والتأنيث أرجح لما سبق.

الثالث: إذا كان الفاعل فاعل نعم وبئس، يقال: نعمت المرأة هند بتأنيث الفعل، ونعم المرأة هند بترك التأنيث؛ لأن أل الداخلة على فاعل نعم للجنس، والجنس مذكر، فحينئذٍ إذا أريد الجنس جنس المرأة فهذا مذكر تُرك التأنيث، وإذا روعي اللفظ أنث الفعل.

الرابع: أن يكون الفاعل جمعاً، حينئذٍ يجوز الوجهان: التأنيث، وتركه، لكن يستثنى من أنواع الجمع جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، فيعاملان معاملة المفرد، فتقول: قام الزيدون، كما تقول: قام زيد. ولا يصح أن تقول: قامت الزيدون، كما لا يصح أن تقول: قامت زيد، فيجب التذكير وترك التأنيث مع المفرد كذلك يجب ترك التأنيث مع جمعه وكذلك مع مثناه. وهذا هو الأرجح فيه. وتقول: قامت الهندات، كما تقول: قامت هند بالتأنيث وجوباً، فيجب التأنيث مع المفرد كذلك يجب مع جمعه ومثناه.

ص: 314

وأما جمع التكسير سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، فيجوز فيه الوجهان: التأنيث، وترك التأنيث، تقول: قام الزيود، وقامت الزيود، وقام الهنود، وقامت الهنود، وقال الصحابة، وقالت الصحابة، فمن أنث فقد أوله على معنى الجماعة، قالت الصحابة يعني قالت جماعة الصحابة، وجماعة هذا مؤنث، ومن ترك التأنيث فقد أوله على معنى الجمع، قال الصحابة يعني قال جمع الصحابة، وجمع هذا مذكر.

والتأنيث الواجب في مسألتين:

الأولى: أن يكون الفاعل مؤنثًا تأنيثًا حقيقيًّا، وليس فاعل نعم وبئس، وليس مفصولاً عن عامله، بهذه القيود الثلاثة نقول: يجب أن يؤنث الفعل، نحو: قامت هند.

الثانية: أن يكون الفاعل ضميراً مستتراً عائداً على مؤنث مطلقاً سواء كان المؤنث حقيقي التأنيث أو مجازي التأنيث، نحو: الشمس طلعت، فطلع فعل ماضٍ أسند إلى ضمير مستتر- وهو فاعل- يعود على الشمس، وهي مؤنث مجازي، فوجب تأنيث الفعل. ونحو: هندٌ كتبت، فكتب فعل ماضٍ أسند إلى ضمير مستتر -وهو فاعل- يعود على هند، وهي مؤنث حقيقي، فوجب تأنيث الفعل. وانظر هنا إلى أن الفعل الذي يجب تأنيثه بتاء التأنيث هو فعل ماضٍ، وأما الفعل المضارع فقد يسند إلى فاعلٍ مؤنث، نحو: تقوم هند، وحكم تأنيث الفعل هنا واجب، وتأنيثه بحرف المضارعة وهو التاء، استغناءاً عن تاء التأنيث الساكنة بتاء المضارعة، لذلك تاء التأنيث

ص: 315