الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإِضَافَةِ
لم يذكر الخفض بالحرف لعله إحالة إلى ما سبق وهو حروف الجر التي ذكرها أولا. [بَابُ الإِضَافَةِ] الإضافة مصدر، وليس المراد بالإضافة المعنى المصدري بل المضاف والمضاف إليه، فحينئذ يكون من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول مجازًا. واسم المفعول المراد به هنا هو المضاف المطلق، ليشمل المقيَّد بحرف جر وغيرَ المقيَّد، لأنَّ المضاف نوعان: مضاف، ومضاف إليه، والقدر المشترك بينهما هو المضاف، وهنا أراد المضاف من حيث هو بقطع النظر عن كونه مضافًا أو مضافًا إليه، [بَابُ الإِضَافَةِ] أطلق المصدر وأراد اسم المفعول أي المضاف، وهو المضاف والمقيَّد بالجار، لكن حمله على المقيَّد بالجار أولى، لأنه يتكلم عن المخفوضات، والتعميم في مثل هذا الموضع كما صنعه البعض فيه نوع إيهام، لأنه لا يتكلم عن المضاف، لأن المضاف يكون بحسب العوامل الداخلة عليه، فإن دخل عليه عامل يقتضي الرفع رُفِع، وإن دخل عليه عامل يقتضي النصب نُصِب، وإن دخل عليه عامل يقتضي الجر جُرَّ، فتقول: جاء غلامُ زيدٍ غلامُ بالرفع وهو مضاف، لأنَّ إعرابه بحسب العوامل الداخلة عليه، ورأيت غلامَ زيدٍ غلامَ بالنصب لأنه دخل عليه عامل يقتضي النصب، ومررت بغلام بالجر لأنه دخل عليه عامل يقتضي الجر وهو الباء، أما زيد من نحو: غلام زيد هو محل البحث عند النحاة في مثل هذا الموضع.
[بَابُ الإِضَافَةِ] الإضافة لغة: مطلق الإسناد ومنه قول الشاعر:
فَلمَّا دَخَلْنَاهُ أَضَفْنَا ظُهُورَنَا
…
إِلَى كُلِّ حَارِيٍّ جَدِيدٍ مُشَطَّبِ
أضفنا ظهورنا يعني أسندنا ظهورنا، وأما الإضافة في الاصطلاح: فهي إسنادُ اسمٍ إلى غيره بتنزيل الثاني منزلة تنوينه أو ما يقوم مقامه. إسناد اسم إلى غيره لأنَّ الإسناد المراد به النسبة والارتباط والعلاقة بين اسمين، فكلما أُسند لفظ إلى لفظ نقول: وُجد ارتباطٌ وعلاقةٌ بينهما، هذه العلاقة قد تكون تامة، وقد تكون جزئية تقييدية، فإذا كانت تامة يُعَنون لها عند النحاة والمناطقة بالنسبة التامة أو النِّسَبِ الكلية، وضابطها ما كانت النسبة أو الارتباط أو الاجتماع أو التعلق بين المبتدأ والخبر، وبين الفعل والفاعل، وما عدا ذلك فكلُّ ارتباطٍ بين كلمتين فهي نسبة تقييدية ليست تامة، لأنَّ الارتباط هنا بين اللفظين: إما أن تكون الإفادة على وجه التمام أولا؛ أي لا على وجه التمام، والإفادة هي ما أفاد فائدة تامة، وهذا ما وُجد فيه شرط الكلام أن يكون مسندًا ومسندًا إليه، وما كان مفيدًا لا على وجه التمام كالمركب الإضافي، والمركب التقييدي، والمركب الإسنادي المسمى به مثلاً كلُّ مركبٍ لا ينطبق عليه حدُّ الكلام يسمى الارتباط بين اللفظين نسبة تقييدية، كالحيوان الناطق، وتقول: جاء زيدٌ العالمُ، هذا مثال يصلح للنسبتين فجاء زيد، هنا حصلت نسبة تامة، وهي إسناد المجيء إلى زيد، وصار الكلام تامًّا، إذًا بينهما ارتباطٌ وعلاقةٌ وأفاد فائدة تامة لأنَّ جاء هذا مسند، وزيد
مسند إليه، وأما زيد العالم فزيد فاعل والعالم صفة له، فبينهما ارتباط قطعًا لأنه صفة مع موصوفها، وبينهما ارتباط وعلاقة ونسبة، ولكن هذه النسبة ليست تامة بل ناقصة تقييدية، لأنها لا تفيد فائدة الكلام الفائدة التامة، فحينئذٍ المركب الإضافي من النوع الثاني، وهو ما كانت فيه النسبة تقييدية، لذا قال: إسناد اسم إلى غيره لتنزيل الثاني منزلة التنوين من الأول، تقول: غلامٌ، وهو اسم نكرة، وتنوينه تنوين تمكين، إذا أضفته وجب حذف التنوين فتقول: غلامُ زيدٍ نُزِّل زيد المضاف إليه من الأول المضاف منزلة التنوين، لأنه يجب عند الإضافة إضافة الاسم الأول إلى الثاني حذف التنوين من الأول؛ لأن الثاني نزل منزلة الجزء من الأول، ولذلك لما صار زيد كالجزء من غلام أخذ التنوين من الأول فصار في آخره على الدال، لأنه صار كالكلمة الواحدة، إذًا نزل الثاني منزلة التنوين مما قبله، أو مما ينوب عنه تقول: جاء غلاما زيدٍ فغلاما زيد أَصله غلامان مثنى فلما أضيف غلامان وجب حذف التنوين، وليس عندنا تنوين بل ما يقوم مقام التنوين وهو النون، فلما كانت النون قائمة مقام التنوين حذفت عند الإضافة كما يحذف التنوين، فقيل: جاء غلاما زيد، ومثله كاتبوا القاضي، أصله كاتبون حذفت النون وهي عوض عن التنوين في الاسم المفرد من أجل الإضافة ولذلك قال بن مالك:
نُونًا تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا
…
مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا
يجب حذف التنوين من المضاف، ويجب حذف النون التالية للإعراب يعني حرف الإعراب، احترازًا من نون حينٍ وشياطينَ وبساتينَ فإنه لا يجب حذفها تقول: شياطينُ الإنسِ فلا تحذف النون، لأن النون هنا متلوة بالإعراب وليست تالية للإعراب، بل هي متلوة، وغلامان النون هنا تالية للإعراب وقعت بعد حرف الإعراب وهو الألف، وشياطينُ الضمة بعد النون فصارت النون متلوة بالإعراب وليست تالية للإعراب. ولذلك يجب تجريد المضاف من التنوين ومن النون التي هي علامة الإعراب لقيام المضاف إليه مقامه، ومنه والمقيمي الصلاة قال تعالى:(إِنَّكُمْ لذائقوا الْعَذَابِ)[الصافات:38] والأصل ذائقون ثم أضيف فقيل: ذائقوا العذابِ. فالإضافة لا تجتمع مع التنوين، لأنه يدل على كمال الاسم، والإضافة تدل على نقصانه، ولا يكون الشئ كاملا ناقصًا، ولا مع النون التالية للإعراب، ولا مع أل.
الخَفْضُ بِالحَرْفِ وَبِالإِضَافَهْ
…
كَمِثْلِ زُرْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَهْ
المضاف لا يكون إلا اسمًا، ولذلك عدَّ السيوطيُّ في الأشباه والنظائر أن المضاف والمضاف إليه من علامات الأسماء، فلا يكون المضاف إلا اسمًا، ولا يكون المضاف إليه إلا اسمًا، لأنَّ المضاف إليه حلَّ محل التنوين أو النون التالية للإعراب، إذًا المضاف إليه حل محل التنوين من المضاف، والتنوين يدخل الأسماء فقط، وأيضًا الغرض من الإضافة في الأصل هو التعريف، والذي يقبل التعريف هو الاسم فحسب، فإذا قيل: غلامُ زيدٍ أفاد زيد المضافُ إليه المضافَ
النكرةَ في الأصل أفاده تعريفًا، إذًا اكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف، وهذا هو الأصل في فائدة الإضافة جيء بها من أجل التعريف، والفعل لا يقبل التعريف، حينئذٍ صح أن يحصر المضاف في الاسم. والأصل في المضاف إليه أن يكون اسمًا أيضًا لأنه محكوم عليه في المعنى، ولا يحكم إلا على الأسماء، فإن قيل: قد تقع الجملة في محل جر مضاف إليه، نقول: المضاف إليه إما أن يكون اسمًا صريحًا أو مؤولا بالصريح، فحينئذٍ المضاف إليه إذا وقع جملة فعلية أو اسميه أُرجع إلى الاسم، وصارت القاعدة مطردة أنَّ المضاف إليه لا يكون إلا اسمًا. [الخَفْضُ] للاسم كائن [بِالحَرْفِ] أي حرف الجر، وأل للعهد الذكري لأنه ذكر فيما سبق عند قوله: وبحروف الخفض، والخفض مبتدأ، وبالحرف جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، فالخفض يكون بالحرف كقولك: مررت بزيد، فزيدٍ اسم مجرور بالباء، وهو حرف جر، فالعامل فيه نفس الباء، سواء كان الحرف أصليًّا أم زائدًا أو شبيهًا بالزائد؛ لأنَّ حروف الجر على ثلاثة أقسام: النوع الأول: ما هو حرفُ جرٍّ أصليٍّ، وهو الذي يدل على معنىً وضع له في لغة العرب كمِن وعن إذا استعملت في مواضعها، وتحتاج إلى متعلَّق تتعلق به وهو ينحصر فيه قول القائل:
لَا بُدَّ لِلَّجَارِّ مِنَ التَّعَلُّقِ
…
بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرْتَقِي
إذًا ليس كلما مرَّ بك جار ومجرور تقول: الجار والمجرور متعلق بكذا، وإنما تنظر في الحرف هل استعمل في معناه الذي وضع له في لغة العرب أم لا؟ فحينئذ إذا كان كذلك تقول الجار والمجرور
متعلق بكذا وإلا فلا.
النوع الثاني: حرف الجر الزائد، وهو الذي لا معنى له ولا يحتاج إلى متعلَّق، وقولهم: لا معنى له، ليس المراد به أنه سُلب عنه المعنى بالكلية، وإنما لم يستعمل في معناه الذي وضع له في لغة العرب، ونمثل بالقرآن قال تعالى:((هَلْمِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] والقرآن يُنزل على قواعد العرب المشهورة، فإذا ثبت في لغة العرب القول بالزيادة فلا مانع بأن يقال في القرآن ما هو حرف زائد لكن بالزيادة التي اصطلح عليها أهل اللغة، وليس المراد بالزيادة أنه يُمحى من القرآن ويحذف، لم يقل أحدٌ من العقلاء بهذا، وإنما مرادهم بالحرف الزائد هو الذي ليس له معنىً غير التوكيد، هكذا نص الخضري في حاشيته على ابن عقيل عند قولهم الباء حرف جر زائد في البسملة، ليس له معنىً غير التوكيد، إذًا له معنىً، ولكن المعنى الذي دل عليه في هذا التركيب غير المعنى الذي وضع له أصالة وابتداءًا في لغة العرب، فالحرف مِن في الآية لم يستعمل في أحد المعاني الموضوعة لها لغة، ولم تأت لأيِّ معنىً وضع له في لغة العرب إلا كونها أفادت التوكيد، فحينئذٍ هي زائدة ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ (3))) [فاطر:3] فخالقٍ اسم مجرور بمن في اللفظ، لكنه في الحقيقة ليس بمجرور بمن، قد يُظَنُّ أنَّ مِن خالقٍ جار ومجرور متعلق بكذا، نقول: لا ليس كذلك، بل تقول: من حرف جر زائد، وإذا أردت أن تخرج عن العهدة فتقول: من صلة أو توكيد، قال بعضهم:
وَسَمِّ مَا يُزَادُ لَغْوًا اوْ صِلَهْ
…
أَوْ قُلْ مُؤَكِّدًا وَكُلٌّ قِيلَ لَهُ
لَكِنَّ زَائِدًا وَلَغْوًا اجْتَنِبْ
…
اطْلَاقَهُ فِي مُنْزَلٍ كَذَا وَجَبْ
يعني لا يقال: في القرآن زائد، ولا يقال: لغو، أما لغوًا فلا إشكال فلا يقال: لغو لأنه ليس له معنى صحيح، أما زائد فله معنى صحيح، فصار محتمِلاً، فحينئذٍ في مجالس طلبة العلم الواعين لا بأس أن يقال: من حرف جر زائد، لأنهم يدركون معنى الكلام، وأما عند العوام وعلى المنابر فلا تقول: من حرف جر زائد أو حرف زائد، لأنه لا يفهم من الزيادة ما اصطلح عليه أهل اللغة. ومن جهة كونه زائداً لا يحتاج إلى متعلَّق يتعلق به.
النوع الثالث: حرفُ الجرِّ الشبيه بالزائد من جهة العمل كالزائد يعني يدخل على ماله محل في الأصل كما ذكرناه في السابق، ولا متعلَّق له، قال الشاعر:
لَعَلَّ أَبِي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ
وقال:
لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَينَا
…
بِشَيءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَرِيمُ
الجر بلعل شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، ودائمًا يحكم جمهور النحاة بأن ما اختص به طائفة دون سائر العرب لا يقاس عليه يجعل خاصًّا بلغة فلان أو قبيلة، وذلك مثل لغة أكلوني البراغيث، وعليه كلُّ ما اختصت به قبيلة لا ينزل عليه عام القرآن وإنما ينزل القرآن على ما اشتهر وشاع في لسان العرب، قال تعالى: (وَأَسَرُّوا
النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء:3] لا يصح أن نجعلها من باب أكلوني البراغيث، وإنما تحمل على التقديم والتأخير على البدل. لعلَّ اللهِ فلعلَّ حرفُ جرٍّ شبيهٍ بالزائد، لأنه استعمل في معناه وهو الترجي، ولكن ليس له متعلَّق، إذًا له معنىً، واستُعمل في معنى وضع له في لغة العرب، ولا يحتاج إلى متعلَّق، فما بعده يكون على أصل وضعه قبل دخول لعلَّ، لعلَّ حرفُ ترجٍّ وجر شبيه بالزائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، اللهِ مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد.
إذاً هذه ثلاثة أنواع لحروف الجر:
الأول: حرف جر أصلي له معنى وضعته العرب استعمل في معناه وله متعلَّق.
الثاني: حرف جر زائد لا معنى له غير التوكيد ولا متعلَّق له.
الثالث: حرف جر شبيه بالزائد له معنى، ولا متعلَّق له.
[الخَفْضُ بِالحَرْفِ] مطلقًا سواء كان زائدًا أو أصليًّا أو شبيهًا بالزائد، لأنَّ الأثر ملفوظ به، [وَبِالإِضَافَهْ] يعني الخفض بالحرف وبالإضافة أي بإضافة اسم، وظاهر العبارة هنا أن العامل هو الإضافة، والإضافة هي التي عرفناها سابقًا إسناد اسم إلى غيره .. إلخ وهو أمر معنوي وإذا كان أمرًا معنويًّا فحينئذٍ لا يصحُّ تعليق الأثر به، والصواب أن يقال: إنَّ المضاف هو العامل في المضاف
إليه. [كَمِثْلِ زُرْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَهْ] وفي بعض النسخ كمثل أكرمْ بأبي قحافة، وهي أولى لأنَّها شاهد على النوعين الخفض بالحرف، والخفض بالمضاف، فأكرم بأبي جُرَّ بالباء فالخفض بالحرف، وأبي قحافة هذا مثال للجر بالمضاف، [كَمِثْلِ زُرْتُ] زرت فعل وفاعل، وابنَ مفعول به منصوب، وهو مضاف وأبي مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف وقحافة مضاف إليه.
نَعَمْ وَبِالتَّبْعِيَّةِ الَّتِي خَلَتْ
…
وَقُرِّرَتْ أَبْوَابُهَا وَفُصِّلَتْ
[نَعَمْ] حرف جواب مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ولا عمل له، وله معانٍ منها أنه حرف توكيد إذا صُدِّر بها الكلام، نحو: نعم إنك طالب مجتهد، فهي حرف جواب في الأصل لكنها استعملت للتوكيد، وذلك إذا وقعت في صدر الكلام، وهنا وقعت في صدر الكلام فحينئذ تحمل على أنها للتوكيد، [وَبِالتَّبْعِيَّةِ] يعني يخفض الاسم بالحرف، وبالإضافة والصواب بالمضاف، وبالتبعية للمخفوض أي كونه تابعًا للمخفوض، كونه نعتًا أو بدلاً أو توكيدًا. جعل التبعية عاملاً مستقلاً بذاته، والصواب أنها راجعة إلى الأول، إما حرف وإما اسم، لذلك القول بالخفض بالتبعية ضعيف، والحق أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع، نحو: مررت بزيدٍ العاقلِ، فالعاقل نعت لزيد، كونه تابعًا له، ونعتًا له هو الخافض على كلام المصنف هنا، إذًا مررت بزيد العاقل الباء حرف جر، وزيد اسم مجرور بالباء وجره كسرة ظاهرة على آخره، العاقل نعت لزيد
تابع له مجرور بالتبعية، فهي عاملٌ مستقلٌ، وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره، والصواب أنَّ العامل في المتبوع هو العامل في التابع، بزيد العاقل فالعاقلِ الذي جره هو الذي جر موصوفه زيد وهو حرف الجر. [نَعَمْ وَبِالتَّبْعِيَّةِ الَّتِي خَلَتْ] أي التي مضت وسبق ذكرها حيث قال: كتاب التوابع، فكلُّ ما سبق فهو وارد هنا، [وَقُرِّرَتْ] القرار في المكان الاستقرار فيه، تقول: قرِرْتُ بالمكان بالكسر أقرُّ قرارًا، [أَبْوَابُهَا] السابقة النعت والتوكيد والعطف والبدل، [وَفُصِّلَتْ] فَصَلَ الشيءَ فانفصل أي قطعه فانقطع وبابه ضرب. وهنا جاء فُعِّلَ للتأكيد.
ويجمع العوامل كلها قولنا: [بسم الله الرحمن الرحيم] بسم فاسمِ مجرور بالباء، وهذا مثال للخفض بالحرف، اسمِ اللهِ اسم مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وعلى كلام الناظم مجرور بالإضافة وهو مذهب الأخفش وهو ضعيف، والصواب أنه مجرور بالمضاف، الرحمنِ نعت للفظ الجلالة مجرور بالتبعية لأنه تابع له على كلام الناظم، والصواب أنه مخفوض بما خُفض به متبوعه، فالعامل في لفظ الجلالة هو العامل في الرحمن، وهو المضاف.
وَمَا يَلِي المُضَافَ بِالَّلامِ يَفِي
…
تَقْدِيرُهُ بِمِنْ وَقِيْلَ أَوْ بِفِي
كَابْنِي اسْتَفَادَ خَاتَمَيْ نُضَار
…
وَنَحْوُ مَكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
الإضافة تأتي على معنى حرف من حروف الجر، والجمهور على أنها لا تكون إلا على معنى اللام فحسب، فإذا قيل: غلامُ زيدٍ قالوا:
الأصل غلامٌ لزيد، فحذف التنوين للإضافة، ثم حذفت اللام، فصار غلامُ زيد، واللام المحذوفة مقدرة من جهة المعنى، فحينئذٍ تفسر الإضافة على معنى اللام، وتسمى الإضافة لامية بمعنى أنها تدل على معنى اللام لام المِلك أو لام الاختصاص، غلام زيد أي مملوك له، باب الدار أي باب مختص بالدار، وهذا قول الجمهور أنَّ الإضافة لا تكون إلا على معنى اللام، فحينئذ لا نحتاج إلى ضابط لأنها محصورة في معنى واحد وهو معنى اللام لام الملك أو الاختصاص، وتكون اللام للملك إذا وقعت بين ذاتين ودخلت على من يملك، نحو: غلام زيد في المعنى غلام لزيد دخلت على زيد وهو يملك، ولام الاختصاص إذا وقعت بين ذاتين ودخلت على مالا يملك مالا يصح منه المِلك فتفسر اللام هنا بالاختصاص، نحو: باب الدار.
[وَمَا يَلِي المُضَافَ بِالَّلامِ يَفِي] أي والذي يلي ويتبع المضاف، وهو المضاف إليه، يفي يعني يكمل من جهة المعنى باللام أي يقدر باللام، ويكمل معناه إذا قُدِّر باللام يعني لا تُفهَم تلك الإضافة على وجه الكمال إلا على معنى حرف من حروف الجر وهو اللام، وهذا مذهب الجمهور سواء كانت اللام دالة على الملك أو دالة على الاختصاص. [تَقْدِيرُهُ بِمِنْ] هذا قولٌ لبعض النحاة أنَّ الإضافة إما أن تكون على معنى اللام، أو على معنى مِنْ التي لبيان الجنس، وحينئذٍ نحتاج إلى ضابط، فنحمل الإضافة على معنى مِنْ إذا كان المضاف إليه جنسًا للمضاف يعني يعُمَّه وغيرَه أي يشمله وغيره،
ويصح الإخبار به عنه يعني يصح أن تجعل المضاف مبتدأ والمضاف إليه خبرًا عنه، فإنْ صحَّ فهي على معنى مِنْ وإلا فاجعلها على معنى اللام، نحو: هذا خاتمُ حديدٍ، فالمضاف إليه جنسًا للمضاف، لأنَّ الحديد يكون خاتمًا وغيره كالباب، إذًا هو جنس للخاتم، ويصح الإخبار به عنه فتقول: هذا خاتمٌ حديدٌ، صحَّ الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، حينئذٍ الإضافة على تقدير مِنْ التي لبيان الجنس، فتقدير خاتمُ حديدٍ خاتمٌ من حديدٍ، فإذا لم يقع المضاف إليه جنسًا للمضاف، فحينئذ الإضافة على معنى اللام، نحو: غلام زيد، فزيد ليس جنسًا للمضاف، فحينئذ تكون على معنى اللام، ونحو: يومُ الخميسِ يصح أن تخبر بالمضاف إليه عن المضاف ولو بتغيير كإدخال أل ونحوها فتقول: اليومُ الخميسُ، لكن ليس المضاف إليه جنسًا للمضاف، فالإضافة على معنى اللام. إذا لم يكن المضاف جنسًا للمضاف إليه كانت الإضافة على معنى اللام، أو لم يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف كانت الإضافة على معنى اللام، إذًا لا بد من توفر الشرطين معًا، وقد ينتفي الشرطان نحو: يد زيد، لا يصح الإخبار بزيد عن اليد، وليس زيد جنسًا لليد. [وَقِيْلَ أَوْ بِفِي] وهذا على قلة، وقلةٌ من النحاة ممن قال: إنَّ الإضافة تأتي بمعنى [في] كابن مالك ومن تبعه، وذلك فيما إذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف مثل قوله تعالى:(مكر اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) [سبأ:33] وقوله: (تربص أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)) [البقرة:226] يعني تربُّصٌ في أربعة أشهر، فإذا صحَّ أن يكون المضاف إليه ظرفًا
للمضاف فهي على معنى في، كيف تميز هذه عن تلك؟ نقول: تطبق شروط مِن الجنسية، أو في الظرفية، فإن لم يكن هذا أو ذاك فهي بمعنى اللام، [وَقِيْلَ أَوْ بِفِي] الدالة على الظرفية [كَابْنِي اسْتَفَادَ خَاتَمَيْ نُضَارِ] أي كقولك أو مثل قولك أو مثل ابني استفاد، فابني مبتدأ، واستفاد فعلٌ ماضٍ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، خاتمي نُضاري والنُّضاري بالضم والنضير الذهب، أي خاتمي ذهب، خاتمي نضاري الإضافة هنا على معنى مِنْ لأنَّ الذهب جنس للخاتم، ويصح الإخبار عنه بالمضاف إليه، وخاتمي مثنى حذفت منه النون للإضافة، والأصل خاتمين، [نَحْوُ مَكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ] أي مكرٌ في الليل أي كائن في الليل، فتكون الإضافة على معنى في، لأنَّ المضاف إليه ظرفٌ للمضاف، فالليل ظرف للمضاف.
إذاً الإضافة لا بُدَّ أن تكون على أحد معاني الحروف الثلاثة إما بمعنى اللام، ولا يشترط التصريح بها، وإنما المقصود أن تُفيد الإضافة معنى اللام، يعني تلحظ المعنى فقط، ولا يشترط أنك تفك الكلمة كغلام لزيد، ويد لزيد، لا وإنما تلاحظ فيها معنى الملكية، ومعنى الاختصاص، العلاقة بين المضاف والمضاف إليه الاختصاص، أو الملكية، أو الجنسية، أو الظرفية، ولا يشترط فيه أن تفك المضاف والمضاف إليه وتدخل الحرف مِنْ أو اللام، لأنَّ هذا لا يطرد وإنما المراد المعاني، ولذلك يقال: الإضافة على معنى اللام يعني يلاحظ فيها المعنى لا اللام نفسها بلفظها، وعلى معنى من،
وعلى معنى في الظرفية، فتقول: يومُ الأحدِ على معنى اللام، ولا يصح التصريح بها فيقال: يوم للأحد، وعلمُ الفقهِ لا يقال: علم للفقه، وشجرُ الأراكِ لا يقال: شجر للأراك فهذه لا يمكن أن تظهر اللام لفظًا مع أنهم يتفقون أن الإضافة فيها لامية.