الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ لَا
أي هذا باب بيان لا النافية للجنس، والمراد به اسم لا أي باب بيان اسم لا، لأنَّ اسم لا هو الذي يكون منصوباً لفظاً أو محلاً، وأما الخبر فهو مرفوع، لأنه في مقام تعداد المنصوبات، والمراد هنا بلا النافية للجنس، وتُسمَّى لا التبرئة أي تبرئة الجنس من الخبر، يقال برَّأتُه أُبَرِّؤُه إذا نفيت عنه حكم الخبر، وحينئذٍ تكون لا هذه نافية لاسمها نحو: لا رجلَ، وهي ليست نافية للرجل نفسه وإنما نافية للخبر الذي وصف به الرجل، فنحو: لا رجل في الدار، يعني لا وجود للرجل في الدار، ولذلك قال النحاة: لا رجل في الدار دلت لا على نفي الكينونة في الدار عن جنس الرجل لا على نفي الرجل، لأن الرجل ذات، والذوات الأصل فيها أنها لا تنفى، وإنما ينفى حكم الذات، وحكمُ الذات معنىً من المعاني، والمراد حينئذٍ بلا النافية للجنس لا الدالةُ على التنصيص على سبيل الاستغراق، لأنَّ لا تحتمل أنها دالة على نفي الوحدة مع احتمال نفي الجنس، وقد تكون دالة على التنصيص على نفي الجنس، فإذا قلت: لا رجلٌ في الدار، فهذه لا التي تعمل عمل ليس، وهي نافية، ولكن النفي هنا يحتمل أنه نفي للوحدة فحينئذٍ يصح أن تقول: لا رجلٌ بل رجلان أو بل رجال، ويحتمل أنه نفي للجنس، أي جنس الرجل ليس موجوداً في الدار، وحينئذ لا يصح أن تقول: لا رجلٌ في الدار بل رجلان أو بل رجال، لأنك نفيت جنس الرجال، حقيقة الرجل
ليست موجودة في الدار، ويصح أن تقول: لا رجلٌ في الدار بل امرأة، لأنك نفيت جنس الرجال وهذا لا يناقض أن تثبت جنس الإناث، فحينئذٍ لا النافية التي تعمل عمل ليس هذه محتملة لنفي الجنس، وليست نصاً في نفي الجنس، وإذا أريد التنصيص لفظاً بأن الجنس منفيٌّ، ولا يحتمل غيره جئت بالاسم مبنيا مع لا فقلت: لا رجلَ، بالبناء على الفتح، ولا هنا نصٌّ في استغراق النفي، ولذلك قيل: بني اسمها لأنه ضمن معنى من الاستغراقية، والأصل لا مِن رجلٍ، ورجل نكرة في سياق النفي فتعم، وإذا دخلت عليها من الاستغراقية صارت نصاً في العموم يعني ليست ظاهرة فيه، فلا رجلَ نصٌّ في العموم، لأنها على تقدير من الاستغراقية، ومعلوم أن النكرة عند الأصوليين إذا كانت في سياق النفي أو الشرط أو الاستفهام أنها تعمُّ ظاهرًا لا نصاً، وإذا سبقتها من الاستغراقية حينئذ تكون نصا في العموم، والفرق بين الظاهر والنص، أن الظاهرَ يحتمل التخصيص، والنص لا يحتمل التخصيص، ومنه قوله تعالى:(((وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ (62))) [آل عمران:62] فهذا العموم لا يَحتمل التخصيص، ومثله قوله تعالى:(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)[هود:6] لا يحتمل التخصيص، لأنه نصٌّ في العموم، والدليل على أنه نص ليس كون النكرة في سياق النفي فحسب، لأنها حينئذ تكون ظاهرة في العموم محتملة للتخصيص، وأما الدلالة على أنها نص في العموم بحيث لا يحتمل إخراج فرد من أفرادها دخول منْ الاستغراقية على النكرة، وهذا الباب له تعلق
بأصول الفقه لأنه من ألفاظ العموم. إذاً المراد النافية للجنس على سبيل التنصيص لتخرج لا العاملة عمل ليس.
ولا النافية للجنس مما حُملت على إنَّ وأخواتها، يعني تعتبر من النواسخ التي تدخل على المبتدأ والخبر، فتدخل على المبتدأ فتنصبه على أنه اسم لها، والنصب قد يكون لفظاً أو محلاًّ كما سيأتي، وعلى الخبر فترفعه أي لا - على الصحيح- على أنه خبر لها. قال الناظم:
اِنْصِبْ بِلَا مُنَكَّرًا مُتَّصِلَا
…
مِنْ غَيرِ تَنْوِينٍ إذَا أَفْرَدتَّ لَا
[اِنْصِبْ] محلاًّ أو لفظاً، فمحلا فيما إذا كان اسم لا مفرداً لأنَّه مبنيٌّ معها، فحينئذٍ يكون النصب للمحل، ولفظاً فيما إذا كان اسم لا مضافاً أو شبيها بالمضاف، [اِنْصِبْ بِلَا] أي النافية للجنس، إذاً لا تدخل معنا لا الناهية ولا الزائدة ولا النافية للجنس احتمالا، وهذا هو الشرط الأول أن تكون لا نافية للجنس. [مُنَكَّرًا] وهذا الشرط الثاني أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وقوله: منَكَّراً ليس متعلقا بالاسم فحسب، بل لا بُدَّ أن يكون الاسم نكرة والخبر كذلك نكرة، فلا تعمل في معرفة لأنها على تقدير من، ومن الاستغراقية مختصة بالنكرات. [مُتَّصِلَا] أي تكون لا مباشرة للنكرة أي اسمِها، فلا يفصل بين لا واسمها أيُّ فاصل ولو بخبرها، ولو ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فلا يُقبل الفصل بين لا ومدخولها مطلقًا. وهذا هو الشرط الثالث.
فإذا وجدت هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ تكون لا عاملة عمل إنَّ، أُلحقت لا النافية للجنس بإنَّ التي تختص بالمبتدأ والخبر، قالوا: لأنَّ لا مؤكدة، وإنَّ مؤكدة، ولكنَّ التأكيد في باب إنَّ للإيجاب، والتأكيد في باب لا للنفي، حينئذ حُمِل الضدُّ على ضده، كذلك لا ملازمة للصدر كما أنَّ إنَّ ملازمة للصدر، ولا مختصة بالجملة الاسمية يعني لا تدخل على الجملة الفعلية مثل إنَّ لا تدخل إلا على الجملة الاسمية، إذاً لثلاثة أمور حُملت لا النافية للجنس على إنَّ فعملت عمل إنَّ، ولذلك قال ابن مالك:
عَمَلَ إنَّ اجْعَلْ لِلَا .....
…
......................
عمل إنَّ وهو نصب المبتدأ على أنه اسم لها ورفع الخبر على أنه خبرٌ لها هذا العمل اجعَله للا، حمْلاً للا على إنَّ في الثلاثة الأمور المذكورة.
حينئذٍ قوله: [اِنْصِبْ بِلَا] إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة، وكانت مفردةً غير مكرَّرة كما قال: إذا أفردتَ لا، فنحمل قوله:[اِنْصِبْ] على الوجوب لفظًا أو محلا، فيجب النصب إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة مع عدم تكرار لا، فيقال: لا رجلَ في الدار، النصب هنا واجب محلاًّ، وقولك: لا صاحبَ علمٍ ممقوتٌ، ولا طالعًا جبلاًً حاضرٌ، فالنصب هنا واجب لفظًا.
وإن انخرم الشرط الأول بأن كانت لا غير نافية للجنس فإما أن تكون ناهية اختصت حينئذٍ بالفعل المضارع وجزمته، نحو: لا
تشركْ بالله، أو تكون زائدةً لم تعمل شيئًا كما في قوله تعالى:(ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ (12))) [الأعراف:12] وهذه لا تختص بالفعل، أو تكون نافية للوَحدة عملت عمل ليس كما في قولك: لا رجلٌ في الدار بل رجلان.
وإن انخرم أحد الشرطين الأخيرين لم تعمل ووجب تكرارها، فإذا لم يكن اسمها وخبرها نكرتين وجب إهمالها فلا تعمل في معرفة؛ لأنه كما سبق أنها على تقدير من الاستغراقية، ومن الاستغراقية تختص بالنكرة فلا تدخل على المعرفة، فتقول: لا زيدٌ في الدار ولا عمرو، وقال تعالى:((لَافِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47))) [الصافات:47] فتعين إهمالها، ولا يجوز إعمالها.
وقوله: [مِنْ غَيرِ تَنْوِينٍ] هذا يحتمل أن مراده به اسم لا المضاف لأنك تقول: لا صاحبَ علم، فهنا نصبت من غير تنوين، وأما اسم لا الشبيه بالمضاف، نحو: لا طالعًا جبلاً فهنا نصبت مع التنوين، ولا رجلَ نُصب اسم لا محلاًّ والتنوين لا يدخل الإعراب المحلِّي، وإنما يكون تابعاً للفظ، وذلك [إذَا أَفْرَدتَّ لَا] أي لا المفردة وهي التي لم تتكرر.
تَقُولُ لَا إِيمَانَ لِلمُرْتَابِ
…
وَمِثْلُهُ لَا رَيْبَ فِي الكِتَابِ
[تَقُولُ] فيما استجمع للشروط السابقة [لَا إِيمَانَ لِلمُرْتَابِ وَمِثْلُهُ لَا رَيْبَ فِي الكِتَابِ]
إذا علمنا هذا نقول اسم لا له ثلاثة أحوال: إما أن يكون مفرداً، وإما أن يكون مضافاً، وإما أن يكون شبيها بالمضاف، فالمفرد في باب لا: ما ليس مضافاً ولا شبيها بالمضاف، والمضاف واضح، والشبيه بالمضاف: ما اتصل به شيء من تمام معناه، يعني ما كان عاملاً فيما بعده، فالأول يكون منوَّنا فيتعلَّق به إما مرفوع أو منصوب أو جار ومجرور، تقول: لا طالعًا جبلاً حاضرٌ، فطالعًا اسم لا شبيهٌ بالمضاف لأنه عملَ النصب فيما بعده، إذًا تعلَّق به شيءٌ - وهو المنصوب- من تمام معناه لأن كل معمول يتعلق بعامله فهو متممٌّ له من جهة المعنى، وتقول: لا قبيحًا فعلُه مذموم، فقبيحًا اسم لا شبيهٌ بالمضاف لأنه تعلق به مرفوع وهو من تمام معناه، وتقول: لا خيرًا من زيدٍ عندنا، فخيراً اسم لا شبيهٌ بالمضاف لأنه تعلق به الجار والمجرور من زيدٍ، إذًا الشبيه بالمضاف في باب لا ما اتصل به شيء من تمام معناه، إما أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا أو جارًّا ومجرورًا، وما عدا ذلك فهو مضاف نحو: لا صاحبَ علمٍ ممقوت، فهذا مضاف ومضاف إليه. والمفرد في باب لا ما ليس مضافاً ولا شبيها بالمضاف، حينئذٍ يأخذ حكم المفرد في باب الإعراب، ويدخل فيه هنا المثنى والجموع بأنواعها، فيكون مفرداً في هذا الباب.
ثم اسم لا المضاف والشبيه بالمضاف منصوب لفظاً، فنحو: لا صاحبَ علمٍ ممقوتٌ، لا نافية للجنس، وصاحبَ علمٍ اسمها منصوب بلا ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، وصاحبَ مضاف وعلم مضاف إليه، وممقوت خبر لا. ونحو: لا طالعًا جبلاً حاضر،
لا نافية للجنس، وطالعًا اسم لا منصوب بها ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر، وجبلا مفعول به للوصف، وحاضر خبر لا. وأما المفرد فهو في اللفظ مبنيٌّ، ويُبنى على ما ينصب به لو كان معربا، فإن كان مفردًا في باب الإعراب كرجل أو جمع تكسير فيبنى على الفتح لأنه لو نُصب جمع التكسير لنصب بالفتحة، ولو نُصب رجل وهو مفرد في باب الإعراب لنصب بالفتحة، فتقول: لا رجلَ، رجلَ اسم لا وهو مفرد مبني على الفتح، لماذا بُني على الفتح؟ لأنه لو أُُعرب ونُصب تقول: رأيت رجلاً نصبته بالفتحة، إذاً يبنى مع لا على الفتح، وتقول: رأيت رجالاً، نصبته بالفتحة، فإذا دخلت عليه لا بُني معها على الفتح، فتقول: لا رجالَ، والمثنى وجمع التصحيح يُبنيان مع لا على الياء لأنه لو نُصب وهو مُعرب لنصب بالياء، تقول: لا مسلمَين في الدار، مسلمين اسم لا مبني معها، مبني على الياء لأنه مثنى لو أعرب نصبًا لأُعرب بالياء، وتقول: لا مسلمِين في الدار، فمسلمِين مفرد هنا وهو جمع تصحيح، اسم لا مبني على الياء في محل نصب، لأنه لو أُعرب نصْبًا لكان إعرابه بالياء، جمع المؤنث السالم، نحو: لا مسلماتِ فالأفصح أن يكون مبنيًا على الكسر لأنه لو نصب لنصب بالكسرة، وجوَّز بعض النحاة - لوروده سماعاً - أن يكون مبنيا على الفتح لا مسلماتَ، فيجوز فيه الوجهان، إذًا المفرد في باب لا ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف فيشمل رجلا ورجالا ومسلمَين ومسلمين ومسلمات يشمل هذه الأنواع كلها، وحُكمه أنه يُبنى على ما ينصب
به لو كان معربا، قبل دخول لا، ولكن يكون في محل نصب، وفي اللفظ يكون مبنياً فتقول: لا رجلَ في الدار، لا نافية للجنس، ورجلَ اسمها مبني على الفتح في محل نصب، و [تَقُولُ لَا إِيمَانَ لِلمُرْتَابِ] لا نافية للجنس، وإيمان اسم لا مبني معها على الفتح في محل نصب، وبني على الفتح لأنه مفرد، والمفرد في باب لا ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف فيبنى على ما ينصب به لو كان معرباً. وللمرتاب جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا، فلا عاملة النصب في محل اسمها، وهي عاملة الرفع في الخبر، لأنها تعمل في الجزئين على الصحيح. أما البناء معها فأكثر النحاة على أنه لتركبها مع اسمها تركيب خمسة عشر، [وَمِثْلُهُ] أي المثال السابق [لَا رَيْبَ فِي الكِتَابِ] لا نافية للجنس، وريب اسمها مبني على الفتح في محل نصب، لأنها تعمل عمل إنَّ، فالأصل فيها أنَّها تعمل لفظاً ومحلَاّ مثل لا صاحبَ علمٍ، لا طالعًا جبلاً هذا الأصل فيها ولكن لما ركِّبت مع ما بعدها وهو المفرد تركيب خمسة عشر بُني اسمها، وعلى القول الآخر بأنه ضُمِّنَ معنى مِن الاستغراقية، فحينئذٍ نقول: بُني لتضمنه معنى حرف، في الكتاب جار ومجرور متعلِّق بمحذوف خبر لا.
وَيَجِبُ التَّكْرَارُ وَالإِهْمَالُ
…
لَهَا إِذَا مَا وَقَعَ انْفِصَالُ
إذا كان مدخول لا معرفة نحو: لا زيدٌ في الدار ولا عمرُو، حينئذٍ يجب إهمالها مع التكرار عند غير المبَرِّد وابن كيسان إشعارًا بإلغائها، وجب إهمالها يعني لا تعمل عمل إنَّ مع تكرارها إذا لم
يكن مدخولها نكرة، وكذلك إذا فُصل بين لا واسمها وجب الإهمال والتكرار، والناظم هنا جعل وجوب التكرار والإهمال مقيَّداً بعدم الاتصال فقط، والأصحُّ أنه شامل للشرطين، وهو نفي كون الاسم نكرة وذلك إذا كان معرفة، أو متصلاً بها وذلك إذا كان منفصلاً، فقال:[وَيَجِبُ] الرفع على الابتداء لضعفها بالفصل، و [التَّكْرَارُ] يعني تكرار لا مرة أخرى، [وَالإِهْمَالُ لَهَا] يعني أن لا تعمل عمل إنَّ، وذلك [إِذَا مَا وَقَعَ انْفِصَالُ] بينها وبين اسمها كقوله تعالى:((لَافِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47))) [الصافات:47] الأصل لا غولَ فيها، فحينئذٍ تعمل عمل إنَّ يبنى معها على الفتح، ولكن لماَّ فُصِلَ بالخبر بين لا واسمها، وجب الإهمال فقال: لا فيها غَولٌ بالرفع للفصل بين لا واسمها، وتقول: لا زيدٌ في الدار ولا عمروٌ، وجب الإهمال لتخلَّف الشرط الثاني وهو كون اسم لا نكرة، فحينئذٍ يكون ما بعدها مرفوعًا على أنه مبتدأ، لا زيدٌ في الدار فلا نافية للجنس ملغاة، وزيدٌ مبتدأ مرفوع بالابتداء، وفي الدار متعلِّق بمحذوف خبر، فتكون الجملة مستقلة كأنها لم تدخل عليها لا، [وَيَجِبُ التَّكْرَارُ وَالإِهْمَالُ لَهَا] يعني يجب التكرار تكرار لا فيما إذا لم تتصل باسمها [إِذَا مَا وَقَعَ انْفِصَالُ] أو إذا وقع اسم لا نكرة عند غير المبرد وابن كيسان إشعاراً بإلغائها، إذا كُرِّرت لا حينئذٍ هذا فيه إشعار، وهو أمر ظاهر بأنَّ لا ملغاةٌ، حينئذٍ وجب الإهمال ورفع ما بعدها على أنه مبتدأ، وقوله [إِذَا مَا] ما زائدة يعني إذا وقع انفصال، قال بعضهم:
يَا طَالِبًا خُذْ فَائِدَهْ
…
مَا بَعْدَ إِذَا زَائِدَهْ
تَقُولُ فِي المِثَالِ لَا فِي عَمْرِو
…
شُحٌّ وَلَا بُخْلٌ إِذَا مَا اسْتُقْرِي
[تَقُولُ فِي المِثَالِ لَا فِي عَمْرِو شُحٌّ وَلَا بُخْلٌ] هذا مثل: لا فيها غولٌ، هنا اسم لا في الأصل نكرة لا شُحَّ في عمروٍ، لكن لَمَّا فُصِل بين لا واسمها النكرةِ بالخبر وهو جار ومجرور وجب الإهمال والتكرار، فقوله: لا في عمروٍ شحٌ فَصل بالخبر وهو جار ومجرور ومعلوم أنهم يتوسعون في المجرورات والظروف مالا يتوسعون في غيرهما، فإذا بطل عملها مع الفصل بالجار والمجرور وهو خبر، فغيره من باب أولى وأحرى، وحينئذِ مثال الناظم فيه إشارة إلى أنَّه إذا كان الفاصل بين لا واسمها بالخبر وهو جار ومجرور فغيره من باب أولى، فإذا قيل: لا قائمٌ رَجلٌ على التقديم والتأخير، فيبطل عملها حينئذٍ. [إِذَا مَا اسْتُقْرِي] ما زائدة، وأقرَى واستقرى إذا طلب ضيافةً يعني إذا طُلبتْ منه الضيافة فلا بخل ولا شح.
هذه الأحكام السابقة للا إذا لم تكرَّر أصالة، أما إذا كُرِّرت ابتداء فحينئذ قال:
وَجَازَ إِنْ تَكَرَّرَتْ مُتَّصِلَهْ
…
إِعْمَالُهَا وَأَنْ تَكُونَ مُهْمَلَهْ
تَقُولُ لَا ضِدَّ لِرَبِّنَا وَلَا
…
نِدَّ وَمَنْ يَأْتِ بِرَفْعٍ فَاقْبَلَا
إن تكررت لا مع مباشرة النكرة جاز إعمالها وجاز إلغاؤها، فعدم التَّكرار موجب للعمل، والتكرار مجوِّز للعمل، حينئذٍ إذا قيل: لا رجلَ في الدار، نقول: الإعمال واجب، وإذا كُررت لا مع
بقية الشروط نحو: لا رجل في الدار ولا امرأة، نقول: إعمالها جائز، إعمال لا في الموضعين جائز وليس بواجب، والتكرار مجوِّز له وللإهمال فتقول: لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ، ولا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ، وهذا كما في المثال المشهور لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، هنا تكررت لا ودخلت على نكرتين لا حول هذه وُجدت فيها الشروط، ولا قوة وجدت فيها الشروط أيضًا، فنقول: إن تكررت لا مع النكرة جاز في النكرة الأولى وجهان: الفتح والرفع، الفتح على أنَّها أعملت على أصلها، فتقول: لا حولَ لا نافية للجنس، وحولَ اسمها مبني على الفتح في محل نصب، وحينئذٍ جاز في الثاني ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الفتح على الإعمال لتركبه مع لا الثانية، فتكون الثانية عاملة عمل إنَّ. فتقول: لا حولَ ولا قوّةَ، قوةَ مبني على الفتح في محل نصب، لأن لا نافية للجنس، واسمها نكرة، وهو متصل بها، فوجدت الشروط لكن الإعمال جائز وليس بواجب.
الوجه الثاني: النصب عطفًا على محلِّ اسم لا، وتكون لا الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف عليه. فتقول: لا حَولَ ولا قوةًً بالنصب، فالواو حرف عطف، ولا زائدةٌ، وقوةًَ معطوف على محل اسم لا، لأنك تقول لا حولَ هذا مبني على الفتح في محل نصب، حينئذٍ يجوز العطف عليه بالنصب فتقول: لا حولَ ولا قوةًَ بالنصب ولا تصير ملغاة، وحينئذٍ راعيت المحل عند العطف.
الوجه الثالث: الرفع، وهذا فيه ثلاثة أوجه أحسنها أن تكون لا الثانية عاملة عمل ليس فتقول: لا حولَ ولا قوةٌ، ولا قوةٌ بالرفع فالواو حرف عطف، ولا نافية تعمل عمل ليس، وقوةٌ بالرفع اسم لا، وخبرها محذوف، أو خبرها المذكور وهو بالله، ويُقدَّر للأول. إن أعملتها مستقلةً أو أعملتها عمل ليس صارت جملتين، وإذا عطفتَ على محل اسم حول صارت جملة واحدة، لا حولَ ولا قوةَ، ولا حولَ ولا قوةٌ هاتان جملتان، ولا حولَ ولا قوةًَ، هذه جملة واحدة.
إذا رفعت الأول وأبطلت إعمالها فقلت: لا حولٌ فهذا جائز، لأنه مع وجود الشروط والتكرار يجوز الإهمال، فحينئذٍ لا يجب العمل، فلا نافية للجنس، وحولٌ مبتدأ، وسَوَّغ الابتداء به كونه في سياق النفي، وحينئذٍ الثاني يجوز فيه وجهان: الفتح إعمالا للا، فتقول: لا حَوْلٌ ولا قوةََ، أو الرفع، كما سبق. ولا يجوز لا حَوْلٌ ولا قوةً بالنصب هذا ممتنع، لأنَّك جَوَّزت النصب في الثاني عطفاً على محل اسم لا، فقلت: لا حولَ ولا قوةً عطفت على محل حول وهو النصب، وهنا ليس عندنا اسم لا، ليس عندنا منصوب لا لفظاً ولا محلاًّ فسقط هذا الاحتمال.
إذاً يجوز في الأول وجهان: الرفع والبناء على الفتح، ويجوز في الثاني خمسةُ أوجه، ولا حولَ ولا قوةََ إلا بالله، ولا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله، ولا حولَ ولا قوةًً إلا بالله، ولا حولٌ ولا قوةََ إلا بالله، ولا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله.
وهذا هو الذي ذكره هنا في قوله: [وَجَازَ إِنْ تَكَرَّرَتْ مُتَّصِلَهْ] باسمها وهو نكرة [إِعْمَالُهَا] والأصل وجوب الإعمال لكن لَمَّا تكرَّرت صار جائزاً لا واجباً، [وَأَنْ تَكُونَ مُهْمَلَهْ] عن الإعمال فتكون ملغاة، وما بعدها مبتدأ، تقول في مثال ذلك [لَا ضِدَّ لِرَبِّنَا وَلَا نِدَّ] أعمل لا في الموضعين، لا ضِدَّ لا نافية للجنس، وضدَّ اسمها مبني على الفتح في محل نصب، ولِرَبِّنَا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا، وَلَا نِدَّ على إعمال الثاني مثل لا حولَ ولا قوةََ، [وَمَنْ يَأْتِ بِرَفْعٍ] للأول فيقول: لا ضدٌ ولا ندٌّ [فَاقْبَلَا] يعني فاقبل منه ذلك، والألف هذه إما مبدلة عن نون التوكيد الخفيفة وإما للإطلاق، وكونها مبدلة أولى. والناظم قد اختصر المسائل هنا وقد بيناها فيما سبق.