الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإِعْرَابِ
الاِعْرَابُ تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ
…
تَقْدِيرًا اوْ لَفْظًا فَذَا الحَدَّ اغْتَنِم
وَذَلِكَ التَّغْيِيرُ لاِضْطِرَابِ
…
عَوَامِلٍ تَدْخُلُ لِلإِعْرَابِ
أقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ تُؤَمُّ
…
رَفْعٌ وَنَصْبٌ ثُمَّ خَفْضٌ جَزْمُ
فَالأَوَّلَانِ دُونَ رَيْبٍ وَقَعَا
…
فِي الاِسْمِ وَالفِعْلِ المُضَارِعِ مَعَا
فَالاِسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالجَرِّ كَمَا
…
قَدْ خُصِّصَ الفِعْلُ بِجَزْمٍ فَاعْلَمَا
قال رحمه الله تعالى: [بَابُ الإِعْرَابِ] أي هذا باب بيان حقيقة الإعراب المصطلح عليه عند النحاة. فأل للعهد الذهني، لأن الإعراب له معنى لغوي، ومعنى اصطلاحي والمراد به هنا المعنى الاصطلاحي؛ لا المعنى اللغوي. [بَابُ الإِعْرَابِ] كما ذكرنا سابقًا أنها ترجمة مؤلفة من كلمتين ولذلك نقول:
إِنَّمَا النَّحْوُ قِيَاسٌ يُتَّبَعْ
…
وَبِهِ فِي كُلِّ عِلْمٍ يُنْتَفَعْ
فما قيل هناك يقال هنا، فلا عود ولا إعادة. وثنى بباب الإعراب بعد أن ذكر لك باب الكلام، وإن كان باب الإعراب أولى بالتقديم، لأن موضوع فن النحو الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، فحينئذٍ الأولى أن يقدم الإعراب على الكلمة والكلام. وإنما ذكر الكلام أولاً ثم ذكر الإعراب؛ لأن الكلام محلٌ للإعراب، والإعراب حالٌّ. ومعرفة المحل متقدمة على معرفة الحال. أويقال: الإعراب
كالصفة، والكلام كالموصوف. والعلم بالموصوف مقدم على العلم بالصفة.
[بَابُ الإِعْرَابِ] الإعراب- بكسر الهمزة- لا الأعراب - بفتحها- لأنه اسم سكان البادية. والإعراب مصدر أعرب الثلاثي المزيد بالهمز في أوله من باب الإفعال يقال: أعرب يعرب إعرابًا. والإعراب يأتي في اللغة على معانٍ منها التحسين والبيان والتغيير. فالتحسين كقولك: هذه جارية عروبة أي حسناء. أو أعربت الجارية أي حسنت. والبيان والإظهار كقولك: أعرب زيدٌ عما في نفسه. إذا أبانه وأظهره، ومنه الثيب تعرب عما في نفسها أي تبين وتظهر. والتغيير كقولك: أعربت معدة البعير إذا تغيرت لفساد. وأما في الاصطلاح فقد اختلفت كلمة النحاة في الإعراب، هل هو لفظي أم معنوي؟ هل الإعراب شيء يلفظ وينطق به أم أمر معنوي وله دليل لفظي يدل عليه؟ نقول: فيه خلاف، مذهب البصريين أنه لفظي، ومذهب الكوفيين أنه معنوي. وأدلةُ كلٍّ من الفريقين مع جواب كل منهما مبسوطة في شرح الملحة من أرادها فليرجع إليها. ولكن نقول هنا الأرجح هو مذهب البصريين أن الإعراب لفظي وليس بمعنوي. والناظم هنا قد تبع الأصل ابنَ آجروم وهو كوفي، لذلك اختار أن الإعراب معنوي وتعريفه ينطبق على القول بأن الإعراب معنوي. والفرق بين القولين: أنه إذا قيل: الإعراب لفظي-وهو مذهب البصريين- مرادهم بهذا = أن الضمة والفتحة والكسرة والسكون هي عين الإعراب، هي نفسه، فإذا قلت: جاء
زيدٌ. فالضمة هي الإعراب، وإعرابه: جاء فعل ماض، وزيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة في آخره. إذًا حكمنا أن الضمة هي الإعراب لأنه لفظيٌّ ينطق به. وإذا قيل: الإعراب معنوي- وهو مذهب الكوفيين- مرادهم بهذا = الانتقال من الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الجر، فتكون الحركات علامة لا نفس الإعراب. فإذا قلت: جاء زيدٌ. فزيد فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة. وليست الضمة هي الإعراب، وإنما هو تغيير الكلمة من كونها موقوفةً قبل دخول العامل، ثم صارت مطلوبة لعامل يقتضي الرفع، وهذه الضمة دليل على هذا التغيير والانتقال. لأن الكلمة تكون موقوفة أولاً يعني قبل جعلها في ضمن الجملة، فـ (زيد) وحدها فيها ثلاثة أقوال: قيل: لا معربة ولا مبنية وهذا هو الأرجح. وقيل: مبنية. وقيل: معربة حكمًا، بمعنى أنها إذا دخل عليها عامل صارت معربة. والأصح القول الأول؛ لأن الإعراب والبناء وصف للكلمة بعد التركيب. أما قبل التركيب فلا توصف لا بإعراب ولا بناء. فإذا قلت (جاء زيد) نقلت الكلمة من الوقف بدون إعراب ولا بناء إلى كونها مطلوبة لعامل يقتضي الرفع وهو جاء فحينئذٍ حصل التغيير والنقل من كونها لا معربة ولا مبنية إلى كونها مرفوعة، وهذا التغيير والانتقال هو الإعراب عند الكوفيين، والذي دلنا على هذا التغيير هو الضمة، فحينئذٍ الضمة ليست هي الإعراب كما يقول البصريون وإنما هي دليل على الإعراب. وكذلك إذا ركبت (زيد) مع عامل يقتضي النصب حصل التغيير والانتقال من عامل
يقتضي الرفع إلى عامل يقتضي النصب. فتقول: رأيت زيدًا. فـ (زيدًا) بالنصب، إذًا حصل الانتقال والتغيير، وهذا هو الإعراب عند الكوفيين، ودليله الفتحة. وكذلك يقال في الجر. إذًا النتيجة بعد هذا الخلاف هو في كيفية الإعراب فقط. فإذا كنت بصريًا فتقول: مرفوع مثلا ورفعه ضمة، ولا تأتي بعلامة.
وإذا كنت كوفيًا تقول: مرفوع وعلامة رفعه الضمة، فالذي دلَّنا على أنه مرفوع هو الضمة. وقل كذلك في النصب والجر. هذا ومع كون البصريين يرجحون أنه لفظي؛ إلا أنهم في الإعراب يكاد يطبقون على قولهم علامة رفعه كذا. قالوا: هذا من باب التوسع والتسامح.
الاِعْرَابُ تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ
…
تَقْدِيرًا اوْ لَفْظًا فَذَا الحَدَّ اغْتَنِم
وَذَلِكَ التَّغْيِيرُ لاِضْطِرَابِ
…
عَوَامِلٍ تَدْخُلُ لِلإِعْرَابِ
هذا هو حد الإعراب على مذهب الكوفيين على أنه معنوي. قال: [الاِعْرَابُ] أل للعهد الذكري؛ لأنه أعاد المعرفة معرفة، فهي عين الأولى، ومقتضى الظاهر أن يأتي بالضمير هو لكنه عدل إلى الاسم الظاهر للإيضاح. [تَغْييرُ] هذا مصدر، وهو فعل الفاعل، وليس هو الإعراب، وجوابه أن يقال: هذا من باب إطلاق المصدر وإرادة أثره الحاصل بالمصدر وهو التغير، والمراد بالتغيير: صيرورة أواخر الكلم على وجهٍ مخصوص-كونك تُصيِّر آخر الكلمة الذي هو محل الإعراب على وجه مخصوص- من رفع أو نصب أوخفض أوجزم. لأن أقسام الإعراب منحصرة في هذه الأربعة. [تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ] لما كان التغيير يلحق الأوائل، كفُلَيس تصغير فلس. وقد
يلحق الأواسط كفُلَيس بفتح اللام تصغير فلْس بإسكان اللام. ولما كانت علامة الإعراب محلها الحرف الأخير قيد التغيير هنا بمحل الإعراب أي الذي يظهر عليه علامة الإعراب. فأخرج تغيير الأوائل، وتغيير الأواسط. إذًا تغيير أواخر الكلم الإضافة هنا للتقييد احترازًا عن تغيير الأوائل والأواسط، وهذا التغيير ليس بإعراب باتفاق. إنما محل التغيير الذي يعد إعرابًا هو الآخر، لذلك قال:[تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ][أَوَاخِرِ] جمع آخر، وأقل الجمع ثلاث، فحينئذٍ لا يصدق الإعراب إلا إذا تغير ثلاثة أواخر، وليس هذا بمراد. وجوابه: أن هذه الإضافة جنسية، والإضافة الجنسية تُبطل معنى الجمعية، فيصدق الجمع بالواحد. والآخر نوعان: حقيقيٌّ وحكميٌّ. فالحقيقي: هو الذي لا حذف بعده، كدال زيد. تقول: جاء زيد (زيد) هذا فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. إذًا محل الإعراب هو الدال، وهي آخر الكلمة، إذًا هذا الآخر آخر حقيقي لأنه ليس بعدها حرف محذوف. والحكمي: هو ما حذف الحرف الذي بعده وصار نسيا منسيا، كيد ودم. تقول: هذه يدٌ. فـ (يد) خبر مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. هل هذه الدال آخر الكلمة؟ الجواب: لا، ليست آخر الكلمة بل هي عين الكلمة، لأن أصلها يَدْيٌ على وَزْنِ فَعْلٍ، فـ (يدْيٌ) بإسكان الدال مع الياء المحذوفة التي هي لام الكلمة، لأنه لَمَّا قيل:(يد) علمنا أن هذه الدال ليست آخر الكلمة، لماذا؟ لأن أصل وضع الاسم يكون على ثلاثة أحرف، وهذا باتفاق الصرفيين، وكذلك الفعل، وأصل وضع الحرف يكون على
حرف أو حرفين. فحينئذٍ لو جاء الاسم-وهو معرب- على أقل من ثلاثة أحرف لابد من حرف محذوف من الكلمة. فحينئذٍ نقول: يدي هو الأصل، فحذفت الياء التي هي لام الكلمة، وهذا الحذف يسمى عند الصرفيين حذفًا اعتباطيًا. لأن الحذف نوعان: حذف قياسي، وحذف اعتباطي. والحذف القياسي هو الذي يكون لعلة تصريفية. والحذف الاعتباطي هو الذي يكون لغير علة تصريفية، يعني هكذا سمع من لغة العرب لم يذكر هذا الحرف أصلا. فحينئذٍ حذفت الياء اعتباطًا فصارت نسيًا منسيًا، وإذا صارت نسيًا منسيًا وهذه الكلمة معربة فحينئذٍ لابد من إعراب، والإعراب يظهر على آخر الكلمة، وهو الياء المحذوفة. قالوا: إذًا ننزل ما قبل الآخر منزلة الآخر، فنعامل العين التي هي الدال معاملة الحرف الآخر وهو الياء المحذوفة، فنقول: هذا آخر الكلمة، لكنه ليس بحقيقي بل هو حكمي، فصار محلاً للإعراب.
ومثلها (دم) أصلها دَمْوٌ أو دَمْيٌ على الخلاف هل المحذوف واوٌ أم ياء؟. فـ (دم) الميم هنا عين الكلمة وليست بآخر الكلمة، ولكن لما حذف الحرف الذي هو محل لإظهار الإعراب-الواو أو الياء- حينئذٍ لابد من حرف يقوم مقامه وإلا لسقط الإعراب بجملته، فنزل ما قبل الآخر منزلة الآخر. [تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ] الكلم اسم جنس جمعي واحده كلمة. أقله ثلاثة وحينئذٍ لابد من ثلاث كلمات حتى تتغير فيصدق الإعراب. وجوابه: أن (أل) الجنسية تبطل معنى الجمعية، فحينئذٍ يصدق بالكلمة الواحدة. قلنا: الكلم اسم جنس جمعي واحده كلمة،
والكلمة اسم وفعل وحرف. فإذا قلنا: [تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ] واحده كلمة، دخلت الكلمة بأنواعها الثلاثة. وهل الحرف معرب حتى ندخله في باب الإعراب؟ الجواب: لا، وهل الفعل كله معرب حتى ندخله في باب الإعراب؟ الجواب: لا، وهل الأسماء كلها معربة حتى ندخلها في باب الإعراب؟ الجواب: لا. إذًا لابد من التقييد، فنقول: المراد بالكلم هنا نوعان: الاسم المتمكن، والفعل المضارع الخالي من نون الإناث ومن نوني التوكيد. هذا هو المراد بأواخر الكلم هنا، لأن الذي يدخله الإعراب من الأسماء هو الاسم المتمكن. والذي يدخله من الأفعال هو الفعل المضارع بشرط خلوه من نون الإناث ونوني التوكيد. أما بعض الاسم الذي هو غير متمكن فهذا مبني. فخرج الاسم المبني فلا يكون معربًا؛ لأن البناء والإعراب ضدان فلا يجتمعان في محل واحد، من جهة واحدة. وخرج الفعل الماضي لأنه مبني باتفاق، وخرج فعل الأمر وهو مبني على الأرجح. وخرج الحرف لأن الحروف كلها مبنية. إذًا سقط قسم برأسه من الإعراب وهو الحرف. وبعض الاسم، وبعض الفعل. النوع الأول: الاسم المتمكن. وما المراد بالاسم المتمكن؟ نقول: الاسم نوعان: معرب، ومبني. والاسم المعرب يسمى متمكنًا، وهو الذي تمكن في باب الإعراب، وبقي على أصله؛ لأن الأصل في الأسماء أنها معربة، والبناء فرع فيها، فحينئذٍ إذا جاء الاسم معربًا لا يسأل لِمَ أعرب؟ لأن ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته. أما إذا جاء الاسم مبنيًا فلابد من سؤال لم بني الاسم؟ فحينئذٍ يبحث عن
علل بناء الاسم. فنقول: الاسم المتمكن هو الذي تمكن في باب الإعراب بحيث لم يشبه الحرف فيبنى، فالاسم الذي لم يشبه الحرف هو الاسم المتمكن. وهو نوعان: متمكن أمكن، ومتمكن غير أمكن. فالمتمكن الأمكن: هو الذي يدخله تنوين التمكين، الدال على أن الاسم قد تمكن في باب الإعراب والاسمية؛ بحيث لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف، فهو المصروف. والمتمكن غير أمكن هو الممنوع من الصرف وسيأتينا بحثه. وهذان القسمان معربان. ويقابل هذا النوع الاسم غير المتمكن وهو المبني. هذا الاسم المتمكن جملةً، وعند التفصيل هو ثمانية أنواع: الأول: الاسم المفرد المنصرف كزيد. الثاني: الاسم المفرد غير المنصرف كأحمد. الثالث: جمع التكسير المنصرف كرجال. الرابع: جمع تكسير غير المنصرف كمساجد ومصابيح. الخامس: الأسماء الستة. السادس: المثنى. السابع: جمع المؤنث السالم. الثامن: جمع المذكر السالم.
هذه ثمانية كلها داخلة تحت قولك: الاسم المتمكن، إذًا قوله [تَغْييرُ أَوَاخِرِ الكَلِمْ] دخلت فيه هذه الأنواع الثمانية. هي التي يدخلها الإعراب، فأخرج غير المتمكن قولاً واحدًا لأنه مبني، والبناء ضد الإعراب فلا يجتمعان من جهة واحدة. النوع الثاني: الفعل المضارع الخالي من نون الإناث ونوني التوكيد. وهذا ثلاثة أنواع: الأول: صحيح الآخر كيضرب. الثاني: معتل الآخر، وهو ما كانت لامه حرفا من حروف العلة الثلاثة. قال الحريري في الملحة:
وَالوَاوُ وَاليَاءُ جَمِيعًا وَالأَلِفْ
…
هُنَّ حُرُوفُ الاعْتِلالِ المُكْتَنِفْ
إذًا معتل الآخر ما كانت لامه واوًا كيدعو، أو ألفًا كيخشى، أو ياءًا كيقضي.
النوع الثالث: الأمثلة الخمسة-وسيأتي بحثها-.أما إذا اتصلت به نون الإناث فحينئذٍ صار مبنيًا، نحو:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} (البقرة:228) فيتربصن: فعل مضارع مبني على السكون فليس معربًا لاتصال نون الإناث به نقلته إلى أصله، وهو البناء. كذلك إذا اتصلت به نون التوكيد {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ} (الهمزة:4) لينبذن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. حينئذٍ في هاتين الحالتين الفعل المضارع مبني، وليس معربا. نخلص من هذا أن الفعل المضارع له حالتان: حالة إعراب، وحالة بناء. والذي يدخل معنا هنا الفعل المضارع الذي هو معرب سواءٌ كان صحيح الآخر، أو معتل الآخر، أو كان من الأمثلة الخمسة. فالاسم المتمكن ثمانية أنواع، والفعل المضارع المعرب ثلاثة أنواع، وجميعها أحد عشر نوعًا، هي التي تكون معربة وما عداها فلا. قال:[تَقْدِيرًا اوْ لَفْظًا] بين لك نوعي الإعراب، فقد يكون مقدرًا، وقد يكون ملفوظًا به. إذًا الإعراب قسمان: تقديري، ولفظي. [تَقْدِيرًا] بالنصب، فيه خمسة أوجه من الإعراب، والأحسن أن يكون حالاً أو تمييزًا. وإذا كان حالاً فلابد من تأويله بمشتق، لأن الحال لا يقع مصدرًا، وإذا سمع وجب تأويله
بالمشتق، فنقول: تغيير أواخر الكلم حالة كونه أي ذلك التغيير مقدرًا-اسم مفعول- وحالة كونه أي ذلك التغيير ملفوظًا به. [تَقْدِيرًا اوْ لَفْظًا] أو للتنويع والتقسيم وليست للشك ولا للتردد؛ لأن أو للشك لا يجوز إدخالها في الحدود. قال في السلم:
وَلَا يَجُوْزُ فِي الحُدُوْدِ ذِكْرُ أَوْ
…
وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا
والإعراب التقديري: هوما يمنع من التلفظ به مانعٌ من تعذرٍ أو استثقال أو مناسبة. فلا يمكن أن يلفظ بالضمة، ولا يمكن أن يلفظ بالفتحة، ولا يمكن أن يلفظ بالكسرة. فتكون حينئذٍ هذه الحركات مقدرة. ومواضع الإعراب التقديري عديدة، ذكرناها كلها في شرح الملحة فمن أرادها فليرجع إليها، ونذكر هنا المشهور منها وهي أربعة: الأول: الاسم المقصور. والمقصور اسم مفعول من القصر وهو الحبس. ومنه قوله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (الرحمن:72) أي محبوسات في الخيام. وسمي المقصور مقصورًا لحبسه عن الحركات كلها. والمقصور: كل اسم معرب آخره ألف لازمة قبلها فتحة. قوله: (كل اسم) خرج الفعل كيخشى فهذا آخره ألف لازمة قبلها فتحة، لكن لا يسمى مقصورًا في الاصطلاح، وإن حبس عن الحركات، لأن المقصور خاص في الاصطلاح بالاسم، وغير الاسم لا يسمى مقصورًا في الاصطلاح. وخرج الحرف كـ (إلى) فهذا آخره ألف قبلها فتحة، ولا يسمى مقصورًا في الاصطلاح؛ لأنه حرف والمقصور خاص في الاصطلاح بالاسم. (معرب) خرج المبني فلا يكون المقصور مبنيا كـ (ذا) اسم إشارة
وهو اسم آخره ألف لازمة قبلها فتحة. لأنه مبني والمقصور معرب. (آخره ألفٌ لازمة) أخرج ما كانت ألفه غير لازمة، مثل: الزيدان-رفعًا-آخره ألف قبلها فتحة، لكنها ليست بلازمة، لأنك تقول: جاء الزيدان، فآخره ألف-وأما النون فليست من الكلمة بل هي عوض عن التنوين- آخره ألف، وهي ساكنة، وقبلها فتحة. لكنه ليس بمقصور مع كونه اسمًا معربًا وآخره ألف وقبلها فتحة، لأن الألف ليست بلازمة بل تنفك عنه، ولذلك تقول: رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين. إذًا انقلبت الألف فصارت ياءًا، فليست بلازمة. والمقصور مثل: الفتى، والعصا، والرحى. فحينئذٍ نقول: كل الحركات تقدر فيه. فتقول: جاء الفتى (الفتى) فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره. لماذا قُدِّرَت الحركة؟ لأنه مقصور. ما الذي منع من ظهورها؟ التعذر. والتعذر هنا أصلي لا عرضي، وضابط التعذر: هو ما لو تكلَّف المتكلم به لم يظهره. فلو حاول أن يأتي بالفتحة مثلا على الألف لم يستطع ذلك؛ لأنها ملساء لا تقبل الحركة لذاتها. إذًا التعذر الأصلي هنا لكون الحرف ليس قابلاً لذاته الحركة. وإعرابه نقول: جاء الفتى. جاء فعل ماضٍ. والفتى فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الألف الملفوظ بها منع من ظهورها التعذر. ولو قلت: جاء فتىً ففتى: فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. كذلك رأيت الفتى ومررت بالفتى. والحاصل: أن الاسم المقصور يكون إعرابه مقدرًا، وتقدر عليه جميع الحركات الضمة والفتحة والكسرة.
النوع الثاني: الاسم المنقوص. مأخوذ من النقص، وسمي منقوصًا لكونه نُقص منه بعض الحركات لا كل الحركات، أو لكونه تحذف لامه عند التقاء الساكنين وذلك إذا نون. والمنقوص: هوكل اسم معرب آخره ياء لازمة قبلها كسرة، كالقاضي. قوله:(كل اسم) خرج الفعل، فالمنقوص لا يكون وصفًا للفعل، فنحو: يقضي آخره ياء لازمة وهي ساكنة وقبلها كسرة لكن لا يسمى منقوصًا في الاصطلاح، لأنه فعل والمنقوص خاص في الاصطلاح بالاسم. وخرج الحرف، فالمنقوص لا يكون وصفًا للحرف، فنحو: في حرف آخره ياء لازمة قبلها كسرة، لكن لا يسمى منقوصًا في الاصطلاح؛ لأنه حرف والمنقوص خاص في الاصطلاح بالاسم. (معرب) أخرج المبني، فنحو: الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة، لكن لا يسمى منقوصًا لأنه مبني، والمنقوص خاص بالمعرب. (آخره ياء لازمة) أخرج جمع المذكر السالم في حالتي الجر والنصب، فالزيدِين آخره ياء ساكنة قبلها كسرة لكن هذه الياء ليست بلازمة، وإنما تنفك عنه إلى الواو في حالة الرفع إذا قيل: جاء الزيدون. وحكم المنقوص أنه تقدر عليه الضمة والكسرة وتظهر الفتحة، ولذلك سمي منقوصًا لأنه نقص بعض الحركات. تقول: جاء القاضي، فالقاضي فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، لكونه منقوصًا. وعلة عدم إظهار الحركة هو الثقل وليس التعذر، وضابط الثقل: هو ما لو تكلف المتكلم لأتى به. وإنما أسقط للثقل وطلبا للخفة، نحو: جاء القاضيُ فيمكن أن تنطق بالضمة، ولكن لثقلها
على اللسان أسقطت طلبًا للخفة، فحينئذٍ يكون الرفع مقدرًا على الياء الملفوظ بها. وإذا قلت: جاء قاضٍ حذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين، فحينئذٍ تقول: قاضٍ فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل.
النوع الثالث: المضاف إلى ياء المتكلم، تقدر عليه جميع الحركات، وهو كل اسم معرب أضيف إلى ياء المتكلم. وياء المتكلم يلزم أن يكون ما قبلها مكسورًا، لا يكون مفتوحًا ولا مضمومًا. فحينئذٍ إذا أضيف اسم معرب إلى هذه الياء اقتضى أن يكون آخر الكلمة-وهي المضاف- على حالة واحدة وهي الكسر. فتقول: غلامي أضفته إلى ياء المتكلم، وياء المتكلم تستلزم أن يكون ما قبلها مكسورًا، فحينئذٍ يلزم الكسر في جميع المواضع-رفعا ونصبا وجرا- فتقول: جاء غلامي- بكسر الميم- آخر غلامي هو الميم، وهو محل إظهار الضمة، ولكنها لا تظهر لاشتغال المحل بحركة المناسبة. والمراد بالمناسبة هنا: كون اللفظ أضيف إلى ياء المتكلم، وياء المتكلم لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مكسورًا. فـ (غلامي) فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وبعضهم يقول: التعذر العرضي. وأما في نحو: الفتى، فالتعذر أصلي لأن ذات الحرف لا يقبل الحركة. وهنا تعذرٌ عرضي لأن ذات الحرف وهو الميم تقبل الحركة لو لم تضف لكن لما أضيفت لزمت الكسر، فحينئذٍ عدم قبولها الحركة لا لذاتها
وإنما لأمر خارج عنها. ولذلك لو حذفت الياء لقيل جاء غلامٌ ورأيت غلامًا ومررت بغلامٍ. فهذا تعذر عرضي لا أصلي، فالتعذر نوعان: أصلي وهو في المقصور. وعرضي وهو في المضاف إلى ياء المتكلم. مثاله: جاء غلامي. فغلامي فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. ورأيت غلامي. فغلامي مفعول به منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. ومررت بغلامي. فغلامي مجرورٌ وجره كسرة، هل هي هذه الظاهرة أم مقدرة؟ فيه خلاف بين النحاة، والأصح أنها مقدرة، وأن هذه الكسرة كسرة المناسبة وليست كسرة عامل الجر. وبعضهم يقول: بغلامي الباء حرف جر. وغلامي اسم مجرور بالباء وجره كسرة ظاهرة على آخره. ولكنه مرجوح لأن التركيب الإضافي سابقٌ على تسليط العامل عليه، فركب أولاً تركيبًا إضافيًا فقيل: غلامي ثم قال: مررت بغلامي.
النوع الرابع: الفعل المضارع المعتل الآخر، نحو: يخشى، ويدعو، ويرمي، فنحو: يخشى تقدر عليه الضمة والفتحة، ويكون مجزومًا بحذف الألف وهو ظاهر. ونحو: يدعو تقدر عليه الضمة، وتظهر عليه الفتحة، نحو: قوله تعالى: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ} (الكهف:14) فندعوَ: فعل مضارع منصوبٌ بلن ونصبه فتحة ظاهرة على آخره. وجزمه بحذف الواو. ومثله نحو: يرمي تقدر عليه الضمة وتظهر عليه الفتحة لخفتها على الياء، وجزمه
يكون بحذف الياء. هذا هو المشهور أن الإعراب التقديري في أربعة مواضع ونزيد خامسًا: وهو الوقف، لأن العرب لا تقف إلا على ساكن. فإذا قلت: جاء زيدْ، ومررت بزيدْ. تقف على ساكن ويقدر عليها الإعراب. فإذا أعربت تقول: جاء زيدْ، فزيدْ فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف. ومررت بزيدْ. الباء حرف جر، وزيد اسم مجرور بالباء وجره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف. وما عدا هذه المواضع - في الجملة - يكون الإعراب لفظيا لذا قال [اوْ لَفْظًا] وهو ما لا يمنع من النطق به مانع. [فَذَا الحَدَّ اغْتَنِم] أي عُدَّه غنيمة، يقال: غَنِمَ بالكسر غُنْمًا بالضم، وبالفتح ،بالتحريك، وغُنْمانًا بالضم الفوز بالشيء بلا مشقة. [فَذَا الحَدَّ اغْتَنِم][ذَا] مفعول مقدم على عامله الحد بدل أو عطف بيان أو نعت، ولذلك نصب. [اغْتَنِم] فعل أمر، ذا الحد أي عده غنيمة.
وَذَلِكَ التَّغْيِيرُ لاِضْطِرَابِ
…
عَوَامِلٍ تَدْخُلُ لِلإِعْرَابِ
[وَذَلِكَ] المشار إليه الجنس المأخوذ في حد الإعراب-وهو التغيير-، ولذلك فسره بقوله:[التَّغْيِيرُ] لأنه لو قال [وَذَلِكَ] وسكت لوقع إيهام، لأن المشار إليه يحتمل أنه التغيير، ويحتمل أنه الأواخر، ويحتمل أنه الكلم، أو التقدير، أواللفظ. فلما أبهم فسره بما بعده فقال:[وَذَلِكَ التَّغْيِيرُ] ثم بيَّن علة هذا التغيير فقال: [لاِضْطِرَابِ] في الأصل قال: لاختلاف. وهو المراد به هنا،
واللام للتعليل أي لأجل [اِضْطِرَابِ] قال في القاموس: اضطرب تحرك وماج كتضرَّبَ. يعني أن اختلاف العوامل علة لتغيير أحوال أواخر الكلم، عرفنا أن التغير محله أواخر الكلم. لكن هل كل تغير في الآخر يكون إعرابًا؟ الجواب: لا، وإنما يكون هذا التغير من الوقف إلى الرفع، ومن الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الجر بسبب العوامل. فإذا ركب الاسم المعرب مع عامل يقتضي الرفعَ رُفِع. وإذا ركب مع عامل يقتضي النصبَ نُصِب. وإذا ركب مع عامل يقتضي الجر جُرَّ. أما لو قال قائل: جلست حيثُ جلس زيد، وجلست حيثَ جلس زيد، وجلست حيثِ جلس زيد. فحيث هذه معربة أو مبنية؟ نقول: مبنية باتفاق. وهنا قد حصل التغيير في آخر الكلمة، لكن هذا التغيير، ما سببه؟ هل هو لاختلاف العوامل الداخلة عليها التي تقتضي رفعًا أو نصبًا أو جرًا أم اختلاف لغات؟ لا شك أن الجواب هو الثاني أنه اختلاف لغات. إذًا ليس كل تغييرٍ واختلافٍ لأواخر الكلم يكون إعرابًا بل لابد أن يكون سبب هذا الاختلاف هو دخول العامل لذلك قال:[وَذَلِكَ التَّغْيِيرُ] ليس مطلقًا، وإنما هو لاضطراب واختلاف [عَوَامِلٍ تَدْخُلُ] على الاسم المعرب [لِلإِعْرَابِ] يعني مقتضية للإعراب، لكونها تطلب فاعلاً أو مفعولاً أو اسمًا مجرورًا. [عَوَامِلٍ] اضطراب مضاف وعوامل مضاف إليه ممنوع من الصرف، وصرف هنا لضرورة الوزن، جمع عامل، والعامل: هو ما أثَّر في آخر الكلمة من اسم أو فعل أو حرف. فقد يكون فعلاً وقد يكون اسمًا وقد يكون حرفًا. وهذا ضابط تقريبي
للعامل وإلا فيه نظر. فالعامل يقتضي معمولاً ويقتضي عملا، فالمعمول: ما يظهر فيه الإعراب لفظًا أو تقديرًا. والعمل: ما يحدثه العامل وتختلف بسببه أحوال آخر المعرب. فإذا قلت: ضربَ زيدٌ عمرًا. فضرب: فعلٌ ماضٍ-وهو العامل-،وزيدٌ-وهو المعمول- فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. والذي أحدث هذه الضمة هو ضرب، إذًا ضرب فعلٌ، وقد أثر في آخر زيد، فاقتضى الرفع- وهو العمل- لأن ضرب يطلب فاعلاً فحينئذٍ لمّا وجد زيد وصلح أن يكون فاعلاً رفعه. وعمرًا مفعولٌ به لأن ضرب يطلب مفعولا فهو فعل متعدٍّ، ولمّا وجد عمرو وكان محلاً لوقوع الضرب نصبه. فحينئذٍ تعلق ضرب بزيد فرفعه على أنه فاعل، لأن ضرب يقتضي فاعلا. وتعلق بعمرو ونصبه لأن ضرب يتعدى إلى مفعولٍ به، فحينئذٍ نقول: هذا الاختلاف-زيدٌ مرفوع، وعمرًا منصوب- لاختلاف العامل-ولو كان واحدًا- وما يقتضيه من رفع أو نصب وهذا هو مراده بقوله:[تَدْخُلُ لِلإِعْرَابِ] أي مجيئها لما تقتضيه من الفاعلية والمفعولية والإضافة. وإذا قلت: أقائمٌ الزيدان.
فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر مرفوع ورفعه بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، والذي أحدث هذه الألف هو قائمٌ، إذًا قائمٌ أثر في آخر الزيدان فاقتضى الرفع لأنه يطلب فاعلاً، وهو اسمٌ، إذًا يكون الاسم عاملاً للرفع، وقد يكون عاملاً للنصب ومثاله تقول: أنا ضاربٌ زيدًا، فزيدًا منصوبٌ بضارب. كذلك الحرف يكون عاملاً، كقولك: إن زيدًا قائمٌ، فزيدًا منصوب، والعامل فيه إنَّ وهي
حرف. وإنّ عاملة في اسمها باتفاق البصريين والكوفيين. قائمٌ خبر إنّ يعني خبر اسم إن، مرفوع والعامل فيه إنَّ على الصحيح وهو مذهب البصريين أنّّ إنّ ناصبة ورافعة. وعند الكوفيين ناصبة لا رافعة. فحينئذٍ الفعل يعمل والاسم يعمل والحرف يعمل، وثَمَّ عوامل أخرى ذكرها عبد القاهر الجرجاني في كتابه العوامل المائة وشرحه خالد الأزهري. والحاصل: أنه يكون ثَمَّ ارتباط بين الأثر الذي يحدثه العامل وبين العامل، ولذلك معنى العمل في الحقيقة: إن المعمول يتمم معنى العامل، فإذا قلت: جاء، هل معناه تَمَّ عند السامع؟ الجواب: لا، فإذا قلت: جاء زيد. تمم معناه؛ لذلك معنى الاقتضاء أنه يطلبه ليتمم معناه، لأن العامل قد يحتاج فاعلاً فقط كـ جاء زيد. وقد يحتاج إلى فاعل ومفعول به إذا كان متعديًا كضرب زيدٌ عمرًا ضرب: حدث، وهذا الحدث لابد له من فاعل، ولابد له من محل يقع فيه الحدث، فحينئذٍ يقتضي فاعلاً ويقتضي مفعولاً تقول: جاء زيد. لم يقتض مفعولاً؛ لأن هذا الحدث وصف يقوم بذاتٍ ولا يتعدى، وأما الضرب فلا، لابد من فاعل يُحدِث الضرب، ولابد من محل يقع عليه الضرب، لذلك احتاج وافتقر إلى مفعول به. وقيل العامل: هو ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم. وهذا أعم من الأول لشموله العامل المعنوي، واختصاص الأول باللفظي.
والعامل نوعان عند النحاة: عامل معنوي، وعامل لفظي. وضابط المعنوي: ما ليس للسان فيه حظ، أو ما لا حظ للسان فيه.
يعني لا يُنطق به، وإنما هو أمر معنوي اعتباري ذهني، وهذا على الصحيح منحصر في اثنين لا ثالث لهما، وثمَّ ثالث فيه نوع نزاع والخلاف فيه قوي. وهما الابتداء، والتجرد، فالابتداء: أمر معنوي، المبتدأ: مرفوع بالابتداء، والابتداء ليس شيئًا يلفظ به، قولك: زيد قائم، مبتدأ به، مفتتح به في الكلام هو الذي صار عاملاً فرَفعَ زيدًا على الابتداء. حينئذٍ نقول: هذا عامل، وهو معنوي. هل نطقت بالابتداء؟ هل للسان فيه حظ؟ الجواب: لا، هذا يسمى عاملاً معنويًا. الثاني: التجرد: وهذا في باب الفعل المضارع:
اِرفَعْ مُضَارِعًا إِذَا يُجَرَّدُ
…
عَنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسعَدُ
نحو قولك: يضرب زيد عمرا، فيضرب: فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة في آخره، ما العامل فيه؟ إذا قلت (لن يقومَ) بالنصب، العامل هو لن، وهو ملفوظ به. (لم يضربْ) بالجزم، والعامل هو لم، وهو ملفوظ به. (يضرب) لم يسبقه لا ناصب ولا جازم، ما العامل؟ تقول: التجرد. والمراد بالتجرد: التعري، كونه لم يسبقه ناصب ولا جازم، وهذا أمر معنوي لأنه غير ملفوظ به، هذا هو الصحيح أن العامل المعنوي قسمان: الابتداء والتجرد فالابتداء في المبتدأ والتجرد في الفعل المضارع إذا لم يسبقه ناصب ولا جازم. وأما جزم المضارع لوقوعه في جواب الطلب فالنزاع فيه قوي. نحو: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} (الأنعام:151) أتل: فعل مضارع مجزوم، والعامل فيه وقوعه في جواب الطلب، وهو أمر معنوي، ولو قال به قائل وثلَّث به لا مانع. وأما العوامل اللفظية
فكثيرة، وضابطها: ما للسان فيه حظ. يعني ينطق ويلفظ به. مثل: الجوازم والنواصب، (لم يضربْ) لم: عامل لفظي ملفوظ به. هذه العوامل قسمان: سماعي، وقياسي، والجرجاني ذكرها في العوامل المائة. ومن أراد حفظها فإنه يعينه كثيرا في باب الإعراب، وشرحها خالد الأزهري بشرح نفيس جدًا.
هذا حد الإعراب في اصطلاح الكوفيين. وأما في اصطلاح البصريين: فهو أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة أو ما نزل منزلته. قوله: أثرٌ فهذا الذي يتميز وينفصل به الإعراب اللفظي عن المعنوي وما عدا هذا القيد فالتعريف هو التعريف، أثرٌ: الأثر هو حركة أو حرف أو سكون أو حذف، فالأثر الذي أحدثه العامل هو الحركة نفسها الضمة أو الفتحة أو الكسرة. فنقول: الإعراب اللفظي عند البصريين هو أثرٌ ونفسر هذا الأثر بالحركة -عين الحركة- فالضمة نفسها هي الإعراب، والفتحة نفسها هي الإعراب، والكسرة نفسها هي الإعراب، والسكون نفسه هو الإعراب، والحذف نفسه هو الإعراب. فنقول: هذا الأثر وهو الذي يجلبه العامل في آخر الكلمة، وشرح بقية التعريف كما ذكرناه في حل ألفاظ المتن. ثم قال:
أقْسَامُهُ
…
أَرْبَعَةٌ
…
تُؤَمُّ
…
رَفْعٌ وَنَصْبٌ ثُمَّ خَفْضٌ جَزْمُ
فَالأَوَّلَانِ دُونَ رَيْبٍ وَقَعَا
…
فِي الاِسْمِ وَالفِعْلِ المُضَارِعِ مَعَا
فَالاِسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالجَرِّ كَمَا
…
قَدْ خُصِّصَ الفِعْلُ بِجَزْمٍ فَاعْلَمَا
[أقْسَامُهُ] أي أقسام الإعراب، الإعراب جنس- وهو ما عمَّ اثنين فصاعدًا - يدخل تحته أربعة أنواع. وهذه الأنواع الأربعة هي [رَفْعٌ وَنَصْبٌ ثُمَّ خَفْضٌ جَزْمُ] ودليله الاستقراء والتتبع. [رَفْعٌ وَنَصْبٌ ثُمَّ] وثُمَّ ليست على بابها وإنما هي بمعنى الواو [خَفْضٌ جَزْمُ] على حذف حرف العطف. هذه الأربعة تنقسم باعتبار الاجتماع والافتراق إلى ثلاثة أقسام:
1 -
قسم يشترك فيه الأسماء والأفعال، وهو الرفع والنصب.
2 -
وقسم يختص به الأسماء وهو الجر.
3 -
وقسم يختص به الأفعال وهو الجزم.
[أقْسَامُهُ] أي الإعراب، أي ما يحمل عليه الإعراب- على مذهب المصنف - لأن المعنى لا ينقسم. [أقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ] لا زائد عليها، بدليل الاستقراء والتتبع لكلام العرب. قال في السلم المنورق:
وَإِنْ بِجُزْئِيْ عَلَى كُلِّيْ اسْتُدِلْ
…
فَذَا بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ
[تُؤَمُّ] أي تقصد، من أمّ يؤمُّه أمًّا بمعنى قصده، ولذلك لو قال في الصلاة: آمِّين شدد الميم نقول بطلت صلاته. ومنه {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} (المائدة:2) يعني قاصدين. فـ[تُؤَمُّ] أي تقصد عند طلاب علم النحو، لأن ضبطها يعينه على فهم الإعراب، فحينئذٍ قد استقام لسانه وفهم كلام غيره. [رَفْعٌ] هذا هو النوع الأول قدمه، لأنه عمدة، وهو إعراب العمد. والرفع في اللغة: العلو
والارتفاع. وفي الاصطلاح على مذهب البصريين: هو نفس الضمة وما ناب عنها. وعلى مذهب الكوفيين: هو تغيير مخصوص علامته الضمة وما ناب عنها. [وَنَصْبٌ] ثنى به لأن عامله قوي لأنه قد يكون فعلا. والنصب لغة: الاستقامة والاستواء. واصطلاحًا على مذهب البصريين: هو نفس الفتحة وما ناب عنها. وعلى مذهب الكوفيين: هو تغيير مخصوص علامته الفتحة وما ناب عنها. [ثُمَّ خَفْضٌ] ثلث به لأنه مختص بالاسم، وهو أشرف من الجزم. والخفض في اللغة: هو التذلل والخضوع. وعلى مذهب البصريين: هو نفس الكسرة وما ناب عنها. وعلى مذهب الكوفيين: تغيير مخصوص علامته الكسرة وما ناب عنها. [جَزْمُ] الجزم في اللغة هو: القطع، تقول: جزمت الحبل إذا قطعته. واصطلاحًا على مذهب البصريين: هو نفس السكون وما ناب عنه. وعلى مذهب الكوفيين: هو تغييرٌ مخصوص علامته السكون وما ناب عنه. [فَالأَوَّلَانِ] الفاء فاء الفصيحة، وسبق بيانها. والأَوَّلَانِ هما الرفع والنصب، وهذا من باب التغليب كالقمرين؛ لأن الرفع هو الأول وناسب أن يثني معه النصب، فحينئذٍ نقول: هذا ملحق بالمثنى كالقمرين. فالأولان وهما الرفع ظاهرًا كان أو مقدرًا، والنصب ظاهرًا كان أو مقدرًا. [دُونَ رَيْبٍ] أي بلا ريبٍ وبلا شكٍ [وَقَعَا] وحلَاّ، والألف تعود على الأولين، إذًا هي فاعل، في [الِاسْمِ] أي المعرب، لا مطلق الاسم. [وَالفِعْلِ] المضارع الخالي من نون الإناث ونوني التوكيد [مَعَا] منصوب على الحال، يعني مجتمعَين. هذا فيما اشترك فيه الاسم
والفعل، نحو: زيدٌ يقومُ. فزيدٌ اسم، وهو مرفوع، ورفعه ضمة. ويقوم فعل مضارع خالي من نون الإناث ونوني التوكيد، وهو مرفوع بالضمة. إذًا اجتمع الرفع في الاسم والفعل في مثالٍ واحد. واجتمع النصب في الاسم والفعل في قولك: إن زيدًا لن يقوم. إن: حرف توكيد ونصب، وزيدًا: اسمها منصوب بها. لن يقوم لن: حرف نصب واستقبال ونفي، يقوم: فعل مضارع منصوب بلن ونصبه فتحة ظاهرة على آخره. إذًا اجتمع النصب في الاسم وفي الفعل معًا. [فَالاِسْمُ] هذه فاء الفصيحة أيضًا كأن سائلاً قال: ما الذي يختص به الاسم؟ وما الذي يختص به الفعل؟ فقال: [فَالاِسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالجَرِّ] سواء كان ظاهرًا أو مقدرًا [كَمَا قَدْ خُصِّصَ] أي كتخصيص، فمَا مصدرية، فحينئذٍ تكون الكاف داخلة على المصدر المنسبك من ما وما دخلت عليه، كتخصيص [الفِعْل] أي المعرب الذي هو الفعل المضارع الخالي من نون الإناث، ونوني التوكيد. [بِجَزْمٍ] ظاهرًا كان أو مقدرًا. فإذا قيل [فَالاِسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالجَرِّ] أي أن الجر- الذي هو الكسرة وما ناب عنها-خاصٌ بالاسم دون الفعل، فيختص الاسم بالجر دون الفعل. فالجر يدخل الأسماء ولا يدخل الفعل المضارع.
وأحسن ما يعلل به أن يقال: إن عامل الجر يمتنع دخوله على الفعل، فحينئذٍ لا يجر، فإذا قيل الاسم يدخله الجر، من أين يدخله الجر؟ بأي عامل؟ بحرف جر أو بمضاف. وهل الفعل يدخله حرف الجر؟ الجواب: لا يمكن؛ لامتناع دخول حرف الجر على الفعل. وهل الفعل يضاف؟ الجواب: لا، إذًا امتنع
دخول الجر على الفعل لامتناع دخول عامل الجر على الفعل، واختصاصه بالأسماء.، مثاله: مررت بزيدٍ والفتى. [قَدْ خُصِّصَ الفِعْلُ بِجَزْمٍ] ظاهرًا كان أو مقدرًا. والأصل فيه السكون الظاهر نحو: {لَمْ يَلِدْ} (الإخلاص:3) يلد: فعل مضارع مجزوم بلم، وجزمه سكون ظاهر على آخره. {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (البينة:1) يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وجزمه سكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين. [فَاعْلَمَا] ما ذكرته لك، وهو تتميم وتكميل للبيت. والفاء لعلها عاطفة أو فصيحة. [اعْلَما] فعل أمر، والألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة.
هذه الأنواع الأربعة لها علامات تدل عليها. وهذه العلامات على ضربين: علامات أصول وعلامات فروع. والعلامات الأصول التي تدل على الرفع والنصب والخفض والجزم- على مذهب الناظم- أربعة بالاستقراء والتتبع: الضمة للرفع، والفتحة للنصب، والكسرة للجر، وحذف الحركة للجزم. والعلامات الفروع إما أن ينظر لها باعتبار المحل، وإما أن ينظر لها باعتبار الحالّ. المحل أي الكلمة التي حل فيها النائب، أو تنظر إلى النائب نفسه. فباعتبار المحل هي سبعة أبواب يعني أين تكون هذه العلامات الفروع؟ وأين نجدها؟ وفي أي المواضع؟ نقول: محصورة في سبعة أبواب: خمسة في الأسماء واثنان في الأفعال. خمسه في الأسماء وهي: الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم في حالة
النصب، والاسم الذي لا ينصرف في حالة الجر. واثنان في الأفعال: الباب الأول: الأمثلة الخمسة، وهي (يفعلان، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين).والباب الثاني: الفعل المضارع المعتل الآخر في حالة الجزم. هذا باعتبار المحل يعني الكلمة التي تكون قابلة للعلامة الفرعية. وأما باعتبار الحالّ أي نفس العلامة الفرعية فهي: ثلاثة عن الضمة، وأربعة عن الفتحة، واثنان عن الكسرة، وواحد عن السكون. _فهذه عشرة_. إذًا تكون العلامات الفروع باعتبار المحل في سبعة أبواب وباعتبار الحالّ الذي هو النائب عشر علامات.