الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ
شرع يبين لك العلامات التي تكون للرفع، لأنه قسم لك الإعراب إلى أربعة أقسام: الرفع والنصب والخفض والجزم، لكلٍ من هذه الأقسام الأربع علاماتٌ تدل عليها. يأتي السؤال ما هي علامات الرفع؟ ومتى نحكم على الكلمة بأنها مرفوعة؟ نقول: إذا وجد فيها واحدة من أربع علامات، سواءٌ كانت أصولاً أم فروعًا. قال:[بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ] ذكرنا أن الأرجح هو مذهب البصريين، أن الإعراب لفظي؛ فحينئذٍ لا يقال: علامة الرفع كذا، ولكن تسامح البصريون في باب الإعراب فإذا أعربوا اللفظ قالوا: وعلامة رفعه كذا. وهذا من باب التسامح لأن العلامة هي الضمة مثلاً، والرفع هو الإعراب، والضمة هي الإعراب، فحينئذٍ كيف يكون الشيء علامة على نفسه؟! هذا لا يمكن. إذًا لا يصح أن يقال علامة رفعه الضمة، لأن الضمة هي الإعراب فكيف يجعل الإعراب علامة الإعراب؟! هذا من باب تحصيل الحاصل. لكن من باب التسامح يقال: علامة الرفع موافقةً لما كثر من كلام الكوفيين ونحوهم. [بَابُ] معرفة [عَلَامَاتِ الرَّفْعِ] أي هذا باب بيان ومعرفة علامات الرفع. [عَلَامَاتِ الرَّفْعِ] على مذهب الكوفيين في الإعراب تكون الإضافة لامية أي علامات للرفع. وعلى مذهب البصريين: أن العلامات هي الإعراب، تكون الإضافة بيانية أي علامات هي الرفع. وهذا ضابط الإضافة البيانية: أن يصح الإخبار بالمضاف إليه
عن المضاف. كما ذكرنا هنا علامات هي الرفع. [عَلَامَاتِ] جمع علامة، وهي لغة: الأمارة. واصطلاحًا عند النحاة: ما يلزم من وجوده وجود المعلَّم، ولا يلزم من عدمه عدم المعلَّم. يعني: إذا وجدت الضمة لابد أن يوجد الرفع، ولا يلزم من انتفاء الضمة انتفاء الرفع، لأن العلامة-كما سبق في علامات الأسماء- مطردة غير منعكسة، مطردة بمعنى أنه كلما وجدت العلامة وُجد المعلَّم، غير منعكسة بمعنى: أن لا يلزم من انتفاء العلامة انتفاء المعلَّم. كما قلنا: (أل) علامة الاسمية، فإذا وجدت أل لابد أن يكون ما بعدها اسم، وهذا معنى الاطراد: أنه كلما وجدت العلامة وجد المعلَّم. ولا يلزم أنه إذا انتفت (أل) انتفت الاسمية. فمثلا إذا لم تدخل (أل) على (زيد) لا يلزم أن لا يكون زيد اسمًا؛ بل هو اسم و (أل) ليست داخلة عليه بل يمتنع دخول (أل) عليه. [بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ] إذًا الرفع له علامات، وهذه العلامات تدل عليه.
ضَمٌّ وَوَاوٌ أَلِفٌ وَالنُّونُ
…
عَلَامَةُ الرَّفْعِ بِهَا تَكُونُ
[ضَمٌّ وَوَاوٌ أَلِفٌ وَالنُّونُ] هذه العلامات الأربعة لابد أن يحدثها عامل الرفع. وعامل الرفع- بالاستقراء - لا يخرج عن خمسة عوامل: اثنان معنويان، وثلاثة لفظية، وعرفنا معنى العامل المعنوي، ومعنى العامل اللفظي. اثنان معنويان وهما الابتداء والتجرد، فالابتداء يرفع المبتدأ. كما قال ابن مالك:
…
وَرَفَعُوا مُبَتدأً بِالْابْتِدَا
إذًا المبتدأ مرفوع، والعامل فيه معنوي وهو الابتداء. والتجرد يرفع الفعل المضارع كما قال ابن مالك:
اِرفَعْ مُضَارِعًا إِذَا يُجَرَّدُ
…
عَنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسعَدُ
إذًا تجرد الفعل المضارع عن أداة نصب وأداة جزم هذا أمر معنوي، وهو الذي أحدث الضمة في الفعل يضربُ زيد. والثلاثة اللفظية: الفعل، والاسم، والحرف. فالفعل يرفع، والاسم يرفع، والحرف يرفع. فالفعل يرفع الفاعل، ونائب الفاعل، واسم كان، ضربَ زيد فزيد: فاعل والذي عمل فيه الرفع وأوجد الضمة هو الفعل ضربَ. والاسم يرفع نحو: أقائم الزيدان فقائم: اسم وهو مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر، إذًا هو فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، ما الذي رفع الفاعل وأحدث الألف؟ نقول: قائم وهو اسم. إذًا ثبت أن الاسم يرفع.
والحرف يرفع نحو: إن زيدًا قائم فإن: حرف باتفاق، وزيدًا: منصوب بإن باتفاق، وقائم: مرفوع بإن على مذهب البصريين وهو الأرجح. إذًا (قائم) اسمٌ مرفوع والذي أحدث الرفع فيه هو الحرف إنَّ. ومنه {مَا هَذَا بَشَراً} (يوسف:31) ما: حرف نفي، وهذا: اسمها مرفوع محلا، وبشرًا: خبر ما منصوب بها. ونحو: ما زيد قائمًا، فما النافية تعمل عمل ليس. قال الحريري في الملحة:
وَمَا التِّي تَنْفِي كَلَيسَ النَّاصِبَةْ
…
فِي قَولِ سُكَّانِ الحِجَازِ قَاطِبَةْ
فزيد: اسم ما مرفوع بها وقائمًا: خبرها؛ لأنها تعمل عمل ليس.،إذًا الحرف يرفع الاسم. قال:[ضَمٌّ] إما أن يكون مبتدأ، وعلامة الرفع خبرا له، ويجوز العكس وهذا أجود، ويكون الخبر قوله ضم وما عطف عليه، لأن مدلول المبتدأ عام فحصل التطابق بين المبتدأ والخبر. [ضَمٌّ] المقصود به الضمة. وبعضهم يفرق بين الضم فيجعله من ألقاب البناء، والضمة -بالتاء- فيجعلها من أنواع الإعراب، وبعضهم يسوي بينهما. وبعضهم يفرق ويتساهل فيطلق الضم على الضمة. حينئذٍ قوله:[ضَمٌّ] ليس المراد به ضم بناء، كما في (حيثُ)،وإنما المراد به الضمة؛ من باب التوسع والتساهل، وإلا الأولى أن يفرق بين الضم فيكون في البناء، والضمة بالتاء فيكون في الإعراب. [ضَمٌّ] هذه علامة أصلية، وهي الأصل في باب الرفع [وَوَاوٌ أَلِفٌ وَالنُّونُ] هذه فروع الضمة. إذًا الأصل أن يكون الرفع بالضمة، والواو نائبة عن الضمة، والألف نائبة عن الضمة، والنون نائبة عن الضمه، ولذلك قدم الضم على غيره لأنه الأصل وما كان أصلاً كان أشرف من غيره، وأيضا الكثير الغالب في كل مرفوع أن يرفع بالضمة، وثنى بالواو لأنها تنشأ عن الضمة أي تتولد عنها إذا أشبعت الضمة صارت واوًا؛ ولذلك يقول بعض النحاة: أن الضمة واو صغيرة، والواو الأصلية هي الكبيرة التي تنشأ عن إشباع الضمة. وثلّث بالألف؛ لأنها أخت الواو: أي نظيرتها في حروف المد واللين، وربَّع بالنون لأنها أجنبية، وليس لها مرتبة إلا التأخير. [وَوَاوٌ أَلِفٌ] أسقط حرف العطف لأنه لم يقل (وألف)،بناءا على
جواز حذف حرف العطف في الشعر. [عَلَامَةُ الرَّفْعِ بِهَا] أي بهذه المذكورات من الضم وما عطف عليه، وهو مفرد مضاف، فحينئذٍ يعم، كأنه قال علامات الرفع، فيكون قد وافق الترجمة. [تَكُونُ] أي توجد، فكان هنا تامة لا ناقصة، يعني تفسر بالوجود والحصول. ومنه {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} (البقرة:280) يعني وإن وجد أو حصل ذو عسرة. وهذه ليست كـ (كان زيد قائمًا) لأن هذه ناقصة _كما سيأتي في موضعه_ تفتقر إلى مرفوع ومنصوب يعني تدخل على المبتدأ فترفعه رفعًا جديدًا وعلى الخبر فتنصبه على أنه خبر لها. فهنا [تَكُونُ] بمعنى: تحصل وتوجد، إذًا هي تامة، تفتقر إلى فاعل فقط. [تَكُونُ] هي، فتكون: فعل مضارع تام مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. وليس لها اسم ولا خبر، لأنها تامة. بل ترفع فاعلا، وفاعلها ضمير مستتر تقديره هي.
فَارْفَعْ بِضَمٍّ مُفْرَدَ الأَسْمَاءِ
…
كَجَاءَ زَيْدٌ صَاحِبُ العَلَاءِ
[فَارْفَعْ بِضَمٍّ] الفاء فاء الفصيحة، كأنه قال: فإذا أردت أن تعرف مواضع الضم فأقول لك: ارفع بضم. [ارْفَعْ] فعل أمر، وهو دال على الوجوب لغة وشرعًا، فحينئذٍ إذا أثبت دلالة (افعل) على الوجوب لغةً فاستعماله هنا من باب اللغة على وجهه، يعني (ارفع) وجوبًا، ولا يجوز أن يحُلَّ محل الرفع غيره. [فَارْفَعْ] أيها النحوي [بِضَمٍّ] الباء هذه للتصوير أي ارفع رفعًا مصورًا بضم على القول بأنه لفظي، لأن الرفع هو عين الضم؛ فحينئذٍ صوَّرت
وجعلت وشكّلت هذا الرفع على هيئة ضمة. وعلى مذهب الكوفيين بعضهم يجعل هذه الباء بمعنى مع أي ارفع رفعًا مع ضم، فحينئذٍ تكون ثَمَّ مغايرة بين الرفع والضمة. [فَارْفَعْ بِضَمٍّ] الضم له مواضع - الضمة التي هي الأصل لها مواضع- عددها بالاستقراء أربعة: الاسم المفرد، والجمع المكسر، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء مما يوجب بناءه أو ينقل إعرابه، ولم يتقدم عليه ناصب ولا جازم.
[فَارْفَعْ بِضَمٍّ مُفْرَدَ الأَسْمَاءِ] هذا هو الموضع الأول [مُفْرَدَ الأَسْمَاءِ] أي الأسماء المفردة، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. هل يوصف الفعل بالإفراد؟ نقول: نعم، يوصف الفعل بالإفراد، مثاله: زيد يضرب، فالفعل يضرب أي هو: مفرد، من حيث المعنى وذلك إذا أسند إلى فاعل مفرد، بخلاف ما إذا أسند إلى فاعلٍ مثنى-وهو ألف الاثنين-نحو: الزيدان يضربان، فإنه مثنى في المعنى، أو إذا أسند إلى فاعلٍ جمعٍ - وهو واو الجماعة - نحو: الزيدون يضربون فإنه جمع في المعنى. فحينئذٍ نقول: مراده هنا [فَارْفَعْ بِضَمٍّ مُفْرَدَ الأَسْمَاءِ] أي الأسماء المفردة. فنحو: الزيدان يضربان لا يرفع بالضمة، لأنه مثنى معنىً لا اصطلاحًا، لأنه أسند إلى ألف الاثنين فكانت دلالته على الاثنين. وكذلك يضربون نقول: لا يرفع بالضمة؛ لأنه جمع معنىً لا اصطلاحًا، لأنه أسند إلى واو الجماعة فتدل على الجماعة. والحاصل أن مراده بـ[مُفْرَدَ الأَسْمَاءِ] الأسماء المفردة، وضابطه في باب الإعراب- لأن المفرد له اصطلاحات
تختلف باختلاف الأبواب -:هو ما ليس مثنى ولا مجموعًا ولا ملحقًا بهما ولا من الأسماء الستة. وهذه قيود عدمية، أوتقول: هوما دل على واحد أو واحدة وليس من الأسماء الستة. والتفصيل أحسن. ما ليس مثنى: خرج المثنى كالزيدان. فلا يرفع بالضمة لأنه ليس مفردًا. ولا مجموعًا: خرج جمع المذكر السالم كالزيدون، فلا يرفع بالضمة لأنه ليس بمفرد. ولا ملحقًا بهما: أي بالمثنى كـ (كلا وكلتا واثنان واثنتان) فخرج الملحق بالمثنى. فلا يرفع بالضمة لأنه ليس بمفرد، وخرج الملحق بجمع المذكر السالم كعشرون وبابه، فلا يرفع بالضمة لأنه ليس بمفرد. ولا من الأسماء الستة: وهي أخوك وأبوك وحموك وفوك وذو مال وهنوك، فهذه الأسماء مفردة- باعتبار آخر- لأنها دلت على واحد. فأبوك: دل على واحد، ولكن لا يعرب بالضمة رفعًا، وإن كان من الأسماء المفردة لكنه في باب الإعراب اصطلاحًا: ليس من الأسماء المفردة، لأن ضابط المفرد هنا: هو الذي يعرب بالضمة رفعًا، وأبوك وأخوك .. إلخ لا تعرب بالضمة رفعًا. وإنما تعرب بالواو نيابة عن الضمة. إذا وجدت هذه القيود تعين أن يكون الاسم المفرد في حالة الرفع مرفوعًا بالضمة. [مُفْرَدَ الأَسْمَاءِ] [أل] تفيد العموم هنا؛ لأنه جمع محلى بأل. قال العمريطي في نظم الورقات:
الْجَمعُ وَالْفَردُ المُعَرَّفَانِ
…
بِالَّلامِ كَالكَافِرِ والِإنْسَانِ
فيعم مفرد الأسماء-هنا- المذكر والمؤنث والمنصرف وغير المنصرف، كزيد، وهند، وأحمد.
[كَجَاءَ زَيْدٌ صَاحِبُ العَلاءِ] جاء: فعل ماض، والكاف حرف جر، وهو مختص بالأسماء فلا يدخل على الأفعال، وهنا دخل على الفعل! والجواب عن هذا الاعتراض بأحد أمرين: الأول: أن يقال إن الكاف هنا ليست بحرف، وإنما هي اسم، وقد تستعمل الكاف اسمًا، كما قال ابن مالك:
وَاسْتُعمل اسْمًا وَكَذَا عَنْ وَعَلَى
…
.......................
(واستعمل اسمًا) أي الكاف فالضمير يعود على الكاف، لأنه قال:(شَبِِّه بِكَافٍ) - ثم قال: (وَاسْتُعِمل اسْمًا).إذًا قد يستعمل بعض الحروف أسماءا، وذكر السيوطي في الأشباه والنظائر: أن بعض الألفاظ تكون أسماءا وحروفًا، وبعضها تكون أسماء وحروفًا وأفعالاً-وليس في وقت واحد وإنما باعتبار الاستعمال- فقد تكون الكاف في استعمال حرف جر، وقد تكون في استعمال آخر اسما، وهذا إنما هو تشابه في اللفظ فقط وأما في الحقيقة فليس الكاف الحرفية كالكاف الاسمية إلا في النطق فقط. ولذلك يعطف عليها-أي الكاف الاسمية- بالرفع إن جاءت في موضع رفع، ومنه {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة:74) أَوْ أَشَدُّ بالرفع معطوف على محل الكاف، والكاف هنا كاف مثلية، أي بمعنى مثل، وهي اسم، {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ} فهي: مبتدأ، والكاف خبر وهو مضاف، الحجارة: مضاف إليه. أو أشدُّ: هذا معطوف على محل الكاف التي بمعنى مثل. وعليه نحمل الكلام هنا [كَجَاءَ زَيْدٌ] أي مثل جاء زيد. فليس عندنا حرف جر
داخل على الفعل، وإنما صارت الجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه، وهذا جائز في لغة العرب، أن تقع الجملة الفعلية أو الاسمية في موضع جر مضاف إليه. الجواب الثاني: أن تجعل الكاف على بابها، أنها الكاف الحرفية، وحينئذٍ لابد من التقدير [كَجَاءَ زَيْدٌ] أي كقولك: جاء زيد. إذًا الكاف لم تدخل على الفعل في الحقيقة، وإنما دخلت على القول المقدر، فاتصال الكاف بالفعل إنما هو في اللفظ فقط، نظير قول الشاعر:
وَاللهِ مَا لَيِلي بِنَامَ صَاحِبُهْ
…
وَلَا مُخَالِطَ اللَّيَانِ جَانِبُهْ
فنام: فعل ماض بالإجماع، والباء-هنا- دخلت على الفعل في اللفظ، فهل نقول:(نام) اسم لدخول الباء؟ الجواب: لا، فلابد حينئذٍ من التقدير؛ لأن الباء لا تكون اسمية كالكاف. فتقدر: والله ما ليلي بمقول فيه نام صاحبه، (بمقول) الباء دخلت على مقول محذوف وهو اسم، وجملة (نام صاحبه): في موضع رفع لـ (مقول) ومقول: اسم مفعول يرفع نائب فاعل. وهنا تقدير [كَجَاءَ زَيْدٌ] أي كقولك [جَاءَ زَيْدٌ] وجملة جَاءَ زَيْدٌ في موضع نصب للقول المحذوف؛ لأن القول ينصب الجملة وما في معناها، نحو: قلت قصيدةً. [كَجَاءَ زَيْدٌ] زيد: فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. فهذا مثال للمفرد المرفوع بالضمة، [صَاحِبُ العَلَاءِ] صاحب: نعت، ونعت المرفوع مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. والعلاء كسماء، أي الرفعة، صاحب مضاف، والعلاء مضاف إليه مجرور، وجره كسرة ظاهرة على آخره. إذًا [فَارْفَعْ بِضَمٍّ] ظاهرٍ
كالمثال المذكور. وقد يكون الرفع بضمٍّ مقدرٍ نحو: جاء الفتى والقاضي. فالفتى: فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر. والقاضي: معطوف على الفتى، والمعطوف على المرفوع مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل. هذا هو الموضع الأول الذي يكون رفعه بالضمة على الأصل.
وَارْفَعْ بِهِ الجَمْعَ المُكَسَّرَ ....
…
..................
[وَارْفَعْ بِهِ] الضمير يعود على الضم أي بالضم ظاهرًا أو مقدرًا. و [ارْفَعْ] أمر والأمر يقتضي الوجوب. [وَارْفَعْ بِهِ الجَمْعَ المُكَسَّرَ] هذا الموضع الثاني، الجمع المكسر كما هي عبارة المتقدمين، أو جمع التكسير كما هي عبارة المتأخرين. يقولون: جمع التكسير. والتكسير تفعيل-وهو مصدر- من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، فيكون كالمكسر، إذًا رجعنا إلى عبارة المتقدمين. [وَارْفَعْ بِهِ الجَمْعَ المُكَسَّرَ] ويقال: جمع التكسير، والإضافة حينئذ من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي الجمع المكسر. قالوا: إذا قيل: جمع التكسير فليس المراد به هنا المعنى المصدري للجَمْع وهو ما دل على أكثر من اثنين، فهذا معنىً من المعاني فلا يرفع. وإنما المراد المجموع، والمجموع هو اللفظ، فحينئذ قوله:[الجَمْعَ] هذا من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي: ارفع به المجموع، والذي وقع عليه الجمع هو اللفظ، وليس هو عين الجمع الذي يرفع بالضم، فتنبه. وضابط جمع التكسير: هو ما تغير عن بناء مفرده. ولذلك قيل: مكسر، لأن
المفرد لا يسلم في الجمع. قوله: ما تغير فما اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على جمعٍ أي جمعٌ وصفه أنه تغير ولم يبق على أصله في مفرده، عن بناء مفرده: المقصود به الصيغة-صيغة المفرد-والصيغة يعبرون بها عن الوزن، وهي الحروف والحركات والسكنات. وعند الصرفيين: أن الوزن هو ما ألف من الفاء والعين واللام فتقول: خَرَجَ على وزن فَعَلَ، وعَلِمَ على وزن فَعِلَ، وشَرُفَ على وزن فَعُلَ، واسْتَغْفَرَ على وزن اسْتَفْعَلَ، وأكرم على وزن أَفْعل، ففَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ ونحوها هذه تسمى وزنًا، وصيغة، وبنية، وبناءا. قال النيساري في نظم الشافية:
وَتُوزَنُ الأُصُولُ فِي الكَلَامِ
…
بِالفَاءِ ثُمَّ العَينِ ثُمَّ اللَّامِ
ولذلك يقال: فاء الكلمة، وعين الكلمة، ولام الكلمة. فنحو:(خرج) الخاء: فاء الكلمة، والراء: عين الكلمة، والجيم: لام الكلمة، لأنها تقابَل بالأصل. وتشكل بما شكلت به الحروف التي في الأصل الموزون.
إذًا قوله: عن بناء مفرده أي عن زنة مفرده وهو الحروف والحركات والسكنات، فإذا قلت: رَجُلٌ وجمعتَه على رِجَالٍ فرَجُل: على وزن فَعُل بفتح الفاء- التي هي الراء- وبضم العين-التي هي الجيم-واللام بحسب حركة الإعراب -التي هي اللام- وجمعه رجال فالراء موجودة كما هي، والجيم موجودة كما هي، واللام موجودة كما هي، هل بقيت هذه الأصول على حالتها في الجمع كما هي في المفرد أم تغيرت؟ لا شك أنها تغيرت. إذًا لم يبق على بنية
مفرده -رجل بفتح الراء، ورجال بكسر الراء. رجل بضم الجيم، ورجال بفتح الجيم - إذًا تغير عن بناء مفرده. فحينئذ نقول: رجال جمع مكسر؛ لأنه لم يسلم فيه واحده بل تغير، بخلاف نحو: مسلمون جمع مُسْلِم- على وزن مُفْعِل-بقي المفرد في الجمع كما هو بحركاته وسكناته. فـ (مُسْلِمون) جمع تصحيح، لأن مفرده (مُسْلِم) صحَّ وسَلِم فلم يحذف منه حرف، ولم تتغير حركاته ولا سكناته، فسمي جمع تصحيح لأن المفرد صح في الجمع، يعني إذا قورن الجمع بالمفرد. وليس المراد أن المفرد في داخل الجمع، وإنما بالمقارنة الاعتبارية فقط. من أجل ضبط القواعد وإلا فالمفرد مستقل، والجمع مستقل. فحينئذ مسلم ومسلمون، ليس كرجل ورجال، فرجل مفرد ورجال جمعه ولم يسلم المفرد في الجمع. ومسلم مفرد ومسلمون جمعه وقد سلم المفرد في الجمع. ما تغير عن بناء مفرده أي عن صيغته، زاد بعضهم: من غير إعلال ولا إلحاق علامة جمع أو تثنية. أراد أن يستثني نوعًا من أنواع جمع التصحيح، حصل فيه تغيير ولكنه ليس بجمع تكسير بل هو جمع مذكر سالم، ذكرنا أن جمع المذكر السالم يصح فيه مفرده ولا يتغير، لكن إذا حصل له نوع تغيير فإنه لا يدخل في هذا الحد؛ لأن تغير جمع التكسير عن مفرده تغير استقلالي ابتدائي وليس لعلة تصريفية، يعني هكذا أول ما وضع (رجل) كما هو مفردٌ ووضع (رجال) كما هو جمع. وأما (قاضون) جمع (قاضي) بالياء - على الأصل- إذا أردنا جمعه بواو ونون نُلحقه بآخره واوًا ونونًا، فصار قاضيْوْن فحينئذٍ صار
عندنا إشكال وهو أن الواو والياء ساكنتان، الياء من (قاضي) ساكنة، والواو ساكنة- وهي حرف إعراب وحرف جمع- فماذا نصنع؟ والقاعدة عند الصرفيين في التقاء الساكنين: أنه يحرك الساكن الأول للتخلص منه، كما قلنا في (قمِ الليل) حرك الأول بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين هذا هو الأصل. ولكن هنا يتعذر تحريك الياء بالكسر أو بالفتح أو بالضم، والعلة في الحكم بتعذر تحريك الياء هنا أننا ذكرنا أن إعراب (قاضي) مقدر، دفعًا للثقل. إذًا سلبناه حركة الإعراب طلبًا للخفة. فلم يُحرَّك الياء من (قاضي) بحركةِ إعراب. فلا يجوز لنا أن نحركه بحركةٍ عارضة، فإذا سُلب حركة الإعراب وهي الأصل وهي الأَولى التي تدل على معنىً فمن بابٍ أولى وأحرى ألا يحرك بحركة عارضة للتخلص من التقاء الساكنين؛ لأن قولك:(جاء القاضيُ) هذه الضمة أقوى من الكسرة التي للتخلص من التقاء الساكنين لأنها اقتضاها عامل، وتلك اقتضاها التخلص من التقاء الساكنين وهو أضعف.
فإذا لم يمكن تحريك الياء بحركة التخلص من التقاء الساكنين نعدل إلى المرحلة الثانية عند الصرفيين: وهي أنه يحذف الحرف الأول- وهو الياء - لكن بشرطين: الأول: أن يكون حرف علة. والثاني: أن يدل عليه دليل أي بعد الحذف. فإن كان ياءا يكسر ما قبلها، وإن كان واوًا يضم ما قبلها، وإن كان ألفًا يفتح ما قبلها -هذا يسمى دليل الحرف المحذوف-. هنا الياء حرف علة، وقد كُسر ما قبلها، فقد وجد شرطا الحذفِ، فحذفت الياء فصار (قاضِوْ) بكسر الضاد،
وسكون الواو. فحينئذٍ ورد إشكال آخر: وهو أن هذه الواو بعد حذف الياء ساكنة، وكُسر ما قبلها، والقاعدة الصرفية: أن الواو إذا سكنت وانكسر ما قبلها وجب قلبها ياءًا. فحينئذ يجب أن تقلب هذه الواو ياءًا. فتقول: (قاضين) فيلتبس الرفع بالجر والنصب، وهذا إشكال آخر. قالوا: إذًا يجب إبقاء هذه الواو. ونبطل القاعدة بقلب الكسرة ضمة، فصارت واوا ساكنة ضم ما قبلها. إذًا لا قلب عندنا، بل الواو يناسبها أن يكون ما قبلها مضمومًا، حينئذٍ سقطت القاعدة. والحاصل: أن (قاضُون) حصل فيه تغيير -انتقال الكسر إلى الضم، وحذف منه حرف- عن بناء مفرده، وليس بجمع تكسير، لأن التغيير حصل لإعلال، فحينئذٍ يبقى على أصله أنه جمع مذكر سالم. كذلك (مصطفون) الأصل فيه (مصطفاون) فالتقى ساكنان الألف والواو، ولا يمكن تحريك الألف مطلقًا، لأنها لا تقبل الحركة، فنحذفها لتحقق شرطي الحذف: حرف علة، ومفتوح ما قبله. إذًا (مصطفون) تغير عن بناء مفرده بحذف الألف، نقول: هذا التغيير لإعلالٍ فهو طارئ وليس لذات الجمع. ولذلك قال: ما تغير عن بناء مفرده من غير إعلال. ولا إلحاق علامة جمع ولا تثنية نحو: (زيد زيدان) زيد على وزن فَعْل وزيدان على وزن فَعْلان، فقد تغير بزيادة حرفين لكن لذات التثنية، فلا نحكم عليه بأنه جمع تكسير لأن الزيادة هذه لاحقة. ومثله (زيدون) مفرده (زيد) ولم يبق على أصله وإنما حصل التغير هنا بزيادة حرفين، وبضم الدال في حالة الرفع، وبكسرها في حالتي النصب والجر. والمثنى بفتح الدال في
الرفع والنصب والجر. نقول: هذا حاصل لكونه ألحق به علامة تثنية أو جمع.
والحاصل: أن جمع التكسير: هو ما تغير عن بناء مفرده. ووجوه التغيير التي يحكم عليها بأنها جمع تكسير لا تخرج عن ستة أنواع بالاستقراء والتتبع:
الأول: بالزيادة فقط. كـ صنو وصنوان. فحصل تغير بزيادة الألف والنون.
الثاني: بالنقص فقط. كـ تُخَمة- بضم التاء وفتح الخاء - وهذا مفرد، يُجمع على تُخَم. حذفت التاء فقط. وتُهَمَة وتُهَم.
الثالث: بالشكل فقط. كـ أَسَد وأُسُد، ونَمِر ونُمُر.
الرابع: بالزيادة والشكل معًا: كـ رَجُل ورِجَال، تغيرت حركة الراء من الفتح إلى الكسر، والجيم من الضم إلى الفتح، وزيدت الألف. ومثله: سَبَب وأسباب، وبَطَل وأبطَال، وهند هنود.
الخامس: بالنقص والشكل معًا: كـ رَسُول ورُسُل ضمت الراء وحذفت الواو.
السادس: بالثلاثة معًا: بالشكل والنقص والزيادة. كـ غُلَام وغِلْمان ف (غُلام) الغين مضمومة، واللام مفتوحة، فقلت: غِلْمان، إذًا تغير بالشكل. (غلام) حذفت الألف التي بعد اللام، فقلت: غلمان وهذا حذف. والزيادة: الألف والنون. ومثله: كريم وكرماء، وكاتب وكُتَّاب، وأمير وأمراء.
[وَارْفَعْ بِهِ الجَمْعَ المُكَسَّرَ] أي جمع التكسير. [وَارْفَعْ بِهِ] أي ارفع رفعًا مصورًا بالضم [الجَمْعَ المُكَسَّرَ] مطلقًا سواء كان مذكرًا نحو: جاء الزيود. أو مؤنثًا نحو: جاءت الهنود. وسواء كان إعرابه ظاهرًا كما مثلنا، أو مقدرًا كجاءت الأُسارى والعذارى، الأسارى: جمع أسرى مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره وهو جمع تكسير. والعذارى: معطوف عليه وله حكمه. وسواء كان منصرفًا نحو: جاءت زيود وهنود، أو غير منصرفة نحو: هذه شياطين وبساتين. هذا النوع الثاني الذي يرفع بالضمة على الأصل.
..... وَمَا
…
جُمِعَ مِنْ مُؤَنَّثٍ فَسَلِمَا
[وَمَا جُمِعَ مِنْ مُؤَنَّثٍ فَسَلِمَا] أي النوع الثالث مما يرفع بالضمة: جمع المؤنث السالم. وبعضهم يعبر عنه بما جمع بألف وتاء مزيدتين، ولذلك قال ابن مالك:
وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَد جُمِعَا
لأنهم يقولون بأنه جمع مؤنث، و (مؤنث) صفة لموصوف محذوف؛ لأن المؤنث مأخوذ من التأنيث، والتأنيث أمر معنوي، والمعنى لا يُجمع، فحينئذ لابد من التقدير: جمع المفرد المؤنث. (السالم) الذي سلم فيه مفرده، فهو صفة للجمع لا للمؤنث، ولذلك تقول: هذا جمعُ مؤنثٍ سالمٌ بالرفع؛ لأنه نعت لجمع. نقول: اعترض على هذا اللفظ بأن بعض مفرداته مما جمع بألف وتاء ليس بمؤنث كـ (حمام وحمامات، واصطبل واصطبلات) هذه جمعت
بألف وتاء وليست بمؤنث، (سالم) أي سلم مفرده وهو نعت للجمع. أيضًا اعترض عليه بأن بعض الجموع لم يسلم فيه مفرده كـ (سجْدة وسَجَدَات) تحركت الجيم، و (حبلى وحبليات) قلبت الألف ياءا، و (صحراء وصحراوات) قلبت الهمزة واوًا. فانتقد قيد (المؤنث)،وانتقد قيد (السلامة). فحينئذٍ عدل ابن مالك وتبعه ابن هشام إلى قولهم: ما جمع بألف وتاء. وأجاب الكثيرون عن الاعتراضين: بأنه صار علمًا ولقبًا فحينئذ صار جامدا، فلا مفهوم لقيد (مؤنث)،ولا مفهوم لقيد (سالم)،يعني لا مفهوم لهما فلا يحترز بهما. أما حقيقة هذا الجمع: فهو ما جُمع بألف وتاء مزيدتين. (ما) اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على جمع، أي جَمْعٌ جُمِع بألف وتاء، وليس المراد أن يجمع الجمع بألف وتاء مرة أخرى! بل المراد: ما تحققت جمعيته وحصلت بألف وتاء، أي بسبب الألف والتاء المزيدتين على مفرده، فحينئذ نحكم عليه بأنه جمع بألف وتاء. (بألف وتاء) الباء للسببية، أي الجمع تحقق وحصل بسبب الألف والتاء، فلا داعي لقوله:(مزيدتين). ويحتمل أنها للملابسة فحينئذ لابد من قيد (مزيدتن). (بألف وتاء مزيدتين) احترازًا مما لو كانت الألف أو التاء أصلية في الجمع. فنحو: (أموات) ليس جمع مؤنث سالم، لأن التاء أصلية، وشرط جمع المؤنث السالم: أن تكون الألف والتاء مزيدتين. أما إذا كانت الألف أصلية والتاء زائدة أو العكس فلا يحكم بكونه جمع مؤنث سالم، ولو جمع فيكون حينئذٍ جمع تكسير. فـ (مَيْتٌ وأموات، وصوت وأصوات، وبيت وأبيات)
الألف زائدة والتاء أصلية. و (قضاة وغزاةٌ) التاء زائدة والألف أصلية، بمعنى أنها منقلبة عن أصل، لأن أصل قضاة: قُضَيَةٌ -على وزن فُعَلَةٌ- تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت الياء ألفًا. إذًا الألف أصلية؛ لأنها منقلبة عن أصل. وغزاةٌ أصلها غُزَوَةٌ تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت الواو ألفًا. إذًا (قضاة وغزاة) ليسا جمع مؤنث سالمًا؛ لأنه وإن كانت التاء زائدة إلا أن الألف أصلية؛ لأنها منقلبة عن أصل.
جمع المؤنث السالم يكون قياسيًا وسماعيًا. والقياسي مطرد في ستة أشياء: نظمها الشاطبي بقوله:
وَقِسهُ فِي ذِي التَّا وَنَحوِ ذِكرَى
…
وَدِرهَمٍ مُصَغَّرٍ وَصَحَرا
وَزَيَنبٍ وَوَصْفِ غَيرِ العَاقِلِ
…
وُغَيرُ ذَا مُسَلَّمٌ لِلنَّاقِلِ
(وَقِسهُ) أي ما جمع بالألف والتاء يكون مقيسًا (فِي ذِي التَّا) ء يعني في صاحب التاء أي اللفظ الذي أُنث بالتاء؛ لأن المؤنث على ثلاثة أنحاء:
الأول: أن يكون مؤنثًا بالتاء فقط، نحو: فاطمة، ومسلمة، وطلحة.
الثاني: أن يكون مؤنثًا بالألف فقط، نحو: حُبلى، وصحراء.
الثالث: أن يكون مؤنثًا بالمعنى فقط، نحو: زينب وهند.
(وَقِسهُ فِي ذِي التَّا) أي ما كان مؤنثًا بالتاء سواء كان مسماه مؤنثا علما كفاطمة، أوصفة لمؤنث كمسلمة، أو مسماه مذكرا كطلحة. فتقول: فاطمة وفاطمات، ومسلمة ومسلمات، وطلحة وطلحات. وحذفت التاء التي كانت في الأصل- أي في المفرد- لأنها زائدة في تقدير الانفصال وإلا الأصل فاطمتات، ولئلا يجتمع في لفظ واحد علامتا تأنيث. إذًا قوله:(وَقِسهُ فِي ذِي التَّا) أن ما كان مختومًا بالتاء يكون جمعه بألف وتاء.
(وَنَحوِ ذِكرَى) أي ما كان مختومًا بألف التأنيث. قال ابن مالك:
عَلَامَةُ التَّأنِيثِ تَاءٌ أَو أَلِفْ
…
وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالكَتِفْ
(علامة التأنيث تاء) هذا سبق (أو ألف) يشمل نوعين: الألف المقصورة، والألف الممدودة. (وَنَحوِ ذِكرَى) يعني ما كان مختوما بألف مقصورة. فذكرى يجمع على ذكريات بألف وتاء. (وَدِرهَمٍ مُصَغَّرٍ) أي مصغر مذكر ما لا يعقل، فما لا يعقل إذا صغّر يجمع بألف وتاء. فدرهم يجمع على دراهم جمع تكسير، لكن إذا صُغّر (درهم) على دريهم جاز جمعه بألف وتاء، فيقال: دريهمات. (وَصَحَرا) ء أي ما كان مختومًا بألف ممدودة، فيقال فيه: صحراوات بألف وتاء. أما سماء وسماوات، فليست من هذا القبيل كما قد يظنه البعض، فسماء ليس كصحراء وإن جمع بألف وتاء فيقال:(خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ).فنقول: السماوات ليس جمع مؤنث سالما قياسيًا، وإنما هو سماعي. لأن صحراء الهمزة فيه للتأنيث. وسماء: اسم جنس
وليس اللفظ بمؤنث، لأن هذه الهمزة ليست أصلية، وإنما هي منقلبة عن واو، أصلها سماوٌ. والقاعدة: إذا وقعت الواو أو الياء بعد ألف متطرفة - يعني في آخر الكلمة - وجب قلب الواو أو الياء همزة. ولذلك تقول: (بناء) أصلها بنايٌ، وقعت الياء متطرفة بعد ألف زائدة فقلبت الياء همزة. و (سماء) أصلها (سماوٌ)، وقعت الواو متطرفة بعد ألف زائدة فقلبت الواو همزة، والدليل على هذا أنها ليست كصحراء قوله تعالى:{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (فصلت:12) بصرفها، ولو كانت مثل صحراء لوجب منعها من الصرف؛ لأن صحراء ممنوع من الصرف لعلة واحدة تقوم مقام علتين، وسماء منصرفة؛ لأن الهمزة هذه ليست همزة تأنيث، وإنما هي منقلبة عن واو. (وَزَيَنبٍ) أي العلم المؤنث بلا تاء، كزينب يجمع على زينبات، وهند على هندات. (وَوَصْفِ غَيرِ العَاقِلِ) يعني وصف المذكر غير العاقل نحو:{أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} (البقرة:184) فمعدودات جمع بألف وتاء؛ لأنه وُصِف به جمع ما لا يعقل وهو أيامًا. إذًا وَصْفُ الجمع الذي لا يعقل يجمع بألف وتاء. (وُغَيرُ ذَا) المذكور من الستة الأنواع (مُسَلَّمٌ لِلنَّاقِلِ) يعني مُفَوَّضٌ أمرُه للناقل عن العرب فيحكم عليه بأنه سماعي، كـ (حمّام وحمّامات، واصطبل واصطبلات، وسماء، وسموات) فالسماعي لا ينحصر، وضبطه لا يمكن، وإنما يرجع فيه إلى القواميس والمعاجم التي تذكر هذه الجموع. إذًا قوله:[وَمَا جُمِعَ مِنْ مُؤَنَّثٍ فَسَلِمَا] فـ[مَا] اسم موصول يصدق على جمع، في محل نصب معطوف على الجمع
المكسر. [جُمِعَ] ليس المراد به الجمع الحقيقي، وإنما المراد به جمع تحققت جمعيتة وحصلت [مِنْ مُؤَنَّثٍ] أي من مفرد مؤنث، فهو صفة لموصوف محذوف، لأن التأنيث معنى، والمعنى لا يجمع، [فَسَلِمَا] الفاء زائدة، والألف للإطلاق، والجملة صفة للجمع، أي سلم عن تغير بنائه-وفيه ما سبق بيانه-.إذًا عرفنا أن جمع المؤنث السالم يرفع بالضمة الظاهرة على الأصل، ولا تكون الضمة مقدرة في جمع المؤنث السالم إلا عند إضافته لياء المتكلم نحو: هذه شجراتي وبقراتي.
والموضع الرابع الذي يكون رفعه بالضمة أشار إليه بقوله:
كَذَا المُضَارِعُ الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ شَيءٌ بِهِ كَيَهْتَدِي وَكَيَصِلْ
[كَذَا المُضَارِعُ] بالرفع مبتدأ مؤخر، وكَذَا خبرٌ مقدم، [المُضَارِعُ] أي الفعل المضارع، والفعل المضارع له حالان: الأولى: أن يكون مبنيًا. والثانية: أن يكون معربًا. أما الحال الأولى: فهو أن يكون مبنيًا، ويبنى على السكون وذلك إذا اتصل به نون الإناث، نحو:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (البقرة228) فيَتَرَبَّصْنَ: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث. ويبنى على الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد، نحو:{كَلَاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} (الهمزة:4) فلَيُنْبَذَنَّ: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد. ومثله {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} (يوسف:32) مبني على الفتح في الموضعين، فالأول:(لَيُسْجَنَنَّ) مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والثاني (لِيَكُوناً) مبني
على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. إذًا في هذين الموضعين نقول: الفعل المضارع مبني، إما على السكون وإما على الفتح على قول جمهور النحاة وهو الأرجح وإن قيل بخلافه. الحال الثانية: أن يكون معربًا. وسبق أن الفعل المضارع يدخله من الإعراب: الرفع والنصب والجزم، فإذا تقدم عليه ناصب نصب، وإذا تقدم عليه جازم جُزم، وإذا لم يتقدم عليه ناصب ولا جازم رفع -وهذه الحالة هي التي معنا هنا- ثم إذا رفع إما أن يرفع بالضمة على الأصل، وإما أن يرفع بثبوت النون وهي فرع. ويرفع بالضمة على الأصل إذا لم يتصل به ألف اثنين ولا واو جماعة ولا ياء المؤنثة المخاطبة أي لم يكن من الأمثلة الخمسة، فإذا لم يكن من الأمثلة الخمسة فحينئذٍ يتعيّن رفعه بالضمة. [كَذَا المُضَارِعُ] أي يرفع المضارع بضم سواء كان ظاهرًا أو مقدرًا، كما رفع الاسم المفرد وما عطف عليه، فهو المشار إليه بذا. [الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ شَيءٌ بِهِ] يتصل أصلها: يَوْتصل، قلبت الواو تاء فأدغمت في التاء، لأنه مثال واوي من الوصول. [بِهِ] جار ومجرور متعلق بقوله يتصل، [شَيءٌ] مما يوجب بناءه، أو ينقل إعرابه، لأنه إذا اتصل به شيء يوجب بناءَه كنون الإناث أو نوني التوكيد لم يكن مرفوعًا، أو ينقل إعرابه كألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة. فإذا اتصل به شيء ينقل إعرابه لم يكن مرفوعًا بالضمة. ولا بد من قيد ثالث: ولم يتقدم عليه ناصب ولا جازم. فإذا [لَمْ يَتَّصِلْ شَيءٌ بِهِ] فهو مرفوع بالضمة [شَيءٌ] سواء مما يوجب بناءه أو يوجب نقل إعرابه من الأصل إلى الفرع، لكن يبقى قيد ثالث لابد منه (ولم يتقدم عليه
ناصب ولا جازم)، لأنه إذا لم يتصل بالفعل المضارع نون الإناث ولا نون التوكيد ولا ألف الاثنين، ولا واو الجماعة، ولا ياء المؤنثة المخاطبة هل معنى ذلك أنه يرفع بالضمة؟ الجواب: لا، لأنه إذا لم يتصل به شيء قد يتقدم عليه جازم فيكون مجزومًا، أو في محل جزم، أو يتقدم عليه ناصب فيكون منصوبًا أو في محل نصب إذًا لابد من القيد. [كَيَهْتَدِي] زيدٌ، فهو فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل، ويكون في الفعل المضارع المعتل الآخر مطلقًا [وَكَيَصِلْ] زيد والديه، فهو فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره لأنه صحيح الآخر.
هذا هو الموطن الرابع والأخير مما يرفع بالضمة على الأصل.
ثم شرع في بيان فروع الضمة، فبدأ بالواو وثنّى بها بعد الضمة؛ لأنها تنشأ عنها أي تتولد منها، ولذلك قيل: هي بنت الضمة. والواو تكون علامة للرفع نيابة عن الضمة في موضعين اثنين: -بالاستقراء والتتبع- الأول: الأسماء الستة. والثاني: جمع المذكر السالم. قال رحمه الله:
وَارْفَعْ بِوَاوٍ خَمْسَةً أَبُوْكَ
…
أَخُوكَ ذُو مَالٍ حَمُوكِ فُوكَ
هذا هو الباب الأول الذي بدأ به الناظم من أبواب النيابة، وهو الأسماء الستة المعتلة المضافة. ويقال: الأسماء الخمسة، وعليه الجمهور لكن المحفوظ أنها ستة كما سيأتي. الأسماء الستة هذا علم بالغلبة؛ لأن الأسماء الستة معناها الأسماء المعدودة بالستة. يعني تقول:(أبوك أخوك حموك ذو مال فوك هنوك) هذه ستة أسماء، وتقول: (بيت مسجدٌ قلم كتاب
أرض سماء) هذه ستة أسماء، لكن هل كلما أطلق هذا اللفظ الأسماء الستة يصدق على أيِّ أسماء ستة أو المراد به أسماء معينة؟ نقول: بل المراد أسماء معينة، إذًا صار علمًا. لأن ما عيّن مسماه عند الإطلاق هو حقيقة العلم، فحينئذٍ إذا قيل للنحوي أو لطالب علم النحو: الأسماء الستة انصرف ذهنه لهذا المسمَّى أبٌ أخٌ حمٌ
…
الخ دون غيرها من الأسماء. إذًا نقول الأسماء الستة ليس فيها إجمال ولا إبهام بل هي معينة. الأسماء الستة بعضهم يقيدها بالمعتلة، وهذا له نظران: إما لكون إعرابها بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًا، وهذه حروف علة كما قال في الملحة:
وَالوَاوُ وَاليَاءُ جَمِيعًا وَالأَلِفْ
…
هُنَّ حُرُوفُ الاعْتِلالِ المُكْتَنِفْ
وإما لكون لاماتها أحرف علة. فأبٌ هذا ثنائي، والقاعدة أن الاسم إذا كان على حرفين ولم يكن مبنيًّا فلا بد من حرف محذوف، وهنا نقول: حذفت اللام منه اعتباطًا، أبٌ أصله أبَوٌ، وأخٌ أخَوٌ، وحمٌ حمَوٌ، وفوك فَوْهٌ. إذًا أبٌ أخ حم ذو هذه لاماتها واو، إلا فوك فلامها هاء، وليست حرف علة. إذًا نقول هي معتلة لأن لاماتها حرف علة، وهذا مطّرد في الخمسة فقط والسادس فوك ليست لامه حرف علة وإنما هي هاء، ولذلك يجمع على أفواه. وذو لامها واو أو ياء على خلافٍ، ذَوَوٌ أو ذَوَيٌ، فحينئذٍ يكون تسمية هذه الأسماء الستة بالمعتلة من باب التغليب.
الأسماء الستة المعتلة المضافة بمعنى أنها لا تعرب هذا الإعراب إلا إذا أضيفت، وهذا القيد باعتبار ذو لبيان الواقع، وما عداها فإنه
للاحتراز؛ لأن أبًا ، وأخًا، وحمًا، وفمًا لا تعرب هذا الإعراب إلا بشرط إضافتها، فحينئذٍ لها استعمالان: مفردة غير مضافة كأبٍ. ومضافة كأبوك، مضاف إلى الكاف- وهي ضمير- فهذه قد تضاف، وقد تنفك عن الإضافة، لكن لا تعرب هذا الإعراب إلا بشرط الإضافة. أما ذو فالشرط فيها لبيان الواقع لأنها لا تنفك عن الإضافة. هذه الأسماء الستة المعتلة المضافة بدأ بها الناظم لأنها مفردة -باعتبار المثنى والجمع- وليست مفردة باعتبار باب الإعراب لأن المفرد فيه يعرب بالضمة وهي أصلية وهنا يعرب بالواو وهي فرعية قال:
وَارْفَعْ بِوَاوٍ خَمْسَةً أَبُوْكَ
…
أَخُوكَ ذُو مَالٍ حَمُوكِ فُوكَ
[وَارْفَعْ] فعل أمر، وسبق أن افعل في لغة العرب تدل على الوجوب،- هذا الأصل فيها- فدلالة افعل على الوجوب مأخوذة من اللغة ومن الشرع على أصح أقوال الأصوليين مالم توجد قرينة تصرفه عن ظاهره. وهنا قال:[وَارْفَعْ] فالأصل أن نحمله على الوجوب، لكن وجدت قرينة تصرف هذا الأمر عن ظاهره. وهو أنه لا يجب الرفع -مع الشروط التي سنذكرها- وإنما الأشهر في لغة العرب أنها ترفع بالواو إذا أضيفت؛ وإلا فقد سمع عدم إعرابها بواو مع إضافتها، كما قال القائل:
بِأَبِهِ اقْتَدَي عَدِيٌّ فِي الكَرَمْ
…
وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ
ولم يقل بأبيه، ومن يشابه أباه. إذًا هذه قرينة تجعلنا نصرف الأمر هنا من الوجوب إلى الاستحباب الصناعي. لأن موافقة الأشهر والأكثر أولى، وهو الأفصح؛ ولذلك لا يجوز حمل القرآن في الإعراب على النادر والقليل، وأولى من ذلك على الشاذ استعمالاً، أما الشاذ قياسًا فهو وارد في القرآن. إذًا نقول:[وَارْفَعْ] المراد به الاستحباب، لأن بعض العرب استعمل هذه الأسماء الستة مضافةً مع وجود الشروط معربة بالحركات على الأصل كما ذكرنا في الشاهد السابق. وهي لغة قوم، فحينئذ نقول:[وَارْفَعْ بِوَاوٍ] في إحدى لغات هذه الأسماء الستة. [وَارْفَعْ بِوَاوٍ] هنا لابد من التقدير أي وارفع رفعًا مصورًا بمسمى الواو، فهذا الرفع مصوّر بمسمى الواو؛ لأن نطقك بمسمى الواو هو عين الرفع، على مذهب البصريين. وأما على مذهب الكوفيين فالتقدير: وارفع رفعًا مع مسمى الواو. وقدرنا لفظ مسمى لأنه ليس المراد الاسم وإنما المراد المسمى لأن الرفع يكون بالمسمى لا بالاسم. [وَارْفَعْ بِوَاوٍ] ظاهرةً أو مقدَّرة، نحو: جاء أبوك، جاء فعل ماض. وأبوك فاعل مرفوع ورفعه الواو الظاهرة نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة. وجاء أبو الحسن. جاء فعل ماض. وأبو الحسن فاعل مرفوع ورفعه الواو المقدرة حذفت للتخلص من التقاء الساكنين. لأن الواو ساكنة، وهمزة الوصل تسقط في درج الكلام واللام ساكنة، فحينئذٍ التقى ساكنان= اللام والواو، وتعذّر تحريك الأول- وهو الواو- فوجب حذفها. إذًا الإعراب هنا يكون بالواو المقدّرة، ولو كتبتها لأن
الإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات. [خَمْسَةً] أي الأسماء المعدودة بالخمسة. وترك الناظم (هنوك) تبعًا للفراء والزجّاجي. وعدَّها غيره قال في الملحة:
ثُمَّ هَنُوكَ سَادِسُ الأَسْمَاءِ
…
فَاحْفَظْ مَقَالِي حِفْظَ ذِي الذَّكَاءِ
وهنا تبع الفراء والزجاجي فأسقطه، لأن هنًا هذه ليست كالأسماء الخمسة الأخرى، فالأكثر في لغة العرب أنها تعرب بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًا هو ما ذكره الناظم من الخمسة الأسماء-بشرطها-. وأما هنُك-إذا أُضيف- فالأفصح أن يعرب بالحركات على الأصل، هذا هو الكثير في لغة العرب. ولذلك سمع الفراء والزجاجي (هنُك) ولم يسمعا (هنوك) لقلته، ولكن سيبويه حكى هنوك، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. فأثبت سيبويه هنوك، وأيضًا لقلته لم يعدّه بعض النحاة حتى مع علمه به، لأنه قليل، والقليل لا حكم له. والأصح أن تعد ستة. [وَارْفَعْ بِوَاوٍ خَمْسَةً أَبُوْكَ][خَمْسَةً] مفعول به [بِوَاوٍ] جار ومجرور متعلق بارفع [أَبُوْكَ] هذا بدل مفصّل من مجمل من خمسة، لأن لفظ الخمسة مبهم ومجمل يحتاج إلى تفصيل، وإلى ما يزيل الإبهام ويرفع الإجمال، فقال: أبوك، فهو بدل مفصّل من مجمل، وبدل المنصوب منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، إذًا أبوك في النظم ليست مرفوعة، وإعرابها بالحركات لا بالحروف، لأن هذا اللفظ عَلَمٌ على أبوك في التركيب، فأبوك -هنا- علم، ومسماه هو الذي ترفعه بالواو. [وَارْفَعْ بِوَاوٍ خَمْسَةً أَبُوْكَ] أي مسمى أبوك، وترفعه إذا رُكِّب في جملة مفيدة ووضع في موضع رفع. نحو:
{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (القصص:23) فإذا أريد به معناه يكون إعرابه بالحروف، وإذا أريد به لفظه صار علمًا مفردًا، فأبوك علمًا مسماه أبوك، وهو حكاية لما يذكر في الجملة، معرب بحركات مقدرة. [أَخُوكَ] أي وأخوك على حذف حرف العطف و [ذُو مَالٍ] على حذف حرف العطف، و [حَمُوكِ] على حذف حرف العطف أيضا، وهو أقارب زوج المرأة، فيضاف حينئذٍ إلى ضمير المرأة فيقال: حموها وحموكِ -بكسر الكاف- هذا هو الغالب والأشهر. وقد يراد به أقارب الزوجة، فيضاف للمذكر فيقال: حموه وحموكَ -بفتح الكاف- و [فُوكَ] أيضًا على حذف حرف العطف. هذه الأسماء الخمسة تعرب بالواو رفعًا، إذا وقعت في موضع رفعٍ يعني كأن تكون مبتدأ أو فاعلاً أو نائب فاعل. لكن لا تعرب هذا الإعراب عند جمهور النحاة إلا بأربعة شروط عامة ويشترط في ذو وفي فم بعض الشروط التي تختص بها. أما الشروط العامة فهي:
الشرط الأول: أن تكون مفردة أي دالة على واحد، نحو:{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} ومنه: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ} (يوسف:8) أما لو ثنيت أو جمعت أعربت إعراب ما نُقلت إليه من التثنية أو الجمع، فحينئذٍ لو ثنيت أعربت إعراب المثنى، نحو: جاء أبوان، فأبوان فاعل مرفوع ورفعه الألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى، لأن شرط إعراب أبوك بالواو رفعًا أن يكون مفردًا، أما إذا ثني فحينئذٍ يأخذ حكم المثنى فيرفع بالألف وينصب ويجر بالياء. ومنه {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}
(يوسف:100) فأبويه مفعول به منصوب، ونصبه الياء نيابة عن الفتحة. {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ} (يوسف:6) (أبويك) أيضًا يعرب إعراب المثنى. وإن كانت مجموعة جمع تكسير أعربت إعراب جمع التكسير بالحركات على الأصل. نحو: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ} (النساء:11) آباؤُكم مبتدأ مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. ومنه {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} (التوبة:24){إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10) أيضًا كما قيل في الأول. وإن كانت مجموعة جمع تصحيح أيضًا أُعربت إعرابه، وجمع المذكر السالم يرفع بالواو ويجر وينصب بالياء. وذكر ابن هشام وغيره أنه لم يجمع منها إلا الأبُ والأخُ والحمُ. قال الشاعر:
فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أَصْوَاتَنَا
…
بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالأَبِينَا
فأبينا مجرور بالباء، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. وقال الشاعر:
وَكَانَ بَنُو فَزَارَةَ شَرَّ قَوْمٍ
…
وَكُنْتُ لَهُمْ كَشَرِّ بَنِي الأَخِينَا
بني مضاف، والأخينا مضاف إليه مجرور وجره الياء نيابة عن الكسرة لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. زاد بعضهم ذَوُو وذَوِي.
الشرط الثاني: أن تكون مكبرة، يعني ألاّ تكون مصغرة؛ فإن صُغرت أعربت بالحركات على الأصل. نحو: هذا أُبَيٌّ وأخَيٌّ ووذُويٌّ وحُميٌّ وفُميٌّ.
الشرط الثالث: أن تكون مضافة. فلو قطعت عن الإضافة أعربت بالحركات على الأصل. نحو: {إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} (يوسف:78) فأبًا اسم إن منصوب بها ونصبه الفتحة الظاهرة على آخره. ومنه {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ} (يوسف:77) فأَخٌ فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. وهذا الشرط لبيان الواقع بالنظر لذو للزومها الإضافة. إذًا هذا الشرط -أن تكون مضافة في غير ذو- لأن الشرط إنما يقع على ما يمكن أن يوجد بدون الشرط، فإذا قيل: يشترط كذا في كذا، إنما يشترط إذا كان المشروط فيه قد يقع مع الشرط وبدون الشرط، نقول: يشترط في الصلاة الطهارة، فتوجد الصلاة حسًا بدون طهارة، وتوجد بطهارة، فالأولى لم تنعقد، والثانية صحيحة بشرطها.
الرابع: أن تكون إضافتها لغير ياء المتكلم؛ فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بالحركات المقدرة، لأن ياء المتكلم يجب أن يكون ما قبلها مكسورًا. نحو:{إِنَّ هَذَا أَخِي} (ص:23) فأخي خبر إنَّ مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. ويزاد على هذه الشروط الأربعة شروط خاصة منها أن فوك يجب أن تفصل منه الميم، كما قال ابن مالك:
وَالفَمُ حَيْثُ المِيمُ مِنْهُ بَانَا
أي انفصل، فإن وجدت الميم أعربت بالحركات على الأصل، فتقول: هذا فمٌ، ورأيت فمًا، ونظرت إلى فمٍ. ويشترط في ذو
شرطان: أن تكون ذو بمعنى صاحب.
مِنْ ذَاكَ ذُو إِنْ صُحْبَةً أَبَانَا
يعني أفهم صحبة، نحو: زيد ذو مال، أي صاحب مال، وزيد ذو علم، أي صاحب علم. وفسر ذو بمعنى صاحب احترازًا من ذو الطائية، فإنها اسم موصول. قال ابن مالك:
وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ
…
وَهَكَذَا ذُو عِنْدَ طَيِّءٍ شُهِرْ
إذًا ذو تكون موصولة، فحينئذٍ تكون ملازمة للواو، مبنية على السكون، وهذا هو حقيقة البناء: الذي يلزم حالة واحدة. تقول: جاء ذو قام أبوه. أي الذي قام أبوه، فجاء فعل ماض، وذو فاعل مبني على السكون في محل رفع. ولك أن تقول: اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل رفع. ومثله رأيت ذو قام، ومررت بذو قام. قال الشاعر:
فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ
…
فَحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا
من ذو: من حرف جر، فلو كانت ذو الطائية التي بمعنى صاحب فحينئذٍ يقول: من ذي هذا هو الأصل. الثاني: أن تضاف ذو إلى اسم جنس ظاهر غير صفة، والمراد باسم الجنس: ما دل على معنى كلي- وهذا المعنى الكلي وجوده في الذهن- ولو كان معرَّفًا بأل كالعلم والمال والفضل والجاه، وإن شئت قل: ما يصدق على القليل والكثير، أي يصدق في الخارج على القليل والكثير، فالعلم مثلا يصدق على المسألة الواحدة فتقول: هذا علم، وعلى المسألتين
فتقول: هذا علم، وعلى المائة فتقول: هذا علم، وعلى الألف وغير ذلك، إذًا يصدق على القليل والكثير. فاسم جنس ما دل على معنى كلي ولو كان معرفًا بأل، فلا يشترط التنكير، تقول: جاء ذو العلم، وجاء ذو علم، وجاء ذو فضل، وجاء ذو الفضل، فلا يشترط فيه التنكير، بل جُعل من الفوارق بين ذو الطائية، وذو التي بمعنى صاحب أن ذو الطائية لا يوصف بها إلا المعرفة، تقول: جاء زيدٌ ذو قام أبوه، ولا يصح أن تقول: جاء رجل ذو قام أبوه، لأن ذو الطائية موصولة بمعنى الذي فهي معرفة، وشرط الصفة والموصوف الاتحاد في التعريف والتنكير. أما ذو التي بمعنى صاحب ففيها تفصيل: يجوز أن يوصف بها النكرة إذا أضيفت إلى نكرة، نحو: مررت برجل ذي علم، ولا يصح مررت برجل ذي العلم، لأنك وصفت النكرة بالمعرفة والشرط التطابق، كما لا يصح مررت بزيد ذي علم، لأن ذي نكرة وزيد معرفة، والشرط التطابق تعريفًا وتنكيرًا. إذًا من الفوارق بين ذو التي بمعنى صاحب، وذو الطائية= أن ذو الطائية لا يوصف بها إلا المعرفة؛ لأنها معرفة ولا تكون نكرة. وذو التي بمعنى صاحب قد يوصف بها المعرفة إذا أضيفت إلى معرفة، ويوصف بها النكرة إذا أضيفت إلى نكرة. وشرط اسم الجنس أن يكون ظاهرا احترازًا من المضمر، فالضمير لا تضاف إليه ذو، ولو سمع فهو شاذ. كقوله:
إِنَّمَا يَعْرِفُ ذَا الفَضْلِ مِنَ النَّاسِ ذَوُوهُ
فهذا شاذ من وجهين: جمعه جمع تصحيح، ومن حيث إضافته إلى الضمير. فقوله: ذووه جمع تصحيح حكمي، يعني ملحق بجمع المذكر السالم، وكل الملحقات شاذة، فحينئذٍ نحكم أن ذووه شاذ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وكونه أضيف إلى ضمير فهذا شذوذ فوق الشذوذ السابق. وشرط اسم الجنس أيضًا أن يكون ظاهرًا غير صفة، فلا يصح أن يقال: مررت برجل ذي قائم، ولا مررت برجل ذي صائم؛ لأنه أضيف إلى صفة، والسر في ذلك= أن ذو يُتوصل بها إلى نعت ما قبلها بما بعدها، فالعرب نظرت في بعض الأسماء، فإذا بها لا يمكن أن يوصف بها مباشرة، فحينئذٍ جاءت بوصلة -وهي ذو- يتوصل بها إلى وصف ما قبلها بما بعدها، فحينئذٍ ما يمتنع النعت به مباشرة امتنع إضافته إلى ذو، وما جاز أن يوصف به مباشرة امتنع إضافته إلى ذو. فما يمتنع أن يوصف به مباشرة أمران: وهما الضمير والعلم، هذان يمتنع أن يوصف بهما مباشرة، وسمع: أنا الله ذو بكة، قالوا: هذا شاذ، وقيل: قليل فلا يقاس عليه، وما جاز أن يوصف به مباشرة امتنع إضافته إلى ذو، وهو أمران: المشتق والجملة، وهما يقعان نعتًا مباشرة، تقول: مررت بزيد القائم، فحينئذٍ لا يصح أن تقول مررت بزيد ذي القائم، لأنه حشوٌ، فيمتنع إضافة ذو إلى المشتق بل ينعت به مباشرة. وتقول: مررت برجل يضحك، لأن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، فلا يصح أن تقول: مررت برجل ذي يضحك. والحاصل أن ذو ملازمة للإضافة ولا تضاف إلا إلى
اسم جنس ظاهر غير صفة، ويمتنع أن تضاف إلى العلم، والضمير، والمشتق، والجملة. [وَارْفَعْ بِوَاوٍ خَمْسَةً] نقول: الصواب أنها ستة بزيادة الهن، والمراد بالهن قيل: اسم يكنى به عما يستقبح التصريح به، وقيل: كناية عن الفرج خاصة. [أَبُوْكَ أَخُوكَ ذُو مَالٍ حَمُوكِ فُوكَ] هنوك، ذكرها الناظم كما هي، فحينئذٍ يمكن أخذ الشروط من لفظها-كما هي عادة النحاة-[أَبُوْكَ أَخُوكَ ذُو مَالٍ حَمُوكِ فُوكَ] فذكرها مفردة، مكبَّرة، مضافة، لغير ياء المتكلم، و [ذُو مَالٍ] فمال اسم جنس ظاهر، بيَّن لك أن ذو إنما تكون إضافته لمثل هذا الذي ذكره، فلا تقس عليه وإنما تأتي بمثله. قال تعالى:(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ)(يوسف: من الآية68)).و [فُوكَ] ذكرها منفصلة عن الميم كما هو شرطها. هذا هو الباب الأول من أبواب النيابة وهو باب الأسماء الستة المضافة المعتلة. ثم قال الناظم:
وَهَكَذَا الجَمْعُ الصَّحِيحُ فَاعْرِفِ ......................
[وَهَكَذَا] أي ومثل ذا، والمشار إليه هنا الأسماء الستة، أي مثل ذا المذكور سابقًا، وهو الأسماء الستة في كونه يرفع بالواو نيابة عن الضمة [الجَمْعُ الصَّحِيحُ فَاعْرِفِ] أي فاعلم- أيها الطالب- تتميم للبيت. إذًا الجمع الصحيح مثل الأسماء الستة في كونه يرفع بالواو أيضًا وبمسمى الواو لا بالواو نفسها، ظاهرة أو مقدرة، فظاهرةً نحو:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون:1){الْمُؤْمِنُونَ} فاعل ورفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع تصحيح. ومقدرةً نحو: جاء المؤدوا الزكاةِ، أصلها المؤدون، أضيف وحذفت النون للإضافة، ثم حذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين. جاء
المقيموا الصلاة، أصلها المقيمون الصلاة فأضيف المقيمون إلى الصلاة فحذفت النون للإضافة ثم التقى الساكنان الواو واللام فحذفت الواو. فتقول: جاء المقيموا الصلاة، فالمقيموا فاعل مرفوع ورفعه الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين نيابة عن الضمة، فهي واو مقدرة. قال [الجَمْعُ الصَّحِيحُ] ويسمى جمع السلامة، والجمع على حد المثنى، وسمي جمعًا صحيحًا لصحة مفرده فيه، وهذا مقابل لجمع التكسير، وجمع التكسير كما سبق: ما تغير عن بناء مفرده، وهذا ما صحَّ فيه واحده، فلم يتغير عن بناء مفرده. وسمي جمع السلامة لسلامة مفرده فيه لأنه سلم فيه بناء واحده. وسمي الجمع على حدّ المثنى، أي على سبيل وطريقة المثنى، لأن المثنى يعرب بحرفين، والجمع الصحيح أيضًا يعرب بحرفين، فالمثنى يعرب بحرفين الألف والياء، والجمع الصحيح أيضًا يعرب بحرفين الواو والياء. وهذا من جهة التوسع والتجوز وإلا المثنى يعرب بثلاث، والجمع يعرب بثلاث، لأن ياءَ النصب غيرُ ياء الجرّ، وإن كانت في الصورة واللفظ واحدة، إلا أنهما في الحقيقة متغايرتان؛ لأن ياء النصب نائبة عن الفتحة، وياء الجر نائبة عن الكسرة، فحينئذٍ لا يسوَّى بينهما، وإن كانا في اللفظ شيئًا واحدًا وإلا في الحقيقة هما متغايران. ويسمى جمع المذكر السالم وهو المشهور.
[الجَمْعُ الصَّحِيحُ] الجمع مصدر، والمعنى المصدري للجمع هو ضمُ شيء إلى شيء آخر، فحينئذٍ لابد من التقدير والتأويل؛ لأن
الذي يرفع بالواو هل هو المعنى المصدري أو ما وجد فيه المعنى المصدري؟ لا شك الثاني، فحينئذٍ نقول:[وَهَكَذَا الجَمْعُ] الجمع هنا مصدر أريد به اسم المفعول أي المجموع وهو اللفظ [الصَّحِيحُ] أي المصحح على وزن فعيل صفة مشبهة أي السليم ضد المريض، إذًا [الجَمْعُ الصَّحِيحُ] أي المجموع المصحح مفرده، فحينئذٍ يكون الصحيح نعت لمفرد مقدر، فجمع المذكر السالم: جمع أي مجموع، المذكر صفة لموصوف محذوف أي جمع المفرد المذكر، لأن التذكير معنىً، والمعاني لا تجمع إنما تجمع الألفاظ، السالم نعت للجمع، يتبعه في إعرابه تقول: هذا جمعُ المذكرِ السالمُ، وأَعربْ جمعَ المذكر السالمَ. وحُكي جواز جره بالمجاورة لمذكر، لكن الصواب أن الجرّ بالمجاورة ضعيف، ولا يعوَّل عليه وإن نصره بعض أهل العلم. وحقيقة جمع المذكر السالم: هوما دلّ على أكثر من اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد عن هذه الزيادة وعطف مثله عليه. فما جنس اسم موصول بمعنى الذي، دل على أكثر من اثنين خرج به الواحد، والجمع المسمى به فإن مدلوله واحد، فالزيدون علمًا مدلوله واحد، وخرج المثنى، وجمع المؤنث السالم؛ لأنه يدلّ على أكثر من اثنتين، ودخل جمع التكسير، بزيادة في آخره أخرج جمع التكسير، لأن جمع التكسير يدل على الجمع بذاته وبصيغته المستقلة ليس ثمَّ زيادة. كالزيدون والمسلمون، فالزيدون دلّ على الجمعية بالواو، ولذلك الواو التي يرفع بها جمع المذكر السالم لها جهتان: جهة باعتبار المعنى، وجهة باعتبار الإعراب. فهي حرفُ جمعٍ، يعني دلت
على الجمعية، فالذي دلّ على الجمعية في جمع المذكر السالم هو الواو. وهي أيضًا حرف إعراب. ولذلك المسلمون مثلا قبل إدخاله في جملة، نقول: جمع مذكر سالم، هل هو مرفوع؟ نقول: لا، لأن الكلمة قبل إدخالها في جملة لا حكم لها، فإذا قلت: المسلمون، والزيدان، وأبوك قبل تسليط عامل عليها لا حكم لها من جهة الإعراب والبناء. فإذا قلنا المسلمون قبل تسليط العامل فهذه الواو علامة جمع فقط، وليست بعلامة رفع، ثم لمَّا دخل عليها العامل وقلت: قام المسلمون، صارَ لها جهتان: فهي علامة تدل على الجمعية، وأيضًا هي في نفس الوقت علامة رفع. فحينئذٍ نقول: رجال دلّ بالصيغة وبوزنه على الجمعية، ومسلمون دلّ على الجمعية بزيادة الواو، وبينهما فرقٌ، فما دلّ بالصيغة مغايرٌ لما دلّ بالزيادة، ولذلك نقول: ما دل على أكثر من اثنين: دخل جمع التكسير، بزيادة: الباء للسببية أي بسبب زيادة في آخره، بهذه الزيادة فارق بها جمعُ التصحيح جمعَ التكسير. وقولنا: بزيادة في آخره: المراد بالزيادة هنا حقيقة عرفية عند النحاة، أي بواو ونون في حالة الرفع، وبياء ونون في حالتي النصب والجر، ولكن زيادة النون في هذا الموضع فيها نظر. فليس في الحدّ لفظ مبهم.
صالح للتجريد عن هذه الزيادة، يعني يصلح أن ينفك عنها، فتحذف الواو، وعطفِ مثله عليه بمعنى أنك تحذف الواو وتعطف عليه مثله، فتحذف الواو من مسلمون وتقول: مسلمٌ ومسلمٌ ومسلمٌ عطفت عليه مثله، لكن عشرون هل هو صالح للتجريد وعطف مثله عليه؟ نقول: لا يصلح، ولو كان مرفوعا
بالواو نيابة عن الضمة، لأنه ملحق بجمع التصحيح، فهو من الشواذ، لأنه لا يصلح أن يقال عِشرٌ بحذف الواو والنون، فهو غير قابل للتجريد وعطف مثله عليه. هذا حدّ جمع المذكر السالم وقيل في حده اختصاراً: ما سلم فيه بناء المفرد. وهذا واضح وأخصر وهو مطرد فيه. إلا أنه يرد عليه الملحقات، ويمكن أن يجاب: بأنها لا مفرد لها، وقد يوجد في بعض الشواذ أن لها مفردًا، فيجاب أن الحدَّ هنا للجمع المذكر السالم الحقيقي ولا يشمل الشواذ. أما حكمه فهو أنه يرفع بالواو المضموم ما قبلها لفظًا كالزيدُون أو تقديرًا كالمصطفَون ظاهرة أو مقدرة.
ما يجمع هذا الجمع قسمان: جامد وصفة، فالجامد عند النحاة: ما دل على ذات فقط كزيد، أو معنى فقط كعلم. والصفة: ما دلّ على ذات وصفة معًا كاسم الفاعل واسم المفعول وسائر المشتقات، كضارب فإنه يدل على ذات متصفة بصفة الضرب وهكذا. لكن ليس كل جامد يجمع بواو ونون، وليس كل صفة تجمع بواو ونون، بل يشترط في الجامد: أن يكون علمًا لمذكر عاقل خاليًا من تاء التأنيث ومن التركيب، فإن لم يكن علما لا يصح جمعه بواو ونون، كرجل اسم جامد يدل على ذات، فلا يقال: رجلون لتخلف شرط العلمية. لكن الجامد إذا صُغِّر جاز جمعه بواو ونون، فإذا قيل: رُجَيل، صحَّ أن تجمعه فتقول: رُجيلون، لأنه صار صفة فهو في قوة: رجل صغير. قال الشاعر:
زَعَمَتْ تُمَاضِرُ أَنَّنِي إِمَّا أَمُتْ
…
يَسْدُدْ أُبَيْنُوهَا الأَصَاغِرُ خَلَّتِي
فابن اسم جامد وليس بعلم فلا يجمع بواو ونون، لكن لمّا صُغِّر على أُبين جُمع بواو ونون، فقيل: أبينوها. أن يكون علمًا لمذكر، فإذا كان علما لمؤنث لا يجمع بواو ونون فلا يقال في زينب: زينبون. ولو سميت رجلاً بزينب صحّ جمعه بواو ونون- وكانوا أكثر من اثنين- تقول: جاء الزينبون بواو ونون لأنه علم لمذكر. أن يكون علمًا لمذكر عاقل، فخرج ما كان علمًا لمذكر غير عاقل مثل لاحق: اسم فرس. وواشق اسم كلب، فلا يقال: واشقون ولا لاحقون. خاليًا من تاء التأنيث احترازًا من نحو طلحة، فهو علم لمذكر عاقل إلا أنه اتصلت به تاء التأنيث، فلا يجمع على مذهب البصريين بواو ونون، فلا يقال في طلحة: طلحون، ولا يقال في حمزة: حمزون. وجوَّز الكوفيون جمعه بواو ونون فيقال فيه طلحون وحمزون، وهذا أرجح -أن يجمع بواو ونون- وله أدلة، أولها: أن العبرة بالمعنى لا باللفظ، فمعناه مذكر فحينئذٍ ينظر إلى المعنى ولو خالف اللفظ من جهة التذكير والتأنيث، ولذلك انتُقد مذهب البصريين بأنهم راعوا اللفظ- طلحة ونحوه- في هذا الباب، وراعوا المعنى في باب العدد. قالوا: هناك ثلاثة طلحات باعتبار المعنى. الثاني: أن هذه التاء على نية الانفصال، فتسقط إذا جُمع بألف وتاء، فلا عبرة بها، لأنها ليست أصلية، فيقال: طلحات بدون تاء-وهذا متفق عليه- ويجوز أن يكون اللفظ له جمعان متغايران. الثالث: أنهم أجمعوا - أي البصريون والكوفيون- على صحة جمع ما سمي به من الألفاظ المؤنثة المختومة بألف ممدودة أو مقصورة، فلو سمي رجل بحبلى
اتفق البصريون والكوفيون على أنه يجمع بواو ونون فقيل: حُبْلَوْنَ -التقت الواو الساكنة مع الألف فحذفت الألف-مثل مصطفون، فحُبْلى علم لمذكر عاقل، ولم يخل من علامة التأنيث مثل طلحة، وأيهما أشد تمكنًا في باب التأنيث، الألف المقصورة أم تاء التأنيث؟ لا شك أنها الألف المقصورة، فإذا جاز جمع الأشد فمن باب أولى أن يجوز ما هو أدنى. كذلك لو سمي رجل بصحراء قيل في جمعه: صحراوون، جاز مع كونه مختومًا بألف ممدودة، وهي أشدّ في باب التأنيث من التاء، فإذا جاز الأعلى فمن باب أولى أن يجوز الأدنى، ولذلك هذا الشرط وهو أن يكون خاليًا من تاء التأنيث يجب إسقاطه. أن يكون خاليًا من التركيب فما كان مركبًا تركيبًا إضافيًا أو مزجيًا أو توصيفيًا لا يجمع بواو ونون، فلا يقال في سيبويه: سيبويهون وجوّزه بعضهم.
وأما الصفة فيشترط فيها أن تكون صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث، ليست من باب أفعل فعلاء، ولا من باب فعلان فعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث. أن تكون صفة لمذكر، فلو كانت صفة لمؤنث لا تجمع بواو ونون فلا يقال في حائض: حائضون، أن يكون صفة لمذكر عاقل فلا يقال في سابق صفة فرس: سابقون، لكن لو كان سابق صفة لرجل جاز أن يقال سابقون. خالية من تاء التأنيث، فلا يقال في علاّمة: علاّمتون، قالوا: لا يجمع بواو ونون لئلا يجتمع فيه علامة تأنيث، وعلامة تذكير. ليست من باب أفعل فعلاء أي ليست من باب أفعل الذي مؤنثه فعلاء كأحمر فإن مؤنثه
حمراء، وأعور عوراء، فلا يقال: أحمرون ولا أعورون. ولا من باب فعلان فعلى يعني ليست مما وزنه فعلان كسكران الذي مؤنثه سكرى فلا يقال: سكرانون، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، بعض الأوزان والألفاظ والمشتقات يستوي فيه المذكر والمؤنث بمعنى أنه لا يحتاج إلى علامة تميز المذكر عن المؤنث، فنحو: مسلمٌ ومسلمة، وقائم وقائمة، لابد من علامة تميز المؤنث عن المذكر، ولذلك نقول: التأنيث فرع التذكير، فمسلمٌ لا يحتاج إلى علامة لأن الأصل التذكير، ومسلمة زدناه علامة تأنيث وهي التاء لأنه فرع، وبعض المشتقات يستعمل في المذكر والمؤنث بلفظ واحد، فيقال: زيد قتيل، وهند قتيل، ولا نقول: قتيلة لأن فعيلا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، ومثله زيد جريح، وهند جريح، فإذا كان على هذه الزنة لا يجمع بواو ونون لأنه لا يميز بين المذكر والمؤنث، وهذا فيما إذا جرت الصفة على موصوفها بمعنى أنه إذا قيل: هذا زيد جريح، كانت الصفة متأخرة عن الموصوف أما إذا تقدمت فحينئذٍ تتصل بالتاء فتقول: هذه قتيلة زيد. وهذه الشروط والقيود في الجامد والصفة دليلها الاستقراء والتتبع، فحينئذٍ يجوز الإقدام على الجامد أو الصفة فيجمع بواو ونون، كزيد يجمع بواو ونون فيقال: الزيدون، ومذنب تجمع بواو ونون فيقال: مذنبون. [وَهَكَذَا الجَمْعُ الصَّحِيحُ فَاعْرِفِ] أي مثل الأسماء الستة في رفعها بالواو نيابة عن الضمة الجمع الصحيح الذي صح واحده فاعرف ذلك الحكم واتبعه.
ثم انتقل إلى بيان محل الفرع الثاني وهو الألف فقال:
..............
…
وَرَفْعُ مَا ثَنَّيْتَهُ بِالأَلِفِ
[وَرَفْعُ مَا ثَنَّيْتَهُ بِالأَلِفِ][رَفْعُ مَا] أي ورفعك أيها النحوي [رَفْعُ] مبتدأ [مَا ثَنَّيْتَهُ] أي الذي ثنيته [بِالأَلِفِ] جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ورفعك ما ثنيته [مَا] اسم موصول بمعنى الذي، وجملة ثنيته صلة الموصول لا محلَّ لها من الإعراب، والموصول مع صلته عند البيانيين في قوة المشتق كاسم الفاعل واسم المفعول، فحينئذٍ يصح أن تأتي بالمشتق في محل جملة الصلة، ورفع ما ثنيته بالألف في قوة قولك: ورفع المثنى بالألف، فحينئذٍ نقول الموصول الذي هو مَا مع صلته في قوة المشتق [وَرَفْعُ مَا][مَا] بمعنى الذي في محل جرّ، إلا أنها أيضًا في موضع نصب لأن [رَفْعُ] مصدر يرفع فاعلاً وينصبُ مفعولاً، والتقدير ورفعك المثنى، فالمثنى في الأصل مفعول به، فحينئذٍ يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله، والمصدر قد يضاف لمفعوله-كما في النظم- وقد يضاف إلى فاعله نحو قوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} (البقرة:251) والتقدير ولولا أن يدفع اللهُ الناسَ. [وَرَفْعُ مَا ثَنَّيْتَهُ بِالأَلِفِ] أي بمسمى الألف ظاهرة أو مقدرة، قد تكون الألف ظاهرة كقولك: جاء الزيدان، فالزيدان فاعل مرفوع ورفعه الألف الظاهرة نيابة عن الضمة، وتقول: جاء عبدَا الله - بفتح الدال إذ لو كان مفردًا لقال: جاء عبدُ الله بالضمة، والأصل جاء عبدَا الله، فالتقى ساكنان: الألف -التي هي علامة التثنية وهي علامة الإعراب- واللام الساكنة فحذفت الألف- وإعرابه: عبدَا
الله فاعل مرفوع ورفعه الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنان نيابة عن الضمة لأنه مثنى. [مَا ثَنَّيْتَهُ] التثنية عند النحاة أمرٌ معنوي وحقيقتها: جعلُ الاسمِ الواحد دليلاً على اثنين بزيادة في آخره. جعل الاسم أي جعل الفاعل، إذًا هي فعل الفاعل وليست هي الملفوظ الذي يدخله الألف. أما المثنى الذي هو الملفوظ به فهو: ما دلَّ على اثنين أو اثنتين بزيادة في آخره صالحٍ للتجريد وعطف مثله عليه. ما اسم موصول بمعنى الذي وهو جنس، دلّ على اثنين أو اثنتين خرج به ما دلَّ على واحد كزيد وسكران ورمان، والمثنى المسمى به، لأن الزيدان علمًا مدلوله مفرد، وما دل على أكثر من اثنين كغلمان وصنوان، ودخل فيه كل لفظ من الأسماء الموضوعة للدلالة على اثنين كشفع وزوج، ودخل المثنى الحقيقي كالزيدان، والمثنى الحكمي كاثنين واثنتين وكلا وكلتا، فهذه ألفاظ كلها دالة على اثنين. بزيادة الباء سببية، فالدلالة على الاثنين حصلت لا بذات الكلمة كشفع وزوج وكلا وكلتا واثنين واثنتين، فهذه الألفاظ لم تدل على الاثنين بزيادة في آخرها، وإنما دلت على ذلك بأصل الوضع. إذًا ما دلّ على اثنين أو اثنتين بزيادة في آخره أخرج ما دلّ على اثنين لا بزيادة ومنه كلا وكلتا، وبقي بعض الملحق بالمثنى كاثنين واثنتين، صالحٍ للتجريد خرج نحو اثنين واثنتين، لأنه لا يقال: اثنٌ.
وعطف مثله عليه أخرج الملحق بالمثنى الذي ثُنِّي من باب التغليب كالقمرين، فإنه يدل على اثنين فهو مثنى من جهة اللغة، إلا أنه ليس مثنى حقيقة، لأنه دال على اثنين بزيادة في آخره
وأيضًا صالح للتجريد، لكنه لا يعطف عليه مثله فتقول: قمر وشمس عطفت مغايرًا عليه، وشرط المثنى الحقيقي أنه إذا جُرِّد عن الزيادة تعطف مثله عليه، فتقول في نحو: الزيدان، زيد وزيد عطفت مثله عليه، كما هو الشأن في جمع السلامة. إذًا عرفنا حقيقة المثنى، وأما حكمه فيرفع في حالة الرفع بالألف أي بمسمى الألف، وهذا هو الباب الوحيد الذي تنوب فيه الألف عن الضمة ليس لها إلا موضع واحد. تقول: جاء الزيدان، فالزيدان فاعل مرفوع ورفعه الألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى. ومثله قوله تعالى:{قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} (المائدة:23) والنون التي في المثنى والتي في الجمع زائدة، ولا تكون علامة للتثنية، ولا علامة للجمع، ولذلك إذا قيل: بزيادة في آخره يقال: بواو وياء، هذا هو الأولى، وإذا ذكرت النون فهو لبيان الواقع، لأن هذه النون لا تدل على التثنية ولا على الجمع، وإنما هي عوض عن التنوين تنوين التمكين الدال على تمكن الاسم في باب الاسمية والإعراب بحيث لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف. فمدخوله الاسم الخالص من الشبهين إذًا هو أعلى الدرجات، فحينئذٍ إذا حذف منه التنوين نزلت درجته، فقالوا: إذًا لابد من تعويضه عن هذا النقص فعوِّض بهذه النون. فهذه النون عوض عن التنوين فقط عند الكثيرين. وبعضهم يرى أنها عوض عن التنوين والحركة معًا وهذا أجود من سابقه لأنه إذا كانت النون عوضًا عن التنوين، فالتنوين لا يجامع أل، تقول: مسلمٌ، ولا يصح أن تقول: المسلمٌ،
ولك أن تقول: المسلمان، والنون عوض عن التنوين وقد جامع أل، قالوا: لا، وإنما جامع التنوين أل بالنظر لكون النون عوضًا عن الحركة، فلمّا نظر إلى أن هذه النون عوض عن الحركة جاز دخول أل، والحركة تجامع أل، وأل لا تجامع التنوين، والنون عوض عنهما. وأعلى من ذلك أن يقال: إن النون زيدت لدفع توهم إضافة أو إفراد. زيدت لدفع توهم نحو: جاء خليلان موسى وعيسى، فلو حذفت النون ولم تذكر أصالة لقلت: جاء خليلا موسى وعيسى، فهل موسى بدل أو أن خليلا مضاف وموسى مضاف إليه؟ هذا محتمل لهما، لكن لما زيدت النون دفعت هذا التوهم، فقيل: خليلان. كذلك في باب الجمع نحو: مررت ببنين كرامٍ، لو لم تذكر النون لقلت: مررت ببني كرام، فهل المراد الإضافة أم الوصف؟ هذا محتمل لهما، فلما أريد الوصف أصالة زيدت النون لتدفع توهم الإضافة، أما في الإفراد فنحو: جاء المهتدين فلو قيل: المهتدي، ولم تزد النون، وقيل جاء المهتدي فهل هو مفرد أو جمع؟ هذا محتمل لهما، إذًا زيدت هذه النون في باب الجمع والتثنية دفعًا لتوهم الإضافة ودفعًا لتوهم الإفراد. وأما القول بأنها عوض عن التنوين في الاسم المفرد، فهو مع شهرته إلا أنه ينتقد بعدة أوجه قد ذكرتها في شرح الملحة فليرجع إليه. الباب الرابع قال:
وَارْفَعْ بِنُونٍ يَفْعَلَانِ يَفْعَلُونْ
…
وَتَفْعَلَانِ تَفْعَلِينَ تَفْعَلُونْ
هذا هو الفرع الرابع وهو النون أي مسمى النون، وهذا هو الباب الأول من بابي الأفعال - لأن أبواب النيابة سبعة = خمسة في
الأسماء، واثنان في الأفعال- وهو ما يعنون له بالأمثلة الخمسة، وهذا أولى من أن يقال: الأفعال الخمسة؛ لأن الأفعال جمع فِعْلٍ وهو الحدث، فحينئذٍ إذا قيل: الأفعال الخمسة، أي المعدودة بالخمسة، قد يفهم انحصارها في أحداث خمسة، وأما الأمثلة بمعنى الأوزان فهي محصورة إلا أن الموزون لا ينحصر، [وَارْفَعْ] أيها النحوي رفعًا مصورًا [بِنُونٍ] أي بمسمى نون لا بالنون ذاتها وإنما بمسماها، ارفع [يَفْعَلَانِ] فيفعلان مفعول به، كيف جاء مفعولا به وهو فعل؟ نقول: قصد لفظه فصار علمًا [يَفْعَلَانِ يَفْعَلُونْ وَتَفْعَلَانِ تَفْعَلِينَ تَفْعَلُونْ] وهذه كلها أمثلة أي أوزان، ضابطها أن الذي يرفع بثبوت النون هو كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة، سواء كان ما اتصل به ألف الاثنين للمخاطب أو الغائب، وما اتصل به واو الجماعة للمخاطب أو للغائب، أما الياء فلا تكون إلا للمخاطبة. [وَارْفَعْ بِنُونٍ] يعني بثبوت مسمى نون [يَفْعَلَانِ] فعل مضارع اتصل به ضمير تثنية مذكرًا كان أو مؤنثًا، غائبًا أو مخاطبًا، ومثاله للغائب: الزيدان يضربان، فالزيدان: مبتدأ، ويضربان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون نيابة عن الضمة لأنه أسند إلى ألف الاثنين، وألف الاثنين ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة خبر المبتدا [يَفْعَلُونْ] فعل مضارع اتصل به ضمير جمع مذكرًا كان أو مؤنثًا، غائبًا أو مخاطبًا، ومثاله للغائب: الزيدون يضربون فيضربون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون نيابة عن الضمة
لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، [وَتَفْعَلَانِ] بالتاء للمخاطب، نحو: أنتما تكتبان، فتكتبان: فعل مضارع مرفوع ورفعه ثبوت النون نيابة عن الضمة، والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، [تَفْعَلِينَ] فعل مضارع اتصل به ضمير المؤنثة المخاطبة، ولا يكون إلا للمخاطبة نحو: أنت يا هند تكتبين، فتكتبين: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأمثلة الخمسة لإسناده إلى ياء الفاعلة، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، [تَفْعَلُونْ] بالتاء للمخاطبين، نحو: أنتم أيها الزيدون تضربون، فتضربون: فعل مضارع مرفوع ورفعه ثبوت النون نيابة عن الضمة، لأنه من الأمثلة الخمسة، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.
إذًا ما ينوب عن الضمة ثلاثة أشياء: الواو وتكون علامة للرفع في الأسماء الستة وجمع المذكر السالم. والألف وتكون علامة للرفع في المثنى، والنون وتكون علامة للرفع في الأمثلة الخمسة.