الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة من حيث هي، وإنما ينظر إليها من حيث متعلقاتها فإذا قيل: قالت حذامِ، تعرف أن حذامِ فاعل، ولا وجود للضمة التي هي الإعراب، فليست هي مثل جاء زيدٌ، فهذا فاعل والضمة هي الإعراب، لكن قالت حذامِ تعرف من حيث إسناد الفعل إلى ما بعده وأنه يطلب فاعلاً، فتحكم على حذامِ بأنه فاعل.
ولما قال الناظم [مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ] أبهم الناصب والجازم، والطالب النحوي المبتدئ لا يحكم على الفعل المضارع أنه مجرد من ناصب وهو لا يعلم النواصب، فحينئذٍ يرد السؤال ما هي النواصب؟ ومتى نحكم على الفعل المضارع بأنه منصوب؟ إذًا يكون قوله:
باب نواصب المضارع
جوابًا لسؤال لأنه أبهم في الأول، قال:[مِنْ نَاصِبٍ] فما هي النواصب التي إذا انتفت مع الجوازم حكمنا على الفعل المضارع أنه معرب لتجرده عن الناصب والجازم. ثم الحالة الثانية التي يكون الفعل معربًا فيها هي النصب، فيرفع وينصب ويجزم لأن المعرب من الأفعال هو الفعل مضارع وله أحوال ثلاثة: الرفع والنصب والجزم عرفنا الرفع، ويرد السؤال متى نحكم عليه بأنه منصوب؟ قال الناظم رحمه الله:
بَابُ نَوَاصِبِ المُضَارِعِ
أي هذا باب بيان نواصب المضارع، والنواصب جمع ناصب، وحينئذٍ يؤول بمعنى لفظ ناصب، أو جمع ناصبة بمعنى كلمة ناصبة، فيجوز الوجهان؛ خلافًا للعشماوي حيث جوَّز الأول ومنع الثاني. وقوله:[المُضَارِعِ] ليس للاحتراز، لأنه ليس هناك فعل يُنصب غير الفعل
المضارع، حينئذٍ يكون القيد لبيان الواقع. [بَابُ نَوَاصِبِ المُضَارِعِ] هذا الباب سيذكر فيه المصنف النواصب التي إذا وُجِد واحد منها حكمنا على الفعل المضارع بأنه منصوب، ونصبه يكون بحركة أو حذف حرف. مثاله: لن ندعوَ، أن يغفرَ لي فهذا منصوب بحركة، وقد يكون منصوبًا بحذف النون وهذا فيما إذا كان من الأمثلة الخمسة، نحو:{وَلَنْ تَفْعَلُوا} (البقرة:24) تفعلوا: فعل مضارع منصوب بلن ونصبه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة.
وَنَصْبُهُ بِأَنْ وَلَنْ إِذَنْ وَكَيْ
…
وَلَامِ كَيْ لَامِ الجُحُودِ يَا أُخَيْ
كَذَاكَ حَتَّى وَالجَوَابُ بِالفَا
…
وَالوَاوِ ثُمَّ أَوْ رُزِقْتَ اللُّطْفَا
هذه النواصب عند المصنف ذكرها متتابعة، ولم يفصل بينها؛ لأنه تَبَعٌ لابن آجروم وهو كوفي؛ وعند الكوفيين أن النواصب تنصب بنفسها فأن ولن وإذن وكي ولام الجحود ولام كي وحتى والجواب بالفاء والواو وأو، كل أداة من هذه الأدوات المذكورة إذا دخلت على الفعل المضارع نصبته بنفسها على مذهب الكوفيين، وعلى مذهب البصريين أن النواصب التي تنصب بنفسها لا بواسطة أربعة فقط، وهي المذكورة في قوله:[بِأَنْ وَلَنْ إِذَنْ وَكَيْ] وما عدا ذلك فالنصب يكون بأن مضمرة إما وجوبًا وإما جوازًا. وكل ما ذكر من النواصب عند الكوفيين ما عدا تلك الأربعة فالنصب يكون بأن مقدرة بعدها. [وَنَصْبُهُ] أي الفعل المضارع [نَصْبُ] هذا مصدر أضيف إلى الضمير، ومرجع الضمير هو الفعل المضارع،
والفعل المضارع مضاف إليه لأن باب مضاف، ونواصب مضاف إليه، ونواصب مضاف والمضارع مضاف إليه، إذًا عاد الضمير على المضاف إليه وهذا جائز على الصحيح، وإن منع كثير من النحاة عود الضمير على المضاف إليه، لأن المضاف والمضاف إليه كالجزء الواحد أو كالكلمة الواحدة حينئذٍ لا يجوز عود الضمير على بعض الكلمة كما أنه لا يجوز عود الضمير على دال زيد، كذلك ما نُزِّل منزلة الكلمة لا يجوز أن يعود الضمير على بعضها دونها كلها فقالوا: يجب عود الضمير إلى المضاف ولا يجوز عوده إلى المضاف إليه، والصواب جوازه، فيجوز عود الضمير إلى المضاف إليه وقد ورد في القرآن في غير ما موضع. [وَنَصْبُهُ بِأَنْ] [بِأَنْ] جار ومجرور متعلق بقوله:[وَنَصْبُهُ] أي الفعل المضارع [بِأَنْ] الباء حرف جر، وأن في الأصل حرف، فدخل عليها حرف الجر، وحروف الجر من علامات الأسماء، وأن حرف، فكيف دخل الحرف على الحرف؟ نقول: قُصِد لفظها فصارت علمًا، فهي حرف في موضعها يعني فيما إذا أُدِّي بها معنى، وذلك إذا رُكِّبت في جملة مفيدة، أما في مثل هذه المواضع كالإخبار عنها أو الإخبار بها حينئذٍ تكون علمًا. وحينئذٍ لا إشكال. كذلك نقول: زيد فاعل مرفوع بضرب، وضرب فعل ماض، والباء حرف جر وهو من علامات الأسماء، نقول: ضرب هنا في هذا التركيب صار علمًا على ضرب الذي يكون في الجملة مرادا به معناه. والقاعدة العامة نقول: نحكم على الفعل أو الحرف بأنها أفعال وليست بأسماء أو حروف إذا ما استعملت في جملة مفيدة
حينئذٍ أريد بها معناها. وإذا أخبر عنها أو بها حينئذٍ قصد لفظها لا معناها. ولذلك قال ابن مالك رحمه الله في الكافية:
وَإِنْ نَسَبْتَ لِأَدَاةٍ حُكْمَا
…
فَاحْكِ أَوِ اعْرِبْ وَاجْعَلَنْهَا اسْمَا
نقول في إعراب جملة ضرب فعلٌ ماضٍ: ضرب مبتدأ، ويجوز فيه ثلاثة أوجه: ضربَ على الحكاية، وضربُ معربًا مع المنع من الصرف، وضربٌ معربًا مع الصرف. ونقول أيضًا: مِنْ حرف جر، فمن مبتدأ، ويجوز فيها ثلاثة أوجه: مِنْ على الحكاية، ومِنُ معربةً مع المنع من الصرف، ومِنٌ معربة مع الصرف. [بِأَنْ] المصدرية مفتوحة الهمزة ساكنة النون، فخرجت إنْ النافية، والزائدة، وأنْ المخففة من الثقيلة. وتسمى المصدرية أم الباب، لأنها تعمل ظاهرة ومضمرة، وما عداها لا تعمل إلا ظاهرة. وهكذا كل حرف يُتصرف فيه في بابه، يقال فيه: أم الباب. وسميت مصدرية لأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، تؤول أي تفسر، والتأويل هو التفسير، فيصح أن تأتي بمصدر محل أنْ ومدخولها الفعل المضارع، نحو:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} (الحديد:16) نقول: أَنْ تَخْشَعَ أن حرفٌ مصدريٌّ لأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهو تخشع، فحينئذٍ يحل محلها مصدر تخشع وهو الخشوع، فيقدر: ألم يأن للذين آمنوا خشوع قلوبهم، وهو فاعل يأن، وقد يكون مبتدأ كما في نحو:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (البقرة:184) وقد يكون مفعولا به كما في نحو: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}
(النساء:28).إذًا أُوِّلت بمصدر، وما بعدها يكون منصوبًا بها، ومتى نحكم على أَنْ بأنها مصدرية؟ يقول النحاة: يشترط في أن لأن تكون مصدرية ألا يسبقها علم ولا ظن، سواء كان العلم من مادة العلم ونحوه، أو الظن كان من مادة الظن ونحوه، فلا يشترط لفظ العلم بل كل ما دل على اليقين، ولا يشترط لفظ الظن بل كل ما دل على الظن، فحينئذٍ إذا لم تُسبق بعلم ولا ظن تعيَّن أن تكون مصدرية مثل قوله:{أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} (الشعراء:82) يغفر: فعل مضارع منصوب بأن، وأن مصدرية قطعًا لأنها لم تسبق بعلم ولا بظن، يعني لم يسبقها في السياق الذي قبلها ما يدل على اليقين أو الظن، فتعين أن تكون ناصبة بنفسها والفعل بعدها منصوب بها. ونحو:{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} (يوسف:13) تذهبوا: فعل مضارع منصوب بأن، وأن هذه مصدرية قطعًا لأنها لم تسبق بعلم ولا بظن. فإن سبقت بعلم نحو:{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (المزمل:20) تعين أن تكون مخففة من الثقيلة، إنَّ، وأنَّ الناصبتان قد تحذف إحدى النونين للتخفيف فيقال إنْ وأنْ، قال ابن مالك:
وَإِنْ تُخَفَّْف أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ
…
وَالخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ
فحينئذٍ نحكم قطعًا بأنها ليست المصدرية، ويجب رفع الفعل المضارع بعدها. وأما إذا سبقت بظن أو ما يدل على الظن فوجهان: يجوز النصب، ويجوز الرفع. فإذا رفعت الفعل المضارع فأنْ حينئذٍ
تكون مخففة من الثقيلة، وإذا نصبت المضارع فأن حينئذٍ تكون مصدرية. إذًا نخلص من هذا أن أنْ باعتبار ما قبلها لها ثلاثة أحوال: إما أن يُقطع بأنها مصدرية، وليست مخففة من الثقيلة، وإما يُقطع بأنها ليست مصدرية بل مخففة من الثقيلة، وإما أن نجوز الوجهين فتكون محتملة للوجهين. وقرئ بالوجهين {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (المائدة:71) وحسبوا بمعنى ظن، فيجوز في المضارع بعدها الوجهان: الرفع على أنَّ أنْ مخففة من الثقيلة، والنصب على أنَّ أن مصدرية. ولكن الأرجح فيما إذا سبقت بظن النصب؛ لأنه موافق للقياس، ولأنه الأكثر في كلام العرب، لذلك قال ابن هشام: أجمعوا على النصب في قوله تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} (العنكبوت:1 - 2) أجمع القراء على النصب مع أنها سبقت بما يدل على الظن، واختلفوا في قوله:{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فما أجمعوا عليه أولى وأرجح مما اختلفوا فيه، فحينئذٍ ما وقع فيه الخلاف يرجح بما أجمعوا عليه، ولكن القراءة سنة متبعة. فيقرأ بهذا، ويقرأ بهذا، ولا يُنكر هذا على ذاك. أما في الكلام فالأفصح أن تأتي به منصوبًا لأنه الأكثر في كلام العرب، والموافق للقياس. [وَلَنْ] هذا هو الحرف الثاني الذي ينصب الفعل المضارع بنفسه، وهي تعمل ظاهرة. [وَلَنْ] بفتح اللام وسكون النون، وهي بسيطة، وقيل: مركبة وأصلها لا أَنْ -كما هو مذهب الخليل - حُذفت الهمزة تخفيفًا للتخلص من التقاء الساكنين. وقيل: أصلها لا فقلبت الألف نونًا وهو مذهب الفرَّاء.
والأصح الأول أنها بسيطة وليست مركبة. وهي حرف نفي، ونصب واستقبال مثل أنَّ حرف نصب واستقبال، فلن حرف نفي لأنه يدل على نفي وقوع الحدث في الزمن المستقبل، لأن لن تدل على انتفاء الحدث الذي يدل عليه الفعل بعدها، في الزمن المستقبل، فإذا قلت: لن يقوم زيد، دلت لن على نفي القيام عن زيد في الزمن المستقبل، فصرفت الفعل المضارع عن الحال إلى الاستقبال. ومذهب الزمخشري أن لن تفيد التأبيد. والصواب أنها لا تفيد التأبيد ولكن تحتمله، وزاد عليه أنها تأتي للتأكيد. والجواب أنها لا تتعين للتأبيد وإنما محتملة له ولغيره. فإذا قيل: لن أقوم، فهو مثل قولك: لا أقوم، ولا أقوم هذه لا تدل على التأبيد، كذلك لن هي محتملة لئلا يقوم أبدًا، أو لن يحصل منه قيام في الزمن المستقبل، ولذلك رَدَّ بعضهم على الزمخشري بأن لن لو كانت تفيد التأبيد لما صح أن يجمع بينها وبين لفظ أبدًا، كما في قوله:(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)(البقرة: من الآية95) وقوله تعالى: (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)[الكهف:20] فلو كانت لن موضوعة للنفي على جهة التأبيد لما صح الجمع بينها وبين لفظ أبدًا، لأنه يصير من باب التكرار. وأما التأبيد المفهوم من قوله تعالى:{لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} (الحج:73) فهذا من دليل خارجي، وهو أنهم يعجزون عن الخلق مطلقًا، لا ذبابًا، ولا دونها ولا ما هو فوقها.
(وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ)(الحج: من الآية47) فلن هنا للتأبيد لكن ليس من ذات لن، بل من دليل خارج عنها، فإذا قيل: لن لا تقتضي تأبيدًا، لا يُفهم من هذا أنها لا تحتمل التأبيد، بل تحتمله
ضمنا إذا قيل: لن أقوم، وقصد به لن أقوم أبدًا. فلا إشكال حينئذٍ، ولذلك قد يؤكد هذا المعنى إذا جئت بلفظ أبدًا بعد لن حينئذٍ إذا قيل: لن أقوم أبدًا صارت أبدًا معينة للاحتمال الذي تحتمله لن وهو التأبيد. وإعمال لن نحو قوله تعالى: (لَنْ نَبْرَحَ)[طه:91] لن حرف نفي ونصب واستقبال، ونبرح فعل مضارع ناقص منصوب ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن. وقوله تعالى:(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ)[البقرة:55] لن حرف نفي ونصب واستقبال، ونؤمن فعل مضارع منصوب ونصبه فتحة ظاهرة على آخره. وقوله تعالى:(لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ)[آل عمران:92] تنالوا فعل مضارع منصوب بلن ونصبه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة.
[إِذَنْ] بكسر الهمزة وفتح الذال، وهذا هو الحرف الثالث الذي ينصب الفعل المضارع بنفسه، وهي تعمل ظاهرة. واختلف في إذن هل تكتب النون نونًا أم تكتب ألفًا؟ فيها ثلاثة أقوال: الأول: وهو المشهور أنها تُكتب نونًا فيما إذا أُعملت، وأما إذا أُهملت وأُلغيت كتبت ألفًا. الثاني: أنها تُرسم بالنون مطلقًا وهو قول المبرد. والثالث: أنها ترسم بالألف مطلقًا وهو قول الفراء. والقول الأول وهو التفصيل أحسن وقد رجحه صاحب النحو الوافي. [إِذَنْ] تفيد الجزاء والجواب عند سيبويه، فهي حرف جواب لأنها تقع جوابًا لكلام سابق عليها، فحينئذٍ لا تقع ابتداءً في أول الكلام، لا يأتي إنسان ويبتدئ كلامه ويقول: إذن اليوم كذا، هكذا دون أن تقع في
جواب، هذا خطأ، بل الصواب أنها تقع في جواب، يقول لك قائل: سأزورك غدًا، فتجيبه: إذن أكرمَك، وقعت في جواب كلام سابق عليها، وما بعدها يعتبر جزاءًا، لأنه في مقابلة الكلام السابق لأنه قال سأزورك تقول: إذن - هذه وقعت في الجواب - أكرمَك وهذا هو الجزاء، كأنه في قوة قولك: إن جئتني أَكرمتك، ففيه معنى الجزاء المرتب على إن الشرطية. إذا تقرر أنَّ إذن حرف جزاء وجواب عند سيبويه فهل هي في كل موضع حرف جواب وجزاء أو أنها في الأكثر؟ الظاهر أنها في الأكثر، يعني قد تتمحض للجواب ولا يكون ثَمَّ جزاء. إذا قال قائل: إني أحبُّك فقلت له: إذن أظنُّك صادقًا، هذه للجواب فقط، وليس عندنا جزاء لأن التصديق في الحال، والجزاء في المستقبل، وحينئذٍ فهي تدل على الجواب والجزاء في الأكثر. قال الشلوبين: في كل موضع. وقال الفارسي: في الأكثر، وقد تتمحض للجواب يعني لا يكون ما بعدها جزاءًا لما قبلها بل هي للجواب فقط. [إِذَنْ] لا تعمل مطلقًا، وإنما تتقيد بشروط ثلاثة، إذا وجدت هذه الشروط جاز إعمالها، فحينئذٍ تكون هذه الشروط لجواز إعمالها لا لوجوبه. فأن، ولن يجب إعمالهما ولا يجوز إلغاؤهما، أما إذن فالمعتبر عند البصريين أنه لابد من شروط ثلاثة لكن هل هذه الشروط موجبة للعمل؟ الجواب: لا، لأن عيسى بن عمر حكى أن بعض العرب يُهمِل إذن يعني يرفع الفعل بعدها مع استيفاء الشروط. وشروط نصبها ثلاثة: الأول: أن تكون في صدر الجملة أي في صدر جملة الجواب، فلو تأخرت وجب رفع الفعل الذي يليها، إذا قيل: إني سأزورك غدًا فقال: يا زيد إذن أكرمُك،
وجب رفع الفعل لأنها لم تقع في صدر الكلام. إذن لا تعمل حتى تكون مصدرة. هل يجوز أن تكون إذن تالية لأول الجملة لا في أول الجملة؟ تقول: نعم، يجوز من جهة اللغة أن نقول: يا زيد إذن أكرمُك، لكن لا تنصب الفعل، فالمنع هنا لا من جهة سياق الكلام، وإنما المنع من جهة النصب بها. فإذا قال: يا زيد إذن أكرمُك لا بأس لكن إذا نصب بها تقول أخطأت لأن شرط النصب بإذن أن تكون في صدر الجملة وقد جئت بها ثانيًا، وحينئذٍ وجب إهمالها ولا يجوز نصب المضارع بعدها، فلما نصبت أخطأت لكن لو رفعت أصبت. الشرط الثاني: أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً أي دالاً على الاستقبال، فلو كان الفعل الذي يليها بمعنى الحال وجب الرفع، فلو حدثك شخص بحديث، فقلت: إذن تصدقُ وجب الرفع لأن المراد به الحال وليس المستقبل.
الشرط الثالث: ألا يفصل بين إذن والفعل فاصل غير القسم. فإن فصل بينهما نحو: إذن يا زيد أكرمُك. إذن يومَ الجمعة أكرمُك وجب الرفع، لكن لو فصل بين إذن ومدخولها بالقسم فلا يؤثر في إعمالها، إذن والله أكرمَك بالنصب. قال الشاعر:
إِذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبِ
…
تُشِيبُ الطِّفْلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ
سُمِع الفصل بالقسم بين إذن ومدخولها الفعل المضارع مع نصبه، فحينئذٍ يُستثنى القسم لوروده في الشعر. ما عدا ذلك نص ابن هشام في شرح القطر وغيره أنه لا يجوز الفصل به، وإن كان الفصل بالنداء أو بالظرف محل خلاف فأجازه بعضهم ومنعه آخرون.
[وَكَيْ] المصدرية، وهي الحرف الرابع الذي ينصب بنفسه، وهي حرف مصدري، يُؤول مع ما بعده بمصدر، لكن هل كل كي تكون مصدرية؟ الجواب: لا، ومتى تكون كي ناصبة بنفسها؟ نقول: إذا تقدمت عليها اللام لفظًا أو تقديرًا، حينئذٍ تكون كي ناصبة بنفسها، وحرفًا مصدريًا، وإنما تكون كذلك إذا دخلت عليها اللام لفظا نحو قوله جل وعلا:{لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب:37) لكي لا يكون: فعل مضارع منصوب بكي -وكي نفسها هي التي أحدثت النصب- وهي حرف مصدر ونصب دخلت عليها اللام في اللفظ، فحينئذٍ يتعين أن تكون كي هي عاملة النصب في الفعل المضارع، والفعل المضارع إذا دخل عليه الناصب لا يضر أن يفصل بين المضارع وبين الناصب بحرف نفي، لأن النفي - الذي هو مدلول حرف النفي- صار كالجزء من الفعل، فيتوسع فيه فيكون الناصب قد دخل على الفعل مباشرة ولو وجد بينهما حرف نفي. وقد تكون اللام مقدرة، نحو: جئتك كي تكرمني، فاللام مقدرة، وذلك إذا قدَّر المتكلم أن الأصل جئتك لكي تكرمني، ثم حذف اللام استغناء عنها بنيتها، فحينئذٍ نقول: الناصب كي واللام مقدرة قبل كي، فإذا نوى اللام نقول: صارت كي مصدرية ناصبة بنفسها. وإذا لم يقدر اللام وكان أصل التركيب جئتك كي تكرمني نقول: كي حرف جر، تعليلية بمنزلة لام التعليل، وتكرمني منصوب، والناصب له أن مضمرة بعد كي، فلابد من التقدير؛ لأن كي هنا ليست ناصبة، لأنها حرف جر،
والناصب للفعل أن مضمرة وجوبًا بعد كي. إذن كي تكون مصدرية بالشرط السابق أن تكون اللام ملفوظًا بها أو مقدرة قبل كي، والتقدير يكون بالنية، فالذي يفصل بين هذا وذاك هو النية. وإذا تأخرت اللام نحو: جئتك كي لتكرمني، أو وقع بعدها أن المصدرية، نحو: جئتك كي أن تكرمني، فحينئذٍ يتعين كون كي تعليلية. والحاصل: أن كي لها ثلاثة أحوال: إما أن يتعين أنها ناصبة بنفسها، وإما أن يتعين أنها تعليلية بمنزلة لام التعليل حرف جر، وإما أن تكون محتملة لهما.
[وَنَصْبُهُ بِأَنْ وَلَنْ إِذَنْ وَكَيْ] هذه أربعة أدوات متفق على أنها تنصب بنفسها بين البصريين والكوفيين. ثم شرع في بيان ما اختُلف فيه بين البصريين والكوفيين فقال: [وَلَامِ كَيْ] بالخفض عطفًا على قوله: [بِأَنْ]، قوله:[وَلَامِ كَيْ] أي لام التعليل، وإنما أضيفت إلى كي لأن كي تخلفها في التعليل، ولأن كلا منهما ينوب عن الآخر، فلام كي هي لام التعليل يعني اللام التي تدل على التعليل، على أن ما قبلها علة لما بعدها، وما بعدها معلول لما قبلها. إذن نقول: لام كي المراد بها لام الجر، سواء كانت للتعليل أو الصيرورة التي هي لام العاقبة، أو زائدة، فالإضافة هنا ليست للتخصيص، وإنما لذكر أشهر ما تكون عليه اللام وهو التعليل، فحينئذٍ يُنصب الفعل المضارع بعد لام كي سواء كانت للتعليل كقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل:44) تُبَيِّنَ: فعل مضارع منصوب، دخلت عليه لام كي وهي لام التعليل تدل أن ما
قبلها علة لما بعدها، وإعرابه على مذهب الكوفيين: اللام حرف نصب، تبين: فعل مضارع منصوب باللام لام كي، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة على آخره، لأن هذه الأدوات المذكورة تنصب عند الكوفيين بنفسها. وعند البصريين لا يمكن أن تكون ناصبة بنفسها، لأن هذه اللام تدخل على الاسم فتحدث الجر، ويمتنع حينئذٍ أن تكون داخلة على الفعل فتحدث النصب، لأن كل ما اختص به الاسم من حرفٍ أو غيره يمتنع دخوله على الفعل. فلابد حينئذٍ من التقدير فنقول: تبين: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل. وقد تكون للصيرورة والعاقبة كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} (القصص:8) هل التقطوه ليكون لهم عدوًا؟ لا شك لا، لم يكن كذلك. فلم يكن ما بعد اللام معلولاً لما قبل اللام، وإنما التقطوه ليتخذوه ولدًا، لكن ماذا كانت العاقبة أنه صار لهم عدوًا وحزنًا، فحينئذٍ وقع ما بعد اللام اتفاقًا ولم يكن عن قصد وعلة لما قبل اللام، هذه تسمى لام الصيرورة، فالتقطه آل فرعون ليكون: يكون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام الصيرورة، وعند الكوفيين منصوب باللام نفسها. والصواب مذهب البصريين. وقد تكون اللام زائدة نحو:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (الأحزاب:33) لِيُذْهِبَ اللام هذه زائدة، وإن شئت قل: صلة، أو قل: توكيد. قال بعضهم:
وَسَمِّ مَا يُزَادُ لَغْوًا اوْ صِلَهْ
…
أَوْ قُلْ مُؤَكِّدًا وَكُلٌّ قِيلَ لَهْ
وبعض العلماء لا يجوِّز أن يقال: في القرآن حرف زائد، ومراد من أثبت الزيادة في القرآن أن الحرف الزائد لم يدل على المعنى الذي وضع له في لغة العرب، وإنما استعمل في معنى آخر وهو التوكيد، ولذلك كل حرف حُكم عليه في لغة العرب بالزيادة وأنه لا معنى له أي لا معنى له سوى التوكيد. إذًا اللام مطلقا ينصب الفعل المضارع بها عند الكوفيين، وعند البصريين بأن مضمرة جوازا بعدها. [لَامِ الجُحُودِ] معطوف على قوله: بأن مع إسقاط العاطف، والجحود مصدر جحد يجحد جحودًا وجحدًا، فله مصدران، والمراد بالجحد أو الجحود النفي مطلقًا، لا خصوص المادة اللغوية لأن الجحد في لغة العرب ليس مطلق النفي، وإنما هو إنكار مع علمٍ، ومنه قوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) عبر بالجحد هنا لأنه إنكار ونفي مع علم بدليل قوله: واستيقنتها أنفسهم، وإن لم يكن كذلك فيعبر عنه بالنفي، وليس المراد هنا بالجحود معناه اللغوي بل المراد بلام الجحود هنا لام النفي، وضابطها أنها المسبوقة بما كان أولم يكن. هذا أحسن ما يقال فيها حتى نحكم على أن هذه اللام لام الجحود، إذا سُبقت بكونٍ ماضٍ منفيٍ يعني ما كان كما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (الأنفال:33) ليعذبهم: فعل مضارع دخلت عليه اللام، وهي لام الجحود لأنها سبقت بما كان. وكل لام سبقت بما كان فهي لام الجحود، يعذبهم: فعل مضارع منصوب باللام، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهذا على مذهب الكوفيين، لأن اللام ناصبة بنفسها عندهم،
والصحيح أن يقال: يعذبهم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، كذلك إذا سبقت بما لم يكن قال تعالى:{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (النساء:137) ليغفر: فعل مضارع دخلت عليه اللام، وهي لام الجحود لأنها سبقت بلم يكن، وكل لام سبقت بلم يكن فهي لام الجحود. إذًا ينصب الفعل المضارع بعد لام الجحود بأن مضمرة وجوبًا يعني لا يجوز إظهارها، بخلاف ما نصب بأن مضمرة جوازًا فإنه يجوز إضمارها وإظهارها، وإضمارها يعني إخفاؤها لا يُنطق بها. تقول: جئتك لأبين لك فتضمرها، ويصح أن تقول: لأن أبين لك فتظهرها. و [لَامِ الجُحُودِ] المسبوقة بما كان ولم يكن [يَا أُخَيْ] يا حرف نداء، وأُخي مصغر أخ، منادى منصوب، لأنه مضاف، ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. [يَا أُخَيْ] أراد به التلطف للطالب.
والحاصل أنَّ لأن المصدرية بعد اللام ثلاث حالات: الأولى: وجوب الإضمار، وذلك بعد لام الجحود. والثانية: وجوب الإظهار، وذلك إذا اقترن الفعل بلا. فإذا كان الفعل الذي دخلت عليه اللام مقرونا بلا وجب إظهار أن بعد اللام سواء كانت لا النافية، نحو قوله تعالى:(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه)[النساء:165] أو زائدة، نحو قوله تعالى:(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ)[الحديد:29] أي ليعلم أهل الكتاب. والثالثة:
جواز الوجهين، نحو قوله تعالى:(وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:71] ونحو: (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ)[الزمر:12]
[كَذَاكَ حَتَّى] حتى مبتدأ، وهي حرف، ولكن قُصد لفظها فصارت علمًا، كذاك حتى أي مثل ما سبق من لام كي ولام الجحود، حتى ناصبة للفعل المضارع بنفسها على مذهب الكوفيين، وبأن مضمرة بعدها وجوبًا عند البصريين، ومثاله:{حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا} (طه:91) يرجع: فعل مضارع منصوب بحتى على مذهب الكوفيين، ولكن الكوفيين أشبه ما يكونون بالظاهرية في مثل هذه المواضع لأنه ليس كل عامل- في الأصل - سُلِّط على فعل- في الظاهر - فظهر النصب عليه أن يعلق النصب بهذا العامل، لأن حتى حرف جر {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر:5) {حَتَّى حِينٍ} (الذاريات:43) فحينٍ ومطلعِ الفجر اسمان مجروران بحتى، فكيف يقال: حتى حرف جر، وتختص بالأسماء فتعمل فيها الجر، ثم تدخل على الفعل المضارع فتنصبه؟! هذا محل إشكال على مذهب الكوفيين. إذن حتى تكون ناصبة بنفسها عند الكوفيين، وبأن مضمرة وجوبًا عند البصريين، لكن يشترط في النصب بحتى أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً بالنسبة إلى ما قبلها، سواء كان مستقبلا بالنسبة إلى زمن التكلم أو لا، فإذا لم يكن كذلك تعيَّن رفع الفعل بعدها. فالأول نحو قوله تعالى:(لََنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)[طه:91] فإن رجوع موسى عليه الصلاة والسلام مستقبلٌ بالنسبة إلى الأمرين جميعًا. والثاني نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (البقرة:214) بالنصب بناءا على أن القول قول الرسول مستقبلٌ بالنسبة إلى زلزالهم، وإن كان ماضيًا بالنسبة إلى الإخبار والتكلم. وقرئ بالرفع أيضًا يقولُ بناء على أن الزلزال والقول قد مضيا. وإذا دخلت حتى على الفعل المضارع ونصبته، حينئذٍ تفسر حتى بأحد معنيين: إما بمعنى كي التعليلية، وإما بمعنى إلى. إما بمعنى كي وذلك إذا كان ما قبلها علة لما بعدها، نحو: أسلم حتى تدخل الجنة، فدخول الجنة علته الإسلام إذًا الإسلام علة وسبب، أسلمْ حتى تدخل الجنة، كأنه قال أسلم كي تدخل الجنة. وإما بمعنى إلى وذلك إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، كما في الآية السابقة {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا
مُوسَى} (طه:91) فإن رجوع موسى غاية لما قبله، يعني سنبقى على ما نحن عليه من العكوف إلى أن يرجع إلينا موسى فهي بمعنى إلى، ومنه قولك: لأسيرن حتى تطلعَ الشمس، بمعنى إلى، ولا يصحُّ جعله بمعنى كي، لأن السير ليس علة لطلوع الشمس. ونحو:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9) بمعنى كي تفيء أو إلى أن تفيء يجوز الوجهان. ثم قال الناظم:
وَالجَوَابُ بِالفَا
…
وَالوَاوِ ثُمَّ أَوْ رُزِقْتَ اللُّطْفَا
هذا الكلام فيه قلب، فهذه العبارة مقلوبة والأصل أن يقال: والفاء
والواو الواقعتان في الجواب، لأن الناصب عند الكوفيين هو الواو نفسها لا الجواب، وهنا قال: والجواب بالفاء يعني أن الجواب بالفاء هو الناصب، نقول: لا، ليس الجواب هو الناصب على مذهب الكوفيين، وإنما الفاء والواو الواقعتان في الجواب، إذًا في الجملة تقديم وتأخير يعني فيها قلب. والفاء هنا يشترط أن تكون للسببية، بأن يكون ما بعدها مسبَّبا عما قبلها، وما قبلها سبب في حصول ما بعدها، ويشترط أيضًا أن تكون مسبوقة بنفي محض خالص من الإثبات، أو طلب بالفعل لا باسم الفعل، سواء كان فيه معناه دون حروفه أو حروفه ومعناه. فالنفي مثل قوله تعالى:{لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (فاطر:36) فلا نافية، ويقضى: فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم ورفعه ضمة مقدرة على آخره، فيموتوا: الفاء للسببية وقعت في جواب النفي بمعنى أن النفي قد سبقها، ويموتوا فعل مضارع منصوب بالفاء - لأن الفاء هي الناصبة بنفسها عند الكوفيين- ونصبه حذف النون، لأنه من الأمثلة الخمسة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وعند البصريين - وهو الأصح - منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء. وتقول أيضًا: ما تأتينا فتحدثَنا، فما نافية، وتأتينا تأتي: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم ورفعه ضمة مقدرة على آخره، وما هذه نافية لا تعمل، والشاهد في قوله: فتحدثنا، الفاء فاء السببية، وتحدث: فعل مضارع منصوب بالفاء السببية عند الكوفيين، وبأن مضمرة وجوبًا بعد
الفاء عند البصريين وهو الأصح؛ لأن الأصل في الفاء أنها تكون عاطفة، وحينئذٍ الحرف الذي يكون للعطف الأصل فيه أنه لا يعمل. ولذلك ضُعِّف في باب التبعية القولُ برفع أو نصب أو جر المعطوف على المعطوف عليه أن يكون العامل هو الواو. نحو: جاء زيد وعمرو، فعمرو مرفوع، والرافع له عند بعضهم الواو وهذا ضعيف جدًا. فإذا لم يكن النفي محضًا، تعين الرفع، نحو: ما تزال تأتينا فتحدثُنا، بالرفع لأن زال للنفي، وما للنفي أيضًا، ونفي النفي إثبات، حينئذٍ لا يصح أن يكون المضارع منصوبًا بعد فاء السببية، لأن الشرط قد تخلف، ولو اعتبرت الفاء أنها سببية فقد وُجِد أحد الشرطين، وانتفى الآخر، لأن الشرطين: أن تكون الفاء للسببية، وأن تكون مسبوقة بنفي محض. وهنا لو اعتبرت سببية لكنها لم تسبق بنفي محض وإنما سبقت بإثبات. كذلك قولك: ما تأتينا إلا فتحدثُنا، بالرفع لأن ما حرف نفي، وإلا إثبات، فما بعد إلا مثبت، وحينئذٍ انتقض النفي بإلا، فانتفى أحد شرطي نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية. وأما الطلب بالفعل، فهو ما يسمى بالأجوبة الثمانية وهي المجموعة في قول القائل:
مُرْ وَانْهَ وَادْعُ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمُ
…
تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاكَ النَّفْيُ قَدْ كَمُلَا
مر: أي إذا وقعت الفاء أو الواو في جواب الأمر، وانه أي النهي إذا وقعت الفاء أو الواو في جواب النهي، فإذا وقعت الفاء في جواب الأمر نصب المضارع بعد الواو أو الفاء لوقوعه في جواب الطلب. ونوع هذا الطلب أمر، كذلك النهي إذا وقعت الفاء أو
الواو في جواب النهي نصب الفعل المضارع بأن مضمرة بعد فاء السببية أو واو المعية لوقوعه في جواب الطلب وهو النهي. وادع أي الدعاء، وسل أي الاستفهام، واعرض أي العرض، لحضهم أي التحضيض، تمنَّ أي التمني، وارج أي الترجي، كذاك النفي قد كملا وقد سبق.
فالأمر نحو قول الشاعر:
يَا نَاقُ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا
…
إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا
سيري: هذا فعل أمر، فنستريحا: الفاء فاء السببية، وقعت في جواب الطلب ونوعه أنه أمر، نستريحا: فعل مضارع منصوب بالفاء عند الكوفيين، وبأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية عند البصريين، لوقوعه في جواب الأمر والألف للإطلاق. والنهي نحو قوله تعالى:{وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (طه:81) فيحل: فعل مضارع منصوب لوقوعه بعد فاء السببية الواقعة في جواب النهي، والناصب له الفاء نفسها على مذهب الكوفيين، وبأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية على مذهب البصريين وهو الأصح. والتحضيض نحو قوله تعالى:{لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} (المنافقون:10) فأصدق: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية الواقعة في جواب التحضيض، ولولا حرف تحضيض. والتمني نحو قوله تعالى:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} (النساء:73) فأفوز: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة
وجوبًا بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب وهو التمني، وحرفه ليت. والترجي نحو قوله تعالى:{لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} (غافر:37) فأطلع: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء الواقعة في جواب الطلب ونوعه هنا الترجي، وحرفه لعل. والدعاء نحو قول الشاعر:
رَبِّ وَفِّقْنِي فَلَا أَعْدِلَ عَنْ
…
سَنَنِ السَّاعِينَ فِي خَيْرِ سَنَنْ
رّبِّ أي يا رَبِّ، وفقني فلا أعدل الفاء فاء السببية، أعدل: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب ونوعه هنا الدعاء. والاستفهام نحو قول الشاعر:
هَلْ تَعْرِفُونَ لُبَانَاتِي فَأَرْجُوَ أَنْ
…
تُقْضَى فَيَرْتَدَّ بَعْضُ الرُّوحِ لِلجَسَدِ
فأرجو: فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام، أما قوله فيرتد فهذا معطوف عليه. والعرض نحو قول الشاعر:
يَا ابْنَ الكِرَامِ أَلَا تَدْنُو فَتُبْصِرَ مَا
…
قَدْ حَدَّثُوكَ فَمَا رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا
ألا: حرف عرض، ألا تدنو فتبصر: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية الواقعة في جواب الطلب ونوعه هنا العرض. وكفاء السببية واو المعية وكل ما قيل في الفاء السببية يقال في واو المعية يعني لابد أن تكون للمعية، ولابد أن تكون مسبوقة بنفي محض أو طلب بالفعل. فبعد النفي كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ
الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142) ويعلمَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبَا بعد واو المعية الواقعة في جواب النفي. والتمني نحو قوله تعالى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنعام:27) ونكذب فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد واو المعية الواقعة في جواب التمني. ونكون هذا معطوف على نكذب. والنهي نحو قول الشاعر:
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
…
عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وتأتي: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد واو المعية الواقعة في جواب النهي وهو لا تنه: فلا ناهية. إذًا كل ما قيل في فاء السببية يقال في واو المعية. فلابد أن تكون مسبوقة بنفي محض، وكذلك أن تكون مسبوقة بطلبٍ بالفعل أي الفعل نفسه، ويكون هذا في الأمر، أما لو قال: صه فنحدثك، فصه ليس بأمر بل هو اسم فعل أمر، هو أمر من جهة اللغة لكن من جهة الاصطلاح ليس بفعل أمر، حينئذٍ فنحدثك فعل مضارع وقع بعد فاء السببية وسبق بطلب لكن هذا الطلب ليس بفعل وإنما باسم فعل. والظاهر أن مرادهم هنا نفس فعل الأمر وما عداه ليس بداخل. ونزال اسم فعل أمر، والفرق بين صه ونزال أن صه اسم فعل أمر، فيه معنى الأمر دون حروفه، لأنه بمعنى اسكت. فليس فيه حروف اسكت، لكن نزال بمعنى انزل ففيه حروف الفعل، إذًا اسم فعل الأمر على مرتبتين: قد يكون فيه معنى الفعل دون حروفه كصه، وقد يكون
فيه معنى الفعل وحروفه، وكلا النوعين لا يصح نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية أو واو المعية إذا وقع في جواب اسم الفعل مطلقا. إذًا عرفنا على مذهب الكوفيين أن الفاء والواو تكونان ناصبتين بنفسهما، وعلى مذهب البصريين يكون النصب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء أو الواو. [ثُمَّ أَوْ] يعني الناصب الأخير الذي ذكره لك المصنف هنا هو أو، وثم ليست على بابها، وإنما المراد بها الترتيب الذكري. [ثُمَّ أَوْ] يعني أو التي بمعنى إلى أو بمعنى إلا، فليست مطلقة، والنصب بها عند الكوفيين، وعلى مذهب البصريين تكون أو دليلاً على إضمار أن بعدها فيكون الفعل منصوبًا بأن مضمرة وجوبًا. كقولهم: لألزمنك أو تقضيني حقي، تقضي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد أو، وأو بمعنى إلى. وقولهم: لأقتلن الكافر أو يسلم. يسلم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد أو، وأو هنا بمعنى إلا، أي إلا أن يسلم ومنه قول الشاعر:
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى
…
فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلا لِصَابِرِ
أو أدرك: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد أو التي بمعنى إلى. وقول الشاعر:
وَكُنْتُ إِذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ
…
كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا
تستقيما: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد أو التي بمعنى إلا. [رُزِقْتَ اللُّطْفَا] هذا دعاء من الناظم للطالب وتلطف منه له، واللطف هو التوفيق والعصمة. إذًا هذه النواصب كلها - ولا تقول كلها إلا على مذهب الكوفيين- تنصب بنفسها على مذهب الكوفيين. والصواب أن الناصب بنفسه أربعة فقط: أن ولن وإذن وكي، وأن وهي أم الباب وتعمل ظاهرة ومقدرة. وما عدا هذه الأربعة يكون النصب بأن مضمرة بعدها، ولام كي تكون أن مضمرة بعدها جوازًا، وما عداها تكون أن مضمرة وجوبًا بعدها.