المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب جوازم المضارع - فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الكَلَامِ

- ‌بَابُ الإِعْرَابِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الرَّفْعِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ النَّصْبِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الخَفْضِ

- ‌بَابُ عَلَامَاتِ الجَزْمِ

- ‌بَابُ قِسْمَةِ الأَفْعَالِ وَأَحْكَامِهَا

- ‌ باب نواصب المضارع

- ‌بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ

- ‌المَرْفُوعَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الفاعِلِ

- ‌باب النائب عن الفاعل

- ‌بَابُ المُبْتَدَا وَالخَبَرِ

- ‌بَابُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابَ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌بَابُ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا

- ‌التَّوَابِعُ

- ‌بَابُ النَّعْتِ

- ‌المَعْرِفَةُ وَالنَّكِرَةُ

- ‌بَابُ العَطْفِ

- ‌بَابُ التَّوكِيدِ

- ‌بَابُ البَدَلِ

- ‌المَنْصُوبَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ بِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ المُطْلَقِ

- ‌بَابُ الظَّرْفِ

- ‌بَابُ الحَالِ

- ‌بَابُ التَّمْيِيزِ

- ‌بَابُ الاِسْتِثْنَاءِ

- ‌بَابُ لَا

- ‌بَابُ المُنَادَى

- ‌بَابُ المَفْعُولِ لأَجْلِهِ

- ‌بَابُ المَفْعُولِ مَعَهُ

- ‌المَخْفُوضَاتُ مِنَ الأَسْمَاءِ

- ‌بَابُ الإِضَافَةِ

- ‌خَاتِمَةٌ

الفصل: ‌باب جوازم المضارع

‌بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ

قال الناظم رحمه الله: [بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ] أي هذا باب بيان الأدوات التي تجزم المضارع. لما أنهى الكلام المتعلق بنواصب المضارع، انتقل إلى بيان الجوازم وهي الحالة الثالثة لإعراب الفعل المضارع لأن الفعل المضارع له ثلاثة أحوال: إما أن يكون مرفوعًا، وإما أن يكون منصوبًا، وإما أن يكون مجزومًا. فالرفع سبق ذكره عند قوله:

وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ إِذَا يُجَرَّدُ

مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسْعَدُ

وقدمه لأنه الأصل، ولأن الرفع علامة العمد، ثم ثنى بالنواصب لأن الفعل المنصوب أعلى درجة من الفعل المجزوم، لأن النصب يكون بحركة، وهي شيء موجود ينطق به، وأما الجزم فهو حذف حركة أو حرف، وهو عدم، والموجود أشرف من المعدوم، إذا كان النصب علامته الفتحة وهي موجودة، والجزم علامته السكون وهو عدم الحركة حينئذٍ كان النصب أشرف من الجزم. [بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ] أي هذا باب بيان جوازم المضارع، ويقال فيه من جهة الإعراب ما قيل في باب الكلام على ما ذكرناه أولاً فلا عود ولا إعادة. [جَوَازِمِ] جمع جازم على وزن فواعل أي هذا لفظ جازم، أو جمع جازمة أي كلمة جازمة. وكلاهما يصدق على الجوازم سواءٌ كانت حروفًا أو أسماء، فإنْ مثلا حرف شرط وهو جازم، وهي

ص: 283

كلمة جازمة أيضًا ولا إشكال. [جَوَازِمِ المُضَارِعِ] هنا التقييد بالإضافة ليس للاحتراز لأن الجزم لا يدخل الاسم. وأما قوله: [نَوَاصِبِ المُضَارِعِ] فالتقييد بالإضافة للاحتراز، لأن النصب يدخل الأسماء، والأسماء لها أحرف تنصبها، كذلك الفعل له أحرف تنصبه. وأما الجزم فهو خاص بالأفعال، فحينئذٍ يقال في مثل هذه الإضافة إنها لبيان الواقع يعني لا للاحتراز بخلاف ما سبق في [بَابُ نَوَاصِبِ المُضَارِعِ] احترازًا من نواصب الأسماء فلها باب خاص سيأتي وهو باب إنّ وأخواتها. [بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ] الجازم باستقراء كلام العرب -يعني الأداة التي تجزم- ينحصر في نوعين لا ثالث لهما إما أن يجزم فعلاً واحدًا، وإما أن يجزم فعلين، إذًا نقول: الجوازم المراد بها ما يشمل النوعين لأنه ذكر ما يجزم فعلاً واحدًا، وذكر ما يجزم فعلين. فقال:

وَجَزْمُهُ إِذَا أَرَدْتَ الجَزْمَا

بِلَمْ وَلَمَّا وَأَلَمْ أَلَمَّا

الجزم المراد به القطع، يقال: جزمت الحبل إذا قطعته، وهنا المراد به قطع الحركة، وعبَّر بعضهم بقوله: علامة الجزم الحذف، فيشمل الحذف حذف الحركة، وحذف الحرف، لأن العلامة الأصلية للجزم هي السكون، والحذف نائب عنه، والسكون هو حذف أيضًا لأنه حذف حركة، فاختصر بعض النحاة علامتي الجزم في الحذف فقط ولم يذكر علامة أخرى. [بَابُ جَوَازِمِ المُضَارِعِ] الجوازم نوعان: ما يجزم فعلاً واحدًا، وما يجزم فعلين. إذًا لا يمكن أن يتصور أن يوجد فعل مضارع مجزوم لا بجازم، وما ورد من لغة العرب وهو مجزوم

ص: 284

ولم يسبقه جازم فهذا إما أن يقال: إنه ضرورة، وإما أن يؤول، ومنه قول الشاعر:

مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ

إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ أَمْرٍ تَبَالَا

تفد: والأصل تفدي بالياء، فحذفت وهي لا تحذف إلا للجازم ولم يسبقها جازم قالوا: إما أن يقال: ضرورة، وإما أن يقال: ثَمَّ حرف مقدر، وهو لام الأمر، والفعل المضارع مجزوم بها. وعلى كلٍّ لا بد من تخريجه على وجه صحيح.

فَاليَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبِ

إثِْمًا مِنَ اللهِ وَلَا وَاغِلِ

أشربْ: بالسكون ولم يتقدمه جازم. قالوا: هذا ضرورة، بل قيل: البيت خطأ والأصل فاليوم أُسقى، وأسقى فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، فلا إشكال حينئذٍ. فإذا وجد الجزم الذي هو السكون أو حذف الحرف الذي هو النون أو أحرف العلة، وُجِد أثر الجازم ولا جازم، فلابد من الحكم بأنه ضرورة أو مؤول. كذلك في النواصب إذا وجد النصب فلا بد من ناصب ظاهر أو مقدر، وإذا وجد ناصب ولا نصب فهذا أيضًا يحكم بأنه شاذ، ومنه {أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة:233) قرئ بالضم قالوا: هذا شاذ لأن أنْ يجب إعمالها فإذا لم تعمل حينئذٍ حكم بشذوذه.

وَجَزْمُهُ إِذَا أَرَدْتَ الجَزْمَا

بِلَمْ وَلَمَّا وَأَلَمْ

أَلَمَّا

وَلَامِ الأَمْرِ وَالدُّعَاءِ ثُمَّ لَا

فِي النَّهْيِ وَالدُّعَاءِ نِلْتَ الأَمَلَا

ص: 285

هذا شروع منه في بيان ما يجزم فعلاً واحدًا وهو على ما ذكره الناظم أربعة أحرف باستقراء كلام العرب، [وَجَزْمُهُ] هذا مبتدأ كائن [بِلَمْ] خبر المبتدأ، هذا أحسن ما يقال. وإن قلت: جزمه مبتدأ، وجملة إذا من فعلها وجوابها المحذوف في محل رفع خبر المبتدأ فهو جائز. [وَجَزْمُهُ] أي جزم الفعل المضارع، وجزمه بحذف الحركة أو بحذف الحرف، [إِذَا أَرَدْتَ الجَزْمَا] هذا تقييد، إذًا الجزم لا يكون بغير إرادة، فحينئذٍ العامل يؤثر مع إرادة المتكلم، وابن مضاء ألف رسالة في الرد على النحاة في فلسفة العوامل. قال تقولون: العامل يؤثر فيرفع وينصب ويجزم، لو كان رافعًا وناصبًا وجازمًا بنفسه لامتنع أن يوجد غير أثره معه، فمثلا إنَّ تنصب الاسم وترفع الخبر، إذًا إذا قلت: إن زيدًا قائم، إن: حرف توكيد ونصب، وزيدًا: اسمها، والعامل في زيد إنّ عملت النصب، ويمكن أن نقول: إنَّ زيدٌ قائمٍ، وإنّ زيدٍ قائمٌ، فكيف نقول هي تعمل النصب؟! نقول: تعمل النصب مع إرادة المتكلم، يعني حيث وجد هذا الحرف نطق المتكلم بعده بالنصب فلك تأثير، والعامل ليس مستقلاً بذاته، هو يقول: كأن النحاة يرون أن العوامل مؤثرة بنفسها، نقول: لا ليست مؤثرة بنفسها، وإنما أنت الذي تنطق بالنصب، لسانك يتكلم بما تكلمتْ به العرب بعد أن تنطق به منصوبًا، فالعامل أثر من حيث وجوده فحينئذٍ إذا وجدت إنَّ، قعد لك العرب: إذا وجدت إن ونطقت بها فحينئذٍ تنطق بالاسم بعدها منصوبًا. وإلا يمكن أن يقول: إنَّ زيدٍ، أو إنَّ زيدٌ، فقد وجد العمل

ص: 286

غير الذي يطلبه إنّ مع وجود إنّ، نقول: العامل ليس مستقلاً في إحداث العمل بمجرده بل لابد من إرادة المتكلم، لابد من اجتماع إرادة المتكلم مع النطق بالعامل، لذلك قال:[إِذَا أَرَدْتَ الجَزْمَا] فاجزمه [بِلَمْ] حينئذٍ أنت الذي تريد الجزم فتحذف حركة الفعل المضارع فيكون سكونًا، وذلك إذا سلط عليه حرف من حروف الجزم وهولم. [بِلَمْ] حرف نفي وقلب وجزم باتفاق، حرف نفي لأنها تنفي وقوع الحدث الذي دل عليه الفعل، نحو: لم يقم زيدٌ، هذا فيه نفي لوقوع القيام. وقلب لأنها تقلب زمن الفعل المضارع من الحال والاستقبال إلى الزمن الماضي، لم يقم زيد يعني في الزمن الماضي. وجزم، لأنها تحدث الجزم في الفعل المضارع، فتسقط حركته مع إرادتك أنت. [لَمْ] نقول مثل:{لَمْ يَلِدْ} (الإخلاص:3) لم: حرف نفي وقلب وجزم مبني على السكون لا محل له من الإعراب، يلد: فعل مضارع مجزوم بلم وجزمه السكون. [لَمَّا] أختها بمعنى أنها مثلها في كونها حرف نفي وقلب وجزم، مثل:{لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} (عبس:23).إذًا هي مثل لم مثلها من حيث الجملة في كونها جازمة، لكن يذكر النحاة كابن هشام وغيره أن لم ولما يتفقان ويفترقان، يتفقان في أمور: الأول: في النفي. الثاني: في القلب أي قلب زمانه إلى المضي. الثالث: في الجزم. الرابع: في الاختصاص بالفعل المضارع. الخامس: في قبول همزة الاستفهام وهي همزة التقرير، فيقال: ألم وألما. السادس: في حرفيتهما. هذه ستة أمور يشتركان فيها لم ولما.

ص: 287

ويفترقان في أربعة أمور كما ذكر ذلك ابن هشام رحمه الله تعالى:

الأول: المنفي بلما مستمر الانتفاء إلى زمن الحال، بخلاف لم فالمنفي بها قد يكون مستمرًا، وقد يكون منقطعًا. نقول: المنفي بلما مستمر الانتفاء إلى زمن الحال يعني إلى زمن التكلم، إذا قلت: لما يقم زيد، القيام منفي عن زيد إلى زمن النطق بالجملة، بخلاف لم فلا يشترط فيها ذلك قد يكون الحدث منفيا إلى وقت التكلم، وقد يكون منقطعًا قبل وقت التكلم، ونحو:{لَمْ يَلِدْ} نقول: هذا مستمر الانتفاء بدليل خارج عن النص. نحو: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} (الإنسان:1) لم يكن شيئًا مذكورًا ثم كان، إذًا لا يشترط في المنفي بلم أن يكون مستمر الانتفاء إلى زمن التكلم، بل قد يكون مستمرًا وقد يكون منقطعًا. أما لما فلا، ولذلك لا يقال: لما يقم زيد ثم قام، هذا فاسد، ويصح لم يقم زيد ثم قام، وفرق بين الجملتين، لما يقم زيد ثم قام، هذا تناقض لأنك نفيت القيام إلى زمن التكلم بالجملة بقولك: لما يقم، فكيف تقول: ثم قام؟! فتثبت ما نفيته أوَّلا. ويصح لم يقم زيد ثم قام، لأن لم لا يشترط فيها أن يكون النفي مستمر الانتفاء إلى زمن التكلم.

الثاني: أن لما تؤذن كثيرًا بتوقع ثبوت ما بعدها. فنحو: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (ص:8) يعني إلى زمن التكلم فالعذاب منفي عنهم، ولكن فيه إشارة إلى أنهم سيذوقون العذاب فسيقع

ص: 288

مدخول لما، وذلك للتعبير بلما دون لم. لأن النفي بها مستمر إلى زمن التكلم، وما بعد زمن التكلم فهي تدل وتشير إلى أنه سيقع، بخلاف لم فلذلك ذكر الزمخشري في قوله تعالى:{بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} أي إلى الآن لم يذوقوه وسوف يذوقونه إذ إنَّ لما تؤذن كثيرًا بتوقع ثبوت ما بعدها بخلاف لم.

الثالث: أن الفعل يحذف بعد لما يقال: هل دخلت البلد؟ تقول: قاربتها ولما. يعني ولما أدخلها. فيجوز حذف الفعل بعد لما بخلاف لم، فلا يصح أن يقال: هل قام زيد؟ وتقول: لم

وتنوي أنه لم يقم.

الرابع: أن لما لا تقترن بحرف الشرط، فلا يصح أن يقال: إِنْ لما يقم أقم، بخلاف لم فيجوز أن تقول: إن لم تقم أقم. والحجة في هذه الأربعة الأمور السماع والنقل، والنحاة وأهل اللغة ومن لهم عناية بالحروف إنما يستنبطون فقط، ولا دخل لهم في الاستعمالات والتفرقة بين لم ولما إنما يعرف من جهة اللغة. [وَلَمَّا] نحو:{لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} لما: حرف نفي وقلب وجزم مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ويقض: فعل مضارع مجزوم بلما وجزمه حذف حرف العلة، الذي هو الياء والكسرة دليل عليها. ونحو:{بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا} لما: حرف نفي وقلب وجزم مبني على السكون لا محل له من الإعراب، يذوقوا: فعل مضارع مجزوم بلما وجزمه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة،

ص: 289

والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل إذًا جزمت لم فعلاً واحدًا وجزمت لما فعلاً واحدًا. [وَأَلَمْ أَلَمَّا] هذه ليست مستقلة بذاتها فـ[أَلَمْ] هي عين لم وإنما دخلت عليها همزة التقرير، نحو:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (الشرح:1) يعني قد شرحنا لك صدرك [أَلَمْ] تقول: الهمزة حرف استفهام وتقرير مبني على الفتح لا محل له من الإعراب [لَمْ] حرف نفي وقلب وجزم مبني على السكون لا محل له من الإعراب نشرح: فعل مضارع مجزوم بلم وجزمه سكون آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره نحن. ونحو: ألما يقم زيدٌ، الهمزة أيضًا للتقرير، ولما يقال فيها ما قيل في السابقة. إذًا لا نقول الجوازم أربعة لم، ولما، وألم، وألما. لا؛ بل هي اثنان فقط. [وَلَامِ الأَمْرِ وَالدُّعَاءِ] أي والثالث مما يجزم الفعل المضارع، ويطلب فعلاً واحدًا هو لام الأمر والدعاء، وهذه أيضًا شيء واحد وإنما فرق بينهما باعتبار الآمر والمأمور، ولام الأمر أي لام تدل على الأمر، من باب إضافة الدال إلى المدلول. نحو:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ} (الطلاق:7) لينفق: اللام لام أمر، حرف مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، ينفق: فعل مضارع مجزوم باللام وجزمه سكون آخره. ولام الدعاء، ومنه {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزخرف:77) إذا كان الطلب من الأعلى إلى الأدنى سميت اللام لام الأمر، وإذا كان من الأدنى إلى الأعلى سمي دعاء، واللام هي اللام عينها، ولكن يقال إنها لام الدعاء تأدبًا مع الرب جل وعلا، وإلا هي شئ واحد، وأما تفرقة من فرق بين الالتماس

ص: 290

والدعاء والأمر فهذا لا أصل له في اللغة. [وَلَامِ الأَمْرِ وَالدُّعَاءِ] وأكثر ما تدخل لام الأمر على الفعل المضارع للغائب، نحو: لينفق: هذا هو الأكثر؛ وقد تدخل على الفعل المضارع للمتكلم لكنه قليل، نحو:{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} (العنكبوت:12). فحينئذٍ نرد بهذه الآية على من نفى دخول اللام على الفعل المضارع المقرون بالهمزة أو النون الدالة على المتكلم، وفي الحديث «قوموا فلأصلِ لكم» فلأصل: فعل مضارع للمتكلم دخلت عليه لام الأمر، فيأمر نفسه، ينزل نفسه منزلة الغير فيأمر ولا بأس بهذا. [ثُمَّ لَا فِي النَّهْيِ وَالدُّعَاءِ] أي [ثُمَّ لَا] حالة كونها مستعملة في النهي، فقوله:[فِي النَّهْيِ] جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من لا.

[لَا فِي النَّهْيِ] يعني إذا استعملت لا مقصودًا بها النهي كقوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة:40) لا تحزن: لا حرف نهي مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وتحزن: فعل مضارع مجزوم بلا وجزمه سكون آخره، فلا هذه ناهية لأنها من أعلى إلى أدنى، إذا كان النهي موجهًا من أعلى إلى أدنى سمي نهيًا، وإذا كان من أدنى إلى أعلى سمي دعاءً، نحو:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} (البقرة:286) لا تؤاخذنا: لا، الأصل فيها أنها لا الناهية، ولكن تأدبًا مع الله يقال فيها: لا الدعائية، {لا تُؤَاخِذْنَا} لا حرف دعاء - أو تقول: لا الدعائية - مبني على السكون لا محل له من الإعراب، تؤاخذنا: تؤاخذ، فعل مضارع مجزوم بلا وجزمه السكون، ونا: ضمير متصل مبني على السكون في

ص: 291

محل نصب مفعول به. ودخول لا على فعل الغائب والمخاطب كثير، فتدخل على المخاطب كما في قوله:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} وقوله: {لَا تَحْزَنْ} وتدخل على الغائب كما في قوله: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} (الإسراء:33) وقد تدخل على المتكلم، نحو قول الشاعر:

لَا أَعرفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مدامِعُها

لا أعرفن: أي أنا كأنه ينهى نفسه. [نِلْتَ الأَمَلَا] يعني أُعطيت الأمل أي ما تؤمله وترجوه. إذًا النوع الأول من الجوازم ما يجزم فعلاً واحدًا وهو باستقراء كلام العرب أربعة: لم، ولما، ولام الأمر، ولا الناهية. إذا وجدت واحدة من هذه الأنواع الأربعة فاعلم أن الفعل المضارع مجزوم بعدها. ثم قال:

وَإِنْ وَمَا وَمَنْ وَأَنَّى مَهْمَا

أيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْمَا

وَحَيْثُمَا وَكَيْفَمَا ثُمَّ إِذَا

فِي الشِّعْرِ لَا فِي النَّثْرِ فَادْرِ المَأْخَذَا

شرع في بيان النوع الثاني وهو ما يجزم فعلين. وذكر الناظم هنا خمس عشرة أداة مما يجزم فعلين، وهي على الصحيح إحدى عشرة أداة. وهي قسمان: حرف، واسم. وكل منهما إما متفق عليه، أو مختلف فيه، وعليه تكون أربعة أقسام من حيث الحرفية والاسمية أي باعتبار الترجيح وعدمه أربعة أقسام: الأول: ما هو حرف باتفاق وهو إنْ فقط. والثاني: ما هو مختلف فيه هل هو حرف أو اسم؟ والأرجح أنه حرف وهو إذما فقط. والثالث: ما هو مختلف

ص: 292

فيه هل هو حرف أو اسم؟ والأرجح أنه اسم وهو مهما فقط. والرابع: ما عدا المذكور فكلها أسماء باتفاق. هذه كلها تدخل على الفعل المضارع فتطلب فعلين اثنين، الأول يسمى فعل الشرط ويجزم بها، والثاني يسمى جواب الشرط والأصح أنه مجزوم بها. [إِنْ] حرف باتفاق، وضعت لتعليق الجواب على الشرط، لأنها لا تدل على معنى في نفسها، ولذلك هي أم الباب، فهي الأصل في الأدوات، ومتى ما ضُمن الاسم معنى إن الشرطية بُني. [إِنْ] تفيد التعليق، تعليق الجواب على الشرط، ومثاله:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} (النساء:133) الإذهاب متوقف على المشيئة، إن وجدت المشيئة وجد الإذهاب، وإلا فلا. فإنْ: حرف شرط، يشأ: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وجزمه السكون، يذهبكم: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بإن وجزمه سكون آخره. [وَمَا] وهي اسم باتفاق، وضعت في الأصل للدلالة على ما لا يعقل، وقد يستعمل فيما يعقل لكنه قليل. ثم ضمن معنى الشرط، مثالها قوله تعالى:{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (البقرة:197) تفعلوا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بما وجزمه حذف النون، يعلمه: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بما وجزمه السكون. [وَمَنْ] وهي اسم باتفاق، وضعت في الأصل للدلالة على من يعقل هكذا يقول النحاة، والأحسن أن يقال: من يعلم؛ لأنها قد تطلق على الرب جل وعلا، ثم ضمنت معنى الشرط، مثالها قوله تعالى:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (النساء:123) يعمل:

ص: 293

فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن لأنها شرطية تجزم فعلين وجزمه سكون آخره، ويجز: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بمن وجزمه حذف حرف العلة. [وَأَنَّى] وهي اسم باتفاق، وضعت للدلالة على المكان، ثم ضمنت معنى الشرط، ومثالها قول الشاعر:

فَأَصْبَحْتَ أنَّى تَأْتِهَا تَلْتَبِسْ بِهَا

فتأتها: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بأنّى، وجزمه حذف حرف العلة، وتلتبس: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بأنّى وجزمه السكون. [مَهْمَا] أي ومهما بإسقاط حرف العطف، وهو جائز وقل مثله في كل ما سيأتي. [مَهْمَا] وهي اسم على الأرجح، وضعت في الأصل للدلالة على ما لا يعقل، وقد تستعمل فيما يعقل لكنه قليل. ثم ضمنت معنى الشرط، مثالها قوله تعالى:{مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (الأعراف:132) تأتنا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمهما وجزمه حذف حرف العلة، فما نحن: الجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط. [أيٍّ] وهي اسم باتفاق، ومعناها بحسب ما تضاف إليه، وقد ضمنت معنى الشرط، ومثالها قوله تعالى:{أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الإسراء:110) أَيّاً هذه أداة شرط، وهي هنا مفعول به مقدم واجب التقديم، وتدعوا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بأي وجزمه حذف النون، {فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} الجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط. [مَتَى] وهي اسم باتفاق،

ص: 294

موضوعة للدلالة على الزمان، ثم ضمنت معنى الشرط، ومثالها قول الشاعر:

مَتَى أَضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي

متى أداة شرط تجزم فعلين الأول يسمى فعل الشرط، والثاني يسمى جواب الشرط، أضعِ: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمتى، وجزمه سكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين. تعرفوني: فعل مضارع مجزوم بمتى، وجزمه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة، وتعرفوني: النون هذه نون الوقاية، والأصل تعرفونني حذفت النون التي هي نون الرفع، وهذه النون المذكورة ليست بنون الرفع وإنما هي نون الوقاية، جيء بها لتقي الفعل من الكسر، قال ابن مالك رحمه الله تعالى:

وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الفِعْلِ التُزِمْ

نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسِي قَدْ نُظِمْ

لأن الفعل ممنوع من الكسر، فإذا اتصلت به ياء النفس وهي ياء المتكلم يستلزم أن ما قبلها يكون مكسورًا، والفعل لا يدخله الكسر، إذًا لابد من حرف يتحمل تلك الكسرة فزادوا هذه النون، واللغة محكمة. [أَيَّانَ] وهي اسم باتفاق، موضوعة للدلالة على الزمان، ثم ضمنت معنى الشرط، مثالها قول الشاعر:

فَأَيَّانَ مَا تَعْدِلْ بِهِ الرِّيحُ تَنْزِلِ

فأيان: أداة جزم تجزم فعلين، تعدل: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بأيان، وجزمه سكون آخره. تنزل: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بأيان، وجزمه سكون آخره، لكنه سكون مقدر منع

ص: 295

من ظهوره اشتغال المحل بحركة الروي. [أَيْنَ] وهي اسم باتفاق، مثل أَنَّى تدل على المكان، ثم ضمنت معنى الشرط، مثالها:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} (النساء:78) تكونوا: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بأينما، وجزمه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة، يدرككم: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم بأينما وجزمه سكون آخره. [إِذْمَا] وهي حرف على الأرجح، وهي مثل إن للتعليق، مثاله قول الشاعر:

وَإِنَّكَ إِذْمَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ

بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا

تأت: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإذما، وجزمه حذف حرف العلة. تلف: جواب الشرط مجزوم بإذما وجزمه حذف حرف العلة أيضًا. [حَيْثُمَا] وهي اسم باتفاق، مثل أين للزمان، ثم ضمنت معنى الشرط، مثالها قول الشاعر:

حَيثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ اللهُ

نَجَاحًا فِي غَابِرِ الأَزْمَانِ

تستقم: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحيثما، وجزمه سكون آخره، يقدر: هذا جواب الشرط. [وَكَيْفَمَا] هذه زادها الكوفيون، وليست جازمة على مذهب البصريين، نحو: كيفما تجلسْ أجلسْ. وزادوا أيضًا إذا في الشعر خاصة لذلك قال: [ثُمَّ إِذَا فِي الشِّعْرِ لَا فِي النَّثْرِ] لقول الشاعر:

وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ

ص: 296

وإذا تصبك: هنا جزم، وعند كثير من النحاة التسكين هنا للضرورة وليس للجزم، لأن إذا لا تجزم، وإن جزمت فهي في الشعر خاصة، وما كان مقيدًا في الشعر فحينئذٍ يكون من باب الضرورات، فلما كانت إذا أدنى رتبة من غيرها لأنها تعمل في الشعر لا في النثر، وما قبلها يعمل مطلقًا أتى بثم الدالة على التراخي. هذه ثلاث عشرة أداة ذكرها الناظم رحمه الله ثُم قال:[فَادْرِ المَأْخَذَا] يعني فاعلم المأخذ محل الأخذ وهو أنه منقول ومسموع من لغة العرب.

هذه الأدوات تجزم فعلين مضارعين، وهذا هو الأصل، لكن لا يلزم أن يكونا مضارعين مطلقًا بل الأحوال أربعة: قد يكونان مضارعين وهذا هو الأصل، وهو الأقوى، وقد يكونان ماضيين، وقد يكونان مختلفين الأول ماض والثاني مضارع، أو بالعكس الأول مضارع والثاني ماضٍ، والأمثلة: قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ} (الإسراء:7) إن أحسنتم أحسنتم: إذًا وقعا ماضيين، وقوله تعالى:{وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ} (الأنفال:19) وقعا مضارعين، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر» الأول مضارع والثاني ماض، وقوله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} (الشورى:20) فالأول فعل ماض وهو كان، ونزد له: فعل مضارع. فإذا جاء ماضيًا فحينئذٍ يكون الجزم للمحل، لأننا قررنا أن القاعدة العامة أن هذه الأدوات تجزم،

ص: 297

فإذا جزمت كان الأصل أن تدخل على الفعل المضارع، ولذلك قيل إذا كانا مضارعين هذا هو الأصل، لأن الأثر أَثَرَ الجزمِ يلفظ به، فإذا كانا ماضيين أو كان أحدهما ماضيًا فحينئذٍ أين يظهر الجزم؟ نقول: الجزم يسلط على المحل لا على اللفظ. أما حيثما وإذما فهذه واجبة الاتصال بما. هذا ما يتعلق بالجوازم التي ذكرها المصنف باختصار.

ص: 298